العقود المسماة و العقود غير المسماة.
العقد حسب المادة 54 من القانون المدني هو" كل اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"،و إذا تعددت تقسيمات العقود فإنه من حيث وجود تنظيم تشريعي خاص بها من عدمه تقسم إلى عقود مسماة و عقود غير مسماة.
أولاً: العقود المسماة.
و تسمى كذلك لأن المشرع الجزائري وضع تنظيماً خاصاً بها و سماها باسم خاص لكثرة تداولها و استقرار قواعدها ،و تبقى حرية الأفكار في التعاقد و أن العقد شريعة المتعاقدين في إطار النظام العام و الآداب العامة فكرة أساسية في القانون المدني و من ثم يستحيل على المشرع أن يستعرض جميع صور العقود،لذلك فهناك طائفة العقود غير المسماة التي لم يخصها المشرع بتنظيم خاص بها لعدم أهميتها مقارنة بالعقود المسماة،تاركاً الأمر بشأنها للقواعد العامة لنظرية العقد فإذا لم يجد فيها حكماً تعيّن القياس على العقود المسماة و إلا تم الرجوع إلى المصادر الأخرى للقانون،و كلما تعاظم شأن عقد من العقود تدخل المشرع ليتناوله بالتنظيم،مثلاً : عقد الفندقة هو عقد مركب من عدة عقود (إيجار ،وديعة،عمل) كان من العقود غير المسماة و لما كثر التعامل به تدخل المشرع الجزائري و نظم عقد الفندقة بموجب القانون 99-01 المؤرخ في 6 يناير 1999 ،و بيّن حقوق و التزامات الفندقي و الزبون،كذلك عقد السياحة و السفر و هو أيضاً من العقود المركبة إذ يعتبر مزيجاً من العقود الخاصة،تبرمها وكالات السياحة و السفر من أجل تنفيذ الرحلة،فعندما تقوم بحجز تذاكر السفر و أماكن الإقامة تبرم عقد وكالة و تبرم عقد نقل عندما تستعمل وسائل نقل مملوكة لها أو تقوم باستئجارها ،و تبرم عقد مقاولة عندما تقوم بتنظيم رحلات شاملة فتقدم مختلف الخدمات السياحية للعميل، و قد تدخل المشرع بموجب القانون 99-06 المتعلق بنشاط وكالات السياحة و السفر ونظمه.
و يضع المشرع الجزائري تنظيماً خاصاً بالعقود من أجل:
أولاً: تسهيل مهمة الأفراد في التعاقد بالاتفاق فقط على المسائل الجوهرية تاركاً التفاصيل للتنظيم؛
ثانياً: تسهيل مهمة القاضي من خلال ضبط طريقة تطبيق القواعد العامة بنص خاص؛
ثالثاً: و قد يهدف المشرع من خلال تنظيم خاص الخروج في شأن عقد من العقود عن المبادئ العامة لغاية تتفق مع السياسة التشريعية.
و عن الطريقة التي يحدد بها القاضي في حالة عرض نزاع عليه بشأن عقد ما فيما إذا كان العقد مسمى أو غير مسمى فإنه يحدد ذلك عن طريق التكييف(la qualification) و هو إضفاء وصف قانوني للعقد من قبل القاضي للتعرف على القواعد القانونية التي يخضع لها العقد دون أن يتقيد بتكييف المتعاقدين،إلا أن القاضي لا يمكنه تكييف العقد قبل تفسيره للتعرف على الإرادة المشتركة للمتعاقدين من أجل القيام بمطابقة هذه المقاصد على النظام القانوني للعقود المعروفة،و من ثم إذا قرر المتعاقدان تسمية العقد بتسمية لا تتفق مع حقيقته كان على القاضي أن يقوم بتصحيحها على أنها مسألة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا.
الباب الأول : عقد البيع.
البيع هو موضوع الفصل الأول من الباب السابع من القانون المدني المعنون بالعقود المتعلقة بالملكية،فخصص القسم الأول الأحكام العامة لعقد البيع،و خصص القسم الثاني لبعض أنواع البيع و هي: بيع ملك الغير،بيع الحقوق المتنازع فيها،بيع الشركة،البيع في مرض الموت و بيع النائب لنفسه.
تعريف عقد البيع و بيان خصائصه.
تعرف المادة 351 من القانون المدني الجزائري البيع بأنه" عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي"، يتضح من هذا التعريف أن خصائص عقد البيع تتمثل في:
أولاً: أنه ملزم لجانبين أي أنه يرتب التزامات متقابلة في ذمة طرفيه( البائع و المشتري)، فالبائع يلتزم بنقل ملكية شيء أو حق مالي آخر، و المشتري يلتزم بدفع الثمن؛
ثانياً: أن عقد البيع هو عقد معاوضة حيث أن البائع يحصل على مقابل لما ينقله إلى المشتري، و المشتري يحصل على مقابل لما يدفعه من ثمن للبائع؛
ثالثاً: هو عقد رضائي إذ يكفي لانعقاده تطابق إرادة البائع مع إرادة المشتري دون اشتراط إفراغه في شكل معين إذا تعلق الأمر بالمنقولات،أما بالنسبة للعقارات فقد اشترط المشرع الجزائري كتابة عقد بيع العقارات و توثيقه و إلا كان باطلاً بطلاناً مطلق.
رابعاً: هو عقد يرد على الأشياء و على الحقوق المالية الأخرى (أي أنه لا يقتصر على حق الملكية و إنما يرد كذلك على سائر الحقوق المالية العينية،الشخصية و الذهنية)، و من ثم يصح أن يكون محله حقاً شخصياً كما في حوالة الحق التي تعتبر بيعاً كلما توافرت فيها بقية مقوماته،و قد يكون محله بالحقوق الذهنية كالملكية الصناعية و الأدبية؛
خامساً: عقد البيع ينقل الملكية من البائع إلى المشتري في حالة ما إذا كان محله منقولاً معيناً بالذات،أما إذا كان شيء معين بالنوع فإن دور عقد البيع يقتصر على إنشاء التزام في ذمة البائع بنقل الملكية أما الملكية فتترتب على عمل مادي و هو الإفراز،كذلك الأمر إذا كان محل العقد عقاراً أو إحدى الحقوق العينية الأصلية الواردة على العقار فإن العقد لا ينقل الملكية و إنما تنتقل بموجب الشهر.
تمييز عقد البيع عن العقود المشابهة له.
قد يؤدي إبرام الأفراد لما شاءوا من العقود ضمن حدود النظام العام و الآداب العامة إلى ظهور عقود تشترك مع البيع في بعض الخصائص، خاصة و أن القاعدة في العقود هو الأخذ بما اتجهت إليه نيّة الأفراد في تحديد نوع العقد و ليس بالألفاظ(العبرة في العقود بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ و المباني).
أولاً : البيع و العمليات القانونية التي تتضمن نقل الملكية.
1)البيع و الهبة.
الهبة هي عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في ماله دون عوض ،أي أن الهبة تقوم على نية التبرع أما البيع فيلزم توافر المقابل النقدي ،لذا قد يقوم التشابه بين البيع و الهبة إذا كانت الهبة تتضمن إلزام الموهوب له بتكليف يتمثل في دفع مبلغ من النقود للمتبرع أو لشخص غير المتبرع،هنا العبرة بقصد المتعاقد ناقل الملكية: فإذا كان يقصد التبرع كان عقد هبة،أما إذا كان قصده هو المبادلة كان العقد بيعاً إذا كان التكليف قيمة نقدية تعادل حق الملكية الذي ينقله الواهب للموهوب له، و القضاء الفرنسي يتجه إلى اعتباره بيعاً في حقيقته خاصةً إذا كان التكليف لمصلحة الواهب، و تبقى نية التبرع من المسائل الواقعية التي يستقل قاضي الموضوع بتقديرها.
2)البيع و الوصية.
الوصية هي تصرف بإرادة منفردة مضاف إلى ما بعد الموت و هي من أعمال التبرع بينما البيع يكون بمقابل مادي و يرتب أثره( انتقال الملكية) في الحياة، فإذا قام الأفراد بصياغة وصيتهم في صورة عقد بيع قام القاضي بالتعرف على حقيقة قصدهما إذا ما كان بيعاً أو وصية معتمداً في ذلك على عدة قرائن، مثلاً : بقاء المبيع في حوزة البائع و انتفاعه به،التنازل عن الثمن،صدور تصرف في مرض الموت، اتفاق البائع و المشتري على أن تعود الملكية للبائع إذا توفي المشتري قبله.
3)المقايضة و البيع.
كل من البيع و المقايضة هي عملية مبادلة،غير أن البيع هو مبادلة حق ملكية بمقابل مادي،أما المقايضة فهي مبادلة حق ملكية بحق ملكية آخر،أي أن العبرة في المقابل بالطبيعة و لو تمكنا من معرفة سعر المقابل وقت عرضه في الأسواق،مثلاً : نقل ملكية منزل مقابل سبائك ذهبية هو مقايضة، فإذا كان المقابل جزءاً منه نقود و الجزء الآخر حق ملكية هنا العبرة بالجزء الغالب إذا كانت نقوداً كان بيعاً،أما إذا كان حق الملكية هو الغالب كان عقد مقايضة.
4) البيع و القرض.
يعتبر كل من البيع و القرض من العقود الواردة على الملكية مع الفارق المتمثل في أن نقل الملكية إلى المشتري في عقد البيع يكون بصفة نهائية، بينما المقترض ليس مالكاً بصفة دائمة و إنما عليه التزام برد الشيء المقترض.
5)البيع و الوفاء بمقابل.
الوفاء بمقابل هو إحدى طرق انقضاء الدين و ذلك بتقديم مقابل يعوض على الشيء المستحق للدائن( المادة 252 من القانون المدني)، و هنا وجب تطبيق أحكام عقد البيع طبقاً للمادة 286 من القانون المدني،و مع ذلك يختلف البيع عن الوفاء بمقابل في أن البيع قائم بذاته في حين أن الوفاء بمقابل يفترض وجود التزام في ذمة المدين ناقل الملكية.
ثانياً : البيع و العمليات القانونية التي تتضمن مقابلاً مادياً .
1)البيع و الإيجار.
بينما يرتب البيع نقل ملكية مال من ذمة البائع إلى ذمة المشتري،فإن الإيجار يقتصر أثره على تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة،لذلك فإن البيع هو عقد فوري أما الإيجار فهو عقد زمني، و في هذا الإطار ظهر ما يسمى بالبيع الإيجاري أو عقد البيع بالإيجار حيث تم النص عليه لأول مرة بموجب المرسوم 97-35 المؤرخ في 14 جانفي 1997 المحدد لكيفيات و شروط بيع السكنات بالإيجار،لكن هذا المرسوم لم يكن دقيقاً في معالجة البيع بالإيجار لذلك صدر المرسوم التنفيذي 01-105 المؤرخ في 23 أفريل 2001 ،و المعدل و المتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 03-130 المؤرخ في 20 أفريل 2004 نشر بالجريدة الرسمية رقم 28 الصادرة بـ28 أفريل 2004،و المعدل أيضاً بموجب المرسوم 04-340 المؤرخ في 2 نوفمبر 2004 منشور بالجريدة الرسمية رقم 69 الصادرة في 03 نوفمبر 2004.
و قد تغيرت التسمية المقررة للمرسوم بموجب التعديل المقرر بالمرسوم 03-130 إلى :"المرسوم المحدد لشروط شراء المساكن المنجزة بأموال عمومية أو مصادر بنكية أو أي تمويلات أخرى في إطار البيع بالإيجار".
و قد عرّف المرسوم البيع بالإيجار بأنه: "صيغة تسمح بالحصول على سكن بعد إقرار شرائه بملكية ثابتة بعد انقضاء مدة الإيجار المحددة في إطار عقد مكتوب"،و يعرّف الفقهاء البيع بالإيجار أنه: " عقد يتفق بمقتضاه البائع و المشتري على تأجير عقار لمدة معينة مقابل التزام الأخير بدفع أجرة دورية،فإذا أوفى المستأجر بجميع الدفعات الإيجارية المستحقة عليه طوال مدة العقد و في مواعيدها المحددة تنتقل إليه الملكية دون أن يكلف بدفع مبالغ أخرى عند نهاية العقد،أما إذا تخلف عن دفع الأقساط يفسخ العقد (عقد الإيجار)،و يكون على المستأجر إعادة محل العقد إلى المؤجر".و بالتالي فهو عقد ملزم لجانبين يرد على عقار حيث تعتبر المادة 4 من المرسوم التنفيذي 01-105 بأن محل العقد هو بيع بالإيجار لشقة ذات استعمال سكني،و بما أنه كذلك فهو عقد شكلي يجب إخضاعه لشكل رسمي تحت طائلة البطلان حسب المادة 17 من نفس المرسوم التنفيذي(01-105)،و هو أيضا من العقود المركبة أي مزيج بين عمليتي الإيجار و البيع حيث تنتقل الملكية من تاريخ تسديد آخر قسط دون أن يكون لها أثر رجعي حسب المادة 19 من نفس المرسوم التنفيذي (01-105).
2)البيع و المقاولة.
طبقاً للمادة 549 من القانون المدني فإن المقاولة هي القيام بعمل معين لصالح رب العمل مقابل لقاء مادي،فإذا قام المقاول بتقديم العمل و المادة المستعملة في العمل لرب العمل فالغالب فقهاً و قضاءاً في مثل هذه الفروض أن العقد هو عقد بيع لأشياء مستقبلية و ليست مقاولة.
أركان عقد البيع.
لعقد البيع ثلاثة أركان طبقاً للقواعد العامة و هي: الرضا،و المحل و السبب ،فإذا انعدم ركن من هذه الأركان كان البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً، و إذا كان البيع وارداً على عقار أو حقوق عقارية أضيف إلى هذه الأركان ركن الشكل الرسمي، لذلك فإن عدم إتباع الشكل الواجب يرتب أيضاً البطلان المطلق.
و يخضع عقد البيع للقواعد العامة في نظرية الالتزام ،لذلك تقتصر الدراسة على القواعد الخاصة التي وضعها المشرع تكملة للقواعد العامة أو خروجاً عليها.
I-الركن الأول:الرضائية في عقد البيع.
العقد لا يعتبر تاماً و لازماً إلا إذا تلاقت إرادتي البائع و المشتري ،أي تلاقي الإيجاب و القبول، و الإيجاب هو التعبير عن الإرادة المقترن بقصد الارتباط الذي ينصب عليه إذا لحقه قبول مطابق له، و هناك ما يسمى بالإيجاب الموجه للجمهور و يكون عن طريق الإعلان في الصحف أو عرض البضائع في المتاجر إلا أنه يشترط لكي يعتبر إيجاباً في عقد البيع :
1-أن يتضمن بياناً مفصلاً عن السلعة بما في ذلك الثمن و إلا اعتبر دعوة إلى التعاقد ،و هي ليست ملزمة لمن وجهها فيجوز له أن يرفض إتمام هذه الدعوة.
2-هذا الإيجاب يبقى مرهوناً بتوافر السلع المعلن عنها فإذا نفذت السلعة و طلب أحد الأفراد بعد ذلك هذه السلعة اعتبر نفاذها سقوطاً للإيجاب.
3-أن يبقى الإيجاب قائماً ،فإذا صدر قبول من شخص لشراء أي سلعة بعد سقوط الإيجاب، فلا التزام على الموجب ،
أما القبول فهو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب بالموافقة عليه فينعقد العقد،شرط أن يكون مطابقاً للإيجاب و قبل سقوطه و إلا اعتبر إيجاباً جديداً.
أ)-موضوعات التراضي.
يجب أن ينصب التراضي في عقد البيع على:
أولاً: طبيعة العقد: إذ يجب أن تتجه إرادة البائع إلى البيع و إرادة المشتري إلى الشراء، و بالتالي لا يكون هناك توافق على ماهية العقد إذا اتجهت إرادة أحد المتعاقدين إلى البيع و اتجهت إرادة المتعاقد الآخر إلى عقد آخر بأن يقصد الرهن مثلاً، فإن الإيجاب و القبول لم يتطابقا لا على الرهن و لا على البيع.
ثانياً: الاتفاق على المبيع: و يعد ذلك من المسائل الجوهرية، مثلاً :إذا طلب شخص من دار للنشر أن تبيعه كتاباً معيناً و تقبل أن تبيعه كتاباً آخر فإن العقد لا ينعقد لا على الكتاب المطلوب و لا على الكتاب الآخر.
ثالثاً : الاتفاق على الثمن: إذ لا ينعقد العقد إذا عرض أحد المتعاقدين البيع بثمن معين و قبل الآخر الشراء بثمن آخر،لكن إذا كان الفرض عكسياً بأن يعرض البائع البيع بثمن معين و يقبل المشتري الشراء بثمن أعلى انعقد العقد على الثمن الأقل باعتبار أن المشتري الذي قبل الشراء بالثمن الأعلى قد تضمنت إرادته الشراء بالثمن الأقل، فإذا كان طالب الشراء هو البادئ فعرض الشراء بثمن أعلى مما رضي به البائع كانت إجابة البائع إيجاباً جديداً لا يحتاج إلى قبول لأنه في مصلحة المشتري.
و ما دام المتبايعان اتفقا على البيع و المبيع و الثمن،فقد تم البيع حتى و إن سكتا عن تحديد الأمور التفصيلية (مكان التسليم ، زمان التسليم و على عاتق من تقع المصاريف...)،و عدم الاتفاق على هذه الأمور يدل على انصراف إرادة المتعاقدين إلى تطبيق القواعد المكملة التي نص عليها القانون في عقد البيع مما يجعل العقد تاماً.
التراضي في عقد البيع الالكتروني.
البيع الالكتروني هو العقد الذي يتم إبرامه بين طرفين بوسيلة اتصال عن بعد و يتم تنفيذه مادياً أو بوسيلة اتصال عن بعد أيضاً، حيث يتم التعبير عن الإرادة بالخطابات الالكترونية عن طريق رسالة البيانات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها بوسائل الكترونية أو ضوئية،كالفاكس،التلكس،الهاتف...الخ.
حيث يعتبر التعاقد في الهاتف بين حاضرين من حيث الزمان نظراً لوجود مجلس عقد حكمي و تعاقد بين غائبين من حيث المكان،فإذا تم الاتصال بين المتعاقدين بإرسال رسالة(sms) مرت فترة زمنية بين إرسال الرسالة و الرد عليها لذلك كان تعاقداً بين غائبين.
أو عن طريق التلفاز و فيه يقوم مقدم البرنامج بعرض السلعة التي يريد بيعها مع تحديد كامل أوصاف المبيع و سعره و أرقام الهاتف،ليتصل المشاهد الذي يرغب في الشراء فتصله السلعة إلى مكان إقامته و يتم الوفاء بعدة طرق: الشيك،بطاقة الدفع...إلخ.
كذلك التعاقد عن طريق الانترنت إذ يمكن أن يتم البيع عن طريق المراسلة من خلال البريد الالكتروني،و يكون التعاقد فيها غير مرئي( أي تعاقد بين غائبين)، كما يمكن أن يكون البيع عبر مواقع الشبكة حيث تعرض الشركات التجارية موقعاً على الانترنت لبيع السلع و الخدمات، فتكون لغة العرض مثلاً تفيد أن الشركة تريد منه أن يكون إيجاباً ينعقد العقد بقبوله من المتعاقد الآخر،فإذا اختار المتعاقد السلعة ظهر له عقد نموذجي فيضغط على زر الموافقة لينعقد العقد لحظياً، كما يكون التعاقد عبر غرف المحادثات فيجتمع المتحادثان في نفس الوقت لإجراء محادثات فورية دون فاصل زمني و قد تكون المحادثات مزودة بكاميرا فيتلاشى الحكم الجغرافي فنكون أمام مجلس عقد حكمي زماناً و مكاناً.
تفسير عقد البيع.
قد يثير العقد الذي لا يتم في محرر كتابي صعوبات لتفسيره، لذلك نص المشرع الجزائري على بعض القواعد العامة التي يخضع لها عقد البيع،فإذا كانت عبارات العقد واضحة لا يجوز للقاضي الانحراف عنها عن طريق تفسيرها،أما إذا كانت عبارات العقد غير واضحة وجب على القاضي البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عن المعنى الحرفي للألفاظ،و يمكن للقاضي في سبيل الكشف عن النية المشتركة أن يستهدي بطبيعة التعامل و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة و ثقة بين البائع و المشتري وفقاً للعرف الجاري،و إذا وجد هناك شك وجب تفسيره لمصلحة المدين( المادتان 111 و112 من القانون المدني).
إثبات عقد البيع.
يثبت العقد طبقاً للقواعد العامة للإثبات المنصوص عليها في المادة 333 من القانون المدني، أي لا يجوز إثبات البيع إذا كان الثمن يزيد عن مئة ألف دينار جزائري (100.000د ج) إلا بالكتابة،أما إذا كانت أقل من ذلك فيجوز إثباته بالبينة أو القرائن، كل ذلك ما لم يتفق المتعاقدان بأن يكون الإثبات بالكتابة مهما بلغت قيمة المبيع أو كان العقد رسمياً (أي بيع العقار أو الحقوق العينية).
و قد نص المشرع الجزائري بموجب تعديل القانون المدني 05-10 على الإثبات بالكتابة في الشكل الالكتروني و ذلك ضمن المادتين 323 مكرر و 323 مكرر1،و اشترط في الكتابة الالكترونية:
أولاً: أن تكون ذات دلالة تعبيرية واضحة و مفهومة.
ثانياً: التوقيع، و التوقيع الالكتروني قد يكون توقيع مشفر (المفتاح)، و هو ما يوضع على محرر الكتروني و يتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز و يكون له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص صاحب التوقيع و يميزه عن غيره ،و هناك التوقيع الالكتروني (البيومتري) الذي يتم بواسطة القلم الالكتروني .
ثالثاً: إمكانية الحفظ و الاسترجاع أي الاحتفاظ برسالة البيانات بالشكل الذي أنشئت أو أرسلت أو استلمت به،أما شرط الاسترجاع يقصد به إمكانية الإطلاع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات على نحو يتيح استخدامها عند الحاجة.
البيوع الموصوفة: (صور الرضائية في عقد البيع).
أولاً: البيع بشرط التجربة.
هو البيع الذي يحتفظ فيه المشتري بحق تجربة المبيع لقبوله أو رفضه و يكون له أن يلزم البائع بتمكينه من تجربة المبيع خلال المدة المتفق عليها،و الغرض من اشتراط المشتري تجربة المبيع هو التأكد من أن المبيع يلبي حاجاته الشخصية و يتفق مع ذوقه الخاص و يتبين من مدى صلاحيته للغرض المقصود منه.
و إذا كان مصدر الحق في التجربة هو الاتفاق أو العادات الجارية فإنه في إطار حماية المستهلك أصبح مصدرها القانون، و ذلك بمقتضى القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش المؤرخ في 29 فيفري 2009 المادة 15 منه.
و عن الطبيعة القانونية للبيع بشرط التجربة فإن الأصل أن البيع بشرط التجربة بيع معلق على شرط واقف،فإذا تحقق الشرط( بتمام التجربة و قبول المشتري بنتيجتها) فإن هذا الأخير يعتبر أنه قد تملك الشيء المبيع منذ البيع أي بأثر رجعي و ليس فقط منذ قبول التجربة، أما إذا لم يتحقق الشرط سواء بعدم قبول المشتري للنتيجة أو لاستحالة إجرائها حينئذ فإن البيع لا ينتج أي أثر أي يعتبر كأن لم يكن مما يستلزم أن تبعة الهلاك في فترة التجربة تقع على البائع،لأن الملكية تبقى للبائع في هذه الفترة و مازال لم يحدث البيع أثره ( المادة355 ف1 من القانون المدني).
و طبقاً للمادة 355 فقرة2 قد يتفق المتعاقدان على إحداث البيع لآثاره فور انعقاده بحيث تنتقل الملكية و تبعة الهلاك إلى المشتري فور الانعقاد و للمشتري الحق في رفض المبيع إذا لم ترضه نتيجة التجربة،هنا يكون البيع معلقاً على شرط فاسخ فإذا أعلن المشتري رفضه للمبيع انفسخ العقد بأثر رجعي،و يكون إجراء التجربة خلال المدة المتفق عليها أو خلال مدة معقولة إذا لم يتم الاتفاق على المدة و على المشتري أن يقوم بالتجربة خلالها و إلا كان للبائع أن ينذره للقيام بها ،فإذا لم يقم بها بالرغم من تمكنه من ذلك زال التعليق و أصبح العقد نهائي،كما يكون للبائع أن يطلب الفسخ لعدم التنفيذ.
ثانياً: البيع بشرط المذاق.
و هو البيع الذي يشترط فيه المشتري ألا يتم البيع إلا إذا تذوق الشيء المبيع و قبله،و هنا قد يرد شرط المذاق صراحة و قد يرد ضمناً لأن هناك أشياء لا يكفِ فيها لعلم المشتري بالمبيع مجرد التعيين و المشاهدة حتى يتأكد من مدى ملاءمتها لذوقه الشخصي،أما عن الطبيعة القانونية للبيع بشرط المذاق فقد اعتبره المشرع الجزائري بمقتضى المادة 354 من القانون المدني بأنه لا ينعقد إلا من الوقت الذي يتم فيه إعلان قبول المبيع، في حين أن البيع بشرط التجربة يكون له أثر رجعي، لذلك فإذا قبل المشتري المبيع بعد المذاق تنتقل له الملكية من تاريخ القبول و ليس من تاريخ الاتفاق، أي أنه قبْل الإعلان لا يوجد عقد بيع لكن يتم ذلك بعد التذوق،و عليه فالتكييف الذي يتفق مع المادة 354 هو اعتبار البيع بشرط المذاق نوعاً من الوعد بالبيع أي أنه وعد صادر من البائع و لكن المشتري لم يقبل الشيء المبيع و إنما ترك ذلك بعد تذوق المبيع و إعلان رغبته للواعد بالشراء،فينعقد البيع من تاريخ صدور الرغبة،و بما أنه وعد بالبيع فإنه إذا مضت المدة المحددة للقبول و سكت الموعود له تحلل الواعد من وعده،معناه أن السكوت رفض.
و يلتزم المشتري بالتذوق شخصياً في المدة المتفق عليها أو المدة التي يحددها العرف و في المكان المتفق عليه أو المحدد عرفاً،و المشتري حرٌ في القبول أو الرفض و لا يستطيع البائع إجباره بتذوق صنف آخر،كذلك لا يجوز للمشتري إجبار البائع تقديم صنف آخر لتذوقه.
ثالثاً: البيع بالعينة.
أولاً فالعينة هي جزء صغير أو صورة مصغرة من الشيء المبيع يسلمه البائع للمشتري قبل إبرام العقد ليسمح له بالتحقق من أوصاف المبيع و الاستناد إليه لمعرفة مدى مطابقته وقت التسليم،و طبقاً للمادة 353 من القانون المدني فالبيع بالعينة هو بيع يشترط فيه أن يكون الشيء مطابقاً للعينة المتفق عليها سلفاً بين البائع و المشتري،تشترط لإجراء المطابقة عليها بين الشيء الذي يقدمه البائع و الذي يطلبه المشتري،و على البائع أن يسلم للمشتري مبيعاً مطابقاً للعينة حتى يكون البائع قد نفذ التزامه و على المشتري قبول هذا المبيع؛
أما إذا وجد المشتري أن المبيع غير مطابق للعينة فله الحق في:
1-إما المطالبة بالفسخ لعدم تنفيذ البائع لالتزامه مع التعويض عن الضرر؛
2-له أن يطالب البائع بالتنفيذ العيني،بل له أن يحصل على شيء مطابق للعينة على نفقة البائع بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة الاستعجال؛
3-كما له أن يقبل المبيع غير المطابق مع المطالبة بإنقاص الثمن إذا كانت قيمة الشيء الذي قبله أقل من قيمة العينة.
لذلك فإن التكييف القانوني للبيع بالعينة فإن الرأي الغالب أنه بيع باتٌ نهائي منذ الوقت الذي اتفق فيه المتعاقدان على العينة،و شرط المطابقة حينئذ سيكون شرطاً لصحة التسليم و ليس شرطاً لترتيب البيع لآثاره.
رابعاً: بيع العربون.
