برنامج مقياس قانون الأسرة الجزائري للسداسي الأول.
أولاً: التطور التاريخي لقانون الأسرة.
أ-العهد الاستعماري.
ب-المشرع الجزائري و قانون الأسرة.
ثانياً: الملاحظات حول أحكام قانون الأسرة ( 1984-2005).
الباب الأول: الزواج و حالة الزوجين.
الفصل الأول: تكوين عقد الزواج.
مبحث تمهيدي: تعريف الزواج و حكمه الشرعي.
1-تعريفه.
2- حكمه.
المبحث الأول: الخِطبة.
المطلب الأول: شروط صحة الخِطبة.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للخطبة.
المطلب الثالث: أحكام العدول عن الخِطبة.
1-حكم المهر.
2- حكم الهدايا.
3- التعويض.
المبحث الثاني: ركنا و شروط عقد الزواج.
المطلب الأول: الركن البيولوجي.
الفرع الأول : الاختلاف في الجنس.
الفرع الثاني : أهلية الزواج.
الفرع الثالث : الشهادة الطبية.
المطلب الثاني : الركن المتعلق بفكرة العقد.
الفرع الأول : طرق التعبير عن الإرادة.
الفرع الثاني : الشروط المتعلقة بالتعبير عن الإرادة.
الفرع الثالث: الاشتراط في عقد الزواج.
المطلب الثالث : الولاية في الزواج.
1-شروط الولي.
2-ترتيب الأقارب.
3-زواج البالغة العاقلة.
4-زواج القصر و مختلي العقل.
المطلب الرابع: الشرط الاجتماعي (الخلقي) .
الفرع الأول: موانع الزواج المؤبدة.
أ-أساسها.
ب-حالات الموانع المؤبدة.
1-قرابة الدم.
2-قرابة المصاهرة.
3-الرضاعة.
الفرع الثاني: الموانع المؤقتة.
أ-المحصنة.
ب- المعتدة ( المرأة الحامل، المطلقة التي تحيض، المطلقة التي لا تحيض،عدة من غاب عنها زوجها، عدة من توفى عنها زوجها و تداخل العِدد ).
ج-المطلقة ثلاثاً .
د- الجمع بين المرأة و أختها أو عمتها أو خالتها.
ه- الخامسة فوق الرابعة ( تعدد الزوجات).
1-أن تكون العدد بما حددته الشريعة الإسلامية.
2-أن يكون لدى الشخص مبرر شرعي.
3-أن يكون لدى الشخص نيّة العدل و ما يكفيه لتحمل نفقات الزوجات.
4-الحصول على الرخصة القضائية.
و- اختلاف الدين.
1-من لا تدين بدين سماوي.
2-زواج المسلمة.
المطلب الخامس: الصداق.
الفرع الأول: تعريف الصداق و دليل وجوبه و طبيعته القانونية.
الفرع الثاني : شروط الصداق.
1-أن يكون الممهور مالاً متقوماً.
2-أن يكون مقدوراً على تسليمه عند العقد.
3-أن يكون معلوماً.
4-مقدار الصداق.
5-تعجيل الصداق و تأجيله.
الفرع الثالث: أنواع الصداق و مؤكداته.
الفرع الرابع: سقوط الصداق و نكاح الشغار.
1-سقوط نصف المهر.
2-سقوط المهر بكامله.
3-نكاح الشغار.
الفرع الرابع: النزاع حول الصداق.
المبحث الثالث: في الشكلية.
المطلب الأول: الشهود.
الفرع الأول: شروط الشهود.
المطلب الثاني: طرق إثبات عقد الزواج.
الفرع الأول: شروط الكتابة.
الفرع الثاني: الوثائق اللازمة لتسجيل عقد الزواج.
المبحث الرابع: جزاء عدم احترام أحكام الزواج.
الفصل الثاني: آثار الزواج.
المبحث الأول: الآثار فيما بين الزوجين.
المطلب الأول: الحقوق المشتركة بين الزوجين.
المطلب الثاني: حقوق الزوج على زوجها.
المطلب الثالث: حقوق الزوج.
المبحث الثاني: الآثار بالنسبة للأولاد.
المطلب الأول: ثبوت النسب.
الفرع الأول: ثبوت النسب في الزواج الصحيح.
الفرع الثاني: ثبوت النسب في الزواج الفاسد.
الفرع الثالث : الإقرار بالبنوة و الأبوة و الأمومة.
الفرع الرابع : أحكام التلقيح الاصطناعي.
المطلب الثاني: الحقوق و الواجبات بين الأبوين و الأبناء.
قائمة المراجع التي يمكن الاعتماد عليها في مقياس قانون الأسرة.
1)شرح قانون الأسرة الجزائري.
-غوثي بن ملحة: قانون الأسرة على ضوء الفقه و القضاء.
-أحمد نصر الجندي: شرح قانون الأسرة الجزائري.
-يوسف دلندا: قانون الأسرة.
-بن شويخ الرشيد: شرح قانون الأسرة الجزائري المعدل-دراسة مقارنة لبعض التشريعات العربية.
-العايش فوضيل: قانون الأسرة مدعم باجتهادات قضاء المحكمة العليا.
-العربي بلحاج: قانون الأسرة مبادئ الاجتهاد القضائي وفقاً لقرارات المحكمة العليا 1994.
-العربي بلحاج: الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري-الجزء الأول.
-عبد العزيز ساعد: الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
-عبد العزيز ساعد: قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد (أحكام الزواج و الطلاق بعد التعديل).
-محمد محدة: الأحكام الأساسية في الأحوال الشخصية-الجزء الأول في الخطبة و الزواج.
-فوضيل أسعد: أحكام الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
-تشوار الجيلالي: الزواج و الطلاق اتجاه الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية و البيولوجية.
2)مراجع باللغة الأجنبية و مجلات.
-غوثي بن ملحة: (le droit algérien de la famille ).
-تشوار الجيلالي (réfluxion sur les questions épineuses de code de la famille ).
-مجلة العلوم القانونية و الإدارية و السياسية: كلية الحقوق و العلوم السياسية-تلمسان.
-المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الاقتصادية و السياسية.
-المجلة القضائية: المحكمة العليا.
3)مراجع الشريعة الإسلامية .
-عبد العزيز عامر : الأحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية فقهاً و قضاءاً.
-الشيخ محمد أبو زهرة : الأحكام الشخصية.
-محمد مصطفى شلبي: أحكام الأسرة في الإسلام.
-عمر عبد الله: أحكام الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية.
-وهبة الزحيلي: الزواج و الطلاق-الجزء الثاني.
-حسن حسنين: أحكام الأسرة الإسلامية فقهاً و قضاءاً.
-كمال صالح البنّة: موسوعة الأحوال الشخصية.
-بدران أبو العينين بدران : الأحوال الشخصية دراسة مقارنة بين المذاهب السنية و الظاهرية.
4)القانون المقارن.
-مصطفى السباعي: شرح قانون الأحوال الشخصية السوري.
-عبد الرحمن الصابوني: شرح قانون الأحوال الشخصية السوري-الجزء الأول و الثاني.
مقدمة.
المبحث الأول: التطور التاريخي لقانون الأسرة.
المطلب الأول: أحكام الأسرة ما قبل الاستقلال.
كانت أحكام الشريعة قبل أن يتولى أبو يوسف القضاء في عهد هارون الرشيد هي التي تطبق على كل المسائل سواء أكانت أسرية،تجارية، مدنية أو تجارية، فكان القاضي يطبق فيها أحكام القرءان أو السنة و إذا لم يجد الحكم فيهما كان يرجع دائماً إلى فتاوى فقهاء الصحابة المتفق عليها، أما فيما اختلفوا فيه فكان يتمتع بحرية كبيرة في اختيار رأي من آرائهم الأقرب إلى القرءان الكريم أو السنة النبوية الشريفة و إلا فاجتهد الرأيين.
و عندما تولى أبو يوسف القضاء في بغداد كان أهم ما ميز هذه المرحلة التاريخية هو أنه كان يشترط في الشخص الذي يتولى القضاء أن يطبق ما جاء به المذهب الحنفي إذ أن هذا الأخير كان المذهب الرسمي للدولة العباسية، و بمعنى أدق فالشخص إذا أراد أن يتولى مهنة القضاء كان ينبغي عليه أن ينتقل من المذهب الذي كان عليه إلى المذهب الحنفي، و كان هو المذهب كذلك المطبق بالنسبة للدولة العثمانية فيما عدا ما كان عليه في الأندلس بحيث كانت هذه المنطقة تخضع للمذهب المالكي، و الشام أين كان يطبق مذهب الإمام الأوزاعي.
و قد استمر الوضع في الجزائر على هذه الوتيرة لغاية دخول المستعمر الفرنسي في 1830،حيث صعب على هذا الأخير توحيد أحكام الزواج بحيث كان أغلبية سكان الجزائر على مذهب الإمام مالك،فيما استثني سكان الجزائر العاصمة الذين كان قضاؤهم على مذهب أبي حنيفة كما هو بالنسبة للجالية التركية، و أحكام الإمام الإباضي بالنسبة للطائفة الإباضية فيما تعلق بمعاملاتهم بعضهم بعضا، و كان سكان القبائل يخضعون للأعراف التي كانت سائدة آنذاك عندهم.
و قد حاول المستعمر الفرنسي توحيد قانون الأسرة بحيث قام بإدخال بعض التعديلات على الأعراف الأمازيغية لاقترابها سواء من الفقه الإسلامي أو القانون الفرنسي، و ذلك عن طريق المرسوم الصادر في 01 أوت 1902 المتعلق بالولاية و الذي حدد سن الزواج بثماني عشرة سنة، و القانون المؤرخ في 2 ماي 1930 فيما يتعلق بالخطبة و الزواج، و بمرسوم 19 ماي 1931 المتعلق بالزواج و الميراث ،بينما الفرنسيين الأصلين و غيرهم من المتجنسين بالجنسية الفرنسية عن طريق مرسوم (Crimeu) لسنة 1870 بالنسبة للجزائريين اليهود،و كذلك عن طريق مرسوم (Sénatus consult) لسنة 1865 ، أو بحكم قانون (Jounart) لسنة 1919 ،و هذا كله بالنسبة للجزائريين الذين اكتسبوا المواطنة الفرنسية فكلهم كانوا يخضعون للقانون الفرنسي.
و أما الجزائريين فكانوا يخضعون كذلك للقانون الفرنسي فيما يتعلق بالمواد الجزائية،التجارية، الإدارية و الإجرائية فيما عدا أحوالهم الشخصية و معاملاتهم المدنية الخاصة بهم، و بمعنى آخر كان الجزائريون يخضعون لأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بمسائل الزواج ، الطلاق ، الميراث ،الوصية و الوقف ،و أمام هذه الوضعية فقد حاول بعض الفقهاء الفرنسيين البحث عن وضع مشروع لتنظيم الأحوال الأسرية و أول من قام بتوحيد هذا القانون هو (Marcel morand) و قد وضع هذا المشروع في 1916 و كان كاملا متكامل ،حيث نظم جميع مسائل الأسرة من زواج و طلاق و آثارهما في 263 مادة، و الهبة، الحُبوس،الوصايا و الميراث في 229 مادة،و الإثبات 79 مادة، و بالرغم من أن هذا المشروع لم يصدر كقانون كان القضاة الفرنسيين يطبقونه على الجزائريين المسلمين، و استمر الوضع كذلك إلى حين اندلاع حرب التحرير أين قام المستعمر حينها بوضع أول قانون مكتوب بشكل منظم يتناول مادة الأسرة و هو القانون 57-787 الصادر في 11 جويلية 1957 و الذي نظم بمقتضاه الزواج و الطلاق إلخ...،و إن أهم ما يلاحظ على ما جاء به المشرع في هذه القوانين هو مايلي:
1-أنه لا يتم إبرام عقد الزواج إلا بموافقة الطرفين و حضور الشاهدين أمام ضابط الحالة المدنية أو القاضي؛
2-لا ينحّل عقد الزواج طبقاً لهذا الأمر إلا عن طريق حكم قضائي و بطلب من أحد الزوجين،و قد اعتبر الأمر كلاً من الزنا و الحكم بعقوبة مقيدة للحرية لأحد الزوجين سبب أساسي لفك الرابطة الزوجية، كما أجاز طلب الطلاق عن طريق التراضي و هذا إلى جانب أسباب أخرى غير حاسمة كالسب و الشتم و سوء المعاملة؛
3-لقد حدّد هذا الأمر سناً معينة لإبرام عقد الزواج و هي خمس عشرة سنة (15) بالنسبة للفتاه و ثماني عشرة سنة (18) بالنسبة للفتى،و عليه فقد منع زواج الصغار.
المطلب الثاني: المشرع الجزائري و قانون الأسرة.
بعدما تحصلت الجزائر على استقلالها لم تسمح لها الظروف آنذاك بإعادة النظر في كل النصوص القانونية التي كانت سارية المفعول، و من ثم فقد استعصى عليها وضع نصوص تنظم كل المسائل الأسرية لقلة الكوادر، و من ثم لم يبق للجمعية التأسيسية إلا وضع قانون صدر في 31 ديسمبر 1962 ،نصت بمقتضاه بأن كل القوانين الموروثة عن المستعمر الفرنسي تبقى سارية المفعول فيما عدا التي لها طابع عنصري أو ماسة بسيادة الدولة،و عليه فإن مسألة الزواج و الطلاق تصبح خاضعة بمقتضى هذا القانون إلى الأمر الصادر في 4 فيفري 1959.
و كذلك القانون الصادر في 11 جويلية 1957 ،غير أنه أمام القضايا التي طرحت أمام القضاء الجزائري بشأن ما يسمى "زواج الصغار"( زواج الفتاة قبل البلوغ)،فكان الزوج يدخل بزوجته قبل أن تصبح بالغة مما كان يلحق بها أضرارا جسدية و معنوية،فأمام هذه الوضعية سارع المشرع إلى وضع قانون صدر في 29 جوان 1963 نظم بمقتضاه أهلية الزواج ،حيث حدد سن الزواج بالنسبة للفتاة بستة عشر سنة(16) و سن الفتى بثماني عشرة سنة(18)، ثم قام المشرع بعد ذلك بوضع عدة نصوص قانونية منها: قانون الجنسية،قانون التنظيم القضائي، قانون الإجراءات الجزائية و المدنية، قانون الولاية و البلدية ،و قانون الحالة المدنية...إلخ،
و الملاحظ أن هذه القوانين لا تنظم الأحوال الشخصية،و قد وضع المشرع في 27 ديسمبر 1975 القانون المدني الذي جاء في نص المادة الأولى منه على تحديد مصادر القانون و جعل من الشريعة الإسلامية المصدر الثاني بعد التشريع، مما يحتِّم على القاضي أن يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في غياب النص التشريعي.
مع العلم أن المشرع قبل أن يضع القانون المدني قد جاء بالأمر الصادر في 5 جويلية 1973 عن مجلس الثورة،و نص بمقتضاه على أن كل القوانين الموروثة عن المشرع الفرنسي تصبح ملغاة ابتداءاً من 1 جويلية 1975 ،و أن المادة 1003 من القانون المدني قد نصت على أن هذا القانون يصبح ساري المفعول ابتداء من 5 جويلية1975،و بعد ذلك شرعت الدولة الجزائرية في وضع عدة مشاريع لقانون الأسرة( نذكر منها: مشروع1981،1973،1966)، غير أن هذه المشاريع كلها لم تعرف النور،و ذلك راجع في الأساس إلى التيارين الموجودين على مستوى البرلمان،التيار الأول و هدفه كان تغريب قانون الأسرة،أي ينبغي على المشرع أن يضع النصوص التي تنضم المسائل الأسرية،بناءا على ما هو عليه في الدول الغربية ،بحجة أن أحكام الفقه الإسلامي أصبحت لا تواكب العصرنة، بينما يرى التيار الثاني بتطبيق أحكام الشريعة بحذافيرها على كل ما يتعلق بالمسائل الأسرية،و كان لكل تيار من التيارين حججه الخاصة به،فنحن لا نؤيد لا هذا و لا ذاك إذ أن العمل بتغريب قانون الأسرة يؤدي لا محالة إلى مسألة حساسة داخل المجتمع و هي أن يصبح القانون في واد و المجتمع في واد آخر،كذلك لا يمكن تطبيق الرأي الثاني لأن الفقه الإسلامي لما وضع الأحكام الأسرية كان في بعض الحالات يأخذ بعين الاعتبار الحقائق الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، و من ثم فكيف لنا في الوقت الحالي أن نطبق القاعدة الفقهية التي تسمح للشخص الزواج بمجرد البلوغ الطبيعي؟، أمام هذين الرأيين قام المشرع بإصدار قانون الأسرة في 9 جوان 1984 ،و لكن قبل الدخول في إعطاء لمحة عامة عن هذا القانون ينبغي الإشارة كذلك إلى أن التيار الأول أراد أن يجرد المجتمع الجزائري المسلم من كل تقاليده و عاداته و أعرافه بحيث احتج بالولاية في الزواج و اختلاف الدين كمانع من موانع الزواج و تعدد الزوجات ، المهر،الطلاق و التبني ،فرأى أن كل هذه الأحكام لا تواكب العصرنة، لكن ما يعاب عليه أن كل الأحكام المنظمة لهذه المسائل مستنبطة من القرءان الكريم ،و هو أول مصدر رسمي للشريعة الإسلامية، بل إن القاعدة في الفقه الإسلامي تقضي أنه" لا اجتهاد مع نص صريح"؛
1-بالنسبة للولاية يقول عليه الصلاة و السلام :" لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ " أخرجه ابن حبّان والبيهقيّ و صحّحه الألبانيّ ؛
2-أما فيما يتعلق باختلاف الدين فلا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير مسلم بحكم قوله تعالى من حيث الحكمة منه" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "النساء 34،و كذلك قوله صلى الله عليه و سلم " الإِسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعْلَى عَليْهِ "رواه الدارقطني في النكاح من سننه ، والروياني في مسنده ورواه الطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدلائل ؛
3-أما المهر فقالوا بأن المرأة تباع و تشترى و لا يمكن أن يتم الزواج بغير مهر لقوله تعالى " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا "النساء 4؛
4-كذلك بالنسبة لتعدد الزوجات قالوا بضرورة منع التعدد فقال تعالى" وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ" النساء 2؛
5-أما مسألة الطلاق فقالوا لما لا يمكن للزوجة أن تطلق بدورها كمثل الرجل و يقول تعالى و هو يخاطب الرجل " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ..." الطلاق 1؛
6-أما التبني فقالوا لما لا نبيح التبني غير أنه حرام بنص قطعي في القرءان الكريم،يقول تعالى" وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ *ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ"الأحزاب: 3-4؛
7-المسألة الأخيرة متعلقة بالميراث حيث طالبوا بالمساواة بين الرجل و المرأة في الميراث و يقول تعالى " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... "النساء 11.
و بعد ما نص المشرع على وضع قانون الأسرة فحاول بمقتضاه التقريب بين الاتجاهين في بعض الحالات المحصورة ،و سنورد أهم ما يلاحظ على هذا القانون و كذلك التعديلات التي أدخلت عليه (الأمر الصادر في 27 فيفري 2005).
المبحث الثاني : ملاحظات حول قانون الأسرة و التعديلات التي أدخلت عليه.
لقد وضع المشرع الجزائري قانون الأسرة سنة 1984،و يشمل هذا القانون أربعة كتب: الكتاب الأول في الزواج و الطلاق المواد من 4 إلى 80،الكتاب الثاني في النيابة الشرعية المواد من 81 إلى 125 ،الكتاب الثالث في الميراث المواد من 126 إلى 183 ،و الكتاب الرابع في التبرعات المواد من 184 إلى 220 ،و ما يمكن ملاحظته أن المشرع في هذا القانون قد خصّص ثلث المواد لتنظيم الزواج و انحلاله،و لكن بالرغم من أن المشرع قد خصّص هذا الجزء الوافر لتنظيم أحكام الزواج و الطلاق لكن ما يعاب عليه ( قانون الأسرة) أنه قد احتوى على بعض النصوص الغامضة و أخرى متضاربة، و في بعض الحالات قد سكت عن تبيان أحكام مسائل أسرية حساسة،و أمام هذه الوضعية يتسنى لنا أن نتساءل عما إذا فتح المشرع باب الاجتهاد أم أنه يتحتم على القاضي أن يطبق القانون (التشريع) بحذافيره؟ و بمعنى أدق هل أجاز المشرع للقاضي أن يجتهد في أحكامه مستأنساً في ذلك بمبادئ الشريعة الإسلامية ؟
و للإجابة عن ذلك نقول أن المشرع قد فتح باب الاجتهاد إذ أنه قد أخذ من جهة بمنهج مدرسة الشرح على المتون ،حيث جعل التشريع المصدر الرسمي الأول في قانون الأسرة، كما أخذ في الوقت ذاته بالمنهج التاريخي و منهج مدرسة البحث العلمي الحر التي تأخذ بتعدد مصادر القانون، و هو ما نص عليه بالفعل في المادة 222 بقوله" كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية".
-أما المسألة الثانية تتعلق بتطبيق قانون الأسرة من حيث الأشخاص،و هنا لنا أن نتساءل إذا ما أخذ المشرع الجزائري بنظام الطوائف أو قام بتوحيد قانون الأسرة و تطبيقه على كل الجزائريين؟
المقصود بنظام الطوائف هو أن يخصص المشرع لكل طائفة من الطوائف الموجودة في البلاد قانوناً خاصاً بها، مما يحتم على القاضي أن يسأل المتقاضي في المسائل الأسرية عن أي طائفة ينتمي إليها حتى يحدد له القانون الواجب التطبيق عليه، أما في حالة عدم الأخذ بنظام الطوائف و من ثم توحيد القانون فيقوم القاضي بتطبيقه على كل المتجنسين بالجنسية الجزائرية بصرف الديانة المنتمين إليها.
و للإجابة عن السؤال السالف تنص المادة 221 من قانون الأسرة على أنه"يطبق هذا القانون على كل المواطنين الجزائريين و على غيرهم من المقيمين بالجزائر مع مراعاة الأحكام الواردة في القانون المدني"،و نستخلص من النص النقطتين التاليتين:
أولاً: أن النزاع إذا كان أحد أطرافه يحمل الجنسية الجزائرية فإن أحكام قانون الأسرة الجزائري هي التي تطبق بشأنه،و هنا نعني به أن المشرع قد أخذ بضابط الجنسية من أجل تطبيق قانون الأسرة،و في بعض الحالات أخذ كذلك بضابط الدين بصرف النظر عن جنسية الشخص كزواج المسلمة بغير المسلم ...إلخ،و من ثم يكون المشرع الجزائري قد ترك نظام الطوائف إذ أن هذا القانون يطبق على كل الجزائريين بصرف النظر عن ديانتهم سواء كانوا مسلمين،مسيحيين أو ملحدين،و هذا على خلاف ما ذهبت إليه بعض تشريعات الدول الإسلامية كمدونة قانون الأسرة المغربية التي نصت في المادة الأولى الفقرة الخامسة على ما يلي:"...أما اليهود المغاربة تسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية"،و هذا النظام أخذت به دول أخرى في الشرق الأوسط كلبنان و مصر.
ثانياً:أما الاستثناءات الواردة في المادة 221 تتعلق فقط بأحكام القانون المدني الخاصة بالقانون الدولي الخاص المواد من 9 إلى 24 من القانون المدني (قواعد الإسناد)،و لهذا فهذه الاستثناءات لا يقصد بها نظام الطوائف و هذا ما يوضحه كذلك نص المادة الأولى من قانون الأسرة و نصها" تخضع جميع العلاقات بين أفراد الأسرة لهذا القانون".
-أما تطبيق القانون من حيث الزمان فتنص المادة 223 من قانون الأسرة على أنه" تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون"، و من ثم يصبح هذا القانون ساري المفعول تنفيذاً للمبدأين القانونيين التاليين: التطبيق الفوري للنص القانوني،و مبدأ عدم رجعية القوانين، أي أن كل الوقائع التي تصدر بعد التنصيص عليه تصبح خاضعة له،أما ما صدر قبله يخضع للنصوص السالفة بمعنى أنه لا يسري بأثر رجعي.
-أما تطبيق القانون من حيث المكان فيطبق قانون الأسرة الجزائري على كل الجزائريين أينما كانوا داخل الوطن أو خارجه ما لم يستثنَ هذا المبدأ بنص تشريعي،و يطبق على الأجانب المقيمين إلا ما استثني في القانون المدني.
الباب الأول: الزواج و حالة الزوجين.
الفصل الأول: تكوين عقد الزواج.
المبحث التمهيدي: تعريف الزواج و حكمه الشرعي.
أولاً: تعريف الزواج.
الزواج هو الاختلاط و الاقتران أي اختلاط أحد الشيئين بالآخر و ارتباطهما و في هذا جاء قوله تعالى " وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ "التكوير 7 ، أي قرنت بأبدانها و أعمالها،أما من حيث الاصطلاح فقد اختلفت و تضاربت آراء الفقهاء إذ أنه يختلف باختلاف المفاهيم الفلسفية في الزمان و المكان.
و قد عرفه الفقهاء القدامى على أنه" عقد يفيد استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع" ،في حين عرفه البعض الآخر على أنه" عقد وضع لتمليك المتعة بالأنثى قصداً "،و إنه ما يعاب على هذين التعريفين أنهما جعلا من العلاقة الجنسية الواقعة بين الطرفين هي الأسمى من بين أهداف عقد الزواج بل أكثر من ذلك،فإن الاستمتاع الذي قال به التعريف الثاني خاصة حصره في الزوج بينما الاستمتاع في العلاقة الزوجية هو أمر متبادل بين الطرفين، و هذا ما جعل هذه التعاريف و تعاريف أخرى مثلها تعاريف ناقصة،إذ أدّت ببعض الفقه المستشرق إلى تكييف عقد الزواج على أنه عقد بيع إذ أن محل البيع هو جسد المرأة و ثمن البيع هو الصداق،و قد ظهرت تعاريف أخرى لفقهاء معاصرين أكثر دقة حيث عرف الإمام محمد أبو زهرة الزواج على أنه "عقد يفيد حِل العشرة بين الرجل و المرأة و تعاونهما و يحدد ما لكليهما من حقوق و ما عليه من واجبات"،و في هذا الإطار فقد عرفه المشرع الجزائري في المادة 4 المعدلة من قانون الأسرة بنصه "الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي من أهدافه: تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب"،و يعاب على هذا التعريف أنه ناقص إذ هذا ليس من اختصاص المشرع بل الفقه بحيث قد جعل عقد الزواج شبيه بكل العقود الأخرى،و ذلك بقوله على أنه "...عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي..."،إذ أن أي عقد آخر مدني كان أو تجاري يتم بهذه الطريقة ،مع العلم بأن عقد الزواج هو عقد فريد و من نوع خاص لا يوجد أي عقد آخر شبيهاً به و ذلك سواء من حيث التكوين أو الآثار التي يرتبها ،بل أكثر من ذلك لا يمكن أن نعرف الشيء عن طريق تبيان أهدافه، و عليه يمكن أن نعرف عقد الزواج بأنه" عقد يتم بين رجل و امرأة تحل له شرعاً و بمقتضاه تنشئ بينهما علاقة أسرية يحدد القانون أركانها،شروطها،آثارها و انحلالها ".
ثانياً: الحكم الشرعي للزواج.
لقد كيّف فقهاء الشريعة الإسلامية الزواج عن طريق الحكم الشرعي له بحيث أن الشريعة الإسلامية تحث الأشخاص على الزواج و ذلك في قوله تعالى"... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ" النساء 2،و عن عبد الله بن مسعود يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ "و يقول عليه الصلاة و السلام كذلك" تزوّجوا الْوَدُود الْوَلُود؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ ،و أمام هذا الحثّ على الزواج بيّن فقهاء الشريعة الإسلامية حكمهم من كون الزواج: فرضاً، واجباً، حراماً، مكروهاً أو مندوب؛
1-الزواج مفروض: أما الزواج المفروض فهو يكمن في حالة الشخص المكلّف الذي يتأكد في وقوعه في الزنا إذا لم يتزوج و هو قادر على تحمل تكاليف الزواج المادية و المعنوية و لا يخشى من ظلم المرأة؛
2-الزواج واجب: يكون الزواج واجباً و ذلك في حالة ما إذا كان الشخص غير متيقن من الوقوع في الفاحشة مع توافر الشرطين السابقين؛
3-الزواج حرام: يكون الزواج حراماً إذا لم تكن للشخص المكلف القدرة الكافية على تحمل تكاليف الزواج، أو كان متيقناً من ظلم زوجته بشتى أنواعه؛
4-الزواج المكروه: و يكون الزواج مكروهاً إذا خاف الشخص و هو غير متيقن لا من وقوعه في الزنا و لكن يخشى على نفسه من ظلم المرأة و من عدم قيامه بحقوقها؛
5-إذا تيقن الشخص الوقوع في الفاحشة بتركه الزواج و هو أيضاً متيقن من ظلمه للمرأة إذا تزوج فهنا يوجد تعارض بين حالتين:الأولى يُفرض فيها الزواج و الثانية يُحرّم فيها،حول هذه المسألة فقد تضاربت آراء الفقهاء من حيث الحكم الشرعي بحيث يرى البعض بأنه لا يمكن من الناحية الشرعية دفع مُحرّم بارتكاب مُحرّم آخر،و لكن جرى الأمر عند الفقه المالكي بأنه من المستحسن أن نبيح له الزواج إذ أن الظلم سيكون منحصراً في امرأة واحدة و لعلّه بعد الزواج سيصبح مستأنساً بها مما يدفعه إلى إعادة النظر في تصرفاته ،بينما لو منعنا عنه الزواج سيصبح الضرر يمس عدداً أكبر من النساء و هذا ما يتنافى مع المصلحة الاجتماعية.
المبحث الأول: الخطبة.
الخِطبة بكسر الخاء هي في الاصطلاح طلب الرجل التزوج بامرأة معينة خالية من الموانع،و قد يكون هذا الطلب مباشرة من الرجل الراغب في الزواج كما يمكن أن يكون من قبل موكله،كما يمكن للمرأة أن تتقدم بهذا الطلب،و عموماً يتم تقديم الطلب إليها أو إلى وليها ،و عليه فإن السر في وجود الخِطبة يتجلى في الاطلاع على ما هو عليه كل طرف من قِبل الطرف الآخر من عادات ، تقاليد ، أخلاق و ميول حتى يتم عقد الزواج على أسس متينة و لذلك قد أجاز الشرع النظر كل واحد منهما إلى الآخر،و الأصل في النظر حديث الرسول صلى الله عليه و سلم و هو(( أن مغيرة بن شعبة قد خطب امرأة ليتزوج بها فقال له عليه الصلاة و السلام:"أنظرت إليها؟" قال:"لا" ،فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"أنظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما"))،و اتباعاً لذلك قد اتفق الفقه الراجح على جواز النظر إلى الوجه و الكفين،و رؤية المخطوبة لا تتم إلا بوجود مَحرم منها استناداً لقوله صلى الله عليه و سلم ما ورد عن جابر رضي الله عنـه : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَخْلُونَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ، فَإِنَّ ثَالِثْهُمَا الشَّيْطَانُ "رواه أحمد .
المطلب الأول: شروط صحة الخطبة.
حتى تتم الخطبة من الناحية الشرعية و القانونية صحيحة يُشترط فيها عدة شروط من بينها: ألا تكون المرأة المراد خطبتها مُحرماً زواجها على الراغب استناداً للقاعدة الفقهية "إذا كانت الغاية حرام كانت الوسيلة حراماً كذلك"، و بمعنى أدق فالمرأة التي يجوز خِطبتها هي المرأة التي يجوز الزواج بها؛
و عليه فلا يجوز للشخص أن يتقدم لخطبة مايلي:
-المرأة التي تكون إحدى محارمه من النسب أو الرضاع أو المصاهرة؛
-و كذلك المرأة الممنوعة عليه منعاً مؤقتاً كزوجة شخصٍ آخر؛
-و كذلك المرأة المعتّدة بطلاقٍ رجعي باتفاق الفقهاء فهذه المرأة لا يجوز خِطبتها لا تصريحاً و لا تعريضاً؛
أما من حيث التشريع الجزائري فإن قانون الأسرة لا يعتد إلا بالطلاق القضائي أي الطلاق الذي ينطق به القاضي،و إذا تم الطلاق بهذه الكيفية فإنه لا يجوز للزوج أن يُراجع زوجته إلا بعقد جديد(المادة 50 من قانون الأسرة)؛
-و كذلك المرأة التي تكون معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى فهذه لا يجوز خطبتها لا تصريحاً و لا تعريضاً عند الحنفية،و قد أجازها الجمهور تعريضاً لانقطاع الصلة بين الزوجين بالطلاق؛
-أما المرأة المعتدة من وفاة فقد أجاز الجمهور خطبتها تعريضاً مع عدم الزواج بها في الحال.
و لكن تثور مسألة أخرى و هي إذا تمت خطبة امرأة من شخص و تقدم شخص آخر لخطبتها،فمن حيث الشرع فإنه لا يجوز خطبتها لقوله صلى الله عليه و سلم: " لاَ يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلاَ يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلاَّ أنْ يَأْذَنَ لَهُ " صحيح مسلم ،و في حديث آخر عن أبي هريرة يقول صلى الله عليه و سلم:" لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَو يَتْرُكَ "، و لكن أمام هذه القواعد الشرعية فقد فرّق الفقه الإسلامي في شأن خطبة مخطوبة الغير بين الحالات التالية:
الحالة الأولى، الموافقة الصريحة للمخطوبة :و قد اتفق فقهاء الشريعة على أنه إذا وافقت المرأة على خطبتها فإن خطبتها للغير من غير الرجل الأول تصبح حراماً؛
الحالة الثانية،الرفض القطعي للخطبة الأولى: ففي هذه الحالة يجوز للشخص الثاني أن يتقدم إلى خطبتها؛
الحالة الثالثة، سكوت المخطوبة على خطبتها: و هي أن يتقدم الشخص إلى خطبتها و لم تبين لا رفضها و لا قبولها ثم تقدم شخص ثاني لخطبتها، و قد اختلف فقهاء الشريعة في حكم هذه الحالة إلى رأيين:
-أصحاب الرأي الأول: (أبو حنيفة و مالك و غيرهما) قالوا بأنه لا يجوز للخاطب الثاني التقدم لأن سكوت المخطوبة و إن لم يدل على الرضا بالخاطب فهو لا يدل على الرفض، و بالتالي فخطبتها اعتداء على حق الغير.
-الرأي الثاني:(بعض الشيعة و البعض من الشافعية) ذهبوا للقول أنه يجوز خطبتها لحدِيث فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ(( حَيْثُ جَاءَتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أنّ أبَا جَهْمِ بن حُذَيْفَةَ ومعُاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيَانَ خَطَبَاهَا. فقالَ "أَمّا أَبُو جَهْمٍ، فَرَجُلٌ لاَ يَرْفَعُ عَصَاهُ عنِ النّسَاءِ. وأمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ. ولكِنِ انْكِحِي أُسَامَةَ")).
حكم الزواج بمخطوبة الغير.
فإذا كانت المرأة مخطوبة لشخص أول و تقدم شخص ثاني لخطبتها و تزوجت به فما حكم هذا الزواج؟هل هو صحيح و يرتب كل آثاره أم هو باطل؟ و للإجابة على هذا السؤال فقد تضاربت آراء الفقهاء :
بحيث يرى الاتجاه الأول (جمهور الفقهاء و أكثر الشيعة) أن خطبة الرجل على خطبة أخيه ليس له أي تأثير على العقد الذي يعتبر في هذه الحالة عقد صحيح و نافذاً آثاره شريطة أن يتم الزواج مع توفر كل أركانه و شروطه،فلا يمكن في هذه الحالة للقضاء أن يحكم بفساده إنما العقوبة ستكون أخروية؛
بينما يرى الاتجاه الثاني (الظاهرية) بفساد هذا الزواج و يجب فسخه سواء دخل بها أو لم يدخل بها، و قد علّلوا رأيهم بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم السالف الذكر؛
في حين يرى الاتجاه الثالث أنه ينبغي التفرقة بين حالتين: الحالة الأولى و هي حالة الدخول بها في هذه الحالة يتأكد العقد بالدخول،فلا يجوز بطلانه نتيجة ما يترتب عليه من أضرار،أما إذا لم يدخل بها فيكون العقد باطلاً.
و أمام تضارب الآراء الثلاث فما هو موقف المشرع الجزائري؟
تنص المادة 5 من قانون الأسرة الجزائري على أن "الخطبة وعد بالزواج، يجوز للطرفين العدول عن الخطبة"،و بناءاً عليه نستنتج أن المشرع الجزائري قد كيّف الخطبة على أساس أنها وعد مما أباح لكلا الطرفين العدول عنها،و من ثَمَّ فإذا وافقت المرأة على خطبتها الثانية و تم الزواج بهذه الكيفية فتكون في الوقت ذاته قد نكثت أو عدلت عن خطبتها الأولى مما يجعل العقد صحيحاً مع الخاطب الثاني، وذلك سواء دخل بها أو لم يدخل بها.
و كذلك لا يكفِ أن تكون المرأة صالحة للخطبة حتى تتم هذه الأخيرة صحيحة،بل ينبغي كذلك أن يتراضى الطرفان عليها و هو العنصر الأساسي في إبرام عقد الزواج و من ثَمَّ في الخطبة،كما يشترط ألا يكون الرضا معيباً بعيب من عيوب الرضا(الغلط،الإكراه و التدليس)،بينما تختلف الخطبة عن الزواج من حيث أن المشرع لم يحدد لها سناً معيناً و طبقاً للواقع في المجتمع الجزائري تتم الخطبة قبل الزواج لمدة قد تطول و لهذا فإن السن التي حددها المشرع في المادة7 من قانون الأسرة لا يشترط توافرها في حالة الخطبة،و مع ذلك فمن المستحسن أن تكون هذه السن تسمح للطرفين معرفة و تحديد خطورة المصالح محل الاعتبار حتى تكون الحياة الزوجية أكثر استقراراً،و من ثَمَّ استناداً لتلك المصالح فمن المفروض ألا تكون الخطبة قائمة إلا إذا بلغ الخاطب على الأقل سن 18 سنة للرجل و 17 سنة للمرأة .
و تتم الخطبة بدون توافر شرط الشكل،إذ أن الخطبة تتم بمجرد توافر الشروط الموضوعية سالفة الذكر من حيث الموانع و الرضا...إلخ.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للخطبة.
