22‏/07‏/2016

مقياس قانون التأمينات-قانون خاص




برنامج السداسي الأول في مقياس التأمينات العينية و الشخصية.
المحور الأول : عقد الكفالة.
أولاً : تعريف عقد الكفالة.
-خصائص عقد الكفالة.
-تمييز الكفالة عن بعض الأنظمة الأخرى.
ثانياً: مصادر عقد الكفالة و شروطها.
ثالثاً : أركان عقد الكفالة.
-الالتزام الأصلي المكفول.
رابعاً: آثار عقد الكفالة.
-العلاقة بين الكفيل و الدائن.
-دعاوى الكفيل للرجوع على المدين.
خامساً : انقضاء عقد الكفالة.






مقدمة عامة.
     تنص المادة 188 من القانون المدني الجزائري على أن " أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه" ،فأموال المدين هي الضمان العام يكون فيه جميع الدائنين على قدم المساواة، فإذا اتسع لهم جميعاً أموال المدين إستفوا حقوقهم كاملة، أما إذا لم تتسع لهم و اتخذوا جميعاً إجراءات التنفيذ على هذه الأموال فإنهم يتقاسمونها قسمة الغرماء كلٌ بنسبة حقه فلا يحصل كلٌ منهم إلا على جزء من هذا الحق، كما للدائن أن يتخذ الطرق التحفظية و هي وسائل وضعها القانون تحت تصرف الدائن للمحافظة على حقه،مثالها أن يقطع تقادماً منعاً لسقوط حقه، أن يقيد رهنه أو يجدده، أن يضع الأختام على أموال مدينه، كما له أن يلجأ إلى الطرق الوسطى بين التحفظية و التنفيذية  و هي الوسائل التي تمهد للدائن سبيل التنفيذ دون أن تؤدي إلى تمامه و تُرد جميعها  إلى المبدأ العام و هو أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه،و من بين الطرق الوسطى نجد :
-الدعوى غير المباشرة :و هي التي يدفع بها الدائن عن نفسه تهاون المدين أو غشه إذا سكت هذا عن المطالبة بحقوقه لدى الغير،فيباشر الدائن بنفسه حقوق مدينه نيابة عنه؛
- أما الدعوى البوليصية: يدفع بها الدائن عن نفسه غش المدين أيضاً إذا عمد هذا الأخير إلى التصرف في ماله إضراراً بحق الدائن؛
-الدعوى الصورية: يدفع الدائن بها عن نفسه غش المدين أيضاً إذا عمد هذا الأخير إلى التظاهر بالتصرف في ماله تصرفاً صورياً؛
-و أخيراً الحق في الحبس: إذ يحبس به الدائن مالاً في يده للمدين حتى يستوفي حقاً له مرتبطاً بهذا المال،كذلك شهر إعصار المدين.
   لكن الملاحظ أو المستنتج أنه إذا كانت جميع أموال المدين ضمان عام للدائن و كان هذا منطقياً من الناحية القانونية فإنه لا يكف من الناحية الفعلية و لا يعصم الدائنين من كل ذلك ما قرّره القانون من أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه و لذلك كان الدائن العادي تحت رحمة مدينه،لا ملاذ له إلا أمانة هذا المدين و نزاهته و إلا يُسره و ملاءته، و حتى يستطيع الدائن أن يطمئن إلى استيفاء حقه من مدينه يحسن به أن يحصل على تأمينات خاصة لحقه فيأمن بها إعسار المدين و يدرأ عنه بها غش المدين أو إهماله، إذ أن هذه التأمينات تكون عادةً كافية للوفاء بحق الدائن كاملاً في ميعاد الاستحقاق، و التأمينات الخاصة نوعان:
أ-التأمينات الشخصية.
   و هي ضم ذمة أو أكثر إلى ذمة المدين الأصلي فيصبح للدائن بدلاً من مدين واحد مدينان       أو أكثر كلهم مسؤولون عن الدين إما في وقت واحد أو على تعاقب ،و لذلك يكفُلُ حقَ الدائن لا ذمةٌ واحدة (ذمة المدين) بل أكثر من ذمة،فإذا أعسر المدين رجع الدائن على غيره من المسؤولين الآخرين عن هذا الحق.
ب-التأمينات العينية.
   و هي تخصيص مال معين يكون عادةً مملوك للمدين لتأمين حق الدائن فيكون للدائن حق عيني على هذا المال و هو حق تبعي و يكفل هذا التأمين العيني الوفاء بحق الدائن ،و يتقدم هنا الدائن على الدائنين العاديين بل على الدائن الأنزل منه مرتبة،و للدائن أن يتبع هذا الحق إذا انتقلت ملكيته من المدين إلى غيره ،و يستطيع أن يحجز عليه و هو في يد الغير و يستوفي منه حقه.
    و التأمينات الخاصة شخصيةً كانت أو عينية مصدرها في الغالب هو العقد، و بخاصة عقد الكفالة، إذ الكفالة لا تكون إلا بعقد،و كذلك فإن مصدر أهم التأمينات العينية : الرهن الرسمي      و الرهن الحيازي، و العقود التي تقرر التأمينات شخصية كانت أو عينية تسمى بعقود الضمان.
مقومات التأمينات الخاصة.
و تتمثل في:
1-التأمين الخاص شخصياً كان أو عينياً يكفل دائماً حق شخص في ذمة المدين،حتى يطمئن الدائن لاستيفاء حقه في ميعاده يطالب من مدينه تقديم تأمين خاص فيكفل التأمين الخاص على هذا الوجه حقاً شخصياً للدائن في ذمة المدين،و لم توجد التأمينات الخاصة إلا لكفالة الحقوق الشخصية الثابتة في ذمة المدين للدائن.
2-التأمين الخاص يضمن أي حقٍ شخصي أياً كان مصدره و أياً كان محله، فيجوز ضمان الحق الذي يكون مصدره العقد أو العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب أو القانون، و يجوز كذلك ضمان الحق الشخصي أياً كان محله، فقد يكون محله نقل حق عيني أو عملاً أو امتناعاً عن عمل.
3-التأمين الخاص و هو يضمن حقاً شخصياً يكون تابعاً له غيرَ مستقلٍ عنه، فيسير معه أينما سار  و يتبعه في نشأته و مصيره و انقضائه و هذه التبعية هي أهم مقومات التأمين الخاص،فالتأمين الخاص لابد أن يتبع حقاً شخصياً لضمانه فإذا لم يقم هذا الحق الشخصي لم يقم التأمين الخاص، و إذا انقضى هذا الحق الشخصي لأي سببٍ من أسباب الانقضاء انقضى معه التأمين الخاص ،إذ أن التابع يتبع الأصلَ في الحكم.












عقد الكفالة.
التعريف بعقد الكفالة.
      تنص المادة 644 من القانون المدني على ما يلي: " الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفِ بهذا الالتزام إذا لم يفِ به المدين نفسه"،يُؤخذ من هذا التعريف بأن الكفالة هي عقد بين الكفيل و الدائن،أما المدين الأصلي فليس طرفاً في عقد الكفالة بل أن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين و تجوز أيضاً رغم معارضته، و هذا ما نصت عليه المادة 647 من القانون المدني،و الذي يهمّ في الكفالة هو التزام هذا المدين إذ أن هذا الالتزام هو الذي يضمنه الكفيل فيجب أن يكون مذكوراً بوضوح و دقة في عقد الكفالة،فالكفالة إذاً تفترض وجود التزام مكفول و هذا الالتزام يفترض وجود مدين أصلي به و دائن،فالكفالة ترتب التزاماً شخصياً في ذمة الكفيل و التزام الكفيل هذا تابعٌ للالتزام الأصلي،لأن الكفالة تعتبر من التأمينات الشخصية ،و على ذلك يجب أن تستبعد من نطاق الكفالة المبالغ من النقود أو القيم المنقولة التي تودع ضماناً لدين و تسمى هي أيضاً بالكفالة فهذه إنما هي تأمين عيني و رهن حيازة،و كذلك يستبعد من نطاق الكفالة  و لا يعتبر تأميناً شخصياً كما سبق القول" الكفالة العينية"،فالكفيل العيني يقدم شيئاً مملوكاً له عقاراً أو منقولاً رهناً لوفاء دين الغير،و الرهن هنا إما أن يكون رهن حيازي أو رهن رسمي إذا وقع على عقار ،و في جميع الأحوال لا يكون الكفيل ملتزماً التزاماً شخصياً بضمان الدين بل الذي يضمن الدين هو الرهن الذي قدَّمه ،أي أن التأمين هنا هو تأمينٌ عيني لا تأمين شخصي.
    تشترك الكفالة مع بعض النظم القانونية الأخرى في خصائص معينة إلا أن لكلٍ منها أحكاماً قانونية مستقلة تميزها عن الأخرى،مثلا:التضامن بين المدينين،التعهد عن الغير و الإنابة الناقصة.
1-التضامن بين المدينين (التضامن السلبي): و يكون بالاتفاق بنص المادة 217 قانون مدني،ففي حالة التضامن بين المدينين يكون كل منهم مسؤولاً عن كل الدين و يستطيع الدائن أن يطالب أياً منهم بالوفاء الكامل بالدين و ذلك لوحدة الدين بينهم،كما يجوز للدائن أن يطالب المدينين مجتمعين فإذا تم الوفاء من أحدهم برأت ذمة الباقين على أن يرجع الموفي على كل منهم بقدر نصيبه في الدين،         فهنا يكون المدين المتضامن أصلياً في مواجهة الدائن و هو لا يعتبر كفيلاً،أما التزام الكفيل فهو التزام تابع لالتزام المدين و حتى لو كان متضامناً مع المدين فهو يلتزم بصفة تبعية.
2-التعهد عن الغير: و نصت عليه المادة 144 قانون مدني،فالتعهد عن الغير هو الحالة التي يتعاقد فيها شخص مع آخر على تعهده بعمل و هو أن يحمل شخصاً آخر على قبول التزام معين،و المتعهد عن الغير لا يُلزم الغير بل يلتزم شخصياً بالعقد الذي يبرمه فهو ليس وكيلاً عنه أو نائباً له و لا سلطة له في إلزامه و لكن يتعهد بأن يحصل على رضا الغير بالعقد،فمحل التزام المتعهد هو دائماً التزام بعمل(أن يحمل الغير على قبول التزام معين) فهو يلتزم التزاماً أصلياً، أما الكفيل فهو يلتزم التزاماً تبعياً بأن يفِ بهذا الالتزام إذا لم يفِ به هذا المدين نفسه.
3-الإنابة الناقصة:  نصت عليها المادة 294 من القانون المدني، و تعني الإنابة بصفة عامة أن المدين قد أناب عنه شخصاً آخر يتعهد للدائن بالوفاء بالدين الموجود في ذمته، فهي تتم إذا حصل المدين على  موافقة من الدائن بوجود شخص أجنبي ينوب عنه،و الإنابة نوعان: كاملة عندما ينوب عن المدين شخص آخر يتعهد للدائن بأن يفِ بالدين الذي كان في ذمة المدين، فهنا المدين تم تغييره و ظهر مدين جديد، أما الإنابة الناقصة فهي لا تتضمن تجديداً للمدين الأصلي و ينضم إليه المدين الجديد ليكون مديناً بنفس الدين،فالمناب في الإنابة الناقصة يلتزم التزاماً  أصلياً في مواجهة الدائن لا التزاماً تبعي كما هو الحال في الكفالة،و يستطيع الدائن أن يختار أياً من المناب أو المنيب ليطالبه بالدين فكلٌ منهما ملتزم بصفة أصلية،أما الكفيل فهو يلتزم بصفة تبعية.






التطور التاريخي لعقد الكفالة.
     الكفالة في أول عهود القانون الروماني لم تكن خاضعة لفكرة التبعية بل كان الكفيل مثل المدين الأصلي ملتزم بصفة أصلية بل أحياناً أسوء من مركز المدين،و بعد فترة زمنية و إثر تطور قانون معين أصبح كل من المدين أو الكفيل في مركز واحد و هو المدين المتضامن،و في وقت متأخر من عهد"جوستنيان" تأكدت صفة التبعية للكفيل و اعترف له بحق التجريد الذي بمقتضاه يلتزم الدائن بالتنفيذ على أموال المدين أولاً قبل الرجوع على الكفيل، كما اعترف له بحق التقسيم في حال تعدد الكفلاء.

خصائص عقد الكفالة.
  أهم خصائص عقد الكفالة ما يلي:
أ-عقد الكفالة عقد رضائي: فهو ينعقد بمجرد التراضي ما بين الكفيل و الدائن،فلا حاجة لانعقاده إلى شكلٍ خاص،و إن كانت المادة 645 من القانون المدني تنص على أنه لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة،فالكتابة ليست ضرورية إلا للإثبات و الكفالة تنعقد بمجرد التراضي.
ب- عقد الكفالة عقد ملزم لجانب واحد: و هو جانب الكفيل، فالكفيل وحده هو الذي يلتزم في عقد الكفالة بوفاء الدين إذا لم يفِ به المدين الأصلي،لكن ذلك لا يمنع من أن تكون الكفالة عقداً ملزماً لجانبين إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابلٍ في نظير كفالته للدين، و لكن رغم هذا تبقى الكفالة عقداً ملزماً لجانب واحد في الأصل.
ج-عقد الكفالة عقد تبرعي بالنسبة للكفيل: فالكفيل يتبرع عادةً بكفالته للدين أما بالنسبة للدائن المكفول فالكفالة عقد معاوضة لأن الدائن حصل على الكفالة في مقابل إعطاء الدين،و قد تكون الكفالة عقد معاوضة بالنسبة إلى الكفيل نفسه فيأخذ هذا مقابلاً لكفالته، و هذا المقابل إما أن يأخذه من الدائن المتعاقد معه أو يأخذه من المدين،لكن الصورة المألوفة للكفالة هي أن تكون عقداً تبرعياً بالنسبة للكفيل و لذلك يُشترط في الكفيل أهلية التبرع.
د-عقد الكفالة عقد تابع( تبعي): إذ أن التزام الكفيل يعتبر حتما تابعاً لالتزام المدين الأصلي، أما إذا التزم المسؤول عن دين الغير التزاماً أصلياً فإنه لا يكون كفيلاً بل يكون مديناً أصلياً،و يتفرع عن أن التزام الكفيل التزام تابع لالتزام المدين الأصلي أنه يتبعه في صحته، و في بطلانه، و في قابليته للفسخ،    و في الدفوع التي يدفع بها المدين،لكن يجوز للكفيل أن يلتزم التزاماً أخفَّ عِبئاً من التزام المدين الأصلي فيكفل مثلاً جزءاً من الدين، ما جاءت به المادة652 من القانون المدني.
ه-عقد الكفالة عقد ضمان: و معناه أنها تضمن وفاء المدين بالدين،فهي تأمين للدائن ضد امتناع المدين عن الوفاء بالتزامه،و تتميز الكفالة بالطابع الشخصي لأن الكفيل تضاف  ذمته إلى جانب ذمة المدين للوفاء بالدين، أي أن الكفيل يضم ضمانه العام إلى الضمان العام للمدين، و قد ازدادت أهمية الكفالة كوسيلة للضمان في العصر الراهن بفضل تدخل البنوك و المؤسسات المصرفية لتمويل المشروعات و الأفراد للمساهمة في عملية الإنتاج و تنشيط الاقتصاد،و الأصل كذلك هو اعتبار الكفالة عقداً مدنياً و ليس تجارياً باعتبارها من عقود التبرع و هي صفة لا تتفق مع المعاملات التجارية،و تظل الكفالة مدنية حتى لو كان الدين المكفول تجارياً و حتى لو كان الكفيل تاجراً، كما أن الكفالة رغم صفتها المدنية إلا أنها تعتبر عملاً تجارياً إذا كانت ناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضماناً احتياطي أو تظهير هذه الأوراق ما نصت عليه المادة651 من القانون المدني.








مصادر عقد الكفالة و شروطها.

أولاً: مصادر عقد الكفالة.
    قد يكون هناك عقد أو حكم أو نص قانوني يلزم المدين بتقديم كفيل،فإذا التزم المدين بتقديم كفيل بموجب عقد نكون بصدد كفالة اتفاقية،أما إذا تقدم الكفيل بضمان المدين من تلقاء نفسه سواء بعلم المدين أو بغير علمه أو حتى رغم معارضته فالكفالة اتفاقية،و لذا نكون أمام حالتين للكفالة الاتفاقية:
الحالة الأولى: عندما يلتزم المدين بتقديم كفيل بناءاً على اتفاق سابق مع الدائن،أي بناءاً على عقد.
الحالة الثانية: عندما يقدم المدين للدائن كفيلاً دون اتفاقٍ مُسبق معه أو عندما يتقدم الكفيل من تلقاء نفسه لضمان المدين.
    أما الكفالة القانونية فهي التي يلتزم المدين بتقديمها خضوعاً لنص القانون،و مثال ذلك المادة 851 من القانون المدني الجزائري التي تنص على أنه يلزم المنتفع بمنقول أن يقدم لمالك الرقبة كفالة ضماناً للوفاء بالتزامه برد المنقول أو بدله.
   أما الكفالة القضائية فهي الكفالة التي يكون بمقتضاها المدين ملزماً بتقديم كفيل بموجب حكم قضائي فيكون هذا الحكم مصدر التزام المدين بتقديمها.
   بالرجوع إلى نص المادة 667 من القانون المدني التي تنص على أنه "يكون الكفلاء في الكفالة القضائية أو القانونية دائماً متضامنين"،ما يستخلص من النص أن التضامن في الكفالة الاتفاقية لا يفترض بل لابد من الاتفاق عليه صراحة ،بينما في الكفالة القضائية و القانونية فالتضامن مفترض،فالمشرع جعل مركز الكفيل القانوني أو القضائي أقصى و أشد من مركز الكفيل الإتفاقي.



ثانياً: شروط عقد الكفالة.
   إن الغرض من تقديم الكفيل هو تأمين الدائن ضد مخاطر إعسار مدينه و ذلك بضم ذمة مالية إلى ذمة هذا الأخير،و يجب أن تتوافر شروط معينة في الكفيل في جميع الأحوال التي يلتزم فيها المدين بتقديم الكفيل،و قد وردت هذه الشروط في المادة 646 من القانون المدني التي تقضي بأنه "إذا التزم المدين بتقديم كفيل يجب أن يقدم شخصاً موسراً و مقيماً بالجزائر، و له أن يقدم عوضاً عن الكفيل، تأميناً عينياً كافياً".
   فالشروط التي يجب توافرها هي:
1-يسار الكفيل: يجب أن يكون الكفيل موسراً أي قادراً على الوفاء بالدين  الذي كفله،و المدين الذي قدم الكفيل هو الذي يتحمل عِبئ إثبات يساره،فيُثبت أن للكفيل مالاً و لو شائعاً عقاراً      أو منقولاً،إذ لا قيمة للكفالة إذا كان الكفيل مُعسراً،و للدائن أن يُثبت أن هذا المال أو بعضه متنازع فيه،أو يصعب التنفيذ عليه لبعده أو لسهولة تهريبه أو سهولة إخفائه أو لأي سبب آخر فيُستبعد هذا المال كضمان للمدين،و التقنين المدني الفرنسي يشترط أن يكون مال الكفيل الذي يثبت يساره عقاراً لا منقولاً.
2-إقامة الكفيل بالجزائر: و الحكمة من هذا الشرط واضحة و هي حتى يتمكن الدائن من الرجوع على الكفيل بأسهل الطرق و ذلك إذا لم يفِ المدين بالتزامه،و لا يُشترط أن يكون الكفيل مُقيماً في موطن المدين،و لا يشترط كذلك أن يكون الكفيل جزائري الجنسية بل يصح أن يكون أجنبي مادام مُقيماً بالجزائر، لأن النص جاء عاماً بقوله "...موسِراً و مُقيماً بالجزائر".
    وطِبقاً لنص المادة 646 قانون مدني فإذا تخلف أحد هاذين الشرطين المذكورين آنفاً يلتزم المدين بتقديم تأمين عيني كافي و يستوي أن يكون هذا التأمين العيني رهن رسمي أو حيازي،و المشرع لم يذكر تقديم كفيل آخر عكس المشرع الفرنسي الذي يقرر أنه في حال تخلف هاذين الشرطين وجب على المدين تقديم كفيل آخر،إلا إذا كان الدائن قد اختار كفيلاً بذاته فإنه يتحمل نتيجة إعساره.