نص المشرع الجزائري على أحكام العربون في المادة 72 مكرر من القانون المدني بموجب التعديل 05-10 للقانون المدني،و العربون هو المبلغ الذي يدفعه أحد المتعاقدين إلى الآخر وقت إبرام العقد ،و يكون الغرض منه :إما جعل العقد نهائياً و إما إعطاء الحق لكل واحد منهما في العدول عن العقد و ذلك بالرجوع إلى نية المتعاقدين.
و يستفاد من المادة 72 مكرر أن العربون متروك لاتفاق الطرفين،فإذا دُفع العربون وقت إبرام العقد و لم يتم الاتفاق صراحة أو ضمناً أن العربون إنما دفع لتأمين العقد كان دفعه يفيد احتفاظ المتعاقدين بحق العدول لكل منهما في مقابل خسارة ما يعادل العربون،وتعتبر هذه الخسارة بمثابة ثمن لاستعمال الحق في العدول فيصبح مستحقاً في ذمة العادل لمجرد عدوله بغض النظر عن حصول ضرر للطرف الآخر أم لا،بخلاف التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي المتفق عليه مقدماً بين الدائن و المدين الذي لا يحكم به إلا إذا ترتب ضرر.
فإذا كان العادل هو من قبض العربون فإنه يرده و يرد مثله،و إذا كان العادل هو من دفع العربون فلا يجوز له استرداده،و إذا قصد المتعاقدان بالعربون اعتبار البيع نهائي و بات فلا يجوز للبائع و لا للمشتري الرجوع في البيع و يعتبر العربون حينئذ كجزء من الثمن فيلتزم كل طرف بإبرام البيع النهائي.
و تنص المادة أنه لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه في المدة المتفق عليها،و عليه يمكنهما الاتفاق على المدة التي يجوز خلالها العدول صراحة أو ضمناً، إذا انقضت هذه المدة اعتبر العقد باتاً و وجب استكمال التنفيذ،و إذا لم يعين للعدول مدة في العقد جاز للمتعاقد أن ينذر الطرف الآخر باستعماله حق العدول لمدة معقولة.
بالنسبة للطبيعة القانونية للبيع بالعربون هناك من اعتبره عقد معلق على شرط واقف،هذا الشرط الواقف هو ألا يعدل أحد المتعاقدين عن البيع،فإذا انقضت المدة دون عدول تحقق الشرط و أنتج البيع أثره من وقت الاتفاق،و إذا تخلف الشرط( عدل احدهما) لم ينتج البيع أي أثر.
أما الرأي الثاني فقد اعتبره أنه عقد معلق على شرط فاسخ (عدول أحد الطرفين)،فإذا تخلف الشرط اعتبر العقد منشئاً لآثاره منذ انعقاده،أما إذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال العقد بأثر رجعي.
لكن الرأي الراجح هو اعتباره ينطوي على التزام بدلي (الالتزام البدلي هو وصف للالتزام و هو أن يكون محل الالتزام شيئاً واحداً و لكن تبرأ ذمة المدين إذا أدى بدلاً منه شيئاً آخر)،أي أن العربون هو البدل في التزام أصلي، يكون المدين ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في عقد البيع و لكن تبرأ ذمته من هذا الالتزام إذا هو أدى مبلغ العربون.
المرحلة التمهيدية لإبرام عقد البيع.
الوعد بإرادة منفردة.
هو عقد يتعهد بمقتضاه طرفٌ واحد بأن يبيع أو يشتري مالاً معيناً في حين يحتفظ الطرف الآخر بخيار إبرام العقد من عدمه، فلا ينعقد البيع إلا عندما يقرر الموعود له حق الخيار.
و ما يميز الوعد بإرادة منفردة هو أن الواعد يعبر عن إرادته في البيع أو الشراء فوراً،و لا يمكنه التراجع عن إرادته أثناء المدة التي يستغرقها الوعد،أما الموعود له فإنه لا يعبر له عن إرادته في البيع أو الشراء إلا إذا استعمل حق الخيار،لذلك فإن الواعد يشترط أن تتوافر فيه أهلية البيع وقت إبرام عقد الوعد،أما الموعود له فيكفي فيه التمييز وقت الوعد و يجب أن تتوافر فيه الأهلية الكاملة وقت إبداء الرغبة في التعاقد.
و يجب أن يتم تعيين المبيع و الثمن و المدة التي يجب إبرام العقد فيها طبقاً للمادة 71 من القانون المدني،و كذلك الرسمية بالنسبة للوعد المتعلق بالعقارات و الحقوق العينية العقارية( المادة71 ف2 قانون مدني).
1)الوعد بالشراء : أي أن الواعد هو المشتري،و هو الذي يتعهد بشراء المال إذا قرر المالك الموعود له بيعه،لذلك فقبل إبداء الموعود له لرغبته في البيع يمكن للمشتري (الواعد بالشراء) شراء أموال مماثلة من الغير،المهم أنه ملزم بشراء المال محل الوعد عند إبداء الموعود له رغبته في البيع.
إذا لم يعلن المالك عن خياره في الميعاد المحدد تحلل المشتري من وعده،أما إذا أعلن المالك عن قبوله و قرر البيع أصبح البيع تاماً في لحظة التحاق إرادة البائع بإرادة المشتري،و إذا رفض الواعد إتمام البيع بعد إعلان الموعود له لرغبته في البيع في الميعاد المتفق عليه كان للمالك أن يستصدر حكماً من القاضي يقوم مقام البيع إذا كان رضائياً،أما إذا كان شكلياً و كان الوعد مفرغاً في شكل رسمي حكم القاضي بإلزام الواعد بتنفيذ الشراء،و إذا لم يكن مفرغاً في شكل رسمي ليس للقاضي إلا الحكم بالتعويض على الواعد المتراجع في وعده (المادة 72 قانون مدني).
2)الوعد بالبيع: و هنا يتعهد البائع بالبيع إذا أبدى الموعود له رغبته في الشراء فيكون الوعد حينئذٍ ملزماً للبائع و يستفيد الموعود له من حق الخيار،فالموعود له هنا هو حر إلا إذا تم الاتفاق على "تعويض التجميد" الذي يدفعه الموعود له للمالك تعويضاً عن تجميد المال في ذمة المالك أثناء فترة الوعد دون أن يتمكن من التصرف فيه،و يلتزم حينئذ المتعاقدان على الاتفاق على المسائل الجوهرية و إلا كان الوعد بالبيع باطلاً و المتمثلة في المبيع،الثمن و مدة الوعد،كما يقع على الواعد بالبيع في فترة الانتظار التزام بالامتناع عن عمل و المتمثل في الامتناع عن كل ما يعطل البيع،إذا استعمل الموعود له حق الخيار فلا يستطيع أن يبيع للغير و إلا قامت مسؤوليته العقدية،لكن هذا البيع ليس باطلاً إلا إذا كان الغير عالماً بالوعد حينئذٍ يكون البيع غير نافذ في حق الموعود له و يحق له الرجوع بدعوى "عدم نفاذ التصرفات" أو "الدعوى البوليصية".
إذا لم يعلن الموعود له رغبته للشراء في المدة المتفق عليها يكون قد مارس حقاً له و لا مسؤولية عليه، و لا يلتزم إلا بدفع تعويض التجميد إذا اتفقا عليه.
صور خاصة للوعد بالبيع (البيع بالتفضيل).
البيع بالتفضيل هو عقد بمقتضاه يتعهد الواعد المالك إذا أراد أن يبيع شيئاً من أمواله أن يعرضه أولاً على الموعود له قبل أي شخصٍ آخر،فإذا أعلن الموعود له عن رغبته في الشراء انعقد البيع النهائي، و عليه فإن الوعد بالتفضيل يولد التزاماً على المالك معلقاً على شرط واقف حيث أن التزام الواعد بعرض الشيء على الموعود له لشرائه متوقف على رغبة الواعد بالبيع،لذلك فليس من الضروري تحديد الثمن عند الاتفاق على المسائل الجوهرية كما هو الشأن في الوعد بالبيع حيث يترك تحديد الثمن في الوقت الذي يقرر في المالك البيع.
3)الوعد الملزم لجانبين: هو الذي يتعهد فيه الطرفان أحدهما بالبيع و الآخر بالشراء (المادة 71 قانون مدني)،فكل طرفٍ يعد الطرف الآخر بإبرام عقد البيع ،و مع ذلك يبقى هذا العقد وعداً بالبيع و ليس بيعاً لأن الطرفان يعدان بإبرام البيع مستقبلاً و ليس في الحال،و من ثَمَّ يُشترط في الوعد الملزم لجانبين الاتفاق على المسائل الجوهرية (المبيع،الثمن و الشكل...إلخ.).
صحة الرضا في عقد البيع.
حتى يكون الرضا منتجاً لآثاره القانونية في عقد البيع يجب أن يكون صحيحاً طبقاً للقواعد العامة، و قد أضاف المشرع الجزائري إلى القواعد العامة حكماً خاصاً بعيب الغلط الذي يشوب الإرادة يقضي بضرورة علم المشتري بالمبيع ليصح عقد البيع ،و هو ما نصت عليه المادة 352 من القانون المدني التي استمدها المشرع من أحكام خيار الرؤية في الشريعة الإسلامية،و المقصود بها هو أن يكون للمتعاقد الحق في فسخ العقد أو في إمضائه عند رؤية محله إذا لم يكن قد رآه عند إنشاء العقد أو قبله في وقت لا يتغير فيه.
أما المشرع الجزائري فأجاز للمشتري إبطال العقد إذا وقع في غلط في صفة جوهرية للمبيع و أضاف شرطاً خاصاً يقضي بضرورة علم المشتري بالمبيع علماً كافياً،فاعتبرت المادة 352 من القانون المدني العلم محققاً في الحالات التالية:
1-رؤية المبيع أو معاينته؛
2-اشتمال العقد على بيان المبيع و أوصافه الأساسية بياناً يمّكن من التعرف عليه و تمييزه عن الأشياء الأخرى،فيكون الوصف بكيفية تقوم مقام الرؤيا الأصلية؛
3-إقرار المشتري في العقد بأنه عالمٌ بالمبيع ،فإقراره يُغني عن الوصف و الرؤيا،و يترتب على عدم علم المشتري بالمبيع حقه في طلب الإبطال برفع دعوى عدم العلم، و البطلان هنا نسبي لمصلحته دون البائع.
و يسقط حق المشتري في خيار الرؤيا بمقتضى الشريعة الإسلامية:
أ/ برؤيا المبيع و إقراره البيع؛
ب/موت المشتري قبل الرؤيا حيث يستقر البيع بوفاته؛
ج/هلاك الشيء المبيع أو تعييبه أو فقدانه قبل رؤيا المشتري له؛
د/تصرف المشتري بالشيء المبيع قبل أن يراه.
أما في القانون المدني فيسقط حق المشتري في طلب الإبطال على أساس عدم العلم علماً كافياً:
1-بإقرار المشتري بأنه عالم بالمبيع؛
2-يسقط طلب المشتري في الإبطال بالتقادم طبقاً للمادة 101 من القانون المدني حيث تنص على رفع دعوى الإبطال خلال 5 سنوات من يوم علمه بالبيع أو 10 سنوات من وقت التعاقد؛
3-يسقط أيضاً بتصرف المشتري في المبيع؛
4-يسقط حق المشتري في حالة هلاك المبيع في يده بسبب لا يد للبائع فيه.
فالغلط كعيب من عيوب الإرادة في الأحكام العامة لا يُفترض، بل على المشتري أن يقيم الدليل على وقوعه بغلط في مسألة جوهرية،لكن عدم العلم مفترض في المشتري و على البائع أن يثبت علمه لأجل رفض دعوى المشتري بإبطال العقد.
أ-القيود الواردة على الحق في البيع و الشراء.
أولاً: القيود المنصبة على الحق في البيع.
الأهلية: باعتبار أن البيع هو عقد من عقود التصرف فيتطلب إبرامه بلوغ الشخص سن الرشد أي تسعة عشر (19) سنة كاملة على أساس أن عقد البيع من التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر،فإذا أبرمه شخص مميز فإن التصرف يتوقف على إجازة الولي أو الوصي ،و إذا بقي التصرف قائماً فمن بابٍ أولى أن يجيزه المميز بعد بلوغه سن الرشد.
الإفلاس: و هناك قيد آخر خاص بالإفلاس حيث يُمنع الـمُفلس من الإدارة و التصرف في أمواله بما في ذلك عقد البيع.
الأموال المحجوز عليها: القيد الثالث خاص بالأموال المحجوز عليها و التي توضع تحت تصرف القضاء ضماناً للدائنين،فيُعد بيع المدين لهذه الأموال (المحجوز عليها) باطلاً بطلاناً مطلقاً.
الحجر القانوني: و هو قيد يرد على حق الشخص في التصرف في أمواله،فلا يجوز إبرام عقد البيع أثناء تنفيذ عقوبة جنائية و إلا كان باطلاً بطلاناً مطلقاً.
اشتراط المتبرع: و من جانب آخر بإمكان المتبرع أن يشترط عدم التصرف في المال الـمُتبرع به على أن يكون هذا الشرط مؤقتاً و مبرراً بمصلحة جدية و مشروعة،فإذا زالت المصلحة المبررة لهذا الشرط رُفع القيد من قِبل المحكمة.
ثانياً: القيود المنصبة على الحق في الشراء في القانون الجزائري.
1)-منع أعوان القضاء و المحامين من شراء الحقوق المتنازع عليها طبقاً للمادة 402 من القانون المدني: حظر المشرع هذا الشراء شرط أن يكون الحق المتنازع فيه مطروحاً على الجهة القضائية التابعة لاختصاص أعوان القضاء أو المحامين (محكمة،مجلس قضائي،المحكمة عليا و مجلس الدولة...)،وشرط أن يكون هذا الشراء قد تم أثناء ممارسة هذه الفئات لمهامها في تلك الجهات القضائية المختصة بالنزاع سواء اشتروا بأسمائهم أو بأسماء مستعارة و الفئات التي وردت على سبيل الحصر في المادة 402 من القانون المدني و هي:
أ-القضاة: سواء كانوا قضاة حكم أو نيابة أو تحقيق؛
ب-المدافعون القضائيون: و يشمل المنع الحقوق المتنازع فيها التي تدخل في اختصاص الهيئة القضائية التي يباشرون في دائرة اختصاصها عملهم،سواء قد وكلوا بالحق المتنازع فيه أم لا؛
ج-المحامون: و بما أن المحامي لا يرتبط بمحكمة أو مجلس قضائي فإن المنع يشمل جميع الحقوق المتنازع فيها على المستوى الوطني؛
د-الموثق: يحظر عليه شراء الحقوق المتنازع عليها على المستوى الوطني لأن اختصاصه الإقليمي يمتد إلى كامل التراب الوطني (المادة 2 من القانون 06-02 المتعلق بتنظيم مهنة الموثق)؛
ه-كُتّاب الضبط: لا يجوز لكاتب الضبط شراء الحق المتنازع فيه إذا كان داخل اختصاص المحكمة أو المجلس الذي يمارس فيه مهامه.
*و البطلان بالنسبة لهذه الفئات هو بطلان مطلق أي هو من النظام العام.
2)-منع تعامل المحامين و المدافعين القضائيين مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها طبقاً للمادة 403 من القانون المدني: فيشمل البطلان المطلق كل تعامل يقوم به المحامي مع موكله بخصوص الحق المتنازع فيه(شراء،هبة،مقايضة،استئجار...إلخ).
3)-منع النائب من شراء ما كلف ببيعه بحسب المادة 410 من القانون المدني: و هنا النائب ملزم بالمحافظة على مال من وكله للقيام بشؤونه فيحظر عليه شراء ما كُلف ببيعه، إلا أن الجزاء هنا هو البطلان النسبي إذ يمكن لمن تم البيع لحسابه أن يجيزه (المادة 412 من القانون المدني).
4)-منع السماسرة و الخبراء من شراء الأموال المعهودة إليهم ببيعها أو تقديم قيمتها حسب المادة 411 من القانون المدني: و الجزاء هنا هو أيضاً هو البطلان النسبي المقرر لمصلحة من تم البيع لحسابه فله إجازة العقد طبقاً للمادة 412 من القانون المدني.
5)-منع الوكيل المتصرف القضائي من امتلاك أموال المدين المفلس المادة 238 من القانون التجاري فقرة 3: لا يجوز لوكيل التفليسة أن يمتلك شيئاً من أموال المدين فيمنع عنه الشراء أو كل أنواع التصرفات و هذا تحت طائلة البطلان المطلق.
6)-منع المحضرين القضائيين من الانتفاع من أية عملية يساهمون فيها: حيث نصت المادة 24 من القانون 06-03 لـ20 فبراير 2006 المتضمن تنظيم مهنة المحضرين القضائيين على أنه يُمنع على المحضر الانتفاع من أية عملية يساهم فيها و ذلك بأي نوع من أنواع المعاملات بما فيها الشراء.
7)-منع محافظي البيع بالمزاد العلني من الانتفاع الشخصي من أية عملية كلفوا بها تحت طائلة البطلان المطلق: و هذا طبقاً للمادة 20 من الأمر 96-02 مؤرخ في 10 جانفي 1996 المتضمن تنظيم مهنة البيع بالمزاد العلني.
ثالثاً: القيود المنصبة على عدم البيع.
إذا كان من حق المالك عدم بيع ملكه من أجل المحافظة عليه فإنه في الميدان التجاري يعتبر رفض البيع دون مبرر شرعي مقيداً للمنافسة و معاقباً عليه بغرامة مالية.
تنص المادة 11 من الأمر 03-03 المؤرخ في 19 جوان 2003 المتعلق بالمنافسة ( المعدل بموجب القانون 08-02 لـ25 جوان 2008 و المعدل بالقانون 10-05 مؤرخ في 15 أوت 2005 الجريدة الرسمية عدد 46 لـ18 أوت 2010 )،"يُحظر على كل مؤسسة التعسف في استغلال وضعية التبعية لمؤسسة أخرى بصفتها زبوناً أو ممولاً إذا كان يخل بقواعد المنافسة،و يتمثل هذا التعسف بالخصوص في رفض البيع بدون مبرر شرعي،البيع التمييزي،البيع المشروط باقتناء كمية دنيا،الإلزام بإعادة البيع بسعر أدنى...إلخ".
كما يتراجع مبدأ حرية عدم البيع في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة ،و في حالة الحجز المنصب على أموال المدين المتوقف على الدفع حيث يُباع المال جبراً عنه ضماناً لديونه.
رابعاً: القيود الواردة على شروط البيع.
-قد ترد قيود تنصب على الثمن:ففي مجال التجارة يحظر التعهد بإعادة البيع بثمن أدنى لأن في ذلك تقييد للمنافسة فمثل هذا الاتفاق باطل بطلاناً مطلق،كما يحظر البيع بأقل من قيمة التكلفة طبقاً للمادة 12 من القانون 03-03 و نصها" يحظر عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع منخفضة بشكلٍ تعسفي للمستهلكين مقارنة بتكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق إذا كانت تهدف إلى إبعاد مؤسسة..."،و استثناءاً هناك حالات يمكن فيها البيع بأقل من سعر التكلفة في حالة تغيير النشاط أو التصفية أو إذا كانت السلعة مهددة بالتلف السريع.
-الثمن مفروض أيضاً في حالة البيع بالمزاد العلني حيث يحدد الثمن بما يرسو عليه المزاد،و كذا في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة،فإن الثمن تحدده الإدارة أو الخبراء المنتدبون من قبل المحكمة،أيضاً في حالة الأسعار الجبرية التي تضعها الدولة بالنسبة لبعض السلع بحيث لا يجوز للمتعاقدين تخطيها و إلا كان الاتفاق باطلاً (المادة 5 من القانون03-03 المعدلة بموجب القانون 10-05).
-القيود أيضاً تنصب على طرق البيع: و المتمثلة في:
1)البيع المشروط باقتناء كمية معينة: حيث يمنع على البائع ذلك طبقاً للمادة 11 من القانون 03-03 ،و المادة 17 من القانون 04-02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية لـ23 جوان 2004 و المعدل بموجب القانون 10-06 لـ15 أوت 2010 –ج.ر عدد 11لـ18 أوت 2010.
2)البيع بالمكافأة المجانية أو البيع بهدايا: فطبقاً للمادة 59 من قانون المنافسة و المادة 16 من القانون 04-02 يمنع كل بيع أو عرض بيع لسلع مشروطة بمكافأة مجانية إلا إذا كانت من نفس السلعة،و تضيف المادة 16 من القانون 04-02 و كانت قيمتها لا تتجاوز( 10% )من ثمن المبلغ الإجمالي للسلع أو الخدمات و لا يطبق هذا الحكم على الأشياء الزهيدة أو الخدمات الضئيلة القيمة و كذا العينات.
3)البيع المتلازم :حيث يمنع بيع المنتجات أو أداء الخدمات التي تقترن ببيع آخر أو خدمة أخرى إجبارياً ( المادة 11 من القانون 03-03 و المادة17 من القانون 04-02).
4)البيع التمييزي: و هو البيع الذي تمنح بموجبه المؤسسة الممونة لأحد زبائنها جملة من الامتيازات دون غيره من الزبائن،فتجعله في وضعية أفضل و قد بينت المادة 18 من القانون 04-02 صور هذه الممارسات التمييزية على سبيل المثال،و المتمثلة في: تخفيض السعر،الاستفادة من أسلوب بيع تمييزي،أجل الدفع...إلخ.
خامساً: القيود الواردة على الحرية في اختيار المتعاقد الآخر.
قد يجد البائع أحياناً المتعاقد الآخر مفروضاً عليه لأنه:
1-إما حدده مسبقاً بموجب الاتفاق و هو ما نجده في الوعد بالتفضيل،حيث تعهد المالك في مواجهة المملوك له أنه إذا أراد أن يبيع مالاً من أملاكه أن يعرضه بالأولوية على شخص معين.
2-في حالة الشخص الآخر المستبدل و المقصود أن يكون البائع تعاقد مع شخص يريده لكن بمقدور شخص من الغير أن يحل محل المشتري الأول و هو ما يسمى بالحلول،و أبرز صوره في القانون الجزائري هو الشفعة (المادة 795 من القانون المدني)،و يثبت حق الشفعة بموجب المادة لمالك الرقبة إذا بيع حق الانتفاع، للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي و لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة.
كما أن هناك صورة للحلول في حالة ملكية المنقول الشائع (المادة 721 قانون مدني)،حيث يجوز للشريك أن يحل محل المشتري إذا بيع المال لفائدة أجنبي.
ب-الإستثناء عن الرضائية في عقد البيع (البيوع الشكلية).
طبقاً للمادة 324 مكرر1 من القانون المدني فإن عقد بيع العقار و الحقوق العقارية لا ينعقد إلا إذا توافر الشكل الرسمي كركن آخر في العقد إضافة إلى الرضا،المحل و السبب،فإذا تخلف الشكل كان البيع باطلاً بطلاناً مطلق،و بيع العقار العرفي هو باطل حتى لو ثبت صحة العقد العرفي الذي حرر فيه،و لا يمكن للقاضي أن يحكم بتصحيح العقد بتوثيقه و هو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها لـ18 فيفري 1997 و الذي قضى بـ " حيث أن الشكل الرسمي في عقد بيع القاعدة التجارية شرط ضروري لصحته،و أن تحرير عقد البيع في شكل آخر يخالف القانون و يؤدي إلى بطلان ذلك العقد...و لا يمكن للقاضي أن يصححها بالحكم على الأطراف بالتوجه إلى الموثق للقيام بإجراءات البيع، و ضمن هذه الظروف يتعين على قضاة الموضوع أن يقضوا ببطلان العقد العرفي المتعلق ببيع القاعدة التجارية و يأمر بإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد".
الشكل الرسمي.
يقصد بالشكل الرسمي (م 324 و ما بعدها من القانون المدني)،العقود التي يصدرها موظف عام و تحمل توقيعه :عقود الحالة المدنية،النسخ التنفيذية للأحكام التي يحررها كاتب الضبط،و كذلك العقود التي يحررها ضابط عمومي كالعقد الذي يحرره الموثق،و التي يحررها المحضر القضائي طبقاً للمادة 324 من القانون المدني.
الموثق هو ضابط عمومي يقوم بتحرير عقود البيع من أجل إعطائها الصبغة الرسمية و القانون المنظم للتوثيق هو القانون 88-27 المؤرخ في 12 جويلية 1988 و المعدل بالقانون 06-02 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتضمن تنظيم مهنة التوثيق،و لكي يكون العقد صحيحاً منتجاً لآثاره يجب أن يحرره الموثق في شكل خاص و باحترام الشروط التالية:
1-يجب أن يكون الموثق مختصاً ،و يكون كذلك إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في قانون التوثيق: إذ لا يكون مختصاً حسب المادة 19 من القانون 06-02 في تحرير العقود التي تكون له فيها مصلحة مباشرة،و لا يحرر العقود المتعلقة بأحد أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة (المادة16 من نفس القانون 06-02)؛
2-يجب على الموثق حسب المادة 26 من القانون 06-02 أن يحرر العقد باللغة العربية في نص واضح دون ترك أي بياض أو كتابة بين الأسطر،و تكتب المبالغ و السنة و الشهر و يوم التوقيع بالأحرف،فإذا كان هناك أي شطب وجب أن يصادق عليها كل من الموثق ، الأطراف و الشهود؛
3-البيانات التي يجب أن يتضمنها العقد الموثق هي:
أ-بيانات تتعلق بأشخاص العقد:فيذكر الموثق: اسمه و لقبه و مقر إقامته أي الموطن حسب (المادة 26 من القانون 06-02)،كذلك الأطراف:الاسم،اللقب، الصفة،تاريخ و محل ولادة كلٍ منهم،المسكن و كذلك الأمر بالنسبة للشهود و إن كان الشهود في عقد البيع هم شهود تأكيد يضمنون هوية المتعاقدين و حضورهما في عقد البيع ليس إجبارياً،إلا إذا كان الموثق يجهل هوية الأطراف (المادة 324 مكرر2 ف3 من القانون المدني)،لذلك قضت المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 22 أفريل 2010 أن " العقود الرسمية التي يتلقاها الموثق بحضور شاهدين هي العقود الاحتفائية و لا يشترط القانون لصحة عقد البيع إبرامه بحضور شاهدين"( القرار منشور في مجلة المحكمة العليا،العدد1 لسنة 2011)؛
ب-بيانات خاصة بموضوع عقد البيع العقاري: فيجب تحديد تاريخ إبرام العقد و مكان إبرامه،ذكر طبيعة موقع،رقم،مساحة و حدود العقار،و ذكر أصل ملكية العقار بتبيان أسماء المالكين السابقين تفادياً للوقوع في التصرف في ملك الغير،أما إذا تم إبرام عقد بيع عقار دون ذكر أصل الملكية فإنه يعتبر عقداً لفيفاً،و هو عقد عرفي يحرر أمام الموثق يثبت فيه فقط تصريحات الأطراف و الشهود (المادة 326 مكرر2).
كما يذكر الحصة المقررة من ثمن المبيع و التي تدفع بين يدي الموثق،و طبقاً للمادة 256 ف1 من قانون التسجيل المعدلة بموجب قانون المالية لـ2014 (القانون 13-08) فإنه" يتم دفع لزوماً خُمس (1/5) من ثمن نقل الملكية.
بعد ذكر البيانات وجب على الموثق قبل توقيع ذوي الشأن في العقد أن يتلو عليهم الأحكام التشريعية الخاصة بالضرائب ،و يقوم أيضاً بقراءة النص الكامل للعقد ليكونوا بدراية تامة بمحتواه ليتم بعد ذلك توقيع الموثق و الأطراف.
و بما أن عقد بيع العقار لا ينعقد إلا بتوافر هذا الشكل الخاص فإن تخلف الشروط يؤدي إلى بطلان التصرف بطلاناً مطلقاً.
وظيفة التوثيق.
1-إتمام الركن الرابع من أركان بيع العقار و هو إفراغه في قالب توثيقي رسمي (المادة 324 مكرر1 من القانون المدني)؛
2-تمكين المتعاقدين من سند تنفيذي لأن العقد الرسمي عنوان للحقيقة فيما ورد أمام الموثق؛
3-يعتبر ما ورد في العقد الموثق حجة على الكافة حتى يثبت تزويره و يعتبر نافذاً في كامل التراب الوطني (المادة 324 مكرر 5 ) ؛
4-تنبيه المتعاقدين إلى خطورة التصرف و الاستفادة من نصائح الموثق و تأكده من صحة العقد الذي يحرره ؛
5-أحكام عقد البيع ترتب بمجرد توثيق العقد ما عدا الأثر العيني،فعقد البيع الموثق و قبل شهره في المحافظة العقارية و إن كان لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا أنه ينشىء التزامات في ذمة طرفيه (البائع و المشتري).