لقد ثار التساؤل حول الطبيعة القانونية للخطبة و ذلك سواء في إطار الفقه الإسلامي أو القوانين الوضعية،و للإجابة على هذا التساؤل فقد سبقت الإشارة إلى كل من الخاطب و المخطوبة و هما في حكم الأجنبيين،أي أنه لا يسمح لهما الاختلاط حتى و لو ألبسها خاتم الخطوبة و حتى لو قدم لها جزءاً من المهر أو كله،فذلك كله لا يعتبر عقد زواج،و مع العلم أن القانون الفرنسي القديم كان يصف الخطبة على أساس أنها عقد يرتب عدة نتائج منها: الحق في التعويض في حالة العدول على أساس المسؤولية العقدية،و كذلك يرتب بعض موانع الزواج،بينما المشرع الألماني فنص في المواد من 1297 إلى 1302 من القانون المدني و المشرع السويسري من المادة 90 إلى 95 رتب المسؤولية الناجمة عن العدول على أساس المسؤولية العقدية كذلك،و بعد هذا وصل الأمر إلى محكمة النقض الفرنسية و جاء في قرار لها صادر في 30 ماي 1938 بأن عدم تنفيذ الوعد بالزواج لا يسبب في حد ذاته الحكم بالتعويض لأن في ذلك اعتداء غير مباشر على حرية الزواج،و للقاضي الفرنسي ألا يرتب أية مسؤولية على العدول اللهم إلا إذا صاحب ذلك بعض التصرفات اللاحقة بالطرف الآخر أضراراً،أما في الجزائر فالمشرع الجزائري قد نص كذلك في المادة 5 من قانون الأسرة على أن العدول هو حق لكلا الطرفين، و عليه فطبقاً لهذه المادة فإن المشرع الجزائري قد حذا حذو فقهاء الشريعة الإسلامية من حيث تحديد الطبيعة القانونية للخطبة،غير أن الغريب في الأمر أنه قد جاء بنص يتنافى و الأعراف الجزائرية إذ كان ينص في المادة 6 قبل تعديلها من ذات القانون على أن "اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجاً"،و من هنا نرى أن المشرع قد تأثر خاصة بالتشريعين السوري و المصري ،و مع العلم بأن الفاتحة وفقاً للأعراف الجزائرية تُقرئ بعد إتمام الزواج فهذا الموقف للمشرع أدى بالقضاء الجزائري إلى التضارب في القرارات و الأحكام،بحيث أن هناك بعض القرارات اعتبرت الفاتحة على أنها وعد بالزواج بينما ذهبت قرارات أخرى كيفتها على أساس أنها عقد زواج،بحيث استقرت القرارات الصادرة عنها على تكييف الفاتحة بأنها زواج عند توافر الشروط و الأركان الخاصة بعقد الزواج،و في هذا الإطار قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 14 أفريل 1992 أنه"من المقرر قانوناً أنه يمكن أن تقترن الخطبة مع الفاتحة أو تسبقها بمدة غير محدودة و من المقرر أيضاً أنه يثبت الزواج بتوافر أركانه المقررة شرعاً"،و قضت أيضاً في قرار آخر صادر بتاريخ 4 أفريل 1995 أنه" إن اقتران الخطبة بالفاتحة بمجلس العقد تعتبر زواجاً متى توافرت أركانه طبقاً للمادة 9 من قانون الأسرة"،و هو الأمر الذي أدى بالمشرع لتعديل الفقرة 2 من المادة 6 من قانون الأسرة و نصها "غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد يعتبر زواجاً متى توافر ركن الرضا و شروط الزواج المنصوص عليها في المادة 9 مكرر من هذا القانون"،و في هذا قضت المحكمة العليا في عدة قرارات لها بأنه" متى كان الزواج العرفي متوافراً على أركانه التامة و الصحيحة فإن القضاء بتصحيح هذا الزواج و تسجيله في الحالة المدنية و إلحاق نسب الأولاد بأبيهم،يكون قضاء موافق للشرع و للقانون"(19 سبتمبر 2000)،و من ثَمَّ فإن تكييف الخطبة بأنها وعد بالزواج خلافاً لاقتران الفاتحة بالخطبة يؤدي إلى الحق في العدول،و من ثَمَّ عدم إلزام الطرف الآخر على الزواج احتراماً لمبدأ الرضائية الذي يرتكز عليه عقد الزواج،و كما أن تكييف الخِطبة بالوعد و التواعد يؤدي في حالة العدول إلى تطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية التي يشترط فيها الأركان الثلاث: الخطأ ،الضرر و العلاقة السببية بينهما،بمعنى أن عبئ الإثبات في هذه الحالة يقع على المضرور،فينبغي عليه من جهة أن يثبت الخطبة عن طريق جميع وسائل الإثبات ثم الضرر.
المطلب الثالث: آثار العدول عن الخطبة.
1)حكم المهر في العدول.
في حالة ما إذا تم العدول عن الخطبة يثور التساؤل حول حكم المهر،هل يسترده صاحبه أم تبقى المخطوبة محتفظة به؟ بالرجوع إلى قانون الأسرة نجد أن المشرع لم يحدد الأحكام أو الحكم الخاص بهذه الحالة،أي أنه سكت عنها، و لكن عملاً بالمادة 222 من قانون الأسرة التي تحيلنا إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية نرى أن الفقه الإسلامي قد أجمع على أنه ينبغي على المخطوبة أن ترد لخاطبها كل المهر قليلاً كان أو كثيرا بعد العدول عن الخطبة الذي كان سواء منه أو منها،و لكن العمل بهذا الحكم قد يلحق بالمخطوبة بعض الأضرار إذا تم تطبيقه بصفة صارمة مما ينبغي على المشرع أن يفرق بين حالتين استجابة لما تقضي به مبادئ الشريعة الإسلامية من حيث العدل و الوضع الاجتماعي:
الحالة الأولى: إذا كان العدول من جهة المخطوبة فيجب عليها رد المهر كاملاً و إن كانت قد بدأت بإعداد جهازها،لأنها في هذه الحالة تكون راضية بالخسارة التي لحقتها من شراء الجهاز أو الأثاث؛
الحالة الثانية: أما إذا كان العدول من جهة الخاطب فمن الظلم أن تلزم المرأة برد مثل النقد أو قيمته ففي الغالب تتصرف في المهر بعد الخطبة لتجهيز بيت الزوجية،و من العدل أن يكون لها الخيار بين إعادة المهر أو الجهاز الذي اشترته،و لكن ينبغي في الحالتين أن نأخذ بعين الاعتبار الشخص المتسبب في العدول،إذ يمكن أن يكون العدول من قبل المخطوبة و لكن المتسبب فيه هو الخاطب ،ففي هذه الحالة نمنح لها حكم الحالة الثانية و العكس صحيح.
2)حكم الهدايا في العدول.
لقد تضاربت آراء الفقه الإسلامي حول حكم الهدايا في حالة العدول عن الخطبة، حيث ذهب الأحناف إلى القول بأنه يجوز الرجوع عن الهدايا إذ أنها تأخذ حكم الهبة و لكن ما لم يوجد مانع من موانع ردها:كالهلاك ،الاستهلاك و الخروج عن اليد (المِلك)،في حين ذهب البعض الآخر (الحنابلة) إلى أنه لا يجوز للخاطب الرجوع في الهدايا سواء كانت قائمة أو مستهلكة،أما الشافعية فيرون بوجوب الرد مطلقاً غير أن المالكية كعادتهم قد فرّقوا بين حالتين:
حالة العدول من جانب الخاطب: و فيها لا يجوز لهذا الأخير أن يسترد الهدايا حتى لو كانت قائمة؛
حالة العدول من جانب المخطوبة: فإن كان العدول من جانبها فعليها أن تردها إذا كانت قائمة ( موجودة)،أو قيمتها إذا هلكت أو استهلكت ما لم يوجد شرط أو عرف يقضي بخلاف ذلك.
أما المشرع الجزائري فقد نص في المادة 05 المعدلة في الفقرتين 3 و 4 على أنه "لا يسترد الخاطب من المخطوبة شيئاً مما أهداها إن كان العدول منه و عليه أن يرد للمخطوبة ما لم يستهلك مما أهدته له أو قيمته،و إن كان العدول من المخطوبة فعليها أن ترد للخاطب ما لم يستهلك من هدايا أو قيمته"، و عليه نستخلص من هذا النص أن المشرع قد فرق بين العدول الذي يكون صادراً من الخاطب و العدول الصادر عن المخطوبة،بحيث نص صراحة على أنه ينبغي على المخطوبة العادلة أن ترد للخاطب ما لم يستهلك من هدايا أو قيمته،أما إذا كان العدول منه فهو لا يسترد شيئاً مما أهداها زيادةً على أنه ينبغي أن يرد لها ما لم يستهلك مما أهدته له أو قيمته،غير أنه ليس من العدل الإسلامي أن نأخذ بعين الاعتبار من حيث حكم الهدايا عند العدول عن الخطبة صاحبَ العدول بل كان على المشرع أن يأخذ بعين الاعتبار في هذا الصدد المتسبب في العدول بصرف النظر عن الشخص الذي صدر عنه العدول.
3)حكم التعويض في حالة العدول عن الخطبة.
إن الفقه الإسلامي القديم لم يتعرض إلى حكم التعويض في حالة العدول عن الخطبة،و ذلك راجع إلى نقاوة المجتمع التي كانت سائدة آنذاك، و كذلك المحافظة على القيم الإسلامية من حيث الابتعاد عن الحرام إذ كانوا ينهون عن المنكر و يأمرون بالمعروف؛
أما الفقه الإسلامي الحديث فقد تضاربت آراؤهم: حيث يرى الرأي الأول أنه لا يجوز التعويض في حالة العدول عن الخطبة لأن حق العدول هو حق معترف به شرعاً و من ثَمَّ لا يترتب على ممارسة الحقوق أي تعويض،في حين ذهب الرأي الثاني بأنه ينبغي التعويض في حالة العدول عن الخطبة و ذلك خلافاً للرأي الثالث القائل بإلزامية التعويض في حال وجود الضرر المادي،و أمام هذه الآراء الفقهية المتضاربة فإننا نعاتب الرأي الأول على أنه آخذ بجزء من القواعد الفقهية التي تعترف بحق الشخص في ممارسة حقوقه و تجاهلت القواعد الأخرى منها خاصةً قوله صلى الله عليه و سلم : " لا ضرر و لا ضرار في الإسلام"،بينما الرأي الثاني جاء مجحفاً إذ لم يحدد الضرر الواجب التعويض،و بحيث اكتفى الرأي الثالث بتعويض الشخص عن الضرر المادي،علماً أن الضرر المعنوي في هذه الحالة هو أكثر حدة من حيث الجسامة مما هو الضرر المادي،الأمر الذي دفع الرأي الرابع إلى الأخذ بالتعويض عن الضررين المادي و المعنوي في حالة العدول عن الخطبة و هو في الواقع ما أخذ به المشرع الجزائري في الفقرة 2 من المادة 5 المعدلة بقوله:"إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض"،و الواقع أن التعويض المشار إليه في هذه المادة يكون أساسه المسؤولية التقصيرية التي يجب أن تتوفر فيها أركانها الثلاث:الخطأ،الضرر و العلاقة السببية بينهما،و في هذه الحالة يجب أولاً على الشخص طالب التعويض إثبات الخطبة مع تبيان الأضرار اللاحقة به في حالة العدول و ما على القاضي إلا أن يحكم بالتعويض له شريطة ألا يكون تقدير التعويض تقديراً جُزافياً،و لكن ما يؤخذ على المشرع الجزائري أنه نص صراحة على أن التعويض يكون محله العدول عن الخطبة أي ربط العدول و التعويض و هو أمر يتنافى تماماً مع القواعد القانونية المنظمة لأحكام العمل غير المشروع أو الفعل الضار،و من ثَمَّ كان عليه أن يأخذ بما ذهبت إليه المادة 7 من مدونة الأسرة المغربية التي نصت صراحةً على أن "مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض،غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضرر للآخر يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض".
و ينبغي كذلك من جهة أخرى أن نفرق بين نوعين من الأضرار في حالة العدول عن الخطبة:
1-الأضرار الناتجة عن مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية كالخلوة بين الطرفين،التلمس و النزهات كلها تصرفات منافية لما قرره الشرع الإسلامي ،و من ثَمَّ لا يجوز لها أن تطلب التعويض عن الأضرار المعنوية التي لحقتها في حالة العدول من قبل الخاطب؛
2-أما الأضرار الأخرى الناتجة خاصة عن استمرار الخطبة مدة معينة من الزمن عدة سنوات دون مبرر أو المطالبة من المخطوبة بترك دراستها أو وظيفتها، فهي تعتبر تصرفات مسببة لأضرار يلزم من صدرت عنه بتعويض الطرف الآخر.
المبحث الثاني:ركنا و شروط صحة عقد الزواج.
لقد أجمع الفقه الإسلامي أن عقد الزواج هو عقد ثنائي الأطراف لا يتم إلا بإيجاب و قبول غير أن الاختلاف الذي وقع هو تحديد أركان الزواج، فهناك من حدده في ركنين هما: الإيجاب و القبول و هو ما ذهب إليه الأحناف بقول الكساني"...و أما ركنا النكاح فهما الإيجاب و القبول..."،بينما اعتبر الشافعية أن أركان عقد الزواج هي الصيغة( أي الإيجاب و القبول) ، الزوج ، الزوجة،الشاهدان و الولي،أما الحنابلة فقد حددوها في الإيجاب و القبول و الزوجين الخاليين من الموانع،في حين أن المالكية يرون أن أركان عقد الزواج هي:الولي،الصداق،المحل(الزوج و الزوجة) و الصيغة،و هذا التحديد الأخير هو ما تأثر به المشرع الجزائري في قانون الأسرة لـ9 جوان 1984،حيث حدّد أركان الزواج في المادة 9 منه قبل التعديل في الأركان الأربعة التي تبناها الفقه المالكي،غير أنه و بعد تعديله للمادة 9 في 2005 أصبح المشرع يحدد أركان الزواج في ركن واحد هو الرضا،حيث أصبح ينص في المادة 9 المعدلة من قانون الأسرة على أنه "ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين"،أما الأركان الأخرى فأضفى عليها صفة شروط الصحة (المادة 33 من قانون الأسرة قبل التعديل).
المطلب الأول: الركن البيولوجي في عقد الزواج.
الفرع الأول: الاختلاف في الجنس.
أولاً: الاختلاف في الجنس بمعناه الفعلي.
يعتبر الاختلاف في الجنس ركناً أساسياً في عقد الزواج إذ بدونه لا تقوم قائمة للعقد كما أنه لا يمكن أن يحل محله أي نوعٍ آخر،إذ أن الاختلاف في الجنس هي مسألة جوهرية عند المشرع الجزائري و من ثَمَّ فخلافاً لما هو عليه في بعض الدول الغربية فالمشرع لا يعترف إلا بالزواج التام بين شخصين من جنسيين مختلفين،أما العلاقة القائمة بين رجلين أو امرأتين لا يمكن تكييفها أنها عقد زواج،و في الحقيقة إذا كان المشرع قد سكت عن هذا الركن عند ذكره لركن عقد الزواج في المادة 9 المعدلة من قانون الأسرة فلأنه كان في ذهنه أنه أمر طبيعي تقتضيه طبيعة الأمور في الزواج،و لكن بالرغم من ذلك فقد جاء التنصيص على هذا الاختلاف في المادة 4 المعدلة من قانون الأسرة و نصها" الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي".
و الجدير بالملاحظة أن تحديد جنس الشخص أو ما يسمى بإثبات اختلاف الجنس يتم عن طريق عقد الميلاد المقدم من الطرفين إلى ضابط الحالة المدنية أو الموثق،و الذي يحدد فيه:يوم الولادة،المكان،الزمان،الأسماء التي أعطيت للطفل و جنسه،و هو ما نصت عليه المادة 74 من قانون الحالة المدينة "يجب على كل واحد من طالبي الزواج أن يثبت حالته المدنية بتقديم...ملخص مؤرخ بأقل من ثلاثة (3) أشهر إما لشهادة الميلاد و إما لتسجيل الحكم الفردي أو الجماعي المثبت للولادة"،
و لم يعترف المشرع الجزائري بزواج المثليين بل و اعتبر العلاقة بين المثليين "شذوذاً جنسياً" و يعاقب عليها في قانون العقوبات بمقتضى المادة 338 التي تنص على أنه "كل من ارتكب فعل من أفعال الشذوذ الجنسي على شخص من نفس جنسه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين..."،
و بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الجزائري يختلف على ما هو عليه في القانون الكنسي من حيث أن هذا الأخير قد اشترط في الشخص المقبل على الزواج أن تكون له القدرة على الاتصال الجنسي و أن يتوافر على كل المقومات اللازمة للتناسل،فهذين الشرطين لم ينص عليهما المشرع الجزائري إذ أن الزواج التام مع أحد الشخصين سالفي الذكر يعتبر صحيحاً إذا تم بدون تدليس،
و لكن ما العمل لو تم الزواج بدون إعلام الطرف الآخر بما هو مصاب به من أمراض تناسلية؟
بالرجوع إلى المادة 180 فقرة 2 من القانون المدني الفرنسي فإن الغلط في صفة من الصفات الجوهرية لأحد المتعاقدين يجعل الزواج قابلاً للإبطال ،أما بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نرى أن المشرع بل أن القضاء قد خلُص إلى أن النقص في القدرة الذاتية على الجماع سبب من أسباب انحلال الرابطة الزوجية بالطلاق أو التطليق بعموم النصوص في المادتين 48 و 53 من قانون الأسرة،غير أن ما اعتاد عليه القضاء الجزائري في إصداره لمثل هذه الأحكام يعود في الأساس إلى ما يطلبه منه المتقاضين،و من ثَمَّ فإن هذه الأحكام لا تتماشى لا مع الواقع و لا مع القانون،إذ من حيث الواقع ليس من المتصور عادة أن الشخص الذي يكون سالماً من الناحية الجنسية أن يقبل الزواج من شخص آخر يفقد هذه القدرة،و من ثَمَّ لا يمكن أن يكون راضياً بتكوين أسرة و بناء مستقبل متنافي مع أهداف عقد الزواج،أما من الناحية القانونية فإن الزواج مع مثل هذا الشخص يتعارض مع القواعد العامة التي تنظم نظرية العقد شرعاً أو قانوناً،إذ أن التدليس أو ما يسمى بالتغرير في الفقه الإسلامي هو سبب من أسباب بطلان العقد،حيث أن الشخص المقبل على الزواج لو كان عالماً بهذا المرض لما تزوج مع الطرف الآخر،مما يجعل قانون الأسرة مشوباً بالنقصان في هذا المجال أي فيما يتعلق بعيوب الرضا.
الخنثى( الشخص المتردد أمره بين الذكورة و الأنوثة).
لقد ظهر في الواقع أن هناك طائفة من الأشخاص أصبح أمرها متردد بين الذكورة و الأنوثة و هو ما يطلق عليه تسمية "الخنثى"،و إن هذا النوع من الأشخاص لا يمكن أن يبق منعزل عن المجتمع فقد أجازت الشريعة الإسلامية الزواج و حثت عليه،و من ثَمَّ فلا يمكن أن نحرمه من هذه العلاقة الطبيعية بحيث إذا ما استطعنا أن نحدد الجنس المتغلب لديه فهو يعتبر ذكراً أو أنثى و لا يمكنه أن يتزوج إلا على هذه الصفة،غير أنه في بعض الحالات قد لا يتضح أمره إلا بعد ظهور بعض الأمارات الطبيعية كالأمارات الخاصة بالذكور :الذقن،الاحتلام و القدرة على الاتصال الجنسي،أما بالنسبة للأعراض الخاصة بالنساء فنجد مثلاً: الحيض و الثديين،و عليه فيتزوج وفقاً لهذه الأمارات و لكن لا يكون ذلك إلا بعد تأكيده عن طريق شهادة طبية،أما إذا كان أمره غير واضح تماماً و هو ما يطلق عليه فقهاً "الخنثى الـمُشكَّل" فإن هذه الطائفة من الأشخاص يمكن أن نرجع إلى ما توصلت إليه الاكتشافات العلمية و الطبية من أجل تصحيح أعضائه التناسلية و من ثَمَّ توطيد العضو المتغلب لديه،و لا يجوز له الزواج إلا على هذه الحالة الجديدة.
و بالنسبة للخنثى فمن الناحية القانونية إذا أجاز الشرع و التشريع القيام بتصحيح أعضائه التناسلية فإنه ينبغي عليه أن يبلغ الطرف الآخر بما هو عليه لأن سكوته في هذه الحالة يعتبر تدليساً دافعاً للطرف الآخر إلى الوقوع في غلط في الشخص،إذ يعتقد الطرف الآخر بأنه تزوج مع شخص عادي من حيث الذكورة أو الأنوثة،فإذا به وجد الأمر خلافاً لذلك مما يعطيه الحق في طلب إبطال عقد الزواج ،إذ أن هذا الأخير تم إبرامه بطريقة غير صحيحة (الفقه الإسلامي يطلق عليه مصطلح "التغرير" بدل "التدليس").
التغيير الجنسي.
لقد أوجد الواقع الغربي أن هناك طائفة من الأشخاص و أن هذه الطائفة يعتقد أصحابها بأنهم على غير الجنس الذي هم عليه،و من ثَمَّ يلجؤون إلى القيام بعمليات جراحية جد خطيرة فيصبح الشخص ذكراً بعد ما كان أنثى و العكس صحيح،و يرى بعض الفقه الغربي أنه في حالة ما تزوج هذا الشخص و رفع أمره إلى القضاء من أجل حل الزواج فيكون الجزاء البطلان على أساس أن من تزوج معه في الأصل هو من نفس جنسه،و لكن غالباً ما أن هذه الطائفة من الأشخاص ترفض الزواج من أجل تغيير الجنس و من ثَمَّ يتسنى لها الزواج على أساس الحالة الجنسية الجديدة شريطة أن يكون القانون الساري حينها يعترف بالتغيير الجنسي،فالشخص عندما يقوم بتغيير جنسه يجب عليه أن يرفع أمره للقضاء من أجل الاعتراف له بذلك التغيير و تسمى تلك الدعوى عندهم بـ"دعوى إثبات الجنس"،فكان هناك اختلاف في الفقه الغربي حول الاعتراف أو عدم الاعتراف بهذا التغيير فرفع الأمر مثلاً أمام القضاء في فرنسا و قضى في هذه الحالة بعدم الاعتراف بذلك التغيير مستنداً على مبدأين أساسيين:
المبدأ الأول: يكمن في مبدأ عدم المساس بالنظام العام؛
المبدأ الثاني: يتجلى في عدم جواز التصرف في حالة الأشخاص .
و لكن بالرغم من هذا الموقف الذي استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية فقد اعترفت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بذلك التغيير وفقاً للمادة 8 من اتفاقية حقوق الإنسان الأوربية مما دفع القضاء الفرنسي للاعتراف بذلك،و لكن المشكل كان من الممكن أن يُثار في حالة عدم الاعتراف قبل صدور قرار المحكمة الأوربية،لأن هذا الشخص ينبغي أن يبق على حالته و لا يمكن له الزواج نظراً للتناقض الواقع في مظهره و أوراقه الرسمية.
أما في حالة الاعتراف فيتسنى له الزواج مع الشخص المضاد لجنسه الجديد،و من ثَمَّ كان القضاء يقضي بأن التغيير لا يتم إلا بعد إجراء فحص طبي دقيق و طويل المدة حتى نتأكد عما إذا لم يكن الشخص مصاباً بانهيار عصبي، و أن هذا التغيير في حالة الاعتراف لا يسري أثره إلا في المستقبل أي أن الحقوق الخاصة بالأشخاص الذين تعاملوا معه قبل التغيير تبقى سارية المفعول،
و إن هناك دول اعترفت بالتغيير الجنسي منذ مدة طويلة بحيث أن وجود أكثر من ألفي (2000) شخص محل تغيير في ألمانيا دفع بالمشرع لإصدار قانونٍ في 10 ديسمبر 1980 يسمح بالتغيير طبقاً للشروط التالية:
-أن يكون الشخص بالغ خمسة و عشرين( 25) سنة؛
-أن يكون الشخص مستنكراً لشخصه الطبيعي لمدة ثلاث (3)سنوات؛
-أن يكون محلاً لعملية جراحية لاقترابه بالجنس الآخر.
فهذا الاعتراف يسمح له بطلب بطلان زواجه الأول إذا كان متزوجاً،كما أن القانون الإيطالي لـ27 أفريل 1988 قد اعترف بالتغيير حتى لو كان الشخص متزوج و له أولاد،و القانون الهولندي لـ14 أفريل 1985 ،و كذلك القانون السويدي لـ21 أفريل 1972.
ما هو موقف الشريعة الإسلامية و المشرع الجزائري من التغيير الجنسي؟
المشرع الجزائري سكت في قانون الأسرة عن حكم الشخص الذي يكون محل تغيير جنسي،غير أنه قد نص في المادة 4 من قانون الأسرة المعدلة على أن" عقد الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي..."،و يستنتج من هذه المادة أن في ذهن المشرع و روح النصوص أن المقصود بكلمتي رجل و امرأة هو الأخذ بعين الاعتبار معيارين رئيسيين و هما:
-أن يكون الرجل أو المرأة قد ولدا بهذه الصفة؛
-أن تكون أوراقهم الرسمية تدلي بأنه رجل أو امرأة.
و من ثم فإن العلاقة حتى لو كانت علاقة زواج فإنها لا تعد بهذه الصفة ،و لا تكيف على أنها زواج في ظل التشريع الجزائري بل شذوذاً جنسياً،لأن العلاقة تصبح في الأصل بين رجلين أو امرأتين و من ثم لا يمكن أن ترتب هذه العلاقة أي أثر قانوني،و لا تخضع لما نص عليه المشرع في المادتين 33 و 38 من قانون الأسرة المنظمتين لمسألة الزواج الباطل و الفاسد.و من جهة أخرى فإن الطبيب أو الجراح الذي يقوم بهذه الأعمال يعاقب جنائياً وفقاً لما نص عليه المشرع في المادة 264 من قانون العقوبات و نصها"أي إجراء أحدث جروحاً للغير أو الضرب أو عمل آخر من أعمال العنف و الذي ترتب عليه فقد أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو أية عاهة مستديمة أخرى يعرض مرتكبوه لعقوبة السجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات"؛
كما نصت المادة 274 من قانون العقوبات بأن "كل من ارتكب جناية الخِصاء يعاقب بالسجن المؤبد و يعاقب الجاني بالإعدام إذا أدت للوفاة".
أما فيما يتعلق بموقف الشريعة من التغيير الجنسي فإنه لا يمكن تصور بأن هناك نقصاً وارداً في أحكام الشريعة، و كذلك لا يمكن للاجتهاد الفقهي و القضائي أن يتوسع في التفسير و التأويل لتغطية نقص خيالي، بل هي واضحة و تعتبر كل تصرف إرادي خارج عن أحكامها يعد انحرافاً عن قوانين الطبيعة، و من ثم ينبغي أن تتحمل المرأة أنوثتها و الرجل رجولته،و يظهر هذا من عدة آيات قرآنية منها قوله تعالى " ألمْ يكُ نُطْفة مِنْ منِيٍّ يُمْنى (37) ثُمّ كان علقة فخلق فسوّى (38) فجعل مِنْهُ الزّوْجيْنِ الذّكر والْأُنْثى (39) "القيامة،و تنفيذاً لذلك يقول عز وجل" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "الروم 30،و في آية أخرى يقول سبحانه " فَهَل يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّة الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلاً "فاطر43،و من جهة أخرى ورد في الحديث في شأن المتشبهين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (( "أَرْبَعَةٌ يُصْبِحُونَ فِي غَضِبِ اللَّهِ وَيُمْسُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ ، أَوْ يُمْسُونَ فِي غَضَبِهِ وَيُصْبِحُونَ فِي سَخَطِهِ "، قِيلَ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ "الْمُتَشَبِّهُونَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتُ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، وَالَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ، وَالَّذِي يَأْتِي الرَّجُلَ")).
كما ورد عنه صلى الله عليه و سلم عن ابن عباس رضي الله عنهما" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء"
و في حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ في سننه ، ولفظه قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ وَإِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ ".
المطلب الثاني:ركن رضا في عقد الزواج.
لقد كيّف المشرع الجزائري في تعديله لقانون الأسرة في 27 فيفري سنة 2005 أن الرضا هو الركن الوحيد في عقد الزواج بعدما كان يعتبر إلى جانب الشهادة و الولاية و الصداق أركان عقد الزواج، و جاء تأكيد ذلك بنص المادة 4 المعدلة "الزواج عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي..."،و هو ما أكدته المادة 9 المعدلة من قانون الأسرة بنصها تحت عنوان أركان عقد الزواج "ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين"،و عليه فلنا أن نتساءل ما هي طرق التعبير عن الإرادة في عقد الزواج؟و ما هي الشروط المتعلقة بالتعبير عن الإرادة؟
1)-طرق التعبير عن الإرادة.
طبقاً للقواعد العامة المنظمة لأحكام العقد فإن هذا الأخير لا ينعقد إلا بتطابق الإرادتين أي تطابق الإيجاب و القبول،و ينبغي أن تكون هذه الإرادة ظاهرة لا باطنة أي بالقول أو بطريقة أخرى نص عليها المشرع تفيد معنى الموافقة،و الأصل أنه يشترط في التعبير عن الإرادة شرط خاص بحيث ينبغي أن يكون هذا التعبير عن طريق الكلام،و يستنتج من هذا أن المشرع بمقتضى المادة 10 من قانون الأسرة التي تنص في الفقرة1 على أنه "يكون الرضا بإيجاب من أحد الطرفين و قبول من الطرف الآخر بكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعاً"،بينما إذا كان الشخص غير قادر على الكلام فقد أجازت الفقرة 2 من المادة 10 عن إمكانية التعبير عن الإرادة إما بالكتابة أو الإشارة،و أن جمهور الفقهاء خلافاً للشافعية لم يشترطوا أن يكون التعبير عن الإرادة باللغة العربية بل بكل لغة أو إشارة أو لفظ تكون مفهومة من قبل الشاهدين،كما ينبغي الإشارة إلى أن المشرع كان في النص الأصلي قبل التعديل بمقتضى المادة 20 قانون الأسرة(من النص القديم قبل التعديل) يجيز للزوج أن ينوب عنه وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة،و أن المرأة كان يتولى زواجها وليها بمقتضى المادة11من قانون الأسرة (النص القديم قبل التعديل)،و ذلك بنصها"يتولى زواج المرأة وليها و هو أبوها فأحد أقاربها الأولين..."،و بمعنى أدق فإن الزواج عن طريق الوكالة كان قبل تعديل 2005 جائزاً غير أن المشرع كان يشترط أن تكون هذه الوكالة وكالة خاصة،أي مخصصة لإبرام عقد الزواج فقط ،أما الوكالة المتعلقة بالتصرفات الأسرية لا تدخل في إطار وكالة الزواج،غير أن المشرع قد عدل عن موقفه سنة 2005،و أصبح لا يعترف بالزواج المبرم عن طريق الوكالة ،سواء كان الأمر متعلقاً بالمرأة أو الرجل،حيث ألغى المادة 20 و عدل المادة 11 بحيث أصبح ينص على أنه "تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها...".
2)-الشروط المتعلقة بالتعبير عن الإرادة.
يشترط في عقد الزواج أن تكون الصيغة مؤبدة و غير مؤقتة بمدة ما،و بمعنى أدق فإنه لا يكفِ أن يتم تطابق الإرادتين بل ينبغي أيضاً أن يكون ذلك الاتفاق غير معلق على شرط أو مقترن بأجل،بحيث كيف يمكن أن ينشأ عقد الزواج بعبارة وجوده على أمر يحتمل أن يتحقق أو لا يتحقق.
بينما في حالة ما إذا تم إبرام عقد الزواج على شرط التأقيت أو على شرط المتعة فهذا النوع من الزواج باطل بطلاناً مطلق عند جمهور الفقهاء،و ذلك كأن يقول لها"أتزوج بك لمدة شهرين" أو "أتزوج بك لأجل التمتع بك" ثم ينحل الزواج بعد ذلك،بينما الشيعة قد اعترفوا بهذا النوع من الزواج بناءاً على الشروط التالية:
-أن يكون فيه مهر؛
-يتم بدون الشاهدين؛
-ينبغي تمديد الأجل؛
-يقبل كل الشروط و لا ينتهِ بالطلاق و إنما بانتهاء المدة،عدم التوارث بين الطرفين،تعتد المرأة حيضتين و في حالة الوفاة أربعة(4) أشهر و عشر (10)أيام،عدم حصر عدد النساء،و يرتب النسب في حالة الاعتراف به من قبل الطرفين،أما إذا لم يعترف به الأب فيلحق بأمه.
و قد استند الشيعة لتحليل الزواج على ما يلي:
-قوله تعالى" ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً..."النساء24،و المقصود بالاستمتاع في هذه الآية حسبهم هو المتعة و ليس الزواج،و لفظ " أُجُورَهُنَّ " لا يقصد به الصداق و إنما مقابل الاستمتاع بهن حسبهم دائماً،و كذلك ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه و سلم حيث أباح زواج المتعة في غزوة الفتح و لم يثبت نسخ هذا الحكم و إنما عمر هو من حرمه.
و الواقع أن هذا الشرح و هذه الأساليب التي جاء بها المذهب الشيعي لا تتماشى مع أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية،إذ أن الأسرة تعتبر اللبنة الأولى للمجتمع مما يتطلب أن تكون قائمة على ركائز متينة،و زواج المتعة يؤدي إلى خلاف ذلك بل يؤدي إلى زعزعة الأسرة بأكملها،حيث سيجد الرجل مصلحته في الاستمتاع بما شاء من عدد النساء مما سيبعده من إقامة الأسرة بمعنى الكلمة.
و إنه لتفسير قوله تعالى " فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ..." فيجب أخذ الآية بأكملها لأجل التفسير حيث يقول تعالى"...حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ... "و بعد ذكر كل المحرمات يقول تعالى " وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ... " النساء24،و يقصد بمصطلح " أُجُورَهُنَّ " الصداق،حيث ورد بهذه الصيغة و المعنى في مواضع و آيات أخرى.
كما أن الرسول صلى الله عليه و سلم إذا سكت على هذا النوع من العلاقات فذلك راجع لأمر طارئ،إلا أنه قد نهى عنها في قوله عليه الصلاة و السلام عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً "،و عن علي رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ".
و كما أن الإرادة ينبغي أن تكون خالية مما يعيبها لكن نظرية عيوب الرضا لا يمكن أن نأخذها بعين الاعتبار بكاملها في إطار عقد الزواج،و من ثم لا يمكن اعتبار الاستغلال بنوعيه عيباً من عيوب الإرادة بل إن هذه العيوب تنحصر في:الغلط،التدليس و الإكراه،غير أن ما يعاب على المشرع الجزائري عند ذكره لأحكام الرضا أنه لم يُشر إلى هذه العيوب فيما عدا ما ورد في المادة 13 المعدلة من قانون الأسرة و نصها "لا يجوز للولي أباً كان أو غيره أن يجبر القاصرة التي في ولايته على الزواج و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها"،و أمام هذا السكوت فيقتضي الأمر أن نطبق ما جاءت به الشريعة الإسلامية بمقتضى المادة 222 من قانون الأسرة،و عليه تكون الإرادة معيبة بالعيوب التالية:
1)الغلط.
و هو يتحقق في حالتين:
أ-الغلط المانع للإرادة.
و هو الغلط في ماهية العقد أي في طبيعته،و يتجلى ذلك في حالة ما إذا تم الإيجاب و القبول من حيث الأول كان يتجه نحو الزواج أما الثاني فكان يتجه إلى العلاقة الحرة،و يؤدي هذا إلى عدم تطابق الإيجاب بالقبول.
كذلك نكون أمام حالة الغلط المانع للإرادة في حالة الغلط في شخص المتعاقد،أي الغلط في ذاتية الشخص ذاته بأن يحل شخص محل آخر في الزواج.
ب-الغلط المفسد للإرادة.
و هذا النوع من الغلط لا يجعل الإرادة منعدمة و لكن يفسدها و كأصل عام فلا آثار له على صحة الزواج،و لكن في بعض الحالات يؤثر على الإرادة.و ذلك في حالة ما إذا كان الغلط في صفة من الصفات الجوهرية في الشخص المتعاقد،و هذه الصفة يمكن أن تكون جسدية أو خُلقية إلى غير ذلك،و إذا كان الغلط في صفة من الصفات الجوهرية فيجعل العقد مفسداً أو فاسداً و إن هذا النوع من الغلط يمكن أن يتجلى في حالة ما إذا تزوج شخص معها فإذا بها تجده مصاباً بقصور جنسي فهنا الغلط في الصفة الجسدية،كذلك يكون الغلط في حالة ما إذا تزوج شخص فتاة على أنها عذراء ثم وجد غير ذلك،و لكن في هذه الحالة ينبغي التفرقة فيما إذا فقدت المرأة عذريتها نتيجة لعلاقة جنسية أو نتيجة لعملية جراحية أو حادث،ففي الحالة الأولى نكون أمام غلط في الصفة الجسدية و الجوهرية مما يسمح للشخص المضرور طلب إبطال الزواج،أما في الحالة الثانية فلا يمكن له ذلك و هذا لا يتحدد إلا بخبرة طبية،و لكن خلافاً لذلك حكمت المحكمة العليا في قرارها لـ23 ماي 2000 على أنه "و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يشترط عذرية الطاعنة في عقد الزواج فإن البناء بها ينهي كل دفع بعدم العذرية،و عليه فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتحميل الطاعنة مسؤولية الطلاق و بحرمانها من التعويض عرضوا قرارهم للقصور بالتسبيب مما يستوجب نقض القرار".
و لكن ما يؤخذ على هذا الموقف القضائي أنه يتنافى مع القواعد العامة المنظمة للعقد،إذ أن الشخص إذا تزوج مع امرأة فالأصل فهو يتزوج مع عذراء فإذا وجدها غير ذلك فتكون إرادته معيبة مما يجعل العقد قابلاً للإبطال و لا يقابله الطلاق،و كذلك فينبغي في مثل هذه الحالات أن نأخذ بالمعيارين الشخصي و الموضوعي،فالمعيار الموضوعي يستنتج من الرأي العام أي ما هو ساري به العمل داخل المجتمع أي العادات و التقاليد و الأعراف،أما المعيار الشخصي مربوط ارتباطاً وثيقاً بإرادة الشخص المقبل على الزواج،أي أنه لو كان عالماً بحقيقة الأمر قبل إبرام عقد الزواج لما تزوج بها.
2)الإكراه.
يعتبر الإكراه عيباً من عيوب الإرادة في الزواج و ذلك مهما كان نوعه مادياً أو معنوياً،و بمعنى أدق لا يصح الزواج إذا عقد تحت تأثير الإكراه أو الخوف الشديد في مختلف صوره،و أن جسامة الخوف في هذه الحالة تعد من المسائل النسبية أي يؤخذ بعين الاعتبار:السن،الجنس و حالة الأشخاص،و أن مجرد النفوذ الأدبي الصادر عن أحد الأشخاص كالخضوع للوالدين لا يكفِ لتوليد الخوف الشديد المكون للإكراه.
و لكن يمكن أن يتحول النفوذ الأدبي إلى إكراه في حالة ما إذا تم إدخال في الاعتبار ظروف خاصة كالتأديب و سوء المعاملة،في حين في الأول يكون هناك نفوذ أدبي أما الثاني فيكون فيه إكراه،المشرع الجزائري لم ينص سوى على حالة واحدة متعلقة بعيب الإكراه،و هو ما ورد في المادة 13 من قانون الأسرة معدلة" لا يجوز للولي أباً كان أو غيره أن يجبر القاصرة التي هي في ولايته على الزواج،و لا يجوز له أن يزوجها دون موافقتها".
3)التدليس.
و يقصد بالتدليس هو استعمال الحيلة من أجل دفع الطرف الآخر إلى الموافقة على العقد،و أن هذه الحالة قد تؤدي به إلى الوقوع في الغلط مما يجعل العقد قابلاً للإبطال.