أركان عقد الكفالة.
      يمكن القول أن للكفالة ركنين هما :وجود التزام أصلي مكفول و هو التزام المدين الأصلي ،      و بدون هذا الالتزام لا تكون الكفالة، لأن التزام الكفيل كما سبق القول هو التزام تبعي، و اتفاق بين الكفيل و الدائن لكفالة التزام المدين الأصلي و هذا الاتفاق هو عقد الكفالة ذاته،فلا بد إذاً من رضاء الكفيل بالكفالة و رضاء الدائن أن يضمن الكفيل حقه.
1)الالتزام الأصلي المكفول: الالتزام الذي يمكن كفالته هو التزام أياً كان مصدره و أياً كان محله،فيمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره العقد و هذا الذي يقع في الغالب،و يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره: الإثراء بلا سبب (الدفع غير المستحق و الفضالة)،و يمكن كفالة الالتزام الذي مصدره القانون،و أياً كان محل الالتزام الأصلي فإنه تجوز كفالته سواء كان إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
2)كفالة الالتزام الصحيح.
تنص المادة 648 من القانون المدني على أنه "لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحاً"،و نخلص من هذا النص أنه حتى تكون الكفالة صحيحة و ترتب التزاماً في ذمة الكفيل بضمان الالتزام المكفول أن يكون هذا الأخير ذاته صحيحاً؛
    و بناءاً على ذلك نطرح السؤال: ما حكم كفالة الالتزام الباطل و الالتزام القابل للإبطال؟
أ-حكم كفالة الالتزام الباطل: هي كفالة باطلة أيضاً لأن التزام الكفيل تبعي و هو يتبع الالتزام الأصلي في صحته و بطلانه،و الالتزام الأصلي الباطل هذا لا يكون إلا التزاماً عقدياً،لأن الالتزام غير العقدي القانون هو الذي يتكفل بإنشائه و ليس الإرادة،و الالتزام الباطل هو الذي يُراد إنشاؤه بعقد باطل،و العقد يكون باطلاً إذا اختل أحد أركانه كانعدام ركن الرضا،المحل أو السبب ،أو إذا كان محله غير معين، أو مستحيل، أو غير مشروع،أو كان سببه غير مشروع،أو كان غير مستوفٍ للشكل الذي يتطلبه القانون،و الأمثلة عن هذا العقد الباطل كثيرة ككفالة دين المقامرة،دين الرهان،دين الرّبا الفاحش،الدين الذي يكون مصدره هبة باطلة في الشكل...إلخ.
ب-حكم كفالة الالتزام القابل للإبطال: إذا كان الالتزام الأصلي قابل للإبطال فإن الكفالة تكون أيضاً قابلة للإبطال،و القابلية للإبطال تعني أن الالتزام صحيح و منتج لآثاره حتى يُحكم ببطلانه،فإذا جاء حكم ببطلانه بناءاً على طلب المدين سقطت الكفالة تِبعاً لذلك،أما إذا أصبح الالتزام الأصلي القابل للإبطال صحيحاً بالإجازة فإن هذا الالتزام يصبح صحيحاً بالنسبة للكفيل،و يكون التزام المكفول قابلاً للإبطال لأي سبب كان كنقص الأهلية أو عيب من عيوب الإرادة ،و التزام الكفيل كما سبق القول التزام تبعي يتميز عن غيره من العقود  و لحمايته فقد قرر له المشرع حكماً خاصاً في حالة كفالته للمدين و هو ناقص الأهلية.
ج-الحكم الخاص بكفالة ناقص الأهلية.
ناقص الأهلية هو القاصر المميز و من في حكمه كالمحجور عليه بسبب غفلة أو سفه ،و بالتالي يجب أن نستبعد من نطاق هذا النص الحالة التي يكون فيها العقد باطلاً بطلاناً مطلق لانعدام الأهلية لفقدان التمييز أو الجنون أو العته،و في هذه الحالة يجب أن نفرق بين ثلاث فرضيات:
الافتراض الأول: إذا كان المدين المكفول ناقص الأهلية و كان الكفيل لا يعلم بنقص الأهلية،في هذه الحالة يكون التزام ناقص الأهلية قابل للإبطال و يتبعه في ذلك التزام الكفيل،و بالتالي إذا طلب المدين إبطال الالتزام و حكم له بالإبطال اعتبر العقد كأنه لم يكن و ينقضي التزام الكفيل بالتبعية.
   أما إذا لم يتمسك المدين الأصلي بالقابلية للإبطال أي أجاز هذا الالتزام و أصبح قائماً،هذا لا يعني أن التزام الكفيل يبقى قائماً بالتبعية بل يجوز للكفيل أن يتمسك بقابلية التزامه للإبطال لوقوعه في غلط، أي كفل هذا المدين و لم يكن يعلم بنقص أهليته و في هذه الحالة ينقضي التزام الكفيل و تبرأ ذمته،و هذا لا يعنِ إبطال التزام المدين إذا لم يتمسك به لأن انقضاء التزام التابع لا يُؤدِ إلى انقضاء الالتزام الأصلي للمتبوع.
الافتراض الثاني: إذا كان المدين ناقص الأهلية و كان الكفيل عالماً بنقص أهليته وقت التعاقد، في هذا الافتراض يكون التزام الكفيل قابلاً للإبطال بالتبعية لأن التزام المدين قابل للإبطال،أي إذا تمسك المدين بإبطال التزامه و حكم له بالإبطال فإنه يعتبر كأن لم يكن و بالتالي يبطل التزام الكفيل و تعتبر الكفالة كأن لم تكن،لكن إذا تنازل المدين عن هذا الطلب أي أجاز العقد الأصلي القابل للإبطال فهنا يظل الالتزام الأصلي قائماً و منتجاً لآثاره و تظل الكفالة قائمة و منتجة لآثارها،و لا يجوز للكفيل أن يحتج بهذا الوجه ليبطل التزامه لأنه كان يعلم بنقص أهلية المدين المكفول فيكون علمه هذا و إقدامه على التعاقد نزولاً عن التمسك بنقص أهلية المدين،طبقاً للمادة 654 من القانون المدني الفقرة 2 و التي تنص على أنه "إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين يتمثل في نقص أهليته و كان الكفيل عالماً بذلك وقت التعاقد فليس له أن يحتج بهذا الوجه".
الافتراض الثالث: أن يكون المدين المكفول ناقص الأهلية و الكفيل كفله بسبب هذا النقص،و هذا الافتراض ورد في المادة 649 من القانون المدني و نصها "من كفل التزام ناقص الأهلية و كانت الكفالة بسبب نقص الأهلية كان ملزماً بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول ، باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة 2  من المادة 654 من القانون المدني"،المفروض في هذه الحالة أن كل من الكفيل و الدائن و المدين الأصلي عالمين بنقص الأهلية فإن العقد الذي أبرمه هذا الأخير مع الدائن قابل للإبطال فيجوز للمدين أن يبطله،و توقعاً لهذا الاحتمال عُقدت الكفالة،إذ هي لم تُعقد إلا بسبب نقص أهلية المدين الأصلي،و على ذلك يمكن تفسير الكفالة التي تمت على الوجه الآتي: إذا تمسك المدين الأصلي ناقص الأهلية بنقص أهليته و أبطل العقد الأصلي كان الكفيل هو المدين الأصلي بموجب العقد الذي أبرمه مع الدائن و كان ملزماً بتنفيذ الالتزام الأصلي لأن المدين الأصلي لم ينفذه، و في هذه الحالة لا يكون الكفيل كفيلاً بل يكون مديناً أصلياً و هو مدين بالالتزام الأصلي تحت شرط واقف و هو ألا ينفذ المدين الأصلي هذا الالتزام،إذا تحقق الشرط وجب على من تقدم بصفته كفيلاً و قد أصبح مديناً أصلياً بتحقيق الشرط أن ينفذ هو هذا الالتزام،أما إذا أجاز ناقص الأهلية العقد و انقلب العقد صحيحاً بالإجازة فإن المدين الأصلي يصبح ملزماً بتنفيذ التزامه و يكون الكفيل ضامناً له في تنفيذ هذا الالتزام باعتباره كفيلاً لا باعتباره مديناً أصلياً.
د-كفالة الالتزام الشرطي و الالتزام المستقبلي.
تنص المادة 650 من القانون المدني على أنه " تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدماً المبلغ المكفول كما يجوز الكفالة في الدين المشروط،غير أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة كان له أن يتراجع فيها في أي وقت ما دام الدين المكفول لم ينشأ"،و نخلص من هذا النص أنه يجوز كفالة الدين الشرطي و تجوز كفالة الدين المستقبلي؛
   فكفالة الدين الشرطي لا شك في جوازها طبقاً للقواعد العامة سواء كان الدين الأصلي المكفول معلق على شرطٍ فاسخ أو على شرطٍ واقف.
   فالدين المعلق على شرطٍ فاسخ دين موجود و نافذ  فتجوز كفالته و تكون الكفالة في هذه الحالة تابعة للدين الأصلي و على ذلك تكون هي أيضا معلقة على شرطٍ فاسخ،فإذا تخلف الشرط الفاسخ صار الدين الأصلي باتاً و كذلك يكون باتاً التزام الكفيل،أما إذا تحقق الشرط الفاسخ فإن الدين الأصلي ينفسخ بأثر رجعي و يعتبر كأنه لم يكن،أما إذا تحقق الشرط الواقف فإن الالتزام الأصلي ينفذ بأثرٍ رجعي و كذلك ينفذ التزام الكفيل فيصبح التزام كل من المدين الأصلي و الكفيل نافذاً و باتاً.
    أما كفالة الالتزام المستقبلي في نص المادة 650 من القانون المدني و كفالة الشيء المستقبلي شائعة في العمل أي حتى قبل أن يوجد الدين فتصّح الكفالة،و مثالها يستطيع شخص أن يقدم كفيلاً يضمنه فيما عسى أن يشتريه من متجرٍ معين،فالكفيل هنا ضامن لثمن البضائع التي يشتريها المدين الأصلي  و صحة كفالة الالتزام المستقبلي ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة الواردة في المادة 92 من القانون المدني،و طبقاً للفقرة 1 من المادة 650 قانون مدني فكفالة الدين المستقبلي جائزة إذا حُدِّد مستقبلاً مقدار الدين المستقبلي المكفول في عقد الكفالة،فإذا تعذر تحديد المقدار بدقة فيجب أن يُحدد الحد الأقصى الذي يمكن أن يكفله الكفيل ،و الحكمة من ذلك واضحة فهي حماية الكفيل حتى لا يتورط في كفالة دين لم يوجد و لم يعلم مقداره،أما بالنسبة للفقرة 2 من نفس المادة فتجيز للكفيل إذا لم تُعيّن مدة الكفالة أن يرجع فيها في أي وقت مادام الدين المكفول لم ينشأ بعد،و هذا تطبيقاً للقواعد العامة في العقود غير المحدّدة المدة و التي تُجيز لأيٍ من الطرفين أن يُنهي العقد بإرادته المنفردة،أما إذا عُيِّن للكفالة مدة فلا يحق له أن يرجع عنها طوال هذه المدة،أما إذا انقضت المدة دون أن ينشأ الدين برأت ذمة الكفيل بصفةٍ نهائية.
ه-كفالة الالتزام الطبيعي.
   الالتزام الطبيعي هو التزامٌ ناقص لأنه ينقصه عنصر المسؤولية، و استناداً للقاعدة التي تنص على أن الكفالة لا تجوز بشروط أشد من شروط الدين المكفول (المادة 652 من القانون المدني)،فإنه لا يجوز كفالة الالتزام الطبيعي إذا كان يقصد بالكفالة أن ترتب في ذمة الكفيل التزام مدني يضمن الالتزام الطبيعي المكفول، ذلك أن الكفالة على هذا النحو تفتح سبيلاً لإجبار المدين على الوفاء بالتزامه الطبيعي عن طريق غير مباشر،إذ يجبر الدائن الكفيل على الوفاء ثم يرجع الكفيل على المدين الأصلي فيكون المدين بالتزام طبيعي قد أُجبِر بالنهاية و بطريق غير مباشر على الوفاء بالتزامه و هذا لا يجوز،        و قد سبق القول أن من كفل التزام ناقص الأهلية و كانت الكفالة بسبب نقص أهليته كان ملزماً بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول و ليس في هذا كفالة لالتزام طبيعي كما يذهب بعض الفقهاء في فرنسا، فليس من كفل التزام ناقص الأهلية بسبب نقص أهليته بكفيلٍ أصلي بل هو مدينٌ أصلي تحت شرطٍ واقف و هو ألاَّ يُنفِّذ ناقص الأهلية التزامه.
الالتزام الأصلي المكفول هو الذي يحدد مدى التزام الكفيل: سبق و قلنا أن الكفالة عقدٌ تابع و أن التزام الكفيل يعتبر تابعاً لالتزام المدين الأصلي،و قلنا كذلك أن التزام الكفيل يكون مثل التزام المكفول منجزاً أو معلقاً على شرط،صحيحاً أو باطلاً أو قابلاً للإبطال.
كما أن خاصية تبعية التزام الكفيل للالتزام المكفول يترتب عنها أمور ثلاث:
-التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشدَّ عِبئاً من الالتزام المكفول لكنه يجوز أن يكون أهون؛
-شمول الكفالة لملحقات الالتزام المكفول؛
-كفالة الالتزام التجاري تعتبر عملاً مدنياً فيما عدا استثناءاتٍ معينة.
1-التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشدَّ عبئاً من الالتزام المكفول.
   تنص المادة 652 من القانون المدني على ما يلي "لا تجوز الكفالة في مبلغٍ أكبر مما هو مستحق على المدين و لا بشرطٍ أشدَّ من شروط الدين المكفول،و لكن تجوز الكفالة بمبلغٍ أقلَّ و بشرطٍ أهون"،     و نخلص من هذا النص أن الالتزام المكفول هو الذي يحدد مدى التزام الكفيل،فلا يجوز أن يكون التزام الكفيل أشدّ من الالتزام المكفول،فإذا كان أشدّ أو أصبح أشدّ فإنه لا يكون باطلاً و لكن يجب إنقاصه إلى أن يبلغ حد الالتزام المكفول،و يجوز أن يكون التزام الكفيل أهون من التزام المكفول،فلا يجوز أن يكون التزام الكفيل أشدّ من التزام المكفول و على ذلك لا يجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق من المدين الأصلي،فإذا كان المستحق على المدين الأصلي ألفاً لا يجوز الكفالة في ألفين مثلاً،و على ذلك أيضاً لا يجوز أن يلتزم الكفيل لأَجَلٍ أقربَ من أجلِ الالتزام المكفول،و لا أن يُوفي بالالتزام في مكانٍ أبعد أو أشدّ مشقةً من المكان الذي يوفى فيه الالتزام المكفول،و إذا كان التزام الكفيل أشدّ من الالتزام المكفول فالجزاء على ذلك ليس البطلان بل إنقاص التزام الكفيل إلى أن يبلغ حد الالتزام المكفول،و إذا كان التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشدّ من الالتزام المكفول فإنه على ذلك يجوز أن يكون أهون (المادة 652 قانون مدني)،فيجوز أن يكفل الكفيلُ المدينَ الأصلي في جزءٍ من الدين أو لأجلٍ أطول من أجل الدين الأصلي.
2-شمول الكفالة لملحقات الالتزام المكفول.
   تنص المادة 653 من القانون المدني "إذا لم يكن هناك اتفاق خاص فإن الكفالة تشمل ملحقات الدين و مصروفات المطالبة الأولى و ما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل"،الكفالة نوعان: الكفالة المطلقة (غير المحددة) و الكفالة المحددة،فالكفالة المحددة إذا كُفلت بصفةٍ عامة التزامات البائع في عقد البيع أو التزامات المدين في عقد القرض، و الكفالة المحددة تظل خاضعة للمبدأ الأساسي     و هو انحصارها في مدى ما رضي به الكفيل،أما إذا كانت غير محددة فالكفيل يُسأل عن أصل الدين المكفول و الفوائد القانونية،و كذلك التعويضات الناشئة عن التأخير في الوفاء أو عن إخلال المدين بالتزامه،كما يُسأل الكفيل عن مصروفات المطالبة بالدين مثل مصروفات التنبيه بالوفاء، أو الدفع،      أو مصروفات رفع الدعوى،كذلك يلتزم الكفيل بضمان الوفاء بما يستجد من مصروفات              و مصروفات لاحقة لإخطار الدائن له بمطالبته للمدين.
   أما الكفالة المحددة فإن الكفيل لا يُسأل إلا على الجزء الذي كفله.
3-كفالة الدين التجاري تعتبر عملاً مدنياً فيما عدا استثناءات معينة.
   تنص المادة 651 من القانون المدني "تعتبر كفالة الدين التجاري عملاً مدنياً و لو كان الكفيل تاجراً،غير أن الكفالة الناتجة عن ضمان الأوراق التجارية ضماناً احتياطياً أو عن تظهير هذه الأوراق تعتبر دائماً عملاً تجارياً"،نخلص من هذا النص أن الأصل في الكفالة أنها تعتبر عملاً مدنياً و تبقى الكفالة عملاً مدنياً بالنسبة للكفيل حتى لو كان الالتزام المكفول تجارياً و ذلك استثناء من القاعدة التي تقضي بأن التزام الكفيل تابعٌ لالتزام المكفول،فكان الواجب أن يكون التزام الكفيل التزاماً تجارياً كالالتزام المكفول،بل تبقَ الكفالة عملاً مدنياً حتى لو كان الالتزام المكفول تجارياً و كان كل من الدائن و المدين تاجراً،و السبب في ذلك أن العمل التجاري يجب أن يكون قائماً على فكرة المضاربة         و الأصل في الكفيل أن يكون متبرعاً لا مضارباً فهو إذاً لا يقوم بعمل تجاري بل مدني،لكن المادة 651 قانون مدني أوردت استثناءين للقاعدة التي تقضي بأن الأصل في الكفالة أن تكون عملاً مدنياً،فتكون الكفالة تجارية في حالتين:
- الحالة الأولى:إذا كانت الكفالة ناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضماناً احتياطياً؛
- الحالة الثانية: إذا كانت الكفالة ناشئة عن تظهير الأوراق التجارية.
الاتفاق بين الكفيل و الدائن (عقد الكفالة).
   طرفا الكفالة هما:الكفيل و الدائن دون المدين،حيث تنص المادة 647 من القانون المدني على أنه "تجوز كفالة المدين بغير علمه و تجوز أيضاً رغم معارضته"،و السبب في ذلك أن الكفالة عقد طرفاه الكفيل و الدائن،أما المدين فليس طرفاً فيه،فالمطلوب إذاً هو رضا الكفيل و الدائن و لا حاجة إلى رضا المدين،فالكفالة تنعقد بين طرفيها دون إذن من المدين بل قد تعقد دون علم المدين و قد تعقد رغم معارضة المدين،و الفرق ما بين هذه الصور المختلفة لا يكون في انعقاد الكفالة فهي تنعقد في جميع الأحوال بمجرد توافق إرادة الكفيل و الدائن،و إنما يظهر الفرق بين هذه الصور عند رجوع الكفيل على المدين إذا وفى عنه الديْن،فإذا كان عقد الكفالة بإذن المدين رجع الكفيل على المدين بدعوى الوكالة، و إذا عُقدت بعلم المدين أو بغير علمه و لكن دون إذنه رجع الكفيل على المدين بدعوى الفضالة،و إذا عُقدت بالرغم من معارضة المدين رجع الكفيل على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب.
التراضي بين الكفيل و الدائن.
   لـمَّا كانت الكفالة عقداً بين الكفيل و الدائن كما سبق القول فإنها تقتضي التراضي بين الكفيل       و الدائن فيتفق الاثنان على أن الكفيل يكفل المدين الأصلي،و لا يكفِ رضا الكفيل وحده و لكن  حتى يتم العقد لابد من رضا الدائن بالكفالة و لو رضاً ضمني،أما رضا الكفيل فجوهري لأن الكفيل هو الذي يلتزم في عقد الكفالة و لابد أن يرضى بالكفالة و يعبر عن هذا الرضا تعبيراً واضحاً،و يصحّ أن يتم التراضي بين الكفيل و الدائن لا على عقد الكفالة بل حتى على الوعد بالكفالة،فيعِد الملتزم الدائن بأن يكفل الدين الذي لم يترتب بعد في ذمة المدين،فإذا ما ترتب الدين في ذمة المدين وجب على الواعد كفالته،فإن لم يكفله أُجبر على ذلك و صدر حكم من القضاء باعتبار الواعد كفيلاً للمدين تسري عليه جميع أحكام الكفالة،و لكن لابد أن يقبل الدائن الوعد حتى يتم عقد الوعد بالكفالة،و قبل قبول الدائن لا يكون هناك لا كفالة و لا وعد بالكفالة.
شكل الكفالة.
   الكفالة من عقود التراضي لا يشترط في انعقادها شكلٌ خاص بل كل تعبيرٍ عن الإرادة يفيد الرضا من جانب الكفيل و من جانب الدائن يكفي لانعقادها،غير أن هناك فرقاً بين رضا الكفيل و رضا الدائن،فالكفيل عادةً متبرع فيجب أن يكون رضاؤه واضحاً و هذا بخلاف الدائن لأن الكفالة تكون عادةً لمصلحته،لذلك لا يُشترط في رضائه أن يكون صريحاً و لا أن يكون واضحاً و يكفي استخلاص هذا الرضا من الظروف و القرائن،و لذلك جاز أن يكون قبول الدائن قبولاً ضمنياً.
إثبات الكفالة.
   تنص المادة 645 من القانون المدني على أنه" لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة و لو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبيّنة"،و نخلص من هذا النص أن الكتابة ضرورية لإثبات التزام الكفيل        و لكنها غير ضرورية لانعقاد الكفالة لذلك فالكفالة ليست بعقد شكلي و إنما هي عقد رضائي،     و الكتابة ليست ضرورية إلا لإثبات التزام الكفيل حتى لو كان الالتزام المكفول يجوز إثباته بالبينة بأن يكون أقل من مئة ألف دينار جزائري (100.000د ج) ،و السبب الذي دعا المشرع إلى التشديد في إثبات رضا الكفيل بالكتابة هو خطورة الكتابة و ضرورة التروي قبل الإقدام على الكفالة،فالإثبات ضروري فيما بين الكفيل و الدائن،أما فيما بين الكفيل و المدين فلا تشترط الكتابة عندما يرغب الكفيل بالرجوع على المدين بعد أن يفِ بالالتزام،فهنا الإثبات يخضع للقواعد العامة فيجوز الإثبات بالبينة و القرائن،و يجب أن تكون الكتابة ثابتة التاريخ حتى يجوز الاحتجاج بها أمام الغير.