II-الركن الثاني: المحل في عقد البيع.
لعقد البيع محلان رئيسيان هما المبيع و الثمن.
أولاً : الــــمــــبـــــيــــــــع.
يجب أن يتوافر في المبيع الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام بوجه عام و هي :
-أن يكون المبيع موجوداً أو قابلاً للوجود؛
-أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين؛
-أن يكون صالحاً للتعامل فيه؛
بالإضافة إلى شرط أن يكون المبيع مملوكاً للبائع.
أ)-وجود المبيع أو قابليته للوجود.
يجب أن يكون المبيع موجوداً وقت انعقاد العقد،فإن كان غير موجود أصلاً أو كان موجوداً و هلك وقت التعاقد كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً لانعدام المحل،و قد يوجد المبيع وقت التعاقد و يهلك بعد ذلك هلاكاً كلياً،فينفسخ العقد بقوة القانون لاستحالة التنفيذ ،أما إذا كان الهلاك جزئياً فللمشتري أن يختار بين قبول الوفاء الجزئي مع طلب إنقاص الثمن،أو المطالبة بالفسخ،أو المطالبة بالوفاء بمقابل.
و قد لا يوجد المبيع قبل العقد و لا وقت إبرامه لكنه قابل للوجود مستقبلاً و هو ما يسمى"بيع الأشياء المستقبلية"،و قد أجازه المشرع في المادة 92 من القانون المدني مادام أن المبيع من المحقق أنه سيوجد في المستقبل،غير أنه يستثنى من ذلك بيع التركة المستقبلية،و جعلها باطلة بطلاناً مطلق باستثناء التصرفات التي أجازها القانون (الوصية،الوقف...)،و أهم مثال للبيوع المستقبلية هو "البيع على التصاميم"،أو بيع عقار تحت إنشاء.
عقد بيع العقارات على التصاميم.
يعرف عقد بيع عقار على التصاميم أنه عقد بيع محله عقار في طور الإنجاز أو التشييد،يلتزم بمقتضاه المرقي (البائع) بأن يتم تشييده في الأجل المتفق عليه و بالمواصفات المطلوبة،و أن ينقل ملكيته للمشتري الذي يلتزم أن يدفع للبائع تسبيقات (المبلغ الذي يدفع قبل البدء في عملية التشييد مقابل التصميم المبرمج)،و دفعات أثناء التشييد مجزأة على مراحل تقدم الإنجاز،و هو التعريف الوارد في المادة 28 من القانون 11-04 المؤرخ في 17 فيفري 2011 المحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية الجريدة الرسمية عدد 14 لـ16 مارس 2011.
و لعقد البيع على التصاميم خصائص تتمثل في:
1-أنه عقد مسمى،وضع له المشرع تنظيم خاص بموجب المرسوم التشريعي 93-03 لـ1 مارس 1993 المتعلق بالنشاط العقاري،الملغى بموجب القانون 11-04 ؛
2-أنه عقد ملزم لجانبين،حيث يلتزم البائع ببناء البناية وفق الآجال و المواصفات المتفق عليها في العقد،و بالتسليم و الضمان،و يلتزم المشتري بدفع الأقساط و تسلم العقار؛
3-هو عقد شكلي تستوجب المادة 25 و المادة 34 من القانون 11-04 تحريره في شكل رسمي تحت طائلة البطلان،وفقاً للنموذج المنصوص عليه في المرسوم التنفيذي 13-431 مؤرخ في 13 ديسمبر 2013 المحدد لنموذجي: "عقد حفظ الحق" و "عقد البيع على التصاميم للأملاك العقارية"،و كذا حدود تسديد سعر الملك موضوع البيع،و مبلغ عقوبة التأخير و آجالها و كيفيات دفعها (الجريدة الرسمية عدد 66 لـ25 ديسمبر 2013)،و الذي ألغى بموجبه و وفق المادة 8 منه المرسوم التنفيذي رقم 94-58 لـ7 مارس 1994.
-(قرار المحكمة العليا الصادر في 19 نوفمبر 2008 مستنداً إلى المادة 18 من المرسوم التشريعي 93-03).
4-إن محل البيع على التصاميم يرد على العقار المعد للانتفاع و هو غير موجود لكنه قابل للوجود مستقبلاً،أو عقار في طور الإنجاز،لكنه بيع مستقبلي للعقار دون الأرض التي تنتقل ملكيتها بمجرد إبرام العقد.
5-المتعامل في الترقية العقارية هو من له حق المبادرة بمشروع بيع العقار على التصاميم حسب تعريف المادة 3 من القانون 11-04.
6-إن التزام المشتري بتسديد الثمن يكون موازاةً مع تقدم الإنجاز و تلزم المادة 37 من القانون 11-04 ،توضيح سعر البيع و أجل الدفع المتفق عليه.
7-القيد على التصرف،فالمشتري في عقد البيع على التصاميم هو مالك غير عادي،فهو وقت انعقاد العقد لا يملك سوى ملكية الرقبة و التي تشمل الأرض و البناء طور الإنجاز دون أن يكون له حق الانتفاع و التصرف،فإذا تم الإنجاز و تم تسليم شهادة المطابقة و تسليم كافة الأقساط و تحرير محضر التسليم و شهره،هنا فقط يكون للمشتري حق الانتفاع و التصرف.
8-حماية للمشتري،تستوجب المادة 55 من القانون 11-04 "على المرقي العقاري الانتساب لصندوق ضمان الكفالة" لتمكين المشتري من استرجاع ما دفعه من ثمن إذا سحب الاعتماد مثلاً من المرقي العقاري أو حكم عليه بالإفلاس،حيث يتمتع المشتري بحق امتياز من الدرجة الأولى و يحصل حقوقه بتدخل صندوق الضمان(المادة 58 من القانون 11-04 )،كما أن البائع (المرقي) ملزم بالضمان العشري أو مسؤول مسؤولية عشرية (المادة 3 من القانون 11-04)، فيضمن لمدة عشر (10) سنوات تسري على كل هدم كلي أو جزئي للبناء ناجم عن عيب في البناء ،أو المواد المستخدمة،أو في الأرض أو التصميم.
بيع الحقوق المتنازع فيها.
قد يقيد المشرع البيع في شيء محتمل الوجود كما فعل في "بيع الحق المتنازع فيه"،حسب المادة 400 ف2 "...الحق المتنازع فيه هو الحق الذي رفعت بشأنه دعوى أو كان محل نزاع جدي و جوهري"، و هو حق يمكن أن يكون محلاً لبيع إذا كان الأطراف قد تصرفوا و هم عالمون بذلك فيكون له صفة البيع الاحتمالي كون أن الحائز يحل محل البائع في الدعوى و يتحمل نتائجها،لذلك عادةً ما يباع هذا الحق بأقل من ثمنه،فهنا إما أن يثبت الحق للبائع فيثبت للمشتري كخلف له و إما ألا يثبت ،فالبائع لا يضمن للمشتري وجود هذا الحق،لذلك أجاز القانون للمتنازل ضده أن يسترد من المشتري هذا المبيع بشرط أن يرد الثمن الحقيقي للمبيع و المصاريف الواجبة للمشتري،و الحكمة من تقرير الاسترداد هي عدم تشجيع المضاربين على شراء الحقوق المتنازع فيها،و وضع حد للمنازعات و القضايا.
أ-الحالات التي يجوز فيها استرداد الحق المتنازع فيه.
يشترط حتى يجوز الاسترداد ما يلي:
1-قد يكون الحق المتنازع عليه حقاً شخصياً، عينياً أو ذهنياً فالمادة 400 من القانون المدني لم تميز بين أنواع الحقوق و نصت على الحق المتنازع فيه.
2-أن يكون الحق المسترد متنازع فيه حسب تعريفه في الفقرة 2 من المادة 400 قانون مدني،و يجب أن يقوم النزاع في موضوع الحق،أي متعلقاً بوجوده أو انقضائه و ما إلى ذلك.
أما إذا مس النزاع إجراءات شكلية (الصفة،عدم الاختصاص فلا يعتبر الحق متنازع فيه)،كما يبقى الحق متنازع فيه ما دام لم يصدر بشأنه حكم نهائي،أما إذا صدر حكم نهائي فقد انحسم النزاع في الحق و لا يجوز فيه الاسترداد.
كما يشترط أن يكون الحق متنازع فيه وقت التنازل أي وقت البيع،بالإضافة إلى شرط أن يكون للمتنازل صفة المدعي،و المتنازل ضده صفة المدعى عليه.
3-أن يكون التنازل بمقابل نقدي (أي بيعاً) لأن البيع يحتمل معه قيام فكرة المضاربة،في حين أنه إذا تم التنازل دون عوض فلا يتصور وقوع المضاربة،كما لا يجوز الاسترداد إذا كان التنازل مقايضة لأن المادة 400 قانون مدني تتحدث عن ثمن البيع.
يتم الاسترداد بـ:
1-إعلان المتنازل ضده إرادته في الاسترداد دون الحاجة إلى شكل خاص،و يحدث الإعلان أثره من وقت وصوله إلى علم المشتري.
2-أن يرد المتنازل ضده الثمن الحقيقي الذي دفعه المشتري لشراء الحق المتنازع فيه،فإذا كان الثمن المذكور في عقد البيع صورياً كان للمتنازل له أن يثبت بكل الطرق أن الثمن المذكور في العقد ليس الثمن الحقيقي،كما عليه أن يرد مصروفات العقد المتنازل فيه،كرسوم التوثيق،الدمغة و الطابع، و مصروفات دعوى المطالبة بالحق.
ب-الحالات التي لا يجوز فيها للمتنازل ضده استرداد الحق المتنازع فيه.
نص المشرع الجزائري في المادة 401 من القانون المدني على أربع حالات على سبيل الحصر لا يجوز فيها الاسترداد:
1-إذا كان الحق المتنازع فيه داخلاً ضمن مجموعة من الأموال بيعت جزافاً ،كبيع تركة و كان ضمنها حق متنازع فيه و الحكمة من منع الاسترداد أن المتنازل له اشترى الحق المتنازع فيه باعتباره عنصراً ضمن مجموعة أموال ورد عليها البيع و لم يشتريه لذاته.
2-إذا كان الحق المتنازع فيه مشاع بين الورثة أو الشركاء و باع أحدهم نصيبه لشريك آخر،و الحكمة هنا أن شراء الشريك نصيب أحد زملائه هو القسمة و لا يقصد به المضاربة.
3-إذا تنازل المدين لدائنه عن حق متنازع فيه وفاءاً للدين المستحق في ذمته،و بالتالي تصبح عملية التنازل وفاءاً بمقابل لا بيعاً.
4-إذا كان الحق المتنازع فيه ديناً مضموناً برهن على عقار و بيع الحق لحائز العقار،فيفترض أن عقاراً مثقلاً برهن ضماناً لدين متنازع فيه تم بيعه ،و قام حائز العقار بشراء الحق المتنازع فيه تجنباً لتتبع الدائن أي لتخليص العقار من حق الدائن،فلا يجوز استرداد هذا الحق من قبل المدعى عليه (أو المتنازل ضده) لانتفاء فكرة المضاربة.
ج)الآثار المترتبة على الاسترداد.
1)في العلاقة بين المتنازل ضده و المتنازل له.
إذا كان المتنازل قد فقد الحق المتنازع فيه بفعل البيع فإن المتنازل له يفقده بفعل الاسترداد دون أن يعتبر ذلك شراءاً جديداً من قبل المتنازل ضده،فيكون للاسترداد أثر رجعي يعود إلى يوم التنازل،فيترتب على ذلك سقوط التصرفات الخاصة بالحق المتنازع فيه و التي يقوم بها المتنازل له في الفترة بين التنازل و الاسترداد.
2)العلاقة بين المتنازل له و المتنازل.
يبقى الاسترداد في هذه العلاقة دون أي أثر،إذ يبقى عقد البيع قائماً بينهما،و عليه فإذا لم يتم دفع ثمن البيع وقت الاسترداد يبقى المتنازل دائناً للمتنازل له (و لا يجوز للمتنازل له أن يعود بالضمان على المتنازل).
3)العلاقة بين المتنازل و المتنازل ضده.
إذا كان المتنازل دائناً بثمن البيع للمتنازل له،و المتنازل ضده مدين بثمن الاسترداد في مواجهة المتنازل له،فيمكن بالتالي للمتنازل مطالبة المتنازل ضده بدفع الثمن عن طريق الدعوى غير المباشرة.
ب)-تعيين المبيع و العلم به.
طبقاً للقواعد العامة لا يكفِ لكي يتكون عقد البيع أن يكون المبيع موجوداً،بل يجب فوق ذلك أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين،لذلك يمكن أن يرد البيع على شيء معين بالذات كما يمكن أن يرد على شيء معين بالنوع.
و الشيء المعين بالذات هو الذي يتميز عن غيره بصفات خاصة تعينه تعييناً ذاتياً بحيث لا يقوم غيره مقامه في الوفاء،فإذا وقع البيع على مثل هذه الأشياء يُشار إلى صفتها المميزة لها لتكون معينة تعييناً كافياً بحيث يحول ذلك دون الاشتباه بينها و بين سواها،أما بالنسبة للأشياء المعينة بالنوع فهي التي يوجد لها مثيل من جنسها مساوي أو مقارب لها في القيمة بحيث تقوم مقام بعضها بالوفاء،فإذا ورد البيع على شيء معين بالنوع فيجب أن يعين بنوعه و مقداره و درجة جودته،و إذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الجودة و لم يكن ذلك سهل التعرف عليه من خلال العرف ألزم البائع بتسليم شيء من درجة متوسطة ،بالإضافة إلى تعيين محل البيع يجب أن يكون المشتري عالماً علماً كافياً بالشيء المبيع (المادة 352 من القانون المدني).
ج)-مشروعية و صلاحية الشيء المبيع للتعامل فيه.
طبقاً للمادة 93 من القانون المدني يشترط أن يكون المبيع مشروعاً و غير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة،و ألا يكون مستحيلاً في ذاته و إلا كان باطلاً بطلاناً مطلق،أي يجب أن يكون صالحاً للتعامل فيه و تطبيقاً للمادة 682 من القانون المدني يعد المبيع غير صالح للتعامل فيه إذا كان من الأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل بطبيعتها،و هي الأشياء التي ينتفع بها كل الناس و لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها،و بالتالي فلا تصح كمحل لعقد البيع،و الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون و ذلك بالنظر إلى الغرض المخصص لها،فالمال العام مثلاً مخصص للمنفعة العامة،و هناك أنواع أخرى من الأشياء تخرج عن دائرة التعامل لأن القانون يعتبر التعامل فيها إخلالاً بالنظام العام :أعضاء الإنسان،المخدرات،كما لا يجوز التعامل بالحقوق اللصيقة بالشخصية.
د)-ملكية البائع للمبيع.
يشترط أن يكون البائع مالكاً للشيء المبيع وقت انعقاد العقد و إلا كنا أمام بيع لملك الغير.
1)مفهوم بيع ملك الغير و تحديد نطاقه.
هو البيع الصادر من غير المالك سواء بعلمه أو بغير علمه،و ينصب على شيء موجود و معين بالذات و دون أن يكون موقوفاً،أي أن المالك الحقيقي ليست له أي علاقة بالبيع المبرم بين البائع و المشتري،فهو الشخص الذي تصرف البائع بشيء مملوك له،و تنص المادة 397 من القانون المدني أن كل بيع يكون من غير المالك يكون قابلاً للإبطال لمصلحة المشتري،لأن البائع إذا لم يكن مالكاً لا يستطيع نقل ملكية الشيء المبيع ،
و نكون أمام بيع ملك الغير عندما نكون أمام بعض الشروط التي يستلزمها هذا التصرف:
-أن يكون التصرف المبرم بين الطرفين بيعاً؛
-ألا يكون البائع مالكاً للمبيع؛
-أن يكون المبيع موجوداً و معيناً بالذات يوم إبرام البيع،أي إذا باع شخص شيئاً مستقبلياً لا يعد بيعاً لملك الغير لأن المبيع لم يعين بذاته؛
-كما يجب أن يكون المبيع معيناً بالذات،فإذا انصب البيع على شيء معين بالنوع (المثليات)،فإن المشتري لا يستطيع المطالبة بإبطال البيع على أساس "بيع ملك الغير" تطبيقاً للمادة 686 قانون مدني و التي تقرر أن المثليات تعوض بعضها بعضاً في الوفاء؛
-ألا يكون البيع معلقاً على شرط واقف،و هو أن يكتسب البائع ملكية الشيء المبيع لأنه في هذه الحالة البيع غير بات.
و على أساس بيع ملك الغير في القانون الجزائري فقد أفرده المشرع بموجب المادة 397 قانون مدني بنص خاص،و بالتالي فهو باطل بطلان نسبي مقرر لمصلحة المشتري دون سواه.
2)أحكام بيع ملك الغير.
يرتب بيع ملك الغير آثاراً لا تقتصر على أطرافه فحسب،و إنما تمتد إلى المالك الحقيقي.
أ-آثاره بين المتعاقدين.
حق المشتري في طلب إبطال بيع ملك الغير: بالرجوع إلى المادة 397 قانون مدني فإنه رغم بيع ملك الغير ينعقد صحيحاً بين أطرافه،إلا أنه كون البائع لا يملك المبيع فإن للمشتري الحق في طلب إبطال البيع حتى و لو لم يتعرض له المالك الأصلي،سواء كان المشتري عالماً أو جاهلاً بعدم امتلاك البائع للمبيع،كما يكون له الحق في طلب الإبطال سواء كان البائع حسن النية أو سيئة النية،و سواء كان المبيع منقولاً أو عقاراً ،و سواء شهر العقد أو لم يشهر.
حالات سقوط حق المشتري في طلب الإبطال.
يسقط حق المشتري في طلب الإبطال في الحالات التالية:
1-إجازة المشتري للبيع: يجوز للمشتري أن يجيز بيع ملك الغير ما دام الإبطال مقرراً لمصلحته، و هذا طبقاً للقواعد العامة (المادة 100 من القانون المدني)،ما دام المشتري يتمتع بالأهلية القانونية و إرادته سليمة من عيوب الرضا،فإذا أجاز المشتري البيع انقلب العقد صحيحاً و رتب التزامات على كل من المتعاقدين،حينئذ يمكن للمشتري المطالبة بالفسخ لعدم التزام البائع بالتزامه نقل الملكية،كما يمكن له كذلك رفع دعوى ضمان استحقاق إذا تعرض له المالك الحقيقي و استحق منه المبيع؛
2-إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع: حينئذ ينقلب بيع ملك الغير صحيحاً كأن يشتري البائع المبيع من مالكه أو يكتسبه بالتقادم،و حينئذ يصبح العقد صحيحاً منتجاً لآثاره؛
3-إقرار المالك الحقيقي للبيع: طبقاً للمادة 398 من القانون المدني إذا أقر المالك الحقيقي البيع فلا يمكن للمشتري التمسك بإبطاله و الإقرار يصحح العقد و يجعله نافذاً في حق المالك،فتنتقل الملكية من البائع إلى المشتري من تاريخ الإقرار؛
4-التقادم: و تنطبق المادة 101 من القانون المدني لعدم وجود نص خاص فتتقادم دعوى المشتري في طلب الإبطال خلال خمس (5) سنوات من يوم علم المشتري،أو عشر (10) سنوات من يوم انعقاد العقد،
إلا أن حق المشتري لا يقتصر على طلب الإبطال و إنما يتعداه إلى طلب التعويض طبقاً للمادة 399 قانون مدني،لكن المشرع وضع شرطين للاستفادة من هذا التعويض:
-أن يكون قد حكم له بإبطال البيع؛
-أن يكون المشتري حسن النية.
فلابد أن يجهل وقت إبرام العقد أن البائع غير مالك،فيكون له الحق في طلب التعويض و لو كان البائع حسن النية.
ب-آثار بيع ملك الغير بالنسبة للمالك الحقيقي.
إذا أقر المالك الأصلي البيع أمكن الاحتجاج بالعقد في مواجهة المالك الحقيقي،فتنتقل الملكية من وقت الإقرار،كما أن للمالك الحقيقي ألا يقر البيع فيتجاهله و يتصرف في المبيع كيفما شاء،فلا يسري البيع في حقه حتى و لو لم يحكم بإبطاله،و لكن من ناحية أخرى ليس له المطالبة بإبطال البيع لأنه ليس طرفاً و إنما يرفع دعوى استحقاق لاسترداد المبيع من يد المشتري،و مطالبته المشتري أيضاً بالتعويض إذا كان المشتري سيء النية،إلا أن المشتري قد يتملك المبيع ليس بعقد البيع و إنما بالحيازة إذا كان المبيع منقولاً مع حسن النية (المادة 835 قانون مدني)،و يكتسب العقار بالتقادم القصير و مدته عشر (10) سنوات (المادة 828 قانون مدني)،أما الحيازة بسوء نية فتكون سبباً في كسب ملكية العقار و المنقول بالتقادم الطويل خمسة عشر (15)سنة (المادة 827 قانون مدني).
فإذا ما اكتسب المشتري المبيع بالحيازة أو التقادم فليس للمالك الأصلي إلا أن يرجع على البائع بدعوى المسؤولية التقصيرية إذا كان البائع سيء النية ،أو بدعوى الإثراء بلا سبب.
ثــــــــانــــــــــياً: الثـــــــــــــمــــــــــــن.
محل التزام المشتري أساساً هو دفع الثمن،فعقد البيع الذي لا يتضمن ثمناً باطل بطلاناً مطلق، و يجب أن يكون نقوداً (المادة 351 قانون مدني)،سواء كان الثمن معجلاً أو مؤجلاً مقسطاً،إيراد مرتب مدى الحياة أو أوراقاً تجارية،و من خصائص الثمن أنه يجب أن يكون مقدراً أو قابلاً للتقدير و أن يكون حقيقياً و جدياً.
1) الثمن المقدر.
الغالب أن يقدر الثمن من طرف المتعاقدين بعد اتفاقهما باقتراح من البائع و المشتري بعد الأخذ و الرد،أو ما يسمى بـ"المفاوضات"كمرحلة سابقة و يتم الاتفاق على ثمن معين،و إذا كان الأصل حرية المتعاقدين في تحديد الثمن،فإنه يمكن للدولة أن تحدد أسعار معينة مما يقيد حرية المتعاقدين في تحديد الثمن،و يكون الجزاء للاتفاق على الثمن الجبري هو تخفيض الثمن إلى السعر المحدد.
2)الثمن القابل للتقدير.
قد لا يحدد الثمن بالأرقام و بالرغم من ذلك يعتبر موجوداً،فلا يشترط فيه أن يكون مقدراً بل يكفي أن يكون قابلاً للتقدير و ذلك بالاستناد إلى أسس معينة يتم الاستناد عليها،ما دامت هذه العناصر واضحة تسمح بالتحديد الرقمي للثمن عند التنفيذ دون الحاجة إلى اتفاق جديد،و قد نص المشرع الجزائري في المادتين 656 ف2 و 657 من القانون المدني على ثلاث طرق على سبيل المثال يمكن للمتعاقدين تبنيها من أجل تحديد الثمن:
أ)تقدير الثمن على أساس سعر السوق (المادة365ف2 قانون مدني): مع الاتفاق على تسمية هذا السوق،فإذا اقتصر اتفاقهما على ذكر السوق دون تحديده كان الثمن هو ثمن السوق الموجود في المكان و الزمان الذي يتم فيه تسليم المبيع،و إذا لم يوجد سوق في مكان التسليم وجب الرجوع إلى السوق الذي يقضي العرف بأن أسعاره هي المطبقة؛
ب)تقدير الثمن بواسطة السعر المتداول في التجارة: فيستنبط القاضي في حالة سكوت المتعاقدين من نص العقد أو من ظروفه و ملابساته بأن الطرفين اتجهت إرادتهما إلى تبني الأسعار المتداولة في التجارة؛
ج)اعتبار الثمن هو السعر الذي جرى عليه التعامل بين المتعاقدين: على أساس وجود تعاملات بينهما،فهنا عدم ذكر الثمن لا يجعل العقد باطلاً كون أن التعامل السابق قرينة بسيطة على أن الثمن هو نفسه المقرر في البيوع السابقة،حينئذٍ يجوز للبائع إثبات عكس هذه القرينة بأن يثبت بأن الأسعار ارتفعت.
*تجدر الإشارة أن الثمن يكون قابلاً للتقدير عندما يقدر من قبل الغير،و يلتزم البائع و المشتري بهذا الثمن،إلا إذا ثبت بأن الأجنبي قد ارتكب غشاً أو وقع في غلط أو تجاوز حدود مأموريته.
إذا لم يتم تعيين الثمن و لم يستنبطه القاضي من ظروف العقد كان البيع باطلاً بطلاناً مطلق، و يستطيع القاضي أن يثيره من تلقاء نفسه (المادة 102 قانون مدني).
3)جدية الثمن.
يجب أن يكون الثمن حقيقياً و جدياً فتتجه إرادة الطرفين إلى إلزام المشتري بأن يدفع ثمناً حقيقياً غير صوري و لا رمزي للمبيع،و يعد الثمن صورياً إذا تظاهر المتعاقدان بوجود الثمن لكنهما يتفقان على عدم دفعه ففي هذه الحالة لا نكون بصدد بيع و لكن لا يعتبر العقد بالضرورة باطلاً،و قد يقصدان من وراء هذا التظاهر بوجود ثمن التستر على هبة حينئذٍ يعتبر العقد هبة إذا وجدت نية التبرع طبقاً لنظرية تحول العقد (المادة 105 قانون مدني).
أما الثمن التافه فهو ما لا يتناسب إطلاقاً مع قيمة الشيء المبيع فيبطل البيع،أما إذا ثبت للبائع نية التبرع اعتبر العقد هبة أيضاً.
الغبن في بيع العقار.
نصت المواد 358 ، 359 و 360 من القانون المدني على حكم خاص بعقد البيع و هو حالة الغبن الفاحش في بيع العقار بما يزيد عن الخمس (1/5)،و لكن يشترط للطعن بالغبن الفاحش ما يلي:
1-أن يكون المبيع عقاراً،فالغبن هنا ينصب على العقار دون سواه؛
2-ألا يكون البيع قد تم بالمزاد العلني،و تنص المادة 360 قانون مدني على استثناء يتمثل في عدم جواز رفع دعوى الغبن إذا تم البيع بالمزاد العلني؛
3-أن يكون البائع ضحية الغبن فليس باستطاعة المشتري رفع دعوى الغبن،إذا بيع له العقار بثمن باهظ،إنما يرفع دعوى الاستغلال طبقاً للقواعد العامة؛
4-أن يزيد الغبن عن ثمن المثل (الغبن الفاحش) أي أن يكون الثمن أقل من أربعة أخماس(4/5)ثمنه الحقيقي؛
و الحق في الطعن بالغبن يكون في أي غُبن عقاري سواء كان البائع كامل الأهلية أو ناقص الأهلية، و بالتالي الغبن المقصود هنا أساسه معيار موضوعي لا على عيوب الإرادة (الذي يتطلب توافر العنصر النفسي و هو استغلال الطيش و الهوى لدى المتعاقد المغبون)،و هو اختلال التناسب بين التزامات الطرفين،فالعيب هنا هو عيب في العقد،و بالتالي فإن البائع في دعوى الغبن ليس مطالباً بإثبات أنه وقع في غش أو غلط أو استغلال أو كان ناقص الأهلية،بل يكفِ إثبات توافر شروط الغبن و بالتالي فإن الغبن في بيع العقار يرجع إلى فكرة التعادل ما بين المبيع و الثمن.
الغرض من دعوى تكملة الثمن و إجراءاتها.
إذا كان البائع ضحية غبن فإنه يرفع دعوى الغرض منها تكملة الثمن إلى أربعة أخماس (4/5)ثمن المثل أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها،و هنا يلتزم البائع بإثبات أن الغبن محتمل فتقوم المحكمة بتعيين خبير لتقدير قيمة العقار وقت البيع،فإذا ثبت أن قيمة العقار وقت البيع تزيد عن الثمن بأكثر من خمس (1/5) القيمة حكم القاضي على المشتري بتكملة الثمن إلى أن يبلغ أربعة أخماس (4/5) قيمة العقار وقت البيع.