و يقع التدليس في حالة إذا ما انتسب شخص لعائلة معينة فإذا بها وجدته من عائلة أخرى،كذلك تكون الإرادة معيبة إذا تزوجت امرأة من شخص تظنه غير متزوج فإذا بها وجدته غير ذلك،كذلك الفتاة التي تتزوج بشخص تظنه تقي أو ملتزم و إذا به شارب خمر.
و قد أشار المشرع لحالة واحدة للتدليس المادة 8 مكرر من قانون الأسرة "في حالة التدليس يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتطليق"،أي في حالة ما إذا دلس الزوج في الحالتين السابقة و اللاحقة فإنه يجوز لها رفع دعوى طلب التطليق،و لكن ما يؤخذ على النص القانوني أنه لا يتماشى مع القواعد العامة (لنظرية العقد)،بحيث أنه إذا كان الأمر صحيحاً بالنسبة للزوجة السابقة بحكم أنها غير راضية بالتعدد،في حين أن الزوجة اللاحقة هي التي تكون إرادتها معيبة بعيب التدليس،و لذلك كان على المشرع أن يحكم لها بالحق في طلب إبطال العقد بدل التطليق.
الزواج الصوري.
تكون هذه الحالة إذا كانت إرادة الطرفين تتجه بتبادل الإيجاب و القبول دون أن تكون لهما نية لتنفيذ هدف من أهداف الزواج بحيث ينتظران من وراء ذلك الوصول لهدف خاص و فريد في نوعه، و هذا النوع من الزواج يكون باطلاً بطلاناً مطلق.
كأن يتزوج شخص من آخر من أجل الحصول على الجنسية أو بطاقة الإقامة في دول غربية،كذلك يكون الزواج باطلاً بشأن زواج المحلل لقوله صلى الله عليه و سلم " لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ" (رواه أبو داوود)،فهو زواج صوري.
الاشتراط في عقد الزواج.
لقد سمح المشرع الجزائري للمقبلين على الزواج أن يشترطوا بعض الشروط المتعلقة بتنظيم حياتهم الأسرية بمقتضى المادة 19 معدلة من قانون الأسرة،و التي تنص على أنه "للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد لاحق كل الشروط التي يريانها ضرورية،لاسيما شرط عدم تعدد الزوجات،و عمل المرأة،ما لم تتناف هذه الشروط مع أحكام هذا القانون"،و يستنتج من هذا النص أن المشرع الجزائري قد أباح للطرفين على منوال المذهب المالكي حرية الاشتراط و ذلك بما يحقق مصالحهما،الأمر الذي يدفعنا للتفرقة بين الشروط المتماشية مع عقد الزواج (الشروط الصحيحة) التي ينبغي الوفاء بها، و الشروط غير الصحيحة التي تتنافى مع مقتضيات عقد الزواج،و التي تجعل هذا الأخير باطلاً بطلاناً مطلق تبعاً لبطلان الشروط،و عليه فإن الشروط الصحيحة في عقد الزواج يمكن ذكر البعض منها على سبيل المثال لا الحصر على النحو التالي:
1-اشتراط عدم التعدد؛
2-اشتراط العمل للمرأة و الدراسة (المادة 19 قانون الأسرة)؛
3-التعجيل بالصداق؛
4-أن يكون لها الحق في تطليق نفسها بنفسها؛
5-اشتراط الزوج قرار زوجته في بيت الزوجية و ألا تخرج منه إلا بإذنه؛
6-اشتراط الزوجة السفر إلى بلد أجنبي بمبرر شرعي؛
7-اشتراط العذرية؛
8-كذلك يمكن للزوجة الاشتراط على الزوج بدفع التعويض في حالة الطلاق؛
9-اشتراط الزوجة على زوجها امتلاك الأثاث المنزلي في حالة ما إذا وقع الطلاق بينهما؛
10-اشتراط سكن منفرد.
فهذه الشروط كلها تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية و يتقيد بها الشخص في حالة ما إذا وافق عليها،ذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه و سلم " الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا "أخرجه الترمذي و أبو داوود،و يقول عليه الصلاة و السلام كذلك"أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ "رواه البخاري و مسلم،و تطبيقاً لهذا النص فإن كل الشروط التي لا تتنافى و مقتضيات عقد الزواج تُعد صحيحة و من ثَمَّ يتقيد صاحبها بتنفيذها و لا يمكنه عندئذٍ الدفع بعدم صحتها.
أما الشروط التي تتنافى و مقتضيات عقد الزواج نذكر بعضاً منها على النحو التالي:
1-الاشتراط على إتمام الزواج بدون مهر؛
2-اشتراط عدم الوطأ بينهما (عدم إتمام العلاقة الجنسية) و هو شرط باطل؛
3-اشتراط عدم الإنفاق عليها؛
4-الاشتراط على عدم انتساب الأولاد لها؛
5-اشتراط عدم الإرث بينهما،فهذه الشروط كلها تعتبر باطلة لأن فيها مساس بمقتضيات العقد، و طبقاً للمادة 32 من قانون الأسرة فإن العقد باطل إذا احتوى على شرط من هذه الشروط،غير أن المشرع قد نص في المادة 35 من قانون الأسرة على أنه "إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلاً و العقد صحيحاً".
شروط صحة عقد الزواج.
أهلية الزواج.
لقد سبق أن درسنا بأن الأهلية تنقسم إلى قسمين: أهلية الوجوب و أهلية الأداء،فالأولى هي التمتع بالحقوق و تحمل الالتزامات و هي تثبت للشخص بولادته حياً و تكون ناقصة بالنسبة للجنين،أما أهلية الأداء فهي صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات القانونية،و في هذا الإطار تدخل أهلية الزواج أي أن يكون الشخص أهلاً لإبرام عقد الزواج،و لكن أمام الثغرات الواردة ينبغي معرفة موقف الفقه الإسلامي من أهلية الزواج ثم التشريع الجزائري.
آراء الفقه الإسلامي في سن الزواج.
لقد اعتمد الفقه الإسلامي من حيث تحديده لسن الزواج بفكرة البلوغ الطبيعي و هذا كقاعدة عامة، و يكون هذا البلوغ بظهور أمارات طبيعية و هي اثنان يشترك فيها الرجل و المرأة كالإنزال و نمو الشعر و العنة،و تنفرد الأنثى بالحيض و الثديين،و بالتالي فمن الصعب تحديد سن تنطبق على جميع الأشخاص لأن ظهور هذه الأمارات يختلف باختلاف الأشخاص و نموهم من حيث الزمان و المكان.
و لكن إذا تأخرت هذه الأمارات في الظهور فقد لجأ فقهاء الشريعة إلى تحديد سن الزواج بسن معينة فقد حددها الإمام أبو حنيفة بـ18 سنة للفتى و 17 سنة للفتاة،غير أن الشافعية و الحنابلة حددوها على منوال الأحناف بـ15 سنة للفتى و الفتاة معاً،أما المذهب المالكي فحددها بـ18 سنة للإثنين.
و لكن أمام هذا التضارب في الآراء ينبغي التساؤل حول معرفة ما إذا أجاز الفقه الإسلامي زواج الصغار،و بمعنى أدق ما هو حكم زواج الشخص الذي لم يبلغ بعد؟
للإجابة على هذا السؤال فقد تضاربت آراء الفقه الإسلامي،حيث يرى الجمهور أنه يجوز زواج الصغار أي من هم دون سن البلوغ،و دليلهم في ذلك قوله تعالى " وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"الطلاق 4،و مفاد هذه الآية أن الله سبحانه و تعالى قد حدد عدة المرأة المطلقة التي لم تحض بعد بـ3 أشهر،مما يعني أن المرأة التي لم تبلغ بعد فزواجها صحيح و تلتزم بالعدة لأن هذه الأخيرة لا تكون إلا في الطلاق و الطلاق لا يكون إلا في الزواج الصحيح.
و قد خالفهم في ذلك رأي آخر بحيث يعتبر أن زواج الصغار هو زواج باطل بطلاناً مطلق،و لا آثار له إذ أن القرءان الكريم قد جعل الزواج للبالغين في قوله تعالى " وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا "النساء6،و بمقتضى هذه الآية جعل الله سبحانه و تعالى بلوغ سن الزواج علامة على انتهاء الصغر.
و أمام هذا التضارب في الآراء نعتقد أن ما ذهب إليه الرأي الثاني هو ما ينبغي العمل به في الوقت الحالي لأن الرأي الأول يتنافى مع مصلحة الشخص في الزواج، و من جهة أخرى سيجد نفسه مرتبطاً بزواج لم يوافق عليه في الأصل مما يؤدي للمساس بمدى حرية الزواج،إذ أنه قد يجد نفسه مرتبطاً بشخص آخر لا يتفق معه في المزاج و الأخلاق و العادات،إضافة إلى ذلك فإن البحوث العلمية،الطبية و النفسية أكدت أن زواج الصغار تترتب عليه آثار وخيمة بالنسبة للشخص الصغير.
موقف المشرع من أهلية الزواج.
بالرجوع إلى النصوص القديمة نجد أن واضعي أمر 4 فبراير 1959 قد قاموا لأول مرة بتحديد أهلية الشخص في الزواج على أساس تقديري بحيث أن السن لا علاقة له بالآراء الفقهية القديمة التي كانت محل اعتبار من هذا التاريخ،حيث كانت السن محددة في هذا الأمر بـ18 سنة للفتى و 15 سنة للفتاة،و لكن بعد استرجاع الجزائر استقلالها قام المشرع بتحديد سن الزواج بـ18 سنة للفتى و 16 سنة للفتاة (29 جوان 1963)،و على هذا المنوال قد سار واضعو قانون الأسرة بحيث كانت المادة 7 تنص صراحة بأنه" تكتمل أهلية الرجل في الزواج بتمام 21 سنة و للمرأة بـ18 سنة"،و الواقع أن المشرع قام برفع سن الزواج لأسباب عدة آنذاك منها خاصة النمو الديمغرافي الذي كانت تعيشه الجزائر يوم وضع قانون الأسرة،و من أجل القضاء عليه فقد لجأ المشرع إلى رفع أهلية الزواج ،ثانياً فالفتاة كالفتى تماماً لا تعي بمجرد بلوغها الجنسي مشكلات الزواج و متاعبه و تكاليفه،و إنما يجب انتظار بعض السنوات بعد ذلك البلوغ لتقدر بصفة صحيحة تكاليف ما هي مقبلة عليه،و أنها لا توافق والديها على الزواج إلا إذا كانت مقتنعة به أي مقتنعة بأن مصلحتها في هذا الزواج.
و أن المشرع عند وضعه هذه النصوص لتحديد أهلية الزواج بسن معينة فيكون قد تأثر بما جاءت به اتفاقية نيويورك 1962 و التي صادقت عليها الجزائر،و تنص الاتفاقية في مادتها 2 على أنه "تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير التشريعية اللازمة بتحديد حد أدنى لعقد الزواج،و لا ينعقد قانوناً زواج من هم تحت هذه السن،ما لم تقرر السلطة المختصة الإعفاء من شرط السن لأسباب جدية لمصلحة الطرفين المزمع زواجهما"،و قد تأكد ذلك عندما جاء المشرع و عدل المادة 7 من قانون الأسرة في 27 فبراير 2005،بحيث قد حدد سن الزواج بالنسبة لكلا الطرفين بـ19 سنة، و بناءاً على هذا التعديل أراد المشرع توحيد أهلية الزواج بالأهلية المدنية،حيث تنص المادة 40 من القانون المدني أن سن الرشد هي تسعة عشر (19)سنة كاملة.
غير أن المشرع لم يسير كل الأشخاص على أحكام موحدة بشأن سن الزواج إذ أنه طبقاً لاتفاقية نيويورك التي سمحت للدول أن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين عند عدم بلوغ سن الزواج بحيث قد نص المشرع في الشطر الثاني من المادة 7 المعدلة من قانون الأسرة "و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين على الزواج".
الشروط المتعلقة بمنح الإذن.
أولاً: شرط المصلحة أو الضرورة.
لقد علق المشرع الإذن القضائي بوجود مصلحة أو ضرورة و أن هذين الشرطين ليسا متلازمين بل يكتف وجود شرط واحد مصلحة أو ضرورة،و من ثمَّ ينبغي على القاضي أن يستمع لأقوال الطرفين من أجل تحديد الدافع إلى الزواج،لأن استماع الطفل يتماشى مع اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 ،و من ثم فهذه المصلحة لا يمكن تقديرها مثل ما هو عليه في بعض الدول الغربية على أساس وجود الفتاة حامل لأن منح الإذن في هذه الحالة يتنافى تماماً مع أحكام الشريعة لأنه لا يجوز الزواج بالمرأة الحامل،و هذه الضرورة تتجلى في المرأة التي ليس لها لا ولي و لا عائل،فإنه من الأحسن أن يمنح لها الإذن،كذلك بالنسبة للفتاة التي تخشى الوقوع في الفاحشة لو لم تتزوج و تقدم رجل للزواج بها فإنه من المستحسن أن نمنح لها الرخصة القضائية و إلا كانت وبالاً على المجتمع فلا ضرورة و لا مصلحة أعلى من هذه.
شرط بلوغ سن أدنى بالنسبة للرخصة.
فإنه ما يعاب على المشرع أنه لم يحدد السن الأدنى لمنح الرخصة القضائية بحيث قد اكتفى بتحديد سن الزواج فقط،فهل يعتبر هذا النسيان نقص وارد في التشريع و من ثم ينبغي على القاضي الرجوع إلى المصدر الثاني و هو الشريعة الإسلامية،و قد سبق لنا أن بيّنا موقف جمهور الفقهاء فيما يتعلق بأهلية الزواج.كذلك ما ينبغي الإشارة إليه هو أن المشرع قد أشار في تعديل 2005 أنه ينبغي على القاضي أن يتأكد من قدرة الطرفين على الزواج أي في هذه الحالة فإن على القاضي أن يستعين بخبير.
تقديم طلب الإذن: يكون ذلك بمقتضى طلب صادر عن الولي الشرعي للقاصر،الأب على قيد الحياة أو الأم بعده.
الجزاء المترتب على مخالفة سن الزواج.
برجوعنا إلى قانون الأسرة نجد أن المشرع الجزائري لم ينظم صراحة حكم الجزاء في حالة ما إذا انتفى شرط أهلية الزواج و مع العلم أنه قد رتب أهلية الزواج ضمن صحة شروط العقد في المادة 9 مكرر المعدلة من قانون الأسرة،و إذا بيّن لنا حكم جزاء تخلف أحد شروط الصحة أو ركن الزواج في المواد من 32 إلى 35 من قانون الأسرة،غير أنه غفل عن الجزاء المترتب على مخالفة سن الزواج،و أمام هذا النقص التشريعي فإن آراء الفقه الجزائري قد تضاربت بشأنه بحيث قد ذهب الرأي الأول إلى القول أن ما ورد في المادة 7 من قانون الأسرة و المحدد لسن الزواج فهو نهي دون جزاء،خاصة إذا علم الطرفان أن هناك مادة في قانون الأسرة تسمح لهم بإثبات الزواج العرفي قضائياً الذي لا يراعى فيه في غالبية الأحيان سن الزواج،بينما ذهب الرأي الثاني إلى أنه بالفعل المشرع لم يحدد الجزاء على مخالفة سن الزواج في قانون الأسرة و لكن حينئذٍ يمكن العمل بما نص عليه المشرع في قانون 29 جوان 1963،الذي حدد الأحكام المتعلقة بسن الزواج بحيث أن الإلغاء يمس فقط المادة 1 منه ما يتعلق فقط بتحديد سن الزواج،أما باقي المواد الواردة في هذا القانون تبقى سارية المفعول و من ثم ينبغي استنباط الجزاء منه،و عليه فإن المشرع قد فرق فيما يتعلق بالجزاء المترتب على مخالفة سن الزواج بين عدة حالات:
الحالة الأولى: اعتبر الزواج باطلاً بطلاناً مطلقاً إذا تم منتفياً للسن المقررة في هذا القانون،و من ثم يجوز لكل ذي مصلحة أن يرفع دعوى البطلان،و كذا الشأن بالنسبة للنيابة العامة،و ذلك كله شريطة ألا يكون هذا الزواج قد اتبعه دخول؛
الحالة الثانية: أما إذا أتبع الزواج دخول فيتحول البطلان من مطلق إلى بطلان نسبي،أي يصبح الحق في طلب البطلان مقتصراً على الزوجين فقط؛
الحالة الثالثة: بينما أجاز المشرع تصحيح هذا النوع من الزواج في حالتين:
أ-إذا بلغ الطرفان أو أحدهما السن المقررة قانوناً: و في هذه الحالة لا يجوز لأي شخص كان أن يدعي بأن له حق رفع دعوى البطلان؛
ب-حالة حمل المرأة: فإذا حملت المرأة يصبح الزواج بعدما كان باطلاً صحيحاً حتى لو لم تبلغ بعد السن المقررة قانوناً،و هو نفس الحكم بالنسبة للرجل.
و أمام هذا التضارب في الآراء نقول أنه لا يمكن الأخذ بما ذهب إليه الرأي الأول القائل بأنه "نهي بدون جزاء"،فإن حكماً كهذا يتنافى مع المبادئ القانونية العامة،بحيث أنه من خصائص القاعدة القانونية خاصية الجزاء و من ثم لا يمكن أن نتصور وجود قاعدة قانونية بدون جزاء؛
أما الرأي الثاني هو الآخر لا يمكن الأخذ به إذ أن المشرع طبقاً للمادة 2 من القانون المدني أنه في حالة ما إذا نظمت مسألة ما من جديد بقانون جديد فتعتبر النصوص السالفة ملغاة سواء بصفة صريحة أو ضمنية،و عليه فإن قانون الأسرة باعتباره قانوناً جديداً قام بتنظيم مسألة من جديد فيعتبر قانون 29 جوان 1963 ملغاً،كما أن الفلسفة التي تبناها المشرع عند وضعه لسن الزواج في قانون الأسرة تختلف تماماً عن تلك التي كانت سائدة يوم صدور قانون 1963،إذ أن هذا الأخير قد جاء به المشرع لوضع حد للأضرار التي كانت تعاني منها الزوجة خاصةً و هي أن يتم الدخول بها بعد إبرام العقد قبل البلوغ الطبيعي،كما أنه حدد سن الزواج في قانون الأسرة و تم رفعه إلى ثمانية عشر سنة للفتاه و واحد و عشرين للفتى نتيجة النمو الديمغرافي،و كذلك حتى يكون الشخص المقبل على الزواج على دراية كافية و معرفة تامة بما هو مقبل عليه من حيث التكاليف المادية و المعنوية التي يرتبها عقد الزواج.
فهل يمكن اعتبار هذا النوع من الزواج من بين العقود الموقوفة؟
كون أن عقد الزواج قد كُيِّف في الفقه الإسلامي على أنه تصرف يدور بين النفع و الضرر و من ثمّ نطبق ما جاء به المشرع في المادة 83 من قانون الأسرة،و التي تنص على أنه "من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد طبقاً للمادة 43 من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له،و باطلة إذا كانت ضارة به،و تتوقف على إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت مترددة بين النفع و الضرر".
و من ثمّ هل يمكن تطبيق هذه القاعدة في حالة ما إذا تم إبرام عقد الزواج دون مراعاة ما نص عليه المشرع في المادة 7 من قانون الأسرة؟ و الإجابة على هذا السؤال تكون بالنفي،إذ أن المشرع قد علق الإذن بالزواج لا على موافقة الولي بل على رخصة قضائية،و أن هذه الرخصة القضائية تكون سابقة لعقد الزواج لا لاحقة له،إذ أنه لا يمكن أن نجعل القاضي أمام الأمر الواقع.
و هل يمكن تطبيق ما نص عليه المشرع في المادة 222 من قانون الأسرة و التي تحيلنا إلى تطبيق أحكام الشريعة؟فإذا كانت الإجابة بنعم،فهذا سيؤدي بنا إلى الأخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء الذي يجيز زواج الصغار،و من ثمّ فإن العمل بمقتضى المادة 222 يتنافى تماماً مع ما سطره المشرع في المادة 7 من قانون الأسرة،إذ أنه لم يحدد سن الزواج بناءاً على ظهور أمارة من الأمارات الطبيعية بل على سن محددة (تسعة عشر سنة).
و أمام هذه الأحكام المتضاربة بعضها بعضاً نعتقد أن الجزاء المترتب على مخالفة سن الزواج يمكن استنباطه من النصوص الواردة في قانون الأسرة،و ذلك إذا ما راعينا أن أهلية الزواج تعد عنصراً من عناصر ركن الرضا الذي نص عليه المشرع في المادة 9 من قانون الأسرة،و أن المشرع نص في المادة 33 فقرة1 على أنه يبطل الزواج إذا اختل ركن الرضا،و أن مصطلح "اختل"الوارد في هذه المادة يمكن أن يفسر على أساس عدة مفاهيم،بحيث يمكن أن يأخذ معنى الانعدام،كما يمكن أن يأخذ معنى العيب أو يأخذ معنى النقص.
الصــــــداق.
1)تعريف الصداق.
لقد عرّفه الفقه القديم مرتكزاً على الجانب الجنسي بأنه "المال الذي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في مقابل الاستمتاع بها،بسبب عقد الزواج"،غير أنه يؤخذ على هذا الموقف أنه يفتقد إلى الدقة في التعبير و من ثم الدور الحقيقي للصداق،بحيث أنه قد جعل المهر مقابل المتعة أي استمتاع الزوج بزوجته،و مع العلم بأن هذا الاستمتاع لا يقتصر على الرجل و إنما ينصرف كذلك إلى المرأة، بل أكثر من ذلك فإن الزواج في ظل التشريع الإسلامي و من ثم الجزائري يعتبر صحيحاً حتى و لو كان أحد الزوجين مصاباً بقصور جنسي ما يمنعه من المتعة الكاملة بالطرف الآخر،في حين يرى الرأي الثاني بأن "المهر هو ما يدفعه الزوج إلى زوجته على سبيل الهدية"مستندين في ذلك إلى قوله تعالى " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا "النساء 4 ،أي هدية أو عطاء،و هذا ما دفع بالمشرع الجزائري إلى تعريف الصداق في المادة 14 من قانون الأسرة بقوله "الصداق هو ما يُدفع نحلة للزوجة من نقود أو غيرها"،و لكن يؤخذ على هذا الرأي أن أحكام الصداق تختلف عن أحكام الهدية،أي الهبة بحيث يجوز للواهب أن يهب كل ممتلكاته أو جزءاً منها سواء كانت مباحة شرعاً أو غير ذلك،أما الصداق فإنه لا يجوز إلا بالمال المباح شرعاً (المادة 14 من قانون الأسرة)،كذلك أن الهبة تختلف عن المهر من حيث وسيلة الرجوع فيها فإنه لا يجوز الرجوع في الهبة إلا للوالدين (المادة 211 من قانون الأسرة)،في حين أن المهر لا يتم الرجوع فيه إذا تم الزواج، و كذلك أن كلمة "نِحلة" الواردة في الآية الكريمة تحتوي على عدة معاني منها مثلاً:الهدية،الهبة أو الدين الشرعي مما يدفعنا إلى جواز القول "آتوا النساء صدقاتهن كدين"،و كذلك أن الهبة لا يلتزم الواهب فيها بضمان العيوب الخفية أي فإنه غير ملزم بتعويض الموهوب له إذا كان محل الهبة فيه عيب،أما الزوج فهو يلتزم بذلك،و عليه يمكن تعريف الصداق على النحو التالي بأنه حق مالي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في عقد زواج صحيح أو دخول بشبهة أو بعقد بعد عقد فاسد فهو عندئذٍ مجموع أموال ذات طابع رمزي من حيث اعتباره التعبير عن الإخلاص و العزم،و دليل تعلّق الرجل بالمرأة من أجل بناء أسرة تسودها الرحمة و المودة بين الطرفين.
أما من حيث وجوب الصداق فيستنبط من عديد الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة،و قد أكد المولى عز وجل على وجوب المهر بقوله " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً "،و يقول سبحانه " لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ"البقرة 236 ،و قوله تعالى " وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ "النساء 25،أما من حيث السنة النبوية فلم يترك صلى الله عليه و سلم إتمام الزواج بدون مهر و من ثم فهو ليس بمثابة أمرٍ اختياري،و هذا ما أجمع عليه الفقه منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا مرتكزين على قوله صلى الله عليه و سلم"من نكح امرأة و هو يريد أن يذهب بمهرها فهو عند الله زاني يوم القيامة"،و عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة و السلام قال " مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ : رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلا فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا".
2)الطبيعة القانونية للصداق.
لقد تضاربت آراء الفقه الإسلامي بشأن الطبيعة القانونية للمهر أي هل يعد الصداق ركناً من أركان عقد الزواج أم أنه أثر من آثاره؟
لقد انفرد المذهب المالكي بتكييفه على أنه ركن من أركان عقد الزواج و عليه لا يجوز الاتفاق على إسقاطه بين الزوجين،في حين يرى جمهور الفقهاء بأن المهر ما هو إلا أثر من آثار الزواج و من ثم ينعقد الزواج صحيحاً حتى و لو لم يتم ذكر المهر في العقد لأنه ليس ركناً من أركانه بل يثبت المهر بمجرد العقد الصحيح النافذ،و يقصد بذلك أنه إذا تم الزواج بدون ذكر المهر أو سمي فيه ما لم يصلح مهراً أو تم الاتفاق بين الطرفين على إسقاط المهر ففي كل هذه الحالات الشرط باطل و العقد صحيح،و لها الحق في مهر المثل.
و يستدل الرأي الثاني من حيث اعتباره أثراً من آثار عقد الزواج على قوله تعالى " لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ"البقرة 236 ،و المقصود بالفريضة هنا هو الصداق،بحيث أشار سبحانه و تعالى إلى الصداق الذي لم يفرضه الزوج بعد و من ثم فله الحق في الطلاق و أن هذا الأخير لا يكون إلا في العقد الصحيح،كما جاء في السنة النبوية ما يفيد هذا،حيث روي أن الرسول صلى الله عليه و سلم قضى في امرأة يقال لها "بروع بنت واشق الأشجعية" تزوجت و لم يسمى لها مهر ثم مات زوجها قبل الدخول بأن لها مهر مثلها،و قد ذهب المشرع الجزائري إلى اعتبار المهر ركناً من أركان صحة عقد الزواج في المادة 9 معدلة من قانون الأسرة و التي نصت صراحةً أنه يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط التالية"...الصداق"،و ذلك بعد أن كان المشرع يكيفه على أنه ركن من أركان عقد الزواج في النص الأصلي للمادة 9 من قانون الأسرة قبل تعديلها،غير أن المشرع في المادة 33 المعدلة من قانون الأسرة قد نص على أنه "إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي...يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه،و يثبت بعد الدخول بصداق المثل"،و يتضح من هاذين النصين أن المشرع الجزائري أراد أن يوازن بين الرأيين السالفين بحيث قد اعتبر من جهة المهر شرطاً من شروط صحة عقد الزواج فإذا به جاء في المادة 33 معدلة و فرّق بين الزواج الذي تم بدون مهر و لم يتبعه دخول زواج فاسد،و الزواج الذي تم بدون مهر و اتبعه دخول زواج صحيح،و إن هذه التفرقة التي جاء بها المشرع لا معنى لها من حيث المبادئ القانونية التي ينبغي العمل بها في هذا الإطار،لأنه عندما يكيف المهر على أساس أنه شرط صحة فإن العقد يتوقف على وجوده و أن انعدامه يؤدي إلى بطلانه.
3)شروط الصداق.
يشترط في صحة تسمية الصداق الشروط التالية:
أ-أن يكون الممهور ذا قيمة مالية: و المقصود بذلك هو أنه لا يجوز أن يكون مهراً كل ما ليس بمال،أي كل ما هو غير متقوّم شرعاً بالمال كالخمر و الربا،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 14 من قانون الأسرة بقوله "...من كل ما هو مباح شرعاً"،و من ثم لا يجوز أن تكون هذه الأمور مهراً إذ لا يجوز للمسلم تمليكها،بينما لو سمي صداقاً نصفه مباح شرعاً و الآخر حرام،ففي هذه الحالة فإنها تستحق المسمى حلال و لها الحق أن تقاضي زوجها إذا لم يقم بأدائه، أما حقها في مقاضاة زوجها فيسقط فيما يتعلق بالمال الحرام،كما يجوز أن تكون المنافع مهراً كزراعة الأرض لمدة زمنية معينة لأنه يجوز تقويمها بمال؛
ب-أن يكون مقدوراً على تسليمه عند العقد: و تطبيقاً لهذا الشرط فإنه لا يمكن أن تتم تسمية المهر بعين متنازع عليها،و لا عين مفقودة،و لا مغصوبة ففي مثل هذه الحالة الأخيرة قد فرّق الفقه بين حالتين:
-فإن كانا يعلمان بأن هذا المال مالٌ مغصوب و كانا راشدين فُسخ العقد قبل الدخول و يثبت بعده بمال المثل (المذهب المالكي)،في حين يرى الشافعية و الحنابلة بصحة العقد و يجب لها مهر المثل،غير أن الحنفية يرون أيضاً بصحة العقد مع التفرقة بين ما إذا أجاز المالك المال فلها المال المسمى،أما إذا لم يجزه فلها بدل المسمى من المثل أو قيمته،
-أما إذا كان أحدهما غير راشد فالعلم المعتبر هو علم الولي،فإن كانت الزوجة لا تعلم بالغصب جاز، و إن رجع المغصوب منه عليه يأخذ الشيء فترجع على الزوج بقيمته؛
ج-أن يكون معلوماً: و من ثم فإنه لا يجوز أن يكون المهر مجهولاً جهالة فاحشة،بل ينبغي أن يكون محدداً من حيث النوع و لذلك إذا قال الزوج لزوجته أن مهرك عقار و لكن دون تحديد المكان و لا النوع ففي هذه الحالة يفسخ العقد قبل الدخول و يصحح بمهر المثل؛
4)مقدار المهر.
لقد تضاربت آراء الفقهاء حول تحديد الحد الأدنى للمهر بحيث ذهب المذهب المالكي إلى أنه لا يجوز أن يقل المهر عن ربع (1/4) دينار من الذهب الخالص،أو ثلاث (3) دراهم من الفضة الخالصة، و من ثم فإنه لا يجوز أن يقل عن أحد هذين الحدين يوم العقد،و في حالة ما إذا سُمي أقل من ذلك و اتضح الأمر قبل العقد فما عليه إلا إكماله إلى الحد الأدنى أو فسخ النكاح بالطلاق،فإن اختار الحل الثاني فعليه نصف المهر المسمى،و إن تم الدخول فلها مهر المثل.
في حين أن الحنفية قد حدّدوا الحد الأدنى للمهر بعشر (10) دراهم أو ما يساويها،بينما كل من الحنابلة و الشافعية لم يقوموا بتحديد الحد الأدنى للمهر،بل يجوز أن يكون مهراً كل ما هو مباح شرعاً و سندهم في ذلك قوله تعالى " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"النساء24 ،فهذه الآية قد اشترطت أن يكون بالمال و لكن لم تحدد أدناه و من ثم فكل ما سمي من قبل الزوج يعد مهراً مهما كانت قيمته،و أمام هذه الآراء المتضاربة بعضها البعض فتمسك المشرع الجزائري بما ذهب إليه الرأي الأخير و هو الراجح،بحيث نص في المادة 14 من قانون الأسرة على أن الصداق هو ما يدفع نِحلة للزوجة من نقود أو غيرها و من كل ما هو مباحٌ شرعاً،تماشياً مع قوله عليه الصلاة و السلام "التمس و لو خاتماً من حديد" ،أما من حيث الحد الأقصى للمهر فلقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنه ليس للمهر حد أعلى يقف عنده الناس،إذ أن هذا الحد غير منصوص عليه لا في القرءان الكريم و لا في السنة النبوية و من ثم فنظراً للمغالاة في المهور السارية في الوقت الحالي في بعض الدول الإسلامية فأصبح الأمر صعباً بالنسبة للأشخاص الراغبين في الزواج،مع العلم أن الشريعة الإسلامية تحث الأشخاص على الزواج و ليس هناك ما هو حاجز أقرته الشريعة السمحاء،بل إن النصوص الواردة فيها تتميز باليسر لا العسر،و أمام هذا الوضع فأصبح العالم الإسلامي و منه الجزائر تسوده أزمة الزواج نظراً للنسبة العالية من العنوسة،و ما علينا إلا تطبيق قوله عليه الصلاة و السلام " خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ "رواه الحاكم و البيهقي،و قوله "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة"رواه أحمد و البيهقي،و أمام هذا الوضع بالرغم من الحادثة التي وقعت بين عمر بن الخطاب و المرأة من حيث تحديد الحد الأقصى للمهر فقررت الإمارات العربية تحديد الحد الأقصى للمهر بعشرين ألف (20.000) درهم.
تعجيل المهر و تأجيله.
لقد أجاز المشرع على منوال الفقه الإسلامي تأجيل المهر و تعجيله كله أو بعضه و لكن شريطة ألا يكون الأجل مجهولاً جهالة فاحشة،أما إذا كان الأجل معلوماً فإنه يصح و هو ما نص عليه المشرع في المادة 15 المعدلة من قانون الأسرة و نصها "يحدد الصداق في العقد سواء كان معجلاً أو مؤجلاً"،فإننا نستشف من هذا النص أن المشرع قد جعل تسليم الصداق إلى الزوجة محل اتفاق بين الطرفين،و لكن اشترط مع ذلك أن يتم تحديد الصداق في العقد أي تحديد قيمة الصداق،و عليه يشترط في حالة تأجيل الصداق الشروط التالية:
1-وجود عقد صحيح بين الطرفين؛
2-تحديد الصداق بعينه،حجمه و شكله في العقد؛
3-إتمام التأجيل باتفاق الزوجين أو من ينوب عنهما (في العقد العرفي).
الفرع الثالث: أنواع المهر و مؤكداته.
أولاً: أنواع المهر.
ينقسم المهر إلى نوعين و هما: المهر المسمى و مهر المثل.
1)المهر المسمى: و هو المهر الذي تم الاتفاق عليه من قبل الطرفين في العقد،و سمي تسمية صحيحة و هو ما نص عليه المشرع في المادة 15 من قانون الأسرة بقوله "يحدد الصداق في العقد"؛
2)مهر المثل: و هو مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد من أسرة أبيها كأختها أو عمتها أو ابنة عمتها أو ابنة أختها ،و لا يعتبر مهر المثل مهر أمها أو خالتها إذا لم تكن من قوم أبيها،أما إذا لم توجد فينظر إلى من تماثلها في العائلة أو القرابة و يشترط في هذه الحالة أن تتصف المرأة بالأوصاف المماثلة للمقبلة على الزواج من حيث: السن،الجمال،الصحة،المال و الثقافة،و عمّا إذا كانت بِكر أو غير ذلك،و كذلك البلد الذي تعيش فيه.
و قد أخذ المشرع الجزائري بهذا النوع من المهر عندما نص في الفقرة 2 من المادة 15 من قانون الأسرة على أنه "في حالة عدم تحديد قيمة الصداق تستحق الزوجة صداق المثل"،كما أكد عليه في المادة 33 معدلة من قانون الأسرة بقوله "...إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه،يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه،و يثبت بعد الدخول بصداق المثل".
مؤكدات المهر.
يختلف الصداق من حيث الوجوب و عدمه حسب نوع الزواج و من ثم فإذا كان الزواج صحيحاً يتأكد كل المهر في حالات معينة،و كذا الشأن بالنسبة للزواج الفاسد.
أ-مؤكدات المهر بالعقد الصحيح (المادة 16 قانون الأسرة).
يتأكد المهر كله بالعقد الصحيح في الحالات التالية:
1-الدخول الحقيقي:يتأكد المهر كله بالدخول الحقيقي،أي بالعلاقة الجنسية القائمة بين الطرفين، و أنه لا يشترط في هذه الحالة أن يتم الدخول أو الوطأ الموجب كل المهر في غياب الموانع الشرعية كالحيض أو النفاس أو الصوم،كما لا يشترط فيه إزالة بكارة المرأة،و هذا كله تنفيذاً لقوله تعالى "... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ..."النساء24،و هو ما أخذ به المشرع الجزائري في المادة 16 من قانون الأسرة،و تنفيذاً لذلك جاء في قرار للمجلس الأعلى (المحكمة العليا حالياً) صادر في 19 نوفمبر 1984 أنه "من المقرر شرعاً أن الزوجة المطلقة بعد الدخول بها تستحق كامل صداقها"،و من ثم فإنه ما يقع بين الزوجين قبل إبرام العقد من حيث العلاقة الجنسية لا يتأكد به المهر بحيث قد أكد ذات القرار بأنه لا يعتبر دخولاً ما يقع بين الزوجين قبل عقد الزواج؛
2-وفاة أحد الزوجين: فالوفاة تؤكد المهر للزوجة بصفة نهائية سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده أو قبل الخلوة أو بعدها،و سواء كان المهر مهراً مسمى أو مثل،ما عدا عند المالكية الذين اشترطوا أن يكون لها مهراً مسمى و إلا لا تأخذ شيئاً و لكن عليها العدة و لها الميراث.
و أن المرأة يتأكد لها المهر كله بالوفاة لأنه وُجب بالعقد و أن الوفاة تنهي العقد و لا تفسخه،فالمهر في هذه الحالة يعتبر ديناً على عاتق الزوج أو ورثته من ماله.
و تطبيقاً لذلك فقد قضى المجلس الأعلى (المحكمة العليا حالياً) في قراره الصادر في 9 مارس 1987 بأنه "من المقرر شرعاً أن الزوجة تستحق كامل الصداق إذا توفي الزوج قبل الدخول"،و قد جاء هذا تنفيذاً لما قرره المشرع في المادة 16 من قانون الأسرة بقوله "تستحق الزوجة الصداق كاملاً...أو بوفاة الزوج"،غير أنه ما يؤخذ على هذه المادة أن المشرع قد علق حق الزوجة في الصداق بوفاة الزوج و لكن ما الحكم إذا توفيت الزوجة فهل يكون لورثتها الحق في المطالبة بمهرها؟و الإجابة عن هذا التساؤل تؤدي بنا إلى تطبيق ما جاء به الفقه الإسلامي الذي أقرّ أن الحق في المهر يؤول كله إلى ورثتها،فهنا يتأكد المهر للزوجة كله إذا صارت الأمور بمجراها الطبيعي دون تدخل لإرادة أحد الزوجين فيه، و يتأكد كذلك المهر إذا كانت الوفاة بقتل ارتكبه أجنبي أو بفعل الزوج كالانتحار أو أن يقوم بقتل زوجته ففي كل هذه الحالات يكون للمرأة الحق في كل الصداق؛
و لكن ما الحكم إذا قتلت المرأة زوجها أو انتحرت؟
للإجابة على هذا التساؤل فقد انقسمت آراء الفقهاء في حالة ما إذا قامت المرأة بالانتحار و ذلك قبل الدخول بحيث يرى جمهور الفقهاء أنها تستحق المهر بأكمله بحجة أن حق الورثة تعلق بالمهر و ليس من حقها أن يسقط هذا الحق بفعلها،إذ أن الشخص لا يملك إسقاط حق غيره ،في حين ذهب رأي آخر من الأحناف (الإمام زفرة) بأن ليس لها الحق في المهر تماماً بحجة أن القتل يعد جناية، و بمقتضى هذه الجناية قد فوّتت حق الزوج عليها.