أهلية الكفيل.
   لما كان التزام الكفيل عادةً تبرعيًا فإنه  يجب أن تتوفر فيه أهلية التبرع،و على ذلك لا يجوز للقاصر    أو المحجور عليه أن يكفل الغير و إذا كفل كانت الكفالة باطلة بطلاناً مطلق،بل لا يجوز للولي        أو الوصي أو القيم أن يعقد باسم القاصر و المحجور عليه كفالة تبرعية حتى بإذن المحكمة لأنه يمنع التبرع بمال القاصر،فلابد إذاً أن يكون الكفيل المتبرع بالغاً سن الرشد و غير محجور عليه،أما إذا كانت الكفالة بمقابل و هذا نادرٌ في الحياة العملية فيجب أن تتوفر في الكفيل أهلية التصرف لا أهلية التبرع،و على ذلك لا يجوز للقاصر أن يكفل لأنه لا يملك أهلية التصرف و إذا كفل كانت الكفالة قابلة للإبطال إلى أن تُجاز،و لكن يجوز للولي، أو الوصي، أو القيم أن يعقد كفالة بمقابل باسم القاصر  أو المحجور عليه.
   و تجوز الكفالة باسم الشخص المعنوي من المفوّض له بذلك سواء كانت الكفالة بمقابل أو بدون مقابل،و يجوز للشريك كامل الأهلية أن يكفل الشركة التي هو شريكٌ فيها كما يجوز للشركة أن تكفل الشريك.
   و تسري على عيوب الرضا في الكفالة القواعد العامة، و على ذلك تكون الكفالة قابلةً للإبطال لغلطٍ إذا وقع الكفيل في غلطٍ جوهري بخصوص الدين الذي يكفله كأن يعتقد بأنه يكفل ديناً مدنياً فإذا بالدين التزامٌ طبيعي،و تكون الكفالة قابلةً للإبطال إذا شاب رضا الكفيل تدليسٌ كأن يوهمه الدائن غِشاً ملاءة المدين الأصلي فإذا به معسر،أو أوهمه بوجود ضماناتٍ أخرى فإذا بهذه الضمانات غير موجودة،كما قد تكون الكفالة قد عُقدت بإكراهٍ فتكون قابلةً للإبطال كأن يضغط الزوج على زوجته لتكفله في دين ٍكبير و هي تعلم أن زوجها لا يستطيع الوفاء بهذا الدين.




آثـــــــــار عقـــــــد الكفالـــــــــة.
     الضمانات المقرّرة للكفيل هي مجموع الدفوع التي خوّلها المشرع للكفيل ليحتج بها في مواجهة الدائن إن رجع عليه في ظل شروط معينة،لكن المبدأ العام أن هذه الضمانات ليست من النظام العام،فيجب على الكفيل التمسك بها و القاضي لا يثيرها من تلقاء نفسه، كما أن بعض الدفوع متوقف على عدم تضامن الكفيل مع المدين.
أولاً: الدفوع المرتبطة بالالتزام المكفول.
أ-مطالبة الدائن الكفيل في أجل الاستحقاق.
   إذا كان التزام الكفيل قد حُدِّد له أجلٌ مستقل عن الالتزام الأصلي فعلى الدائن احترام هذا الأجل،أما في حالة عدم تحديد الأجل فيمكن للدائن مطالبة الكفيل عند حلول أجل الدين الأصلي.
   أما إذا كان هناك اتفاق بين الدائن و المدين على تمديد أو تعجيل أجل الاستحقاق استفاد الكفيل منه،و في حالة التعجيل يمكن للكفيل أن يتمسك بالأجل الأصلي للالتزام المكفول متى كانت له مصلحة في ذلك؛ الإشكال الذي يُطرح في حالة ما إذا كان هناك أجلٌ واحد لكلا الفرضين و سقط أجل الالتزام الأصلي بسبب الإعسار أو الإفلاس أو سببٍ آخر ،فهل يكون سبباً لإسقاط أجل الوفاء للكفيل أيضاً ؟  في هذه الحالة هناك اتجاهان:
 -الاتجاه الأول: يرى إسقاط الأجل بالنسبة للكفيل استناداً على فكرة التبعية،و هذا الرأي فيه تشديدٌ لالتزام الكفيل، و هو يتناقض مع المادة 652 من القانون المدني؛
-الاتجاه الثاني: يرى عدم إسقاط أجل الكفيل، و قد اعتمدوا في  رأيهم هذا على ثلاث حجج:
1-أن الإعسار الذي يضمنه الكفيل هو إعسار المدين وقت حلول الأجل و ليس قبله؛
2-أن التزام الكفيل بضمان التزام المكفول يعتريه عدم تسبب المدين بإرادته بما يسيء لمركز الكفيل؛
3-سقوط الأجل بالنسبة للمدين مرده تخلف اعتبار الثقة و هذا لا يعد مبرراً لحرمان الكفيل من المدة المخصصة للرجوع عليه.
ب-أولوية رجوع الدائن على المدين.
   هذا الدفع مستخلص من نص المادة 660 من القانون المدني التي تنص على أنه " لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين"،بشرط ألاَّ يكون الكفيل متضامناً مع المدين ،أمّا إذا كان متضامناً مع المدين فللدائن أن يرجع عليه مباشرة، و الرجوع معناه المطالبة القضائية فلا يجوز للدائن أن يرفع الدعوى على الكفيل إلاَّ بعد أن يرفع دعوى على المدين باستثناء حالة إفلاس المدين،فهنا لا يجوز للدائن أن يرجع على المدين بمعنى لا يستطيع أن يتخذ إجراءاً فردياً في مواجهته    و إنّما عليه التقدم بالتفليسة حتى يتمكن بعد ذلك من الرجوع على الكفيل،كذلك باستثناء ما إذا كان للدائن سندٌ صالح للتنفيذ عليه فليس في حاجةٍ إلى رفع دعوى على مدينه و إنما يكفِ أن يكلِّف المدين بالوفاء،يُفهم من هذا أنه في حالة ما إذا رفع الدائن على الكفيل دعوى قبل رفعها على المدين فإن للكفيل أن يدفع بوجوب الرجوع على المدين أولاً،و بمعنى آخر يقضي بعدم قبول دعوى الدائن عليه،و للكفيل أن يتمسك بهذا الدفع أمام المحكمة و في أي حالة تكون عليها الدعوى،لكن لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها لأن الحكم الوارد في المادة 660 فقرة 1 من القانون المدني ليس من النظام العام،و حتى يستطيع الكفيل أن يتمسك بهذا الدفع يجب توافر شروط و هي:
1-يشترط ألاَّ يكون الكفيل قد تنازل عن التمسك بهذا الدفع؛
2-يجب ألاَّ يكون الكفيل متضامناً مع المدين؛
3-يشترط أن يكون للكفيل مصلحة بهذا الدفع فإذا كان المدين معسراً أو أظهر العجز عن الوفاء بالدين فإنه ليس هناك فائدة من تمسك الكفيل بوجوب رجوع الدائن على المدين.





ج-الدفع بالتجريد.
   و معناه أن يوجِّه الكفيل الدائن في حالة رجوعه عليه بأن ينفِّذ أو بأن يجرِّد أموال المدين قبل التنفيذ على أمواله طبقاً لنص المادة 660 فقرة 2 من القانون المدني و نصها "...و لا يجوز له أن ينفِّذ على أموال الكفيل إلا بعد أن يجرِّد المدين من أمواله و يجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق"،أصل الدفع أنها قاعدة رومانية من ابتداع "جوستينيان" ليخفِّف من قواعد القانون الروماني الصارمة،حيث كانت وضعية الكفيل أسوء من مركز المدين،ثم تمت التسوية بينهما فأصبح في حكم المدين المتضامن و لا يستساغ أن يكون للتصرف وصفان فخفَّف من التزام الكفيل فأصبح تبعياً للالتزام الأصلي، و الحكمة منه تتمثل في أن الكفيل ليست له مصلحة في الدين فيكون من باب أولى و من باب العدالة أن يُرجع أولاً على المدين قبل التنفيذ على أموال الكفيل ما دام قد تمّ إثبات أن لهذا المدين ما يكفي من الأموال لسداد كامل الدين.
شروط الدفع بالتجريد.
-على الكفيل أن يتمسك به و يثيره أثناء رفع الدعوى لأنه ليس من النظام العام،و يسقط إذا دخل القاضي في مناقشة موضوع الدعوى؛
-الكفيل المتمسك بالدفع يجب أن يكون كفيلاً شخصياً لا عينياً لأن هذا الأخير حرم من التمسك بهذا الدفع؛
-التضامن بين المدين و الكفيل مانعٌ للتمسك بهذا الدفع حسب المادة 665 من القانون المدني      و التي تنص على أنه "لا يجوز للكفيل المتضامن مع المدين أن يطلب التجريد"؛
-أن يكون للكفيل مصلحة للتمسك بهذا الدفع، فلا دعوى و لا دفع بلا مصلحة.



إجراءات الدفع بالتجريد.
   نصت المادة 661 من القانون المدني على أنه " إذا طلب الكفيل التجريد وجب عليه أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال للمدين تفي بالدين كله"،معنى ذلك أنه يجب على الكفيل أن يوجِّه الدائن بنفقاته الخاصة إلى الأموال التي يجب أن تتوافر فيها المواصفات الآتية:
-أن تكون هذه الأموال مملوكة للمدين و غير متنازع فيها و قابلة للتنفيذ عليها؛
-يجب أن تكون هذه الأموال متواجدة على التراب الوطني حتى يسهل التنفيذ عليها، المادة 661 من القانون المدني و تنص "لا يؤخذ بعين الاعتبار الأموال التي يدل عليها الكفيل إذا كانت هذه الأموال تقع خارج الأراضي الجزائرية أو متنازع فيها"؛
   و ما يميز الدفع بالتجريد عن بقية الدفوع الأخرى اشتراط المشرع في الأموال المرشد إليها أن تكون كافيةً لسداد الدين (المادة 661 ف1 قانون مدني)،و تخلف أحد الشروط يؤدي إلى رفض الدفع،كما أنه لا جدوى من الدفع بالتجريد إذا أعسر المدين،و نفقات الإرشاد و التوجيه يتحمّلها الكفيل.
آثار الدفع بالتجريد.
   إذا وافقت المحكمة على الدفع بالتجريد امتنع على الدائن التنفيذ على أموال الكفيل قبل تجريد المدين،و إذا وفّى المدين بكامل الدين برأت ذمته و ذمة الكفيل،و لا تبرأ ذمة الكفيل إذا اتّضح عند التنفيذ انخفاض قيمة الأموال المرشد إليها أو ظهور دائنين جدد،كما أن استعمال الدفع بالتجريد لا يحرم الدائن من توقيع حجزٍ تحفظي على أموال الكفيل،و يتحمّل الدائن إعسار المدين أو إقدامه على إخفاء المنقولات إذا تراخى الدائن في التنفيذ عليها في الوقت المناسب (مدة ستة (6) أشهر من تاريخ إخطاره من قبل الكفيل)،أمّا إذا حصل الإفلاس أو الإعسار قبل ذلك فلا تبرأ ذمة الكفيل من الضمان في ميعاد الاستحقاق و هذا ما تقضي به المادة 657 من القانون المدني "لا تبرأ ذمة الكفيل بسبب تأخر الدائن في اتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه يتّخذها،غير أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة (6) أشهر من إنذار الكفيل للدائن ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً ".
الصورة الخاصة للدفع بالتجريد.
   نص عليها المشرع في المادة 665 من القانون المدني "إذا كان هناك تأمين عيني خصص قانوناً     أو اتفاقاً لضمان الدين و قدمت كفالة بعد هذا التأمين أو معه و لم يكن الكفيل متضامناً مع المدين فلا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل إلا بعد التنفيذ على الأموال التي خصصت لهذا التأمين"،في هذه الفرضية يقدِّم المدين أموالاً مخصصة بعينها للوفاء بالدين الذي عليه و ذلك قبل إبرام عقد الكفالة بل كانت هي الدافع للكفيل بأن يتدخل كضامن للمدين،فيمكن للكفيل التمسك في مواجهة الدائن بالتنفيذ عليها قبل الرجوع عليه، و إن لم تكن كافية لسداد الدين كله؛
    و الشروط الواجب توافرها في هذا الدفع هي:
1-أن يكون هناك تأمين عيني خصِّص لضمان نفس الدين؛
2-أن تكون الكفالة لاحقةً للتأمين العيني أو تقرّرت معه؛
3-أن يكون الكفيل غير متضامن مع المدين؛
4-أن يكون التأمين العيني مخصَّصاً على مالٍ مملوكٍ للمدين.
د-تمسك الكفيل بالدّفوع التي يحتجّ بها المدين.
  تنص المادة 654 من القانون المدني على أنه "يبرأ الكفيل بمجرد براءة المدين و له أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين.غير أنه إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين يتمثل في نقص أهليته و كان الكفيل عالماً بذلك وقت التعاقد،فليس له أن يحتج بهذا الوجه"،فالتزام الكفيل هو تابعٌ لالتزام المدين فيكون باطلاً أو قابلاً للإبطال و يكون كذلك التزام الكفيل باطلاً أو قابلاً للإبطال ،فيما عدا أن يكون التزام المدين قابلاً للإبطال لنقص الأهلية و كان الكفيل عالماً بنقص أهلية المدين،فالكفيل لا يستطيع أن يُبطل عقد الكفالة مادام العقد الأصلي قد أُجيز،و للكفيل أن يتمسك بانقضاء التزامه ككفيل تبعاً لانقضاء التزام المدين.

ه-الدفوع الخاصة بالكفيل.
   و للكفيل فضلاً عن الدّفوع التي يحتجّ بها المدين دفوعاً خاصة به لا يشترك فيها مع المدين،و هذه الدّفوع إمّا أن تكون متعلقةً بعقد الكفالة ذاته ،و إمّا أن تكون راجعةً إلى مركز الكفيل باعتباره كفيلاً فيجوز للكفيل أن يتمسّك ببطلان عقد الكفالة وحده أو قابليته للإبطال.
ثانياً: الدفوع المستقلة عن الالتزام المكفول.
1)-الدفع بالتقسيم.
الدفع بالتقسيم نصت عليه المادة 664 من القانون المدني،فيمكن للكفيل الذي رجع عليه الدائن لاستيفاء حقه أن يدفع بتقسيم الدين بأن يطالب الدائن كل كفيلٍ بقدر نصيبه في الدين الذي كفله إن تعدّد الكفلاء دون تضامن،و إن لم يُحدد نصيب كل واحدٍ قُسم الدين بينهم بالتساوي.
شروط الدفع بالتقسيم.
1-أن يتعدّد الكفلاء؛
2-أن يتعدّدوا لدين واحد؛
3-أن يكفل الكفلاء نفس المدين؛
4-أن يتعدّد الكفلاء بعقدٍ واحد؛
5-ألاَّ يكون الكفلاء متضامنين.
2)-الدفع بإضاعة التأمينات.
   الدفع بإضاعة التأمينات أساسه هو الحلول و التبعية،فالدائن بعدم محافظته على هذه التأمينات المخصّصة لضمان نفس الدين المكفول قد أضاع فرصة الكفيل ليحلّ فيها بعد وفائه الدين للدائن إن استعمل دعوى الحلول،و سببها هو المسؤولية التقصيرية جراء ما أصاب الكفيل من ضرر بسبب ضياع التأمينات التي كان من الممكن الرجوع بها على المدين بعد الوفاء؛
   و تناولت الدفع بإضاعة التأمينات المادة 656 من القانون المدني و التي تنص على أنه "تبرأ ذمة الكفيل بالقدر الذي أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات"،و يقصد بالضمانات في هذه المادة كل التأمينات المخصصة لضمان الدين و لو تقرّرت بعد الكفالة و كذلك كل التأمينات المقرّرة بحكم القانون،فمن خلال نص المادة 656 من القانون المدني نستخلص شروط الدفع بإضاعة التأمينات:
1-إضاعة تأمين خاص سواء كان قبل إبرام الكفالة أو بعدها لتقوية الائتمان  لأجل وفاء الدين المكفول ،و يخرج من هذه الحالة الدعاوى التي كان من المفروض أن يستعملها الدائن للحفاظ على الأموال المخصصة للوفاء بالدين،كالدعوى غير المباشرة،الدعوى الصورية و الدعوى البوليصية...إلخ؛
2-خطأ الدائن في إضاعة التأمينات ؛
3-يجب أن يتضرر الكفيل من هذه التصرفات.
دعاوى الكفيل للرجوع على المدين.
أولاً: دعوى الكفالة.
  هي أوّل الدعاوى المخوَّلة لأي كفيلٍ تدخّل لضمان التزامٍ يشمل ذمة المدين ،و تم تنظيمها بموجب المادتين 670 و 672 من القانون المدني.
أساس دعوى الكفيل.
  حاول البعض تأصيل دعوى الكفالة بالرجوع إلى دعوتين: إما دعوى الوكالة التي قد تكون صريحةً متى عُقدت الكفالة برضا المدين و ضمنيةً متى تمت بغير علم هذا الأخير،و إمَّا أن يكون أساسها دعوى الفضّالة إذا عُقدت بغير رضا المدين ،و لم يقصد الفقه بهذا التأصيل إخضاع دعوى الكفالة لأحكام الوكالة أو الفضّالة إذ أنه لا يَعْدُ أن يكون تشبيهاً علاوةً على اختلاف دعوى الكفالة عن المبادئ العامة للوكالة و الفضّالة التي يُشترط لصحتهما عنصر الاستعجال،فتبقى دعوى الكفالة دعوى مستقلة بموجب نص القانون.

شروط دعوى الكفالة.
1-لا يمكن للكفيل الذي تدخل لضمان الدائن رغم معارضة المدين استعمال دعوى الكفالة ،و هنا يكون للكفيل الرجوع على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب (+1)؛
 2-على الكفيل أن يقوم بإعلام المدين عندما يعقد العزم على الوفاء بالدين ما نصت عليه المادة 670 من القانون المدني،ميزة هذا الحكم أنه في الالتزام بواجب إعلام المدين بالوفاء بالدين هو تمكين هذا الأخير من الاعتراض على هذا الوفاء متى توافر بين يديه (المدين) سببٌ من أسباب انقضاء الدين: كالوفاء،البطلان،المقاصة و اتحاد الذمة...إلخ؛
3-أن يكون الكفيل قد احترم عند وفائه الدين الأجل المحدّد لاستحقاقه و للكفيل التمسك بالأجل الأصلي للوفاء حتى لو تم تمديد هذا الأخير أو تعجيله،و هذا على خلاف دعوى الحلول التي يحلّ الكفيل فيها محلّ الدائن في جميع الخصائص بما فيها تعديل الأجل بالتقديم أو التأخير؛
4-الأصل أنه ليس للكفيل أن يرجع على المدين بأي شيءٍ إلى أن يوفي كامل الدين إلى الدائن و من ثَمَّ تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن،و لكن إذا وفى الكفيل بجزءٍ من الدين فقط فإنه يتعرض إلى مزاحمة الدائن العادي أو جماعة الدائنين إن تعدّدوا ما لم يمتازوا بحق امتياز،معنى هذا أن الكفيل الذي وفى بجزءٍ من الدين يتساوى مع الدائن الموفى له في رجوعهما على المدين،فإن كانت الأموال غير كافية قسمت بينهما قسمة الغرماء.
مجال دعوى الكفالة.
   إذا  استعمل الكفيل دعوى الكفالة فإنه يستفيد من حق المطالبة بأصل الدين و هو قيمة الالتزام الذي وفّاه الكفيل عن المدين في مواجهة الدائن،بالإضافة إلى المصروفات و هي النفقات التي صرفها الكفيل لإبرام عقد الكفالة،بالإضافة إلى مصاريف الإرشاد لأموال المدين و مصروفات الدعوى التي رفعها على المدين،لكنه لا يرجع بهذه المصروفات على المدين إلا من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتُّخذت ضدّه لأن المدين متى أُخطر بها فقد يسارع إلى الوفاء بالتزامه و يتجنّب المصروفات التي يقوم بها الكفيل لو لم يخطر،و هذا طبقاً للمادة 672 من القانون المدني "...و يرجع بأصل الدين و المصروفات غير أنه فيما يخص المصروفات لا يرجع الكفيل إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده"،كذلك يرجع بالتعويض عن الأضرار التي أصابته من اضطراره للوفاء بالدين،و إن كان القانون المدني لم ينص في باب الكفالة على التعويض لكن يمكن الرجوع إلى القواعد العامة،حيث يستطيع الكفيل الرجوع على المدين لتعويضه على الضرر و قد طبقت هذه القواعد في رجوع الوكيل على الموكّل (المادة 583 من القانون المدني)،و في رجوع الفضولي على ربِّ العمل (المادة 157 من القانون المدني).
ثانياً: دعوى الحلول.
   إذا لم تتوافر شروط استعمال دعوى الكفالة كالإخطار مثلاً فللكفيل أن يستند إلى دعوى الحلول المستمدة من القواعد العامة للالتزامات،و التي تمكِّنه من الحلول محل الدائن إذا ما وُفيّ الدين،و قد نص عليها المشرع في باب الكفالة المادة 671 من القانون المدني و التي تنص "إذا وفىَّ الكفيل الدين،كان له أن يحلّ محلّ الدائن في جميع ما له من حقوق تجاه المدين،و لكن إذا لم يوفِ إلاَّ بعض الدين،فلا يرجع بما وفاه إلا بعدما يستوفي الدائن كل حقه من الدين"،و هذه الدعوى كما سبق القول ما هي إلاَّ تطبيقٌ للقواعد العامة في الوفاء مع الحلول المادة 261 قانون مدني و نصها "إذا قام بالوفاء شخص غير المدين،حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية:
-إذا كان الموفي دائناً و وفىَّ دائنٌ آخر مقدماً عليه بما له من تأمينٍ عيني و لو لم يكن للموفي أي تأمين؛
-إذا كان هناك نصٌ خاص يقرّر للموفي حق الحلول".
   و نتيجةً لذلك فإن الكفيل يستمتع بجميع الحقوق و التأمينات التي كانت للدائن و المخصّصة للوفاء بالدين من خلال استعماله لهذه الدعوى،و كذلك يواجه بجميع الدّفوع التي كان للمدين الحق فيها في مواجهة الدائن.