إذا صدر حكم لصالح البائع بإلزام المشتري بتكملة الثمن إلى أربعة أخماس(4/5) و صار الحكم نهائياً فإن للبائع أن يحبس العقار في سبيل التنفيذ كما يكون حق البائع بفرق الثمن مضموناً بامتياز البائع على العقار المبيع طبقاً للمادة 999 من القانون المدني.
أما بالنسبة لمدة التقادم لدعوى تكملة الثمن 3 سنوات تبدأ من يوم انعقاد البيع بالنسبة لكاملي الأهلية،أما بالنسبة لناقصي الأهلية فتبدأ بـ3 سنوات من يوم انقطاع العجز (المادة 359 قانون مدني)؛
و في حالة امتناع المشتري عن تكملة الثمن فللبائع أن يطلب الفسخ لأنه لم يستوفِ الثمن بكامله، و إذا حكم بالفسخ عاد المتعاقدان للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد،فإذا كان المشتري قد تصرف في العقار فإن المتصرف إليه حسن النية طبقاً للمادة 359 ف3 قانون مدني لا يصيبه ضرر،إذ لا يستطيع البائع أن يسترد منه العقار و ليس له إلا الرجوع بالتعويض على المشتري.
III-الركن الثالث: السبب في عقد البيع.
تنطبق على السبب القواعد العامة في المواد 97 و98 من القانون المدني،و يجب أن يكون موجوداً و مشروعاً:
1)وجود السبب (السبب المباشر أو سبب الالتزام).
و هو الغاية التي يقصد الملتزم الحصول عليها في عقد البيع،فيكون سبب التزام البائع بنقل الملكية هو التزام المشتري بدفع الثمن،و سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو الحصول على ملكية الشيء المبيع من البائع،فإذا تخلف سبب التزام أحد الطرفين فلا وجود للبيع.
2)مشروعية السبب.
تنصرف هذه المشروعية إلى السبب الدافع أي الباعث على التعاقد،أي السبب الذي دفع البائع إلى ترتيب الالتزام في ذمته فإذا كان الباعث غير مشروع كان العقد باطلاً بطلاناً مطلق.
الآثار المترتبة على عقد البيع.
بمجرد انعقاد البيع صحيحاً فإنه يرتب التزامات في ذمة كلٍ من البائع و المشتري:
أولاً: التزامات البائع.
هناك التزامات معاصرة لعقد البيع و التزامات لاحقة للعقد تقع على البائع:
أ)الالتزامات المعاصرة.
الالتزام بنقل ملكية المبيع.
هو أول التزام يقع على عاتق البائع بمجرد إبرام العقد،و تبعاً لذلك تنص المادة 361 من القانون المدني "يلتزم البائع بكل ما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري و أن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق عسيراً أو مستحيلاً "،عندما صدر القانون الفرنسي لـ1804 أصبح نقل الملكية يرتبط باتفاق الإرادتين وحدهما،فنصت المادة 1583 "تكتسب الملكية قانوناً للمشتري في مواجهة البائع بمجرد الاتفاق على المبيع و الثمن و حتى لو لم يسلم المبيع و لم يدفع الثمن"،معنى ذلك أن نقل الملكية هو أثر قانوني للبيع و ليس التزاماً يلحق البيع،و هذا ما أخذ به المشرع الجزائري إذا كان المحل منقولاً معيناً بالذات،في حين يقع على البائع التزام بنقل الملكية في حالة المنقول المعين بالنوع و كذا في حالة العقارات.
1-نقل ملكية المنقول: يختلف انتقال الملكية في المنقول باختلاف أن يكون الشيء معيناً بالنوع أو بالذات.
أولاً:المنقول معين بالذات.
و تنتقل ملكيته بقوة القانون إلى المشتري بواقعة تكوين العقد،حينئذٍ بإمكان المشتري أن يتصرف بالمبيع حتى قبل تسلمه لأنه أصبح مالكاً له،هذا ما أوضحته المادة 165 قانون مدني،بنصها "الالتزامات بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني،إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم و ذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهار العقاري"،و ابتداءاً من لحظة انتقال الملكية للمشتري يخرج المبيع من الذمة المالية للبائع،فلا يمكن لدائنيه الحجز عليه و لا أن يبرم البائع التصرف في شأنه،و في نفس الوقت يدخل في الذمة المالية للمشتري،فيصبح ضماناً لدائنيه و عنصراً في تركته إذا توفي،كما يكون له ثمار المبيع بمجرد البيع و يتحمل مصاريفه منذ انعقاد العقد.
شروط انتقال الملكية بمجرد العقد.
1-أن يكون المبيع منقولاً معيناً بالذات: و الأصل أن يكون المبيع معيناً بالذات إذا كان قيمياً و هو الشيء الذي يتميز عن غيره بصفات خاصة تعينه تعييناً ذاتياً،و استثناءاً يمكن أن يكون المبيع قيمياً و لكنه ليس معيناً بالذات،فيتوقف انتقال ملكيته على التعيين الذاتي و لا تنتقل الملكية وقت البيع أو بمجرد انعقاد العقد كما هو الحال في البيع مع خيار التعيين،فلا تنتقل الملكية إلا بعد تعيين المبيع بالذات عند استعمال الخيار،و عندئذٍ تنتقل الملكية بأثر رجعي يعود إلى وقت إبرام البيع.
و قد يكون المبيع معيناً بالذات و هو من المثليات كما هو الحال في البيع الجزاف (و هو ما يُكال أو يوزن أو يعد جملة واحدة بلا كيل و لا وزنٍ و لا عدد)،إذ لا يحتاج تعيين المبيع لتقديره في هذه الحالة،فتنتقل الملكية في البيع الجزاف بمجرد إبرام العقد (المادة 362 قانون مدني)؛
2-أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وقت البيع: و هو شرط اقتضته طبيعة البيع من أنه عقد ناقل للملكية بذاته؛
3-أن يكون المبيع موجوداً وقت العقد: لأنه إذا كان المبيع من الأشياء المستقبلية فإنها تنتقل بمجرد تحقق وجودها.
قد يتفق المتعاقدان على توقيف نقل الملكية على شرط سداد الثمن إذا كان هذا الأخير مؤجلاً أو مقسط،ففي البيع بالتقسيط أو البيع المؤجل كان لابد من البحث عن وسيلة تضمن تنفيذ المشتري لالتزامه فكان الاحتفاظ بالملكية كاستثناء يستند إلى إرادة المتعاقدين عن المبدأ الذي يقرر انتقال الملكية كأثر فوري للعقد أي بمجرد انعقاد العقد،و عليه فإن شرط الاحتفاظ بالملكية هو اتفاق بين طرفي عقد البيع على تراخي انتقال الملكية على الرغم من انعقاد البيع،حتى لو كان البائع قد بادر بتسليم المبيع للمشتري فور البيع حينئذٍ يكون لنقل الملكية دور تأميني يظهر بصورة ضمان اتفاقي يكفل تنفيذ المشتري لالتزامه بدفع الثمن المقسط أو المؤجل،و الحق للبائع في استحقاق المبيع إذا أخلّ المشتري بالتزامه بالسداد لأن احتفاظ البائع بالملكية يجعل المشتري حائزاً فقط دون أن يكون له صفة المالك.
ثانياً: المنقول معين بالنوع.
طبقاً للمادة 166 من القانون المدني إذا كان المبيع معيناً بنوعه أي من المثليات فلا تنتقل الملكية بمجرد العقد و إنما تنتقل بتمام تعيينه بذاته و ذلك عن طريق الإفراز،أما العقد فينشئ التزاماً في ذمة البائع بإجراء ما يلزم لتمام التعيين الذاتي،و الإفراز هو عزل المبيع عن غيره و تفريده بحيث يصبح معيناً بالذات و ذلك حسب نوعية المبيع،فيكون الإفراز إما عن طريق الوزن أو العد أو القياس إلخ...،بحيث يفصل المبيع عن غيره مما يكون مملوكاً للبائع حينئذٍ تنتقل الملكية من وقت التعيين أو الإفراز بأثر فوري.
قد يتملص البائع من تنفيذ التزامه بنقل ملكية الشيء المعين بالنوع فيكون للمشتري إما أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة البائع بعد استئذان القاضي،و في حالة الاستعجال دون الاستئذان (المادة 170 قانون مدني)،كما للمشتري المطالبة بقيمة المبيع مع التعويض.
انتقال الملكية في بيع العقارات.
يتضح من المادة 165 و 793 من القانون المدني أن انتقال الملكية في العقارات و الحقوق العينية العقارية سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير لا يتم إلا بعد اتخاذ إجراءات الشهر المنصوص عليها قانوناً،و عليه فإن شهر بيع العقار هو إجراء يتطلبه القانون بغية إعلام الغير بحصول هذا التصرف حتى يكون حجة عليه،و بدون الشهر العقاري لا يمكن لبيع العقار أو حق عيني عقاري آخر أن يرتب أثره العيني (انتقال الملكية)،و هذا ما أكده الأمر 75-74 مؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و الذي وُضع حيز التنفيذ بمقتضى المرسوم 76-62 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام،و المرسوم 76-63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري حينما نص أن كل حق ملكية و كل حق عيني آخر يتعلق بعقار لا يكون له أثر بالنسبة للأطراف و لا في مواجهة الغير إلا من تاريخ الشهر في مجموعة البطاقات العقارية.
و عليه فإن عقد بيع العقار يمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: التوثيق؛
المرحلة الثانية: التسجيل.
حسب قانون التسجيل الصادر في 9 ديسمبر 1976 بموجب الأمر 76-105،على الموثق تسجيل مختلف العقود التي يبرمها لدى مصلحة التسجيل و الطابع التابع لها مكتب التوثيق إقليمياً،إذ جاء في المادة 75 فقرة 1 من قانون التسجيل "لا يمكن للموثقين أن يسجلوا عقودهم إلا في مكتب التسجيل للدائرة أو عند الاقتضاء في مكتب الولاية التي يوجد بها مكتبه"،و تلزم المادة 58 من قانون التسجيل الموثقين بالقيام بالتسجيل في أجل لا يتجاوز شهراً،و في حالة التأخير يتعرض الموثق لعقوبات تأديبية (المادة 93 قانون التسجيل)،أما عن وظيفة التسجيل في القانون الجزائري هي:
1-تحصيل الدولة للجانب الضريبي لصالح الخزينة العامة،فرسوم التسجيل هي رسوم عقارية تحصلها الدولة،و لا يمكن أن يتم الشهر العقاري على مستوى المحافظة العقارية إذا لم يتم تحصيل هذه الرسوم ،و طبقاً للمادة 252 من قانون التسجيل رسم التسجيل بالنسبة للعقارات يقدر بـ(5 %) يدفعها المشتري طبقاً للمادة 397 من القانون المدني ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك ؛
2-إثبات تاريخ العقود العرفية (المادة 328 قانون مدني)؛
المرحلة الثالثة: الشهر؛
يعرّف الشهر العقاري أنه نظام قانوني له مجموعة من القواعد و الإجراءات يضمن بها حق الملكية العقارية و كذا الحقوق العينية العقارية الأخرى و جميع العمليات القانونية الواردة على عقارات،و يعتمد هذا النظام على نوعين من أنظمة الشهر:
1)الشهر الشخصي.
و يعتمد هذا النظام في إعلان التصرفات على أسماء من صدرت منهم،و يتم ذلك حسب سجل يمسك حسب الترتيب الأبجدي،و سجل آخر يمسك على أساس الترتيب الزمني لتقديم المحررات المراد شهرها،و صاحب المصلحة لا يعرف من السجلات إلا الشخص الذي تصرف في العقار لذلك فإن التصرفات المشهرة وفق هذا النظام ليس لها القوة الثبوتية،فهو مجرد إجراء يهدف إلى العلانية لأن المحافظ العقاري ليس له صلاحية فحص العيوب العالقة بالتصرف،إذ يقوم بشهر التصرف كما هو ولكل ذي مصلحة الاعتراض على التصرف و طلب إبطاله رغم شهره،فالنظام لا يعطي لمشتري العقار أي ضمان بثبوت حق ملكيته حيث يكفي الحكم ببطلان عقد البيع حتى يزول هذا الحق،و يزول أثر الشهر بزوال التصرف،كما يعاب على نظام الشهر الشخصي إمكانية ضياع العقار بالتقادم.
2)نظام الشهر العيني.
هو نظام يرتكز فيه شهر التصرفات العقارية على العقار محل التصرف فيكون لكل عقار بطاقة خاصة به تسمى بمجموعة البطاقات العقارية،تسجل فيها كافة ما يرد على العقار،و يتميز هذا النظام بمبادئ أساسية هي:
أ-مبدأ التخصيص: حيث تخصص للعقار صفحة أو عدة صفحات من السجل العقاري تتضمن بدقة: موقع العقار،مساحته،حدوده،أسماء المتصرفين،أهليتهم القانونية،الحقوق و الالتزامات و الارتفاقات التي تشغله؛
ب-مبدأ القوة الثبوتية: حيث يؤمن الضمان القانوني المطلق للعمليات العقارية،فيعد قرينة قاطعة على الملكية بالنسبة للعقار أو الحق العقاري موضوع الشهر،كما أنه قرينة على أن التصرف أصبح خالياً من العيوب مهما كان مصدرها،فلا يمكن الطعن فيه لا بدعوى البطلان و لا الاستحقاق فيكون المتصرف له في مأمن من المنازعات؛
ج-مبدأ القيد المطلق: أي أن الشهر هو مصدر الحقوق العينية العقارية و هو الذي ينشئها و يعدلها و يزيلها أيضاً،و كل حق غير مشهر لا وجود له،أي أن للشهر أثر قاطع في نقل الملكية سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير؛
د-مبدأ الشرعية: و مفاده أن يقوم المحافظ العقاري بالتحقق من صحة التصرفات المراد شهرها و خلوها من العيوب و التحقق من سند الملكية؛
ه-عدم اكتساب الحقوق المشهرة وفق نظام الشهر العيني بالتقادم: فيستبعد في هذا النظام أن يكون التقادم سبباً من أسباب اكتساب الحقوق العقارية لتعارض ذلك مع مبدأ القوة الثبوتية.
موقف المشرع الجزائري.
أثناء فترة الاستعمار كانت مهمة محافظة الرهون (المحافظة العقارية) و التي كانت خاضعة للقانون الفرنسي،و التي كانت مهمتها حفظ الرهون العقارية و المحافظة على عقود القروض التي تمنح بموجبها البنوك قرضاً لصاحب ملكية عقارية بضمان رهن عقاره،و بعد ذلك ظهر دورها في تأمين الملكية العقارية في الجزائر،و كان نظام الشهر الشخصي هو المطبق،و استمر هذا النظام إلى ما بعد الاستقلال فكانت الوثائق الموجودة في محافظة الرهون العقارية تتميز بنقائص راجعة لعدم إلزام الملاك قانوناً بشهر حقوقهم العقارية،كما أن التعاقد الوارد على العقار كان رضائياً آنذاك،لكن بدأت بوادر التغيير (التعديل) تظهر بعد صدور قانون التوثيق في 1970 ،ثم القانون المدني في 1975 ،ثم الأمر 75-74 مؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري،إذ بموجب المادتين 15 و16 أخضع المشرع الجزائري جميع الحقوق العينية العقارية لإلزامية الشهر،و قد وضع هذا الأمر حيز النفاذ بمقتضى المرسوم76-62 مؤرخ في 25 مارس 1976 معدل و متمم بالمرسوم 84-400 مؤرخ في 24 ديسمبر 1984 معدل و متمم بالمرسوم 92-134 مؤرخ في 7 أفريل 1992 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام.
-و المرسوم 76-63 مؤرخ في 25 مارس 1976 معدل و متمم بالمرسوم 80-210 مؤرخ في 13 سبتمبر 1980 متعلق بتأسيس السجل التجاري.
كما صدر القانون 90-25 مؤرخ في 18 نوفمبر 1990 متضمن قانون التوجيه العقاري للتأكيد على الأخذ بنظام الشهر العيني في الجزائر.
إلا أنه لا يمكن تطبيق نظام الشهر العيني إلا مع تقدم عمليات المسح،أما المناطق (العقارات) غير الممسوحة فتُفهرس بصفة انتقالية وفق الشهر الشخصي حسب المادة 27 من الأمر 75-74 ، و المادتين 113، 114 من المرسوم 76-63 المنظم للسجل العقاري.
قواعد و شروط تنظيم الشهر العقاري.
من أجل إتمام إجراءات الشهر يجب احترام قاعدتين أساسيتين في العقود المودعة لدى المحافظة العقارية،و هما: قاعدة الرسمية ،و قاعدة الشهر المسبق.
1-قاعدة الرسمية: من أهم شروط العقود الواجب شهرها هو إفراغها في قالب رسمي،و هذا وفقاً للمادة 61 من المرسوم 76-63 ،و المادة 324 مكرر1 من القانون المدني.
2-ضرورة احترام قاعدة الشهر المسبق: فلا يمكن شهر حق وارد على عقار ما لم يتم شهر المحرر الذي كان سبباً في اكتساب العقار المتصرف فيه و هو ما قضت به المادة 88 من المرسوم 76-63.
إلا أن هناك استثناءات على قاعدة الشهر المسبق تتعلق ببعض الوثائق و العقود التي يستعصى فيها على المحافظ العقاري مراقبة الشهر المسبق باعتبارها أول إجراء،و هي:
أ-العقود العرفية: و هي العقود التي اكتسبت تاريخاً ثابتاً قبل 01 جانفي 1971 ،و تم النص على هذا الاستثناء بموجب التعديل الوارد على المادة 89 في المرسوم 93-123 و تبرير هذا الاستثناء أنه قبل هذا التاريخ كان شهر العقود أمراً اختياري،و العقود العرفية ليس لها تاريخ ثابت لا يمكن إثبات حجيتها إلا عن طريق القضاء ،و بموجب هذا الاستثناء أصبحت هذه العقود رسمية و يكفي اللجوء للموثق لتحرير عقد إيداع يتم شهره في المحافظة العقارية.
ب-الإجراء الأول في السجل العقاري: و هذا بمقتضى المادة 89 من المرسوم 76-63 حيث اتضح عند عمليات مسح الأراضي بموجب الأمر 75-74 وجود عقارات مشغولة من قبل أشخاص دون أن يكون لهم وثائق رسمية لذلك سمح المشرع الجزائري للمحافظين العقاريين بترقيم هذه العقارات باسم الشخص الحائز دون اشتراط توافرها على الشهر المسبق كون هذه العقارات ليس لها أصل ثابت.
ج-شهر إكتساب الملكية بالتقادم المكسب: سواء كان ذلك مكرساً في عقد الشهرة (و هو محرر رسمي يعد من قبل الموثق يتضمن شهر الملكية على أساس التقادم المكسب بناءاً على تصريح طالب العقد متى كان حائزاً لعقار بدون سند في البلديات غير الممسوحة ،على أن تكون الحيازة مستمرة،هادئة و علنية،مرسوم 83-352 مؤرخ في 21 ماي 1983)،أو حالة اللجوء للقضاء لاستصدار حكم يكرس اكتساب الملكية بالتقادم،ففي كلتا الحالتين فإن عملية الشهر لا تتطلب ذكر مراجع أصل الملكية.
د-شهر شهادة الحيازة: و هي شهادة يحصل عليها كل شخص حاز عقاراً في مناطق غير ممسوحة بصفة هادئة،علنية و مستمرة مادام حائزاً لعقار لا يملك عقوداً ،فيما يخص تلك الأرض فإن شهر شهادة الحيازة يُستثنى من مبدأ الشهر المسبق.
ه-شهر عقود ملكية الأراضي المتنازل عنها: في إطار عملية استصلاح الأراضي حيث مكن القانون 83-18 مؤرخ في 13 أوت 1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية كل شخص يقوم باستصلاح أرض من الاستفادة من ملكية الأرض الفلاحية ،حينئذٍ يتم تحرير عقد إداري يتم شهره بالمحافظة العقارية دون الحاجة إلى عملية الشهر المسبق.
شهر الدعاوى القضائية العقارية.
الدعوى القضائية العقارية التي ترمي إلى الطعن في التصرف الذي تضمنه المحرر المشهر المتعلقة بالبطلان أو الفسخ لا تكون مقبولة و لا يمكن الاحتجاج بالحكم الصادر فيها قبل شهرها عن طريق التأشير بالدعوى على هامش المحرر المشهر (أو ما يسمى بالتأشير الهامشي)، و ذلك إعمالاً لنص المادة 85 من المرسوم 76-63 أو نص المادة 17 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تلزم بشهر العريضة و تقديمها في أول جلسة تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلاً.
التزام البائع بالسلامة.
إن تطور المجتمعات أدى إلى ظهور مبادئ جديدة من شأنها مواكبة التقدم،فبرزت إلى الوجود مبيعات جديدة على درجة من التعقيد و الدقة مما أدى إلى توسيع مجال الأخطار الناجمة عنها،وثبت أن العيب الذي يكتنف المبيع قد يتسبب بإلحاق أضرار بالمشتري تتجاوز ما يفوت الشخص و ما يلحقه من خسارة إلى نوع مستحدث يطال السلامة الجسدية للشخص مشترياً كان أو من الغير،فبرزت إلى الوجود نوعية جديدة من الباعة تمتلك تقنية عالية و وسائل تمكنها من السيطرة على المنتوج و بالتالي الإلمام بعيوبه،و أصبح الطرف الآخر (المستهلك) يخضع من الناحية الفنية و الاقتصادية للبائع المحترف أو المهني.
1-مفهوم الالتزام بالسلامة في عقد البيع.
جُسد الالتزام بالسلامة في التعليمة الصادرة عن الإتحاد الأوربي في 25 جويلية 1985 ،و المتعلق بالمسؤولية عن المنتجات المعيبة و ذلك بعدما طُرحت مسألة سلامة المنتجات،و تساءل الفقه حول ما إذا أنشأ عقد البيع التزاماً مستقلاً بالإضافة إلى الالتزامات التقليدية على عائق البائع المهني،لتعترف محكمة النقض الفرنسية بوجود التزام بضمان السلامة في عقد البيع مستقل عن ضمان العيوب الخفية،و هذا بموجب حكمين: الحكم الأول صدر في 20 مارس 1989 ،و الحكم الثاني صدر في 11 جوان 1991 ،و عُرف الالتزام بالسلامة كونه يتمثل في عدم تسليم إلا منتجات خالية من أي عيب من عيوب الصناعة يمكن أن يتسبب في وقوع أخطار للأشخاص و للأموال ،بعد ذلك صدر في 19 ماي 1998 القانون الفرنسي المتعلق بالالتزام بالسلامة و المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة،حيث تنص المادة 1386 "يُسأل المنتج عن الأضرار الناتجة عن منتوجاته المعيبة سواء ارتبط مع المضرور بعقد أم لا"،و يستفاد من المادة أن الالتزام بالسلامة هو التزام قانوني يكون فيه المنتج أو البائع مسؤولاً بدون خطأ،أي مسؤولاً بقوة القانون،أي أن السلامة و الأمن الذي يرتبط بهما العيب المقصود هو عيب يرتبط بمدى توفر المنتوج على المستوى المطلوب من السلامة،فالعيب إذا يجب أن يرتبط بخلل ما في المنتوج،و يجعل سلامة الأشخاص و الأموال عرضة للخطر و هو ما جاء به المشرع الجزائري بمقتضى التعديل 05-10 للقانون المدني في المادة 140 مكرر ضمن المسؤولية الناشئة عن الأشياء، و قد جسدت هذه المادة مبدأ أن الالتزام المستقل بضمان السلامة لا يقوم بدوره فقط في العلاقة بين البائع و المشتري،و لكن يفيد كل شيء يصيب السلعة،و قد عرّف القانون 09-03 المؤرخ في 25 فبراير 2009 المتضمن حماية المستهلك و قمع الغش،سلامة المنتوجات في المادة 3 منه بأنها غياب كلي أو وجود مستويات مقبولة و بدون خطر في مادة غذائية لملوثات أو مواد مغشوشة أو سموم طبيعية بإمكانها جعل المنتوج مضراً بالصحة بصفة حادة أو مزمنة،و تلزم المادة 9 أن تكون المواد الموضوعة للاستهلاك تتوفر على الأمن و لا تلحق ضرراً بصحة المستهلك أو أمنه،و بالتالي فإن افتقار السلامة يبدو من خلال وجود عيب في المنتوج يمس أمن و سلامة الأشخاص و أموالهم،و لا يمكن الاحتجاج بأن المنتوج صدر حسب القواعد المعمول بها في أصول الصنعة.
و العبرة في تقدير أن المنتوج معيب هو المساس بسلامة الأشخاص وقت طرحه في الأسواق و وضعه للتداول بصورة إرادية و هو ما أكدته المادة 10 من القانون 09-03.
2-أساس الالتزام بالسلامة.
يرجع أساسه إلى مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود،حيث يلتزم المتعاقدان بتنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه و بحسن نية،فمضمون العقد لا يتوقف عند عباراته و ما تم الاتفاق عليه و إنما يتعداه طبقاً للمادة 107 من القانون المدني إلى مستلزماته وفقاً للقانون و العرف و العدالة.
أركان المسؤولية الناجمة عن الإخلال بالالتزام بالسلامة.
أولاً: الخطأ: لم يشترط المشرع على المستهلك إثبات وجود الخطأ من قبل المنتج أو البائع بل فرض على المحترف إثبات انعدام الخطأ من طرفه أو من تحت رقابته،أي أن الخطأ مفترض؛
ثانياً:الضرر: بالمقابل يشترط حدوث ضرر يصيب المستهلك في مصالحه المادية أو سلامة جسمه حتى تترتب المسؤولية المدنية؛
ثالثاً:العلاقة السببية: لم يفرض المشرع الجزائري على المضرور أن يثبت العلاقة السببية بين خطأ البائع و الضرر الذي أصابه،و إنما عليه أن يثبت وجود ضرر بسبب عيب في المنتوج،و من ثم لا يعفى البائع من مسؤوليته إلا بإثبات القوة القاهرة أو خطأ المضرور أو فعل الغير؛
إلتزام البائع بالاعلام.
الالتزام بالإعلام هو التزام أوجده القضاء بمقتضاه يلتزم الطرف الأكثر تخصصاً و دراية فنية بإبلاغ الطرف الآخر بالبيانات المتعلقة بموضوع العقد،و يكون التزام البائع بالإعلام في مرحلة ما قبل التعاقد أما عندما يكون أثناء تنفيذ العقد فعلى البائع المحترف قبل إبرام العقد إعلام المشتري المحتمل بالمميزات الأساسية للمبيع و نصحه إذا كان المبيع يتماشى أم لا مع الهدف المنشود ،أو تغيير اختياره عند الاقتضاء بأن يعرض عليه منتوجاً آخر مناسب.
أما الالتزام التعاقدي فيكمن في أنه بعد إبرام عقد البيع يقع على البائع التزام بإعلام المشتري بكل الإرشادات حول شروط الاستعمال و الاحتياطات الواجب اتخاذها أثناء الاستعمال.
و تكمن أهمية الالتزام بالإعلام في:
1-أنه يحقق حماية للمستهلك حيث ظهرت طائفة من العقود لا يتم إبرامها في ظل مفاوضات و مناقشات كافية لإعلام المتعاقد بتفاصيل العقد الذي يقدم على إبرامه مما يبصره بخصائص الشيء و مكوناته ،فأصبح ينضم إلى هذه العقود معتمداً على الثقة التي أولاها للطرف الآخر باعتباره بائعاً محترفاً،فأدى ذلك إلى عدم التعادل في المراكز العقدية لذلك كان لابد من حماية المستهلك عن طريق إلزام البائع بالإفضاء بالبيانات و المعلومات التي تجعل رضا المستهلك حراً و مستنيراً.
2-الالتزام بالإعلام هو وسيلة لضمان سلامة المستهلك في مجال المنتجات الخطيرة لأن الإخلال به قد يؤدي إلى وقوع أضرار مادية و جسدية،لذلك يجب الإفضاء على مخاطر الشيء و على الأضرار التي تنجم عنه عند استعماله،و كيفية استعماله أيضاً و التحذيرات اللازمة عن التهاون بما يدلي به من معلومات.
أساس التزام البائع بالإعلام.