أما إذا قتلت الزوجة زوجها عمداً فيرى كل من الشافعية و المالكية أن حقها في المهر يسقط،وحجتهم في ذلك أنه في هذه الحالة فحقها في الميراث يسقط فأولى أن يكون كذلك في المهر،و كما أن التصرف فيها قد أدى إلى إسقاط حق الزوج بل جاء نتيجة ارتكاب معصية،و أن إنهاء الزواج بهذه الكيفية يؤدي إلى إسقاط الحق في المهر،غير أن الحنابلة و الحنفية و الإمامية ذهبوا إلى عكس ذلك إذ أن حقها في المهر يبقى قائماً بحجة أن عقوبة القتل منصوص عليها في الشريعة الإسلامية و لا يدخل ضمن هذه العقوبة إسقاط حقها في المهر كعقوبة تكميلية،و أمام هذين الرأيين المتضاربين فإننا نعتقد بأنه و من الأحسن تطبيق ما ذهب إليه الرأي الأول و من ثم فليس لها الحق في المهر إذا قامت بقتل زوجها قبل أن يدخل بها.
3-الخلوة الصحيحة.
و المقصود بالخلوة الصحيحة هو غياب الزوجة مع زوجها عن أنظار الناس في مكان يأمنان فيه من دخول الغير عليهما و اطلاعهم عليهما بدون إذن،فالخلوة الصحيحة يشترط فيها شرطان أساسيان حتى يتأكد بها المهر عند من قال بذلك:
الشرط الأول: أن يكون الزواج صحيحاً لأنه في الزواج الفاسد تأخذ الخلوة نفس حكم الزواج أي أنها خلوة فاسدة؛
الشرط الثاني: أن تتم في غياب الموانع الشرعية كالحيض و النفاس و الصيام و الإحرام في الحج.
و بالنسبة للخلوة الصحيحة فقد تضاربت آراء الفقهاء حول معرفة هل يتأكد لها المهر بأكمله أم نصفه فقط؟
و قد ذهب كلٌ من المذهب الحنفي و الحنبلي إلى أنه يتأكد كل المهر للزوجة بالخلوة الصحية،بمعنى إذا انفرد الزوج بزوجته فلها الحق في المهر إذ أنه يكفي في هذه الحالة اللمس و التقبيل بشهوة حتى و لو لم تتم المخالطة الجنسية بينهما،غير أن الشافعية خلافاً لذلك يرون بأن المرأة لا يتأكد لها المهر بالخلوة الصحيحة بل لها الحق في ذلك إلا إذا تمت المخالطة الجنسية بينهما،أما المالكية فيرون بأن مكوث الزوجة في بيت زوجها يتأكد لها كل المهر سواء دخل بها أو لم يدخل بها و ذلك في مدة سنة.
و الحقيقة أن مصدر الخلاف بين الفقه الإسلامي هو تفسير ما جاء في قوله تعالى " وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ،وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً "النساء20-21 و الاختلاف كان بالتحديد في تفسير مصطلح "أفضى"،و أمام هذه الآراء المتضاربة فقد اعتنقت المحكمة العليا ما ذهب إليه الرأي الأول بحيث قالت في قرارها لـ19 نوفمبر 1989 بأنه "من المتفق عليه فقهاً أن الخلوة الصحيحة توجب جميع الصداق المسمى"،و كما أكدت ذلك في قرارها لـ9 ماي 1989 بأنه "من المقرر فقهاً و شرعاً أن الزوجة تستحق الصداق كاملاً بمجرد الدخول و اختلاء الزوج بها"،و هو ما عبرت عنه في قرارها لـ2 أكتوبر 1989 بأنه "من المقرر شرعاً أن انتقال الزوجة إلى بيت الزوجية و اختلاء الزوج بها في بيته و غلق بابه هو الذي يعبر عليه شرعاً بـ"إرخاء الستور" أو "خلوة الاهتداء" يعتبر دخولاً فعلياً يُرتب عليه الآثار الشرعية و تنال الزوجة كامل صداقها".
غير أنه بالمقارنة بين الدخول الحكمي (الخلوة الصحيحة) و الدخول الصحيح (الدخول الحقيقي) نجده يتفق معه في بعض الأمور و يختلف في أخرى:
أ)محل الاتفاق بينهما.
-توجب نفقة العدة بعد الطلاق؛
-يتأكد المهر كله للزوجة؛
-ثبوت نسب الولد الناجم عن العلاقة الزوجية؛
-يمنع عليه الزواج بأختها أو عمتها أو خالتها حتى تنتهي عدتها؛
-لا يجوز له الزواج بالخامسة ما لم تكن قد انتهت عدة الزوجة التي طلقها.
ب)حالة الاختلاف بينهما.
-الخلوة لا تحرم فروع الزوجة على الزوج (الربيبة)؛
-إذا اختلى الزوج الثاني بالمطلقة ثلاثاً فإنه لا يمكن للزوج الأول أن يتزوج بها عندما يطلقها الزوج الثاني أو مات عنها و انقضت عدتها؛
-من طلق زوجته بعد الدخول طلاقاً رجعياً و مات عنها فترثه إذا كانت عدتها لم تنته بعد،و خلافاً لذلك فإن اختلى بزوجته و طلقها فليس لها الحق في الميراث إذا مات،حتى و لو لم تكن عدتها قد انقضت لأن الطلاق بعد الخلوة فهو طلاق بائن،أما الطلاق بعد الدخول الحقيقي فهو طلاق رجعي.
أما من حيث التشريع الجزائري فالمشرع لم يفرق بين ما إذا كان الطلاق رجعياً و بائناً من حيث التوارث بين الزوجين،إذ أنه طبقاً للمادة 132 من قانون الأسرة،فيثبت حق التوارث إذا تمت الوفاة في عدة الزوجة علماً أنه في هذه الحالة،فلا يجوز للزوج أن يراجع زوجته المطلقة بمقتضى حكم قضائي إلا بموجب إبرام عقد جديد.
*الفرق في مسألة الإحصان فبعد الدخول الحكمي لا يثبت الإحصان الزوجي،أما بعد الدخول الحقيقي فيثبت له ذلك أي أنه إذا زنا بعد الخلوة فالعقوبة تكون الجلد ،أما بعد الدخول الحقيقي فتكون الرجم.
ب)مؤكدات المهر بالعقد الفاسد.
في حالة ما إذا قضي بفساد أو بطلان عقد الزواج و لم يتم الدخول ففي هذه الحالة ليس للزوجة الحق في المهر بل يسقط بكامله ،أما إذا تم الدخول فللمرأة الحق في مهر المثل،و هذا ما نصت عليه المادة 33 المعدلة من قانون الأسرة،و نصها"إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه،و يثبت بعد الدخول بصداق المثل".
أما المذهب المالكي فيما يخص الزواج الفاسد فقد فرق بين نوعين من النكاح الفاسد:
1-أنكحة متفق على فسادها بين فقهاء الشريعة :فهذه تمنح للمرأة الحق في المهر قبل الدخول سواء كان المسمى أو المثل؛
2-أما النوع الآخر الذي ينصب عليه اتفاق الفقهاء من حيث فساد الزواج،كنكاح الشّغار إذا تم الدخول فلها مهر المثل،أما إذا لم يتبعه دخول فلا مهر لها.
الفرع الخامس:سقوط نصف المهر بكامله و نكاح الشغار.
1-سقوط نصف المهر: في الحالات التالية:
1-أن يكون عقد الزواج صحيحاً و أن يتم الطلاق قبل الدخول بنوعيه:في حالة ما إذا كان الزواج صحيح و طلق زوجته قبل أن يدخل بها دخولاً صحيحاً أو حكمي فلها نصف المهر،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 16 من قانون الأسرة "...و تستحق نصفه عند الطلاق قبل الدخول"،و تطبيقاً لذلك قد قضت المحكمة العليا في العديد من قراراتها على أن المرأة لها نصف الصداق بعد الطلاق في الزواج الصحيح،منه ما قضت به في قرار لها صادر في 19 نوفمبر 1984 و نصه "من المقرر شرعاً أن الزوجة المطلقة بعد الدخول بها تستحق كامل صداقها أما إذا لم يقع الدخول بها،فلا تستحق إلا نصفه"،و تأكيداً لذلك قضت في قرار لها لـ16 أكتوبر 1993 على أنه "من المقرر قانوناً أنه عند الطلاق قبل البناء تستحق الزوجة نصف الصداق"،و هو ما أكدته في قرار لـ24 سبتمبر 1996 "أن الطلاق قبل البناء ليس فسخاً و من ثمّ الحكم على الطاعنة بإرجاع الصداق،مع أنها تستحق نصفه يكون قضاة الموضوع قد خالفوا أحكام المادة 16 من قانون الأسرة".
و استند المشرع في حكمه هذا بقوله تعالى " وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "البقرة 236.
2-سقوط الصداق بكامله: يسقط الصداق بكامله إذا طرأ على الزواج سبب من الأسباب التالية:
-إذا تم فسخ العقد لسبب من جهة الزوجة كرِدَّتها عن الإسلام؛
-كذلك يسقط كل المهر إذا تم فسخ العقد للأسباب التالية:
-عدم احترام ما نص عليه المشرع في المادة 9 و المادة 9 مكرر من قانون الأسرة،أي عدم احترام ركن الرضا أو شرطٍ من شروط صحة عقد الزواج،كذلك يسقط المهر بأكمله إذا خلعت الزوجة يسقط كله قبل الدخول أو بعده.
-يسقط الصداق إذا وهبته كله أو جزء منه لزوجها و هي أهل للتبرع،و ذلك سواء قبل الدخول أو بعده.
زواج الشغار.
المقصود به هو أن يتزوج اثنان امرأتين على أن تكون إحداهما في نظير صداق الأخرى،و قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه و سلم و اعتبره الجمهور عقداً فاسداً ما عدا الأحناف،علماً أن الرسول صلى الله عليه و سلم عن ابن عمر قال: "لاَ شِّغَارَ فِي الإسْلاَمِ"صحيح مسلم،و إن للشغار عند المالكية ثلاث صور:
الصورة الأولى:شغار صريح، و هو عندما يقول الشخص لآخر"زوجني أختك على أن أزوجك أختي"،على ألا يكون لإحداهما مهراً،فحكمه البطلان قبل الدخول و بعده،و لكن لها مهر المثل إذا تم الفسخ بعد الدخول،بينما في التشريع الجزائري هو زواج صحيح بعد الدخول في المادة 33 من قانون الأسرة؛
الصورة الثانية:و هو أن يقول "زوجني أختك بـخمسين (50) دينار على أن أزوجك أختي بنفس المبلغ"،فحكمه البطلان قبل الدخول فقط،أما بعد الدخول فلها الأكثر من المسمى و مهر المثل؛
الصورة الثالثة:يقول له "زوجني أختك بمائة (100) د.ج على أن أزوجك أختي"حكمه يفسخ قبل الدخول،و يثبت بعده بالأكثر من المسمى و مهر المثل،و هذا إذا تمت تسمية المهر،أما إذا لم يسمى فيفسخ قبل الدخول و بعده.
الفرع السادس: النزاع حول الصداق.
تنص المادة 17 من قانون الأسرة على أنه "في حالة النزاع في الصداق بين الزوجين أو ورثتهما و ليس لأحدهما بيّنة و كان قبل الدخول فالقول للزوجة أو ورثتها مع اليمين،أما إذا كان بعد البناء فالقول للزوج أو ورثته مع اليمين"،من النص فالمشرع قد وحَّد الأحكام المتعلقة بالنزاع حول الصداق إذ أنه لم يفرق بين كل حالات النزاع من حيث الحكم،بل طبق نفس الحكم مهما كان نوع النزاع،إذ أن النزاع ممكن أن يكون حول قيمة الصداق،أو حول الصداق الظاهر ،و الصداق الباطن و حالات أخرى.
مـــــــوانــــع الــــــــــــزواج.
لقد تعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة إلى تحديد موانع الزواج حيث نص في المادة 23 منه على أنه يجب أن يكون كل من الزوجين خالياً من الموانع الشرعية المؤبدة و المؤقتة،و أن المشرع بمقتضى هذا النص قد حذا حذو الشريعة الإسلامية من حيث تحديد هذه الموانع و ذلك باستعماله مصطلح الموانع الشرعية،و قد حسُن التسمية،إذ أن المانع خلافاً لما هو عليه في بعض الكتب الفقهية قد يتعلق بالمرأة كالمحصنة أو الأم،و كذلك قد يتعلق بالرجل مثلاً في حالة الزواج بالأخت (أخت الزوجة) قبل انتهاء عدة الأخت الأولى التي طلقها،و أن المانع سواء كان مؤبداً أو مؤقت فجزاؤه البطلان في حالة عدم احترامه بل و أكثر من ذلك فإن المشرع قد نص في المادة 34 من قانون الأسرة على أنه "كل زواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده و يترتب عليه ثبوت النسب،و وجوب الإستبراء".
1)الموانع المؤبدة.
فإن القرابة لا تعد مانعاً من موانع الزواج إلا إذا بلغت درجة معينة،و السبب في ذلك يعود إلى أن زواج الأقارب يعتبر عاملاً من عوامل إضعاف النسل و إصابته بالعِلل،فالدم بحاجة إلى الاختلاط و في هذا يقول عليه الصلاة و السلام "اغتربوا لا تضووا"،و كما أن السر في ذلك أن الحياة الأسرية كثيراً ما تجمع بين الأقارب تحت سقفٍ واحد،و أن السماح لهؤلاء الأشخاص بالزواج يمكن أن يؤدي إلى الفوضى داخل الأسرة،بل إن الزواج هو عامل من عوامل الترابط بين الأسر،و هذا لا يتأتى إلا مع الأجانب.
و أما من حيث حالات الموانع المؤبدة هي: قرابة الدم، قرابة النسب و قرابة الرضاع.
أولاً:قرابة الدم.
هذا النوع من الموانع نصت عليه المادة 25 من قانون الأسرة "المحرمات بالقرابة هي: الأمهات، و البنات،و الأخوات،و العمّات،و الخالات،و بنات الأخ،و بنات الأخت"،و من هذا النص نستنتج أن هذا النوع من القرابة تارةً يكون على أساس الجمع بين شخصين ينحدران من أصل واحد مشترك،أو يتفرّع أحدهما عن الآخر،و قد تكون هذه القرابة مباشرة و هي العلاقة بين الأصل و الفرع كالأم مع ابنها،و قد تنشأ من تلاقي الطرفين في أصل مشترك من أصولهما دون أن يكون أحدهما فرعاً للآخر و هي تسمى بقرابة الحواشي،و هي: العلاقة بين الأخت و الأخ ،و الابن و عمته أو خالته...إلخ،غير أن موانع الزواج تختلف باختلاف هذا النوع من القرابة بحيث أن قرابة الدم المباشرة يقع بمقتضاها المانع مهما كانت الدرجة،و بمعنى أدق فإنه لا يجوز للشخص أن يتزوج سواء بأصوله أو بفروعه،أي لا تحل له أمه و لا جدته و إن علت، و لا ابنته أو ابنة ابنته أو ابنة ابنه و إن نزلت،مصداقاً لقوله تعالى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ..."النساء 23،أما من حيث قرابة الدم غير المباشرة فإن المانع مربوط بعدد الدرجات،بحيث بناءاً على هذا النوع من الموانع فإنه يحرم الزواج بالأخت مطلقاً،سواء أكانت شقيقة أو لأب أو لأم و بناتها و بنات ابنها (أو بنات ابنتها)، و بنات الأخ و بنات ابنه و بناته مهما نزلن و مهما كان نوع أخواته،شقيقاً كان أو لأبٍ أو لأم، و الزواج بالعمة مطلقاً سواء أكانت أخت أبيه أو أخت جده و سواء كانت شقيقة أو لأب،و كذلك الزواج بالخالة مطلقاً و مهما علت،و ذلك مصداقاً لقوله تعالى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ...وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ..."النساء 23.
*لا يجوز الزواج بين الفروع و الأصول مهما كانت الدرجة.
ثانياً: قرابة المصاهرة.
إن هذا النوع نصت عليه المادة 26 من قانون الأسرة و نجد أربع حالات:
أ-أصول الزوجة بمجرد العقد عليها،و هذا وفقاً للقاعدة الفقهية القائلة "العقد على البنات يحرِّم الأمهات"،و المقصود بالأمهات هنا:الأم و الجدة و إن علت،و مهما كان نوعها سواء أكانت أبوية أو أموية (من جهة الأب أو من جهة الأم).
ب-فروع الزوجة إن دخل بها،و المقصود به أنه يحرم على الشخص التزوج من فروع زوجته بالدخول و ليس بالعقد،و المقصود بالفروع هنا هم الفروع الصُلبية،بنت الزوجة و بنت بنتها و بنت ابنها،و هذا مصداقاً لقوله تعالى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ...وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ..."النساء 23،و المقصود بالدخول هنا هو الدخول الحقيقي و الوطأ،بينما لو طلقها قبل أن يدخل بها (أي الأم) فيتسنى له أن يتزوج بابنتها.
ج-أرامل و مطلقات الأصول و إن علوا بمجرد العقد،يمنع على الشخص الزواج ممن كن زوجات الأب،أو زوجات الجد مهما علوْنَ مصداقاً لقوله تعالى " وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً "النساء22،و من ثم فإنه لا يجوز للشخص أن يتزوج بزوجة أبيه و لا جده حتى و لو طلقها قبل أن يدخل بها لأن المانع يقع بمجرد العقد.
د-أرامل و مطلقات الفروع و إن نزلوا و المقصود من كن زوجات للفروع،و المقصود بالفرع هنا الفرع الصُلبي، مصداقاً لقوله تعالى "... وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ..."النساء23.
و لكن السؤال الذي يمكن أن يثار هل يعتبر اللمس بشهوة و النظر بشهوة كالدخول الحقيقي و يعطي أحكامه في التحريم المشترط فيه الدخول كتحريم الربيبة؟
للإجابة على هذا السؤال فقد تضاربت آراء الفقهاء فمنهم من يرى أنه لا يحرم إلا الدخول الحقيقي،بينما ذهب رأي آخر إلى أن اللمس بشهوة كالدخول، أما الرأي الثالث قد اشترط أن يكون اللمس للعضو المخصص لذلك.
أما السؤال الثاني فيتعلق فمعرفة في حالة ما حصل دخول بامرأة من غير عقد عليها،فهل ذلك يحرم ما يحرمه العقد و يحرم ما يحرمه الدخول في عقد صحيح؟
كذلك للإجابة على هذا السؤال تضاربت آراء الفقهاء،فقد ذهب المالكية و الشافعية أن الزنا لا تثبت به حرمة المصاهرة،بمعنى أن من زنا بامرأة فلا يحرم عليه الزواج بابنتها أو أمها؛
بينما ذهب الحنفية و حنبل إلى القول بأن الزنا تثبت به حرمة المصاهرة بجميع أنواعها،فلو زنا رجل بامرأة فيحرم عليه الزواج بابنتها أو بأمها،و يقع التحريم هنا تحريماً أبدياً،و يعتبر هذا الاتجاه أن الزواج هنا فاسد بسبب اختلاف آراء الفقهاء ،و الواقع أنَّ ما ذهب إليه الرأي الأول هو الراجح لأن الله سبحانه و تعالى عندما ذكر النساء اللاتي لا يجوز للشخص أن يتزوج بهن جاء قوله تعالى "... وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ..."النساء24،و هنا لم يذكر فروع أو أصول المرأة التي زنا بها، وروي عن الزهري عن عائشة قالت:((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل ينكح المرأة حراما أينكح ابنتها ؟ ، أو ينكح البنت حراما أينكح أمها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يُحرِّم الحرامُ الحَلالَ ، إنَّما يُحرَّم ما كان بنكاحٍ حَلالْ "))،و أن حرمة المصاهرة فهي نعمة بسبب إلحاق الأجانب بالأقارب و أن الزنا محظور شرعاً فلا يجوز أن يكون سبباً للنعمة،غير أنَّ ما ينبغي الإشارة إليه أنه إذا زنا شخص من امرأة و حملت من مائه فإنه لا يجوز له الزواج بالبنت التي تنجم من هذه العلاقة غي الشرعية.
فإن الحالات التي يتوقف عليها التحريم في المصاهرة يشترط أن يكون فيها العقد صحيحاً أما إذا قضي ببطلانه أو فسخه قبل الدخول فلا يقع المانع بحيث في هذه الحالات كلها يصبح المانع قائماً بالدخول في حالة العقد الفاسد أو الباطل.
ثالثاً:الرضاعة.
الرضاع يعتبر هو الآخر مانع من موانع الزواج طبقاً لما نصت عليه المادة 27 من قانون الأسرة، و لكن يشترط لكي يكون الرضاع مانعاً الشروط التالية:
1-يشترط أن تكون المرضعة امرأة،حيث أن لبن غير المرأة لا يعتد به فلو رضع طفلان حيواناً واحداً فلا يتم المانع؛
2-أن يتم الرضاع طبقاً لما نصت عليه المادة 29 من قانون الأسرة و نصها "لا يحرم الرضاع إلا ما حصل قبل الفطام أو في الحولين"،و يستخلص من هذا النص أن المشرع الجزائري قد وحَّد مانع الرضاع بناءاً على أن يتم سواء قبل الفطام أو في الحولين،و بمعنى أدق فإنه يمكن أن يكون الطفل في حالة فطام لكن قبل الحولين، و من ثمّ فإن المانع يقع في هذه الحالة حتى و لو انتهت مدة الحولين،لأن المشرع قد استعمل عبارة "أو" و هي عبارة تدل على الخيار؛
3-أن يقع التحريم مهما كان مقدار الرضاع إذ أن المشرع قد نص صراحة بأن المانع يقع "...سواء أكان اللبن قليلاً أو كثيراً" (المادة 29 قانون الأسرة)،و هو ما ذهب إليه كل من المذهب المالكي و الحنفي.
و عندما تتوافر هذه الشروط الثلاث يصبح الرضاع مانعاً من موانع الزواج.
و أما حالات الرضاع فهي تتمثل في المحرمات نسباً و مصاهرة و هي على النحو الآتي:
أ-على أساس النسب:
1-أصول الشخص من الرضاع: و هن :أمه و أمها و إن علت،و أم أبيه رضاعة و أمها و إن علت؛
2-فروع الشخص من الرضاع: و هن: بنته رضاعاً و بنتها و إن نزلت،و بنت ابنه رضاعاً و ابنتها و إن نزلت (و نقصد هنا زوج المرضعة الذي كان سبباً في حبل المرأة و نزول اللبن ليس له الزواج بمن ترضعها زوجته)؛
3-الإخوة من الرضاعة: و هن: الأخوات رضاعاً،و بنات إخوته و أخواته رضاعاً مهما نزلن، سواء اتحد زمن الرضاعة أو لم يتحد؛
*لا ينصرف المنع إلى الإخوة بالنسب للأخ بالرضاعة (المادة 28 من قانون الأسرة)؛
4-فروع الجد و الجدة من الرضاعة: و هن: عماته و خالاته رضاعاً؛
ب-على أساس المصاهرة:
5-أصول زوجة الشخص من الرضاع: بمجرد العقد،قد ترضع امرأة طفلة فتصبح هذه الطفلة امرأة بدورها فتكون زوجة لأحد الأشخاص،فيحرم على الذي تزوجها أن يتزوج بأم زوجته رضاعاً و أم أمها و إن علت،دخل بها أو لم يدخل (العقد على البنات يحرم الأمهات)؛
6-بنت الزوجة بالرضاعة:بالدخول، (الدخول بالأمهات يحرم البنات)؛
7-زوجات الأب و الجد بالرضاع:بمجرد العقد،لا يمكن للشخص أن يتزوج بزوجة أبيه أو جده بمجرد أن عقد عليها الأصل،بحيث إذا طلقها هذا الأخير أو توفي عنها فلا يحل لابن الرضاع أن يتزوج بها حتى و لو لم يدخل بها الأصل؛
8-زوجات فروع الشخص من الرضاعة:بمجرد العقد و هن: زوجات الابن و ابن الابن و ابن البنت و إن نزلوا؛
و في هذه الحالات الثلاث القائمة على أن يكون التحريم بناءاً على العقد يشترط فيه أن يكون صحيحاً،أما إذا قضي بفساده أو بطلانه فإن المانع لا يتم أو لا يقع ما لم يكن قد اتبع الزواج دخول،و من ثمّ يصبح المانع قائماً على الدخول بدلاً من العقد؛
مثلاً:شخص تزوج بامرأة و لم يدخل بها فقضي بفساد زواجه،فيجوز لابنه رضاعاً أن يتزوج بالمرأة التي قضي بفساد زواجها أي زوجة الأب رضاعاً.
*الزواج بالمحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده و لكن يثبت النسب و تستبرىء المرأة.
الموانع المؤقتة.
لقد نهج المشرع الجزائري تقريباً نفس المنهج الذي سطرته الشريعة الإسلامية من حيث تحديد الموانع المؤقتة و أن هذه الأخيرة لا تبق على وجه التأبيد مثلما هو عليه في الموانع المؤبدة،و إنما يزول المانع بزوال السبب الذي أدى إلى وجوده،و حالات هذه الموانع هي كالآتي:
1)-المحصنة.
و هي زوجة الغير،فإنه لا يجوز للشخص أن يرتبط بالزواج مع امرأة متزوجة مع شخص آخر،و سواء أكان هذا الأخير مسلماً أو غير مسلم،و ذلك تنفيذاً لقوله تعالى "... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ..."النساء 24؛
2)-المعتدة.
فالمرأة التي أصبحت معتدة لسبب من أسباب العدة فإنه لا يجوز لها الزواج ما لم تكن عدتها قد انتهت، و أن الحكمة من وجود العدة تارة تكون على أساس الحداد و تارة تكون بسبب من أسباب عدم اختلاط الأنساب،و يمكن أن تكون وفقاً لما نص عليه الفقه الإسلامي فرصة للزوج لأن يتراجع عن قراره بالطلاق،و قد عالج المشرع الجزائري العدة في المواد:58، 59، 60 من قانون الأسرة،و ذلك بعدما اعتبرت المادة 30 من قانون الأسرة أن العدة من طلاق أو وفاة مانع مؤقت من الزواج،و أن مدة العدة التي حددها المشرع امتثالاً للشريعة الإسلامية تختلف باختلاف نوع انحلال الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة،و كذلك باختلاف الحالة الفيزيولوجية للمرأة من ذوات الحيض،اليائسات أو الحامل:
أ-عدة المرأة الحامل: إن مدة الحمل التي حددها المشرع بستة (6) أشهر كحد أدنى من يوم إبرام العقد،و عشر (10) أشهر من يوم الانفصال كحد أقصى (المادتان 42و 60 قانون الأسرة)،و من ثمّ فإن المرأة الحامل تنتهي عدتها بوضع حملها،سواء بعد الطلاق أو الوفاة أو البطلان،و ذلك استناداً لقوله تعالى "... وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ..."الطلاق65؛
ب- المعتدة من طلاق:
1-عدة المطلقة التي تحيض: تنص المادة 58 فقرة1 من قانون الأسرة على أنه "تعتد المطلقة المدخول بها غير الحامل بثلاث(3) قروء"، و ذهب كل من المالكية و الشافعية إلى أن القرء يقصد به الطهر،أما عند الحنفية و الحنابلة فيقصد به الحيضة،و الرأي الراجح ما ذهب إليه الرأي الأول؛
2-عدة المطلقة التي لا تحيض: و هي ثلاثة (3) أشهر وفقاً لما نصت عليه المادة 58 من قانون الأسرة "...و اليائسة من المحيض بثلاث (3) أشهر من تاريخ التصريح بالطلاق"؛
ج-عدة من غاب زوجها: و هي زوجة المفقود:فعدتها محددة بأربعة (4) أشهر و عشرة (10) أيام استناداً للمادة 59 من قانون الأسرة بنصها "تعتد المتوفى عنها زوجها بمضي أربعة أشهر و عشرة أيام،و كذا زوجة المفقود من تاريخ صدور الحكم بفقده"؛
د-عدة المتوفى عنها زوجها: و هي أربعة (4)أشهر و عشرة (10) أيام (المادة 59 قانون الأسرة)،سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده.
تداخل العدد.
إن ما يعاب على المشرع الجزائري أنه لم يتعرض إلى مسألة تداخل العدد و هي حالات قد أشار إليها الفقه الإسلامي مما يقتضي الأمر الأخذ بها (تطبيقاً للمادة 222 من قانون الأسرة)،و عليه فهذه الحالات كالآتي:
1-مطلقة اعتدت بالحيض فحاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست من المحيض فإنها تنتقل إلى الاعتداد بالأشهر فتعتد ثلاث (3) أشهر؛
2-مطلقة يئست من المحيض اعتدت بالأشهر فلما انقضى الشهر الأول أو الثاني من عدتها رأت دم فإنها تنتقل إلى الاعتداد بالحيض،و ينبغي الإشارة هنا أنه في حالة ما إذا اعتدت بثلاث (3) أشهر و ظهر لها بعد ذلك دم فإن عدتها تكون قد انتهت؛
3-مطلقة شرعت بالعدة بالأشهر أو بالأقراء و لكن بعد ذلك ظهر لها أنها حامل فتعتد بوضع الحمل؛
4-المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً مات مطلقها أثناء عدتها فإنها تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة و تعتد أربعة (4) أشهر و عشر (10) من يوم الوفاة،فهذا الحكم لا يمكن تطبيقه في الطلاق البائن (في الطلاق البائن لا توارث بين الزوجين)،غير أنه طبقاً لما جاء به المشرع الجزائري في المادة 132 من قانون الأسرة فإنه يمكن الأخذ بهذا الرأي رغم أنه اعتبر الطلاق الذي نطق به القاضي طلاقاً بائناً.
3)-المطلقة ثلاثاً.
لقد سمحت الشريعة الإسلامية و من ثم التشريع الجزائري للرجل بحق الطلاق و لكن قد تم تقييد هذا الحق بعدد الطلقات،بحيث إذا طلقها الزوج ثلاث مرات متتالية فإنه لا يمكن أن يراجعها حتى تنكح زوجاً آخر و تفارقه بطلاق أو وفاة بعد الدخول،و تكون عدتها في الحالة الثانية قد انتهت و في هذا تنص المادة 51 من قانون الأسرة على أنه "لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن تتزوج غيره و تطلق منه أو يموت عنها بعد البناء"،و من هذا النص نستنتج أن طلاق الثلاث يعتبر مانعاً مؤقت بالنسبة للمطلق،بحيث قد اشترط المشرع أن هذه المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن تتزوج مرة أخرى مع شخص آخر الذي قد توفي عنها أو طلقها بعد البناء (الدخول الحقيقي)،و من ثمّ فإن نكاح المحلل لا يرفع المانع بل هو عند المالكية زواج باطل دخل بها أو لم يدخل بها،مصداقاً لقوله عليه الصلاة و السلام "... لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ "رواه ابن ماجه و حسنه الألباني في سننه.
4)-الجمع بين المرأة و أختها أو عمتها أو خالتها.
لقد أباح المشرع تعدد الزوجات و لكن قيده ببعض القيود منها خاصة أنه لا يجوز للشخص الجمع بين المرأة و أختها،و المرأة و عمتها،و المرأة و خالتها في الزواج،و ذلك مصداقاً لقوله تعالى " وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ "النساء23،و نهى الرسول صلى الله عليه و سلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها إلا إذا طلق زوجته الأولى و تكون عدتها قد انتهت فيجوز له الزواج بهن.
5)-الخامسة فوق الرابعة.
لقد اعترف المشرع الجزائري وفقاً لأحكام الشريعة للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة و هو ما يطلق عليه تعدد الزوجات،غير أن هذه الإباحة قد قيدها المشرع ببعض الشروط و هو ما نصت عليه المادة 8 من قانون الأسرة بنصها "يسمح بالزواج بأكثر من زوجة في حدود الشريعة متى وجد المبرر الشرعي و توافرت شروط و نية العدل"،و بناءاً على هذا النص حتى يكون التعدد يجب توافر الشروط القانونية و هي كالآتي:
1-أن يكون العدد في الحدود التي سمحت بها الشريعة،و هذا العدد قد حدده الفقه الراجح بأربعة نسوة،بحيث يجوز للشخص أو الرجل أن يتزوج في آن واحد بأربعة نساء؛
2-ينبغي أن يكون لديه مبرر شرعي و الواقع أن المشرع الجزائري لم يحدد لنا ما المقصود بالمبرر الشرعي،و لكن بعض الفقه حددوا هذه المبررات في:
-المرض المزمن الذي أصيبت به الزوجة و أقعدها عن واجباتها الزوجية؛
-عقم الزوجة بحيث إذا توافر واحد من هاذين المبررين فيمكن للزوج أن يتزوج زوجة أخرى شريطة أن تكون الشروط الأخرى متوفرة،و قد جاء القرار الصادر عن وزارة العدل المنشور في 23 ديسمبر 1984 تفسيراً للمادة 8 من قانون الأسرة بالتنصيص على أنه "يجب على الموثق أو ضابط الحالة المدنية التأكيد على وجود المبرر الشرعي و لا يكتفي فيه بالمشافهة أو الإقرار بل لابد من شهادة طبية صادرة عن طبيب مختص و أن عدم تقديم هذه الشهادة يؤدي إلى عدم إبرام عقد الزواج الثاني"،كما صدر مرسوم آخر في 28 أوت 1985 و الذي أشار إلى حال الرضا و العلم من الزوجين،و الواقع أن اقتصار المبررات للتعدد في المرض المزمن و العقم يتنافى تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية إذ أنه يمكن أن هناك مبررات أخرى لا يريد الزوجان الإفصاح عنها أمام القاضي،و أن الزوجة الأولى و الثانية لا ترى مانعاً من التعدد، لذلك فإنه من المستحسن أن نترك هذه المسائل للسلطة التقديرية للقاضي من حيث تحديد المبرر و ذلك راجع لاختلاف الأزمنة و الأمكنة؛
3-توافر شروط و نيّة العدل لدى الزوج:و الواقع أن العدل المتطلب في هذه الحالة هو العدل المتعلق بالمسائل المادية و ليس الروحية،أي العدل المتعلق بالإيواء (السكنى)،النفقة و التطبيب...إلخ،إذ أن العدل في المحبة غير مشترط في هذه الحالة، و هو ما أكده حديث الرسول صلى الله عليه و سلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ ، وَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ : يَعْنِي الْقَلْبَ ))،و يقول عليه الصلاة و السلام " مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا أَوْ مَائِلاً "أخرجه أحمد و ابن ماجة و أبو داود و النسائي عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إخبار الزوجة السابقة و اللاحقة بالتعدد.
اشترط المشرع في المادة 8 معدلة من قانون الأسرة أنه يجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة و المرأة التي يريد الزواج بها،و من ثم فإنه لا يمكن للقاضي أن يمنح الرخصة إلا إذا كان واثقاً بأنه قد تم إبلاغ الزوجتين،بينما في حالة ما إذا دلس الزوج عليهما فإن المادة 8 مكرر تنص صراحةً على أنه "في حالة التدليس،يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق"،و بهذا نرى أن المشرع قد جعل التدليس سبب من أسباب التطليق و هو ما يؤخذ عليه،إذ أنه كان من اللازم التفرقة بين الزوجين بحيث بما أن الزوجة الأولى زواجها صحيح،يجوز لها طلب التطليق على أساس عدم علمها بالتعدد في حين أن الزوجة الثانية قامت بإبرام عقد الزواج تحت عيب التدليس أي أن إرادتها كانت معيبة و من ثم يكون الزواج غير صحيح،فالأَولى بالنسبة إليها طلب فسخ العقد بدلاً من التطليق.
4-الحصول على الرخصة القضائية (المواد8 فقرة2، 8مكرر فقرة 1 قانون الأسرة):لقد قيّد المشرع الجزائري حق الشخص في التعدد بحصوله على رخصة قضائية،و ذلك بتوجيه الطلب إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية،و هذا الأخير يمكن له أن يمنح تلك الرخصة شريطة أن يتأكد من موافقة الزوجتين ،و إثبات الزوج المبرر الشرعي و قدرته على توفير العدل و الشروط الضرورية للحياة الزوجية،فإذا تأكد القاضي من هذه الشروط و أثبت الزوج ما ينبغي إثباته فما على المحكمة إلا منح الرخصة القضائية بدون تعسف،و بناءا على هذا النص (المادة 8 فقرة 3 قانون أسرة) نجد أن المشرع قد منح للقاضي سلطة تقديرية و لكن قد قيدها في الوقت ذاته بتوافر عدد من الشروط فبدونها سيرفض منح الرخصة،و زيادةً على ذلك فقد نصت المادة 8 مكرر1 على أنه "يفسخ الزواج الجديد قبل الدخول إذا لم يستصدر الزوج ترخيصاً من القاضي وفقاً للشروط المنصوص عليها في المادة 8 أعلاه"،ففي هذا النص فرّق المشرع بين المرأة المدخول بها في حالة التعدد و المرأة غير المدخول بها،بحيث قد ربط فسخ الزواج بعدم الدخول و ذلك في حالة ما إذا تم استصدار رخصة متنافية و ما ورد في المادة 8 قانون الأسرة،أما إذا تم الدخول فيصبح التعدد صحيحاً،حتى و لو كانت الرخصة غير مشتملة على الشروط التي نص عليها المشرع.
6)-اختلاف الدين.
لقد فرق المشرع على منوال الشريعة بين الرجل و المرأة من حيث مانع الزواج المتعلق باختلاف الدين، و ذلك وفقاً للحالتين التاليتين:
أ-من لا تدين بدين سماوي (المادة 222 قانون الأسرة) : أجمع فقهاء الشريعة على أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج من لا تدين بدين سماوي كالملحدة أو المشركة،و ذلك مصداقاً لقوله تعالى " وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ..."البقرة221،بينما يجوز له أن يتزوج بالكتابية أي المسيحية أو اليهودية،مصداقاً لقوله تعالى " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " المائدة5،بينما لو كانت مسلمة و أصبحت مرتدة لا يجوز له الزواج بها حتى لو أصبحت مسيحية أو يهودية؛
ب-زواج المسلمة (المادة 30 فقرة 6 قانون الأسرة): و قد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم سواء كان من أهل الكتاب أو مشركاً أو ملحداً،و ذلك مصداقاً لقوله تعالى "... وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ... "البقرة 221،و قوله تعالى أيضاً " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"الممتحنة 10 ،و أنه في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم كانوا دائماً يفرقون بين المسلمة و النصراني.
الـــــولايــــة فـــي الـــــــــــزواج.
بصفة عامة تنقسم الولاية إلى ثلاثة أنواع: ولاية على النفس،ولاية على المال و ولاية على النفس و المال معاً،فالولاية على النفس هي في عدة مسائل منها الزواج،و هذه الأخيرة بدورها تنقسم إلى قسمين: ولاية اختيار و ولاية إجبار،و لكن قبل التطرق إلى هذين النوعين في الولاية ينبغي تبيان أولاً شروط و ترتيب الأولويات:
أ-شروط الولي.