شروط استعمال دعوى الحلول.
-يستعملها الكفيل سواء كان متضامناً أو غير متضامن مع المدين،و سواء تدخل بعلمه أو بغير علمه، و يستطيع استعمالها رغم معارضة المدين؛
-أهم ما يميز استعمال دعوى الحلول هو ضرورة الرجوع في الأجل الذي كان ينبغي للدائن أن يستوفي فيه حقه؛
-يجب أن تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن،أما إذا لم ينقضِ إلا جزءٌ من الدين فيتعرّض الكفيل في حلوله إلى تقدّم الدائن عليه،خلافاً لدعوى الكفالة التي قرّر لها المشرع حكماً آخر.
مجال الرجوع في دعوى الحلول.
طبقاً لنص المادة 671 من القانون المدني :
أ-إذا كان الدين تجارياً حلَّ فيه بهذه الخاصية؛
ب-إذا كان الدين مقترناً بأجلٍ فلا يجوز للكفيل الرجوع قبله؛
ج-إذا كان دين الدائن ممّا يتقادم بمدةٍ معينة فإن دين الكفيل ينقضي خلال هذه المدة.
موضوع دعوى الحلول.
   بالرجوع إلى نصي المادتين 264 و671 من القانون المدني :
تنص المادة 264 قانون مدني أنه "من حلّ محل الدائن قانوناً أو اتفاقاً كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص و ما يلحقه من توابع و ما يكفله من تأمينات و ما يرد عليه من دفوع و يكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من ماله من حلّ محل الدائن"؛
أما المادة 671 قانون مدني فتنص أنه "إذا وفىّ الكفيل الدين،كان له أن يحلّ محلّ الدائن في جميع ما له من حقوقٍ اتجاه المدين...".

    نستخلص من نص المادتين السابقتين:
1-أن الكفيل يحلّ محلّ الدائن في حقه بما لهذا الحق من خصائص و بما يلحقه من توابع،مثلاً إذا كان حق الدائن تجارياً فإن الكفيل يحلّ محله في هذا الحق بهذه الصفة،و من توابع الحقِّ أنه إذا كان منتجاً لفوائد معينة فإن الكفيل يستفيد من هذه الفوائد؛
2-أن الكفيل يحلّ محلّ الدائن في حقه بما يكفله من تأمينات،أي أن جميع التأمينات التي كانت تضمن للدائن الوفاء بدينه تنتقل إلى الكفيل لتضمن له رجوعه بما دفع على المدين،و العبرة هنا بالتأمينات الموجودة وقت الوفاء و بالحالة التي كانت عليها وقت هذا الوفاء،فالرهن ينتقل بمرتبته و لا يحتاج الكفيل إلى اتفاقٍ خاص مع الدائن لإحلاله محله في هذه التأمينات،و لا يجوز للدائن أن ينزل على الرهن أو عن مرتبته إضراراً بحق الكفيل الذي حلّ محلّه في هذا الرهن؛
3-أن الكفيل يحلّ محلّ الدائن في حقه بما يرد على هذا الحق من دفوع،أي أن المدين يستطيع أن يحتج في مواجهة الكفيل بكل الدفوع التي كانت له قِبل الدائن،مثلاً إذا كان حق الدائن مصدره عقد باطل أو قابل للإبطال جاز للمدين أن يتمسك بهذا الدفع في مواجهة الكفيل كما كان له اتجاه الدائن،و إذا كان دين الدائن قد انقضى بسببٍ من أسباب الانقضاء فإن المدين يستطيع أن يدفع بذلك في مواجهة الكفيل.
مقارنة بين الدعوى الشخصية (دعوى الكفالة) و دعوى الحلول.
* الفرق بين دعوى الكفالة و دعوى الحلول فيما يتعلق بالكفلاء الذين لهم الحق في الرجوع.
فبالنسبة  لدعوى الحلول يستطيع كل الكفلاء الرجوع على المدين بهذه الدعوى و يستوي أن تكون الكفالة قد تمت بعلم المدين أو بغير علمه أو حتى رغم معارضته،و يستوي أن تكون الكفالة قد تمت لمصلحة المدين أو لمصلحة الدائن،أما بالنسبة لدعوى الكفالة فإن الكفلاء الذين لهم الحق في الرجوع بهذه الدعوى هم الذين كفلوا المدين بعلمه أو بغير علمه و دون معارضته،أو تكون الكفالة قد تمت لمصلحة المدين أو لمصلحة الدائن و المدين معاً.

*الفرق بين دعوى الكفالة و دعوى الحلول فيما يتعلق بشروط كلٍ منهما.
   تتفق دعوى الكفالة و دعوى الحلول في بعض الشروط إذ يشترط للرجوع بإحداهما الرجوع بالدين،    و أن يكون الوفاء عند حلول الأجل،أما أوجه الاختلاف بينهما فبالنسبة للدعوى الشخصية (دعوى الكفالة) لا يشترط أن يكون الدائن قد استوفى دينه كاملاً بل يستطيع الكفيل الرجوع بهذه الدعوى   و يوفي بجزء من هذا الدين،و في هذه الحالة يزاحم الدائن عند رجوعه على المدين بباقي الدين         ( يتساوى الكفيل مع الدائن)،كما يشترط في دعوى الكفالة إخطار الكفيل للمدين قبل الوفاء،أما بالنسبة لدعوى الحلول فيشترط أن يكون الدائن قد استوفى حقه كاملاً ،و في حالة ما إذا وفى الكفيل بجزء من الدين فهنا يكون للدائن الأولوية في استيفاء الباقي من الدين عند المدين.
الفرق بين دعوى الكفالة و دعوى الحلول فيما يتعلق بموضوع كلٍ منهما.
   ففي دعوى الحلول يحلّ الكفيل محلّ الدائن في ما له من حقوق قِبل المدين أما بالنسبة لدعوى الكفالة فالكفيل يرجع بأصل الدين و المصاريف و التعويضات.
رجوع الكفيل على المدينين و على بقية الكفلاء.
1)-رجوع الكفيل و تعدد المدينين.
أ)تعدد المدينين مع عدم تضامنهم.
   في حالة ما إذا تدخل الكفيل ليضمنهم جميعاً ثم وفى بالدين فإنَّه عند رجوعه عليهم فإنه يرجع على كل مدينٍ بقدر نصيبه في الدين،سواء كان هذا الرجوع بدعوى الكفالة أو دعوى الحلول.
   و في حالة ما إذا كفل الكفيل بعضهم فقط فإنه لا يرجع إلا على من كفله منهم و في حدود نصيبه في الدين ،و لا يرجع على غير المدين الذي كفله إلا إذا كان قد دفع زيادةً ترتبت عنها براءة ذمة مدينين آخرين لم يكفلهم و هنا يرجع عليهم بدعوى الإثراء بلا سبب.


ب)-تعدد المدينين و تضامنهم.
   و قام الكفيل بضمانهم جميعاً فله الحق أن يرجع على أيٍ منهم بجميع ما وفَّاه من الدين،المادة 673 من القانون المدني و التي تنص "إذا تعدّد المدينون في دينٍ واحد و كانوا متضامنين فللكفيل الذي ضمِنهم جميعاً أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين".
أما الحالة التي يكون فيها الكفيل قد كفل بعضهم فقط فهذه الحالة لم ينص عليها المشرع في باب الكفالة،لكن يكون للكفيل الرجوع فقط على المدينين الذين ضمنهم بكل الدين.
2)-رجوع الكفيل على غيره من الكفلاء.
أ)-تعدد الكفلاء مع تضامنهم.
  تنص المادة 668 من القانون المدني على أنه "إذا كان الكفلاء متضامنين فيما بينهم و وفى أحدهم الدين عند حلوله،يجوز له أن يرجع على كل من الباقين بحصته في الدين و بنصيبه في حصة المعسر"،طبقاً للمادة يكون كل كفيل مسؤولاً على الدين فإذا وفى أحدهم الدين فلا يجوز أن يرجع على الكفيل المتضامن إلا بقدر نصيبه في الدين مضافاً إليه نصيبه من حصة المعسر منهم.
ب)-تعدد الكفلاء و عدم تضامنهم.
   قُسِّم الدين بينهم بقوة القانون فلا يلتزم كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة،و إن إعسار أحدهم لا يتحمَّله غيره من الكفلاء و الدائن هو الذي يتحمَّل حصة الكفيل المعسر منهم.





انقضاء عقد الكفالة.
    ينقضي التزام  الكفيل بصفة تبعية لانقضاء التزام المدين،لأن التزام الكفيل لا يقوم بمفرده بل لابد أن يرتكز على التزام أصلي و يعمل على ضمان الوفاء به،فهو تابعٌ لهذا الالتزام في وجوده و في صحته   و انقضائه لأن الفرعَ يتبع الأصل،و بهذا ينقضي التزام الكفيل بنفس الأسباب العامة التي ينقضي بها الالتزام المكفول.
   كما قد ينقضي التزام الكفيل لأسباب خاصة دون أن ينقضي الالتزام المكفول.
أولاً:الأسباب العامة لانقضاء الكفالة بصفة تبعية.
    فخاصية التبعية التي يتميز بها التزام الكفيل تجعله ينقضي بنفس أسباب انقضاء الالتزام الأصلي،      و تتمثل هذه الأسباب في الوفاء و ما يقوم مقام الوفاء،و إما بطرقٍ أخرى غير الوفاء،كالإبراء         و التقادم و اتحاد الذمة...إلخ.
أ)-انقضاء الالتزام الأصلي بالوفاء و ما يقوم مقام الوفاء.
1-الوفاء.
   إذا وفىَّ المدين بالدين الذي عليه برأت ذمته و برأت بالتبعية ذمة الكفيل(في حالة الوفاء الكلي)،أمّا إذا كان الوفاء جزئياً فإن ذمة الكفيل لا تبرأ إلا بقدر ما وفاه المدين،و هنا يُشترط أن يكون المدين هو الذي قام بالوفاء،أما إذا وفىَّ بالدين شخصٌ آخر غير المدين و حلّ الموفي محلّ الدائن الذي استوفى حقه،فإن ذمة الكفيل لا تبرأ لأن ذمة المدين لم تبرأ.
   و نفس الحكم في حوالة الحق فإذا أحال الدائن حقه إلى دائنٍ آخر فإن الدين يظل قائماً بكل ضماناته بما في ذلك الكفالة،و هذا ما نصت عليه المادة 243 من القانون المدني "تشمل حوالة الحق ضماناته كالكفالة و الامتياز و الرهون و رهن الحيازة كما تشمل ما حلّ من أقساط".
  أما إذا أحال المدين التزامه إلى شخصٍ آخر (حوالة الدين) فإن الدين يظل قائماً،إلاَّ أنه مع تغيير شخص المدين فإن التزام الكفيل ينقضي إلاَّ إذا وافق الكفيل على ضمان المدين الجديد المادة 254 من القانون المدني"يحال الدين بكل ضماناته غير أنه لا يبق للكفيل،عينياً كان أو شخصياً التزام اتجاه الدائن إلا إذا رضي بالحوالة".
   و يشترط لبراءة ذمة الكفيل بالوفاء الصادر من المدين أن يكون هذا الوفاء صحيحاً،المادة 260 من القانون المدني "يشترط لصحة الوفاء أن يكون الموفي مالكاً للشيء الذي وفى به و أن يكون ذا أهلية للتصرف فيه"،و بالتالي ينقضي الدين المكفول و ينقضي بالتبعية التزام الكفيل.
2-انقضاء الدين المكفول بالوفاء بمقابل.
   و نصت عليه المادة 655 من القانون المدني "إذا قبل الدائن شيئاً آخر في مقابل الدين برأت بذلك ذمة الكفيل و لو استحق هذا الشيء"،طبقاً لهذا النص فإن المدين إذا اتفق مع الدائن عن الاستعاضة عن الدين الأصلي بنقل ملكية شيءٍ آخر من الدائن،فإن ذمة المدين الأصلي تبرأ عن طريق هذا الوفاء بمقابل،و تبرأ ذمة الكفيل تبعاً لذلك فتنقضي الكفالة بطريق تبعي.
3-انقضاء الدين المكفول بالتجديد.
   نصت عليه المادة 287 من القانون المدني و ما يليها،إذا انقضى الدين المكفول بالتجديد بأن جدَّد المدين الأصلي دينه لتغيير الدائن أو المدين أو تغيير الدين في محلِّه أو مصدره،فإن الدين المكفول ينقضي و تنقضي الكفالة بصورة تبعية و يحلُّ محلَّ الدين المكفول دين جديد لا تنتقل إليه التأمينات التي كانت تكفل الدين المكفول (المادتان 291 و 293 من القانون المدني).
4-انقضاء الالتزام المكفول بالإنابة.
   المادة 294 من القانون المدني و ما يليها،و المقصود بالإنابة،الإنابة الكاملة و هي التي يترتب عليها انقضاء الالتزام المكفول و هي أن يتّفق فيها على أن ينقضي التزام المدين(المنيب) ليحلّ محله التزام جديد و هو المناب في مواجهة الدائن المناب لديه،الإنابة الكاملة هي تجديد الالتزام بتغيير شخص المدين أي تبرأ ذمة المنيب قِبَلَ المناب لديه،و يترتب على ذلك انقضاء التأمينات الضامنة لهذا الالتزام   و من بينها الكفالة،فتبرأ ذمة الكفيل في مواجهة الدائن ما لم يرض بكفالة المدين الجديد،أما بالنسبة للإنابة الناقصة فلا يوجد هناك تجديد للالتزام و بالتالي لا ينقضي الالتزام القديم و لا تنقضِ التأمينات الضامنة له،حيث يقوم التزام المنيب(المدين الأصلي) بجانب التزام المنوب عنه و يكون للدائن مدينان بدلاً من واحد.
5-انقضاء الدين المكفول بالمقاصة.
   إذا أصبح المدين المكفول دائناً للدائن و توافرت شروط المقاصة المنصوص عليها في المادة 297 من القانون المدني،انقضى الالتزام المكفول بقدر الالتزام الذي ترتب في ذمة الدائن و انقضى بالتبعية التزام الكفيل بهذا القدر.
6-انقضاء الدين المكفول باتحاد الذمة.
    المادة 304 من القانون المدني،ينقضي الالتزام إذا اجتمعت في شخصٍ واحد صفتا الدائن و المدين بالنسبة لدينٍ واحد و بالقدر الذي اتحدت فيه الذمة،كأن يرث المدين الدائن أو أن يوصي الدائن لمدينه بالدين،و متى انقضى الالتزام الأصلي المكفول انقضى بالتبعية التزام الكفيل.
ب)-انقضاء الالتزام الأصلي دون الوفاء.
   ينقضي الالتزام دون الوفاء به في حالاتٍ معينة:
1-الإبراء.
    المادة 305 من القانون المدني،إذا أبرأ الدائن مدينه فإن التزام المدين ينقضي و ينقضي بالتبعية التزام الكفيل،أما إبراء ذمة الكفيل لا يترتب عليه إبراء ذمة الكفيل الأصلي.
2-استحالة التنفيذ.
    إذا استحال تنفيذ التزام المدين لسببٍ لا يد له فيه،فإنه ينقضي و ينقضي التزام الكفيل بصفة تبعية    و لكن في هذه الحالة على المدين أن يثبت أن الوفاء بالدين أصبح مستحيلاً عليه لسببٍ أجنبي لا يد له فيه.


3-التقادم المسقط.
   إذا انقضى الالتزام الأصلي بالتقادم فإن التزام الكفيل ينقضي بالتبعية و لو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة به.
4-انقضاء الكفالة بفسخ الدين أو بإبطاله.
   قد يزول الدين المكفول بفسخ العقد الذي أنشأه فيصبح الدين كأنه لم يكن،و كذلك تصبح الكفالة كأنها لم تكن تبعاً للدين.
ثانياً:الأسباب العامة لانقضاء الكفالة بطريق أصلي.
1-اتحاد الذمة.
    إذا ورث أحدهما الآخر(الكفيل و الدائن) ترتب على ذلك انقضاء التزام الكفيل دون الالتزام المكفول،أمّا إذا ورث الكفيل المدين ففي هذه الحالة تتّحد صفة الكفيل و المدين في شخصٍ واحد لذلك لا تنقضي الكفالة.
2-انقضاء التزام الكفيل بالإبراء.
   إذا أبرأ الدائن الكفيل من الكفالة برأت ذمة هذا الأخير دون أن ينقضي الدين المكفول،أما العكس فغير صحيح فلا يجوز للدائن أن يبرأ ذمة المدين الأصلي دون أن تبرأ ذمة الكفيل.
3-انقضاء التزام الكفيل بالتقادم.
   معنى ذلك أن ينقضي التزام الكفيل بالتقادم دون أن ينقضي الدين المكفول.




ثالثاً:الأسباب الخاصة لانقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية.
    هناك ثلاث أسباب خاصة لانقضاء الكفالة بصفة أصلية،أي دون أن ينقضي الالتزام الأصلي.
1)براءة ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات (المادة 656 قانون مدني).
    فهذا السبب مقرّر لحماية الكفيل  لأنه إذا وفىَّ الدين فإنَّه يحلّ محلّ الدائن فيما له من حقوق،    و معنى ذلك إذا كانت هناك تأمينات ضامنة لنفس الدين المضمون بالكفالة فإن الكفيل الذي يوفي بهذا الدين يكتسب هذه التأمينات كلِّها في رجوعه على المدين أو على غيره من الكفلاء،فإذا أضاع الدائن بخطئه تأميناً من هذه التأمينات فإنَّه يكون قد ضيَّع على الكفيل فرصة في استيفاء حقه الذي حلّ محلَّه فيه،و يكون الجزاء هو براءة ذمة الكفيل في مواجهة الدائن بقدر ما أضاعه هذا الأخير من تأمينات.
2)براءة ذمة الكفيل لعدم اتخاذ الدائن الإجراءات في مواجهة المدين بعد إنذار الكفيل له بضرورة اتخاذها.
   هذه وسيلة لحماية الكفيل من تقصير الدائن أو إهماله،و قد جاء النص عليها في المادة 567 فقرة2 من القانون المدني "غير أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة (6) أشهر من إنذار الكفيل للدائن،ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً"،هذه الحالة التي يتباطىء فيها الدائن باتخاذ الإجراءات للمطالبة بالدين رغم حلول الأجل أو تأخره في اتخاذها،فقد قرَّر المشرع للكفيل حقه في إنذار الدائن باتخاذ هذه الإجراءات فإن لم يتخذها خلال ستة أشهر من تاريخ هذا الإنذار برأت ذمة الكفيل،و الحكمة من هذا النص واضحة و هي حماية الكفيل،لأن المشرع لم يشأ أن يترك الكفيل ملتزماً بعقد الكفالة إلى ما لا نهاية.
3)براءة ذمة الكفيل لعدم تقدم الدائن في تفلِّسة المدين.
    و نصت عليها المادة 658 "إذا أفلس المدين وجب على الدائن أن يتقدَّم بدينه في التفلسة و إلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما أصاب هذا الأخير من ضررٍ بسبب إهمال الدائن"،فهنا تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أصابه من ضرر بسبب إهمال الدائن،و يتبين من ذلك أنه إذا لم يتقدم الدائن في تفلسة المدين فإن ذمة الكفيل لا تبرأ إلا بالقدر الذي كان يستطيع الدائن الحصول عليه من التفليسة،و يجب على الكفيل أن يتمسك بهذا الحق سواء في صورة دفع أو دعوى،لكن حق الكفيل في ذلك ليس من النظام العام فيجوز له النزول عنه و لا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه.
















التـــأمينـــات العينيـــــة.

الرهن الرسمي.
    عرفت المادة 882 من القانون المدني الرهن الرسمي بأنه "...عقد يكسب به الدائن حقاً عينياً على عقار لوفاء دينه،يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان"،و ما يلاحظ على هذا التعريف الذي جاءت به المادة 882 أن المشرع جمع بين العقد و الحق و كان الأفضل أن ينصرف التعريف إلى حق الرهن لا العقد الذي يكسبه خاصة أن القانون المدني يعالج أحكام الرهن الرسمي،كذلك النص لم يذكر الدائنين العاديين فالأصل أن تأتي عبارة الدائنين العاديين بعد عبارة "أن يتقدَّم" فيصبح النص"أن يتقدَّم على الدائنين العاديين      و الدائنين التالين له في المرتبة".
   كذلك التعريف يشير إلى أن حق الدائن المرتهن في استيفاء حقه يكون من ثمن العقار المرهون،ممّا يُفهم منه أن الدائن المرتهن لا يستطيع ممارسة حقه في التقدّم إلاَّ على ثمن العقار المرهون عند بيعه،مع أنَّه يستطيع أن يمارس هذا الحق على كلِّ ما يحلَّ محلَّ العقار المرهون كالتعويض في حالة هلاك العقار المرهون أو نزع الملكية أو في حالة التأمين(المادة 907 من القانون المدني "يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم تجاه الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حلَّ محل هذا العقار".
    و أخيراً عبارة النص و هي "الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقاً عينياً لوفاء دينه"،فيُفهم منها أن العقار المرهون لا يضمن إلا الدين الذي ضمن من أجله مع أن الرهن لا يخرج العقار من الضمان العام لبقية الدائنين،و هؤلاء يستطيعون التنفيذ على العقار إلاَّ أنهم لا يستوفون حقوقهم إلاَّ ممّا تبقى بعد استيفاء الدائن المرتهن حقه بالكامل.