هناك من اعتبر أن العلم الكافي بالمبيع يعتبر تطبيقاً مثالياً للالتزام بالإفضاء بالبيانات المتعلقة بمحل العقد حيث يلزم القانون البائع بالإدلاء للمشتري بكافة الأوصاف الأساسية للمبيع عند إبرام العقد ليكون عالماً علماً كافياً بالشيء المبيع، و الوسيلة الوحيدة لعلم المشتري هي تحميل البائع الالتزام بالإعلام.
كما يذهب البعض إلى أن مبدأ حسن النيّة هو الذي يفرض على البائع المهني التزاماً بالإعلام و نصيحة المشتري،و التحذير من مخاطره و نجد للالتزام بالإعلام أساساً في التشريع الجزائري بموجب المادة 8 من القانون 04-02 المتعلق بالممارسات التجارية،حيث تنص المادة "يلزم البائع قبل اختتام عملية البيع بإخبار المستهلك بأي طريقة كانت و حسب طبيعة المنتوج بالمعلومات النزيهة و الصادقة المتعلقة بمميزات هذا المنتوج أو الخدمة و شروط البيع و الحدود المتوقعة للمسؤولية التعاقدية".
و كذا المادة 17 من القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش.
طبيعة التزام البائع بالإعلام.
إذا أخذنا بمدى ما يلتزم به المدين بالإعلام لتحديد طبيعته،نجد أنه ليس التزاماً ببذل عناية على أساس عدم وجوب إثبات خطأ البائع لقيام مسؤوليته،و لا يمكن الجزم بأنه التزام بتحقيق نتيجة لأن هناك أموراً لا تدخل تحت سيطرة البائع،و إنما يترك الأمر فيها للمستهلك و بالتالي فهو التزام بتحقيق نتيجة مخففة.
أما البائع الذي يعلم أو كان من المفروض أن يعلم ببيانات تتعلق بالشيء المبيع و لم يدلِ بها للمشتري يعتبر مخلاً بالتزامه بالإعلام فنكون أمام التزام مادي بنقل معلومات،و هو التزام بتحقيق نتيجة لا يعفَ منها البائع إلا بإثبات القوة القاهرة،خطأ المشتري أو خطأ الغير.
الالتزامات الإجبارية في مجال إعلام المستهلك.
1-إعلام المستهلك بعناصر و خصائص المنتوجات: حيث تنص المادة17 من القانون 09-03 "يجب على كل متدخل أن يعلم المستهلك بكل المعلومات المتعلقة بالمنتوج الذي يضعه للاستهلاك بواسطة الوسم و وضع العلامات أو بأية وسيلة أخرى مناسبة،و حسب هذه المادة فإن وسم المنتوج هي الطريقة التي تؤدي إلى إبراز خصائص و عناصر المبيع و هو يتضمن: اسم المنتوج،علامته،كيفية صنعه،المواد المستعملة،كميته أو وزنه،تاريخ صنعه،مدة صلاحيته،اسم و عنوان المنتج و المستورد، و الرموز التي تتعلق بالمنتج،و أوجبت المادة 18 أن تحرر بيانات الوسم و طريقة الاستخدام،و شروط ضمان المنتوج باللغة العربية و بلغة أخرى على سبيل الإضافة،و تكون هذه البيانات مرئية و سهلة القراءة.
2-إعلام المستهلك بأسعار و شروط البيع :حيث ألزمت المادة 4 من القانون 04-02 بإعلام المشتري بالأسعار و التعريفات و بشروط البيع، و عليه وجب إعلام المستهلك بالسعر الذي يدفعه عن طريق وضع علامات أو ملصقات مصحوباً بوحدة الكيل أو المقاس أو العدد (المادة 5 من القانون 04-02).
كما أخضع القانون شروط البيع لإعلام إجباري كذكر كيفيات الدفع و الشروط المحددة للمسؤولية.
إلتزام البائع بالتسليم.
أولاً: مفهوم التسليم.
طبقاً للمادة 367 من القانون المدني التسليم هو عبارة عن وضع المبيع تحت تصرف المشتري حتى يتسلمه،و عليه فإن التسليم لا نعني به التسليم المادي للمبيع،و إنما التسليم يلزم البائع فقط وضع الشيء تحت تصرف المشتري و على هذا الأخير تسلم المبيع،لذلك فإن القاعدة المكملة (المادة 283 مدني) تجعل نفقات التسليم على البائع و نفقات التسلم على المشتري.
ثانياً: طرق التسليم.
طبقا لنفس المادة 367 قانون مدني بكون للتسليم صورتان:
أ)التسليم الفعلي (القانوني): يكون هذا التسليم بتوافر عنصرين و هما: وضع الشيء تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته و الانتفاع به دون مالك و ذلك حسب طبيعة المبيع،فإذا كان عقاراً يكون التسليم بإخلاء العين،تسليم سندات الملكية...إلخ،إذا كان منقولاً معيناً بالذات قد يكون بالمناولة،إذا كان منقولاً معيناً بالنوع يكون بالفرز و الدعوة للتسلم أو بتسليم مفاتيح المخزن،فإذا كان حق انتفاع يكون التسليم بالترخيص للمشتري استعمال الحق و تسليمه سندات الحق المنشئ له.
إعلام البائع المشتري بأن المبيع وضع تحت تصرفه و لا يتطلب أن يكون هذا الإعلام وفق نص معين.
ب)التسليم الحكمي:معناه أن يتم التسليم بتراضي الطرفين البائع و المشتري على أن المبيع سلم للمشتري (المادة 367 فقرة 2 قانون مدني)،و يكون التسليم الحكمي في فرضين أو حالتين:
الحالة الأولى:أن يكون المبيع في حيازة المشتري قبل البيع لسبب آخر غير عقد البيع هذا بصفته مستأجراً،مودعاً لديه ثم يقع البيع،فيستبقي المشتري المبيع تحت يده بناءاً على شرائه فهنا لم يحصل التسليم الفعلي للمبيع و إنما تغيرت نية المشتري في الحيازة ليصبح مالكاً للشيء بمجرد الاتفاق.
الحالة الثانية:أن يبقى المبيع عند البائع ليس بصفته مالكاً ولكنه يبقى حائزاً كمستأجر،مستعير أو مرتهن فيتم الاتفاق على دواعي الحيازة للبائع إلى تحول صفته من مالك إلى مستأجر،طبقاً للمادة 818 من القانون المدني.
ثالثاً: مكان و زمان التسليم.
تخضع هذه المسالة للقواعد العامة في العقود،و هذا بموجب المادتين 281 و 282 من القانون المدني.
1)مكان التسليم.
يكون مكان التسليم في مكان تواجد الشيء المبيع،و إذا تعلق الأمر بأشياء محددة بالنوع فمكان التسليم هو مكان الفرز (تطبيقاً لقاعدة الدين مطلوب و ليس محمول)،أما إذا انصب البيع على حق شخصي فيكون الوفاء في موطن المدين،كل هذا ما لم يوجد اتفاق أو نص مخالف.
2)زمن التسليم.
طبقاً للمادة 281 فقرة1 قانون مدني يكون التسليم بمجرد انعقاد العقد ما لم يوجد اتفاق أو نص مخالف،إلا أنه باستطاعة البائع الامتناع عن تسليم المبيع في حالة ما إذا كان الثمن واجب الدفع فوراً،فإنه بمقدور البائع حبس المبيع لغاية قبض الثمن،أما إذا منح البائع للمشتري أجلاً للدفع،التزم بالتسليم،فإذا فقد المشتري حقه في الاستفادة من هذا الأجل،فباستطاعة البائع حبس المبيع،كما في حالة شهر إفلاس المشتري طبقاً للمادة 211 قانون مدني.
رابعاً:محل التسليم.
يتمثل محل التسليم في الشيء المتفق عليه و في ملحقات أو توابع الشيء :
أ-الشيء المتفق عليه:و هو المبيع المعرّف في عقد البيع أي محل التنفيذ،و لا يمكن للبائع تعويضه بشيء آخر،فالمادة 364 قانون مدني تنص على التزام البائع بتسليم المبيع بالحالة المتفق عليها،فإذا كان عقاراً مثلاً وجب تسليمه وفقاً لما ذكر في العقد من حيث المساحة أو عدد الغرف.
ب-توابع الشيء المبيع:يلتزم البائع بتسليم توابع الشيء المبيع تبعاً لطبيعة المبيع،و كذا العرف الجاري،فتكون هذه الملحقات إما مادية،عقارات بالتخصيص،صناديق التعبئة و ثمار الشيء المبيع منذ البيع.
و قد تكون التوابع إدارية أو قانونية.
خامساً:مقدار المبيع.
إذا عين في العرف مقدار المبيع التزم البائع بأن يسلم المقدار المتفق عليه،لكن ما حكم النقص و الزيادة في مقدار المبيع؟
1)حالة النقص في المقدار.
*طبقاً للمادة 365 فقرة1 مدني يكون البائع غير مسؤول عن النقص في المبيع في حالتين:
الحالة الأولى: تتمثل في اتفاق البائع و المشتري على مخالفة أحكام المادة فيكون البائع غير مسؤول عن النقصان؛
الحالة الثانية: أن يكون النقصان مما يتم التسامح فيه عرفاً،فهنا يتحرر البائع من مسؤوليته.
*أما حالتي مسؤولية البائع عن النقص في المبيع فتكون:
الحالة الأولى:في حالة النقص البسيط الذي لا يتسامح فيه عرفاً،أو النقص الذي يتسامح فيه إذا تجاوز نسبة معينة،فيكون البائع مسؤولاً عن النقص و لكن بصفة مخففة فللمشتري أن يطالب بإكمال المقدار أو إنقاص الثمن و ليس له طلب الفسخ؛
الحالة الثانية: في حالة النقص الجسيم بحيث لو بلغ حداً من الجسامة لو علم به المشتري لما أبرم العقد و هو معيار شخصي لا موضوعي، فللمشتري إما طلب إنقاص الثمن أو طلب تكملة المقدار الناقص،أو طلب فسخ البيع للنقص الجسيم.
2)حالة الزيادة في مقدار المبيع.
حسب المادة 365 فقرة2 من القانون المدني،و في حالة عدم وجود اتفاق يخالف المادة فإننا نفرق بين حالتين:
أ-حالة الزيادة البسيطة في مقدار المبيع: و هنا إذا كان المبيع غير قابل للتقسيم دون ضرر للبائع،فعلى المشتري دفع ثمن الزيادة و لا يمكن للمشتري أن يطلب من البائع أن يأخذ هذه الزيادة لأن البائع لن يتمكن من الانتفاع بها،و ليس للمشتري أن يطالب بالفسخ،أما إذا كان المبيع قابلاً للتقسيم دون ضرر فليس باستطاعة البائع أن يطالب المشتري بأخذ الزيادة مع دفع الثمن،و إنما للمشتري رد الكمية الزائدة؛
ب-حالة الزيادة الفاحشة في مقدار المبيع: إذا كان الثمن مقدراً بحسب الوحدة،و كان المبيع قابلاً للتقسيم دون ضرر فللمشتري طلب رد المقدار الزائد دون حق المطالبة بالفسخ،و إذا كان المبيع غير قابل للتقسيم دون ضرر فباستطاعة المشتري فسخ العقد أو طلب الفسخ؛
و يتضح من المادة 366 قانون مدني أن الدعاوى الناشئة عن نقص المبيع أو الزيادة فيه تنقضي بمدة سنة واحدة من وقت التسليم الفعلي،و مدة السنة هذه هي من النظام العام.
سادساً:جزاء الإخلال بالالتزام بالتسليم.
1)إحجام البائع عن التسليم أو تأخره في ذلك.
إذا أخلّ البائع بالتزامه بالامتناع عن التسليم أو عدم تسليم المبيع في ميعاده المحدد أو ارتكب أي مخالفة لأحكام التسليم فللمشتري طلب التنفيذ العيني بعد إعذار البائع إذا كان التسليم ممكناً،غير أنه لا حاجة للإعذار إذا صرح للمشتري (كتابةً) بأنه لا ينوي تسليم المبيع،كما للمشتري أيضاً طلب الفسخ مع التعويض،و هنا للقاضي إما أن يمنح للبائع أجلاً للتنفيذ إذا أبدى نيته في التسليم أو أن يحكم بإنقاص الثمن إذا رأى أن ما لم يوفِ به البائع قليل الأهمية مقارنة مع كامل الالتزامات،أو أن يحكم بالفسخ إذا تبين أن البائع لا ينوي التسليم.
2)هلاك المبيع.
طبقاً للمادة 369 قانون مدني تقع مخاطر الهلاك قبل التسليم كأصل عام على البائع،حيث يلتزم البائع بالمحافظة على المبيع لغاية تسليمه للمشتري حتى و لو انتقلت الملكية للمشتري باعتبار أن البائع يسيطر فعلياً على المبيع،فإذا كان الهلاك بسبب أجنبي تحمل البائع تبعة الهلاك و انفسخ العقد بقوة القانون (فيلتزم البائع بإرجاع الثمن المادة 121 قانون مدني)،و إذا كان الهلاك بفعل البائع التزم برد الثمن و تعويض المشتري عما أصابه من ضرر.
إلا أنه تقع مخاطر الهلاك على المشتري إذا أعذر البائع المشتري بتسلم المبيع فتقاعس عن ذلك دون مبرر،حينئذٍ لا يسأل البائع عن تبعة الهلاك،كما يتحمل المشتري تبعة هلاك المبيع قبل تسلمه إذا هلك المبيع في يد البائع و هو حابس له،لعدم وفاء المشتري بالثمن (المادة 391 قانون مدني).
نقص قيمة المبيع بسبب التلف.
نصت على هذه الحالة المادة 370 قانون مدني،فاعتبرت أن التلف الذي يؤدي إلى نقص جسيم في قيمة المبيع يمكن المشتري من طلب الفسخ مع المطالبة بالتعويض إذا كان الإتلاف بفعل البائع،و ينظر إلى المسألة بمعيار شخصي و إذا كان النقص بسيطاً في قيمة المبيع فليس للمشتري إلا المطالبة بإقناص الثمن.
التزام البائع بضمان التعرض و استحقاق المبيع.
يلتزم البائع بأن يضمن للمشتري الحيازة الهادئة للمبيع فلا يتعرض له في تمتعه بالمبيع لا هو و لا غيره،لكن البائع لا يضمن كل تعرض إذ يشترط في التعرض كسبب للالتزام بالضمان،شروطاً معينة متى توافرت صار ممكناً للمشتري أن يطالب بالضمان.
أنواع التعرض.
طبقاً للمادة 371 قانون مدني هناك نوعان من التعرض: التعرض الشخصي و التعرض الصادر من الغير:
1)التعرض الشخصي.
التعرض الشخصي هو كل عمل مادي أو قانوني مباشر أو غير مباشر صادر من البائع و يكون من شأنه حرمان المشتري من الانتفاع بالمبيع كلياً أو جزئياً،فمثل هذا التعرض غير جائز للبائع عملاً بقاعدة" من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض"،من خلال التعريف فإنه يشترط لقيام التعرض الشخصي أن يكون التعرض بفعل البائع يحول دون انتفاع المشتري بالمبيع،بغض النظر عما إذا كان التعرض مادياً أو قانونياً،و أن يقع التعرض فعلاً فلا يكفي مجرد احتمال وقوع التعرض.
مضمون التعرض الشخصي.
قد يكون التعرض الشخصي إما تعرضاً مادياً أو قانونياً،و كلاهما يستوجب الضمان:
أولاً:التعرض المادي.
و يكون بأي فعل مادي يقوم به البائع يترتب عليه حرمان المشتري من الانتفاع من المبيع، دون أن يستند في القيام به إلى أي حقٍ يدعيه على المبيع،و لو كان الفعل المكوِّن لهذا التعرض ليس في ذاته خطأ بل يعتبر جائزاً إذا قام به الغير،و التعرض المادي قسمان:
-قسم يقوم على أعمال مادية محضة تقع من البائع،كأن يقوم المخترع باستغلال اختراعه بعد بيع براءة الاختراع،أو بيع مؤلف طبعةً من كتابه لناشر و قبل نفاذ نسخ هذه الطبعة يعيد طبع الكتاب دون موافقة الناشر الأول؛
-و قسم يقوم على تصرفات قانونية تصدر من البائع إلى الغير فيعد هذا التصرف عملاً مادياً بالنسبة للمشتري لأنه ليس طرفاً في هذا التصرف،و مثالها إذا باع البائع المبيع (المنقول )مرة ثانية إلى مشتري ثاني مع التسليم،فنكون أمام تعرض صادر من البائع نفسه بصفة غير مباشرة،فالمشتري الثاني استمد حقه من البائع؛
ثانياً: التعرض القانوني.
و يقصد به أن يدعي البائع حقاً على المبيع تجاه المشتري،و يترتب على هذا حرمان المشتري من كل المبيع أو من بعضه أو ببعض مزاياه أيضاً،كأن يبرم عقد بيع ملك الغير ثم يصبح البائع مالكاً لأي سبب من أسباب انتقال الملكية،و يحتج على المشتري بهذا الملك الذي وقع بعد البيع؛
خصائص الالتزام بضمان التعرض الشخصي.
1-التزام البائع بضمان التعرض للمشتري التزام أبدي:و على هذا استقر القضاء الفرنسي على أن البائع الذي يحتفظ بحيازة المبيع لا يمكنه التمسك في مواجهة المشتري بالتقادم و إلاَّ اعتبر ذلك تعرضاً شخصياً،و جانب آخر من القضاء المصري يفرق بين حالتين:
الحالة الأولى: تتمثل في أن التزام البائع بعدم التعرض هو التزام أبدي،فإذا حصل تعرض من البائع في أي وقت وجب عليه الضمان؛
الحالة الثانية: إذا وقع التعرض فعلاً و سكت المشتري على التعرض بعد وقوعه أصبح وضع يد البائع خمسة عشر (15) سنة على العقار سبباً مشروعاً للتملك.
2-عدم قابلية الالتزام بضمان التعرض للانقسام:و ذلك باعتبار أنه امتناع عن عمل فهو التزام غير قابل للتجزئة و لو كان المبيع ذاته قابل للانقسام؛
3-مدى انتقال الالتزام بضمان التعرض إلى الورثة:بما أن الالتزام الأصلي هو امتناع البائع عن التعرض للمشتري في انتفاعه بالشيء المبيع،و هو التزام شخصي يقع على عاتقه (و هو امتناع عن عمل)،فإن طبيعة هذا الالتزام تجعله لا ينتقل للخلف العام،كما أنه لا تركة إلا بعد سداد الديون،فالورثة لا يُسألون شخصياً في أموالهم الخاصة على ديون مورثهم بل تقع هذه الديون على التركة،و بالتالي فإن التزام البائع بعدم التعرض شخصياً لا ينتقل إلى الورثة، و التعويض كالتزام جزائي يسدد من التركة( المادة 108 قانون مدني)،أما حق المشتري في الضمان فإنه ينتقل إلى خلفه العام،كما ينتقل إلى خلفه الخاص (المواد 109، 113 قانون مدني) باعتبار التزام الضمان من مستلزمات العقد؛
آثار الضمان على التعرض الشخصي.
باعتباره التزاماً طبيعته امتناع عن عمل فتطبيقاً للقواعد العامة يكون للمشتري تنفيذ الالتزام بالضمان إما بالمطالبة بالتنفيذ العيني مع التعويض عن الضرر الحاصل و عند الاستحالة المطالبة بالتعويض، و يكون التنفيذ العيني بالمطالبة بإزالة ما وقع من مخالفة للالتزام بالضمان،و يمكن اللجوء إلى القوة العمومية عند رفض البائع،و في حالة الاستعجال يكون للمشتري أن يقوم بإزالة المخالفة بنفسه بعد الحصول على ترخيص من القضاء،و يمكن للمشتري المطالبة بالتعويض عن الخسائر اللاحقة به بفعل التعرض له للتمتع بالمبيع لفترة معينة.
أما في حالة التعرض القانوني فإذا رفع البائع دعوى على المشتري يطلب فيها استرداد المبيع فإن للمشتري دفع تلك الدعوى بالتزام البائع بالضمان،فيصدر حكم برفض الدعوى.
أما إذا كان من المستحيل تنفيذ التزام البائع بالضمان تنفيذاً عينياً فليس للمشتري إلا المطالبة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به،كما يجوز له المطالبة بالفسخ مع المطالبة بالتعويض إذا كان له محل.
و طبقاً للمادة 378 من القانون المدني فإن الاتفاق على إسقاط الضمان يقع باطلاً،و لكن يمكن تعديل أحكامه بالاتفاق على الزيادة أو الإنقاص من الضمان،فهذا جائز قانوناً.
التعرض الصادر من الغير.
إضافةً إلى تعرضه الشخصي،يضمن البائع تعرض الغير أيضاً،لكنه لا يضمن كل تعرض صادر من الغير و إنما فقط ذلك الذي يستند فيه الغير إلى حق يقع على الشيء المبيع (المادة 371 قانون مدني)؛
أ-شروط التعرض الصادر من الغير.
1-أن يكون قانونياً: سواء كان هذا الحق الذي يدعيه الغير على المبيع حقاً عينياً كحق الملكية على كل المبيع أو جزء منه، حق الرهن،الارتفاق،الانتفاع...إلخ،و قد يكون حقاً شخصياً كحق المستأجر بموجب عقد الإيجار الثابت التاريخ قبل حصول البيع؛
2-أن يقع التعرض فعلاً من الغير: فليس للمشتري أن يلجأ إلى ضمان البائع مادام الغير لم يتعرض له،و قد يدعي هذا الغير حقاً على المبيع و يرفع لهذا الحق دعوى على المشتري،أو أن يكون الغير مدعى عليه في دعوى رفعها المشتري في الضمان على أساس أن المبيع مازال في يد الغير و المشتري يريد الحصول عليه على أساس عقد البيع،و قد يكون التعرض حاصلاً فعلاً دون أن ترفع دعوى و يستحق المبيع فعلاً من المشتري،فيضمن البائع هذا الاستحقاق؛
*لذلك فإن دعوى ضمان التعرض أو دعوى ضمان الاستحقاق يبدأ التقادم فيها من يوم وقوع التعرض فعلاً أو ثبوت الاستحقاق؛
3-أن يكون الحق الذي يدعيه الغير على المبيع موجوداً وقت البيع؛
*حتى نكون بصدد الضمان يجب أن يكون حق المتعرض سابق للبيع و عندئذٍ يُسأل عنه البائع أياً كان سبب الحق،سواء كان راجع لفعل البائع أم لا دخل له في،أمَّا إذا كان المتعرض لم يكسب حقه إلا بعد البيع فلا يلتزم البائع بضمان إلا إذا كان هو المتسبب فيه (المادة 371 فقرة2 قانون مدني).
ب-انعدام شرط عدم الضمان.
لأن ضمان التعرض الصادر من الغير ليس من النظام العام طبقاً للمادة 377 قانون مدني،فقد يتفق المتعاقدان على إسقاط الضمان فلا يكون البائع مسؤولاً إلا عن رد قيمة المبيع وقت نزع اليد،و يعفى من العناصر الأخرى (قيمة الثمار،المصاريف النافعة،و مصاريف دعوى الضمان،و التعويض عن الخسارة اللاحقة)، لكنه يعفى حتى من رد قيمة المبيع وقت نزع اليد في حالتين:
الحالة الأولى:إذا أثبت أن المشتري كان عالماً بسبب الاستحقاق وقت التعاقد و وافق على إسقاط الضمان،مثلاً خصوصية حق الارتفاق (المادة 377 قانون مدني)،فمتى كان المشتري عالماً بوجود ارتفاق على العقار المبيع باعتبار أن حق الارتفاق كان ظاهراً أو أعلمه به البائع إذا كان غير ظاهر، فسكوت المشتري رضا ضمني باسقاط الضمان؛
الحالة الثانية: أن يثبت البائع أن المشتري اشترى المبيع على مسؤوليته و صرح بتحمله لمخاطر التعرض؛
و قد يتفق البائع و المشتري على إنقاص الضمان دون إسقاطه، كأن يشترط البائع على المشتري أن يدفع له عند استحقاق المبيع قيمة المبيع وقت إبرام البيع لا وقت نزع اليد،أو ألاَّ يدفع له تعويضاً عمَّا أصابه من ضرر و ما فاته من كسب،إلاَّ أن شرط إسقاط أو إنقاص الضمان باطل إذا كان البائع سيء النيّة،أي عالماً بسبب نزع اليد أو أخفاه عمداً عن المشتري،كما بإمكان البائع و المشتري الاتفاق على الزيادة في الضمان مثلاً،كالاتفاق على ضمان البائع حتى التعرضات المادية الصادرة من الغير، أو الاتفاق على ضمان نزع الملكية للمنفعة العامة.
التنفيذ العيني للالتزام بضمان تعرض الغير.
متى رفع الغير دعوى استحقاق على المشتري وجب على هذا الأخير أن يبادر إلى إخطار البائع بذلك في الوقت المناسب أي وقت رفع الدعوى،و متى أخطر المشتري البائع وجب على هذا الأخير أن يتدخل في الدعوى إلى جانب المشتري لمساعدته أو أن يحلَّ محله (المادة 372 قانون مدني)،و يدفع ادعاء الغير بجميع الوسائل القانونية التي يملكها حتى يستصدر حكماً برفض دعواه،و متى تم ذلك يكون قد نفذ التزامه بضمان تعرض الغير تنفيذاً عينياً،أما إذا صدر الحكم لصالح الغير استفاد المشتري من الحكم لتدعيم دعوى ضمان الاستحقاق ضد البائع.
إذا لم يتدخل البائع في الخصومة بالرغم من إخطاره و حكم للغير باستحقاق المبيع، كان للمشتري الرجوع على البائع و إلزامه بضمان الاستحقاق إلا إذا أثبت البائع أن الحكم الصادر كان نتيجة تدليس أو خطأ جسيم من المشتري،و طبقاً للمادة 373 قانون مدني فإن اعتراف المشتري و تصالحه مع الغير في حالة عدم تدخل البائع لا يمنعه من مطالبة البائع بضمان الاستحقاق،ما لم يثبت البائع أن الغير المدعي لم يكن على حقٍ في دعواه بأدلة حاسمة،إلا أنه قد يهمل المشتري واجبه بإخطار البائع بالدعوى و يصدر حكم نهائي لصالح الغير، فللبائع أن يدفع دعوى ضمان الاستحقاق بأن لديه حجج و لو تدخل و دفع بها لرفضت دعوى الغير (المادة 372 فقرة2 قانون مدني)؛
و طبقاً للمادة 374 قانون مدني إذا دفع المشتري مبلغاً من المال للغير ليكفَّ عن تعرضه،يجوز للبائع أن يرُدَّ للمشتري هذا المبلغ حتى يتخلص من التزامه بالضمان.
التنفيذ بطريق التعويض (ضمان الاستحقاق).
الاستحقاق هو أو يثبت و يحكم للغير بالحق الذي يدعيه على المبيع و يحرم المشتري من المبيع كلياً أو جزئياً حينها يكون البائع مخلاً بالتزامه بدفع التعرض فيقع عليه التزام احتياطي بطريق التعويض و هو ضمان الاستحقاق،و يتمثل مضمون التعويض في:
أولاً: في حالة الاستحقاق الكلي.
أي حالة نزع اليد كلياً على المبيع حسب المادة 375 من القانون المدني،حينئذٍ بإمكان المشتري إما تأسيس الإبطال على القواعد العامة (الفسخ،طلب الإبطال)،كما للمشتري طلب تنفيذ البيع بطريق التعويض و حينئذٍ يستفيد من تعويض عناصره كالآتي:
1-قيمة المبيع وقت نزع اليد (أي وقت صدور الحكم بالاستحقاق)؛
2-الثمار التي ألزم المشتري بردها إلى المالك الذي استحق المبيع و الثمار التي يردها المشتري للغير هي تلك التي يحوزها من الوقت الذي يزول فيه حسن نيته،أي من يوم إعلامه بعريضة افتتاح دعوى الاستحقاق،طبقاً للمادة 825 قانون مدني،و هي الثمار التي يلزم البائع بدفع قيمتها.