يشرط في الولي ما يلي:
1-الأهلية الكاملة: أن يكون بالغاً سن الرشد و متمتعاً بكل قواه العقلية،و من ثمّ فإنه لا يجوز للشخص المصاب بجنون و من في حكمه أن يكون ولياً حتى و لو على أبنائه لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛
2-اتحاد الدين: و ذلك بين الموّلى عليه و الولي،بمعنى أنه لا تثبت الولاية لغير المسلم على المسلم أو المسلمة،كما لا تثبت الولاية للمسلم على غير المسلم،بمعنى إذا كان للمرأة أخوان أحدهما مسلم و الآخر مسيحي فالولاية تعود للأخ المسيحي إذا كانت مسيحية،و ذلك مصداقاً لقوله تعالى" وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ "الأنفال73،و كذا قوله تعالى " وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا "النساء4؛
3-الذكورة: يشترط في الولي أن يكون ذكراً لأن المرأة لا تستطيع أن تتولى زواج نفسها لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى على أن تزوج المرأة المرأة، أو المرأة نفسها،و قال بأن الزانية هي التي تتولى زواجها،إلا الأحناف فقد سمحوا للأم أن تكون ولي لابنتها أو بنت ابنتها و إن نزلت؛
ب-ترتيب الأولياء.
يتم ترتيب الأقارب حسب أولوية حصولهم على الولاية:
1-قرابة الأبوة: الأب، ثم الجد و إن على؛
2-قرابة البنوّة: الابن،و ابن الابن و إن نزل؛
3-قرابة الأخوة: الأخ الشقيق،ثم الأخ لأب؛
4-قرابة العمومة: العم الشقيق ثم العم لأب.
زواج البالغة العاقلة.
السؤال الذي يطرح هنا هو: هل يجوز للمرأة البالغة العاقلة أن تنفرد بعقد زواجها أم ينبغي أن يشاطرها في ذلك وليها،سواء أكان أبوها أو أحد أقاربها؟
للإجابة على هذا السؤال فقد تضاربت آراء الفقه الإسلامي حيث يرى الجمهور أن المرأة البالغة العاقلة عليها ولاية الاختيار و من ثمَّ فليس لها أن تنفرد بعقد زوجها و أن لوليها سلطان معها،فهما شريكان في زواجها و هو الذي يتولى الصيغة،و من ثمَّ فإذا وكلت شخصاً آخر ليمثلها في عقد زواجها فإن هذا الإجراء غير صحيح بحيث لا تملك تزويج نفسها فأولى ألا تستطيع توكيل غيرها،و قد استدل الجمهور بقوله تعالى " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ "النور32،و بقوله تعالى "... وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ... "البقرة 221،و في هاتين الآيتين فالخطاب موجه إلى الأولياء مما يدل أن الزواج إليهم لا إلى النساء،و استدلوا كذلك بالسنة وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أيّما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، باطل ، باطل..."رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه،و أخيراً استدلوا بالمعقول بحيث يرى الأحناف أن المرأة البالغة العاقلة لا ولاية لأحد عليها في زواجها بل أن زواجها بدون ولي يعد صحيحاً،و قد استدلوا بقوله تعالى " حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ "البقرة230،فالخطاب موجه للمرأة و ليس للولي،و قد استدلوا كذلك بقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأيِّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها"و خرجه أبو داود والنسائي،و من المعقول فلا يمكن تصور أن للمرأة الحق في إبرام جميع العقود (مدنية،تجارية و إدارية ...إلخ) و منعها أن تنفرد بعقد زواجها،بل فلها الأهلية الكاملة من أجل إبرام الزواج و ما على وليها إلا حق المراقبة،بحيث ما إذا أساءت الاختيار فله حق طلب فسخ الزواج، و هو ما أخذ به فعلاً قانون الأحوال الشخصية السوري المادة 27 منه،و أمام هذين الرأيين كان المشرع ينص في المادة 11 من قانون الأسرة الجزائري قبل تعديلها على أنه "يتولى زواج المرأة وليها،و هو أبوها..."،و قبل التعديل كان الولي يعتبر ركناً من أركان عقد الزواج (المادة 9 من قانون الأسرة قبل التعديل)،فبناءاً على هذين النصين يتضح لنا أن المشرع الجزائري قد أخذ برأي جمهور الفقهاء بحيث نص صراحةً بأن الولي هو الذي يتولى الصيغة و ليست المرأة،و كانت المادة 33 من قانون الأسرة قبل تعديلها تنص على أن الزواج يفسخ قبل الدخول إذا تم دون ولي،أمَّا إذا أتبعه دخول فيصبح صحيح و لكن إذا انتفى ركن الولي مع ركنٍ آخر (الصداق أو الشهادة) فيكون الزواج باطل حتى لو أتبعه دخول.
أمَّا بعد تعديل قانون الأسرة بالأمر 05-02 لـ 27 فبراير 2005 أصبحت المادة 11 معدلة تنص على أنه "تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها و هو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخصٍ تختاره"، و يستشف من هذا النص أن المشرع قد خرج عن موقف جمهور الفقهاء حيث منح للمرأة الحق في اختيار وليها بل أكثر من ذلك فإنه لم يأخذ كذلك برأي الأحناف إذ أنه لم يسمح للولي الشرعي بحق المعارضة في حالة عدم وجود زوج كُفء.
و بالإضافة لذلك تنص المادة 33 قانون الأسرة بعد تعديلها على أنه "...إذا تم الزواج بدون...ولي في حالة وجوبه يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه و يثبت بعد الدخول بصداق المثل".
زواج القصر و مختلي العقل.
لقد اتفقت كلمة الفقه على أن ولاية الإجبار تثبت على الصغير غير المميز و البكر الصغيرة و المعاتيه و المجانين ذكوراً أو إناثاً إذا وجدت في تزويجهم مصلحة،و بالرجوع للنصوص القانونية جاءت المادة 11 معدلة من قانون الأسرة تنص على أنه "دون الإخلال بأحكام المادة 7 من هذا القانون يتولى زواج القصر أولياؤهم و هو الأب،فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له"،و تضيف المادة 13 معدلة من قانون الأسرة بأنه "لا يجوز للولي أباً كان أو غيره أن يجبر القاصرة التي هي في ولايته على الزواج،و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها"،نستنتج من هذين النصين أن المشرع قد حدّد أحكام الولاية الخاصة بالقصر سواء كان ذكر أو أنثى و في الوقت ذاته تجاهل الأحكام المتعلقة بناقصي أو فاقدي الأهلية،كالمجانين ، المعاتيه،و السفهاء،فبالنسبة للقاصر فزواجه صحيح شريطة الحصول على إذن قضائي،بينما فيما يتعلق بالمجانين (مختلي العقل) فإنه يجوز للولي أن يتولى زواجهم شريطة أن يكون لهم في ذلك مصلحة.
المطلب الخامس: الشكلية.
الفرع الأول: في الشهود.
أولاً: موقف الفقه و القانون من الشهادة.
تلعب الشهادة دوراً هاماً و بارزاً في عقد الزواج إذ أنه من بين العقود التي لا يتطلب فيها الشرع الرسمية،بحيث هي وسيلة أساسية لإثبات عقد الزواج بل لضمان شرعيته،و بالرغم من ذلك فنرى بأن الشهادة في عقد الزواج قد اختلفت أراء الفقه الإسلامي حولها،حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنه لا يمكن إتمام عقد الزواج بدون شهادة الشهود،و من ثمًّ فإذا تم الزواج مع انتفاء الشهادة فيعتبر العقد غير صحيح،في حين ذهب الشيعة الجعفرية إلى القول بأن الشريعة لا تشترط الشهادة في عقد الزواج إذ أنه لو كانت الشهادة إجراء ضروري لما أغفل عنها القرءان الكريم،فليس هناك آية قرآنية تنص صراحة أنه لا يتم الزواج إلا بحضور الشاهدين،و أمام هذين الرأيين نرى أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء هو الأصح بمعنى أنه لا يمكن إتمام عقد الزواج بدون حضور الشاهدين،إذ حتى و لو أن القرءان لم ينص على ذلك فإن السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني للشريعة الإسلامية قد جاء في قوله عليه الصلاة و السلام "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"أخرجه ابن حبان و البيهقي و صححه الألباني،كذلك يقول صلى الله عليه و سلم في حديث آخر عن ابن عباس " الْبَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ "،و لكن بالرغم من هذا الاتفاق بين جمهور الفقهاء بأنه لا يمكن إتمام الزواج إلا بحضور الشاهدين فإنه مع ذلك قد اختلفوا من حيث وقت حضور الشاهدين،حيث ذهب غالبية الفقه إلى حضور الشاهدين وقت انعقاد عقد الزواج،و تبادل رضا الطرفين،و من ثمَّ فإن الزواج لا يقع صحيحاً إذا حضر الشاهدان في وقتٍ آخر،بينما ذهب المالكية إلى القول بأن حضور الشاهدين ينبغي أن يتم وقت الدخول،و عن السبب في هذا الاختلاف فإنه عند المالكية فالشهادة تعتبر بمثابة الإعلان عن الزواج و إذا تواصيا (اتفق) الشاهدان على كتمان الزواج فهذا الأخير يعد باطلاً،بينما الرأي الأول يقضي بعكس ذلك؛
و قد أخذ المشرع الجزائري بما ذهب إليه جمهور الفقهاء بحيث بعدما كان يكيّف الشهادة في النص الأصلي على أنها ركن من أركان عقد الزواج فقد أصبح يكيّفها في تعديل 2005 أنها شرطٌ من شروط صحته،و طبقاً لقانون الحالة المدنية فإن حضور الشاهدين يكون يوم إبرام العقد لا يوم الزفاف،و معنى ذلك أن ضابط الحالة المدنية أو الموثق يرفض إبرام العقد بدون حضور الشاهدين،و لكن بالرغم من أهمية الشهادة في عقد الزواج فقد جاء المشرع بنص صريح و هو المادة 33 معدلة من قانون الأسرة "إذا تم الزواج بدون الشاهدين...يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه و يثبت بعد الدخول بصداق المثل"،و بمقتضى هذا النص يعاب على المشرع أنه لم يعطي للشهادة الأهمية التي ينبغي أن تكتسيها بحيث جعل من الدخول إجراء تصحيح الزواج التام بدون الشهادة،نتساءل ما العمل لو كان الزواج عرفياً؟ للإجابة على هذا التساؤل فإن القضاء الجزائري صامد على أن الزواج غير الرسمي لا يمكن إثباته إلا بحضور الشاهدين بحيث أن انتفاءهما يدفع بالقاضي لرفض إثبات الزواج؛
ثانياً: شروط الشهود.
بالرغم من أن المشرع الجزائري قد اعتبر الشهادة شرطاً من شروط صحة الزواج فإنه مع ذلك لم يبين لنا ما هي الشروط الواجب توافرها في الشهود،بل اكتفى بالقول في المادة 9 مكرر من قانون الأسرة على تكييف الشهادة على أساس أنها شرط صحة،و في المادة 33 اعتبر زواج المرأة المدخول بها صحيحاً إذا أتبعه دخول،فهل ينبغي في هذه الحالة الرجوع إلى قانون الحالة المدني أو الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الثاني لقانون الأسرة؟ و للإجابة على هذا التساؤل تنص المادة 33 من قانون الحالة المدنية أنه "يجب على الشهود المذكورين في شهادات الحالة المدنية أن يكونوا بالغين 21 سنة (قبل التعديل بعد التعديل 19 سنة ) على الأقل سواء كانوا من الأقارب أو غيرهم دون ميز فيما يخص الجنس و يختارون من قبل الأشخاص المعنيين"،فيشترط في الشاهد أن يكون بالغ 19 سنة و متمتع بقواه العقلية،أي أنه لا يمكن للشخص غير المميز و لا المميز القاصر و لا المصاب بعاهة عقلية كالجنون و العته أن يكون شاهداً في عقد الزواج،في حين أن المشرع قد نص صراحةً على أن يكون الشخص الشاهد في عقد الزواج سواء كان أكان امرأة أو رجل،بمعنى يجوز طبقاً لهذا النص أن يتم عقد الزواج بحضور امرأتين،و لكن هذا يتنافى تماماً مع الرأي الراجح في الفقه الإسلامي حين أنه و برغم تضارب الآراء فإنه لا يمكن إبرام عقد الزواج بحضور امرأتين كشاهدتين في عقد الزواج،و من ثمَّ فإن عقد الزواج لا يتم إلا بحضور رجلين كشاهدين أو رجل و امرأتين حسب الفقه و على اختلافهم،غير أن المحكمة العليا في الجزائر تقضي بأن عقد الزواج لا يتم إلا بحضور رجلين فقط، و هذا في الواقع تماشياً مع المذهب المالكي و مع ما نص عليه المشرع في قانون الأسرة،حيث نص صراحةً في المادة 9 مكرر منه على شرط صحة عقد الزواج باستعماله مصطلح "شاهدين" (بالمثنى)، و أكد ذلك في المادة 33 من نفس القانون باستعماله مصطلح "بدون شاهدين".
*و يجب أن نشير أنه يشترط في الشاهدين الإسلام إذا كان الزوجان مسلمان أو أحدهما مسلماً.
بيانات عقد الزواج.
1-وجوب ذكر لقب، اسم، تاريخ و مكان ميلاد كل واحد من الزوجين (المادة 73 من قانون الحالة المدنية)؛
2-وجوب ذكر لقب و اسم كل واحد من أبوي الزوجين،و كل واحد من الشاهدين؛
3-وجوب الإشارة إلى الترخيص بالزواج،أو الإعفاء من سن الزواج؛
4-وجوب الإشارة إلى الشروط التي يشترطها الزوجان في عقد الزواج؛
5-الشهادة الطبية؛
6-شهادة الإقامة؛
7-شهادة وفاة الزوج أو الزوجة إذا أراد أن يتزوج للمرة الثانية.
و نسخة من حكم الطلاق إذا طلق و أراد الزواج للمرة الثانية.
و يجب الإشارة أن الرخصة التي تم النص عليها بالنسبة لرجال الأمن و غيرهم فيما عدا رخصة الإذن بالزواج في حالة عدم بلوغ سن الزواج،فيعد الزواج صحيحاً حتى لو انتفت تلك الرخص لأن الخاص يقيد العام،إذ المشرع في قانون الأسرة لم يشترط صحة إبرام عقد الزواج بتوفير تلك الرخص.
كيفية إثبات الزواج.
يثبت عقد الزواج طبقاً للمادة 39 من قانون الحالة المدنية بمستخرج من سجل الحالة المدنية، و ذلك إذا تم الزواج بطريقة رسمية،أما إذا لم يتم إبرامه أمام الموظف المختص فيتم إثباته و من ثم تسجيله بمقتضى حكم قضائي (المادة 22 من قانون الأسرة)،و بمعنى أدق في حالة ما إذا تم الزواج بطريقة عرفية (الزواج الشرعي) فإنه يتطلب الأمر من الطرفين رفع دعوى قضائية لأجل إثبات الزواج بحيث تنص المادة 22 المعدلة من قانون الأسرة "...و في حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي"،علماً أن سلطة القاضي غير مقيدة في هذه الحالة،بل له أن يوافق و يثبت عقد الزواج إذا كان اقتناعه كامل،و له أن يرفض الطلب إذا تبيّن له أن العلاقة القائمة بين الطرفين هي علاقة غير شرعية و يستأنس القاضي بذلك بحضور الشاهدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.تتمة السداسي الأول،بداية السداسي الثاني.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني: حقوق و واجبات الزوجين.
كانت النصوص الواردة في قانون الأسرة قبل تعديلها واضحة من حيث الحقوق و الواجبات الخاصة بالزوجين،بحيث أنها كانت تحدد ما ينبغي الالتزام به من الزوج نحو الزوج الآخر،وكذلك ما ينبغي الالتزام به فيما بين الزوجين،بحيث كانت المادة 36 قانون الأسرة قبل تعديلها تنص صراحة على أنه "يجب على الزوجين:
1-المحافظة على الروابط الزوجية و واجبات الحياة المشتركة؛
2-التعاون على مصلحة الأسرة و رعاية الأولاد و حسن تربيتهم؛
3-المحافظة على روابط القرابة و التعامل مع الوالدين و الأقربين بالحسنى و المعروف.".
كما كانت المادة 37 قانون الأسرة قبل تعديلها تنص صراحة على أنه "يجب على الزوج نحو زوجته:
1-النفقة الشرعية حسب وسعه إلا إذا ثبت نشوزها؛
2-العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة ".
و في نفس الإطار ألغى المشرع المادة 38 و كذا المادة 39 التي كانت تنص على أنه "يجب على الزوجة :
1-طاعة الزوج و مراعاته باعتباره رئيس العائلة؛
2-إرضاع الأولاد عند الاستطاعة و تربيتهم؛
3-احترام والدي الزوج و أقاربه.".
فأمام هذه النصوص التي قام المشرع بتعديلها أو إلغائها فتبين له أن ما كان وارد فيها لا يتماشى و الواقع الاجتماعي،بل حتى مع الاتفاقيات الدولية منها خاصة "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"،فقام بإدخال بعض النصوص خاصة ما ورد في المادة 36 المعدلة من أجل قيام المساواة بين الرجل و المرأة فيما يتعلق بشؤون الأسرة،كما أن النصوص سالفة الذكر جاء بها المشرع بصياغة عشوائية بحيث كانت تتميز بنوع من التكرار،و على سبيل المثال:
فكانت المادة 36 في فقرتها 3 تنص على المحافظة على روابط القرابة و التعامل مع الوالدين و الأقربين بالحسنى و المعروف،و المادة 38 قبل تعديلها كانت تنص في فقرتها 1 أن للزوجة الحق في زيارة أهلها من المحارم و استضافتهم بالمعروف،أما المادة 39 قبل التعديل كانت تنص على أنه يجب على الزوجة احترام والدي الزوج و أقاربه،و زيادة على ذلك فما نص عليه المشرع في تعديله للمادة 36 من حيث ضبط بعض المبادئ المتعلقة ببعض أحكام تسيير شؤون الأسرة فإن هذه المبادئ تعتبر بمثابة مبادئ دستورية أكثر منها أحكام تبين لنا صراحة ما هي الحقوق و الواجبات الخاصة بالزوجين ( المادة 36 معدلة من قانون الأسرة).
و بناءاً على كل ما سبق فينبغي تقسيم هذه الحقوق و الواجبات إلى نوعين: الحقوق و الواجبات الشخصية،و الحقوق و الواجبات المالية.
أولاً: الحقوق و الواجبات الشخصية المشتركة.
لقد تعرض المشرع الجزائري إلى هذه الحقوق و الواجبات في الفصل الرابع من قانون الأسرة،و قد خصص بعد تعديله لهذا القانون مادتين لهذه المسألة،بحيث جاء في المادة 36 منه و نص على تحديد الواجبات الملقاة على عاتق الزوجين في عقد الزواج،فهي واجبات مشتركة بينهما و تتمثل في:
1-المحافظة على الروابط الزوجية و واجبات الحياة المشتركة،فهذا الواجب يخص معاملة كل من الزوج نحو الزوج الآخر في إطار الحياة المشتركة (المادة 36 فقرة1 قانون الأسرة)،و من ثم ينبغي على الزوجين أن يعملا ما باستطاعتهما ليجعلا الحياة الزوجية سعيدة تسودها المودة و الاحترام،و إن هذا الواجب لا يتأكد إلا على أساس التسامح و الإخلاص و القول الحسن (المادة 36 فقرة 2 قانون الأسرة)؛
2-التعاون على مصلحة الأسرة و رعاية الأولاد و حسن تربيتهم،لقد نص المشرع على هذه المسألة في المادة 36 فقرة 3 من قانون الأسرة،و يقصد بها أنه يجب على الزوجين المحافظة على أفراد العائلة و هم الأولاد،خاصة فيما يتعلق بعلاقاتهم مع والديهم،و من ثم فينبغي على طرفي عقد الزواج تحقيق سعادة الأولاد و ضمان لهم الاستقرار و الطمأنينة،و إن هذا الأخير لا يكون قائماً إلا باستقرار الزوجين و أن هذه المصلحة تتحقق كذلك من حيث نسب الأولاد تطبيقاً لقوله صلى الله عليه و سلم "الولد للفراش و للعاهر الحجر"؛
3-التشاور في تسيير شؤون الأسرة و تباعد الولادات،إذ كانت المادة 39 ملغاة تنص على أنه يجب على الزوجة طاعة زوجها و مراعاته باعتباره رئيس العائلة،و هو ما قرره الفقه الإسلامي و ذلك حتى لا يكون هناك اضطراب داخل الأسرة،بسبب تعدد مراكز إصدار الأوامر،غير أن التعديل الذي أورده المشرع على النصوص القانونية في هذا الإطار أصبح لا يعترف للزوج بحق رئاسة الأسرة،بل نصت صراحة على التشاور في تسيير شؤون الأسرة،و من ثم فإنه لا يجوز للزوج أن ينفرد بإصدار القرارات داخل الأسرة،بل ينبغي عليه أن يشاور في ذلك زوجته،و نص المشرع في المادة 36 فقرة 4 على اتفاق الزوجين على تباعد الولادات،و ذلك حتى لا تصاب الزوجة بأضرار نتيجة للولادات المتكررة.
4-المحافظة على روابط القرابة بالحسنى و المعروف،و قد جاء في الفقرات 5، 6 ،7 من المادة 36 قانون الأسرة أنه يجب على الزوجين المحافظة على روابط القرابة،و ينبغي تفسير القرابة بمعناها الواسع، و هي تلك القرابة الثابتة بالدم و المصاهرة و الرضاع،و عليه ينبغي على كل زوج احترام و تقدير أقارب الزوج الآخر،و من ثم فلا يمكن للزوج أن يحرم زوجته من زيارة و استضافة والديها و الأقربين لها الذين لا يجوز الزواج بهم كأبيها و عمها و خالها و ابن الأخ و ابن الأخت...إلخ.
ثانياً: الحقوق الشخصية للزوجة.
الزوجة لها بعض الحقوق الناتجة عن رابطة الزواج،و من بين هذه الحقوق الشخصية ينبغي على الزوج أن يكون في حالة تعدد الزوجات عادلاً نحو زوجته،و ذلك من الجانب المادي لا الروحي،كما أنه ينبغي على الزوج أن يحسن معاشرة و معاملة زوجته،و أن تكون تلك المعاملة قائمة على العدل من حيث مثلاً : المبيت،و في حالة تعدد الزوجات دائماً أو في غيره يجوز للزوجة أن تطلب من الزوج أن يكون لها بيت منفرد حتى على أبويه.
ثالثاً: الحقوق الشخصية للزوج.
فينبغي على الزوجة أن تلتزم بها،و عليه يمكن للزوج منع زوجته من الخروج من مسكن الزوجية إلا بعد حصولها على إذنه،كما يجوز له منع زوجته من العمل خارج بيت الزوجية ما لم يكن اتفاقهما يقضي بغير ذلك،بحيث إذا وافق الزوج يوم إبرام العقد على عمل المرأة فينبغي عليه التقيد بهذا الشرط و إلا كان سبباً في حقها في طلب التطليق (المادة 53 فقرة 9 قانون الأسرة)،و كذلك فإن عدم تطبيق الحقوق الشخصية للزوج من قِبل الزوجة كحسن المعاشرة و المودة يجعلها في حالة الزوجة الناشز،و أن هذه الصفة الأخيرة لا تتم إلا باستصدار الزوج حكم قضائي،و يتم تبليغه عن طريق المحضر للزوجة، و ذلك خاصة إذا تعلق الأمر بطلب رجوع الزوجة إلى بيت الزوجية.
كذلك من حق الزوج على زوجته إرضاع الأولاد عند الاستطاعة،فهذا الحق في الواقع ليس حقاً خالصاً للزوج،بل يمكن اعتباره واجب على كلا الزوجين لأن الأم ليست مجبرة على الإرضاع شرعاً إلا في حالة واحدة،و هي حالة رفض الولد لكل امرأة أخرى إلا أمه،ففي هذه الحالة تكون مجبرة على الإرضاع.
الحقوق المالية للزوجين.
الحق في الميراث.
في حالة إذا توفى أحد الزوجين فيكون الحق في الميراث للزوج الآخر،إذ أن الزواج يعطي لكلا الطرفين الحق في أن يرث الطرف الآخر،بحيث تنص المادة 126 قانون الأسرة على أنه من أسباب الميراث "الزوجية"،غير أن هذه الزوجية لا تعطِ الحق في الميراث إلا بتوافر عدد من الشروط:
أ-أن يكون الزواج صحيحاً بحيث إذا تم القضاء ببطلان أو فساد الزواج فإن ذلك الحق ينقضي و لا توارث بين الزوجين،علماً أن القضاء بفساد أو بطلان الزواج لا يرتب أثره إلا إذا نطق به القاضي.
ب-أن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة أو أن تكون الزوجة في عدتها من طلاق،بحيث أن المرأة التي طلقت و انتهت عدتها فلا يقع التوارث بينها و بين مطلقها،و الجدير بالإشارة أن المشرع في المادة 132 من قانون الأسرة نص صراحة على أن هذا الحق يقع حتى و لو نطق القاضي بالطلاق،و لكن شريطة أن تكون المطلقة في عدتها؛
ج-ألا يوجد مانع من موانع الميراث،بحيث إذا كانت الزوجة بها مانع كالاختلاف في الدين أو قتل الزوج عمداً،فإنه ليس لها الحق في الميراث حتى و لو كانت الزوجية قائمة (المادة 222 قانون الأسرة).
حق الزوجة في النفقة الشرعية.
تنص المادة 74 قانون الأسرة على أنه "تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه ببينة مع مراعاة أحكام المواد 78، 79 ،80 من هذا القانون"،و يستخلص من هذا النص أن النفقة التي تستحقها الزوجة قِبل زوجها لا تتأكد إلا بتوافر الشروط التالية:
-إتمام الدخول بالزوجة أو بدعوتها إليه ببينة،و يقصد بذلك أن النفقة لا تستحقها الزوجة بمجرد إبرام عقد الزواج بل علق المشرع ذلك الحق بالدخول،مهما كان نوعه حقيقي أو حكمي.
و كذلك تتأكد لها النفقة في غير الدخول بها إذ دعت الزوج لأن يدخل بها و لكن مع إثبات ذلك.
تقدير النفقة.
يتم تقدير النفقة بناءاً أولاً على ما تشتمله وفقاً لما نصت عليه المادة 78 قانون الأسرة بنصها "تشمل النفقة الغذاء و الكسوة و العلاج،و السكن أو أجرته،و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة"،بالإضافة إلى ذلك ينبغي على القاضي طبقاً للمادة 79 قانون الأسرة أن يراعي في تقدير النفقة حال الطرفين و ظروف المعاش و لا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم،و أضافت المادة 80 قانون الأسرة على أن هذه النفقة تستحق من تاريخ رفع الدعوى و للقاضي أن يحكم باستحقاقها بناءاً على بينة لمدة لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى.
يستخلص من هذه النصوص أن المشرع قد نص على كيفية تقدير النفقة من حيث مشتملاتها و ظروف الأشخاص المعنيين بها و كذلك تاريخ استحقاقها،غير أن الذي ينبغي الإشارة إليه هو التفرقة بين طلب مراجعة تقدير النفقة إذا صدر تقديرها بمقتضى حكم قضائي و بين الاستئناف بالحكم الناطق بتقدير النفقة.
و بالإضافة إلى ذلك فإن السؤال المطروح يتعلق بنفقة الزوجة العاملة،هل يجبر الزوج على الإنفاق عليها؟ أي مدى حقها في النفقة؟
يرى جمهور الفقهاء أن سبب وجوب النفقة على الزوج هو العقد الصحيح،و لكن ذلك معلق على شرط آخر متمثل في الاحتباس ،و من ثم فإن السبب المباشر للإنفاق على الزوجة هو احتباس الزوج لزوجته و دخولها في طاعته،الأمر الذي يؤدي بنا إلى القول أن النفقة لا تعد بتاتاً تبرعاً من قبل الزوج،بل هي مقابل لما تقوم به الزوجة من واجبات زوجية،أما من الناحية القانونية فلم يتعرض المشرع إلى نفقة الزوجة العاملة،في المادة 74 قانون الأسرة،بل اكتف في المادة 19 قانون الأسرة بالنص على أنه يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها شرط العمل،و ذلك سواء يوم إبرام العقد،أو في عقد رسمي لاحق،و من ثم يستخلص من هذا النص أن الزوج إذا وافق على عمل زوجته لا يجوز له أن يتراجع عن قبوله،و لكن هل يسقط حقها في النفقة بسبب العمل ؟ لقد ذهب رأي من الفقه إلى أن رضا الزوج لا يسقط في هذه الحالة حق الزوجة في النفقة ما دام أنه رضي بذلك،و لكن إذا أصر الزوج على أن تتخلى الزوجة عن عملها و هي تريد البقاء فلها الحق في هذه الحالة أن تطلب التطليق وفقاً لما نصت عليه المادة 53 فقرة 9 من قانون الأسرة؛
و بالرغم من كل ذلك فإن الزوج يبق ملتزماً بالإنفاق على زوجته.و التساؤل الآخر الذي يُطرح و نحن بصدد هذه المسألة يتجلى في معرفة عما إذا يجوز للزوج أن يشترط على زوجته المساهمة في نفقات البيت؟و للإجابة على هذا التساؤل يرى جانب من الفقه على أنه في حالة ما اشترط عليها عند إبرام العقد أن تساهم في النفقة لنقص الاحتباس و وافقت على ذلك فإنه ينبغي عليها أن تفِ بعهدها،بينما إذا لم يشترط عليها ذلك فيبق ملتزماً بالإنفاق عليها ما لم يتفقا على خلاف ذلك فيما بعد،إذ أن الأصل هو وجوب النفقة للمرأة على زوجها.
و كما يثور التساؤل حول معرفة إذا كان الزوج معسراً هل تقع النفقة على الزوجة؟ تنص المادة 76 قانون الأسرة على أنه "في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك"، و يستشف من هذا النص الأمور التالية:
1-فربط المشرع نفقة الزوجة بحالة عجز الزوج عن الإنفاق؛
2-قد قصر المشرع إلزام الزوجة بالإنفاق في حالة عجز الزوج على أولادها فقط؛
3-قد اشترط المشرع لإلزام الزوجة بالنفقة أن تكون قادرة على ذلك؛
و لكن فإن هذا النص لم يلزم المرأة أو الزوجة بالإنفاق على زوجها في حالة عجزه على ذلك.
مسقطات النفقة.
بما أن النفقة تعد من الواجبات الزوجية التي تقع على الزوج تجاه زوجته،إلا أن هذا الالتزام يسقط في بعض الحالات و هي على النحو التالي:
-المعقود عليها بعقد باطل أو فاسد: في حالة ما إذا قضي ببطلان أو فساد الزواج فيصبح الزوج غير ملزم بالإنفاق على زوجته،فيسقط عنه هذا الالتزام،إذ أن الأساس الأول في إجبارية الزوج على الإنفاق على زوجته يكمن في العقد الصحيح الذي يتعلق به شرط الاحتباس،و أن هذا الفساد أو البطلان يأتي كحالة عدم توافر الأحكام المتعلقة بالزواج الصحيح بل ينصرف عدم الالتزام بالنسبة للمرأة التي يتم وطؤها بشبهة؛
-الزوجة المرتدة: أي الزوجة التي خرجت عن الديانة الإسلامية،أما الخروج عن الديانات الأخرى لا معنى له في هذه الحالة؛
-الزوجة المحبوسة بسبب ارتكابها جريمة من الجرائم: ففي هذه الحالة لا يمكن إلزام الزوج بالإنفاق عليها،إذ أنه قد فقد حق الاحتباس الموجب للنفقة؛
-الزوجة المسافرة بغير إذن زوجها: تسقط نفقتها و بمعنى آخر فإن الزوجة الناشزة تسقط عنها النفقة،مع العلم أن المادة 37 قبل تعديلها كانت تنص على أنه "يجب على الزوج النفقة الشرعية على زوجته حسب وسعه إلا إذا ثبت نشوزها".
ما هو الجزاء المترتب على رفض الزوج الإنفاق على زوجته؟
في حالة ما إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته ففي هذه الحالة سيتعرض إلى العقوبة المدنية و الجنائية،بحيث نص المشرع في المادة 53 فقرة 1 قانون الأسرة على أنه يجوز للمرأة طلب التطليق في حالة إذا امتنع الزوج على الإنفاق على زوجته،و هذا بقوله "عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78، 79، 80 من هذا القانون"،و تطبيقاً لهذا النص فإنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها شريطة أن لا تكون عالمة بإعساره وقت الزواج،كما قيد المشرع ذلك بالمواد 78، 79، 80 قانون الأسرة،أي بالزوجة في هذه الحالة،فينبغي أن ترفع أمرها أولاً إلى القاضي من أجل الحكم على زوجها بإلزامه بالنفقة على زوجته، و لكن إذا لم يمتثل الزوج لهذا الحكم بعد تبليغه له،و انقضت مدة شهرين،ففي هذه الحالة يجوز لها طلب التطليق.
أما العقوبة الجزائية نص عليها المشرع في المادة 331 من قانون العقوبات،و ذلك بنصها "يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاث (3) سنوات و الغرامة من خمسين ألف دينار جزائري (50.000 د.ج) إلى ثلاث مائة ألف دينار جزائري (300.000 د.ج)...كل شخص امتنع عمداً عن الإنفاق على زوجته بعد الحكم عليه و انقضت مدة الشهرين".
الذمة المالية المستقلة.
تنص المادة 37 قانون الأسرة على أنه "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر،غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق،حول الأموال المشتركة بينهما التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية،و تحديد النِسب التي تؤول إلى كل واحد منهما"، و يستخلص من هذا النص التشريعي ما يلي:
1-أن الذمة المالية للزوجين مستقلة بحيث يتفرع عن هذه الاستقلالية حرية الزوجة في التصرف في مالها،و بمعنى أدق فإن الأموال التي تكتسبها الزوجة قبل الزواج أو بعده فلها كأصل عام أن تتصرف فيها كما تشاء و لا يجوز للزوج أن يتدخل في أمورها،اللهم إلا إذا كان هذا التصرف سيقوم بزعزعة الكيان الأسري،و كذلك يجوز لها أن تساهم بأموالها في الإنفاق على بيت الزوجية،غير أن الجديد الذي جاء به المشرع هو ما نصت عليه المادة 37 فقرة 2 معدلة من قانون الأسرة و التي سمحت للزوجين أن يتفقا على الأموال المشتركة بينهما و المكتسبة خلال الحياة الزوجية عند عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق مع تحديد النِسب التي تؤول لكل منهما،فيستنتج من هذه القاعدة أو الحكم الشروط التالية من أجل تحديد الأموال المشتركة:
-أن يتم ذلك التحديد في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق؛
-أن تكتسب تلك الأموال خلال الحياة الزوجية؛
-أن يتم تحديد النِسب التي تؤول لكل واحد منهما؛
-أن تشمل هذه الأموال كل ما يتعلق بالعقارات و المنقولات المكتسبة خلال الحياة الزوجية.
النَـــــــســـــــــب.
تنص المادة 40 المعدلة من قانون الأسرة على أنه "يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقاً للمواد 32 ،33، 34 من هذا القانون.يجوز للقاضي اللجوء للطرق العلمية لإثبات النسب"،يستخلص من هذا النص أن المشرع قد حدد الحالات التي يمكن أن يتم بمقتضاها إثبات النسب الشرعي،و هي على النحو التالي:
أولاً: ثبوت النسب بالزواج الصحيح.
إذا توافر في الزواج ركن الرضا و شروط صحته فنكون أمام رابطة زوجية صحيحة و من ثم ترتب كامل آثارها و من بينها النسب،ففي هذه الحالة ينسب الطفل لأبيه طبقاً لما نص عليه المشرع في المادة 41 من قانون الأسرة بنصها "ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعياً و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة"،و من ثم فإن الطفل ينتسب إلى أبيه في حالة الزواج الصحيح بتوافر الشروط التالية:
1-إمكانية الاتصال بين الزوجين (أي تلاقي الزوجين): و يفهم من هذا الشرط أن المشرع قد أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء،من حيث اشتراط الدخول لتحقيق النسب الشرعي بحيث إذا تم العقد و لم يتلاقَ الطرفان و حملت المرأة فلا ينتسب الطفل لزوجها،بحيث يجوز لهذا الأخير رفع دعوى نفي النسب؛
2-عدم نفي النسب بالطرق المشروعة: و الواقع أن ما جرى به العمل على مستوى قضاء المحكمة العليا،هو أن الطرق المشروعة التي ناد بها المشرع تتمثل فقط في اللِّعان، و ذلك في حالة ما إذا عجز الزوج عن إثبات زنا الزوجة وفقاً لوسائل الإثبات المقررة من الناحية الشرعية؛
3-ولادة الطفل بين أدنى و أقصى مدة الحمل: و هي المدة التي نص عليها المشرع في المادة 42 قانون الأسرة و نصها "أقل مدة الحمل ستة (6) أشهر و أقصاها عشر (10) أشهر" و هذا ما أكدته المادة 60 من ذات القانون بنصها "عدة الحامل وضع حملها و أقصى مدة الحمل هي عشر (10) أشهر من تاريخ الطلاق أو الوفاة"،فيستنتج من هذين النصين أن المشرع قد حدد الحد الأدنى للحمل بستة (6) أشهر،مستنبطاً ذلك من صراحة القرءان الكريم في هذا المضمار أي أن هذه المدة تبدأ من المفروض من يوم اتصال الزوجين،و لكن ما جرى به العمل من الناحية التطبيقية أن هذه المدة يتم سريانها من يوم إبرام العقد،غير أن الحد الأقصى للحمل هو عشر (10) أشهر من يوم الحكم بالطلاق أو من تاريخ وفاة الزوج.
ثانياً:ثبوت النسب بالزواج الفاسد.
1-تنص المادة 34 من قانون الأسرة على أن "كل زواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده و يترتب عليه ثبوت النسب و وجوب الاستبراء"،يستنتج منه أنه حفاظاً على مصلحة الطفل قد أكد على إثبات النسب في حالة الزواج بإحدى المحرمات (بنوعيه)،غير أن المشرع بتنصيصه على هذه القاعدة لم يقم بالتفرقة ما إذا كان الزوج حسن النية أو سيء النية عند إبرامه لمثل هذا الزواج،بحيث إذا أبرم الزواج متعمداً على أن المرأة الراغب الزواج بها محرمة عليه و ذلك مهما كان سبب التحريم،في هذه الحالة نكون أمام حالة زنا و الطفل الذي أنجبته هو غير شرعي،أما إذا كان حسن النية فينسب إليه.
2-المادة 33 قانون أسرة فرقت بين عدم وجود الرضا يكون الزواج باطل،و بين إذا اختل ركن من الأركان يفسخ العقد،و لكن إذا دخل بها في حالة البطلان هل ينتسب إليه؟
بالنسبة للفسخ إذا دخل بها يثبت الزواج،و في حالة البطلان سواء دخل بها أو لم يدخل بها فهو زواج باطل،و من أجل حماية حقوق الطفل يثبت النسب.
ثالثاً: إثبات النسب بالإقرار.
لقد نص المشرع في المادة 40معدلة على أنه يمكن أن يتم إثبات النسب عن طريق الإقرار و هو ما أكدته المادتان 44 و 45 من قانون الأسرة،بحيث تنص المادة 44 على أنه "يثبت النسب بالإقرار البنوة،الأبوة و الأمومة لمجهول النسب و لو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة"،يستنتج منه أن هذه الأنواع من الإقرار لا تتم إلا بتوافر شرطين أساسيين و هما:
الشرط الأول:ينبغي أن ينصب الإقرار على شخص مجهول النسب،بحيث إذا كان لهذا الشخص نسب أي أنه ينتسب لشخص معين أو امرأة معينة فإنه لا يمكن أن نكون أمام إقرار،و هذا الشرط يتعلق بالشخص اللقيط،و بأي شخص آخر لم يثبت بعد نسبه.