   *و من خلال المادة882 قانون مدني يتضح أن الرهن الرسمي باعتباره حق عيني يتميز بخمس خصائص:
أ)حق الرهن الرسمي حق عيني: لأنه يخوِّل صاحبه سلطة مباشرة على مال معين بموجبها يستطيع اقتضاء حقه من المقابل النقدي لهذا المال محل الحق بالأفضلية و بالتقدم على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين التالين له في المرتبة؛
ب)حق الرهن الرسمي حق تبعي: لأنه لا ينشأ إلا تابعاً لحق أصلي لضمان الوفاء به و هذه التبعية يترتب عليها أن الرهن يتبع الحق الأصلي و يدور معه وجوداً و عدماً،و هذا ما قرّرته المادة 893 قانون مدني "لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعاً له في صحته و في انقضائه،ما لم ينص القانون على غير ذلك"؛
ج)حق الرهن الرسمي عقد عقاري:فهو لا يرد إلاَّ على عقار دون المنقول بخلاف الرهن الحيازي الذي يرد على العقار و المنقول و يراعى أن الرهن الرسمي قد يرد استثناءاً على بعض المنقولات و هي الطائرة،السفينة و المحل التجاري،و قد نظّم القانون لها طريقة خاصة للشهر؛
د)حق الرهن الرسمي حق غير قابل للتجزئة: و نصت عليه المادة 892 "كل جزء من العقار          أو العقارات المرهونة ضامن لكل دين و كل جزء من الدين مضمون بالعقار أو العقارات المرهونة كلها،ما لم ينص القانون أو يقضي الاتفاق بغير ذلك"،و معنى عدم التجزئة بالنسبة للعقار المرهون أن كلَّ جزءٍ من العقار يضمن الدين بأكمله،فإذا كان هناك عدة عقارات مضمونة فكل عقار منها يعتبر ضماناً لكل الدين و يحق للدائن أن يباشر حقه على كل منها،و معنى عدم التجزئة بالنسبة للدين المضمون أن كل جزء من هذا الدين يكون مضموناً بكل العقار المضمون،فإذا وفّى المدين بجزءٍ من الدين فإن العقار لا يتحرّر بنسبة تقابل من انقضى من الدين،بل يبق الرهن كاملاً ضامناً للوفاء       و لكن يجوز أن يتفق الدائن و المدين على أن يتحرّر جزءٌ من العقار كلَّما تم دفع جزءٍ من الدين؛
ه)حق الرهن الرسمي حق اتفاقي لكنه من العقود الشكلية: اتفاقي لأن مصدره العقد لكنه من العقود الشكلية،هذا ما وضحته المادة 883 قانون مدني "لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي".

  *أما خصائص عقد الرهن الرسمي فهي:
أ)عقد الرهن الرسمي عقد شكلي: لأن توافق الإرادتين لا يكفِ لانعقاده فقط،بل اشترط القانون فوق ذلك تحريره في ورقة رسمية و أن تذكر في هذه الورقة بيانات معينة،فإذا لم يتوافر هذا الشكل وقع العقد باطلاً (المادة 883 من القانون المدني)؛
ب)عقد الرهن الرسمي عقد ملزم لجانب واحد: لأنه لا ينشىء التزامات إلاَّ في ذمة الراهن إذ أنَّ المفروض أن الدائن قد سبق و أقرض المدين أو مدَّ له أجل الدين و هذا هو مقابل التزام الراهن،أمّا الدائن المرتهن فلا يلتزم في عقد الرهن ذاته بشيء بل يكون العقد لمنفعته؛
ج)عقد الرهن الرسمي هو عقد معاوضة: لأن الراهن لا يتبرع للراهن بالرهن بل يقدمه بمقابل،سواء كان هذا المقابل هو وفاء التزام تعهد به المدين للدائن أو كان هو قيام الدائن بتقديم قرض للمدين    أو منحه أجلاً...".
   و نظم القانون الجزائري الرهن الرسمي في ثلاث فصول:
 -الفصل الأول : يتضمن قواعد إنشاء الرهن المواد من 883 إلى 893 من القانون المدني؛
-الفصل الثاني: يتضمن القواعد المنظمة لآثاره المواد من 894 إلى 932 من القانون المدني؛
-الفصل الثالث: و يتضمن انقضاء الرهن الرسمي المواد من 933 إلى 936 من القانون المدني.