3-المصاريف:
أ-المصروفات الضرورية: و هي المصروفات اللازمة لحفظ المبيع و صيانته،لذلك فالمالك المستحق ملزم بدفعها إلى المشتري (المادة 839 فقرة 1 من القانون المدني)؛
ب-المصروفات النافعة: هي التي تهدف إلى الزيادة في قيمة المبيع،فهنا إذا كان المشتري حسن النية فإن له الحق في أن يستردها من المالك (المادة 875 قانون مدني)،أما إذا كان سيء النية أي كان يعلم سبب الاستحقاق وقت القيام بالنفقات كان له الخيار بأن يطلب إزالة المنشآت التي قام بها المشتري،أو يطلب استبقاءها مقابل دفع قيمتها (المادة 784 قانون مدني)؛
ج-المصروفات الكمالية: لا هي ضرورية و لا نافعة للمالك،فليس له أن يرجع بها على المالك المستحق (المادة 839 فقرة 3 قانون مدني)،و إنما يكون له الرجوع بها على البائع بموجب دعوى ضمان استحقاق إذا كان البائع حسن النيّة؛
4-مصروفات دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق: المصاريف القضائية يستردها المشتري من البائع؛
5-ما لحق المشتري من خسارة و ما فاته من كسب.
ثانياً: في حالة الاستحقاق الجزئي.
أي نزع اليد الجزئي على المبيع كثبوت ملكيته للغير في جزء منه أو أن يحكم للغير بحق متفرع عن حق الملكية،أو يقرر للغير حقاً شخصي ،المادة 376 قانون مدني فرقت بين حالتين في الاستحقاق الجزئي:
-إذا كانت الخسارة الناتجة عن الاستحقاق الجزئي أو وجود تكاليف جسيمة فللمشتري أن يرد المبيع للبائع،مع الانتفاع الذي حصل عليه من هذا المبيع مع المطالبة بكل عناصر التعويض الواردة في المادة 375 قانون مدني؛
-في حالة إذا كانت الخسارة غير جسيمة فليس للمشتري إلا الاحتفاظ بالمبيع و مطالبة البائع بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب الاستحقاق الجزئي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.تتمة السداسي الأول،بداية السداسي الثاني.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمان العيوب الخفية.
يضمن البائع للمشتري الحيازة النافعة و المفيدة التي تمكنه من الحصول على الخدمات المنتظرة من المبيع لذلك كان عليه أن يسلمه مبيعاً سليماً،فإذا تبين عند الاستلام أن الشيء مشوب بعيب و لم يكن بالمقدور اكتشافه عند التسليم كان البائع ضامناً لهذا العيب،و نكون بصدد ضمان العيوب الخفية.
المقصود بالعيوب الخفية الموجبة للضمان.
يعرف الفقه العيب الخفي (الموجب للضمان) أنه العلّة أو الآفة العارضة التي يخلو منها المبيع في أصلها،و التي تمنع المشتري من استعماله وفقاً للغاية المعد لها،أما القانون المدني فنص على شروطه في المادة 379 منه معتبراً أن العيب الخفي الموجب للضمان هو الذي ينقص من قيمة المبيع أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه،أو حسب طبيعة المبيع أو استعماله،إلا أن المادة 385 قانون مدني استثنت من تطبيق ضمان العيوب الخفية البيوع بالمزاد العلني سواء كانت إدارية أم قضائية،كما يستبعد من ضمان العيوب الخفية البيوع التي تم الاتفاق فيها على إسقاط الضمان كونه ليس من النظام العام،و بالتالي يجوز الاتفاق على الزيادة فيه،الإنقاص منه أو إسقاطه إذا كان البائع سيء النية (أي أخفى العيب عن المشتري عمداً).
شروط تطبيق ضمان العيوب الخفية.
1-أن يكون العيب مؤثراً:و العيب المؤثر هو الذي ينقص من قيمة المبيع أو من الانتفاع منه بقدر محسوس،فيجعله غير صالح للاستعمال فيما أُعد له،بحسب ماهيته أو بمقتضى عقد البيع (المادة 379 قانون مدني)،و بالتالي لابد لتحديد فيما إذا كان العيب مؤثراً من الرجوع إلى الغاية المقصودة من طرف المشتري في عقد البيع (ما تم الاتفاق عليه)،و في حالة عدم النص على الغاية فيجب الرجوع إلى ما يظهر من طبيعة أو تخصيص الشيء،كما أن النقص في قيمة الشيء دون نفعه كافٍ لوحده لتمكين المشتري من الرجوع على البائع بالضمان (الإنقاص في القيمة إنقاصاً محسوساً يعد عيباً خفياً و لو لم يكن هناك نقص في المنفعة)؛
2-أن يكون العيب قديماً: المقصود بالقدم أن يكون العيب موجوداً في المبيع وقت التسليم،أما إذا نشأ العيب بعد التسليم فلا يُسأل البائع عنه،لكن إذا كان سبب العيب قديماً و لم يظهر إلا بعد التسليم فهو عيب قديم يكون البائع مسؤولاً عنه؛
3-أن يكون العيب خفياً: و هو العيب الذي يكون موجوداً وقت البيع و لم يستطع المشتري كشفه بعد تفحصه للشيء المبيع،تفحص الرجل العادي،فإذا أهمل المشتري في الفحص فلا يعد البائع ضامناً إلا إذا لم يتفحص المشتري اعتماداً على تأكيدات البائع أو حالة ما إذا كان العيب ظاهراً و أخفاه البائع غشاً منه؛
4-ألا يكون العيب معلوماً للمشتري: فإذا كان عالماً بالعيب سقط الضمان و لو كان خفياً،لأن علمه يدل على رضائه بالمبيع المعيب و العبرة بتاريخ العيب الحقيقي أو وقت التسليم.
إجراءات الحصول على الضمان.
حتى يحصل المشتري على الضمان يجب أن يقوم بفحص المبيع بعناية الرجل العادي،و فور اكتشاف العيب على المشتري أن يبادر بإخطار البائع بوجود هذا العيب في ميعاد معقول (المادة 381 قانون مدني)،فإن لم يخطر المشتري البائع سقط حقه في الرجوع بالضمان.
فإذا أخطر المشتري البائع بالعيب و لم يُجدِ هذا الإخطار كان للمشتري رفع دعوى الضمان خلال سنة من وقت تسلم المبيع تسلماً فعلي (المادة 381 قانون مدني)،لأنه بالتسلم الفعلي يتمكن المشتري من الفحص،إلا أن البائع لا يستطيع التمسك بمدة السنة إذا قبل تشديد الضمان و إطالته لأكثر من سنة (السنة يمكن تمديدها لكن لا يمكن تقصيرها)،أو إذا أخفى البائع العيب غشاً منه فيطبق التقادم الطويل أي خمسة عشر (15) سنة من يوم التسليم.
آثار دعوى الضمان.
بالرجوع للمادة 381 قانون مدني نجد أن المشرع قد أحال بشأن ضمان العيوب الخفية إلى المادة 376 قانون مدني المتعلقة بنزع اليد الجزئي للمبيع،و بالتالي طبقاً للمادة 376 قانون مدني وجب التفريق بين حالتين:
الحالة الأولى : حالة العيب الجسيم: أي أن الخسارة الناتجة بسبب العيب بلغت درجة من الجسامة لو علم بها المشتري لما تعاقد،و عندئذٍ يجوز للمشتري أن يرد المبيع للبائع و يطالبه بجميع عناصر التعويض المنصوص عليها في المادة 375 قانون مدني؛
الحالة الثانية: حالة العيب غير الجسيم: و هنا لا يكون للمشتري إلا الاحتفاظ بالمبيع مع المطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق به بسبب العيب.
عـــــــــــقــــــــــد الإيـــــــــــجـــــــار.
أولا: تعريف عقد الإيجار.
قبل صدور القانون 07-05 المؤرخ في 13 مايو 2007 المعدل و المتمم للأمر 75-58 مؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني،لم يعطِ المشرع الجزائري تعريفاً لعقد الإيجار و اكتفى بالإشارة بموجب المادة 467 قانون مدني على أن الإيجار ينعقد بمقتضى عقد بين المؤجر و المستأجر،غير أنه بعد التعديل عرَّفه المشرع الجزائري بموجب ذات المادة المعدلة أنه" عقد يمكن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم،و يكون هذا البدل في الأصل نقوداً إلا أنه يجوز أن يكون تقديم عمل"،يستفاد من نص المادة 467 المعدلة أن عناصر عقد الإيجار هي: التمكين من الانتفاع،الأجرة و المدة.
ثانياً: خصائص عقد الإيجار.
1)وجوب كتابة العقد المتضمن الإيجار: من خلال أحكام عقد الإيجار التي قررّها الأمر 75-58 يتبيّن أن عقد الإيجار هو من العقود الرضائية التي لا يشترط لانعقادها شكل خاص،كما أن إثباته لا يتطلب بأن يتم في شكل خاص أيضاً،و هذا ما يستفاد من نص المادة 467 قانون مدني قبل التعديل،غير أنه إثر التعديل بموجب القانون 07-05 جعل المشرع كتابة عقد الإيجار ركناً لانعقاده،فهو عقد شكلي بنص المادة 467 مكرر ،إذ يجب أن يفرغ العقد في ورقة عرفية أو قالب رسمي و إلا كان باطلاً،غير أنه إذا أفرغ في ورقة عرفية فإن المحرر العرفي يجب أن يكون ثابت التاريخ بتسجيله بمصلحة التسجيل و الطابع،و قد نصت المادة 328 قانون مدني،أنه لا يكون العقد العرفي حجة على الغير في تاريخه إلا مذ أن يكون له تاريخ ثابت ابتداءاً من يوم تسجيله،من يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام،أو من يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص،أو من يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد حق أو إنذار.
و عليه في حالة تخلف عنصر الكتابة يقع عقد الإيجار تحت طائلة البطلان،و هنا تجدر الإشارة إلى أن أحكام عقد الإيجار المعدلة في القانون 07-05 لا تسري إلا على الوقائع التي نشأت في ظله تطبيقاً للمادة 2 فقرة 1 قانون مدني" لا يسري القانون إلا على ما يقع على المستقبل و لا يكون له أثر رجعي..."،و تؤكد ذلك المادة 507 مكرر من القانون المدني،فالكتابة في عقود الإيجار لا تسري إلا بالنسبة للتصرفات التي انعقدت بعد صدور القانون 07-05.
بتاريخ 01 مارس 1993 صدر المرسوم التشريعي 93-03 المتعلق بالنشاط العقاري (المعدل و المتمم بالقانون 07-05 و الملغى بالقانون 11-04 لـ17 فبراير 2011 المتعلق بالترقية العقارية)،و بموجبه تشترط المادة 21 منه أن تتجسد العلاقة بين المؤجر و المستأجر وجوباً طبقاً للنموذج الكتابي الذي حدده المرسوم التنفيذي 94-69 المؤرخ في مارس 1994 المتضمن المصادقة على نموذج عقد الإيجار المنصوص عليه في المادة 21،غير أن المشرع أورد استثناء على هذه القاعدة في الفقرة 2 من نفس المادة يتمثل في أنه إذا لم يكن بيد المستأجر عقد إيجار مكتوب روعي فيه شكله المقرر و قام هذا المستأجر باستظهار أي محرر يثبت وجود رابطة بينه و بين مرقي عقاري يأخذ مركز المؤجر،فإن ذلك يخوِّل له الحق في شغل الأمكنة لمدة سنة كاملة تسري ابتداءاً من تاريخ معاينة مخالفة أحكام الإيجار، و بعد نهاية السنة يتقرر له مغادرة الأمكنة.
إلاَّ أن المادة 8 من التعديل 07-05 ألغت الفقرة 2 من المادة 21 للمرسوم التشريعي 93-03،أي ألغت هذا الاستثناء.
2)عقد الإيجار من عقود المعاوضة: يأخذ كل من المؤجر و المستأجر مقابلاً لما يعطيه.
3)عقد الإيجار من العقود الملزمة لجانبين: فيلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة،و يلتزم المستأجر بدفع بدل الإيجار.
4)عقد الإيجار هو من العقود الواردة على الانتفاع بالشيء: و بالتالي يعتبر من أعمال الإدارة لا من أعمال التصرف،فيقتصر على إنشاء التزامات شخصية.
5)عقد الإيجار عقد زمني: أي من عقود المدة،و تعتبر مدة عقد الإيجار ركناً في العقد خاصة بعد تعديل القانون 07-05،حيث جعل المشرع قيام الإيجار مرتبطاً بالمدة الزمنية المحددة له،و في حالة عدم تحديدها كان العقد باطلاً بطلان مطلقاً،المادة 469 مكرر1 قانون مدني "ينتهي الإيجار بانقضاء المدة المتفق عليها دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء"،فالمستأجر لن يستفيد من تمديد لعقد الإيجار و بشروطه الأولى و لمدة غير محدودة،في حالة انتهاء المدة (التجديد الضمني) كما هو الحال بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة في ظل القانون المدني لـ1975 في المادة 474 فقرة 2،و المادة 509 (ملغاتان)، و من ثم استبعد المشرع العقود غير محددة المدة و العقود الأبدية لأنه على أساس هذه المدة يتعين مقدار المنفعة التي يستحقها المستأجر و مقدار الأجرة أو بدل الإيجار التي يستحقها المؤجر، من ناحية أخرى نجد المشرع في المادة 468 من تعديل 07-05 نص على أنه "يجوز للشخص الذي لا يملك إلا القيام بأعمال الإدارة أن يبرم عقود الإيجار،غير أنه لا يجوز له أن يبرم عقد إيجار لمدة تزيد عن ثلاث (3) سنوات ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك،و في حالة ما إذا أبرم عقد الإيجار لمدة تزيد عن ثلاث (3) سنوات فإن مدة سريان الإيجار تقتصر على ثلاث (3) سنوات فقط،و لا يعتد بالمدة الزائدة.".
و من ثم الأشخاص الذين لهم حق الإدارة هم: الولي،الوصي،الوكيل وكالة عامة،الدائن المرتهن رهن حيازي،الحارس القضائي،الوكيل المتصرف القضائي...
أركان عقد الإيجار.
أولاً:الأهلية في عقد الإيجار.
يشترط لانعقاد الإيجار أهلية طرفي العقد بإتمام 19 سنة،و إذا كان أحد الطرفين مميزاً أي أكمل 13 سنة (السفيه أو من في حكمه) كان العقد موقوفاً على إجازة الولي أو إجازة القاصر بعد اكتمال أهليته،لأن الإيجار من العقود الدائرة بين النفع و الضرر؛
في هذا الإطار فإن الأشخاص الذين لهم حق الإيجار:
1-من يملك حق التصرف: (أي المالك)؛
2-المستأجر: حيث يجوز له أن يؤجر العين المؤجرة باطنياً بعد الحصول على إذن كتابي من المؤجر طبقاً للمادة 505 قانون مدني المعدلة،نفس الحكم بالنسبة للتنازل عن الإيجار؛
3-الأشخاص الذي لهم حق القيام بأعمال الإدارة: (المادة 468 قانون مدني) يحق لهم الإيجار لمدة لا تتجاوز ثلاث (3) سنوات،و منهم: الولي،الوصي،الوكيل وكالة عامة وغيرهم...؛
4-المنتفع: لأن له حق أو سلطة الاستعمال و الاستغلال باعتبار أن حق المنتفع يعطي لصاحبه حقاً عينياً متفرع عن حق الملكية (المادة 469 قانون مدني)؛
5-إيجار من له حق الاستعمال و السكن:إذ بموجب المادة 856 قانون مدني،لا يجوز التنازل للغير عن حق الاستعمال و السكن إلا بناءاً على شرط صريح أو مبرر قوي،و قد جاء في المادة 469 مكرر من التعديل 07-05 للقانون المدني عبارة "إيجار" عوض "تنازل"،فأجازت لصاحب حق الاستعمال و السكن أن يبرم عقد إيجار و لكن إذا ورد في المحرر المنشئ للحق بند صريح يرخص له بذلك؛
6-إيجار ملك الغير: قد يؤجر الشخص ملك الغير،أي يكون المؤجر لا يملك العين المؤجرة و ليس له لا حق الانتفاع بها و لا حق إدارتها،بما أن بيع ملك الغير نصوصه استثنائية و لا وجود لها في إيجار ملك الغير،فيعتبر هذا الإيجار صحيحاً و من ثم ليس للمستأجر طلب الإبطال أو الفسخ ما لم يتعرض له المالك،أما المالك الأصلي فيمكنه الرجوع بالتعويض على المؤجر،أو منعه من الانتفاع بالعين،كما يمكن للمالك طلب استحقاق العين من المستأجر لأن العقد غير نافذ في حقه،أو تأجير العين للغير،و هنا يجوز للمستأجر الرجوع بضمان الاستحقاق على المؤجر و المطالبة بالفسخ،أما إذا أقرّ المالك الإيجار حلّ محل المؤجر في الحقوق و الالتزامات.
ثانياً: محل عقد الإيجار.
و يقوم محل عقد الإيجار على عنصري المنفعة و بدل الإيجار:
أ-المنفعة.
حيث يمكن المؤجر المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة عن طريق تسليمها له،و يشترط في المنفعة:
1- أن تكون ممكنة وقت إبرام العقد:فإذا هلك الشيء محل المنفعة بعد العقد و قبل التسليم فإن العقد صحيح لكنه ينفسخ بقوة القانون لتعذر شرط المنفعة،و كذلك الحكم إذا هلكت العين المؤجرة خلال مدة الإيجار (المادة 481 قانون مدني)،و إذا ورد الإيجار على منفعة ممكنة في المستقبل بدأ سريان العقد من تاريخ إتمام البناء؛
2-أن يعلم المستأجر بالمنفعة علماً كافياً: فيجب أن توصف العين المؤجرة وصفاً كافياً،لذلك بالنسبة للإيجارات المتعلقة بالأماكن استوجب المشرع أن تتم معاينتها وجاهياً،و يلحق بعقد الإيجار محضر وصفي يبين بأن العين المؤجرة استلمت في حالة صالحة للاستعمال،و في حالة تخلف تحرير المحضر يفترض أن المستأجر قد تسلمها في حالة سليمة (المادة 476 معدلة)؛
3-يجب أن ترد المنفعة على محل أو شيء صالح للاستعمال: من منقولات و عقارات (أي من دون الأشياء الاستهلاكية).
ب-بدل الإيجار.
هو لقاء الإيجار الذي يلتزم المستأجر بدفعه للمؤجر و الذي ينبغي أن يكون محدد في عقد الإيجار، و قد يكون بثمن نقدي أو بتقديم عمل (المادة 467 فقرة 2 قانون مدني)،و يجب أن تكون الأجرة حقيقية و جدية.
قرر المرسوم التنفيذي رقم 97-506 المؤرخ في 29 ديسمبر 1997 الذي يحدد القواعد المنظمة لإيجار السكنات التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري و الموضوعة للاستغلال ابتداءاً من 1 جانفي 1998 ،على أنه يجب أن يذكر مبلغ الإيجار الأصلي في عقد الإيجار و تتم بموجبه فاتورة شهرية،وفقاً لشكل الوصل النموذجي المصادق عليه بموجب قرار من قبل وزير السكن.
ثالثاً: المدة.
هي من العناصر الجوهرية في عقد الإيجار حيث تسري مدة الإيجار من التاريخ المتفق عليه في العقد،فإذا لم يحدد فمن تاريخ إبرام العقد،و قد ألغى القانون 07-05 نظام التجديد الضمني الذي كان معمولاً به في ظل القانون القديم،حيث كان يجيز بعد انتهاء مدة العقد و عدم قيام المؤجر بالتنبيه بالإخلاء أن يتجدد العقد و لمدة غير محدودة.
أما بموجب المرسوم التشريعي 93-03 في الفقرة 2 من المادة 20 (الملغاة حالياً) قضت بأنه في حال بقاء المستأجر في العين المؤجرة دون اعتراض من المؤجر تجدد العقد ضمنياً تطبيقاً للقانون 75-58،أما في حالة اعتراض المؤجر على التجديد تنتهي علاقة الإيجار دون الحاجة إلى التنبيه بالإخلاء عملاً بقاعدة الأثر الفوري للقانون الجديد،إذ كان المؤجر وفقاً للقانون 75-58 ملزماً إذا أراد استرجاع الأمكنة أن يوجه إنذاراً للمستأجر بالتخلي عن العين المؤجرة وفقاً للآجال المحددة في المادة (475 ملغاة من القانون القديم،و الآجال هي: 15 يناير،15 أفريل،15 جويلية و 15 أكتوبر...)؛
رابعاً: الشكل.(وفق ما سبق التعرض إليه)، و إذا تخلف الشكل فالعقد باطل بطلان مطلق.
أثر انتقال ملكية العين المؤجرة إلى الغير.
أشار المشرع الجزائري إلى الحالة التي يقوم فيها المؤجر بنقل ملكيته بأي تصرف ناقل للملكية كالبيع،الهبة،المقايضة في المادة 469 مكرر 3 من القانون المدني،بحيث تقضي أنه" إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة إرادياً أو جبراً يكون الإيجار نافذاً في حق من انتقلت إليه الملكية"،فلا يمكن للمتصرف إليه (صاحب الحق الموالي أو اللاحق لعقد الإيجار) أن يطالب المستأجر بالإخلاء إذا كان مسكناً إلى حين انتهاء مدة الإيجار،فإذا كان عقد الإيجار عرفياً فلا يكون له حجية على المتصرف إليه إلا إذا كان ثابت التاريخ و سابق على ثبوت حق المتصرف إليه ما دام المتصرف إليه حسن النية،و في هذه الحالة يلتزم المستأجر بدفع الأجرة إلى المتصرف إليه و ليس إلى المالك السابق،أما إذا قام المستأجر بالوفاء مقدماً ببدل الإيجار إلى المؤجر فإنه يمكنه أن يحتج إزاء من انتقلت إليه الملكية بهذا الوفاء المعجل،و ما على المتصرف إليه إلا الرجوع على المؤجر (بدعوى الإثراء بلا سبب)،إلا أنه في حالة ثبوت علم المستأجر بانتقال الملكية وقت الوفاء ببدل الإيجار فلا يجوز له الاحتجاج بهذا الوفاء في مواجهة المتصرف إليه.
أحكام عقد الإيجار (آثار عقد الإيجار).
I-التزامات المؤجر.
أولاً: الالتزام بتسليم العين المؤجرة.
حيث يلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة المتفق عليها دون غيرها،كما يلتزم بتسليم ملحقاتها و هي المستلزمات التي لا يكتمل الانتفاع بالعين المؤجرة إلا بها (حق الارتفاق،تصريف المياه...إلخ)،كما يجب أن يسلم العين في حالة حسنة،معنى ذلك أنه إذا كانت العين المؤجرة تحتاج إلى ترميمات و إصلاحات فعليه القيام بها قبل تسليمها (المادة 476 قانون مدني)،و اشترط المشرع أن تتم معاينة الأماكن وجاهياً بحضور طرفي العقد و تحرير محضر وصفي يلحق بعقد الإيجار،هذا المحضر يبين حالة العين المؤجرة عند التسليم و أوصافها و محتوياتها،و في حالة تسليم العين المؤجرة دون هذا الإجراء اعتبر ذلك قرينة على تسلم العين في حالة حسنة،و إن كانت قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها.
إذا قام المؤجر بتسليم العين المؤجرة بحالة غير صالحة للاستعمال المقصود فإنه يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ عقد الإيجار أو إنقاص بدل الإيجار بقدر ما نقص من الاستعمال مع التعويض (المادة 477 قانون مدني)،و قد أحال المشرع فيما يخص الالتزام بالتسليم إلى أحكامه في عقد البيع بموجب المادة 478 قانون مدني،و عليه يكون زمن التسليم بمقتضى المادة 281 قانون مدني بمجرد انعقاد العقد إلا إذا قضى العرف على تأجيل التسليم،فإن تأخر المؤجر عن التسليم امتنع المستأجر عن دفع بدل الإيجار.
أما مكان التسليم فهو مكان تواجد العين المؤجرة،فإذا امتنع المؤجر عن تنفيذ التزامه بالتسليم جاز للمستأجر بعد إعذار المؤجر المطالبة بالتنفيذ العيني،أو المطالبة بالفسخ مع التعويض.
و إذا كان عدم التسليم بسبب الهلاك الكلي لسبب أجنبي انفسخ العقد بقوة القانون،استرد المستأجر بدل الإيجار الذي دفعه مقدماً،أما إذا كان الهلاك جزئياً (فللمستأجر إما طلب الفسخ أو إنقاص بدل الإيجار)،و إذا كان الهلاك بسبب المؤجر كان للمستأجر طلب التعويض إضافة لذلك.
و قد أكدت المادة 16 من المرسوم 76-147 على ضرورة تسليم ديوان الترقية و التسيير العقاري العين المؤجرة في حالة جيدة،و إلا كان للمستأجر طلب الفسخ إذا كان النقص جسيماً.
ثانياً: التزام المؤجر بالصيانة.
حسب المادة 479 فقرة 1 قانون مدني فإن المؤجر ملزم بصيانة العين المؤجرة لتبقى على الحالة التي سلمت بها،فيقوم بجميع الترميمات الضرورية أثناء مدة الإيجار،باعتباره من عقود المدة؛
و الترميمات الضرورية لحفظ العين المؤجرة من الهلاك أو التلف،مثل: إصلاح الجدران الآيلة للسقوط،ترميم الأسقف،ترميم الأرضيات المهترئة بفعل المياه،و الترميمات الضرورية لانتفاع المستأجر بالعين المؤجرة،مثل صيانة قنوات الصرف،تبييض الأسطح،و هو ما يستنبط من المادة 479 قانون مدني و المادة 18 من المرسوم 76-147 المتضمن تنظيم إيجار المحلات المعدة للسكن التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري،كما يتحمل المؤجر التكاليف المثقلة للعين المؤجرة كالضرائب.
أما الترميمات التأجيرية التي تحتاجها العين نتيجة استعمالها استعمال عادي فيتحملها المستأجر،و في حالة وجود خلاف بين ما هو ملزم للمؤجر أو المستأجر فيعود التقدير لقاضي الموضوع.
و في حالة تقاعس المؤجر عن تنفيذ التزاماته بعد إعذاره بعقد غير قضائي بالتنفيذ العيني،يجوز للمستأجر المطالبة بالفسخ أو بإنقاص بدل الإيجار مع المطالبة بالتعويض إذا كان له محل (المادة 480 قانون مدني)،غير أنه في حالة الضرورة و الاستعجال يجوز للمستأجر القيام بالترميمات الضرورية على حساب المؤجر طبقاً للمادة 480 فقرة أخيرة و ذلك بعد إعذار المؤجر بموجب محرر غير قضائي،إذ يجب توافر شرطي الإعذار و الاستعجال حتى يتمكن المستأجر من الرجوع بالنفقات على المؤجر.
و في حالة ما إذا ترتب عن إجراء الترميمات إخلال كلي أو جزئي في الانتفاع بالعين المؤجرة جاز للمستأجر حسب الحالة طلب الفسخ أو الإنقاص من بدل الإيجار،غير أنه إذا بقي المستأجر في العين المؤجرة بعد إجراء الترميمات فإن بقاءه يخول له فقط طلب إنقاص بدل الإيجار دون الفسخ.
و في إطار إيجار السكنات التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري ألزم المشرع المصلحة أو الديوان في حالة استرجاعه للمسكن من أجل القيام بترميمات للتحسين تتطلب الإخلاء المسبق أن يوفر للمستأجر حق شغل سكن آخر صالح للسكن إلى غاية انتهاء الترميمات (المادة 14 من المرسوم 76-147).
و إذا استحال الانتفاع بالعين لهلاكها كلياً أثناء مدة العقد يفسخ الإيجار بقوة القانون،و إذا كان الهلاك جزئياً أنقص من صلاحية استعمالها نقصاً معتبراً و لم يقم المؤجر برد العين إلى الحالة التي كانت عليها جاز للمستأجر طلب إنقاص بدل الإيجار أو الفسخ (المادة 481 قانون مدني).
ثالثاً: التزام المؤجر بضمان التعرض.
يترتب على إبرام عقد الإيجار التزام المؤجر بالامتناع عن كل تعرض للمستأجر خلال فترة الإيجار يحول دون تمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة انتفاعاً مادياً كهدم جزء من العين المؤجرة (المادة 483 قانون مدني)،كما يضمن كل تعرض مادي صادر من المؤجر و القائم على تصرف قانوني صادر من المؤجر إلى الغير (المادة 483 فقرة أخيرة من القانون المدني)،كأن يقوم المؤجر برهن الشيء المؤجر رهناً حيازياً و حينئذٍ يفترض انتقال حيازته للدائن المرتهن الذي استمد حقه من المؤجر.