الشرط الثاني:أن يكون من النوع الذي يصدقه العقل أو العادة و المقصود منه فإنه لا يمكن أن يتم الإقرار من قِبل شخص تجاه شخص آخر و فارق السن بينهما أقل من إحدى عشر (11) سنة.
أما في حالة ما إذا كان الإقرار بالنسب بغير الأبوة ،الأمومة و البنوة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه، و يقصد منه أن الأمر يتعلق في هذه الحالة مثلاً بالإقرار بالأخوة، فإذا أقر شخص بأن هذا الشخص أخوه فينبغي أن يعترف من جهة الأخ الآخر بذلك، و من جهة أخرى أن يكون الاعتراف من قِبل الأب .
رابعاً:ثبوت النسب بالبينة.
المقصود بها كل حجة أو دليل يؤكد وجود واقعة مادية عن طريق السماع أو البصر أو غيرهما،أي الدليل الذي يثبت النسب مثل الشهادة،و هنا تؤخذ بعين الاعتبار شهادة النساء، و ليس شهادة الرجال.
خامساً: إثبات النسب بنكاح الشبهة أي الوطأ بشبهة.
نكاح الشبهة هو الوطأ بشبهة(فقهاء الشريعة أخذوا ثبوت النسب في نكاح الشبهة حماية للطفل).
التبني.
تنص المادة 46 على أنه "يمنع التبني شرعاً و قانوناً" و يقصد بذلك بأنه لا يمكن للشخص أن يتبنى طفل آخر،و من ثم في حالة ما إذا تبناه و منح له اللقب ففي هذه الحالة يكون قد خرج عن أحكام الشريعة و القانون،إذ أن التبني محرم بنص صريح في القرءان الكريم،و شهادة الميلاد في حالة التبني ليست دليلاً قاطعاً على النسب و ما هي إلا تصريح يمكن إبطاله بجميع وسائل الإثبات (قرار صادر في 21 جوان 2001).
جاء المرسوم التنفيذي الصادر في 13 جانفي 1992 ينص في المادة 1 فقرة 2 على أنه"...كما يمكن أن يتقدم الشخص الذي كفل قانوناً في إطار الكفالة ولداً قاصراً مجهول النسب من أب أن يتقدم بطلب تغيير اللقب باسم هذا الولد، و ذلك قصد مطابقة لقب الولد المكفول بلقب الوصي، و عندما تكون أم الولد القاصر معلومة و على قيد الحياة فينبغي أن ترفق موافقتها المقدمة في شكل عقد شرعي بالطلب".
حمل المرأة عن طريق التلقيح الاصطناعي.
تنص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة على أنه "يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي.
يخضع التلقيح الاصطناعي إلى الشروط التالية:
-أن يكون الزواج شرعياً؛
-أن يكون التلقيح برضا الزوجين و أثناء حياتهما؛
-أن يتم بمني الزوج و بويضة الزوجة دون غيرها؛
لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة ".
يستنتج من هذا النص أن المشرع قد أباح التلقيح شريطة أن تتوفر فيه عدة شروط،و لكن ما يعاب على المشرع أنه لم يشترط أن التلقيح الاصطناعي لا يكون إلا في حالة الضرورة القصوى،كما أنه لم يشترط أن يتم ذلك التلقيح في عيادات و مستشفيات متخصصة.
الشروط الواجب توافرها في التلقيح الاصطناعي.
1-أن يكون الزواج شرعياً: و المقصود بالزواج الشرعي هو ذلك الزواج المتوفر على ما جاءت به المادتان 9 و 9 مكرر قانون الأسرة،أي توافر ركن الرضا و شروط صحة الزواج، بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن إجراء التلقيح في حالة الزواج العرفي، بل ينبغي على الطرفين إثبات زواجهما و ذلك باستصدار حكم قضائي.
2-أن يكون التلقيح برضا الزوجين و أثناء حياتهما:فجاء المشرع بهذا النص وفقاً لما جاء به في المادة 36 فقرة 4 قانون الأسرة حيث نص على أن يتم بين الزوجين التشاور في تسيير شؤون الأسرة و تباعد الولادات،و بمعنى أدق فإنه لا يجوز للزوج أن يرغم الزوجة على إجراء عملية التلقيح الاصطناعي،كما لا يجوز للزوجة أن تنفرد بقرارها بهذا الشأن،و من ثم يشترط في هذه الحالة أن تكون إرادتهما غير مشوبة بعيب من عيوبها خاصة عيب الإكراه،و يشترط أن تكون الإرادة مستنيرة،أي ينبغي للطبيب أن يفسر للطرفين كيفية إجراء العملية و مدى نجاحها و ما هي الآثار المترتبة عنها،كذلك المشرع اشترط أن يتم التلقيح أثناء حياة الزوجين،بمعنى أنه إذا توفي الزوج قبل أن تلقح الزوجة فإنه لا يجوز التلقيح،و حتى و لو كانت بعد الطلاق في عدتها،فالتلقيح ينبغي أن يكون أثناء حياة الزوجين، أي إذا لقحت الزوجة و توفي الزوج ففي هذه الحالة ينبغي الاستمرار في عملية التلقيح؛
3-أن يتم التلقيح بمني الزوج و بويضة و رحم الزوجة دون غيرها:و المقصود بذلك أنه قد اشترط المشرع بأن يتم التلقيح الاصطناعي بمني الزوج و بويضة الزوجة،و من ثم فإنه لا يجوز أن تلقح بويضة الزوجة بماء رجل غير زوجها أو حتى بماء مشترك بمني الزوج و مني غيره،و أن هذه المسألة تتعارض مع النظام العام الجزائري فهي عملية غير أخلاقية حتى و إن كان الغرض منها علاج العقم،كما أن هذه العملية تؤدي إلى اختلاط الأنساب،هل ينسب الطفل إلى أبيه البيولوجي أم الطبيعي؟،زيادة على ذلك فإن هذه العملية شبيهة بعملية الزنا،لأنه ستلقح بويضة المرأة بغير مني زوجها و هو حرام شرعاً و قانوناً،و هذه العملية تتشابه مع ما كان يسري به العمل في الجاهلية،و ذلك عن طريق نكاح الاستبضاع أي أن الزوج إذا رأى أنه غير قادر على الإنجاب فيطلب منها الاتصال بغيره و تقيم معه علاقة و يعتزلها الزوج حتى تصبح حاملاً،بالإضافة إلى ذلك فاللجوء إلى الغير ممكن أن يؤدي إلى زيادة احتمال لأن يشوَّه الطفل.
و قد اشترط المشرع كذلك عدم اللجوء إلى الأم البديلة،و المقصود بالأم البديلة هو أن امرأة ثانية تحمل محل الزوجة،و ذلك سواء بماء الزوج و بويضة الزوجة أو بماء الزوج و بويضة الأم البديلة،فكل هذه العمليات محرمة إذ أنه لا يمكن أن يكون جسم الإنسان محل متاجرة،و ذلك على أساس أن الأم البديلة لا توافق على هذه العملية إلا بمقابل مالي،و هو تصرف ممنوع قانوناً لأن محل العقد غير مشروع و أكثر من ذلك فإن المسألة تتعلق في هذه الحالة بأحد المبادئ القانونية العامة و هو أنه لا يمكن لأي شخص أن يتنازل عن حق من حقوقه قبل إنشائه،إذ أن الأم البديلة تتفق بمقتضى عقد رسمي مسبق أنها تتنازل عن أمومتها أي قبل ظهور حقها في الأمومة.
الفصل الثالث: حل الرابطة الزوجية.
أولا:الطــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاق.
تنص المادة 47 من قانون الأسرة على أنه "تنحل الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة"،و لكن ما يعاب على هذا النص أن المشرع لم يتعرض لمسألة الزواج الباطل إذ أنه هو الآخر تنحل به الرابطة الزوجية، و من ثم لنا أن نتساءل عن التفرقة بين الطلاق و البطلان،بحيث يختلف الأول عن الثاني في العديد من الأمور منها خاصةً:
1-الطلاق لا يكون إلا في عقد الزواج الصحيح المتوفر على كل أركانه من حيث الرضا و شروط صحته، مع العمل بما نصت عليه المواد 33 و35 من قانون الأسرة،أما البطلان لا يكون إلا في عقد الزواج غير الصحيح،و من أمثلة ذلك انعدام ركن الرضا،إتمام الزواج بدون الصداق قبل الدخول...
2-حل الرابطة الزوجية بواسطة الطلاق ينقص من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج،و خلافاً لذلك فإن البطلان لا ينقص ذلك العدد،بحيث إذا قضي ببطلان الزواج ثلاث مرات متتالية فيحق لزوجها الزواج بها .
3-بطلان عقد الزواج يقطع الرابطة الزوجية في الحال و لا يترتب عليه أي أثر إذا لم يدخل بها (لا تعتد،و ليس لها الحق في الميراث حتى لو اختلى بها)،و كذلك لا تنشأ القواعد القائمة على العقد،أما في حالة الطلاق فالمرأة تعتد حتى و لو لم يدخل بها زوجها، فلها نصف المهر قبل الدخول و يتحقق لها كله بمجرد الخلوة بينهما،و يتوارثان ما دامت العدة لم تنقضِ.
4-رفع دعوى البطلان يختلف حسب نوع البطلان،فإذا كان البطلان نسبي ينحصر حق رفع الدعوى في الشخص الذي قرر لمصلحته البطلان(كعيوب الإرادة)،أما إذا كنا أمام البطلان المطلق فهنا يجوز رفع دعوى من قِبل كل ذي مصلحة (الزوجين،النيابة العامة و حتى القاضي من تلقاء نفسه و الورثة)،أما الطلاق فالدعوى فيه منحصرة في طلب من الزوج (حالة الطلاق) أو الزوجة (حالة التطليق أو الخلع) و بتراضي الزوجين.
5-في الشريعة إذا طلق الزوج زوجته نكون أمام طلاق رجعي،و من ثمَّ يجوز للزوج مراجعة زوجته ما دامت في العدة،أما في حالة البطلان ينحل العقد و لا يجوز له الرجعة حتى لو كانت في عدتها.
ثانياً: أنواع الطلاق.
لقد قسم الفقه الإسلامي الطلاق إلى عدة أنواع و هي: الطلاق الرجعي، الطلاق البائن بنوعيه (بينونة صغرى أو كبرى) و الطلاق السني و البدعي.
1)الطلاق الرجعي و الطلاق البائن.
الأصل في الطلاق هو أن يكون رجعياً بحيث إذا تلفظ الزوج بالطلاق فله أن يراجع زوجته بدون رضاها،بل بدون عقد جديد شريطة أن تتم المراجعة أثناء عدتها،و من ثم فإن هذا الطلاق من آثاره نقصان عدد الطلقات التي يملكها الزوج،و في حالة ما إذا انتهت عدتها فيتحول الطلاق من طلاق رجعي إلى طلاق بائن،و عليه فإنه لا يمكن أن يراجعها في هذه الحالة إلاَّ بمقتضى إبرام عقد زواج جديد.
و تجدر الإشارة إلى أن الطلاق البائن بينونة صغرى يتجلى في حالات أخرى:الطلاق قبل الدخول،الطلاق على مال الخلع،الطلاق بأن تكون الطلقة مكملة للطلقات الثلاث،و قد ذهب رأي من الفقه الإسلامي المتمثل في الأحناف إلى اعتبار الطلاق البائن في حالة ما إذا تلفظ الزوج بأنه طلاق بائن و ذلك بقوله "أنت مطلقة طلقة بائنة" أو "أنت مطلقة أشد الطلاق".
موقف المشرع الجزائري من الطلاق الرجعي و الطلاق البائن.
تنص المادة 49 معدلة من قانون الأسرة أن "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز ثلاث أشهر ابتداءاً من رفع الدعوى"،و تنص المادة 50 قانون الأسرة على أنه" من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد و من راجعها بعد صدور حكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد"،و من هذين النصين يتضح لنا بأن المشرع الجزائري أخذ بالطلاق البائن دون الرجعي،بحيث أن الزوجة لا تعتبر مطلقة إلا إذا نطق القاضي بحكم الطلاق و من ثمَّ لا يمكن للزوج أن يراجعها حتى لو كانت لا تزال في عدتها إلا بعقد جديد.
*و الطلاق البائن يرتب بعض الآثار إذا كان بائن بينونة صغرى و هي على النحو الآتي:
-يزيل الاستمتاع بين الزوجين فلا يحل له منها شيئاً ما لم يقم بإبرام عقد جديد،و في هذه الحالة يمكنه أن يتزوج بها حتى و لو لم تنته عدتها بعد صدور الحكم بالطلاق؛
-ينقص به عدد الطلقات التي يملكها الزوج؛
-يمنع التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما،و الزوجة لا تزال في عدتها إلا في حالة ما إذا تم الطلاق في مرض الموت ففي هذه الحالة ترثه.
و لكن خلافاً لما جاء في الفقه الإسلامي فتنص المادة 132 قانون الأسرة على أنه "إذا توفي أحد الزوجين قبل صدور الحكم بالطلاق أو كانت الوفاة في عدة الطلاق استحق الحي منهما الإرث"،فنستنتج من هذه المادة أن المشرع بالرغم من أنه أخذ بالطلاق البائن فقط إلا أنه قد رتب عليه أثر من آثار الطلاق الرجعي،بحيث إذا طلق الزوج زوجته بمقتضى حكم القاضي فلا يمكنه أن يراجعها إلا بعقد جديد حتى و لو لم تنقضِ عدتها،بالرغم من ذلك إذا توفي أحدهما فللحي منهما أن يرث الآخر.
2)الطلاق بالثلاث.
جمع الطلقات مرة واحدة سواء كان بلفظ واحد مع اقترانه بعدد (3) ملفوظاً أو مدلولاً عليه بالإشارة،أو بتكرار اللفظ ثلاث مرات،فيكون مخالفاً لأحكام السنة،فهل يقع به الطلاق؟ و هل يقع طلقة واحدة أم ثلاث؟ و للإجابة على هذه الأسئلة فقد تضاربت الآراء كالتالي:
بحيث بعض الشيعة الجعفرية ذهبوا للقول بأن الطلاق بلفظ ثلاث لا يقع به الطلاق و لا يرتب أي أثر،و دليلهم في ذلك أنه قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه و سلم إذ جاء مخالفاً للسنة.
بينما يذهب الرأي الثاني الشيعة اليزيدية و كثير من الفقهاء إلى القول أن الطلاق المقترن بعدة طلقات لا يقع به إلا طلقة واحدة.
في حين ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق المتكرر يقع أكثر من طلقة واحدة،أي إذا اقترن بثلاث تكون المرأة مطلقة طلاق ثلاث،و من ثم فلا يمكن للزوج أن يراجعها حتى تنكح زوجاً غيره.
و أمام هذه الآراء المتضاربة، فنظن أنه لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها طلقات متتالية إلا بعد أن تتزوج غيره و تطلق منه أو يموت عنها بعد البناء و بما أن المادة 30 فقرة 3 قد علقت الطلاق الثلاث بعبارة ثلاث مرات متتالية و أن المادتين 49 و 50 من قانون الأسرة قد قيدتا الطلاق بالحكم القضائي،أي أن الزوج لا يمكنه أن يراجع زوجته بعد الطلاق إلا بعقد جديد،و من ثمَّ يتضح لنا أن المشرع قد أخذ بالرأي القائل أن طلاق الثلاث ملفوظاً أو مقروناً لا يقع إلا طلقة واحدة و أن كل طلاق يوقعه الزوج هو بائن بينونة صغرى،و ذلك من أجل التيسير على الناس.
تطبيقاً لذلك فقد قضى المجلس الأعلى (المحكمة العليا) في قرار صادر في 05 أفريل 1975 على أن" الطلاق إذا كان بلفظ ثلاث فإنه ينصرف إلى طلقة واحدة بائنة".
3)الطلاق السني و الطلاق البدعي.
فالطلاق السني هو الذي يقع أو يتم وفق السنة النبوية،و البدعي هو الذي جاء مخالفاً لها،كأن يطلق الزوج زوجته أكثر من واحدة أو على دفعات في طلقة واحدة،أو أن يطلقها في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه،و قد اتفق الفقه الإسلامي أن هذا الطلاق مخالف للسنة فهو حرام و من أتاه يكون آثماً،فالفقه قد اختلف في وقوعه بحيث ذهب جمهور الفقهاء (المذاهب الأربعة) بوقوع هذا الطلاق،أي أن الطلاق يقع قضائياً و يؤثم الزوج يوم القيامة بينما ذهب الرأي الثاني إلى عدم إباحة وقوعه لأن النهي عليه يدل على الفساد فلا يترتب عليه أثر الطلاق.
4)الطلاق بالتفويض.
و هو نوع من الطلاق أخذ به الفقه الإسلامي بحيث يسمح للزوج أن يفوض لزوجته حق الطلاق،أي أن تطلق منه متى تشاء،بمعنى أنه يتخلى عن حق من حقوقه،فالمشرع الجزائري لم يأخذ بهذا النوع من الطلاق.
5)الطلاق بإرادة منفردة.
تنص المادة 48 معدلة قانون الأسرة على أنه "مع مراعاة أحكام المادة 49 قانون الأسرة أدناه يحل عقد الزواج بالطلاق الذي يتم بإرادة الزوج..."،يتضح من هذا النص أن المشرع الجزائري قد أباح للزوج أن يطلق زوجته و لكن خلافاً لما هو عليه في الفقه الإسلامي فإن المشرع لم يأخذ لا بالطلاق القضائي و لا بالطلاق اللفظي مما يستوجب على الزوج رفع دعوى قضائية مطالباً بمقتضاها فك الرابطة الزوجية لسبب من الأسباب،و عليه فإننا لسنا بحاجة إلى دراسة بعض المواضيع المتعلقة بهذه المادة،خاصة الصيغة التي يقع بها الطلاق المعلق على شرط...إلخ.
و من ثمَّ فإن أهم ما يميز هذا الطلاق ما يلي:
1-طلاق خاص بالزوج: الطلاق بإرادة منفردة قد خصصه المشرع للزوج دون الزوجة،و هو يعد أثر من آثار الطاعة المفروضة على الزوجة وفقاً للفقه الإسلامي،و في هذه الحالة و إتباعاً لهذا الحكم فإنه ينبغي أن نضحي بجميع المصالح محل الاعتبار (مصلحة الزوجة،الأولاد، المجتمع...) أمام مصلحة الزوج طالب الطلاق المبني في بعض الحالات على أسباب لا معنى لها،و من ثمَّ فإن سلطة القاضي تصبح مقيدة أمام إرادة الزوج و إلحاحه على فك الرابطة الزوجية،و هذا ما أكدته الكثير من القرارات الصادرة عن المحكمة العليا،حيث قضت في قرارها لـ15 مارس 1999 على أنه "و متى تبين-في قضية الحال- على أنه للزوج الحق في تحمل مسؤولية الطلاق دون أن يفصح للقاضي عن الأسباب التي دفعته للطلاق...و عليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بالطلاق بإرادة الزوج المنفردة دون تبرير طبقوا صحيح القانون"؛
2-طلاق متنازع فيه: خلافاً للطلاق بالتراضي فإن الطلاق بالإرادة المنفردة محله النزاع القائم بين الطرفين،أي أنه طلاق متنازع فيه يتم برضا الزوج دون موافقة الزوجة حتى و لو لم يكن هناك أثناء الحياة الزوجية أي نزاع بين الطرفين؛
3-طلاق خضوع: بمعنى أنه يعد من بين الأنواع التي لا يجوز للزوجة رده إذ أن سلاحها في هذه الحالة ليس إبعاده لأنه بمثابة ممارسة حق،و إنما كل ما في الأمر أن تثبت براءتها و لا مأخذ عليها،و عليه فما على الزوجة إلا المطالبة أمام براءتها بالتعويض تنفيذاً للمادة 52 المعدلة من قانون الأسرة،و التي تنص على أنه "إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها".
و الطلاق بالإرادة المنفردة لا يتم إلا بتوافر عدد من الشروط و هي على النحو التالي:
1-يشترط في المرأة التي يقع عليها الطلاق أن تكون زوجة حقيقية،أي تلك المرأة التي لا تزال مرتبطة بعقد زواج صحيح،أما الزواج الباطل أو الفاسد فلا طلاق فيه؛
2-يشترط أن يكون الزوج راشداً و أهلاً لإيقاع الطلاق،و من ثمَّ يشترط فيه أن يكون بالغاً 19 سنة و متمتعاً بكل قواه العقلية،فمثلاً لا يقع طلاق المجنون لأن كل تصرفاته باطلة (المادة 85 قانون الأسرة).
و ينبغي الإشارة إلى أن الرخصة الممنوحة للزوج ناقص الأهلية لأجل الزواج وفقاً للمادة 7 فقرة 2 قانون الأسرة لا ترشده لإيقاع الطلاق إذا لم يبلغ 19 سنة كاملة،و في حالة ما إذا كان الزوج مجنوناً أو لم يبلغ بعد سن الرشد فإنه طبقاً للمذهب المالكي يجوز للولي أن يطلق نيابة عنه إذا دعت الضرورة و المصلحة إلى ذلك.
3-ينبغي قبل اللجوء إلى الجلسات المتعلقة بالنزاع إقامة الصلح بين الزوجين،و المادة 49 قانون الأسرة اشترطت قيام عدة محاولات صلح يجريها القاضي شريطة ألا تتجاوز ثلاث (3) أشهر من رفع الدعوى،في حالة ما إذا وفق القاضي بين الطرفين فما عليه إلا القيام بتحرير محضر الصلح القائم بين الطرفين،و ينطق به في جلسة علنية لا سرية لأنه في كل دعوى حكم.
وله أن يقوم بتعيين حكمين من أجل إجراء الصلح بين الطرفين،و ما على الحكمين إلا أن يقدما للقاضي تقريراً عن مهمتهما في أجل شهرين ما نصت عليه المادة 56 قانون الأسرة،و إذا فشل الحكمان في تسوية النزاع بين الطرفين فما على القاضي في هذه الحالة إلا إدراج ملف الدعوى للجلسة اللاحقة.
الطلاق في هذه الحالة يكون بائن و حكم القاضي به يعد حكماً نهائياً غير قابل للاستئناف فيما يتعلق بفك الرابطة الزوجية (المادة 57 قانون الأسرة).
6)الطلاق بالتراضي.
هو إجراء يرمي إلى حل الرابطة الزوجية بإرادة الزوجين المشتركة،و جاء ذلك تنفيذاً لما نص عليه المشرع في المادة 48 من قانون الأسرة "...يحل عقد الزواج بالطلاق الذي يتم.. أو بتراضي الزوجين..."،و إن أهم ما يميز هذا النوع من الطلاق هو أنه يتم دون خصام أو نزاع بين الطرفين، و هذا ما لا يؤثر نوعاً ما على تربية الأطفال،بل أكثر من ذلك يمكن أن يكون سبب الطلاق سبباً سرياً لا يريد الطرفان الإدلاء به علانية،إذ يمكن أن يمس كرامة أحدهما و ذلك بوجود عيب خفي في أحدهما،إذ أنه ليس من المصلحة الاجتماعية معرفة خبايا البيوت و فضح أسرار الأسرة.
و من ثمَّ فإن هذا النوع من الطلاق معلق على بعض الشروط،و هي:
-أن يكون الزواج صحيحاً متوفراً على ركن الرضا و شروط الصحة،و لا يمكن طلب الطلاق بالتراضي إذا تم الزواج بطريقة عرفية،فينبغي في هذه الحالة على الزوجين طلب إثبات الزواج،و من ثمَّ رفع دعوى الطلاق.
و قد اشترطت المادة 423 قانون إجراءات مدنية و إدارية أنه "في حالة الطلاق بالتراضي يقدم طلب مشترك في شكل عريضة وحيدة موقعة من الزوجين توضع بأمانة الضبط"،و يستنتج من هذا النص أنه خلافاً لما كان عليه من قبل،فكان الطلاق بالتراضي يتم بناءاً على طلب أحد الزوجين و موافقة الآخر،بحيث لم يكن المشرع يشترط أن يكون الطلب مشترك في عريضة واحدة.
-بما أن هذا النوع هو طلاق بالتراضي فيشترط في الزوجين الأهلية لطلبه،بمعنى يشترط فيهما الأهلية الكاملة،أي بلوغهما تسعة عشر (19)سنة كاملة و أن يكونا متمتعين بكل قواهما العقلية،بل أكثر من ذلك فإنه لا يجوز إتمام الطلاق بالتراضي إذا كان أحدهما أو كلاهما مصاب باختلال عقلي،و هذا ما نصت عليه المادة 432 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية " لا يجوز تقديم طلب الطلاق بالتراضي،إذا كان أحد الزوجين تحت وضع التقديم أو ظهر عليه اختلال في قدراته الذهنية تمنعه من التعبير عن إرادته،يجب إثبات اختلال القدرات الذهنية من قِبل طبيب مختص"،غير أن ما يعاب على هذا النص هو أن المشرع قد منع الطلاق بالتراضي في هذه الحالة،و لكن دون وضع آليات بديلة بحيث هل يمكن للولي أو المقدم أو الوصي أن يحل محل الشخص المصاب بالعاهة الذهنية؟بل أكثر من ذلك كيف يمكن للقاضي معرفة إذا كان أحدهما مصاب بتلك العاهة كون طلب الطلاق هو بالتراضي.
-أن تكون إرادتهما خالية من عيب الإكراه،بحيث إذا كان أحد الزوجين مكرهاً على طلب أو قبول الطلاق فإنه لا يقع بهذه الطريقة،بحيث أن اختياره لهذا النوع من الطلاق لم يكن كاملاً و مبنياً على أساس إرادة حرة،تنفيذاً للحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" رواه ابن ماجة و البيهقي.
-يجب أن تكون إرادة الزوجين فعلية و حقيقية،و ذلك حتى لا يكون الطلاق متوقف على إرادة عابرة غير جادة،و هو ما ينبغي للقاضي أن يتأكد منه بأن الزوجين يريدان فعلاً الافتراق.و هذا لا نعنِ به أنه ينبغي على القاضي البحث عن السبب الذي أدى بالطرفين إلى طلب الطلاق،و هو ما نصت عليه المادة 431 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية "يتأكد القاضي في التاريخ المحدد للحضور،من قبول العريضة و يستمع إلى الزوجين على انفراد ثم مجتمعين و يتأكد من رضائهما و يحاول الصلح بينهما إذا كان ذلك ممكناً".
و يستخلص من هذا النص أن المشرع قد نص صراحة على أن إجراء الصلح لا يلتزم به القاضي بحيث لا يقوم به إلا إذا ظهر له بإمكانية الصلح بين الطرفين.
-و ينبغي على الطرفين أن يتقدما بطلب الطلاق مرفوقاً بجميع الشروط المتفق عليها بين الطرفين فيما يتعلق بآثار الطلاق،و هو ما نصت عليه المادة 429 فقرة 4 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية"...عرض موجز يتضمن شروط الاتفاق الحاصل بينهما حول توابع الطلاق".
و لكن الجدير بالملاحظة أن هذا الاتفاق القائم بين الطرفين لا يقيد بتاتاً سلطة القاضي،و ذلك استناداً للفقرة 2 من المادة 431 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي جاء فيها أن "القاضي ينظر مع الزوجين أو وكلائهما في الاتفاق،و له أن يلغي أو يعدل في شروطه إذا كانت تتعارض مع مصلحة الأولاد أو خالفت النظام العام"،و يستنتج من هذا النص أن للقاضي السلطة التقديرية بحيث لا يمكن لما اتفق عليه الطرفان أن يقيد سلطته،بحيث إذا ثبت له مثلاً أن إسناد الحضانة إلى الأم يتعارض مع مصلحة الطفل فله إلغاء الاتفاق،كما يلغي الاتفاق إذا أسندت الحضانة للأم و تبقى الولاية للأب فهذا مخالف لما جاء في المادة 87 فقرة 4 من قانون الأسرة.
و ما ينبغي الإشارة إليه هو أن المشرع قد نص صراحة في المادة 433 قانون إجراءات مدنية و إدارية على أن "أحكام الطلاق بالتراضي غير قابلة للاستئناف"،و ذلك تأكيد لنص المادة 57 معدلة من قانون الأسرة "تكون الأحكام الصادرة في الطلاق...غير قابلة للاستئناف".
بمعنى أنه إذا نطق القاضي بالطلاق بالتراضي فإن هذا الحكم يعد نهائياً،و من ثمَّ لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف أمام غرفة الأحوال الشخصية بالمجلس القضائي،غير أنه يجوز في هذا النوع من الأحكام الطعن بالنقض أي الطعن أمام المحكمة العليا،و ذلك يكون حسب الأحوال في أجل شهرين أو ثلاث أشهر من يوم النطق بالحكم،و هو ما نصت عليه المادة 434 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية "يسري أجل الطعن بالنقض من تاريخ النطق بالحكم".
كما أن الاستثناء الثاني و هو وارد في المادة 435 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية "لا يوقف الطعن بالنقض تنفيذ الحكم"،و المقصود بذلك أن الطعن بالنقض لا يوقف تنفيذ الحكم الصادر بالطلاق بالتراضي،و لكن ما يؤخذ على المشرع هو أنه بالرجوع إلى المادة 361 قانون إجراءات مدنية و إدارية و التي تنص على أنه "لا يترتب على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم أو القرار،ما عدا في المواد المتعلقة بحالة الأشخاص أو أهليتهم و في دعوى التزوير"،و في هذه الحالة أصبح نص المادة 435 يتناقض مع المادة 361 بحيث أن هذه الأخيرة نصت صراحة أن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ فيما يتعلق بحالة الأشخاص أو في أهليتهم،و أن حالة الأشخاص يندرج ضمنها الزواج،الطلاق...إلخ.
7)الخلع.
يقصد بالخلع في الاصطلاح إزالة الزوجية بلفظ الخلع أو بما في معناه مقابل عوض تدفعه الزوجة لزوجها،و في هذا يقول الفقيه خليل إسحاق أنه "جاز الخلع و هو الطلاق بعوض"،و الواقع أن مصدر الخلع هو قوله تعالى " الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ..."البقرة 229،و الواقع فإنه إذا ظهرت بوادر الشقاق و الخلاف بين الزوجين و استحال الوفاق بينهما ففي هذه الحالة يجوز أن يأخذ منها ما تفتدي به نفسها،و إن كان المشرع في النص الأصلي لقانون الأسرة الوارد في المادة 54 قانون الأسرة قبل التعديل قد نص أنه "يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال تم الاتفاق عليه"،و تطبيقاً لهذه المادة فقد تضاربت آراء الفقهاء، كما أن القرارات الصادرة عن المحكمة العليا متناقضة بعضها البعض،بحيث قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 21 نوفمبر 1998 على أنه "من المقرر فقهاً و قضاءاً أن قبول الزوج للخلع أمر وجوبي...".
فبناءاً على هذا القرار أصبح يُعرَّف الخلع على أنه عقد بمقتضاه تعرض الزوجة على زوجها مبلغاً من المال المعلوم و المتقوَّم شرعاً مقابل طلاقها،و من ثمَّ فإنه ينبغي أن ينصب رضا الزوج على الطلاق ثم على المقابل.
و لكن بعد ذلك تراجعت المحكمة العليا في كثير من قراراتها و أصبحت لا تعلق الطلاق عن طريق الخلع على رضا الزوج بل اكتفت في هذه الحالة بطلب الزوجة للخلع،و هذا ما قضت به في قرارها الصادر في 30 جويلية 1996 و نصه "من المقرر قانوناً و شرعاً أن الخلع حق خوّلته الشريعة للزوجة لفك الرابطة الزوجية عند الاقتضاء و ليس عقداً رضائياً"،و هذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في العديد من قراراتها اللاحقة مما دفع بالمشرع إلى إعادة النظر في نص المادة 54 قانون الأسرة بحيث أصبح ينص في تعديل 2005 على أنه "يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها بمقابل مالي"،و من ثمَّ أصبحت إرادة الزوجة مقيدة لسلطة القاضي،بحيث ما على القاضي إذا ما طلبت منه الخلع إلا الاستجابة لطلبها مسببة ذلك بأنها أصبحت تكره زوجها ليس لتصرفاته و إنما نفسيتها أصبحت لا تطيقه.
و بناءاً على ذلك فإن الخلع لا يقع إلا بتوافر الشروط التالية:
-أن يقع الخلع بطلب من الزوجة و بدون موافقة الزوج و إن عدم مراعاة هذا الشرط من قبل القاضي يجعل حكمه معرض للطعن (بالاستئناف) بسبب عدم مراعاة ما جاء في المادة 54 قانون أسرة (في حال رفض طلب الخلع يمكن الطعن في الحكم بالاستئناف)؛
-يجب أن يكون عقد الزواج صحيحاً،بحيث إذا كان خلاف ذلك سيلحقه البطلان و ليس الطلاق بالخلع،علماً أن الحنابلة قد اعتبروا الخلع فسخاً لا طلاقاً،في حين اعتبره الجمهور طلاقاً بائناً؛
-أن يكون كلا الزوجين راشدين و لهما أهلية التصرف بل إن الفقه الإسلامي قد اعتبر أن المقابل الذي تدفعه الزوجة هو تصرف يدخل في التصرفات التبرعية،كذلك يشترط فيها أن تكون راشدة و متمتعة بكل قواها العقلية،أي يشترط فيها أهلية التبرع،أما إذا كانت محجور عليها لسبب من أسباب الحجر (الجنون،العته و السفه) و وافقت على الخلع فإن الطلاق يقع و لكن دون مقابل،و لكن تطبيقاً لما جاء في المادة 107 قانون الأسرة أن" كل تصرفات الشخص المحجور عليه تعد باطلة بطلان مطلق"،و من ثمّ لا يقع لا الطلاق و لا المقابل،و يكون الطعن أمام المحكمة العليا.
-في حالة ما تم الشقاق و الإساءة من جانب الزوج بحيث يكون من وراء ذلك راغباً في الطلاق فيدفع زوجته إلى طلب الخلع و لكن دون مقابل،بحيث لم يجز له من الناحية الشرعية أخذ شيء من الزوجة، و إذا أخذه فما عليه إلا إرجاعه لزوجته لقوله تعالى "و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً".
-لا يمكن أن يقع الخلع بدون إجراء عدة محاولات صلح،بحيث أن ما ورد في المادة 49 من قانون الأسرة المعدلة ينطبق على كل أنواع الطلاق من حيث إجراء محاولات الصلح ما لم يستثنى المشرع خلاف ذلك بنص صريح،و هو ما جاء به المشرع في المادة 437 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بنصه"محاولات الصلح وجوبية و تتم في جلسة سرية"،و تأكيداً لذلك فقد قضت المحكمة العليا في قرار صادر في 14 جانفي 2009 على أنه "الخلع يعد وسيلة من وسائل الطلاق و فك الرابطة الزوجية بين الزوجين،و بالتالي يتعين إصدار حكم بشأنه و يتوجب على القاضي إجراء عدة محاولات صلح بين الزوجين و لما قضى قاضي أول درجة بمحكمة الأغواط في 18 أكتوبر 2006 بالتطليق خلعاً-في قضية الحال-دون إجراء محاولات صلح بين طرفي النزاع فإن قضاءه جاء مخالفاً للقانون المادة 49 قانون الأسرة مما يستلزم معه نقض الحكم محل الطعن مع الإحالة".
كما ينبغي الإشارة أنه لا تجوز النيابة في الصلح بل ينبغي حضور الطرفين،و هو ما قضت به المحكمة العليا في قرار صادر في 16 جانفي 2008،و ذلك بقولها أن "الطلاق لا يصح فيه النيابة و لما تبين أن هذا الإجراء قام به شخص آخر غير الزوج يشكل مخالفة للمبدأ المذكور و يعد خطأ في تطبيق القانون لاسيما المادة 49 قانون الأسرة".
ب-المقابل في الخلع.
يقصد به العوض الذي تلتزم به الزوجة لزوجها لقاء طلاقها،و في ظل التشريع الجزائري أن هذا المقابل لا يمكن أن يكون إلا مبلغاً من المال سواء كان نقوداً أو أوراقاً مالية،بالإضافة إلى ذلك يشترط أن يكون بدل الخلع مالاً معلوماً و متقوماً شرعا،بحيث يجوز أن يكون بدل الخلع كل ما يجوز أن يكون صداقاً،و في حالة ما إذا خالعته على مال غير متقوم شرعاً كالخمر مثلاً،فيقع الطلاق و لا شيء للزوج على زوجته،بينما إذا خالعته على مال مع اعتقاده أن البدل ملك للزوجة فإذا به ظهر غير ذلك،يرى كل من الحنفية و الإمامية أنه إذا أجازه المالك يقع الخلع و يأخذ الزوج المال،و إذا لم يجزه فله البدل أو القيمة،في حين ذهب الشافعية أن له مهر المثل،غير أن المالكية قالوا بإيقاع الطلاق بائناً مع بطلان البدل،و لكن أمام هذا التضارب فما ذهب إليه الرأي الأول هو الجدير بالموافقة،بحيث كيف نمنع الزوج من البدل و هو لا يعلم بأنه ملك للغير ففي هذه الحالة فله بدل المقابل أو القيمة.
و الجدير بالملاحظة أنه إذا وافقت الزوجة على أن يكون بدل الخلع هو مؤجل بدل المهر أو نفقة العدة فما على القاضي في هذه الحالة إلا الاستجابة لطلبها خاصة إذا وافق الزوج على ذلك،غير أنه لا يصح لها أن تتنازل عن حضانة أولادها للزوج مقابل الخلع،حيث أن الحضانة هي حق للمحضون، و من ثمَّ لا يجوز لها التصرف و أن تجعل حق الغير ثمناً للخلع،و في هذا الصدد نصت المادة 54 فقرة 2 قانون الأسرة "...إذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع حكم القاضي بما لا يتجاوز صداق المثل وقت صدور الحكم"،و يستنتج من هذه الفقرة أن المشرع قد نص صراحة على تحديد المعيار الذي ينبغي أن يأخذه القاضي بعين الاعتبار لتحديد المقابل في حالة عدم الاتفاق عليه من قبل الطرفين،و هو مهر المثل وقت صدور الحكم،و لكن يؤخذ على هذه الفقرة أنها جاءت متعارضة مع حق الزوج بحيث إذا كانت مدة الزواج 20 سنة و تزوج بها و هي بالغة 25 سنة فإن مهر المثل يحدد على أساس المرأة البالغة 45 سنة و هو مبلغ زهيد.
8)التطليق.
أولاً:التطليق لعدم الإنفاق.