أولاً:إنشاء الرهن الرسمي.
   ينشأ الرهن الرسمي بمقتضى عقد شكلي و لابد لانعقاد هذا العقد من توافر شروط شكلية و شروط موضوعية:
1)-الشروط الشكلية لإنشاء الرهن الرسمي.
يتطلب القانون لانعقاد الرهن الرسمي من حيث الشكل أن يتوافر شرطان:
أ)أن يفرغ عقد الرهن في ورقة رسمية؛
ب)أن تذكر في هذه الورقة بيانات التخصيص من حيث العقار المرهون و الدين المضمون.
أ) الرسمية في إبرام عقد الرهن .
   و نصت عليها المادة 883 قانون مدني "لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي..."،و كلمة رسمي تكشف على أن إبرام هذا العقد يستلزم التعبير عن الرضا أمام الموثِّق،فهو الذي يحرِّر الورقة الرسمية يثبت فيها هذا الرضا و إلاَّ لا ينشأ هذا الرهن،و تنص الفقرة 2 من المادة 883 قانون مدني على أن مصاريف العقد تكون على الراهن إلاَّ إذا اتفق على غير ذلك،و الملاحظ على هذه المادة أنها نصت أن الرهن الرسمي يكون أيضاً بحكم مع أن المادة 882 قانون مدني عرفت الرهن الرسمي بأنه عقد،فالرهن مصدره العقد وحده أما الرهن الذي يترتب على حكم فهو المعروف بالرهن القضائي في القانون الفرنسي،    و يتقرّر بقوة القانون كأثر لبعض الأحكام القضائية دون أن يطلبه الدائن،و لما كانت إرادة المشرع الجزائري قد استعاضت عن الرهن المقرّر بحكم نظام التخصيص فلا معنى لورود لفظ حكمٍ في النص.
   أما عبارة "أو بمقتضى القانون" فالمقصود به الرهن القانوني،و هذا النوع من الرهن معمول به في فرنسا لصالح الزوجة "نظام البائنة على أموال زوجها"،و كذلك لصالح عديمو الأهلية على أموال أوليائهم أو الأوصياء عليهم،أو لصالح الدولة على محصل أموالها و هذا الرهن غير معروف في الجزائر لكن يمكن القول أن التقنين المدني قصد بالرهن القانوني ما نصت عليه المادة 999 من القانون المدني و هو أن امتياز البائع للعقار ينقلب إلى رهن رسمي إذا لم يقيّد هذا الامتياز في ظرف شهرين.
فالرسمية تحقق فائدة للدائن المرتهن لأنها تزوده منذ إبرام العقد بسندٍ تنفيذي يُغنيه عن إجراءات التقاضي إذا امتنع الراهن عن الوفاء بدينه عند حلول الأجل،و هذه فائدة عملية لا سبيل لإنكارها،  و الرسمية تحقق فائدة للرهن ذاته و للائتمان العقاري بصفة خاصة لأنها تضمن إلى حدٍ كبير أن يُراعى في إبرام العقد الشروط اللازمة لصحته من أهلية،ملكية الراهن ،تخصيص الرهن...إلخ.
ب) بيانات التخصيص في عقد الرهن.
   يُشترط لانعقاد الرهن أن يذكر في العقد الرسمي البيانات المتعلقة بالتخصيص،أي البيانات التي تعيّن العقار أو العقارات المرهونة،و يحدّد الدين المضمون أو الديون المضمونة،كطبيعة العقار،جنسه،موقعه،مساحته و حدوده،و مصدر الدين و تاريخه،محله و مقداره،و يجب أن تكون هذه البيانات كافية لتمييز العقار المرهون عن غيره و تخصيص الدين المضمون و مداه،و إلا فإنَّ الرهن لا ينعقد (المادة 886 ف2 من القانون المدني)،و يجب تدوين هذه البيانات في الورقة الرسمية التي يتم فيها  إبرام العقد (عقد الرهن ذاته)،أو في عقدٍ رسمي لاحق.
وجوب الرسمية في التوكيل و الوعد بالرهن.
1-التوكيل في الرهن.
   كما تجوز الوكالة في التصرفات بصفة عامة فهي جائزة في الرهن أيضاً،غاية الأمر أن الوكالة في الرهن تقتضي تخصيصاً لهذا النوع من التصرفات،فالوكالة الواردة في ألفاظٍ عامة لا تعطي للوكيل سلطة إبرام الرهن و هذا ما عبر عليه المشرع في المادة 574 قانون مدني "لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لاسيما في البيع و الرهن و التبرع و الصلح..."،و يكفي أن يصدر التوكيل بالرهن دون تعيين العقار محل الرهن على وجه التخصيص،و هذا ما نصت عليه كذلك المادة 574 قانون مدني "الوكالة الخاصة في نوع معين من الأعمال القانونية تصح و لو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص"،فإذا كان المشرع يشترط الرسمية في عقد الرهن ذاته فإن الرسمية واجبة الإتباع أيضاً في عقد الوكالة طبقاً للمادة 572 قانون مدني "يجب أن يتوفر في الوكالة الشكل الواجب توفره في العمل القانون الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك"،و على هذا فالتوكيل في الرهن لا ينشأ إلا إذا أفرغ في الشكل الرسمي.
2-الوعد بالرهن.
   إذا اشترط القانون لإبرام عقد من العقود مراعاة شكلٍ خاص فإن هذا الشكل يجب مراعاته أيضاً في الوعد بإبرام هذا العقد،و الحكمة من ذلك أنه إذا لم يتم الوعد في نفس الشكل الذي اشترطه المشرع لتمام التصرف ذاته فيؤدي هذا إلى إمكان التهرب من شرط الشكل،و لذلك فقد نص المشرع على هذا في المادة 71 فقرة2 قانون مدني "...إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق أيضاً على الاتفاق المتضمن الوعد بالتعاقد"،و على هذا فالوعد بإنشاء رهن رسمي لا ينعقد إلا إذا أفرغ هو نفسه في الشكل الرسمي".
جزاء تخلف الرسمية.
   إذا لم ينعقد الرهن في الشكل الرسمي وقع باطلاً بطلاناً مطلق باعتباره رهناً،فالشكل هو ركن من أركان الانعقاد،و هذا ما نصت عليه المادة 883 قانون مدني "لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي".
نفقات عقد الرهن.
    وضع المشرع قاعدة مكمِّلة بمقتضاها يتحمل الراهن نفقات عقد الرهن كتلك اللازمة لاستخراج الشهادات العقارية،رسوم التوثيق...إلخ،و هذا ما قرّره المشرع في المادة 883 قانون مدني "تكون مصاريف العقد على الراهن إلا إذا اتفق على غير ذلك"،هذه القاعدة تطابق ما يجري عليه العمل فعلاً من تحمُّل الراهن نفقات الرهن،فهو صاحب مصلحة في إتمام الرهن الذي بغيره ما كان للمرتهن أن يقبل إعطاءه قرضاً،و مع ذلك فلا مانع من الاتفاق على خلاف هذا.
2)-الشروط الموضوعية لإنشاء الرهن الرسمي.
   ينشأ الرهن الرسمي بمقتضى عقدٍ يراعى في إبرامه الشروط المقرّرة في القواعد العامة بشأن: الرضا،المحل   و السبب بالإضافة إلى الشكل،و أطراف العقد هما الدائن المرتهن و الراهن،و هذا الأخير قد يكون هو المدين نفسه و هو الأمر الغالب،و قد يكون شخصاً آخر غير المدين يرهن ماله لضمان الوفاء بدين غيره،و يسمى في هذه الحالة بـ"الكفيل العيني"،و قد نص المشرع على ذلك في المادة 884 قانون مدني "يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصاً آخر يقدم رهناً لمصلحة المدين"،و بجانب مراعاة القواعد العامة في إنشاء الرهن الرسمي،فقد خصّ المشرع الرهن الرسمي بقواعد موضوعية خاصة باشتراط من ناحية تخصيص الرهن،و من ناحية أخرى أهلية الراهن و ملكيته للعقار المرهون.
تخصيص الرهن.
   قاعدة تخصيص الرهن قاعدة مزدوجة تنطبق على العقار المرهون و على الدين المضمون بالرهن:
1)-العقار المرهون.
 لا يرد الرهن الرسمي إلاَّ على عقار و ينبغي أن يكون هذا العقار معيناً تعييناً دقيقاً من حيث طبيعته  و موقعه،و يجب أن يكون حاضراً ،كما يمتد الرهن إلى ملحقات العقار بحكم القانون.
أ-لا يرد الرهن إلا على عقار: من أهم خصائص الرهن الرسمي أنه لا ينقل حيازة الشيء المرهون من الراهن إلى الدائن المرتهن،فيظلّ الراهن حائزاً للشيء مسيطراً عليه،قادراً على التصرف فيه،لكن هذه السلطات لا تؤثر في حق المرتهن رغم عدم حيازته للشيء،لأن حقه مشهر و نافذ في مواجهة الكافة.
ب-تعيين العقار تعييناً دقيقاً: طبقاً للفقرة 2 من المادة 886 قانون مدني،تعيين العقار يكون دقيقاً من حيث طبيعته و موقعه و يذكر ما إذا كان قطعة أرض أو منزل،بالإضافة لاسم البلدة،الشارع...إلخ،إذا أغفلت البيانات لا يمنع هذا من اعتبار العقار معيناً تعييناً دقيقاً،فلا يترتب على هذا الإغفال أي أثر إذ الفكرة هي تعيين العقار بما ينفي عنه الجهالة،أما إذا لم يراعى شرط تعيين العقار كان الرهن باطلاً بطلاناً مطلقاً.
ج-ملحقات العقار المرهون: يقتصر مبدأ تخصيص الرهن على اشتراط تعيين العقار المرهون ذاته تعييناً دقيقاً دون اشتراط تعيين ملحقات العقار المرهون،لأن المقصود بقاعدة التخصيص فصل العقار المرهون على سائر أموال الراهن للتأكد من أن الرهن ليس عاماً بل خاصاً يرد على عقار بذاته،و إذا لم يتم تحديد العقار فإن الرهن الوارد عليه يمتد إلى ملحقاته بحكم القانون دون حاجة إلى اتفاق صريح بين المتعاقدين،و معنى أن الرهن يمتد إلى ملحقات العقار المرهون،أن الدائن عند اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار ينفذ أيضاً على ملحقاته و يقتضي حقه من ثمن العقار و من ثمن الملحقات،و قد نص المشرع على قاعدة شمول الرهن للملحقات و أعطى أمثلة لما يعتبر من ملحقات العقار المرهون،و ذلك في نص المادة 887 من القانون المدني:
-حقوق الارتفاق: يشمل الرهن حقوق الارتفاق المقرّرة لخدمة العقار المرهون،و هذه الحقوق لا يجوز رهنها استقلالاً،لكن رهن العقار يمتد إلى الحقوق المقرّرة لخدمته؛
-العقارات بالتخصيص: هي منقولات بطبيعتها لكنها ترصد لخدمة عقارٍ فتأخذ حكمه و يمتد إليها الرهن باعتبارها من الملحقات العقارية،و حتى تعتبر عقاراتٍ بالتخصيص يجب أن يكون التخصيص عينياً و أن تكون مرصودة لخدمة العقار و ليس لخدمة صاحب العقار،و أمثلتها: الآلات الزراعية،آلات المصنع،الأثاث و المفروشات المرصودة لخدمة فندق؛
-التحسينات و الإنشاءات: ما يزيد أو ما يلحق العقار المرهون من زيادة مادية بفعل الطبيعة       أو الإنسان،و من أمثلة التحسينات أن يقوم مالك الأرض المرهونة بالبناء عليها أو بالزيادة على البناء المرهون،لكن يشترط بالطبع ألا يوجد اتفاق على استبعاد هذه الملحقات من ضمان الدائن؛
-إلحاق الثمار بالعقار: الثمار لا تعتبر بحسب الأصل من ملحقات العقار المرهون لسببين:
-لأنها ليست عقار؛
-لأنها من حق المالك الراهن؛
-لأن الراهن محتفظ بالحيازة و بالحق في إدارة العقار،و يجني ثماره و الاحتفاظ لنفسه بهذه الثمار؛
   لكن رغم ذلك رأى المشرع أنه ابتداءاً من تسجيل تنبيه نزع الملكية فإن حق الدائن المرتهن يتعلق بالثمار أيضاً،و هذا ما نص عليه في المادة 888 قانون مدني "توقف و توزع ثمار العقار المرهون مثلما يوقف و يوزع ثمن العقار ابتداءاً من تسجيل نزع الملكية الذي هو بمثابة الحجز العقاري"،و بمعنى إلحاق الثمار بالعقار أن حقوق الدائنين تتزاحم عند التوزيع على قيمة الثمار حسب أسبقية كل منهم في الرهن على العقار ذاته.
د-يجب أن يكون العقار مما يصح التعامل فيه و بيعه في المزاد العلني: و نصت عليه المادة 886 فقرة2 من القانون المدني،و مثالها أنه لا يجوز رهن الأملاك العامة،الأملاك الوقفية،حق الارتفاق استقلالاً على العقار،حق الاستعمال و حق السكنى لأنه لا يجوز النزول عنهما للغير إلا بناءاً على شرطٍ صريح.
2)-الدين المضمون بالرهن.
   يتقرّر الرهن ضماناً للوفاء بالتزام معين،فالرهن نظامٌ تابع لا يقوم بذاته و لكن يستند دائماً إلى دين يعمل على ضمان الوفاء به،و تحديد الدين المضمون من الشروط الموضوعية لصحة الرهن،و الدين المضمون قد يكون معلقاً على شرط أو دين مستقبلي أو احتمالي،كما يجوز أن يترتب ضماناً لاعتماد مفتوح أو فتح حساب جاري على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين،و هذا ما نصت عليه المادة 891 من القانون المدني،فالدين ينبغي أن يكون محدداً من حيث مقداره و من حيث مصدره،و تحديد مصدر الدين له أهمية كبيرة في معرفة ما إذا كان الدين نشأ صحيحاً أم لا،و تحديد الدين يجب أن يذكر في عقد الرهن و كذلك في قيد الرهن عند شهره.
أهلية الراهن و ملكيته للعقار المرهون.
   نص المشرع في المادة 884 قانون مدني على أنه يجب أن يكون الراهن مالكاً للعقار المرهون و أهلاً للتصرف فيه.
أ-أهلية الراهن.
-إذا كان الراهن هو المدين فإن الرهن يعتبر بالنسبة له من أعمال التصرف الدائرة بين النفع و الضرر  و لهذا يشترط لصحته أن يكون الراهن بالغاً سن الرشد تسعة عشر (19) سنة كاملة،أما إذا كان قاصراً فإن الرهن يقع باطلاً بطلاناً نسبياً؛
-أما إذا كان الراهن غير المدين بأن كان كفيلاً عينياً يقدم ماله رهناً لضمان الوفاء بدين شخصٍ آخر فإنَّ التصرف يعتبر بالنسبة له ضاراً ضرراً محضاً،و يشترط لصحته أن يكون الراهن بالغاً سن الرشد،أمّا إذا كان قاصراً وقع الرهن باطلاً بطلاناً مطلقاً.
    خلاصة القول أن الرهن يعتبر من الأعمال الدائرة بين النفع و الضرر بالنسبة للراهن و المرتهن،    و يعتبر من الأعمال الضارة ضرراً محضاً بالنسبة للراهن غير المدين.
ب-ملكية الراهن للعقار المرهون.
    المفروض أن يكون الراهن مالكاً للعقار المرهون المادة 884 قانون مدني،و الصور التي تخرج عن هذا الفرض هي: رهن ملك الغير،الرهن الصادر من المالك الظاهر،الرهن الصادر من مالك زالت ملكيته بأثرٍ رجعي،و الرهن الصادر من مالك المباني المقامة على أرض الغير و رهن العقار المملوك على الشيوع.
1-رهن ملك الغير: طبقاً لنص المادة 884 قانون مدني و التي تنص على أنه يجب أن يكون الراهن مالكاً للعقار فرهن ملك الغير يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً،عكس بيع ملك الغير الذي يجوز تصحيحه إذا أقرّه المالك الحقيقي أو انتقلت الملكية بعد البيع إلى البائع (المادة 398 قانون مدني).
2-الرهن الصادر من مالك ظاهر: المالك الظاهر هو الشخص الذي يظهر على أنه المالك و هو غير ذلك في الحقيقة،فالمالك الظاهر هو غير مالك و الرهن الصادر منه هو رهن ملك الغير و بالتالي يقع باطلاً بطلاناً مطلق،و من أمثلة المالك الظاهر: المالك بسندٍ صوري و المالك عن طريق اسم مستعار.
3-الرهن الصادر من مالك زالت ملكيته بأثرٍ رجعي: المالك الذي زالت ملكيته بأثرٍ رجعي فإنه يعتبر كأن لم يكن مالكاً أبداً و بالتالي فكل التصرفات التي صدرت عنه من قبل تصبح كأنها لم تكن،     و على هذا فإذا صدر رهن من مالك ثم زالت عنه الملكية بعد الرهن ترتب عن زوالها زوال الرهن،و مع ذلك فإن القانون قد وضع حكماً مخالفاً و نص على ذلك في المادة 885 قانون مدني فيبقى صحيحاً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرّر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغائه    أو زواله لأي سببٍ آخر إذا ثبت أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن،و الفرض في هذه القاعدة يقوم على ثلاثة شروط:
-أن يصدر الرهن من مالك؛
-أن يكون المرتهن حسن النية وقت الرهن،و مقتضى هذا الشرط أن يعتقد المرتهن أن سند ملكية الراهن غير مهدد بالزوال؛
-زوال ملكية الراهن بأثر رجعي.
4-الرهن الصادر لمالك المباني القائمة على أرض الغير: مالك المباني يستطيع رهنها وقت قيام ملكيته حتى و لو كانت قائمة على ملك الغير (المادة 889 قانون مدني)،و حمايةً للدائن المرتهن في هذه الحالة قرّر المشرع أنه يمكن للدائن حق التقدم في استيفاء الدين من ثمن الأنقاض إذا هدمت المباني،و من التعويض الذي يدفعه مالك الأرض إذا استبقى المباني.
5-رهن العقار المملوك على الشيوع: الملكية الشائعة قائمة من الناحية العملية و لا سبيل للقضاء عليها فأسبابها تكاد تكون حتمية في بعض الأحيان،ما يهمنا هو الرهن الصادر من المالك على الشيوع و صور هذا الرهن متعدِّدة،فقد يصدر الرهن من كل الشركاء على الشيوع و قد يصدر من بعضهم فقط،و قد يكون رهناً للعقار كلِّه أو لحصة شائعة منه،و قد نظم المشرع الجزائري أحكام رهن عقار مملوك على الشيوع في المادة 890 من القانون المدني.
-الرهن الصادر من جميع الشركاء: إذا صدر الرهن من جميع الشركاء فهو صحيح و يعتبر كأنه صادر من مالكٍ واحد،و إجماع الشركاء عليه ينفي كل شبهة للتعارض بين مصالحهم أو الإضرار ببعضهم،و مصير هذا الرهن على هذا النحو لا يتأثر في المستقبل بقسمة العقار المرهون أياً كانت نتيجة القسمة،و هذا ما نصت عليه المادة 890 فقرة1 من القانون المدني "يبقى نافذاً الرهن الصادر من جميع الملاكين لعقار شائع أياً كانت النتيجة التي تترتب على قسمة العقار فيما بعد أو على بيعه لعدم إمكان قسمته".
-الرهن الصادر من أحد الشركاء: طبقاً لنص المادة 890 فقرة2 فإنه إذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في العقار أو جزءاً مفرزاً من هذا العقار ثم وقع في نصيبه عند القسمة أعيان غير التي رهنها انتقل الرهن بمرتبته إلى الأعيان المخصصة له بقدر يعادل قيمة العقار الذي كان مرهوناً في الأصل،    و يبين هذا القدر بأمرٍ على عريضة و يقوم الدائن المرتهن بإجراء قيد جديد يبيِّن فيه القدر الذي انتقل إليه الرهن خلال تسعين (90) يوماً من الوقت الذي يخطره فيه أي ذي شأن بتسجيل القسمة،و لا يضر انتقال الرهن على هذا الوجه برهن صدر من جميع الشركاء و لا بامتياز المتقاسمين.
آثــــــار الـــــرهــــن الرســــــــــمي.
    الرهن الرسمي عقد له آثار بين أطرافه كما أنه حق عيني نافذ في مواجهة الغير و لذا فإن آثار الرهن الرسمي تكون بين المتعاقدين و في مواجهة الغير.
1)آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين.
   ينشىء عقد الرهن التزاماً أساسياً على عاتق الراهن و هو الالتزام بترتيب حق الرهن،و ينشأ حق الرهن بمقتضى العقد،فالعقد ينشىء بحسب الأصل التزاماً على الراهن بترتيب حق الرهن على عقار مرهون لمصلحة الدائن المرتهن و هذا الالتزام ينتج أثره في الحال و بحكم القانون،و بالتالي إذا كان الراهن مالكاً للعقار و هذا شرط لصحة عقد الرهن فإن حق الدائن المرتهن ينشأ بمجرد العقد و لا تتوقف نشأته على إجراء لاحق كإجراء الشهر مثلاً،لأن الشهر لازم لنفاذ الرهن في مواجهة الغير      و ليس لإنشاء الحق ذاته،و المشرع لم يميز بين العقد و الحق،فالرهن تارةً هو العقد المنشئ للحق،و تارةً أخرى هو الحق الناشئ عن العقد،و هذا لا يستقيم إلاَّ مع اعتبار الحق في الرهن ملازماً للعقد و ناشئاً عنه مباشرة.
   و الخلاصة أن الرهن يوجد ما بين المتعاقدين قبل نفاذه في مواجهة الغير،و من دلائل وجوده التزام الراهن بالضمان في مواجهة الدائن المرتهن.
*هل يستطيع الدائن المرتهن التنفيذ على العقار و بيعه بالمزاد العلني قبل القيد أم لا؟ فإذا أمكنه ذلك فما هو مصدر السلطة؟هل هو حق الرهن أم الحق في الضمان العام؟
  الدائن المرتهن يستطيع التنفيذ على العقار المرهون قبل أن يتخذ أي إجراء من إجراءات الشهر و هذا ما نص عليه المشرع صراحة في نص المادة 902 من القانون المدني "يمكن للدائن بعد التنبيه على المدين بالوفاء،أن ينفذ بحقه على العقار و يطلب بيعه للآجال و وفقاً للأوضاع المقررة في القانون المدني"،فهذا النص ورد في الفصل الخاص بآثار الرهن ما بين المتعاقدين،و لم يشترط المشرع لمباشرته أي أثرٍ من آثار اتخاذ إجراءات الشهر،فالدائن المرتهن ينشأ حقه في التنفيذ على العقار المرهون بمجرد العقد،دون حاجةٍ إلى القيد،غاية ما في الأمر أن هذا الحق يتعطَّل إذا وجدت مزاحمة من دائن آخر،أمّا إذا وُجد العقار في يد شخصٍ آخر فلا يستطيع الدائن مباشرة حقه في الأفضلية أو حقه في التتبع ما دام حقه لم يشهر بعد.
    الخلاصة هي أن حق الرهن العيني ينشأ في عقد الرهن ذاته و لا تتأخر نشأته إلى وقت القيد،     و هذا الحق ينشأ على عقار مملوك للراهن مما يعني أن هذا العقار أصبح محلاً لحقين الأول هو حق الراهن في الملكية و الثاني حق المرتهن في الرهن.
العلاقة بين الملكية و الرهن.
تمر العلاقة بين ملكية الراهن و رهن المرتهن الأولى ساكنة لا يؤثر الرهن على الملكية شيئاً و تبقى حقوق المالك على العقار المرهون كاملة تقريباً لا تتقيد إلا بالقدر اللازم لعدم الإضرار بالرهن مستقبلاً،فإذا اضطر الدائن أن ينتقل إلى المرحلة الثانية و هي مرحلة تنفيذ الرهن و هو تنفيذ يقع على الملكية ذاتها و يؤدي إلى زوالها عن طريق بيع العقار المرهون بالمزاد العلني.
بقاء الملكية للراهن.
   أهم ما يتميز به الرهن الرسمي هو أن الراهن يحتفظ بحقه في ملكية العقار المرهون بكل ما يخوله له هذا الحق من سلطات الاستعمال و الاستغلال و التصرف،و حق الدائن المرتهن لا يقتطع شيئاً من ملكية الراهن و لا يعتبر تجزئة له،فالدائن المرتهن لا يهدف من وراء حصوله على الرهن سوى إمكان بيع العقار بالمزاد العلني للحصول على حقه من ثمن البيع إذا لم يوفيه الراهن بدينه عند حلول الأجل، و لهذا فلا تعارض بين الغاية من حقه و بين احتفاظ المالك بسلطاته على العقار،بل و لن يضار الدائن المرتهن حتى و لو رتب المالك للغير حقوقاً على العقار المرهون،لأن المرتهن بشهر حقه يستطيع أن يحتج في مواجهة أي شخص آخر اكتسب حقاً على العقار بعد شهر حق الدائن،فالتنظيم الذي وضعه المشرع يصدر عن فكرة مؤداها أن المالك يظل محتفظاً بسلطاته على العقار المرهون،فالدائن المرتهن في الفترة السلمية السابقة على التنفيذ على العقار لا مصلحة له في تعطيل مباشرة المالك لسلطاته،إلا أنه من ناحية أخرى لا ينبغي أن تؤثر مباشرة الراهن لحقه على حقوق الدائن المرتهن      و لذلك فهو ضامن لسلامة الرهن و ضامن للتعرض و الاستحقاق.
سلطات المالك.
1)-سلطة التصرف.
    يملك الراهن بصفته مالكاً للعقار المرهون بسلطة التصرف فيه و هذا ما عبر عنه المشرع في المادة 894 من القانون المدني "يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون"،و تبرير احتفاظ الراهن بهذه السلطة هو كما نص المشرع أن أي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن،و يفسر هذا أن الدائن المرتهن إذا أشهر حقه استطاع أن يحتج برهنه في مواجهة أي شخص آخر يتلقى حقاً بعد ذلك على نفس العقار،و من أمثلة التصرفات يستطيع الراهن أن يبيع العقار أو يقايض عليه               أو يهبه...إلخ،لكن الملكية تنتقل مثقلة بالرهن مادام الرهن قد قيد قبل تسجيل عقد البيع             أو المقايضة أو الهبة،كذلك يستطيع الراهن أن يقرر على العقار حقاً عينياً أصلياً كحق الانتفاع أو حق الارتفاق،و أخيراً يستطيع أن يرتب على العقار المرهون حق رهن آخر رسمياً كان أو حيازياً،و سلطة الراهن في التصرف في العقار المرهون ليست مطلقة كما لو كان العقار خالياً من كل حق يتعلق به،فإذا كان من شأن تصرف الراهن المساس بحق المرتهن امتنع عنه ذلك و اعتبر تصرفه تعرضاً للدائن المرتهن  و إخلاله بالتزامه بالضمان،و معيار التفرقة بين تصرف جائز و تصرف آخر غير جائز هو الانتقاص من ضمان الدائن المرتهن،و مما يستحق البحث فيه بشأن تقييد سلطة المالك في التصرف هو تصرفه في العقار أو في جزء منه باعتباره منقولاً بحسب المآل أو تصرفه في عقارات بالتخصيص مخصصة لخدمة العقار المرهون.
أ-بيع الراهن للعقار المرهون باعتباره منقولاً بحسب المآل: تصرف الراهن في العقار المرهون باعتباره منقولاً بحسب المآل قد لا ينطوي على خطرٍ كبير للدائن المرتهن،و من هذا التصرف تصرف الدائن في الثمار أو المحصول و هو قائم على الأرض،فمثل هذا التصرف يعتبر من أعمال الإدارة و هو من حق الراهن طالما أن الثمار لم يلحق بالعقار بعد "تنبيه نزع الملكية"،أما إذا كان التصرف في العقار باعتباره منقولاً بحسب المآل يتخطى نطاق التصرف في الثمار ليرد على أصل العقار،فهو ينطوي على خطر كبير للدائن المرتهن لأن مثل هذا التصرف إذا تم تنفيذه فعلاً فإنه يعتبر تعرضاً من الراهن يجيز للدائن المرتهن أن يرجع عليه بأحكام الضمان،و مثاله أن يبيع الراهن المنزل المرهون أنقاضاً و يستولي المشتري على أنقاضه و لا يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع الأنقاض في يد المشتري الذي سيحتج بحيازته لأن الحيازة في المنقول سند الملكية،و يستطيع الدائن المرتهن أن يرجع على الراهن بضمان التعرض لأن تصرف الراهن لا يدخل في نطاق التصرفات الجائزة بما يسببه من مساس بحق الدائن المرتهن،لأن هذا التصرف يؤدي إلى القضاء على العقار محل الرهن و إلى زواله و تحويله إلى منقول تنتقل ملكيته إلى شخص آخر و ينقضي هنا حق الدائن المرتهن في التتبع في مواجهة المتصرف إليه إذا كان حسن النية و انتقلت إليه حيازة ما تم هدمه من عقار.
ب-بيع العقارات بالتخصيص: إذا تصرف الراهن بالبيع في هذه العقارات بالتخصيص فسيؤدي هذا إلى ضرر محقق إلى الدائن المرتهن من مثل هذا التصرف يؤدي إلى فصل العقارات بالتخصيص عن العقار المرهون و رجوعها إلى طبيعتها المنقولة ،و انتقال ملكيتها إلى شخص آخر لا يستطيع الراهن أن يتتبع المنقولات في مواجهته إذا تمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية،و هذا التصرف ينطوي على تعرض من الراهن يلزمه بالضمان في مواجهة الدائن المرتهن،و خلاصة أحكام سلطة الراهن في التصرف في العقار المرهون مؤداها أن تصرفات الراهن لا تضر في الأصل بحق الدائن المرتهن لأن لهذا الأخير أن يتمسك بحقه في مواجهة الغير المتصرف إليه،بل و لا يمكنه نزوله عن هذه السلطة باتفاق بينه و بين الراهن،و مع ذلك ففي بعض الحالات تؤدي تصرفات الراهن إلى الانتقاص من الضمان   و يكون ذلك بصفة خاصة إذا كان من شأن التصرف المساس بالكيان المادي للعقار المرهون بتحويله كله أو بعضه إلى منقول،فمثل هذه التصرفات لا يجوز للراهن أن يقوم بها و إلا اعتبر متعرضاً للمرتهن في حقه،و فوق سلطة الراهن في التصرف في العقار المرهون فهو يحتفظ أيضاً في سلطته في استغلال العقار.
2)-سلطة الاستغلال.
   إن سلطة الراهن في استغلال العقار المرهون تقوم على عدة أفكار أولها أن الراهن يحتفظ بالسيطرة على العقار المرهون و حيازته و بالتالي سلطة استغلاله و جني ثماره،و حق الدائن المرتهن لا يتعلق بهذه الثمار طوال الفترة السابقة على شروعه في التنفيذ على العقار،فإذا شرع الدائن المرتهن في التنفيذ       و سجل تنبيه نزع الملكية ترتب على هذا إلحاق الثمار بالعقار،و تعلق حق الدائن المرتهن بها من هذا التاريخ،و لهذا فإن تاريخ تسجيل تنبيه نزع الملكية له أهمية خاصة في وضع حد لسلطات الراهن في استغلال العقار،المادة 895 من القانون المدني "إن للراهن الحق في إدارة العقار المرهون و في قبض ثماره إلى وقت إلحاقها بالعقار"،كما أن أهم أنواع استغلال العقار المرهون هو تأجيره و قبض أجرته        و تحويلها،فهذه التصرفات تعتبر من أعمال الإدارة التي يجوز للراهن أن يقوم بها.
أ-الإيجار: بعد ما قرر المشرع في المادة 895 من القانون المدني أن للراهن الحق في إدارة العقار المرهون و في قبض ثماره إلى وقت التحاقها بالعقار نص في المادة 896 من القانون المدني على أن "الإيجار الصادر من الراهن لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية،أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه   و لم تجعل فيه الأجرة،فلا يكون نافذاً إلا إذا أمكن اعتباره داخلاً في أعمال الإدارة الحسنة.و إذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته عن تسع (9) سنوات،فلا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع (9) سنوات ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن".
1-الإيجار الصادر من الراهن لا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية؛
2-أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه و لم تعجل فيه الأجرة فلا يكون نافذاً إلا إذا أمكن اعتباره داخلاً في أعمال الإدارة الحسنة؛
3-إذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته على تسع (9) سنوات فلا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع (9) سنوات ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن.
   طبقاً لهذه الأحكام إذا كان الإيجار مسجلاً قبل قيد الرهن فهو ينفذ في حق الدائن المرتهن أياً كانت مدته و لو كانت تزيد عن تسع (9) سنوات،أما إذا كان الإيجار غير مسجل قبل قيد الرهن فينبغي حتى يَنْفَذَ و يُنفَّذ في مواجهة الدائن المرتهن أن يكون ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية و في هذه الحالة لا ينفذ في مدة تزيد عن تسع (9) سنوات،و مدة تسع (9) سنوات يجب أن تُحسب من تاريخ بدء الإيجار،أما إذا كان الإيجار غير ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية فهو كالإيجار الصادر بعد تسجيل التنبيه،أي في فترة تعلق فيها حق الدائن المرتهن في الأجرة،لذا فهو لا ينفذ في حقه إلا إذا أمكن اعتباره من أعمال الإدارة الحسنة،و يعتبر الإيجار كذلك إذا كانت الأجرة مساوية لأجرة المثل.
ب)المخالصة بالأجرة: كما أن للراهن سلطة تأجير العقار المرهون فله أن يقبض الأجرة و يحولها للغير،و قد يترتب على هذا المساس بحق الدائن المرتهن إذا قبض الراهن الأجرة عن مدة لاحقة لتسجيل تنبيه نزع الملكية حيث يتعلق بها حق الدائن المرتهن،و قد نظم المشرع قبض الأجرة مقدماً و الحوالة في المادة 897 من القانون المدني و نصها "لا تكون المخالصة بالأجرة مقدماً لمدة لا تزيد على ثلاث (3) سنوات و لا الحوالة بها كذلك نافذة في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان تاريخها ثابتاً و سابقاً لتسجيل تنبيه نزع الملكية،و إذا كانت المخالصة أو الحوالة لمدة تزيد على ثلاث (3) سنوات فإنها لا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن إلا إذا سجلت قبل قيد الرهن و إلا خفضت المدة إلى ثلاث (3) سنوات ،مع مراعاة المقتضى الوارد في الفقرة السابقة".
   و من نص المادة فإذا كانت المخالصة بالأجرة أو الحوالة بها مسجلة قبل قيد الرهن نفذت في حق الدائن المرتهن أياً كانت مدتها،أما إذا كانت المخالصة أو الحوالة بها غير مسجلة قبل قيد الرهن فهي لا تنفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية و في هذه الحالة لا تنفذ إلا لمدة ثلاث (3) سنوات فقط،أما إذا كانت المخالصة أو الحوالة غير ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا تنفذ إطلاقاً في حق الدائن المرتهن.
3)-سلطة الاستعمال.
   إذا كان للراهن الحق في التصرف في العقار المرهون و في جني ثماره فله أيضاً أن يستعمله بنفسه،    و سلطة الاستعمال لا تحتاج إلا بيان،و ما يجب الإشارة إليه أنه إذا كان العقار المرهون منزلاً و كان الراهن يسكنه فيبقى ساكناً فيه دون أجرة.