كما يضمن المؤجر تعرضه الشخصي القائم بسبب قانوني كأن يؤجر شخص ملك الغير و تؤول ملكية العين المؤجرة إليه بالشراء،الميراث...إلخ،فيطالب المستأجر بالإخلاء على أساس ملك الغير فلا يجوز له هذا التعرض لأنه يجب عليه الضمان.
و عند إخلال المؤجر بالتزامه بالضمان بأن يتعرض للمستأجر فلهذا الأخير طلب التنفيذ العيني (وقف التعرض)،كما له طلب الفسخ إذا كان التعرض جسيماً أو لم يكن جسيماً لكن المؤجر لم يوقف تعرضه،كما له طلب إنقاص الأجرة بقدر ما نقص من انتفاعه بالعين مع المطالبة بالتعويض عن الضرر.
كما على المؤجر أن يضمن التعرض القانوني الصادر من الغير الذي يدعي حقاً على العين المؤجرة سواء كان الحق الذي يدعيه الغير سابقاً في نشوئه على عقد الإيجار أو لاحقاً له دون التعرضات المادية الصادرة من الغير (المادة 487 قانون مدني).
إلا أنه في حالة التعرض المادي الصادر من الغير يمكن للمستأجر أن يستعمل دعاوى الحيازة،مثلاً دعوى منع التعرض (المادة 820 قانون مدني).
و في حالة التعرض القانوني على المستأجر أن يبادر إلى إخطار المؤجر بالدعوى المرفوعة عليه من الغير و على المؤجر أن يتدخل في الدعوى إلى جانب المستأجر (المادة 484 قانون مدني)،و إذا لم ينجح المؤجر في دفع التعرض وجب عليه ضمان الاستحقاق و جاز للمستأجر طلب فسخ الإيجار و الإنقاص من بدل الإيجار في حدود ما نقص من منفعة العين مع حقه في المطالبة بالتعويض طبق المادة 484 فقرة أخيرة من القانون المدني.
و من جهة أخرى فإنه لا يجوز الاتفاق على إسقاط أو التخفيف من ضمان المؤجر للتعرض القانوني الصادر من الغير أو الصادر منه شخصياً،إلا أنه بالمقابل يمكن الاتفاق على أن يضمن المؤجر تعرض الغير المادي فيكون ذلك بمثابة تشديد لضمانه (المادة 490 فقرة 1 قانون مدني).
و قد نص المشرع الجزائري على صورتين للتعرض الصادر من الغير:
1-حالة تعدد المستأجرين لعين واحدة: مما يؤدي إلى التزاحم،إعطاء الأولوية لمن كان له عقد سابق في ثبوت التاريخ على العقود الأخرى (المادة 485 قانون مدني)،و في حالة ما إذا كان للعقود نفس التاريخ كانت الأولوية لمن حاز المكان أولاً،حينئذٍ يتوجب ضمان الاستحقاق للباقين حسني النية (المادة 485 قانون مدني)،فيتمكنون من الرجوع على المؤجر بالتعويض.
2-التعرض الصادر من السلطات الإدارية: طبقاً للمادة 486 قانون مدني فقد تقوم السلطات الإدارية طبقاً للقانون بأفعال تعتبر تعرضاً للمستأجر صادر عن الغير كونها تنقص من الانتفاع بالعين المؤجرة و حينئذٍ يكون للمستأجر طلب الفسخ أو إنقاص بدل الإيجار،و لا يمكنه المطالبة بالتعويض (التعرض المادي) إلا إذا كان عمل السلطة الإدارية أو قرارها بسبب يكون المؤجر مسؤولاً عنه،إلا أن المادة 486 قانون مدني ليست من النظام العام،حيث يجوز الاتفاق على عدم رجوع المستأجر في مثل هذا التعرض على المؤجر لا بإنقاص بدل الإيجار و لا بالفسخ و لا بطلب التعويض.
رابعاً: التزام المؤجر بضمان العيوب الخفية.
حيث يلتزم المؤجر بضمان العيوب الخفية في العين المؤجرة التي تحول دون إمكان استعمالها أو تنقص من هذا الاستعمال غير أنه لا يضمن العيوب التي أعلم بها المستأجر أو ثبت بأن المستأجر على علم بها وقت التعاقد (المادة 488 قانون مدني)،و يأخذ حكم العيب الخفي تخلف الصفة التي اشترط المستأجر وجودها أو تعهد بوجودها المؤجر.
و يشترط في العيب الموجب للضمان:
1-أن يكون العيب مؤثراً،أي ينقص من الانتفاع بقدر محسوس،أما إذا تعلق الأمر بغياب صفة تعهد بها المؤجر فإن مجرد غيابها يكون عيباً مؤثراً؛
2-يضمن المؤجر العيوب الخفية القديمة التي تكون في العين المؤجرة قبل التسليم و حتى العيوب التي تطرأ خلال مدة الإيجار؛
3-أن يكون العيب خفياً،أي لم يتمكن المستأجر من كشفه عند تفحص العين عند التسليم تفحص الرجل العادي؛
غير أن المؤجر يضمن العيب الذي يخفيه غِشاً منه و حينئذٍ لا يستفيد من شرط إسقاط الضمان،إذ أن القاعدة العامة أنه يمكن الاتفاق على التخفيف أو إسقاط الضمان في غير هذه الحالة (المادة 490 فقرة 2 قانون مدني)،و يسقط حق المستأجر في رفع دعوى الضمان بمرور 15 سنة تحسب من وقت ظهور العيب الموجب للضمان (طبقاً للقواعد العامة لعدم وجود نص خاص)؛
4-أن يكون العيب غير معلوم للمستأجر قبل التسليم؛
و في حالة وجود العيب الموجب للضمان يجوز للمستأجر حسب الحالة طلب الفسخ أو إنقاص بدل الإيجار،كما له طلب إصلاح العيب أو أن يقوم بإصلاحه على نفقة المؤجر إذا كان الإصلاح لا يشكل نفقة باهظة على المؤجر (المادة 489 قانون مدني)،زيادة على كل هذا يجوز للمستأجر طلب التعويض إذا كان المؤجر عالماً بالعيب.
II-التزامات المستأجر.
أولاً: دفع بدل الإيجار.
تنص المادة 498 قانون مدني على التزام المستأجر بالوفاء ببدل الإيجار في المواعيد المتفق عليها، و يكون مكان دفع بدل الإيجار في موطن المستأجر باعتباره المدين ما لم يوجد اتفاق بخلاف ذلك (المادة 498 قانون مدني).
و في حالة حدوث نزاع حول بدل الإيجار فإن الوفاء بالقسط الأخير منه يعتبر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك (المادة 499 قانون مدني).
و قد حدد المرسوم التنفيذي 76-147 ميعاد دفع الأجرة في المادة 8 في أجل أقصاه اليوم الخامس من الشهر،و طبقاً للمادة 14 من المرسوم 97-506 فإنه في حالة تخلف المستأجر من الوفاء بمخلفات مؤجره (ديوان الترقية و التسيير العقاري) لمدة شهرين من حلول أجل استحقاقها ترفع مبالغ الإيجار بنسبة 5 % عن كل شهرين (2) من التأخير،أما إذا تقاعس المستأجر من أداء التزامه لمدة ستة (6) أشهر مع سبق توجيه ثلاث (3) إنذارات انفسخ العقد بقوة القانون.
و هنا فطبقاً للقواعد العامة فإذا لم يقم المستأجر بدفع بدل الإيجار فللمؤجر المطالبة بالتنفيذ العيني أو الفسخ مع طلب التعويض في الحالتين،كما تعتبر الأشياء الموجودة بالعين المؤجرة ضمان لحقوق المؤجر الناشئة عن عقد الإيجار و تعتبر مثقلة بامتياز المؤجر (المادة 995 قانون مدني)،و لو لم تكن مملوكة للمستأجر،فأجاز المشرع حبس جميع المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين،كما يجوز استردادها من الحائز إذا تبيّن نقلها و لو كان الحائز حسن النيّة ما نصت عليه المادة 501 قانون مدني،إلا أنه لا يجوز للمؤجر استعمال حقه هذا إذا كان نقل الموجودات تقتضيه حرفة المستأجر أو تقتضيه شؤون الحياة العادية،أو أن المنقولات التي أبقيت أو التي طلب استردادها تفي ببدل الإيجار (المادة 501 فقرة 3 قانون مدني،و المادة 655 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية).
ثانياً: التزام المستأجر باستعمال العين المؤجرة.
طبقاً للمادة 492 قانون مدني فإنه لا يجوز للمستأجر أن يحدث بالعين المؤجرة أي تغيير بدون أن يحصل على إذن كتابي من المؤجر، و في حالة عدم الحصول على الإذن يلتزم المستأجر بإزالة التغييرات و إرجاع العين إلى الحالة التي كانت عليها،و تعويض المؤجر عن الضرر إذا اقتضى الحال.
و إذا كانت هذه التغييرات بموجب إذن كتابي و زادت في قيمة العين المؤجرة وجب على المؤجر رد قيمة هذه التحسينات عند نهاية الإيجار ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.
و قد أجازت المادة 493 قانون مدني للمستأجر وضع أجهزة لتوصيل المياه ، الكهرباء ، الغاز و أسلاك الهاتف و ما يشبه ذلك،إلا إذا أثبت المؤجر أن وضع مثل هذه الأجهزة يهدد سلامة العقار.
ثالثاً: التزام المستأجر بالمحافظة على العين المؤجرة أثناء مدة الإيجار.
من شأن انتقال حيازة العين إلى المستأجر أن يضع على هذا الأخير التزاماً بالمحافظة عليها،و القيام بالترميمات اللازمة و إلا عُدَّ مسؤولاً عما يصيبها من هلاك أو تلف.
فطبقاً للمادة 172 قانون مدني،في الالتزام بعمل إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء أو يقوم بإدارته ،أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه،فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية ما يبذله الشخص العادي و هو ما أكدته المادة 495 فقرة 1 قانون مدني،بأن ألزمت المستأجر أن يبذل في العناية بالعين المؤجرة عناية الرجل العادي،فيستعملها استعمالاً مألوفاً، و يرجع تقدير ذلك إلى قاضي الموضوع،و عند إخلال المستأجر بالتزامه وجب عليه التنفيذ العيني بالإصلاح أو الفسخ إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن أو كان الإخلال جسيماً مع التعويض عن الضرر،إلا أنه خروجاً عن القواعد العامة جعل المشرع خطأ المستأجر مفترضاً إذا لحق بالعين المؤجرة تلف أو هلاك،بحيث يلتزم المستأجر بإثبات بأنه بذل عناية الرجل العادي في المحافظة على العين و عدم صدور خطأ منه ليدرأ عن نفسه المسؤولية،و لا تقتصر مسؤولية المستأجر على الأفعال التي تصدر منه و إنما حتى تلك الصادرة من تابعيه.
و قد جاء المشرع الجزائري بحكم خاص في حالة حريق العقارات بمقتضى المادة 496 قانون مدني،فإذا كان شغل العقار من طرف مستأجر واحد و تلف أو هلك بسبب الحريق فإن أساس مسؤولية المستأجر المسؤولية المفترضة،أي أن التزامه في هذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة،بحيث لا يمكن أن يدحض المستأجر عن نفسه المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي كالقوة القاهرة،خطأ المؤجر أو خطأ الغير.
أما إذا كان العقار مشغولاً من عدة مستأجرين و شب فيه حريق دون أن يعرف المتسبب فيه،فهم مسؤولون جميعاً في مواجهة المؤجر عن الأضرار التي يسببها الحريق بحيث يُسأل كل واحد عن الجزء الذي يشغله العقار وفقاً لقيمته.
و يكون لكل مستأجر أن يدرأ عن نفسه المسؤولية بإثباته أن النار أو الحريق كان سببها أجنبي (أي أن الحريق بدأ نشوبه في جزء يشغله مستأجر آخر فيكون هذا المستأجر وحده مسؤولاً)،أو يثبت بأن الحريق كان بسبب القوة القاهرة فيتحمل المؤجر التبعة ،أو يثبت أن النار أو الحريق نشب في الجزء الذي يشغله المؤجر مما يعفي المستأجرين من المسؤولية.
و من أجل المحافظة على العين أيضاً يلتزم المستأجر بالقيام بالترميمات التأجيرية،طبقاً للمادة 494 قانون مدني و التي يعود مصدرها إلى استعمال المستأجر أو تابعيه للعين المؤجرة و كل ما جرى العرف على أن المستأجر هو من يقوم بها،إلا أن التزام المستأجر هذا ليس من النظام العام إذ يمكن الاتفاق على إعفائه منها،أو تقاسم نفقاتها مع المؤجر أو حتى التشديد فيها،و إذا أخلّ المستأجر بالتزامه بالقيام بالترميمات جاز للمؤجر مطالبته بالتنفيذ العيني،أو استئذان القاضي للقيام بها على نفقة المستأجر كما له المطالبة بالفسخ.
رابعاً: التزام المستأجر برد العين المؤجرة و ملحقاتها.
يجب على المستأجر أن يرد العين المؤجرة للمؤجر عند نهاية عقد الإيجار بالحالة التي كانت عليها وقت التسلم و بما اشتملت عليه من ملحقات من دون عجز (المادة 503 قانون مدني)،فإذا اختلف المستأجر و المؤجر عند الرد حول حالة العين يرجع إلى المحضر الوصفي المحرر عند التسليم،فإن لم يكن قد تم تحريره فيفترض أن المستأجر قد تسلمها في حالة حسنة،و إن كانت القرينة بسيطة يجوز للمستأجر إثبات عكسها.
و يكون الرد بنفس كيفية التسليم أي قانونياً بوضع العين تحت تصرف المؤجر مع إعلامه بذلك، أو حكمياً بتغير صفة المستأجر إلى مالك أو مستعير إلى غير ذلك،و عند الرد يقوم المستأجر و المؤجر بتحرير محضر وصفي يبين حالة العين و يحصر محتوياتها و إلا في حالة عدم تحريره يفترض أن المؤجر استرد العين في حالة حسنة،و كان ذلك أيضاً بمثابة قرينة قانونية بسيطة.
و إذا أخلَّ المستأجر بالتزامه بالرد عند انقضاء الإيجار أو رد العين المؤجرة على غير حالتها أو تأخر في ذلك طالبه المؤجر بالتنفيذ العيني إضافة إلى التعويض عن الضرر،يراعى فيه القيمة الإيجارية للعين عند انتهاء الإيجار و ما لحق المؤجر من خسارة و ما فاته من كسب.
التنازل عن الإيجار و الإيجار من الباطن.
باعتبار حق المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة حقاً شخصياً فيجوز للمستأجر التنازل عنه إما بمقابل أو دون مقابل،كما يجوز للمستأجر أن يقوم بتأجير حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إلى مستأجر آخر فيكون إيجاراً من الباطن أو إيجاراً فرعياً.
أولاً: التنازل عن الإيجار.
يُعرَّف التنازل عن الإيجار بأنه عقد يتم فيه نقل جميع حقوق المستأجر و التزاماته الناشئة عن عقد الإيجار إلى شخص آخر يحل محله فيها فيكون بمثابة بيع أو هبة،فيعد التنازل حوالة حقٍ بالنسبة لما يحيله المستأجر (الدائن) إلى المحال له من حقوق،و حوالة دين بالنسبة لما عليه من التزامات،فينشئ التنازل عن الإيجار علاقة مباشرة بين المؤجر و المتنازل له،و باعتبار التنازل عن الإيجار حوالة حق (قد يرد على كامل مدة الإيجار أو على جزء منها،و قد يشتمل الانتفاع بكل العين أو بجزء منها)،فإنه لا يحتج على المؤجر (المدين) بالحقوق التي للمستأجر في مواجهة المتنازل له إلا إذا رضي بها،( أو على الأقل علم بها لحل إشكالية تعدد المتنازل إليهم بحق الإيجار،فتكون الأولوية لمن قام أولاً بإعلام المؤجر بالتنازل و ذلك بموجب عقد غير قضائي).و لا يحتج بها في مواجهة الغير المتصرف لهم إلا إذا كان قبول المؤجر بالحوالة ثابت التاريخ (المادة 241 فقرة 2 قانون مدني).
أما من حيث كونها حوالة دين،فإنه لا يحتج بها بما على المستأجر من ديون و التزامات في مواجهة المؤجر إلا إذا أقرّها باعتباره دائناً (المادة 252 قانون مدني).
ثانياً:الإيجار من الباطن (الإيجار الفرعي).
هو قيام المستأجر بتأجير العين المؤجرة إلى شخص آخر و هو المستأجر الفرعي لمدة معينة لا تزيد عن مدة الإيجار الأصلي مقابل بدل إيجار معلوم.
فإذا كان طرفا عقد الإيجار الأصلي هما المستأجر الأصلي و المؤجر الأصلي فإن عقد الإيجار الفرعي يبرم بين المستأجر الأصلي الذي أصبح مؤجراً من الباطن و المستأجر الفرعي،فالإيجار الفرعي لا ينشىء علاقة مباشرة بين المؤجر الأصلي و المستأجر الفرعي،و إنما تبقى العلاقتان مستقلتان فيخضع العقد الأول لأحكام العقد الأصلي،أما الثاني فيخضع لأحكام عقد الإيجار الفرعي،و التنازل عن الإيجار من الباطن قد نظمه المشرع الجزائري بموجب المادة 505 قانون مدني التي نصت على عدم جواز التنازل على الإيجار من الباطن إلا بالموافقة الكتابية للمؤجر،و تكون الكتابة التي يفرغ فيها المؤجر قبوله بالإيجار الفرعي أو التنازل عن الإيجار من أجل الإثبات،يحدد فيها نوع التصرف الذي وافق عليه المؤجر إما تنازل أو إيجار من الباطن،و الذي يجب أن يتقيد به المستأجر،كما أن موافقة المؤجر تسري على المالك الجديد.
و وفقاً للقواعد العامة إذا خالف المستأجر المنع و قام بالتنازل أو الإيجار من الباطن كان للمؤجر أن يطالب بالتنفيذ العيني،أي المطالبة بالإخلاء على نفقة المستأجر (المادة 173 قانون مدني)،كما للمؤجر المطالبة بالفسخ فيحكم به القاضي إذا ثبت عدم إخلاء العين من قِبل المتنازل له أو المستأجر الفرعي،كما يمكنه إضافة إلى ذلك المطالبة بالتعويض عما لحقه من خسارة و ما فاته من كسب.
ثالثاً:آثار التنازل عن الإيجار.
إذا تعلق الأمر بتنازل عن الإيجار فإن ذلك يؤدي إلى نشوء علاقات ثلاث:
أ-علاقة المستأجر بالمتنازل له.
حيث يرتبطان بعقد التنازل و ينظم العلاقة أحكام الحوالة،فيحدد هذا العقد حقوق و التزامات كل طرف مع تحديد لمقابل التنازل و فيما إذا كان يستغرق كل مدة الإيجار أو جزءاً منها،فيكون المتنازل له خلفاً خاصاً للمستأجر تنتقل إليه كل حقوق المستأجر و التزاماته،و بموجب حوالة الدين يكون المتنازل له مديناً للمؤجر مباشرة بدفع بدل الإيجار و المحافظة على العين و ردها بعد انتهاء مدة الإيجار،و هنا جاءت المادة 506 قانون مدني بحكم خاص تبقي فيه المستأجر ضامناً للمتنازل له في تنفيذ التزاماته.
ب-علاقة المستأجر بالمؤجر.
بهذه الحوالة يفقد المستأجر حقوقه حيث يكون للمتنازل له فقط مطالبة المؤجر بهذه الحقوق و بالمقابل يلتزم المتنازل له بالالتزامات الناشئة عن عقد الإيجار.
ج-علاقة المؤجر بالمتنازل له.
بقبول التنازل يصبح نافذاً في حق المؤجر و يكون للمتنازل له مطالبة المؤجر مباشرة بكل حقوقه.
رابعاً: آثار الإيجار من الباطن.
من جانبه يولد الإيجار من الباطن العلاقات التالية:
أ-علاقة المستأجر الأصلي بالمستأجر الفرعي.
هي علاقة ينظمها عقد الإيجار الفرعي فيلتزم المستأجر الفرعي بكل الالتزامات الناجمة عن عقد الإيجار الفرعي بما فيها مدة الإيجار و بدل الإيجار المتفق عليه في عقد الإيجار من الباطن،و هنا لا يجوز أن تتجاوز مدة الإيجار الفرعي مدة الإيجار الأصلي،إلا إذا أقرها المؤجر الأصلي حينئذٍ تكون نافذة في حقه.
ب-العلاقة بين المستأجر الأصلي و المؤجر.
هي علاقة خاضعة لعقد الإيجار الأصلي،فيكون لكل طرف مطالبة الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته الناجمة عن العقد الأصلي.
ج-علاقة المؤجر بالمستأجر من الباطن.
طبقاً للمادة 507 قانون مدني و قبل توجيه المؤجر إنذاراً للمستأجر من الباطن فلا علاقة بينهما لعدم وجود عقد يربطهما،و بالتالي ليس للمؤجر الرجوع على المستأجر الفرعي بدعوى مباشرة،أما بعد أن يوجه المؤجر الأصلي إنذاراً للمستأجر الفرعي تنشأ علاقة بينهما و يكون لكل منهما الرجوع على الآخر بدعوى مباشرة،فيكون المستأجر الفرعي ملتزماً في مواجهة المؤجر الأصلي بالقدر الذي ينشأ في ذمته من التزامات ناشئة عن الإيجار الفرعي،فإذا قام المستأجر الفرعي بدفع معجل لبدل الإيجار للمستأجر الأصلي فلا تبرأ ذمته إلا إذا كان هذا التعجيل قد تم قبل توجيه المؤجر إنذاراً له،و أن يكون هذا التعجيل قد تم وفق العرف المعمول به أو وفق اتفاق ثابت التاريخ وقت إبرام الإيجار الفرعي (المادة 507 فقرة 2 قانون مدني).
إنتهاء حق الإيجار.
أولاً:حق البقاء في الأمكنة و انتهاء العمل به.
أورد المشرع الجزائري بموجب التشريع الخاص بإيجار المحلات ذات الاستعمال السكني و المهني المنظم وفقاً للأمر 75-58 حكماً خاصاً بحق البقاء في الأمكنة،فنصت المادة 514 (ملغاة) من الأمر 75-58 على أن الشاغلين بحسن نية للأماكن المعدة للسكن و المهن و المنتفع به عن طريق الإيجار،لهم الحق أن يتمسكوا بالبقاء في الأماكن و يمنع على المؤجرين إخراج المستأجرين من العين المؤجرة و لو بعد انقضاء مدة الإيجار،و سمحت للمستأجر بالبقاء شاغلاً له ما دام يوفي بالتزاماته على النحو الذي قرره القانون و بنود عقد الإيجار،و من ثم فإن حق البقاء هنا مصدره القانون،و من خصائصه أنه:
1-يسري بحكم القانون و دون إخبار المؤجر،فتكون للمستأجر المنتهي عقده صفة الشاغل بحسن نية و يستفيد من حق البقاء بقوة القانون؛
2-أنه غير محدد المدة إذ يستفيد الشاغل من البقاء لمدة غير محدودة؛
3-يطبق على الأشخاص الطبيعية و المعنوية (المادة 516 ملغاة من الأمر 75-58)؛
4-يطبق حق البقاء على الشاغلين حسني النية ،أي الشاغل الحائز لسند الإيجار و الذي يوفي التزاماته الإيجارية؛
5-حق البقاء هو حق شخصي لكنه غير قابل للتنازل و الانتقال بأي وجه من أوجه التصرف،و هذا طبق المادة 525 (ملغاة)،باستثناء الحالة التي نصت عليها المادة 515 (ملغاة) و هي حق الورثة.
*منح القانون 75-58 لفئة محددة حق البقاء بالمحل السكني دون إمكانية طلب إخلائهم للمكان من طرف المؤجر،و ذلك بمقتضى المواد 514، 515، 516 (ملغاة).
أ)-الفئات التي لها حق البقاء.
1-المستأجر الأصلي: (حسن النية)،أي الذي يشغل المسكن بسند إيجار كتابي أو شفوي؛
2-المستأجر الفرعي: و هو الذي يشغل المسكن عن طريق الإيجار من الباطن بعلم و الموافقة الصريحة للمؤجر صاحب المسكن،و يشترط فيه هو الآخر حسن النية؛
3-المتنازل له حسن النية؛
4-المستأجر الذي كان قد استأجر هذا المسكن من إدارة عمومية: و ظل يستعمله بعد تنازل الإدارة عن حقها،إذا أثبت أنه سدد بدل الإيجار خاصةً إذا تم ذلك عن طريق الاقتطاع من راتبه الشهري؛
5-ورثة المستأجر المتوفي أو الشاغل المتوفي:(المادة 515 ملغاة)،و هم الورثة الذين كانوا يعيشون معه و تحت نفقته لمدة لا تقل عن ستة (6) أشهر طبقاً للمادة 515 (ملغاة)،و كذلك أعضاء أسرة المستأجر الذي هجر المنزل بطريقة مفاجئة؛
6-الشخص المعنوي الذي يشغل محلاً لمزاولة نشاطه: (المادة 516 ملغاة)،و إن كان يسقط عنه حق البقاء إذا أراد المالك أن يسكن المحل بنفسه أو يسكن زوجه أو أصوله أو فروعه.
ب)-حالات سقوط حق البقاء.
حيث لا يمكن للشاغل حسن النية الاستفادة من حق البقاء،و هم:
1-الذين صدر بحقهم حكم نهائي بالإخلاء: بمقتضى نصوص سابقة تعطي لمالك المسكن الحق في استرداد الأمكنة؛
2-إذا لم يشغلوا الأمكنة فعلاً بأنفسهم: أو من طرف الأشخاص الذين تجب عليهم نفقتهم، إذ لابد أن يكون شغل الأمكنة قد استمر 8 أشهر خلال السنة الإيجارية إلا إذا كانت مهنة أو وظيفة الشاغل أو سبب مشروع آخر يبرر شغل المكان لمدة أقل؛
3-إذا كانت لهم عدة مساكن: ما لم يثبتوا أن وظيفتهم تؤدي إلى شغل عدة مساكن؛
4-الذين يشغلون أماكن محظورة: أو فيها خطورة تستوجب الترميم أو الهدم،غير أنه إذا كان الحظر مؤقت أو تم التراجع عن قرار الهدم فيمكن الاحتجاج بحق البقاء بالرجوع إلى الأمكنة؛
5-الذين يشغلون مساكن تم شراؤها أو نزع ملكيتها للمنفعة العامة: شرط تعويضهم بسكن؛
6-الذين يشغلون مساكن بصفة مؤقتة للمتعة؛
7-الذين يشغلون مساكن بموجب علاقة العمل و انتهت هذه العلاقة؛
8-الذين لهم إمكانية الحصول على مسكن يفي بحاجياتهم و حاجيات أسرهم.
ج)حق الاسترجاع.
مكَّن القانون 75-58 المؤجرين من استرجاع الأمكنة في حالات معينة،و هي:
1)الاسترجاع لغرض القيام بأشغال في العين المؤجرة.
أ-الاسترجاع للقيام بالبناء: (المواد 518، 519 ملغاة)،مع وجوب أن يسبق عملية الخروج تنبيه بالإخلاء ستة (6) أشهر مسبقاً، و وضع سكن صالح للشاغل،و الشروع في البناء ثلاث (3) أشهر من يوم الإخلاء؛
ب-استرجاع المساحات و الأراضي الفضاء التابعة للسكن: (المادة 522 ملغاة)،و ذلك من أجل البناء عليها شرط ألا يجعل البناء الجديد الانتفاع بالسكن المشغول مستحيلاً،مع التخفيض من بدل الإيجار و التنبيه المسبق بستة (6) أشهر،و الشروع في البناء خلال ثلاث (3) أشهر.
2)الاسترجاع بغرض الإسكان.
إذ من حق المالك استرجاع ملكه لكن بغرض السكن هو أو فروعه أو بعض أصوله (المواد 526، 527، 528 ملغاة)،شرط أن يكون المالك جزائرياً مع إعادة إسكان الشاغل للمكان في محل صالح للسكن موجود في نفس البلدة،و للشاغل أجل شهر من تاريخ تبليغه للموافقة على السكن البديل،فإذا رفض يلجأ إلى الخبرة.