تنص المادة 53 فقرة 1 المعدلة من قانون الأسرة على أنه "يجوز للزوجة طلب التطليق: 1-لعدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج،مع مراعاة المواد 78، 79 و 80 من هذا القانون"،و بناءاً على هذا النص نستخلص أن الزوجة لا يمكن لها أن تطلب التطليق لعدم الإنفاق إلا بتوافر عدد من الشروط،و هي:
أ-أن يكون الزوج قد امتنع عن الإنفاق عمداً على زوجته: و الجدير بالملاحظة أن الإنفاق المشار إليه في هذه المادة،يدخل في طياته: نفقة الغذاء،الدواء،اللباس و السكن إلخ...، بحيث إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته المريضة،ففي هذه الحالة يكون من حقها طلب التطليق؛
ب-أن يكون قد صدر حكم من المحكمة يقضي بوجوب نفقة الزوجة على زوجها: بمعنى أنه لا يمكن للزوجة طلب التطليق قبل أن ترفع دعوى تلزم بمقتضاها الزوج بالإنفاق عليها،و يكون هذا الحكم نهائياً (غير قابل للطعن)،و غالباً ما تتقدم الزوجة بشكوى لتحريك الدعوى العمومية فتكون الدعوى جزائية،و الإشكال المطروح بخصوص المدة الواجب على الزوجة احترامها لترفع دعوى التطليق،و قياساً على نصوص قانون العقوبات حول جريمة إهمال الأسرة،و أمام النقص الوارد في قانون الأسرة بخصوص المدة التي على الزوجة احترامها بعد صدور الحكم بإلزام الزوج بالإنفاق عليها،فإنه من الأجدر أن تطبق المدة المنصوص عليها في المادة 331 من قانون العقوبات،و قد قضت المحكمة العليا في هذا الإطار في قرار لها صادر في 19 نوفمبر 1984 أنه "متى كان من المقرر فقهاً و قضاءاً في أحكام الشريعة الإسلامية أن عدم الإنفاق على الزوجة لمدة تفوق شهرين متتابعين،يكون مبرراً لطلب التطليق عن زوجها،وفق ما ذكره الفقيه ابن عاصم بقوله "الزوج إذا عجز عن الإنفاق لأكثر من شهرين..."،و لما كان الثابت أن المطعون ضده أُدين جزائياً من محكمة الجنح بتهمة الإهمال العائلي، و حُكم عليه غيابياً بسنة حبساً نافذة،فإن قضاة الاستئناف برفضهم طلب الطاعنة في التطليق قد خرقوا نص المبدأ الشرعي...".
ج-ألاّ تكون عالمة بإعساره وقت إبرام عقد الزواج: و في هذه الحالة فإن عبء الإثبات يقع على الزوجة ،من حيث أنها تبرهن للقاضي أنها لم تكن على علم بأن الشخص الذي تزوجت معه هو في حالة إعسار وقت إبرام العقد،إذ أنه لو استطاع أن يثبت للقاضي بأن الزوجة بالرغم من أنها كانت عالمة بإعساره قد وافقت على الزواج به،فالقاضي هنا لا يستجيب لطلبها حول التطليق؛
د-أن يكون الحكم القاضي بإلزام الزوج بالإنفاق على زوجته متماشياً مع ما نص عليه المشرع في المواد: 78، 79 و 80: و بمعنى أدق أن يكون قد راعى في تقدير النفقة حال الزوجين، و كذلك ما ينبغي أن يدخل في مشتملات النفقة،بالإضافة إلى ذلك أن يقتضي بالشرط الزمني المنصوص عليه في المادة 80 قانون الأسرة،و ما ينبغي ملاحظته أن ما جاء به المجلس الأعلى (المحكمة العليا حالياً) في قرار صادر بتاريخ 27 نوفمبر 1989 على أنه "من المقرر قانوناً أن دعوى الطلاق من اختصاص محكمة مقر سكن الزوجية،و من المقرر أيضاً أن تطليق الزوجة لعدم الإنفاق و الحكم لها به بدون يمين،يعد مخالفاً للأحكام الشرعية الإسلامية،و من ثمَّ فإن القضاء بخلاف هذين المبدأين يعد خرقاً للقانون،و لما كان ثابتاً-في قضية الحال-أن المجلس القضائي لما قضى بتطليق الزوجة...دون أداء اليمين فيما يخص النفقة،فإنهم بقضائهم كما فعلوا قد خالفوا القانون و أحكام الشريعة الإسلامية".
غيره أنه ما يعاب على المشرع بخصوص هذا السبب المآخذ التالية:
أ)-أن قانون الأسرة لم يفرق بين أمرين:
1-عدم الإنفاق مع قدرة الزوج على ذلك (الامتناع العمدي)؛
2-عدم الإنفاق مع عجز الزوج عن ذلك (العجز أو عدم القدرة المالية).
ب)-أن المشرع لم ينص على الحالة التي يكون فيها الزوج موسراً قبل إبرام عقد الزواج،ثم يصبح بعده معسراً .
(إذا كانت الزوجة في حالة نشوز و طالبت بالنفقة،فعلى القاضي ألا يستجيب لطلبها بمقتضى المادة 222 إعمالاً لأحكام الشريعة الإسلامية).
ثانياً: التطليق لوجود عيب.
لقد سمح المشرع بناءاً على نص المادة 53 فقرة 2 معدلة من قانون الأسرة للزوجة أن تطلب التطليق بسبب العِلّل و الأمراض التي يصاب بها الزوج و نصها"يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب الآتية:...2-العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج..."، و من صور هذه العِلّل أن يكون الزوج مصاباً بقصور جنسي و الأمراض المزمنة و كذا الأمراض التي تنتقل من أحدهما إلى الآخر بمجرد الاقتران كمرض "نقص المناعة المكتسبة"(السيدا)،و كذا بعض الأمراض التي قد تدفع الزوجة للنفور من زوجها كالبرص و الجذام،و للزوجة أيضاً طلب التطليق في حالة ما إذا أصيب الزوج بعاهة عقيلة على أن تكون بعد العقد،و هذا كله مستخلص من نص المادة 53 فقرة 2 السالفة بنصها "العيوب التي تحول دون تحقيق أهداف الزواج"،و عليه فالزوجة لا يمكنها طلب التطليق بناءاً على هذا السبب إلا بتوافر الشروط التالية و التي تخضع لتقدير القاضي:
أ-أن يكون العيب مما يحول دون تحقيق الهدف من الزواج: و التي نص عليها المشرع في المادة 4 معدلة من قانون الأسرة،و التي منها: إحصان الزوجين،المودة...إلخ؛
ب-أن تكون العِلل أو العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف غير قابلة للزوال، أو لا يُرجى منها شفاء،بحيث إذا كان الزوج مصاباً بمرض قابل للشفاء،فهنا لا يمكن للقاضي أن يحكم لها بالتطليق، و من بين هذه العيوب التي يُرجى منها الشفاء ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16 فيفري 1992 بأنه "من المقرر قانوناً أنه يجوز للزوجة طلب التطليق لكل ضرر معتبر شرعاً،و متى تبين-في قضية الحال-أن المعاشرة الزوجية كانت طويلة بين الزوجين،و أن الطاعن لم يُنجب أطفالاً طوال هذه المدة،ما دفع الزوجة إلى طلب التطليق...و عليه فإن قضاة الموضوع بحكمهم بتطليق الزوجة بسبب العيب الذي يحول دون تحقيق الهدف من الزواج (عقم الزوج) قد طبقوا القانون تطبيقاً صحيحاً".و قد قضى المجلس الأعلى كذلك في قرار صادر في 14 ماي 1984 أنه "من المقرر شرعاً أنه لا يجوز الحكم بفك الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة وحدها،إلا إذا ثبت الضرر بها،و لما كانت الزوجة أشارت في مقولاتها المتعددة بعجز زوجها عن ممارسة العلاقة الجنسية معها،فإنه كان من الواجب على قضاة الموضوع إثبات ذلك بصفة شرعية و قانونية قبل التصريح بحكم رفض دعوى الاستئناف".
و تنفيذاً لكل ذلك قضى ذات المجلس في قرار له صادر في 19 نوفمبر 1984 على أنه "من المقرر فقهاً و قضاءاً أنه إذا كان الزوج عاجزاً عن مباشرة زوجته،يضرب له أجل سنة كاملة من أجل العلاج،فإن لم تتحسن حالته حكم للزوجة بالتطليق"،و تنفيذاً لهذه الأحكام نصت المادة 451 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على أنه"يعاين القاضي و يكيف الوقائع المعتمد عليها في تأسيس الأسباب المدعمة لطلب التطليق طبقاً لأحكام قانون الأسرة،و يفصل في مدى تأسيس الطلب آخذاً بعين الاعتبار الظروف التي قدم فيها،يمكن للقاضي أن يتخذ كل التدابير اللازمة التي يراها ملائمة لاسيما الأمر بالتحقيق أو بخبرة طبية أو الانتقال إلى المعاينة...".
ج-ينبغي للزوجة أن تثبت للقاضي ما تدعيه بكل الوسائل القانونية خاصةً منها الشهادات الطبية،بل أكثر من ذلك يمكن للقاضي أن يطلب إجراء خبرة من أجل التأكد من وجود العيب.
*بتوافر هذه الشروط الثلاثة مجتمعة فما على القاضي إلا الاستجابة لطلب الزوجة،و لكن أهم ما يعاب على المشرع و نحن بصدد هذه العيوب أنه لم يفرق بين حالة وجود العيب قبل إبرام عقد الزواج مع علم الزوجة به،و هي حالة لا تسمح لها بطلب التطليق بناءاً على نص الفقرة 2 من المادة 53 قانون الأسرة إذا رضيت به كزوج و هو مصاب بذلك العيب.
أما الحالة الثانية فتتجلى في عدم علم الزوجة بوجود العيب قبل الزواج مما يجعل إرادتها معيبة،ذلك ما يسمح لها بطلب إبطال الزواج لأن العقد تم بطريقة غير صحيحة إذا ظهر العيب بعد الزواج تطبيقاً للفقرة 2 من المادة 53 قانون الأسرة،و تطبيقاً لهذا قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 22 ديسمبر 1992 بأنه "من المقرر قانوناً و قضاءاً أنه يجوز للزوجة طلب التطليق استناداً إلى وجود عيب يحول دون تحقيق هدف الزواج،كتكوين أسرة و تربية الأولاد،و لما أسس قضاة الموضوع قرارهم القاضي بالتطليق على عدم إمكانية إنجاب الأولاد استناداً لنتائج الخبرة الطبية التي خلصت إلى عقم الزوج فإنهم قد وفروا بقضائهم الأسباب الشرعية الكافية ما عدا ما يتعلق بإلزام الزوجة بالتعويض مما يتوجب نقضه جزئياً في هذا الجانب،لانعدام حالة التعسف"، و هو ما أكده القرار الصادر عن ذات المحكمة بتاريخ 16 فيفري 1992؛
كما قضت نفس المحكمة (المجلس الأعلى سابقاً) في قرار صادر في 14 ماي 1984 بأنه " من المقرر شرعاً أنه لا يصوغ الحكم بفك الرابطة الزوجية بين الزوجين بطلب من الزوجة وحدها إلا إذا ثبت الضرر بها...و لما كانت الزوجة أشارت في مقالاتها المتعددة بعجز زوجها عن ممارسة العلاقات الجنسية معها،فإنه كان من الواجب على قضاة الاستئناف إثبات ذلك بصفة شرعية و قانونية قبل التصريح بحكمه "؛
كما قضت المحكمة في قرارها الصادر في 15 نوفمبر 2006 بأن "عدم الإنجاب لا يعد من الأسباب الشرعية القانونية التي تخوِّل للزوج حق الطلاق و إعفاءه من مسؤوليته و التعويض،فإن قضاة الموضوع قد ناقشوا موضوع الدعوى مناقشة قانونية،و من ثم فإن عقم الزوجة من المسائل الخارجة عن إرادتها و لا يعد سبباً من الأسباب الشرعية و القانونية المخوِّلة للزوج حق الطلاق بتظليم الزوجة".
-حالة ما إذا كان الزوج مصاب بعاهة الجنون فلها أن تطلب التطليق طبقاً للفقرة 2 من المادة 53 قانون الأسرة؛
-إذا طلبت الزوجة التطليق بناءاً على العقم فهو طلاق شرعي و قانوني،دون تعويض الزوج؛
-إذا طلب الزوج الطلاق على أساس عقم الزوجة فهنا لها التعويض؛
-إذا طلب الزوج التعدد لعقم الزوجة الأولى و تزوج بثانية فللأولى أن تطلب التطليق على أساس المادة 53 فقرة 2 قانون الأسرة،أما إذا أراد التعدد بشرط أن يطلق الأولى فهنا يعتبر طلاقاً تعسفياً.
ثالثاً:التطليق للهجر في المضجع.
و هو السبب الذي أشارت إليه الفقرة 3 من المادة 53 قانون الأسرة بنصها "...الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر..."،و يستشف من هذا النص أنه يجوز للزوجة طلب التطليق إذا هجرها الزوج في الفراش،و ذلك بتوافر الشروط التالية:
1-أن يهجرها و يترك فراش الزوجية و لا يعاملها معاملة الأزواج؛
2-أن يدوم هذا الهجر مدة تفوق أربعة أشهر متتالية،أي لا يقع أثناء هذه المدة أي اتصال بينهما،بينما إذا وقع الهجر عدة مرات و في أوقات متفرقة،فإنه لا يمكن للقاضي أن يستجيب لطلبها؛
3-أن يكون هذا الهجر عمدياً مقصود للإضرار بالزوجة،أي ليس هناك ما يبرره لا من الناحية الشرعية و لا من الناحية القانونية؛أي يكون خارج عن إرادة الزوج فلا يمكن لها أن تطلب التطليق على أساس الهجر في المضجع في حالة المفقود و المحكوم عليه بمدة .
و من حيث المقارنة يقترب الهجر المنصوص عليه في المادة 53فقرة 3 بالإيلاء الذي جاءت به الشريعة الإسلامية و إن كان يختلف عنه في بعض المسائل.
يتفق معه فيما يلي:
-ترك وطأ الزوجة و عدم الاقتراب منها لمدة أربعة أشهر فأكثر؛
-إلحاق الضرر بالزوجة بسبب هذا الهجر؛
غير أنه يختلف معه فيما يلي:
-الإيلاء يمين على عدم الاقتراب من الزوجة و ترك وطئها؛
-في حالة الايلاء إذا كان الزوج يؤدي يميناً على عدم الاقتراب و وطأ الزوجة،فإذا كانت هذه المدة أربعة أشهر أي أنها لا تقل عما جاء به القرءان الكريم،فإن في الهجر في المضجع فالمدة ينبغي أن تكون أكثر من أربعة أشهر،بينما إذا كانت هذه المدة لم تنقض بعد و يريد الزوج العودة إلى زوجته فيكون في هذه الحالة حانثاً،أي أنه لم يفِ بيمينه فما عليه إلا الكفارة،و هي إطعام عشر مساكين أو تحرير رقبة،فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام،و إذا انتهت المدة و وفى بيمينه و رفعت الزوجة أمرها إلى القاضي فيحكم بتطليقها منه،و هو طلاق رجعي عند المالكية بعد الدخول،و كذلك عند الشافعية و الحنابلة.أما الحنفية فقالوا بالتفريق بينهما بمجرد انتهاء المدة.أما في التشريع الجزائري إذا لم تنته المدة لا يجوز لها أن تطلب التطليق،حتى في الإيلاء و حتى لو أدى يميناً فلا يجوز لها حتى تنتهي المدة.
رابعاً: التطليق للحكم بعقوبة عن جريمة ماسة بشرف الأسرة.
بعدما كان المشرع ينص في النص الأصلي للمادة 53 فقرة 4 قانون الأسرة على أنه( يجوز للزوجة طلب التطليق بسبب الحكم بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة أكثر من سنة فيها مساس بشرف الأسرة و يستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية)،غير أنه في تعديله لسنة 2005 أصبح ينص على ما يلي: "...الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية".
و الجدير بالملاحظة أن مقارنة النص الأصلي مع النص المعدل يدفعنا إلى القول أن المشرع في النص الأصلي كان يكيف التصرف الصادر عن الزوج بالعمل الشائن،أي أن الحكم في حد ذاته يعد عملاً أو تصرفاً شائناً،و ذلك عندما قال "الحكم بعقوبة شائنة"،
و الواقع أن القاضي لا يمكن أن يستجيب لطلب الزوجة بسبب هذا الحكم إلا بتوافر الشروط التالية:
1-أن يصدر ضد الزوج حكم قضائي حائز قوة الشيء المقضي به،أي أنه يصبح غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية؛
2-كان المشرع في النص القديم ينص صراحة على أن يكون محل الحكم عقوبة مقيدة لحرية الزوج لمدة سنة،و من ثم فإذا أدانته المحكمة بالحبس مع وقف التنفيذ فلا يمكن اعتبار الشرط متوفراً،و تخرج عنها كذلك العقوبات الأخرى كالحكم بغرامة (و لكن دون الحبس).
أما في تعديل 2005 أصبح المشرع لا يقيد حق الزوجة في طلب التطليق بأن تكون العقوبة مقيدة لحرية الزوج،بحيث قد اكتفى المشرع بالقول "الحكم على الزوج بعقوبة..." (و لم يذكر النص الجديد عقوبة أكثر من سنة و عقوبة مقيدة للحرية)؛
3-أن تكون العقوبة المعاقب عليها مما يمس بشرف الأسرة،أي أن تكون وصمة عار في جبين الأسرة،أي فيها مساس بشرف الأسرة،و من هذه الجرائم: قتل أو ضرب أحد الأبوين،الاغتصاب و زنا المحارم؛
4-أن تجعل العقوبة مواصلة العشرة و الحياة الزوجية أمراً مستحيلاً،أي أن الزوجة أصبحت لا تطيق العيش مع هذا الزوج بحيث تحوّل الحب بينهما إلى بغض و كراهية؛
و بتوافر هذه الشروط مجتمعة فما على القاضي إلا أن يستجيب لطلب الزوجة بفك الرابطة الزوجية بناءاً على الفقرة 4 من المادة 53 معدلة من قانون الأسرة .
خامساً: التطليق بسبب غياب الزوج.
نصت المادة 53 فقرة 5 من قانون الأسرة أنه "يجوز للزوجة طلب التطليق بسبب:...الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر و لا نفقة..."،و الواقع فإن هذا السبب قد اختلفت بشأنه آراء الفقه الإسلامي،بحيث ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية،الشافعية و الشيعة الجعفرية) بأنه لا يجوز للزوجة أن تطلب التطليق بسبب غيبة زوجها، و العلة في ذلك أن صبرها لا محال سيؤثر على سلوك الزوج،بل قد يزيد من ارتباطه بها،و يرى كل من المالكية و الحنابلة على أنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للغيبة إذا طالت حتى لو ترك لها مال تنفق منه،و إن هذه المدة حددها المالكية بستة (6) أشهر بعذر أو بدون عذر،و هو طلاق بائن عندهم في حين حددها الحنابلة من سنة إلى ثلاث (3) سنوات من غير عذر، و ينحل عندهم الزواج بالفسخ،بناءاً على هذه الأقوال و الآراء نرى أن المشرع الجزائري تأثر بما ذهب إليه كل من المالكية و الحنابلة،و الفرق بينهم أن المشرع الجزائري علّق هذا النوع من التطليق بمدة سنة شريطة ألا يكون هناك عذر أو مال تركه الزوج لزوجته من أجل الإنفاق،و عليه فكان للمشرع أن يقوم بالتوفيق بين ما ذهب إليه كل من الحنابلة و المالكية،إذ كان عليه أن يحدد المدة بسنة،و لكن سواء وجد عذراً أم لم يوجد،و سواء ترك لها مال من أجل الإنفاق أو لم يترك لها،و لكن بالرغم من هذا الاقتراح فإن الزوجة في ظل التشريع الجزائري لا يمكن لها أن تطلب التطليق بسبب غيبة الزوج إلا بتوافر الشروط التالية:
1-أن تكون مدة الغيبة تفوق السنة و لو بيوم واحد،و ذلك من يوم غيابه إلى يوم رفع الدعوى،أما إذا كانت المدة أقل من ذلك،فإنه لا يستجاب لطلبها المبني على سبب الغيبة ،و يجرى حسابها بالسنة الميلادية؛
2-أن يتم الغياب دون عذر مقبول كالسفر لمجرد السياحة و لم يعد،و ذلك خلافاً للزوج الذي سافر و غاب عن زوجته بسبب المرض،كذلك الزوج الذي غاب عن زوجته بسبب الخدمة الوطنية؛
3-ألا يترك الزوج لزوجته مالاً تنفقه على نفسها و على أولادها،بينما إذا غاب لمدة أكثر من سنة و بدون عذر و ترك لها مالاً من أجل الإنفاق،في هذه الحالة القاضي لا يستجيب لطلبها وفقاً لما نصت عليه الفقرة 5 من المادة 53 قانون الأسرة.
بتوافر هذه الشروط فإنه يتسنى للزوجة طلب التطليق بسبب غيبة الزوج،و جدير بالإشارة أن المشرع في المادة 112 فقرة 2 قانون الأسرة نص على أنه "يجوز لزوجة المفقود أو الغائب أن تطلب الطلاق بناءاً على الفقرة 5 من المادة 53 قانون الأسرة"،و عليه يستشف أن المشرع سمح كذلك لزوجة المفقود أن تطلب التطليق بناءاً على الشروط التي جاء بها في المادة المشار إليها سابقاً،لكن الفرق بين الغائب و المفقود هو: أن الشخص لا يعتبر مفقوداً إلا بعد استصدار حكم قضائي،أي خلافاً لزوجة الغائب فإن زوجة المفقود ينبغي عليها: رفع دعوى فقدان زوجها و بعد حصولها على الحكم الناطق بذلك الفقدان عندئذٍ يتسنى لها رفع دعوى التطليق؛
*هل مدة السنة التي نص عليها المشرع في المادة 53 فقرة 5 قانون الأسرة تبدأ من يوم صدور الحكم بفقدان الزوج،أو من يوم فقدانه فعلاً؟
للإجابة على هذا السؤال فإن الحكم الناطق بفقدان الشخص يحدد تاريخ الفقدان (منطوق الحكم يحدد تاريخ بداية الفقدان).
سادساً:التطليق بسبب مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 قانون الأسرة.
و المقصود بهذا النص هو التطليق الذي تطلبه الزوجة بسبب مخالفة الأحكام التي نص عليها المشرع بشأن تعدد الزوجات،بحيث يجوز للزوجة أن تطلب التطليق في حالة ما إذا لم يكن الزوج عادلاً بين زوجاته،و يشترط في هذه الحالة أن يكون العدل في الأمور المادية لا الروحية،أي ينبغي إسكان الزوجتين مثلاً في مسكن من نفس الجودة،كذلك يجب أن يكون العدل في المبيت،كذلك يمكن أن تطلب التطليق في حالة ما إذا لم ترضَ بالتعدد،غير أنه يعاب على المشرع عدم التنصيص على المادة 8 مكرر من قانون الأسرة،على أنه يجوز للزوجة السابقة و اللاحقة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق في حالة التدليس،إلا أنه لم يُشر إلى هذه الحالة في الفقرة 6 من المادة 53 قانون الأسرة.
سابعاً:التطليق لارتكاب فاحشة مبينة.
و الواقع أن ما يعتبر في نظر المشرع من الفواحش هو كل فعل من الكبائر كالشرك بالله أو عقوق الوالدين،و كذلك يمكن إدخال في هذه الزمرة من الفواحش جريمة الزنا،أي عدم احترام أحد التزامات و واجبات الحياة الزوجية.
-كل الفواحش المرتكبة قبل إبرام عقد الزواج لا تعتبر سبباً من أسباب التطليق،بل يمكن أن تكون سبباً من أسباب إبطال عقد الزواج،نظراً للغلط الذي وقعت فيه الزوجة أو التدليس و هما عيبان من عيوب الإرادة إذا دلس عليها بأنه متدين،فهو عيب من عيوب الإرادة،و يعتبر زواج غير شرعي و غير صحيح،يقابله البطلان و ليس التطليق.
-في الجريمة الفاحشة يجب توافر الركنين معاً: الركن المادي،و هو الفعل المرتكب من طرف الزوج، و الركن المعنوي، لذلك إذا كان الزوج مصاب بجنون هل يمكن في هذه الحالة معاقبته؟الإجابة تكون بالنفي لعدم وجود الركن المعنوي،في حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بالجزاء أو بالعقوبة الجزائية،أم فيما يخص الجزاء المدني،فيمكن للزوجة طلب التطليق بناءاً على الفقرة 10 من المادة 53 قانون الأسرة،أي الضرر لأنه (لا يعاقب جنائياً المجنون على جريمة الزنا).
و الجدير بالإشارة أن القضاء الجزائري لا يعترف بشريط الفيديو كدليل من الأدلة المحددة على سبيل الحصر لإثبات جريمة الزنا،بحيث قد جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ 24 جوان 2006 بأن "أدلة إثبات الزنا محددة على سبيل الحصر،و هي: محضر معاينة التلبس بالجريمة يحرره أحد ضباط الضبطية القضائية،إقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم،إقرار قضائي".
و للإشارة أن ذات المحكمة،غرفة الأحوال الشخصية و المواريث قضت بأن "جريمة الزنا لا يمكن إثباتها في حالة عدم الإقرار من المتهم إلا بشهادة أربعة شهود،و من ثم فإن شريط الفيديو هو الآخر لا يعتد به في هذه الحالة".
فهنا نفرق بين العقوبة الجزائية و العقوبة المدنية:
في جريمة الزنا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية،فلا يمكن إثباتها إلا بأربعة شهود بغير إقرار الزوج لأن الزوجة هي التي ادعت بأن الزوج قد ارتكب جريمة الزنا فعليها بأن تثبت ذلك بأربعة شهود شاهدوا الفعل رؤيا العين،و غير ذلك لا يعتد به.
ثامناً: الشقاق المستمر بين الزوجين.
تنص المادة 53 فقرة 8 قانون الأسرة على أنه يجوز للزوجة طلب التطليق بسبب الشقاق المستمر بين الزوجين،و الواقع أن هذا النص الذي جاء به المشرع مستأنساً في ذلك بما استقر عليه قضاء المحكمة العليا،بحيث أنه في النص الأصلي لقانون الأسرة،لم يكن المشرع يعترف بهذا النوع من التطليق،و لكن عندما تكررت القضايا المتعلقة بالخصام المستمر بين الزوجين ذهب قضاء المحكمة العليا إلى الاعتراف للزوجة بالتطليق بناءاً على ذلك السبب،حيث قضت في قرارها الصادر في 20 فبراير 1991 بأنه "و لما كان ثابتاً –في قضية الحال-أن المجلس القضائي عندما قضى بتطليق الزوجة بسبب بقائها مدة تقارب خمس سنوات لا هي متزوجة و لا هي مطلقة باعتبارها خرجت من بيت الزوجية... و استحالت الحياة الزوجية فإن القضاة كما حكموا طبقوا القانون مما يستوجب رفض الطعن"،و قضت كذلك في قرارها الصادر في 26 سبتمبر 1988 بأنه "لما كان ثابتاً-في قضية الحال-أن الزوج تماطل في إرجاع زوجته،و وقف موقفاً سلباً فإن المجلس بقضائه بتطليق الزوجة لتماطل الزوج في إرجاع زوجته قضى بصحيح القانون"،
و قد تأكد موقف المحكمة العليا في قرارها الصادر في 24 سبتمبر1996 بقضائها أنه "لما كان ثابتاً -في قضية الحال- أن المطعون ضدها تضررت من جراء استفحال الخصام مع زوجها لمدة طويلة،مما نتج عنه إصابتها بمرض الأعصاب،و أصبحت الحياة مستحيلة بينهما فإن القضاة بقضائهم بتطليق الزوجة لهذا السبب كافي للتفريق القضائي طبقوا صحيح القانون".
و هو ما أكده القرار الصادر في 15 جوان 1999،و ذلك لما قضى بأنه "من المستقر عليه قضاءاً أنه يجوز تطليق الزوجة لاستفحال الخصام و طول مدته بين الزوجين باعتباره ضرراً شرعياً".
و على القاضي أن يكتفي بمدة قصيرة،أي ليس مدة شهر أو شهرين.
تاسعاً: مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
تنص المادة 53 فقرة 9 على أنه "يجوز للزوجة طلب التطليق بسبب مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج"،و يستشف من هذا النص القانوني أن المشرع قد نص صراحة بأنه يجوز للزوجة طلب التطليق في حالة ما إذا لم يف الزوج بما تم الاتفاق عليه بينهما،و أن هذه المادة جاءت تطبيقاً لما ورد في المادة 19 المعدلة من قانون الأسرة التي تبيح للزوجين" أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يريانها ضرورية...ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون"،و بناءاً على ذلك فإن أول مهمة يقوم بها القاضي في حالة ما إذا طلبت الزوجة التطليق على أساس هذه الفقرة،هو تحديد صحة الشرط،هل هو شرط جائز أو شرط يتنافى و مقتضيات قانون الأسرة،فإذا تبين له أن الشرط المتفق عليه يتماشى مع ما جاء به المشرع من نصوص،و قد اتفق حوله الطرفان وفقاً لما نص عليه المشرع،غير أن الزوج لم ينفذ ما التزم به ففي هذه الحالة فما على القاضي إلا الاستجابة لطلبها إذ أنه لا يمكن تطبيق الغرامة التهديدية و الإكراه البدني.
عاشراً: طلب التطليق للضرر.
في النص الأصلي كان في الفقرة 6 ينص على أنه يجوز للزوجة طلب التطليق لكل سبب متعلق بضرر مشروع و لها أن ترجع إلى هذه الفقرة.
تنص الفقرة 10 من المادة 53 من قانون الأسرة المعدلة بأنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق بناءاً على كل ضرر معتبر شرعاً،و الواقع فإنه ما جاء به المشرع في هذه الفقرة يشمل كل الأسباب سالفة الذكر،إذ أنه جاء بعبارة عامة بحيث أنه لم يحدد نوعية الضرر تاركاً ذلك للسلطة التقديرية للقاضي،أي أن القاضي هو الذي سيقدر عما إذا كان السبب الذي جاءت به الزوجة كدلالة على طلبها التطليق هو سبب فعلاً قد أصيبت بمقتضاه بضرر سواء أكان مادياً أو معنوياً،مما يدفعنا إلى القول أن هذه المسألة هي مسألة واقع و لا تخضع لرقابة المحكمة العليا.(غير أن عبء إثبات الضرر يقع على عاتقها).
و عليه إذا رفعت الزوجة أمرها إلى القاضي طالبة التطليق على أساس الضرر،فإن عبء إثبات ذلك الضرر يقع على عاتقها،فإن استطاعت أن تبرر للقاضي ذلك فما على هذا الأخير إلا الاستجابة لطلبها،أما إذا استعصى عليها الأمر بإثبات الضرر و اشتد الخصام بينهما،فما على القاضي إلا الالتزام (الأمر وجوبي و ليس جوزاياً) بتعيين حكمين للتوفيق بينهما،و من ثم يعين القاضي الحكمين،حكماً من أهل الزوج،و حكماً من أهل الزوجة،و على هذين الحكمين أن يقدما تقريراً عن مهمتهما في أجل شهرين،فإذا جاء في تقرير الحكمين أن المرأة أصابتها أضرار من جراء تصرفات الزوج،ففي هذه الحالة فيمكن للقاضي أن يقضي بالاستجابة لطلب الزوجة. (لأن تقرير الحكمين لا يقيد سلطة القاضي،أي يمكن للقاضي أن لا يعتد به لأن سلطته تبقى مطلقة في هذه الحالة،حسب المادة 56 من قانون الأسرة).
*إذا لم يعين القاضي حكمين فيكون تصرف القاضي باطل أي أنه لم يستوفِ الشكل.
غير أن هذا السبب هو الآخر لا يمكن أن تتمسك به الزوجة إلا إذا توافرت الشروط التالية:
1-أن يكون صاحب الفعل الناشئ عنه الضرر هو الزوج لا الغير،ما لم يكن الزوج قد حرض الغير على زوجته؛
2-يجب أن ينتج عن الخطأ الصادر عن الزوج ضرر لحق بالزوجة أو أحد أصولها أو فروعها،فلا يمكن حصر الضرر فقط بالزوجة،أي أنه يمكن أن يلحق الضرر بأحد الأصول أو الفروع؛
3-أن يكون مرتكب الخطأ راشداً أو متمتعاً بكل قواه العقلية،أي أن يكون بالغاً 19 سنة فأكثر،(اللهم إلا إذا تم الزفاف على أساس الإذن القضائي وبناءاً على رخصة قضائية) ؛
4-يشترط ألا يكون ذلك التصرف الذي أصيبت به الزوجة بضرر و الصادر عن الزوج لا يدخل في طيات الحقوق المعترف بها له شرعاً.
و بناءاً على كل ما تقدم فنرى بأن المحكمة العليا قد تبنت عدد من القرارات القضائية فيما يتعلق بالضرر الذي تصاب به الزوجة،و بمقتضاه كان لها طلب التطليق بناءاً على الفقرة 10 في النص الجديد،و الفقرة 6 في النص الأصلي،فقد قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16 مارس 1999 أنه "من المقرر قانوناً أنه يجوز تطليق الزوجة لكل ضرر معتبر شرعاً،و متى تبين –في قضية الحال-أن الطاعن عقد على المطعون ضدها لمدة طويلة و لم يقم بإتمام الزواج بالبناء فإن الزوجة تضررت خلال هذه المدة مادياً و معنوياً،مما يثبت تضررها شرعاً طبقاً لأحكام المادة 53 قانون الأسرة".
و هنا استجابت المحكمة لحكم المحكمة أدنى درجة بمعنى يجوز لها لأن في ذلك ضرر معنوي في هذه الحالة ،كذلك فوات الفرص.
كما قضت المحكمة ذاتها في قرارها الصادر في 15 جوان 1999 على أنه "يجوز للزوجة طلب التطليق بسبب استفحال الخصام و طول مدته بين الزوجين لاعتباره ضرراً شرعياً".
و قضت كذلك المحكمة العليا أن" تطليق الزوجة المتضررة بسبب الضرب مع تعويضها حقاً لها ،و عليه الضرب الواقع على الزوجة يجعلها في حالة المتضررة و ليس في حالة النشوز" (قرار 20 جوان 2000). (فهنا المحكمة كان عليها أن تحكم بالتطليق بدلاً من النشوز في هذه الحالة).
و كذلك قضت المحكمة ذاتها في قرارها الصادر في 18 ماي 1999 أنه "من المقرر قانوناً أنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق لكل ضرر معتبر شرعاً،كما أن تقدير الضرر يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع (قضاء المحكمة أو المجلس)".
قرار آخر يؤكد صادر في 23 أفريل 1996 أنه "لما كان ثابتاً -في قضية الحال- أن القضية تتعلق بزواج تام الأركان إلا أن الزوج تأخر عن الدخول بزوجته لمدة 5 سنوات،فإنه بذلك يعتبر تعسفاً في حقها و يبرر التعويض الممنوح لها ،مما يتعين رفض الطعن".(فيه ضرر مادي و معنوي،في هذه الحالة، و أغلبية دعاوى التطليق متعلقة بالضرر).
النشــــــــــــــــــــــــوز
بالإضافة إلى ذلك فإنه يجوز للزوجين لكل واحد منهما طلب التطليق بسبب نشوز الآخر،و هو ما نصت عليه المادة 55 قانون الأسرة "عند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالتعويض للطرف المتضرر"،و نستشف من هذه المادة أن المشرع قد نص صراحة على أنه إذا لم يقم أحد الزوجين بواجباته الزوجية،و من ثم يكون في حكم الزوج الناشز،يجوز للطرف الآخر طلب التطليق.
-في الرجوع إلى بيت الزوجية يرفع طلب إلى قاضي شؤون الأسرة من أجل الرجوع،فالقاضي يحكم له بالرجوع و يبلغ الأمر للزوجة عن طريق المحضر القضائي،و الزوجة لها خياران إما الرجوع إلى بيت الزوجية و إما..
لا تبلغ الزوجة بحكم الرجوع بل ينبغي للزوج أن يذهب إلى بيت أهلها،و يراجعها،و تكون بمرافقة المحضر على أساس حكم،و يحرر محضر معاينة (قرار للمحكمة العليا).
إجراءات التقاضي في مجال فك الرابطة الزوجية.
لقد تعرض قانون الأسرة إلى بعض الإجراءات المتعلقة بطلب فك الرابطة الزوجية،و لكن كان ذلك بصفة مختصرة جداً،تاركاً المسألة إلى قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الصادر في 2008،و عليه لنا أن نتساءل ما هي المحكمة المختصة من حيث الاختصاص الوظيفي و الإقليمي؟،فيما يتعلق بهذه المسألة المدروسة، و كذلك ما هي الإجراءات الواجب إتباعها في كل حالة من حالات الطلاق؟
أولا: المحكمة المختصة.
فتختص المحكمة بمقتضى قسم شؤون الأسرة في كل المسائل المتعلقة بالأسرة،بحيث تنص المادة 423 قانون إجراءات مدنية و إدارية على أنه "ينظر قسم شؤون الأسرة على الخصوص في الدعاوى الآتية:
1-الدعاوى المتعلقة بالخطبة و الزواج و الرجوع إلى بيت الزوجية و انحلال الرابطة الزوجية و توابعها حسب الحالات و الشروط المذكورة في قانون الأسرة؛
2-دعاوى النفقة و الحضانة و حق الزيارة؛
3-دعاوى إثبات الزواج و النسب؛
4-الدعاوى المتعلقة بالكفالة؛
5-الدعاوى المتعلقة بالولاية،و سقوطها،و الحجر،و الغياب،و الفقدان و التقديم؛"،بمقتضى هذه المادة حُدد لنا الاختصاص الوظيفي، النوعي و الإقليمي،فهذه الدعاوى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالطلاق.
في حالة إذا تم تقديم طلب فك الرابطة الزوجية أمام قسم الجنح و المخالفات فإن هذا الأخير يرفض الطلب لعدم الاختصاص، (المادة 423 قانون إجراءات مدنية و إدارية)،و هي قاعدة آمرة.
أ-الاختصاص المكاني أو الإقليمي.
و هو ما نصت عليه المادة 426 قانون إجراءات مدنية و إدارية و ذلك بنصها "تكون المحكمة مختصة إقليميا:
1-في موضوع العدول عن الخطبة بمكان وجود موطن المدعى عليه؛
2-في موضوع إثبات الزواج بمكان وجود موطن المدعى عليه؛
3-في موضوع الطلاق أو الرجوع، بمكان وجود المسكن الزوجي،و في الطلاق بالتراضي في مكان إقامة أحد الزوجين حسب اختيارهما؛
4-في موضوع الحضانة و حق الزيارة و الرخص الإدارية المسلمة للقاصر المحضون،بمكان ممارسة الحضانة؛
5-في موضوع النفقة الغذائية بموطن الدائن بها؛
6-في موضوع متاع بيت الزوجية بمكان وجود المسكن الزوجي؛
7-في موضوع الترخيص بالزواج في مكان وجود طالب الترخيص؛
8-في موضوع المنازعة حول الصداق،بمكان موطن المدعى عليه؛
9-في موضوع الولاية بمكان ممارسة الولاية."
و نستشف من هذا النص أن المشرع قد حدد المحكمة المختصة إقليمياً على أساس إما موطن المدعى عليه،كالنزاع حول إثبات الزواج،أو المتعلق بالصداق،و إما محكمة موطن مكان الزوجية،كطلب الطلاق أو طلب الرجوع إلى بيت الزوجية،أو النزاع المتعلق بمتاع بيت الزوجية،و إما محكمة الدائن فيما يتعلق بالنفقة الغذائية،و إما محكمة ممارسة الحضانة و كل القضايا المتعلقة بها،و أخيراً محكمة إقامة أحد الزوجين باختيارهما بشأن طلب الطلاق بالتراضي. (من حيث المحكمة المختصة إقليمياً،أي مكان وجود المحكمة).