التزامات الراهن.
التزامات الراهن بالضمان.
    احتفاظ الراهن بسلطات المالك على العقار يقابله التزاماته بضمان سلامة الرهن في مواجهة المرتهن،و المساس بسلامة الرهن قد يأتي من الراهن نفسه أو من سبب أجنبي أو من الغير،و في جميع هذه الأحوال يستطيع المرتهن أن يعترض على الأعمال التي تمس بسلامة الرهن و أن يطلب وقفها،إلا أنه من ناحية أخرى يستطيع أن يتخذ موقفاً سلبياً و أن يترك للراهن واجب صيانة الرهن،فإذا قصر الراهن في القيام بهذا الواجب و تحقق الضرر فعلاً كان للمرتهن أن يرجع عليه بالضمان،فواجب المحافظة  على سلامة الرهن يقع على عاتق الراهن دون المرتهن،و المساس بسلامة الرهن تتحقق إذا هلك العقار المرهون أو تلف،و الهلاك و التلف لا يقصد بهما فقط الهلاك المادي للعقار،بل يعني ذلك كل ما يؤدي إلى خروج كل عقار أو بعضه من ضمان الدائن المرتهن و لو رجع هذا إلى تصرف قانوني،       و يظهر هذا المعنى بوضوح في نص المادة 900 التي يعتبر فيها المشرع نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة من صور هلاك العقار مع أن هذا لا يؤدي دائماً إلى هلاك العقار من الناحية المادية،          و اصطلاح هلاك العقار أو تلفه يعني كل ما يمس سلامة الرهن،فالتزام الراهن بضمان السلامة يعني التزامه بضمان الهلاك أو التلف و يشمل هذا ضمان التعرض و ضمان الاستحقاق،و المساس بسلامة الرهن قد يصدر من الراهن نفسه و يكون في صورة تصرفات يملكها الراهن بوصفه مالكاً للعقار،و مع ذلك تعتبر تعرضاً منه في علاقته بالدائن المرتهن و يكون هذا في صورة أعمال إيجابية أو سلبية مادية  أو قانونية،كأن يهدم العقار أو يتركه يتهدم أو كأن يتصرف في العقار على أنه منقول بحسب المآل   أو أن يتصرف بالعقارات بالتخصيص الملحقة بالعقار،و قد يرجع المساس بسلامة الرهن إلى سبب أجنبي لا يد للراهن فيه كأن يتهدم العقار أو يتلف بعامل من عوامل الطبيعة،كما يتأتى المساس بالرهن من الغير كما لو شرع الجار في إقامة بناء لو تم كان فيه اعتداء على حقوق ارتفاق للعقار المرهون،و إذا وقع شيء من هذا ظهرت فكرة الضمان و قوامها أن الضمان حق للمرتهن و واجب على الراهن،    و معنى أن الضمان حق للمرتهن أنه يستطيع أن يقوم باسمه الشخصي بوقف المساس بسلامة الرهن إذا أمكن ذلك،و مع ذلك فليس هذا التزاماً عليه بل يستطيع أن ينتظر حتى إذا حدث الضرر فعلاً رجع على الراهن بالضمان،أما أن الضمان واجب على الراهن فمعناه أن على الراهن أن يمتنع عن كل مساس بالرهن يصدر منه شخصياً،و أن يمنع المساس بالرهن من الغير،و أن يتحمل في آخر الأمر كل ضرر يقع فعلاً و لو كان راجعاً لسبب أجنبي لا يد له فيه و لا يستطيع حتى أن يدفعه،و حق المرتهن في الاعتراض عن كل عمل يؤدي إلى المساس بسلامة الرهن هو ما نص عليه المشرع في المادتين 898    و 899 من القانون المدني،و يبدو أن النص الأول خاص بحق المرتهن في الاعتراض على أعمال الراهن نفسه،و النص الثاني خاص باعتراض المرتهن على أعمال الغير.
   الفرق بين الحالتين أنه إذا وقعت الأعمال الماسة من الراهن نفسه فلا يجوز للمرتهن أن يعترض عليها إلا إذا كانت تنقص ضمانه ضماناً كبيراً،أما إذا كانت الأعمال صادرة من الغير فلا يتقيد حق المرتهن في الاعتراض بأن تكون هذه الأعمال مما تنقص الضمان إنقاصاً كبيراً،و الحكمة من هذه التفرقة و هي أن الراهن بخلاف الغير مالك للعقار المرهون و له بحسب الأصل التصرف فيه فلا يجوز تقييد هذه السلطة إلا لأسباب قوية.
    طبقاً لحق المرتهن في الاعتراض على كل ما يمس بالرهن فهو يستطيع أن يعترض على تنفيذ بيع العقار باعتباره منقولاً بحسب المآل أو أن يعترض على تنفيذ بيع العقارات بالتخصيص الملحقة بالعقار،و يكون الاعتراض عن طريق رفع الأمر إلى القضاء و طلب تعيين حارس على العقار المرهون،  و حتى لو لم يرفع الأمر إلى القضاء و اكتفى بإعلام المتصرف إليه بتعلق حقه بالشيء المتصرف فيه فيصبح المتصرف إليه سيء النية ولا يستطيع بعدها أن يحتج بحيازته للمنقول إذا انتقلت إليه هذه الحيازة فعلاً،كما يستطيع الدائن المرتهن أن يعترض على الأعمال المادية للراهن كشروعه في هدم العقار،أو على الأعمال المادية الصادرة من الغير كقيام الغير بهدم العقار أو قيام الجار بما يهدد حق الارتفاق للعقار المرهون،إلا أن المرتهن في جميع الأحوال إذا وجد ما يدعو للاستعجال فله أن يقوم بنفسه و دون اللجوء إلى القضاء بالعمل على المحافظة على العقار المرهون،كأن يقوم مثلاً بترميم العقار المرهون و يرجع على الراهن بما ينفقه في هذا الشأن،حسب المادة 898 قانون مدني "...و له في حالة الاستعجال أن يتخذ ما يلزم من الوسائل التحفظية اللازمة و أن يرجع على الراهن بما ينفق في ذلك"،و في جميع الصور السابقة الذكر افترضنا أن الأعمال الماسة بسلامة الرهن لم تقع بعد،أو أنها وقعت فعلاً و لكن يمكن إصلاحها و أن الدائن المرتهن قد تقدم فعلاً لمنع وقوع هذه الأعمال        أو يتحاشى نتائجها،و لكن قد يحدث أن تقع هذه الأعمال أو تحدث ضرراً بالعقار المرهون  لا يمكن إصلاحه،أو قد يكون من الممكن تفادي وقوعها و مع ذلك الدائن المرتهن لم يتقدم للقيام بذلك لأن المحافظة على الضمان حق له و لكن ليس بواجب عليه،و إنما الواجب يقع على عاتق الراهن وحده،   و على هذا إذا تحقق ضرر كهلاك العقار أو تلفه فإن المشرع حماية للدائن المرتهن قرر أن ينتقل حقه في الرهن إلى ما حلّ محل العقار،و هو ما نصت عليه المادة 900 من القانون المدني "إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان انتقل حق الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك من مبلغ التعويض على الضرر أو مبلغ التأمين أو الثمن المقرر مقابل نزع الملكية للمنفعة العامة"،فطبقاً لنص المادة 900 قانون مدني إذا هلك العقار المرهون أو تلف ترتب على ذلك نشأة حق آخر عوضاً عنه انتقل حق الدائن المرتهن بمرتبته،و ليس المقصود بالهلاك أو التلف هو الهلاك أو التلف الماديين فقط،بل يقصد به كل ما يؤدي إلى خروج العقار من ذمة الراهن مع عدم إمكان المرتهن تتبعه بعد ذلك،و من الأمثلة التي تنطبق على هذه القاعدة هو ما نص عليه المشرع في المادة 900 قانون مدني كأن يهلك العقار أو يتلف و يستحق بسبب ذلك مبلغ التعويض أو أن يستحق مبلغ التأمين إذا كان العقار مؤمناً عليه ضد الهلاك أو التلف أو نزع ملكية العقار للمنفعة العامة،و يستحق مقابل هذا ثمن نزع الملكية، و تنطبق القاعدة إذا باع الراهن العقار على أنه منقول بحسب المآل و تم تنفيذ البيع فعلاً فإن حق الدائن المرتهن يتعلق بثمن البيع،و نفس الحكم إذا باع الراهن العقارات بالتخصيص الملحقة بالعقار    و تم تنفيذ البيع فعلاً.
   هلاك العقار أو تلفه قد يؤدي إلى استحقاق الدين و لو لم يكن مستحقاً في الأصل و يتحقق هذا بصفة خاصة إذا كان الهلاك أو التلف راجع إلى خطأ الراهن و اختار الدائن أن يستوفي حقه،و رجوع المرتهن على الراهن بضمان الهلاك أو التلف يتحقق في أكثر من صورة،فهو يتحقق في حالة إذا هلك العقار أو تلف دون أن يحل محله حق آخر، أو حلّ محله حق آخر و لكنه لم يكفِ للضمان، أو كان كافياً و مع ذلك كان الهلاك أو التلف بخطأ الراهن و اختار المرتهن أن يرجع عليه،لهذا ينبغي التفرقة بين ما إذا كان الهلاك أو التلف بخطأ الراهن أو بسبب أجنبي،و هي تفرقة يقوم عليها حكم المادة 899 قانون مدني "إذا تسبب الراهن بخطئه في هلاك العقار المرهون أو تلفه كان للدائن المرتهن الخيار بين أن يطلب تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً و إذا نشأ الهلاك أو التلف بسبب لا ينسب إلى الدائن و لم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين فللمدين الخيار بين أن يقدم تأميناً كافياً أو يوفي الدين فوراً قبل حلول الأجل"،طبقاً لنص المادة إذا كان الهلاك أو التلف بخطأ الراهن فإن للدائن الخيار بأن يستوفي الدين فوراً أو يقتضي تأميناً كافياً يحل محل الخيار،و قد يكون تأميناً كافياً الحق الذي يحل محل العقار كالثمن الذي يستحقه الراهن قبل المشتري للعقارات بالتخصيص،و مع ذلك فالدائن المرتهن لا يجبر على قبول التأمين الجديد فهو يستطيع دائماً أن يطلب الوفاء بالدين فوراً.
و لكن إذا لم يكن هناك حق جديد يحل محل العقار بحكم القانون في ضمان الدين و طلب الدائن إعطاءه تأميناً كافياً للوفاء بالدين ففي هذه الحالة لا يستطيع أن يطلب في نفس الوقت الوفاء بالدين،أما إذا كان الهلاك أو التلف بسبب أجنبي لا يد للراهن فيه و يدخل في السبب الأجنبي فعل الغير،كان الخيار للراهن بأن يوفي الدين في الحال أو أن يقدم تأميناً كافياً و قد يعتبر تأميناً الحق الذي يحل محل العقار بحكم القانون.
    الخلاصة أنه طوال الفترة السابقة على اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون فإن حق الراهن في الملكية لا يتعارض في الأصل مع حق الدائن في الرهن،فوجود حق الدائن المرتهن لا يمنع المالك من التصرف في العقار و استغلاله ،و كذلك فإن تصرفات المالك لا تؤثر في حق الدائن المرتهن إذ لا يحتج بها في مواجهته،و مع ذلك فهناك بعض التصرفات قد تؤثر في حق الدائن المرتهن و بصفة خاصة التي تمس وجود العقار ذاته،و لهذا لا يجوز للراهن أن يقوم بها و إلا اعتبر متعرضاً،و يلتزم بضمان سلامة الرهن و يُسأَل عن هلاك العقار و تلفه و لو رجع ذلك إلى سبب أجنبي.
التنفيذ على العقار.
   إذا حلّ أجل الوفاء بالدين و لم يقم المدين بالوفاء اختياراً كان للدائن أن يتخذ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون ببيعه بالمزاد العلني و استيفاء حقه من ثمن البيع،و في سبيل هذا فإن الدائن لا يحتاج إلى استصدار حكم من القضاء لأن عقد الرهن الرسمي هو في نفس الوقت سند تنفيذي يمكن بمقتضاه التنفيذ على العقار المرهون مباشرة،و التنفيذ على العقار يتم طبقاً للإجراءات و القواعد المحددة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
وحدة إجراءات التنفيذ بالنسبة للدائن المرتهن و غيره من الدائنين العاديين.
    لا يتميز الدائن المرتهن على غيره من الدائنين العاديين في الإجراءات التي يتخذها في التنفيذ على العقار المرهون،و قد عمل القانون على تأكيد هذا بنصه على بطلان الاتفاق على أن يتملك الدائن المرتهن العقار المرهون عند عدم الوفاء بالدين أو على أن يبيع العقار دون مراعاة الإجراءات التي حددها القانون للتنفيذ على العقار،و هذا ما نصت عليه المادة 903 قانون مدني "يكون باطلاً بطلاناً مطلق كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أياً كان أو في أن يبيعه دون مراعاة الإجراءات التي فرضها القانون و لو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن"،الحكمة من بطلان شرط تملك الدائن للعقار المرهون أو بيعه دون مراعاة الإجراءات هي حماية للراهن من شروط قد  يفرضها الدائن عليه و قد لا تكون في مصلحته   و مصلحة الدائنين الآخرين،فقد تكون قيمة العقار أكبر من قيمة الدين،و قد يؤدي بيع العقار دون مراعاة الإجراءات التي حددها القانون بما فيها من علنية إلى الحصول على ثمن أقل من قيمته،فإذا وجد اتفاق من هذا النوع فإنه يقع باطلاً بطلاناً مطلق،و البطلان يلحق الشرط وحده دون العقد،و البطلان يلحق الشرط سواء تم الاتفاق عليه وقت العقد أو بعد إبرامه طالما كان هذا قبل حلول أجل الدين، أما إذا حلّ أجل الدين أو قسط منه فقد انعدمت شبهة استغلال الدائن المرتهن لحاجة الراهن و أصبح هذا على بينة من الأمر فيجوز الاتفاق حينئذٍ على أن يتنازل الراهن للدائن المرتهن عن العقار المرهون وفاءاً للدين،أو على أن يشتري الدائن العقار بثمن معين،لأن مثل هذه الاتفاقات قد تكون فيها مصلحة للراهن نفسه إذ يتجنب المصروفات التي تنجم عن بيع العقار بالمزاد العلني.
آثار الرهن الرسمي بالنسبة للغير.
المقصود بالغير: يظهر أهم أثر للرهن الرسمي فيما يرتبه حق الرهن للدائن المرتهن في مواجهة الغير من ميزتي التقدم و التتبع،و على ذلك فإن الغير هم الذين ينفذ الرهن بالنسبة لهم و هؤلاء هم:
1-الدائنون العاديون للراهن،و كذا الدائنون أصحاب التأمينات العينية المتأخرة في المرتبة عن مرتبة الدائن المرتهن على نفس العقار،إذ يتقدم عليهم في استيفاء حقه؛
2-من يكتسبون على العقار المرهون حقوقاً عينية أصلية بعد ترتيب حق الرهن،إذ يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع العقار في أيديهم،على أن نفاذ الرهن الرسمي على الغير يتوقف على قيد الرهن في السجلات المعدة لذلك و منذ تاريخ إجراء القيد،و من هنا نخلص إلى ضرورة قيد الرهن الرسمي ليحق للدائن المرتهن التقدم و التتبع،حيث نصت المادة 904 فقرة 1"لا يكون الرهن نافذاً في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار..."،و يتضح من هذا النص أن القيد هو أساس نفاذ حق الرهن الرسمي على الغير.




القيد،إجراءاته و أحكامه.
الإشهار العقاري.
   الحق العيني بطبيعته نافذ في حق الناس كافة و لذلك لابد من إيجاد طريقة ليسهل على الأفراد معرفة الأعيان و مالكيها و ما يثقلها من حقوق عينية تبعية،و بمعنى آخر معرفة جميع التصرفات التي وردت على عين معينة،و هناك طريقتان للشهر:
الطريقة الأولى،التسجيل:و تتضمن تسجيل العقد بكامله و تشهر بالتسجيل التصرفات التي من شأنها إنشاء الحقوق العينية الأصلية، أو نقلها، أو تفسيرها أو زوالها،و التسجيل يكون بنقل صورة كاملة من المحرر الذي يراد شهره في السجل الخاص؛
الطريقة الثانية،القيد:و يقتصر فيها على تدوين البيانات الجوهرية الواردة في المحرر ،و القيد يكفي في إشهار الحقوق العينية التبعية أي التأمينات العينية،و لذلك يكفي إثبات الدين و العقار المثقل بالتأمين العيني و أسماء الدائن و المدين.
نظام الشهر العقاري.
هناك نوعان للشهر: الشهر العيني و الشهر الشخصي:
نظام الشهر العيني: يتم على أساس العقار ذاته،فالسجل العقاري يكون مقسماً على أساس العقارات فلكل عقار في السجل مكان خاص به و هذا المكان يسجل فيه كل ما يقع العقار من تصرفات     و ما يرد عليه من حقوق،و يشرف على السجل قاضٍ يأمر بالتسجيل بعد فحص التصرف فحصاً دقيقاً و يسمى المحافظ العقاري؛
نظام الشهر الشخصي: فيكون الشهر بالتسجيل أو القيد على أساس أسماء الأشخاص الصادرة منهم التصرفات،و الجزائر تأخذ بالشهر العيني كقاعدة و الشهر الشخصي كاستثناء أو كمرحلة انتقالية لغاية الانتهاء من عملية مسح الأراضي العام.حسب الأمر 75-74 المتعلق بمسح الأراضي العام          و تأسيس السجل العقاري و المرسومين التنفيذيين له.

إجراءات القيد.
   تنص المادة 905 من القانون المدني على أنه "تسري على إجراء القيد و تجديده و شطبه و إلغاء الشطب و الآثار المترتبة على ذلك كله،الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري"،كما تنص المادة 906 قانون مدني "تكون مصاريف القيد و تجديده و شطبه على الراهن،ما لم يتفق على غير ذلك"،يتضح مما سبق أن إجراءات القيد و تجديده و محوه تنظمها قواعد الإشهار العقاري،كما تحدد هذه القواعد آثار القيد أيضاً،و يتم قيد الرهن الرسمي في مكتب الإشهار العقاري الذي يقع في دائرة العقار المرهون،و يتم القيد بناءاً على طلب صاحب الشأن الراهن أو الدائن المرتهن،حتى يحقق نفاذ رهنه في مواجهة الغير،و هو يطلبه بنفسه أو بواسطة وكيله أو نائبه القانوني،و لكل دائن من الدائنين العاديين للمرتهن طلب القيد باسمه (الدائن المرتهن) وفقاً للمادة 189 قانون مدني التي تنص على استعمال حقوق المدين بنصها "لكل دائن و لو لم يحل أجل دينه أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين..."،فتبدأ الإجراءات بتقديم الطلب إلى مكتب الإشهار العقاري المختص،و يجب أن يتضمن الطلب البيانات المنصوص عليها في قانون الإشهار العقاري،و المقصود منها تعيين أطراف الاتفاق على الرهن،تعيين العقار المرهون و الدين المضمون بالرهن،و كذلك سندات ملكية الراهن،    و كذلك ما قد يكون على العقار المرهون من حقوق أخرى للقيد،و يسجل طلب القيد في تاريخ     و ساعة تقديمه في دفتر خاص يسمى في مصلحة الشهر بدفتر أسبقية طلبات الشهر.

بيانات قائمة القيد و جزاء تخلفها.
   يتم القيد ببيانات و يتحدد أثره على أساس هذه البيانات،و نلخصها فيما يلي:
أ-بيانات عن الدائن المرتهن:اسمه،لقبه،وظيفته و محل إقامته...إلخ؛
ب-بيانات عن الراهن: سواء كان المدين أو شخصاً آخر و تشمل اسمه و لقبه...إلخ؛
ج-بيانات عن عقد الرهن:تاريخ إبرامه،الجهة التي تم توثيقه أمامها،و ذلك حتى يتمكن الغير من الإطلاع على عقد الرهن أو الحكم الصادر بشأنه؛
د-بيانات تخصيص الدين المضمون بالرهن:وفقاً لما سبق بيانه بتحديد مصدر الدين المضمون، مقداره و ميعاد استحقاقه؛
ه-بيانات تخصيص العقار المرهون: وفقاً لما سبق بيانه (تحديد العقار،مساحته و موقعه...إلخ.).
   و تخلف بيان أو أكثر من بيان قائمة القيد أو حدوث خطأ في إثباته لا يترتب عليه بطلان القيد إلا إذا كان قد نتج عنه ضرر للغير و بناءاً على طلب المتضرر،فالقيد إذا تم ببيانات ناقصة أو غير دقيقة لا ينتج أثره من حيث سريان الرهن في حق الغير في حدود النقص أو عدم الدقة.
أثر القيد.
   القيد ليس شرطاً في عقد الرهن نفسه بل هو إجراء لاحق لنشوء الرهن بإبرام عقده،و المقصود به هو شهر هذا الحق ليفرض وجوده على الغير منذ إتمامه،فيرتب الرهن أثره بالنسبة للغير و تتمثل هذه الآثار في ميزتي التقدم و التتبع للمرتهن،و ليس هناك موعد محدد لإتمام القيد منذ إبرام الرهن فللدائن طلبه في أي وقت،و لكن كلما تأخر في ذلك تأخر نفاذ الرهن على الغير و تأخرت مرتبة رهنه إن سبقه مرتهن آخر إلى القيد،و هناك حوادث توقف إجراء القيد أو تمنع نفاذه في حق بعض الأشخاص،و تتمثل هذه الحوادث فيما يلي:
أ-تسجيل تصرف ناقل لملكية العقار المرهون إلى الغير:إذا تصرف الراهن في العقار المرهون      و سجل التصرف قبل قيد الرهن ترتب على ذلك خروج العقار المرهون من ملك الراهن و انتقاله إلى المتصرف إليه خالصاً من الرهن،و كذلك إذا بيع العقار جبراً و سجل حكم مرسى المزاد قبل قيد الرهن فإن قيد الدائن رهنه بعد ذلك لم يكن للقيد أي أثر بالنسبة للمتصرف له،و هذا ما نصت عليه المادة 904 "لا يكون الرهن نافذاً في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقاً عينياً على العقار..."؛
ب-تسجيل تنبيه نزع ملكية العقار المرهون:إذا سبق تسجيل تنبيه نزع الملكية قيد الرهن لم يكن لهذا القيد أثر على الحاجزين للعقار،و كذلك على الدائنين أصحاب الحقوق المقيدة قبل تسجيل التنبيه،و على من يشتري العقار بالمزاد؛
ج-شهر إفلاس الراهن:أشارت المادة 904"...و ذلك دون الإخلال بالأحكام المقررة في الإفلاس"،و هذه الأحكام المقررة في الإفلاس تقضي بأن حقوق الامتياز و الرهن العقاري المكتسبة من المفلس على الوجه القانوني يجوز قيدها إلى يوم صدور الحكم بإشهار إفلاسه،فإذا تم القيد بعد شهر الإفلاس لا يكون الرهن نافذاً على مجموع دائني المفلس بالرغم من أن الرهن تم إبرامه بالشكل الرسمي قبل حكم شهر الإفلاس؛
د-وفاة الراهن:اختلف الفقه حول قيد الرهن بعد وفاة الراهن،فذهب رأي إلى أنه لا يؤدي عندئذٍ إلى نفاذ الرهن في حق دائني التركة لأن حقوق هؤلاء تتعلق بأعيان التركة بمجرد الوفاة و ضرورة المساواة بين دائني المتوفي فيما بينهم و عدم تمييز أحدهم لسبب لاحق بعد الوفاة،و لكن يرى كثير من الفقهاء في مصر أنه يجوز قيد الرهن الذي انعقد صحيحاً في حياة الراهن حتى بعد وفاته،و لم ينص المشرع الجزائري على هذه الحالة.
مصروفات القيد.
   تبعاً لنص المادة 906 قانون مدني على أنه "تكون مصاريف القيد و تجديده و شطبه على الراهن،ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك".