و قد يكون الاسترجاع مع الإسكان الاختياري (المواد من 529 إلى 532 ملغاة)،هنا لا يجبر المؤجر على إعادة إسكان الشاغل شرط أنه إذا كان المالك قد اكتسب العقار بعوض يشترط أنه اكتسبه لـعشر (10) سنوات سابقة لممارسة حق الاسترجاع،و إن كان يمكن الترخيص لمن هو في حاجة ملحة للسكن (هو و عائلته) أن يسترجعه شرط ألا يقل امتلاكه للعقار عن أربع (4) سنوات.
3)حق الاسترجاع الممتاز.
حيث مكنت المادة 533 ملغاة عدداً من المالكين الممتازين استرجاع ملكيتهم،و هم:
أ-الأشخاص المطرودين: لأن المالك استعمل حقه في الاسترجاع؛
ب-الأشخاص المطرودين من محلات مُنع السكن فيها بموجب قرار حظر أو قرار نزع الملكية للمنفعة العامة.
*في مرحلة أخرى و بموجب المرسوم التشريعي 93-03 نصت المادة 20 منه على عدم تطبيق المواد المتعلقة بحق البقاء (المواد من 514 إلى 537 من القانون 75-58 ملغاة) على عدم تطبيقها على الحق في البقاء،فألغت أحكامه و جعلت أحكامه غير منطبقة على المعاملات الإيجارية المبرمة في إطار الترقية العقارية،لكن هذا المرسوم لا يطبق على ما تم من بقاء المؤجر بالمكان بعد انتهاء المدة (عدم رجعية القانون للماضي)،و إنما يسري على عقود الإيجار المبرمة في ظل القانون 75-58 ما دام أن آثار العقد،أي انتهاؤه قد تم في ظل المرسوم،و كذلك على عقود الإيجار المبرمة في ظل المرسوم.
*و في مرحلة ثالثة و بصدور القانون 07-05 و الذي ألغى المادة 20 و الفقرتان 2 و 3 من المادة 21 و المادة 22 من المرسوم التشريعي 93-03.
و القاعدة أن نصوص القانون 07-05 لا تسري بأثر رجعي على ما ترتب من آثار لعقد الإيجار قبل نفاذه،كما أن لها أثر مباشر على ما ينشأ في ظلها من آثار،إلا أنها جاءت باستثناء عن الأثر الفوري للقانون 07-05 بموجب المادة 507 مكرر قانون مدني في حالات معينة،و المادة 507 مكرر1 في حالات أخرى،و قرر الاستمرار بالعمل في هذه الحالات بحق البقاء.
و تتمثل هذه الحالات فيما يلي:
1-عقود الإيجار المبرمة في ظل التشريع السابق تظل خاضعة له لمدة عشر (10) سنوات إلى غاية 13 ماي 2017: حيث يبقى المستأجر خلال هذه المدة متمسك بحق البقاء طبقاً للمادة 514 (ملغاة)،و لا ينقضِ إلا بسبب حالة من حالات استرجاع السكن؛
2-مقررة لفائدة الأشخاص الطبيعيين البالغين ستين (60) سنة: منذ نشر هذا القانون،إذ يبق لهم الحق في التمسك بالبقاء إلى حين وفاتهم،دون ورثتهم.
3- المادة 507 مكرر1 :و نصت أن أحكام القانون 07-05 لا تمتد إلى مستأجري المحلات السكنية التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري التي تبقى خاضعة لأحكام المرسوم 76-147 الذي ينص على حق البقاء.
ثانياً:انقضاء الإيجار بالنسبة لحق المنتفع.
طبقاً للمادة 469 من القانون 07-05 ينتهي الإيجار الصادر من المنتفع بانقضاء الانتفاع بقوة القانون دون أي إجراء آخر،(انتهاء الإيجار يثبت بانتهاء الانتفاع).
ثالثاً: انتهاء الإيجار بالنسبة لصاحب حق الاستعمال و السكن.
حيث ينتهي بانقضاء حق الاستعمال و السكن بقوة القانون،المادة 469 مكرر فقرة 2 من القانون 07-05 .
رابعاً:انتهاء الإيجار بالنسبة للمستأجر و ورثته.
بمقتضى المادة 469 مكرر 1 من القانون 07-05 ينقضي الإيجار بانقضاء المدة المتفق عليها دون الحاجة إلى تنبيه بالإخلاء،و على سبيل الاستثناء للمستأجر بمقتضى نفس المادة الحق في إنهاء العقد قبل انتهاء مدته لسبب عائلي أو مهني،مع وجوب إخطار المؤجر بمقتضى عقد غير قضائي يتضمن إشعاراً برغبته في الإنهاء لمدة شهرين (2)،أي قبل شهرين (2) على الأقل من موعد إنهائه،و في حالة وفاة المستأجر طبق المادة 469 مكرر 2 فقرة 2 قانون 07-05 لا ينتقل الإيجار إلى الورثة إلا طوال قيام مدة العقد،أي أن عدم انقضاء مدة الإيجار هو الذي يبرر بقاء الورثة في العين،و هم الورثة الذين كانوا يعيشون عادة مع المستأجر مدة ستة (6) أشهر،في حالة ما إذا وجد الورثة ضرورة لإنهاء العقد قبل انتهاء مدته يجوز لهم ذلك على أن يقرروا إرادتهم في إنهاء العقد خلال الستة (6) أشهر من وفاة المستأجر،مع وجوب إخطار المؤجر بمحرر غير قضائي يتضمن إشعاراً بالإنهاء لمدة شهرين فقط.
عقد الوكالة. (عقد وارد على عمل)
إن الوكالة هي أداة أساسية في الحياة القانونية تساهم في تطوير النشاط القانوني،من خلالها يستطيع الشخص القيام بالتصرفات القانونية دون أن يضطر لحضور حقيقي من جانبه،فيكون حاضراً حكماً بواسطة وكيل.
أولاً: تعريف الوكالة.
الوكالة عقد طرفاه الموكل و الوكيل،الغرض منه تفويض شخصٍ هو الموكل شخصاً آخر هو الوكيل للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و باسمه،و هذا طبقاً للمادة 571 قانون مدني،فتحل إرادة النائب الاتفاقي محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني،مع إضافة هذا التصرف إلى الأصيل.
ثانياً: الطبيعة القانونية للوكالة.
نظم المشرع الجزائري عقد الوكالة بنصوص خاصة في القانون المدني،و فصله عن موضوع النيابة بوجه عام،معتبراً إياه من العقود الواردة على عمل،في الباب التاسع من القانون المدني،كما افترض المشرع الجزائري العمل التبرعي في عقد الوكالة من خلال المادة 581 قانون مدني،ما لم يتم الاتفاق صراحة بين الموكل و الوكيل أو يستخلص ضمنياً من ظاهر الشروط لتنفيذ الوكالة أن تكون بمقابل.
ثالثاً: شروط انعقاد و صحة الوكالة.
يجب لانعقاد الوكالة أن يتوافق الإيجاب و القبول على عناصر الوكالة،فيتم التراضي بين الموكل و الوكيل على ماهية العقد و التصرف القانوني الذي يقوم به الوكيل و الأجر الذي يتقاضاه هذا الأخير إذا كان هناك اتفاق على تنفيذ الوكالة مقابل أجر معين،و من ثم فلا تكون وكالة إلا إذا تراضى الموكل و الوكيل تراضياً فعلياً قبل أن يقوم الوكيل بالتصرف القانوني محل الوكالة،من جانب آخر لم يضع المشرع نصاً خاصاً بالأهلية لإبرام عقد الوكالة سواء بالنسبة للموكل أو الوكيل،بل ترك ذلك للقواعد العامة بحيث يتعين كمبدأ عام أن تتوافر في الموكل الأهلية الكاملة لمباشرة الحقوق المدنية المحددة وفقاً للمادة 40 قانون مدني (أي تسعة عشر (19) سنة) ما دام أن العمل أو التصرف القانوني محل الوكالة إنما يعقده الوكيل باسم الأصيل و أن جميع الآثار تنصرف إليه،في حين يكفي في الوكيل سن التمييز طالما لا تنصرف آثار الوكالة إليه،و عليه وجب أن يكون الموكل متمتعاً بالأهلية الكاملة وقت الوكالة و إلا كانت الوكالة باطلة،كما لا تصح الوكالة إذا كان الموكل أهلاً وقت التوكيل و فقد الأهلية وقت تنفيذ العقد بأن صدر حكم بالحجر عليه،فإذا نفذ الوكيل حينئذٍ الوكالة فلا ينصرف أثر العقد الذي أبرمه الوكيل إلى الموكل.
و إذا كان الوكيل ناقص الأهلية جاز له وحده إبطال عقد الوكالة،فإذا لم يطلب الإبطال و تعاقد مع الغير كان تعاقده صحيحاً و نفذ في حق الموكل دون أن يستطيع الموكل أن يتمسك بإبطال عقد الوكالة،و لا الغير الذي تعامل معه الوكيل إبطال الوكالة.
يعتبر عقد الوكالة من العقود الرضائية و هذا بالرجوع للمادة 571 قانون مدني التي لم تحدد طبيعة و شكل هذا العقد،و باستقراء المادة 572 قانون مدني و التي تنص على أنه "يجب أن يتوفر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكوِّن محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك"،فأقرن المشرع الجزائري شكل الوكالة بالعمل القانوني محل الوكالة،كما قد يتحدد بموجب نص خاص يشترط أن يفرغ عقد الوكالة في شكل معين،و من ثم فإن هناك علاقة تبعية بين الوكالة و العمل القانوني تؤدي إلى اتخاذ شكل واحد،مثلاً الوكالة في بيع العقار هي وكالة رسمية.
رابعاً: أنواع الوكالة.
تصنف الوكالة بالنظر إلى التصرفات القانونية التي تكون محلاً لها إلى نوعين: وكالة عامة و وكالة خاصة.
أ-الوكالة العامة.
طبقاً للمادة 573 قانون مدني : الوكالة العامة هي تلك التي ترد بألفاظ عامة،فلا يعين فيها نوع التصرف القانوني،فحينئذٍ لا تخوِّل هذه الوكالة للوكيل إلا القدرة على تنفيذ العقود أو الأعمال الإدارية دون القيام بعمل من أعمال التصرف ( عوض أو تبرعية)،و من أمثلة أعمال الإدارة الواردة في المادة 573 قانون مدني الإيجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات،أعمال الحفظ و الصيانة،إيداع المحصول و البضائع بالمخازن المعدة،كذلك استيفاء حقوق الموكل،و الوفاء بديون الموكل من الأموال التي تكون بين يدي الوكيل.
كما تمتد الوكالة العامة إلى أعمال التصرف إذا كانت أعمال الإدارة تقتضيها،مثلاً: بيع البضائع سريعة التلف،شراء ما يستلزم الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه كشراء آلات و أسمدة و بذور بغرض حفظ أرض زراعية.
ب-الوكالة الخاصة.
طبقاً للمادة 574 قانون مدني لابد من وكالة خاصة لكل عمل من أعمال التصرف فتكون الوكالة خاصة في البيع أو الشراء أو الهبة،إيداع حصة في شركة،الإقرار،الصلح ، الرهن و ترتيب حق انتفاع و ما إلى ذلك،و هنا يجوز أن تكون الوكالة الخاصة بنوع واحد من التصرفات أو تشمل طائفة منها،فيما يتعلق بالمعاوضات كالبيع يصح أن ترد الوكالة دون تحديد للمحل الذي يقع عليه البيع (وكالة خاصة في نوع التصرف و عامة في محله)،فيوكل شخص لشخص آخر بيع أمواله و حينئذٍ لا يمكن له إبرام أي تصرف آخر غير البيع.
كما يجوز أن يوكله في بيع عقار أو مال معين (وكالة خاصة في نوع التصرف و محله)،أما بالنسبة للتبرعات (الهبة،الإبراء من الدين...) فيجب أن تكون الوكالة خاصة في نوع التصرف و محله،فيعين الموكل للوكيل المال الذي وكله بهبته أو الدين الذي وكله في الإبراء منه،و الوكالة الخاصة سواء بالمعاوضة أو التبرعات يجب عدم التوسع في تفسيرها طبقاً للمادة 574 فقرة 3 قانون مدني،التوكيل في الإبراء من دين لا يخول للوكيل حوالة ذلك الدين،إلا أن الوكالة سواء كانت عامة أو خاصة تشمل ما تقتضيه من توابع ضرورية،فالوكالة في الإيجار مثلاً تشمل تسليم العين المؤجرة،و ترجع هذه التوابع إلى طبيعة التصرف و إلى ما جرى عليه العرف و إلى إرادة الطرفين.
أحكام الوكالة.
ترتب الوكالة آثاراً بين المتعاقدين،الوكيل و الموكل،و آثاراً بالنسبة للغير المتعاقد مع الوكيل.
أولاً: التزامات الوكيل.
يلتزم بعدة التزامات هي:
أ-تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة.
طبقاً للمادة 575 قانون مدني،لا يجوز للوكيل أن يتجاوز حدود وكالته،لا من ناحية التصرفات التي تضمنتها،و لا من ناحية التنفيذ التي رامها الموكل،فالوكالة في ألفاظ عامة لا تجيز للوكيل القيام بأعمال التصرف،فتبقى في حدود أعمال الإدارة،و لا يجوز للوكيل تجاوزها،و مع ذلك فإن العمل ذاته قد يعتبر أحياناً من قبيل أعمال التصرف الممنوعة على الوكيل وكالة عامة،و في ظروف أخرى يعد من أعمال الإدارة،أو أعمال الحفظ التي تدخل في حدود ما يجوز له القيام به (المادة 573 فقرة 2 قانون مدني)،كأعمال التصرف:كبيع المحصول في إدارة الأرض الزراعية،و شراء ما يلزم من أدوات لحفظ و استغلال المزرعة،و هذا من أجل إدارة حسنة،(لأنه إذا لم يقم بها يعد مسؤولاً عن إخلاله بتنفيذ الوكالة)،و من ناحية أخرى إذا كان يدخل في سلطة الوكيل وكالة عامة،الاقتراض لسداد دين على الموكل أو شراء أدوات ضرورية،إلا أنه يعتبر تجاوزاً لحدود وكالته أن يرهن أموال الموكل ضماناً للقرض.
و الأمر يبدو أكثر وضوحاً في الوكالة الخاصة،فيكون التزام الوكيل مزدوجاً،التزام إيجابي يتمثل في القيام بالأعمال المحددة في وكالته،كالمحامي،أما الالتزام السلبي فهو الامتناع عن القيام بما لم يُوكل فيه من تصرفات،فيبقى دائماً داخل الإطار المرسوم له من قِبل موكله،طبقاً للمبدأ "التفسير الضيق للوكالة"، و الذي يقتضي عدم التوسع في تفسيرها،فلا يمكن للوكيل بالبيع أن ينوب موكله في دعوى إبطال البيع التي رفعها المشتري ضد هذا الأخير،لا يمكنه أيضاً منح أجل للوفاء بثمن البيع،و لا يمكن للوكيل في بيع أن يشتري لنفسه دون ترخيص من الموكل،و إلا عد متجاوزاً حدود وكالته، في الوكالة باستيفاء الدين لا يجوز للوكيل مقاضاة المدين لامتناعه عن الوفاء،إلا أن المشرع الجزائري في المادة 575 فقرة 3 قانون مدني،خفف من التفسير الضيق،و وضع له حدوداً معقولة تتمثل في مراعاة التوابع الضرورية للوكالة،كالوسيلة اللازمة لتنفيذها.الوكالة بالإيجار تشمل التسليم،الوكالة بقبض الدين تشمل شطب الرهن الذي يضمنه أو إعطاء مخالصة،إذا خالف الوكيل تعليمات الموكل بشأن حدود وكالته أو سعتها فإنه يفقد صفته كوكيل و مؤدى ذلك عدم التزام الموكل بالتصرف الذي أبرمه الوكيل خارج حدود وكالته،و هنا الوكيل لا يعبر أو لا ينقل إرادة الأصيل و إنما يعبر عن إرادته هو،فتكون إرادة الوكيل محل اعتبار عند تقدير سلامة الإرادة من العيوب.
و عليه لا يجوز للغير المتعاقد مع الوكيل مطالبة الموكل بتنفيذ التصرف الذي أبرمه مع الوكيل المتجاوز حدود وكالته،كما أن عدم نفاذ التصرف المخالف لتعليمات الموكل ينصرف إلى العلاقة بين الوكيل و الغير،لأن إرادة الطرفين لم تتجه إلى إضافة آثار هذا التصرف إلى ذمة الوكيل و إنما إلى ذمة الموكل، و يزول عدم النفاذ بمقتضى إقرار الموكل فينفذ التصرف في حقه منذ إبرامها (بأثر رجعي)."الإقرار اللاحق ينزل منزلة التوكيل السابق".
فيكون الإقرار صريحاً أو ضمنياً بتنفيذ الالتزامات التي عقدها الوكيل باسمه.
أوردت المادة 575 فقرة 2 استثناءاً ينصرف فيه أثر تصرف الوكيل رغم تجاوز حدود الوكالة إلى موكله،و ذلك عند توافر شرطين معاً:
1-افتراض أن الظروف يغلب معها الظن أنه ليس في وسع الموكل،إلا الموافقة على تصرف الوكيل؛
2-أنه كان من المستحيل على الوكيل أن يخطر الموكل سلفاً بخروجه عن حدود الوكالة،فإذا تراخى عن إبرام العقد حتى يخطر الموكل تضيع عليه الصفقة،و رغم ذلك عليه أن يبادر بعدها بإخطار الموكل،حتى لا يقوم الموكل بتصرف يتعارض مع تصرف الوكيل،و يرجع للقاضي تقدير مدى توافر الشرطين.
إضافة إلى ذلك قد نجد الاستثناء في تطبيق آخر يمكن معه تنفيذ التصرف في حق الموكل في حالة التجاوز،و هو حالة الوكالة الظاهرة حيث يظهر شخص بمظهر الوكيل تجاه الغير دون أن يكون كذلك في الحقيقة،فإذا تعاقد هذا الغير مع الوكيل الظاهر عن حسن نية استناداً إلى ظروف خارجية ولدت لدى الغير اعتقاداً بأنه يتعامل مع وكيل يعمل باسم و لحساب الموكل ثبت التصرف بين الطرفين و انصرفت آثاره إلى الموكل،خاصة إذا كان الموكل قد أسهم بخطئه الإيجابي أو السلبي في إيجاد مظهر خارجي دفع الغير للاعتقاد بأن الوكيل الظاهر يمثله،(انتهاء الوكالة بعزل الوكيل دون أن يعلن الموكل ذلك)؛
ب-أن يبذل الوكيل العناية اللازمة في تنفيذ الوكالة.
طبقاً للمادة 576 قانون مدني العناية هذه هي عناية الرجل العادي،فالتزام الوكيل هو التزام ببذل عناية (المادة 172 قانون مدني،القواعد العامة)،و هو التزام باليقظة في السعي نحو تنفيذ المهمة المكلف بها،فأحياناً يكون عمل الوكيل محاطاً بالاحتمال أي لا يرتبط بمهمة الوكيل و يقظته وحدها،إنما يرتبط بعوامل خارجية كأن يكون سمسار التأمين وكيلاً عن المؤمن في البحث عن شركة تأمين تقبل تغطية خطر معين،فهنا لن يكون الوكيل متأكداً في البداية من إتمام العمل محل الوكالة لأنها ترتبط بظروف خارجة عن قدرته،في سبيل إنجاز المهمة،فيكون التزامه إذا ببذل الهمة في سعيه لإتمام مهمته و عمله، و عند إخلاله بالالتزام عند عدم التمكن من أداء مهمته،ليس عدم التقيد بتعليمات الموكل،و إنما عدم التقيد باليقظة اللازمة في السعي نحو تنفيذ مهمته،كما لا يجوز للوكيل أن يستعمل الأموال التي تلقاها من الموكل لغرض تنفيذ الوكالة أو تلقاها عند تنفيذ الوكالة لفائدة الموكل لصالح نفسه،و لشؤونه الخاصة،و إلا كان مسؤولاً مسؤولية مدنية توجب التعويض (المادة 578 قانون مدني).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قد يقوم الوكيل بتنفيذ الوكالة بنفسه أو ينوب فيها لشخص آخر دون حاجة إلى موافقة الموكل،حينئذٍ يكون الوكيل مسؤولاً عن عمل النائب بالتضامن معه (م 580 قانون مدني)،متى لم يرخص له الموكل إقامة النائب،أما إذا رخص له ذلك فيكون مسؤولاً مسؤولية شخصية فقط عن سوء اختيار النائب و عن خطئه في التعليمات التي أصدرها له،و هنا يجوز للموكل الرجوع بدعوى مباشرة على نائب الوكيل يطالبه بالتزاماته الناشئة عن عقد الإنابة (المادة 580 فقرة 2 قانون مدني).
و طبقاً للمادة 579 قانون مدني قد يقوم الموكل بتعيين وكلاء في عقد واحد،أو تعيين وكلاء متعددين في عقود متفرقة.
فإذا عُين كل الوكلاء في عقد واحد كان ذلك قرينة على أن الموكل أرادهم أن يعملوا مجتمعين (في مداولتهم و موافقتهم جميعاً على التصرف)،فإذا باشر أحدهم العمل دون الباقي انعدمت فيه الصفة،إلا أن هذه القرينة التي جاءت بها المادة غير قاطعة (بسيطة)،إذ بإمكان الموكل أن يرخص لهم بالانفراد بالقيام بالعمل،أما إذا عُين الوكلاء في عقود متفرقة جاز لأي وكيل الانفراد بالعمل ما لم يشترط عليهم الموكل العمل مجتمعين،و عملاً بذات المادة يكون الوكلاء متضامنين في المسؤولية في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام (كصفقة بيع غير قابلة للتجزئة)،تلزم على الوكلاء العمل مجتمعين،هنا هم مسؤولين بالتضامن في الوكالة؛
الحالة الثانية: إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام،و ارتكب الوكلاء خطأ مشتركاً،ترتب عنه ضرر للموكل،كانوا متضامنين في تعويض الموكل عن الضرر اللاحق به.
ج-موافاة الموكل بالمعلومات الضرورية و تقديم حساب عن الوكالة.
حيث أنه و طبقاً للمادة 577 قانون مدني،يجب أن يوافي الوكيل الموكل بالمعلومات الضرورية، و الخطوات التي اتخذها في تنفيذ الوكالة،(مثلاً إذا قبض الوكيل ديناً للموكل وجب إخطاره بذلك)، و يخطره بالصعوبات في تنفيذ الوكالة حتى يتلقى تعليمات من الموكل بشأنها،و هذا كله ناشئ عن التزامه بالإعلام،و الأمر يتجاوز ذلك إلى حد نصحه للموكل من خلال توجيه قراراته،و تحذيره من المخاطر المحتملة على نحو يحقق مصالح الموكل.
فإذا أتم الوكيل تنفيذ الوكالة قدم حساباً مفصلاً بجميع ما قام به مدعماً بمستندات.
إلتزامات الموكل.
أ-دفع الأجرة.
متى كانت الوكالة مأجورة،إما باتفاق صريح أو ضمني،و يتضح ذلك من مهنة الوكيل،و بالتالي يلتزم بهذه الأجرة و لو لم ينجح في أداء مهمته (كالمحامي)؛
ب-التزام الموكل برد المصروفات.
و نصت عليها المادة 582 قانون مدني،و هي المصروفات التي أنفقها الوكيل من أجل تنفيذ الوكالة،فإذا كان هناك اتفاق على دفع النفقات من أجل التنفيذ كان للوكيل إيقاف تنفيذ الوكالة إلى حين تقاضي المصاريف،أو إلى درجة إمكانية المطالبة بالفسخ.
ج-التزام الموكل بتعويض الوكيل عما أصابه من ضرر.
نتيجة تنفيذه للوكالة تنفيذاً عادياً،و نصت عليها المادة 583 قانون مدني.
آثار الوكالة بالنسبة للغير.
في العلاقة بين الموكل و الغير أحالت المادة 585 إلى المادة 74 المتعلقة بالأحكام العامة في النيابة،فإذا لم يتجاوز الوكيل حدود وكالته،قامت العلاقة المباشرة بين الموكل و الغير،تمكن الموكل من الرجوع على الغير مباشرة بجميع ما ينشىء في ذمة الغير من التزامات،كما يحق للغير الرجوع على الموكل،بحقوقه المتولدة عن العقد المبرم مع الوكيل.
أما في علاقة الوكيل بالغير فإنه بالرغم من أن الوكيل يتصرف باسم و لحساب موكله فإنه يعبر عن إرادته هو،طبقاً للمادة 73 قانون مدني،و يكون العقد قابلاً للإبطال إذا كانت إرادته معيبة و لو كانت إرادة الموكل سليمة،كما أن شخصية الوكيل محل اعتبار عند النظر في أثر العلم ببعض الظروف الخاصة بالعقد (فإذا كان مثلاً في عقد شراء عقار عيب خفي في العقار نفسه،لا يجوز الرجوع بالضمان على البائع إذا كان الوكيل يعلم بالعيب،و لو كان الموكل لا يعلم،و لكن إذا كان الوكيل لا يعلم بالعيب يجب أن يكون الموكل أيضاً غير عالم للرجوع بالضمان.
انتهاء الوكـــــالة.
طبقاً للمادة 586 قانون مدني تنتهي الوكالة بإتمام العمل الذي أُبرمت لأجله،أو بانتهاء الأجل المعين كمهلة لتنفيذ العمل محل الوكالة،فإذا استمر الوكيل بممارسة العمل بعد انتهاء المهلة بعلم الموكل و دون معارضته كان التجديد ضمنياً،و قد يكون الأجل غير محدد،مثلاً الوكالة طيلة مدة السفر تنتهي بالرجوع من السفر،كما تنتهي الوكالة أيضاً لاستحالة التنفيذ الراجع للقوة القاهرة أو لحدث مفاجئ،سواء كانت الاستحالة مادية أو قانونية.
أما الأسباب القانونية لانتهاء الوكالة فتتمثل في:
1-انتهاء الوكالة بوفاة الوكيل: فإذا تعدد الوكلاء،و توفي أحدهم،انتهت الوكالة بالنسبة للوكيل المتوفي،إلا إذا كانوا يعملون مجتمعين فتنتهي الوكالة بالنسبة لهم جميعاً،و حينئذٍ يلتزم الورثة أن يبادروا بإخطار الموكل بالوفاة،و أن يتخذوا التدابير اللازمة لصالح الموكل (المادة 589 فقرة 2 قانون مدني).
2-انتهاء الوكالة بوفاة الموكل: حينئذٍ لا تنته الوكالة إلا بعد علم الوكيل بالوفاة،فإذا تعاقد مع الغير قبل علمه بذلك انصرف أثر العقد إلى الورثة،و حتى بعد علمه فعليه أن يكمل ما بدأه من أعمال حتى لا تتعرض الأعمال للتلف.
3-انتهاء الوكالة بعزل الوكيل: حيث يجوز طبق المادة 587 قانون مدني،للموكل عزل الوكيل،في أي وقت قبل انتهاء العمل محل الوكالة،و ذلك بإرادته المنفردة،فتنتهي الوكالة بعد علم الوكيل،وينصرف أثر التصرف الذي أبرمه الوكيل قبل العلم إلى الموكل تطبيقاً "للوكالة الظاهرة"،و هنا يبقى جواز عزل الموكل للوكيل من النظام العام،فإذا اشترط غير ذلك كان الشرط باطلاً،فإذا كانت الوكالة بأجر و تم عزل الوكيل في وقت غير مناسب،التزم الموكل بتعويض الوكيل عما أصابه من ضرر.
4-انتهاء الوكالة بتنحي الوكيل: من جانبه يجوز للوكيل التنحي عن الوكالة في أي وقت قبل إتمام العمل على أن يحدث أثره بعد علم الموكل بالتنحي،و حتى بعد العلم،يجب أن يصل بأعمال الوكالة إلى حالة لا تتعرض معها للتلف،(المادة 588 قانون مدني)،فإذا كانت الوكالة بأجر و كان التنحي بعذر أو بلا عذر مقبول كان التنحي صحيح،و التزم الوكيل بالتعويض عن تعسفه.
والحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلي اللهم و بارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه و سلم تسليما.
تم بعون الله بتلمسان الأحد 26 أفريل 2015