-النفقة: مكان إقامة الدائن بها ( الزوجة و الأولاد).
ثانياً: الأحكام الإجرائية الخاصة المتعلقة بالطلاق بالتراضي.
لقد عرفت المادة 427 قانون إجراءات مدنية و إدارية الطلاق بالتراضي على أنه "إجراء يرمي إلى حل الرابطة الزوجية بإرادة الزوجين المشتركة"،و من خلال هذا النص فقد عرف المشرع الطلاق بالتراضي من حيث الموضوع الأمر الذي أدى به إلى نوع من الخلط بين الجانب الموضوعي و الجانب الإجرائي،فهذا التعريف يجب أن يدخل في قانون الأسرة و ليس في القانون المتعلق بالجانب الإجرائي، و من ثم كان بإمكان المشرع أن يستغني عنه.
و لكن فإن المشرع الإجرائي من اختصاصه تبيان كيفية تقديم دعوى الطلاق ،و هذا ما نصت عليه المادة 428 قانون إجراءات مدنية وإدارية، و التي نصت على أنه:"في حالة الطلاق بالتراضي يقدم طلب مشترك في شكل عريضة واحدة موقعة من الزوجين تودع بأمانة الضبط"،
*لم يشترط المشرع حضور المحامي في كل طلبات الطلاق.
غير أن المشرع لم يكتف بتقديم طلب الطلاق بالتراضي في عريضة واحدة مشتركة، بل نص في المادة 429 على أنه يجب أن تتضمن العريضة ما يأتي:
1-بيان الجهة المرفوع أمامها الطلب.
2-اسم، ولقب، وجنسيّة كل من الزوجين، وموطن، وتاريخ ومكان ميلادها،
3-تاريخ، و مكان زواجهما ،و عند الاقتضاء عدد الأولاد القصر.
4-عرض موجز يتضمن جميع شروط الاتفاق الحاصل بينهما حول توابع الطلاق،و يجب أن يرفق مع العريضة شهادة عائلية و مستخرج من عقد زواج المعنيين.".
-ترفض دعوى الطلاق بالتراضي إذا لم تكن مرفوقة بهذا الموجز (دعوى الطلاق باطلة).
-الشروط المتفق عليها من طرف الطرفين لا تقيد سلطة القاضي،فالقاضي له سلطة تقديرية في كل ذلك،مثال الحضانة لأم الأم و تبين له أن مصلحة المحضون لا تكون معها،فهو يقدر ذلك.
و إضافة إلى ذلك جاء التنصيص في المادة 430 قانون إجراءات مدنية و إدارية على أنه" يخطر أمين الضبط الطرفين في الحال بتاريخ حضورهما أمام القاضي،و يسلم لهما استدعاء لهذا الغرض".
عند تقديم طلب الطلاق بالتراضي يجب أن تكون نسختين: نسخة تحال إلى النيابة العامة (وكيل الجمهورية)،و نسخة إلى القاضي.
أي دعوى متعلقة بقانون الأسرة تقدم العريضة على الأقل في نسختين ،أما في الطلاق بالتراضي و أنواع الطلاق الأخرى تكون ثلاث نسخ،نسخة للقاضي و نسخة للأطراف و نسخة للنيابة.
فلا يمكن عدم إبلاغ النيابة العامة،فكاتب الضبط مجبر بإرسال نسخة للنيابة و نسخة للقاضي،فإذا لم يرسل فإن الدعوى باطلة.
و بعد حصول القاضي على نسخة من طلب الطلاق بالتراضي،فعليه أن يتأكد حسب المادة 431 قانون إجراءات مدنية و إدارية "يتأكد القاضي في التاريخ المحدد للحضور،من قبول العريضة،و يستمع إلى الزوجين على انفراد ثم مجتمعين،و يتأكد من رضائهما،و يحاول الصلح بينهما إذا كان ذلك ممكناً.
ينظر مع الزوجين أو وكلائهما في الاتفاق،و له أن يلغي أو يعدل في شروطه،إذا كانت تتعارض مع مصلحة الأولاد أو مخالفة للنظام العام. يثبت القاضي إرادة الزوجين،بإصدار حكم يتضمن المصادقة على الاتفاق النهائي و يصرح بالطلاق.".
-أما فيما يتعلق بأهلية التقاضي بشأن الطلاق بالتراضي فقد نصت عليها المادة 432 قانون إجراءات مدنية و إدارية بنصها "لا يجوز تقديم طلب الطلاق بالتراضي إذا كان أحد الزوجين تحت وضع التقديم أو إذا ظهر عليه اختلال في قدراته الذهنية تمنعه من التعبير عن إرادته. يجب إثبات اختلال القدرات الذهنية من طرف طبيب مختص".
طرق الطعن الخاصة بالطلاق بالتراضي.
تنص المادة 433 قانون إجراءات مدنية و إدارية،على أن" أحكام الطلاق بالتراضي غير قابلة للاستئناف"،و قد جاء هذا النص مؤكداً لما نصت عليه المادة 57 من قانون الأسرة المعدلة،بنصها "تكون الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق... غير قابلة للاستئناف فيما عدا جوانبها المادية،و تكون الأحكام المتعلقة بالحضانة قابلة للاستئناف"،فيستنتج من هذين النصين أن الأحكام المتعلقة بالطلاق بالتراضي غير قابلة للاستئناف،و بالإضافة إلى ذلك فإنه يجوز الطعن بالنقض فيما يتعلق بالطلاق بالتراضي حتى لو كان سبب النقض متعلقاً بالطلاق بحد ذاته،غير أنه استثناءاً من المبدأ العام فإن سريان مدة الطعن بالنقض تسري من تاريخ النطق بالحكم،و من ثم فإنه لا يمكن تطبيق في هذه الحالة ما نص عليه المشرع في المادة 354 قانون إجراءات مدنية و إدارية التي تنص على أن سريان مدة الطعن بالنقض يبدأ من تاريخ التبليغ،و أن حالات الطعن بالنقض قد نصت عليها المادة 358 و المادة 354 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
و استثناءاً من القاعدة العامة نصت كذلك المادة 435 على أنه" لا يوقف الطعن بالنقض الحكم" لأن المشرع نص في المادة 365 قانون إجراءات مدنية أنه" لا يترتب على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم أو القرار ما عدا في المواد المتعلقة بحالة الأشخاص أو أهليتهم و في دعاوى التزوير".
إجراءات الطلاق بطلب من أحد الزوجين.
تنص المادة 436 قانون إجراءات مدنية و إدارية على أنه" ترفع دعوى الطلاق من أحد الزوجين أمام قسم شؤون الأسرة بتقديم عريضة وفق الأشكال المقررة لرفع الدعوى"،و لكن ينبغي على المدعي في دعوى الطلاق،طبقاً لما نصت عليه المادة 438 قانون إجراءات مدنية و إدارية"يجب على المدعي في دعوى الطلاق، أن يبلغ رسمياً المدعى عليه و النيابة العامة بنسخة من العريضة المشار إليها في المادة 436 أعلاه، يجوز له أيضاً تبليغ النيابة العامة عن طريق أمانة الضبط"،و أما بشأن أهلية المتقاضي تنص المادة 437 أنه "عندما يكون الزوج ناقص الأهلية يقدم الطلب باسمه من قِبل وليه أو مقدمه حسب الحالة." فإذا كان ناقص الأهلية فالذي يقدم العريضة الولي أو المقدم...
يجوز للولي أن يتقدم برفع الدعوى باسم ناقص الأهلية،و إن هذا الولي هو الأب أو الأم أو المقدم و هو الشخص الذي تعينه المحكمة في حالة عدم وجود الولي أو الوصي سواء من الأقارب الذين يجوز لهم تقديم طلب وضع الشخص تحت التقديم،و حتى من النيابة العامة،غير أن المشرع قد أغفل على الوصي، مع العلم أن المادة 92 قانون الأسرة،تنص صراحة على أنه" يجوز للأب أو الجد تعيين وصي للولد القاصر إذا لم تكن لهم أم تتولى أموره أو تثبت عدم أهليتها لذلك بالطرق القانونية..."،و أن المادة 95 من ذات القانون تنص صراحة على أن" للوصي نفس سلطة الولي...".
إجراءات الصلح.
تنص المادة 49 من قانون الأسرة المعدلة على أنه "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاث (3) أشهر ابتداءاً من تاريخ رفع الدعوى".
و هذا ما أكدته المادة 439 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية،بنصها "محاولات الصلح،و تتم في جلسة سرية"،و إن هذا التأكيد الوارد في المادة السالفة الذكر أنها جاءت نتيجة للتضارب في الأحكام القضائية المتناقضة بعضها البعض،بحيث نص المجلس الأعلى (المحكمة العليا) في قراره الصادر في 03 جوان 1985 بأن "المصالحة لا تعد أمراً إجبارياً".
***و حيث أن المحكمة في قرارها الصادر في 13 فيفري 1993 نصت على أنه "من المقرر قانوناً أن محاولة الصلح المنصوص عليها في المادة 49 قانون الأسرة،هي إجراء جوهري في صالح الزوجين معاً و من ثم يستوجب نقض و إبطال القرار الذي أغفل جلسة الصلح".
و هذا ما أكدته في قرارها الصادر في 14 جانفي 2009 بقولها "و لما قضى قاضي أول درجة (بمحكمة الأغواط) بالتطليق خلعاً في قضية الحال دون إجراء محاولة صلح بين طرفي النزاع،فإن قضاءه جاء مخالفاً للقانون المادة 49 من قانون الأسرة،مما يستلزم معه نقض الحكم محل الطعن مع الإحالة".
و تنفيذاً لذلك فإن محاولة الصلح تتم بطريقة سرية،و هو ما أكدته المادة 440 قانون إجراءات مدنية و إدارية،بنصها "في التاريخ المحدد لإجراء محاولات الصلح يستمع القاضي إلى كل زوج على انفراد ثم معاً.و يمكن بناءاً على طلب الزوجين حضور أحد أفراد العائلة و المشاركة في محاولة الصلح".
نستشف من هذا النص بأن المشرع قد أكد صراحة بأن محاولة الصلح يحضرها القاضي و الطرفين أي الزوجين،و بدون حضور المحامي،و ذلك كله في مكتب القاضي.
و يحضر كذلك هذه الجلسة كاتب الضبط لأن المادة 443 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية نصت صراحة على أن "محضر الصلح يحرر من قبل أمين الضبط تحت إشراف القاضي".
-و الجدير بالملاحظة أن هذه الجلسة أي جلسة الصلح لا يجوز فيها النيابة،أي لا يمكن لأحد الزوجين أو هما معاً توكيل شخص آخر من أجل حضور جلسة الصلح نيابة عنه.
بحيث قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16 جانفي 2008 على أنه "من المقرر قانوناً أن الطلاق لا يثبت إلا بحكم بعد محاولات الصلح،طبقاً للمادة 49 قانون الأسرة،و أن هذا الإجراء أي محاولة الصلح بين الطرفين كاستثناء لا يقوم إلا بالطرفين المتنازعين،و لا تصح فيه النيابة،و متى تبين أن هذا الإجراء قام به شخص آخر غير الزوج يشكل مخالفة للمبدأ المذكور،و يعد خطأ في تطبيق القانون لاسيما المادة 49 قانون الأسرة"
في إجراءات الطلاق جائز حضور المحامي،أما الصلح فهو شخصي لا يجوز توكيل شخص آخر في مكانه و هو إجراء شكلي.
-غير أن ما ينبغي الالتفات إليه يتجلى في معرفة عما إذا يمكن للقاضي أن يتجاوز إجراء صلح في حالة عدم حضور أحد الطرفين،فإجابة على ذلك نصت المادة 443 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على أنه "في حالة عدم الصلح أو تخلف أحد الزوجين بالرغم من مهلة التفكير الممنوحة له، يشرع في مناقشة موضوع الدعوى".
و للعلم فإن المادة 441 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية قد نصت صراحة على أنه إذا تخلف أحد الزوجين عن حضور الجلسة المحددة للصلح بدون عذر رغم تبليغه شخصياً يحرر القاضي محضراً بذلك.
إذ أنه إذا استحال عليه الحضور (الزوج) في التاريخ المحدد أو حدث له مانع فيجوز للقاضي في هذه الحالة تحديد تاريخ لاحق للجلسة،أو يقوم القاضي بندب قاضي آخر لسماعه بموجب إنابة قضائية.
-مثال عن مانع طارئ أن يكون في وهران و وقع له حادث،فهنا القاضي يمنح له مهلة،أي يحدد له جلسة صلح أخرى.
الحالة الثانية،يجب على القاضي أن يتأكد بأن الزوج بلغ فعلاً بتاريخ إجراء محاولة الصلح،فإذا تأكد من تاريخ تبليغ الحضور للجلسة و أن الشخص ليس له عذر،فهنا نطبق نص المادة 443 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية،فإذا لم يحضر و ليس هناك عذر فيشرع في مناقشة موضوع الدعوى.
-إذا لم يحضر الشخص الذي رفع الدعوى فهنا كذلك نطبق المادة 443 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
-حضور محاولات الصلح شخصي،و هو إجراء شكلي ،فلا يدخل القاضي في الموضوع، إذا لم يحضر أحد الطرفين إجراء محاولة الصلح بدون عذر فينبغي على القاضي أن يفصل في الموضوع.
أما إذا لم يحضر بسبب طارئ أو لعذر مقبول فما على القاضي إلا أن يمنح له أو يحدد له تاريخ آخر للصلح.
-و في كلتا الحالتين ينبغي على القاضي أن يتأكد من تبليغ الطرف الغائب شخصياً.
*غير أنه خلال هذه المدة من يوم رفع الدعوى إلى غاية النطق بالحكم،يجوز للقاضي أن يقوم باتخاذ التدابير المؤقتة طبقاً لما نصت عليه المادة 442 قانون إجراءات مدنية و إدارية،و ذلك بموجب أمر غير قابل لأي طعن،بل أكثر من ذلك فقد نصت المادة 445 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على أنه "يجوز للقاضي في حالة ظهور واقعة جديدة و حسب الظروف أن يلغي أو يعدل أو يتمم التدابير المؤقتة التي أمر بها ما لم يتم الفصل في الموضوع.هذا الأمر الصادر عن القاضي غير قابل للطعن".
و الجدير بالملاحظة أن هذه التدابير قد نصت عليها المادة 57 مكرر من قانون الأسرة بنصها "يجوز للقاضي الفصل على وجه الاستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير المؤقتة و لا سيما ما تعلق منها بالنفقة و الحضانة و الزيارة و المسكن".
-في حالة ما إذا قضى القاضي بالطلاق و بتوابع الطلاق و حكم القاضي في الموضوع مثلاً،بإسناد الحضانة للأب فهنا يمكن للقاضي أن يصدر أمراً غير قابل للطعن فيما يتعلق بالتدابير المؤقتة حتى لا يضيع حق الأطفال.
على العموم فأي قرار يتخذه القاضي فينبغي أن يكون مسبباً،فتسبيب الأحكام يخضع لرقابة المحكمة العليا لأنها محكمة قانون،حتى ترى إذا طُبق صحيح القانون.
و أخيراً ينص المشرع في المادة 452 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على أنه "لا يوقف الطعن بالنقض تنفيذ أحكام الطلاق المنصوص عليها في المادتين 450 و 451 أعلاه".
و هي الأحكام المتعلقة بالطلاق الذي يطلبه الزوج،و كذلك بالتطليق،و لا دخل للطلاق بالتراضي و الخلع بشأن هذه المادة 452 قانون إجراءات مدنية و إدارية.
(المادة 435 لا يوقف الطعن بالنقض الحكم).
-غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الأحكام المتعلقة بطلاق الزوج و كذلك التطليق لا يسري بشأنها الطعن بالنقض إلا من يوم تبليغ الحكم،و هي مدة شهرين (2) إذا تم التبليغ بطريقة رسمية و شخصية،و ثلاث أشهر (3) إذا تم التبليغ الرسمي في الموطن الحقيقي أو المختار.
(أما في الطلاق بالتراضي فمن يوم النطق بالحكم).
و لكن فإن هذه المادة (452 قانون إجراءات مدنية و إدارية) جاءت بحكم يتناقض تماماً مع ما نص عليه المشرع في المادة 361 التي نص مضمونها أن يوقف تنفيذ الحكم في حالة الطعن بالنقض في المواد المتعلقة بحالة الأشخاص و أهليتهم.
آثار الطلاق.
الآثار الشخصية.
*العدة.
تعتد المرأة المطلقة بعد الدخول ثلاث (3) أشهر إذا كانت يائسة من المحيض أو ثلاث (3) أقراء بالنسبة للمرأة الحائض،و ذلك شريطة ألا تكون حاملاً،بحيث إذا كانت المرأة حامل فتنتهي عدتها بوضع حملها بعد الطلاق،و لو بفترة وجيزة (يوم أو أكثر).
المرأة التي طلقها زوجها قبل أن يدخل بها فلا تعتد.
أما إذا طلقها و دخلت في عدتها و توفي الزوج أثناء العدة فتعتد من جديد أربع (4) أشهر و عشر (10) من يوم الوفاة.
و الجدير بالملاحظة أن عدة الحامل محددة بعشر (10) أشهر من يوم النطق بالطلاق بحيث إذا وضعت حملها بعد هذه المدة فيكون الحمل غير شرعي.
-و في حالة ما إذا تزوجت المرأة و أن إجراءات التقاضي الخاصة بالطلاق لازالت متواصلة ففي هذه الحالة تعتبر زانية و من ثم يعتبر الزواج غير شرعي،فما دام القاضي لم ينطق بالطلاق فهي تعتبر لازالت متزوجة.
كذلك من بين الآثار التي يرتبها الطلاق هو:
2-حرمة خروج الزوجة المعتدة من البيت.
تنص المادة 61 قانون الأسرة على أنه " لا تخرج الزوجة المطلقة من السكن العائلي ما دامت في عدة طلاقها...إلا في حالة الفاحشة المبيّنة...".
-المطلقة يمكن لزوجها أن يرجعها بعقد جديد،أما بالنسبة للأجنبي فيجب عليه احترام عدتها.
الآثار المادية.
إلى جانب الآثار الشخصية السالفة الذكر فهذا الأخير يرتب كذلك عدد من الآثار المالية:
1-النفقة.
نفقة العدة.
بمقتضى المادة 61 قانون الأسرة فإن المرأة المطلقة لها الحق في النفقة خلال مدة العدة،و هي تسمى بنفقة المتعة ففي هذه الحالة ينبغي على الزوج أن يتحمل هذه النفقة إذ تقع على عاتقه خلال مدة العدة.
-نفقة المتعة محددة بمدة العدة.
و من ثمّ فإن الزوج الذي طلّق زوجته في حال الطلاق أو الخلع أي في كل أنواع الطلاق،تكون فيها نفقة العدة،حتى الطلاق بالتراضي إلا إذا اتفق على خلاف ذلك،فإذا اتفقت الزوجة في الطلاق بالتراضي أن تتخلى عن حقها في النفقة فهو حق خالص لها. ويمكن أن تتفق معه أن تتحمل نفقة الأولاد،أما الحضانة فيمكن أن يتدخل القاضي و يرفض طلب الزوجين،أما نفقتهم فيمكن أن تسند لها و لا يتدخل القاضي.
و تطبيقاً لذلك قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 20 فيفري 2001 بأن "عدم التصريح بالحمل عند الحكم بالطلاق لا يعد حجة اتجاه المطلقة لحرمانها من نفقة الحمل لاستحالة أو صعوبة اكتشافه في الشهرين الأولين له".
و يتحمل الزوج كذلك نفقات وضع الحمل.
نفقة الإهمال.
و هو مثلاً أن يتم رفع الدعوى في 15 جانفي و نطق القاضي بالحكم بالطلاق في 2 أفريل،هنا من يوم رفع الدعوى إلى غاية النطق بالحكم احتمال في هذه المدة أن الزوج لا ينفق عليها،إلا إذا طلبت استصدار حكم يحكم لها فيه بالنفقة،في حالة الاستعجال يمكن لها طلب ذلك بمقتضى أمر استعجالي،فإذا لم تطلب يكون لها النفقة من يوم رفع الدعوى إلى غاية صدور حكم الطلاق،و هذه النفقة تسمى بنفقة الإهمال.
كل ما يتعلق بآثار الطلاق لا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه فهو يتعلق بطلبه.
-نفقة الإهمال نص عليها المشرع في النصوص التي نظمت النفقة المادة 80 قانون الأسرة،و حتى هذه تعتبر نفقة إهمال،مثلاً إذا لم ينفق عليها مدة ثلاث (3) سنوات فيمكن لها أن تطالب بها لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى،أي الدعوى للمطالبة بالنفقة لا الطلاق،مثلاً كأن يطلب الزوج الطلاق و الزوجة بينت للقاضي أنه لم ينفق عليها لمدة سنة فيحكم لها بنفقة السنة قبل رفع الدعوى + المدة المتعلقة بإجراءات التقاضي من يوم رفع الدعوى إلى غاية النطق بالحكم (و هي نفقة إهمال).
*هل يمكن الاستئناف في نفقة العدة؟ هو جائز و يمكن أن تستأنف.
*هل يمكن أن تطالب بمراجعة المبلغ؟ يمكن أن تستأنف أو تطعن بالحكم،أما المراجعة لا تكون أمام المجلس و لا يمكنها طلب المراجعة إلى بعد مضي سنة.
-مدة الاستئناف تحسب من يوم التبليغ.
2-الميراث.
تنص المادة 132 قانون الأسرة على أنه "إذا توفي أحد الزوجين...أو كانت الوفاة في عدة الطلاق استحق الحي منهما الإرث"،و نستخلص من هذا النص أن المشرع قد منح حق التوارث بين الزوجين المطلقين إذا توفي أحدهما في عدة الطلاق،أي أن الزوج له الحق في تركة زوجته إذا توفيت و هي معتدة من طلاق،و هي كذلك ترثه إذا توفي و لازالت عدتها لم تنقضي بعد.
أما الزوج المريض مرض الموت إذا طلق زوجته فيقع الطلاق و لها الحق في الميراث (و يسمى في الشريعة طلاق الفار)،أما هو فليس له الحق في الميراث.
*في القانون الجزائري يستحق كل منهما الإرث.
-فقهاء الشريعة اختلفوا فقالوا أن المرأة لها الحق في الميراث ما دامت في العدة.
رأي آخر قال ما دامت معتدة أو لم تتزوج.
رأي آخر حتى و لو انتهت عدتها و تزوجت لها الحق في الميراث (هذا الرأي متطرف و يمكن أن ترث من زوجين).
هناك اختلاف في الفقه،لكن نطبق المادة 132 قانون الأسرة (يتوارثان).
قاعدة عامة استحقاق الميراث يكون من يوم الوفاة،مثلاً زوجة مسيحية و بعد شهرين من يوم الوفاة أسلمت،فهذه ليس لها الحق في الميراث لأنها يوم الوفاة كانت مسيحية أي لم تسلم بعد،فاستحقاق الميراث من يوم الوفاة لا من يوم توزيع التركة.
3-متاع بيت الزوجية.
نصت المادة 73 من قانون الأسرة على أنه "إذا وقع نزاع بين الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت و ليس لأحدهما بينة فالقول للزوجة أو ورثتها مع اليمين في المعتاد للنساء،و القول للزوج أو ورثته مع اليمين في المعتاد للرجال،و المشتركات بينهما يقتسمانها مع اليمين".
يستخلص من هذا النص القانوني أن المشرع قد فرق بين حالتين أساسيتين فيما يتعلق بمتاع البيت،إذ أنه إذا كان الأمر يتعلق بالأموال المملوكة عادة للنساء فيقصد في هذه الحالة بقول الزوجة أو ورثتها و أن ذلك متعلق بتأدية اليمين،أما الأموال المملوكة عادة للرجال فالقول للزوج أو ورثته مع اليمين.
غير أن الأموال المشتركة بين الطرفين يتم تقسيمها بينهما،و كذلك مع اليمين، و أن هذه الأحكام و القواعد لا يمكن تطبيقها إذا كان بحوزة أحد الزوجين بينة تثبت بأن المال المتنازع عليه هو ملك له، و من أجل صد هذه المشاكل التي كانت تثور بين الزوجين،و نظراً لكثرة القضايا المطروحة بشأنها على الساحة القضائية أو أمام المحاكم فحاول المشرع أن يأتي بحل يمكن بموجبه التقليل منها، و هو ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة 37 قانون الأسرة، و التي سمحت للطرفين تحديد نسب الأموال المشتركة بينهما و المكتسبة خلال الحياة الزوجية.
اشترط المشرع أن يتم ذلك في عقد رسمي،أما الذي يتم في عقد عرفي لا يؤخذ به،أو يشترطا ذلك يوم عقد الزواج.
-طبقاً للمادة 73 قانون الأسرة بالنسبة لليمين تكون بطلب من القاضي لأنها يمين متممة،أما اليمين الذي يطلبه الزوج فهي يمين حاسمة.أي القاضي هو الذي يوجه اليمين (إجراء جوهري).
و في حالة عدم وجود البيّنة و قام القاضي بإسناد أموال معينة للزوجة دون يمين يكون حكمه معرض للنقض.
-إذا وجد اتفاق حول الأموال المشتركة بشروطه فالمادة 73 يتم تعطيلها بمقتضى المادة 37 فقرة 2، و يشترط أن يكون الاتفاق بينهما عقد رسمي أما العرفي لا يعتد به.
4-الصداق.
( المادة 17 قانون الأسرة...إحالة لما سبق التعرض له في الفصل الأول حول الصداق).
-النزاع حول الصداق تطبيق المادة 17 من قانون الأسرة في كل الحالات، عند عدم وجود بينة قاعدة عامة إذا كانت هناك بينة نطبق البينة و لا نطبق اليمين.
5-التعويض.
فإذا حكم القاضي بالطلاق أو التطليق فإنه بإمكانه أن يحكم بالتعويض بناءاً على طلب أحد الطرفين،أي أنه لا يمكن للقاضي الحكم بالتعويض من تلقاء نفسه.
و قد نص المشرع على الحق في التعويض في المواد 52 ، 53 مكرر و 55 من قانون الأسرة،بحيث أن المادة 52 قانون الأسرة تنص على الحق في التعويض إذا تعسف الزوج في استعمال حقه في الطلاق.
كما أنه يجوز للزوجة أن تطلب في الوقت ذاته من المحكمة الحكم لها بالتطليق و التعويض.
نشوز أحدهما.
-المادة 55 قانون الأسرة مربوطة ارتباطاً وثيقاً مع المادة 52 ،معناه إذا طلب الزوج الطلاق فهو مربوط بحجة،كأن الزوجة لا تقوم بواجباتها الزوجية،فهذا ليس طلاق تعسفي فيمكن له طلب التعويض،و للقاضي أن يستجيب لطلبه إذا طلب الطلاق في هذه الحالة.
إذا كان الطلاق تعسفي غير مبني على سبب وجيه فالتعويض للمرأة،أما إذا لم يكن هناك طلاق تعسفي فالتعويض للرجل و القاضي هو الذي يقوم بالتعويض في هذه الحالة.
فتقدير التعويض يرجع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع لأنه هو لأدرى بهذه المسائل،فهنا ينبغي أن تكون قيمة التعويض على أساس الضرر اللاحق بالطرف الآخر.
يحدد التعويض على أساس الضرر المادي و المعنوي، فهنا لا ينظر إلى حالة الطرفين على خلاف ما هو بالنسبة للنفقة لأن التعويض أساسه الضرر.
*هل يمكن للقاضي أن يحكم للزوجة في الوقت ذاته بالتعويض و المتعة؟
-للإجابة على هذا السؤال فقد تضاربت القرارات الصادرة عن المحكمة العليا،إذ أنها قد قضت في قرارها الصادر في 07 أفريل 1986 على أنه "من الأحكام الشرعية أن للزوجة المطلقة طلاقاً تعسفياً نفقة عدة،نفقة إهمال،نفقة متعة،و كذلك التعويض الذي قد يحكم به لها من جراء الطلاق التعسفي، و ينبغي عند الحكم تحديد طبيعة المبالغ المحكوم بها لصالح المطلقة و في أي إطار تدخل".
و لكن خلافاً لذلك قررت المحكمة ذاتها في قرارها الصادر في 08 أفريل 1985 على أنه "حيث أن الشريعة الإسلامية قررت لكل زوجة طلقها زوجها نفقة تعطى لها تخفيفاً عما حصل لها من ألم فراق زوجها و هي في حد ذاتها تعويض و كان على القاضي أن يفي للمطلقة في القضية بمبلغ يفي بالمراد تحت التعبير الشرعي و هو المتعة أو يعبر عنه بالتعويض وحده ليفسر بالمتعة لا أن يمنحها مبلغاً رمزياً زهيد باسم المتعة و يجعل لها مبلغاً آخر غير شرعي تحت اسم التعويض".
و أمام هذين الموقفين المتضاربين فالأجدر بالأخذ بما قضت به المحكمة العليا بأنه" لا يمكن للقاضي أن يحكم للمطلقة بالتعويض و المتعة في آن واحد بل لها الحق فقط في التعويض".
و هذا ما نص عليه المشرع في قانون الأسرة و يكون ذلك نتيجة للضرر اللاحق بالزوجة،و هذا الذي يقدره القاضي بحيث قضت المحكمة العليا في قرارها لـ16 مارس 1991 بأن "تقدير الضرر مسألة موضوعية أي هي من اختصاص قاضي الموضوع،و أما رقابة المحكمة العليا في هذا الشأن تبقى منحصرة في مدى صحة تطبيق النصوص القانونية،بحيث يجوز للقاضي أن يحكم للزوجة حتى و لو تم الطلاق قبل الدخول"،و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16 مارس 1999 بنصها "و متى تبين –في قضية الحال- أن الطاعن عقد على المطعون ضدها لمدة طويلة و لم يقم بإتمام الزواج بالبناء فإن الزوجة تضررت خلال هذه المدة مادياً و معنوياً مما يثبت تضررها شرعاً طبقاً لأحكام المادة 53 من قانون الأسرة" أي لها الحق بالتعويض.
بينما إذا كان الضرر اللاحق بالزوجة على أساس المسؤولية المتقاسمة بين الطرفين فلا تعويض فيه، و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 27 أوت 1986 بحيث قد قضت أنه " لما كان ثابتاً-في قضية الحال-أن القرار المطعون فيه قضى بإسناد الظلم إلى الزوجين معاً فلا سبيل لتعويض أحدهما و منح المتعة للزوجة".
الحضانة.
عرف المشرع الحضانة بنصه في المادة 62 من قانون الأسرة أن "الحضانة هي رعاية الولد و تعليمه و القيام بتربيته على دين أبيه،و السهر على حمايته و حفظه صحة و خلقاً.و يشترط في الحاضن أن يكون أهلاً للقيام بذلك".
-يستخلص من هذا النص عدة شروط،فالمشرع نص صراحة على أن الحضانة تتم على أساس الرعاية الخلقية و الصحية للطفل،و أنه في هذه الحالة تتم تربية الطفل على دين أبيه، وغالباً ما تكون الديانة الإسلامية.
-يمكن أن تسند الحضانة إلى أم غير مسلمة ،كأن يكون الزوج متزوجاً بمسيحية،و لكن تربية الطفل تكون على دين أبيه.
و عليه يشترط في الحاضن الشروط التالية:
1-أن يكون أهلاً لممارسة الحضانة: و هذه الأهلية متعلقة بعدة شروط أولها أن يكون الشخص بالغاً عاقلاً،أي بالغ 19 سنة،و متمتع بقواه العقلية،و غير محجور عليه،و لكن هل يشترط على كل حاضن سواء أكان الأمر يتعلق بالأم أو غيرها؟
فبالنسبة لسن الرشد و هو 19 سنة،فإنه يمكن أن يتم الزواج بناءاً على إذن قضائي،و تكون سن الأم حينها 17 سنة،و طلقت و هي بالغة مثلاً 18 سنة،و قد نجم الطفل عن هذا الزواج.
فطبقاً لما ذهب إليه الفقه الإسلامي (المادة 222 قانون الأسرة) فإن الأم أولى بحضانة أولادها، و من ثم لا يشترط فيها بلوغ سن الرشد،و ذلك خلافاً لما هو عليه بالنسبة لأصحاب الحق في الحضانة الآخرين.
2-أن يكون قادراً على تربية الطفل و حمايته: و المقصود بهذه القدرة هنا القدرة الجسدية أي المادية،و ذلك من أجل صيانة حقوق الطفل،أما إذا كانت المرأة الراغبة في إسناد الحضانة لها عاجزة و خاصةً إذا كان العجز كلياً فإنه لا يمكن أن تسند لها الحضانة،و من أمثلة ذلك فالمرأة أو الشخص المصاب بالشلل أو الشخص الفاقد البصر لا تسند له الحضانة.
3-أن يكون آمناً: أي يكون آمنا في تصرفاته نحو المحضون،و من ثمَّ فالمرأة فاسدة الأخلاق لا تسند لها الحضانة كالمرأة التي تشتغل في الرقص أو المرأة التي تستقبل أشخاص بأخلاق فاسدة،لا تسند لها الحضانة،كذلك المرأة المطلقة على أساس الزنا فهذه لا تسند لها الحضانة (المرأة الزانية لا تسند لها الحضانة).و قد جاء في قرار للمحكمة العليا أن المرأة المحكوم عليها بارتكاب فاحشة الزنا لا تسقط عنها الحضانة،و لكن المبدأ المأخوذ به تسقط الحضانة عن المرأة المرتكبة فاحشة الزنا.
أصحاب الحق في الحضانة.
تنص المادة 64 قانون الأسرة على أن الحق في الحضانة يؤول إلى الأم أولاً، ثم الأب، ثم الجدة لأم، ثم الجدة لأب، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك.
و قبل تعديل 2005 فكان أصحاب الحق في الحضانة مرتبين على النحو التالي:
الأم،ثم أمها ثم الخالة ثم الأب ثم أم الأب ثم الأقربون.
فالمشرع بموجب التعديل جعل الأب في المرتبة الثانية.
-أخذ المشرع بهذا الترتيب نتيجة للقضايا المطروحة أمام القضاء لأن مصلحة المحضون هي الأولى.
*يجوز الطعن في الحكم الناطق بالحضانة أمام المجلس(في كل القضايا المتعلقة بالحضانة يجوز الاستئناف).
انتهاء الحضانة.
تنص المادة 65 من قانون الأسرة على أن مدة الحضانة تنتهي بحسب عما إذا كان المحضون ذكراً أو أنثى، بحيث إذا كان المحضون ذكراً فتنتهي حضانته ببلوغ 10 سنوات،أما الأنثى فحضانتها تنتهي ببلوغها سن الزواج أي 19 سنة.
غير أنه يمكن للقاضي أن يمدد حضانة الذكر إلى غاية سن 16 سنة بشرطين أساسيين:
-أن تكون طالبة الحضانة هي الأم؛
- أن تكون غير متزوجة؛
فقط الأم هي التي يمكن لها تمديد سن الحضانة إلى 16 سنة،أما إذا تزوجت فلا يمكن لها طلب التمديد .
أما بالنسبة للفتاة فهي بحاجة إلى الأم على أساس أن الأم هي التي تقوم بتربيتها،أما الذكر فهو بحاجة إلى الأب،أي الأب هو الذي يقوم بتربيته،فهنا عندما تنتهي الحضانة تجعل محلها الولاية.
و لكن المشرع بالرغم من أنه حدد مدة انتهاء الحضانة سواء بالنسبة للذكر أو الأنثى فنص في آخر المادة على أن يراعى في هذا مصلحة المحضون،مثلاً الطفل بلغ 10 سنوات،المفروض أن تسقط الحضانة عنه،و لكن الطفل أبوه توفي في حادث سيارة فمن الذي يتولى حضانته؟فهنا ترجع إلى الأم فالقاضي يراعي مصلحة الطفل، أي لا يجب أن يسندها إلى شخص آخر.
و القاعدة هي بلوغ السن،أما الاستثناء فهي مصلحة المحضون.
مسقطات الحضانة.
تسقط الحضانة في الحالات التالية:
1-زواج الأم بغير قريب محرم: (المادة 66 من قانون الأسرة)؛
و كذا الشأن بالنسبة لأم الأم و أم الأب و الخالة شريطة أن لا يمس ذلك مصلحة المحضون.
(غير قريب محرم أي أجنبي،أما قريب محرم أي العم مثلاً فهنا لا تسقط الحضانة فالزواج جائز و له إسناد الحضانة للعم).
2-التنازل عن الحضانة: في حالة ما إذا تنازلت الأم عن الحضانة يسقط عنها شريطة أن لا يمس ذلك التنازل مصلحة الطفل، لأنه إذا كانت يمس مصلحة الطفل أي إذا تنازلت الأم و القاضي يرى بأن مصلحة الطفل معها،ففي هذه الحالة يجبرها على الحضانة، فتكون مجبرة.
3-اختلال أحد الشروط الواردة في المادة 72 ،67 قانون الأسرة.
نصت المادة 67 أن عمل المرأة لا يعد سبباً من أسباب سقوط الحضانة.
4-عدم مطالبة الحضانة من قبل صاحبها لمدة تزيد عن سنة بدون عذر .
يعني أنه في حالة أن صاحب الحضانة لم يطلب الحضانة و انقضت مدة سنة دون عذر فتسقط عنه.المادة 68 قانون الأسرة.
5-سقوط حضانة الجدة أو الخالة بعد إسكانها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم (المادة 70 قانون الأسرة).
عودة الحق في الحضانة.
تنص المادة 71 قانون الأسرة "يعود الحق في الحضانة إذا زال سبب سقوطه غير الاختياري".
إذا كان اختياري انتهى الأمر.
نفقة المحضون.
تنص المادة 75 من قانون الأسرة على أنه "تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال".
أما إذا لم يكن له أموال النفقة تقع على عاتق الأب،أما إذا كان عاجزاً تقع على الأم،بالنسبة للأنثى.
-بالنسبة للسكن تنص المادة 72 المعدلة على أنه "في حالة الطلاق يجب على الأب أن يوفر لممارسة الحضانة سكناً ملائماً للحضانة و إن تعذر ذلك فعليه دفع بدل الإيجار.
و تبقى الحاضنة في بيت الزوجية حتى تنفيذ الأب للحكم القضائي المتعلق بالسكن".
فالقاعدة العامة الذي يتحمل السكن هو الأب فإذا تعذر عليه في حالة أزمة السكن فما عليه إلا دفع بدل الإيجار أي هو الذي يدفع البدل.
و لكن في كلتا الحالتين إذا لم يوفر السكن أو لم يدفع بدل الإيجار فتبقى في بيت الزوجية حتى ينفذ الحكم القضائي.
فهنا يختلط الحلال بالحرام لأنها ما دامت في بيت الزوجية فهي تعتبر أجنبية عنه.
الحضانة و الولاية.
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 87 فقرة 3 على أنه "في حالة الطلاق يُمنح القاضي الولاية لمن أسندت له حضانة الأولاد".
قرار المحكمة العليا في 13 ماي 2009 مراعاة مصلحة المحضون إسناد الحضانة للأم.
حق الزيارة.
ينبغي على القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بالحق في الزيارة حتى و لو لم يطلبه صاحب الحق.
والحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلي اللهم و بارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه و سلم تسليما.
تم بعون الله بتلمسان الأحد 03 ماي 2015