تجديد القيد.
   ليس أثر القيد أثراً دائماً بمعنى أنه يبقى بعد إجرائه لأول مرة إلى أمدٍ غير محدود بل يجب تجديده كل عشر (10) سنوات من إجرائه،و إلا زالت آثاره في تحقيق نفاذ الرهن على الغير،و قد نصت على ذلك المادة 96 من المرسوم 76-63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري "تحتفظ التسجيلات بالرهن    و الامتياز طيلة عشر سنوات ابتداء من تاريخها،و يوقف أثرها إذا لم يتم تجديد هذه التسجيلات قبل انقضاء هذا الأجل.غير أن المؤسسات و الجماعات العمومية يمكنها الاستفادة من إعفاء قانوني للتجديد لمدة عشر سنوات طبقا لكيفيات ستحدد بمرسوم"،و قد صدر المرسوم 77-47 مؤرخ في 19 فبراير 1977 ينص على تجديد قيود الامتياز و الرهون العقارية لفائدة بعض المؤسسات          و الجماعات المحلية و جعلت مدة تجديد القيد بـخمسة و ثلاثين (35) سنة بدلاً من عشر (10) سنوات،و هذه المؤسسات هي:المؤسسات المصرفية الوطنية،الصندوق الوطني للتوفير و الاحتياط،      و كذلك الدولة و البلدية تستفيد من هذه المدة بالنسبة للقروض الممنوحة للهيئات السكنية،و تجديد القيد يتم بطلب من الدائن المرتهن أو خلفه و ذلك قبل انقضاء عشر (10) سنوات من إجرائه،      و بذلك يظل نفاذ الرهن مستمراً منذ القيد الأصلي،و تظل بحق المرتهن مرتبته التي تحددت بهذا القيد الأصلي،و قد نصت المادة 913 قانون مدني على أنه" إذا حلّ الحائز محل الدائن المرتهن في رهنه فيجب عليه أن يتعهد بقيد الرهن بالحفظ و تجديد القيد في الميعاد ليبقى الرهن محتفظاً بمرتبته الأولى".
   مصروفات التجديد كمصروفات الرهن و القيد تكون على الراهن،كما نص المشرع على حالة التأشير على هامش القيد في نص المادة 904 قانون مدني،و التأشير يكون في حالة تحويل حق مضمون بقيد و كذلك في حالة تنازل الدائن المرتهن عن مرتبة رهنه.
شطب القيد و إلغاء الشطب.
شطب القيد (المحو).
   إذا انقضى الرهن أو زال لأي سببٍ كان فإنه يلزم عندئذٍ شطب هذا القيد أي محوه و ليس المقصود به محوه أو شطبه مادياً بل التأشير على هامش القيد بما يفيد اعتباره غير موجود،فالمقصود من شطب القيد هو إلغاء ما يترتب على قيامه من آثار مع بقائه مادياً،و هناك نوعان من الشطب:
الشطب الاختياري:و هو الذي يتم برضا الدائن و بتقرير يصدر منه بذلك و هذا الرضا ينصب على رفع القيد؛
الشطب القضائي:إذا قعد الدائن عن إلغاء القيد و لم يكن هناك ما يبرر بقاء القيد فلكل ذي مصلحة القيام بذلك و ذلك عن طريق رفع طلب إلى القضاء للحكم بإلغاء القيد.
إبطال الشطب بعد حصوله.
     بعد شطب القيد إلغائه أو محوه قد تدعو الحاجة إلى إعادة سريانه كما لو تبين بطلان رضا الدائن بإلغاء القيد أو تم نقض الحكم الذي تم الشطب بناءاً عليه،و أياً كان سبب شطب القيد فقد يكون هذا السبب غير صحيح فيقتضي الأمر رفع دعوى بإلغاء الشطب،و سواء كان الشطب اختيارياً     أو قضائياً يجوز إلغاؤه و لكن ترفع دعوى قضائية بإلغاء الشطب أو إبطاله أمام محكمة العقار و يرفعها من يهمه إبطال الشطب،و ترفع الدعوى على الراهن لأنه الخصم الطبيعي في دعوى يراد بها إبقاء قيد الرهن،فإذا تحقق القاضي من أن الشطب كان على غير أساس حكم بإلغائه،فيعود القيد إلى ما كان عليه منتجاً لآثاره،و إذا صدر الحكم النهائي بإبطال الشطب فإن الإلغاء أو الإبطال لا يكون بإزالته مادياً و لكن يكون بالتأشير على هامش الشطب ذاته،و يترتب على إبطال الشطب كأنه لم يكن    و يعيد للقيد الأول أثره و يحتفظ للدين مرتبته الأصلية،بمعنى آخر يعود القيد إلى الوجود بأثر رجعي.
مظهر نفاذ الرهن في حق الغير: هو حق الدائن في الأفضلية و حقه في التتبع،أما الحق في الأفضلية فيعني حق الدائن في التقدم في استيفاء حقه من ثمن العقار المرهون على الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة،أما الحق في التتبع فيعني حق الدائن في التنفيذ على العقار المرهون في أي يدٍ يكون،و لو انتقلت ملكيته إلى شخص آخر غير الراهن.
1)الأفضلية.
  الأفضلية هي الغاية من الرهن و هي تعني أن يستوفي الدائن المرتهن حقه مفضلاً على غيره من الدائنين الذين لا يتمتعون بنفس مركزه،سواء كانوا دائنين عاديين أم دائنين مرتهنين متأخرين في المرتبة، و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 882 من القانون المدني.
الواقعة المنشئة للأفضلية.
   ينشأ حق الدائن بالتقدم بقيد الرهن و تحسب مرتبته من وقت القيد،فالعبرة إذاً بوقت القيد و ليس بوقت نشأة الدين،فالوضع الغالب أن ينشأ الدين قبل القيد و قد يمضي وقت طويل يفصل بين نشأة الدين و تاريخ القيد فلا يحتج بالرهن إلا من تاريخ قيده،و قد يترتب على هذا أن يفضل دين متأخر في نشأته متقدم في قيده على دين أقدم منه في النشأة و أحدث في القيد.
   مرتبة الرهن تحسب من تاريخ القيد حتى لو كان الدين لم ينشأ بعد وقت القيد بأن كان ديناً مستقبلاً أو ديناً احتمالياً أو معلقاً على شرط،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 908 قانون مدني "تحسب مرتبة الرهن من وقت تقييده و لو كان الدين المضمون بالرهن معلقاً على شرط أو كان ديناً مستقبلاً  أو احتمالياً".
موضوع الأفضلية.
 موضوع الأفضلية أو الحقوق التي يستوفيها الدائن بطريق الأفضلية هي أصل الدين و المصروفات،أصل الدين الذي يستوفيه الدائن المرتهن بطريق الأفضلية هو الثابت في القيد،فإذا كان هناك فرق بين أصل الدين الثابت في عقد الرهن و بين ما تم إثباته في القيد،تقدم الدائن في أقل القيمتين لأنه إذا زاد الدين المقيد عن الدين المضمون بالرهن كانت هذه الزيادة غير قائمة على أساس،لأن القيد يعتمد على سند الرهن في وجوده و مداه،و إذا زاد الدين الوارد بسند الرهن على الدين الثابت بالقيد،كانت هذه الزيادة غير نافذة في حق الغير فلا يتقدم بها الدائن على غيره من الدائنين،أما المصروفات التي يستوفيها الدائن بطريق الأفضلية حسب مرتبة رهنه فهي نفقات العقد و قيد الرهن و تجديد القيد،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة909 قانون مدني "يترتب على قيد الرهن إدخال مصاريف العقد و القيد   و التجديد إدخالاً ضمنياً في التوزيع و في مرتبة الرهن نفسها..."،و الحكمة من هذا النص أن المدين هو الذي يتحمل في الأصل هذه المصروفات،فإذا أنفقها الدائن دون اتفاق خاص على أنه هو الذي يتحملها كان له أن يستوفيها من المدين بضمان الرهن ذاته و في نفس مرتبته دون حاجة إلى نص خاص.

محل الأفضلية.
   هو ما يباشر عليه الدائن حقه في التقدم و هو بصفة أصلية ثمن العقار المرهون بعد بيعه بالمزاد العلني، و لكن حق الدائن في التقدم لا يرد على ثمن العقار المرهون فقط،و لكن يرد على ملحقاته أيضاً أهمها العقارات بالتخصيص،حقوق الارتفاق،الإنشاءات و التحسينات.
   كذلك ثمار العقار التي تلحق به بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية،و إذا كان الغالب أن حق الدائن في التقدم يرد على ثمن العقار المرهون بعد بيعه في المزاد العلني فهذا هو الإجراء الطبيعي الذي يتخذه الدائن عند عدم الوفاء بحقه،إلا أن العقار قد يهلك أو يتلف لأي سبب من الأسباب و يحل محله مال آخر،في هذه الحالة يتقدم الدائن بحقه على ما حلّ محلَّ العقار ،و قد نص المشرع على هذا في المادة 907 من القانون المدني "...من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حلّ محل هذا العقار"،و المادة 900  قانون مدني "انتقل الرهن...إلى مبلغ التعويض عن الضرر أو مبلغ التأمين أو الثمن المقرر لنزع الملكية للمنفعة العامة".
درجة الأفضلية.
  هي المرتبة التي يحتلها الدائن المرتهن فقد يوجد أكثر من رهن مقيد على العقار،و قد توجد تأمينات أخرى عينية مقيدة على نفس العقار،و لهذا وجب إعطاء كل صاحب حق من الحقوق المقيدة على العقار درجة أو مرتبة يتقدم بها على غيره من الدائنين،و يلاحظ في البداية أن الدائن المقيد حقه في العقار يتقدم الدائن العادي في جميع الأحوال حتى لو كان الدائن صاحب الحق المقيد متأخراً في الدرجة على الدائنين الآخرين المقيدة حقوقهم،و كان حقه قد نشأ بعد نشأة حق الدائن العادي،     و يلاحظ من ناحية أخرى أن صاحب الحق في الامتياز العام و هو حق لا يلزم قيده للاحتجاج به على الغير،و يتقدم على جميع أصحاب الحقوق المقيدة على العقار حتى لو نشأ الحق في الامتياز العام بعد نشأة الحقوق المقيَّدة(المادة 986 قانون مدني)،أمّا الحقوق الواجبة الشهر فهي حقوق الرهن      و التخصيص و حقوق الامتياز الخاصة العقارية،درجة صاحب الحق فيها تتحدّد حسب وقت القيد، و من المتصور أن يتقدم حق على آخر رغم قيدهما في يوم واحد إذا قيد أحدهما في وقت سابق أي كان هناك فاصل زمني بينهما،و هذا ما أخذ به المشرع في المادة 907 "يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم تجاه الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حلّ محل العقار بحسب مرتبة كلٍ منهم،و لو كانوا أجروا القيد في يوم واحد"،و يلاحظ أنه إذا كانت القاعدة أن درجة الأفضلية تتحدد بوقت القيد فهناك استثناء بصدد انتقال حق الدائن المرتهن لجزء مفرز أو حصة شائعة من العقار المملوك على الشيوع إلى ما آل للراهن بمقتضى القسمة من أعيان أخرى غير التي رهنها،فإن حق الدائن المرتهن ينتقل إلى هذه الأعيان حسب مرتبته.
التنازل عن مرتبة الرهن.
   قرر المشرع في نص المادة 910 قانون مدني هذه القاعدة،فهذا النص يفترض وجود أكثر من حق مقيد على العقار بعضها يلي بعض في المرتبة،و أن صاحب حق متقدم يتنازل لصاحب حق متأخر عليه في المرتبة،و يلاحظ أن التنازل هنا يرد على القيد و ليس على الحق في الرهن ذاته،و لهذا ينبغي أن يكون المتنازل له صاحب حق مقيّد على نفس العقار،و التنازل لا ينبغي أن يضر بمصلحة الدائنين الآخرين أصحاب الحقوق الأخرى المقيدة على العقار،و لهذا يكون التنازل عن المرتبة في حدود دين الدائن المتنازل فقط،فإذا وُجد رهن "أ" و "ب" و "ج" على عقار واحد وتنازل صاحب الرهن "أ" عن مرتبته إلى صاحب الرهن "ج" فينبغي ألا يضر هذا بمصلحة صاحب الرهن "ب"،فإذا كانت قيمة الدين المضمون بالرهن قيمتها مئة ألف (100.000د.ج) دينار جزائري و قيمة الدين المضمون بالرهن "ج" هو مئة و خمسون ألف(150.000 د.ج) دينار جزائري،فإن صاحب الرهن "ج" لا يستفيد من هذا التنازل إلا في حدود قيمة دين رهن "أ" و هي مئة ألف (100.000د.ج) دينار جزائري،كذلك فإن صاحب الرهن "ب" يستطيع أن يتمسك في مواجهة المتنازل له و هو صاحب الرهن "ج" بجميع أوجه الدفع التي يمكن التمسك بها في مواجهة صاحب الرهن "أ" كبطلان دين "أ" أو بطلان قيد الرهن،أو انقضاء حق "أ" (المادة 910 قانون مدني)،و في جميع الأحوال يجوز التمسك بأوجه الدفع الخاصة بدين المتنازل له،كأن يكون دينه باطلاً أو رهنه باطلاً و تنص المادة 910 فقرة 2 قانون مدني "...و يجوز التمسك اتجاه هذا الدائن الآخر بجميع أوجه الدفع التي يجوز التمسك بها اتجاه الدائن الأول،عدا ما كان منها متعلقاً بانقضاء حق هذا الدائن الأول،إذا كان هذا الانقضاء لاحقاً للتنازل عن المرتبة".


2)حــق التتبـــــــع.
   المقصود بحق التتبع حق الدائن المرتهن في تتبع العقار المرهون،يعني حقه في اتخاذ إجراءات التنفيذ على هذا العقار في أي يدٍ يكون،فلا يشترط أن يبقى العقار في ملكية الراهن حتى يتمكن الدائن المرتهن من التنفيذ عليه بل إن الراهن قد يتصرف في العقار المرهون فينقل ملكيته إلى شخص آخر دون أن يؤثر هذا في حق الدائن المرتهن،و على هذا فحق الدائن المرتهن في التتبع مرتبط بحق الراهن في التصرف في العقار المرهون،فلا يتصور قيام أحد الحقين بدون الآخر،تقرير حق الرهن على العقار لا ينقص من ملكية الراهن و لا يمنعه بصفة خاصة من حقه في التصرف في العقار المرهون و مع ذلك فأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن،فالدائن المرتهن يستطيع أن ينفذ على العقار المرهون حتى بعد خروجه من ذمة الراهن،فهذا يفسر على السواء حق الراهن في التصرف و حق المرتهن في التتبع و ما بين الحقين من ارتباط،و على هذا نصت المادة 911 قانون مدني "يجوز للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين أن يقوم بنزع ملكية العقار المرهون من يد الحائز لهذا العقار"،فالحق في التتبع هو مظهر من مظاهر نفاذ الرهن في مواجهة الغير و مترتب على كون الرهن حقاً عينياً،فمن بين آثار الحقوق العينية جميعاً حق صاحبها في تتبع محلها لمباشرة مضمونها،و الرهن حق عيني تبعي و سلطة التتبع واضحة في الحقوق العينية التبعية،ولعلّ السبب في ذلك أن صاحب الحق العيني التبعي لا يحتفظ بسلطة التصرف في الشيء محل الحق بل تبق هذه السلطة لشخص آخر هو المالك،و تصرفات هذا الشخص هي التي تحقق الحالات العملية التي يلجأ فيها صاحب الحق التبعي إلى تتبع الشيء في يد المتصرف إليه،و قد يباشر هذا الحق دون حاجة إلى تتبع العقار المرهون و يكون هذا في الحالات التي لا يتصرف فيها الراهن في العقار المرهون و يظل محتفظاً بملكيته إلى وقت التنفيذ عليه،ففي هذه الحالة ينفذ الدائن المرتهن على العقار المرهون كأثر مباشر للرهن فيما بين المتعاقدين،و ليس تبعاً للعقار في مواجهة الحائز،إلا أن الأفضلية و هي جوهر الحق تظل مهددة إذا لم يساندها الحق في التتبع فبدون هذا الحق الآخر تنعدم كل قيمة للأفضلية بمجرد تصرف الراهن بالعقار المرهون لشخص آخر لا يستطيع الدائن المرتهن إجراء التنفيذ في مواجهته،و لهذا فالوضع الصحيح للتتبع أنه حق مساعد يلجأ إليه الدائن إذا تصرف الراهن في العقار المرهون.

صاحب الحق في التتبع.
   هو الدائن المرتهن الذي قيد حقه قبل شهر التصرف في العقار المرهون،فالتعدد لا يعدو أن يكون تزاحماً من صاحب حق عيني تبعي هو الدائن المرتهن و صاحب حق عيني أصلي هو المتصرف إليه،   و كل حق من هذين الحقين لا يحتج به في مواجهة الغير إلا بشهره عن طريق القيد بالنسبة للحقوق العينية التبعية و التسجيل بالنسبة للحقوق العينية الأصلية،و العبرة في الأسبقية بالشهر لا بالأسبقية في تاريخ السند المنشئ للحق،فإذا أبرم عقد رهن مثلاً قبل إبرام التصرف في العقار المرهون لكنَ الراهن تأخر عن شهر هذا التصرف فإن الرهن لا ينفذ في مواجهة المتصرف إليه،و لا يستطيع الدائن المرتهن أن يتبع العقار تحت يده بل إن تأخير شهر الرهن يقضي على كل أثر للرهن،لا في مواجهة المتصرف إليه فقط و لكن في مواجهة الدائنين العاديين للراهن أيضاً.
   فبمجرد التصرف في العقار و شهر هذا التصرف يمتنع على الدائن المرتهن الذي تأخر في شهر حقه اتخاذ إجراءات الشهر بعد هذا،و لذلك لا يحتج في مواجهة المتصرف إليه بالرهن لأنه تبقى ملكية العقار خالية من حق مشهر عليه،و لا يجوز للدائن الذي اكتسب حق رهن غير مقيد على العقار أن يتقدم بطلب شهره بعد انتقال ملكيته إلى شخص آخر،و الدائن المرتهن لا يحق له تتبع العقار المرهون و التنفيذ عليه في مواجهة المتصرف إليه إلا بعد حلول أجل الدين،فبعد حلول الأجل فلا يجوز مطالبة الراهن أو التنفيذ في مواجهته،و الدائن الذي يثبت له الحق في التتبع هو الدائن المرتهن أياً كانت درجته،حتى لو كان متأخراً في المرتبة،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 911 قانون مدني "يجوز للدائن المرتهن" فلم يقيد هذا الحق بأن يكون متقدماً في مرتبة رهنه.
الحائز. 
    هو من يباشر الدائن المرتهن في مواجهته حقه في التتبع و اصطلاح الحائز هنا مستعمل في معنى خاص يختلف عن المعنى المألوف لهذا الاصطلاح،فمن انتقلت إليه ملكية العقار هو صاحب حق على حق عيني على العقار،و المقصود باصطلاح الحائز هنا هو أن هذا الشخص أجنبي عن الدين فيشترط لاعتبار من يُباشَر في مواجهته إجراءات التنفيذ حائزاً ألا يكون مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدين،فلا يعتبر حائزاً المدين الراهن لأن الدائن و هو ينفذ على العقار في مواجهته إنما يستفيد من حقه في الرهن في أثره المباشر ما بين المتعاقدين،و لا يعتبر حائزاً الضامن أو الكفيل الشخصي إذا انتقلت إليه ملكية عقار مرهون ضماناً لنفس الدين،و ينبغي أن يكون هذا الشخص قد تلقى ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني قابل للرهن،و هي الحقوق التي يمكن بيعها بالمزاد العلني لأن الغاية من التتبع هي بيع الحق موضوع التصرف في مواجهة المتصرف إليه،فإذا كانت الحقوق لا تقبل البيع بالمزاد العلني فلا معنى لتتبعها،و إذا كان الغير قد اكتسب حقاً شخصياً في مواجهة الراهن و يتعلق بالعقار المرهون كالمستأجر مثلاً فهو لا يعتبر حائزاً،و أن يكون الغير قد شهّر حقه بعد قيد الرهن،فإذا لم يكن قد شهّر حقه أصلاً فلا يعتبر حائزاً،فالمشتري بعقد غير مسجل لا يعتبر حائزاً،أما إذا كان الغير قد شهّر حقه قبل قيد الرهن ففي هذه الحالة لا يحتج بالرهن في مواجهته و لا يمكنه تتبع العقار،و قد عرفت المادة 911 فقرة 2 من القانون المدني الحائز للعقار بنصها الآتي "و يعتبر حائزاً للعقار المرهون كل من انتقلت إليه بأي سببٍ من الأسباب ملكية هذا العقار أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن"،فالحائز غير مسؤول شخصياً عن الدين فهو أجنبي لا تربطه بالدائن أي علاقة شخصية و مع ذلك فكونه أجنبياً تماماً لا يستقيم مع انتقال عقار مرهون في هذا الدين إلى ذمته مع نفاذ هذا الرهن في مواجهته،و لهذا كان لابد من التسليم بأن انتقال ملكية العقار المرهون إلى الحائز ينشىء صلة ما بين الحائز و الدين،هذه الصلة ليست المسؤولية الشخصية على وجه التأكيد،فالحائز لازال أجنبياً عن صاحب الدين لا تربطه به علاقة شخصية،و هو كذلك غير مسؤول عن الدين في أمواله الخاصة،فمسؤوليته قاصرة على قيمة العقار المرهون،و مسؤوليته على هذا النحو هي مسؤولية عينية تنقضي باستنفاذ قيمة العقار المرهون.
إجراءات التتبع.
     تتلخص في اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار و المقررة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في مواجهة الحائز،و مع ذلك يسبق التنفيذ في مواجهة الحائز التنبيه على المدين بنزع الملكية،و الحكمة من ذلك أن المدين هو المسؤول الأصلي على الدين، فيجب التنبيه عليه قبل الشروع في بيع العقار بالمزاد العلني فقد يقوم بالوفاء (المدين) و يعني هذا عدم الاستمرار في إجراءات التنفيذ،و يلي التنبيه على المدين إنذار الحائز،و الإنذار يكون بالدفع أو التخلية و مع ذلك فالحائز يملك ما هو أكثر من الدفع و التخلية فهو يملك تطهير العقار،و بهذا فالمقصود بالإنذار هو أن يحدد الحائز موقفه فيختار ما أعطاه المشرع الحق في اختياره من دفع الدين،تطهير العقار أو التخلي عنه.
دفوع الحائز لوقف إجراءات التتبع.
    الغاية من التتبع هي بيع العقار المرهون وفاءاً لدين الدائن المضمون بالرهن،فإذا كان هناك سبب للاعتراض على الدين أو على الرهن،كان للحائز أن يتمسك به،فالمشرع رعى الحائز و لم يتركه في موقف المستسلم لبيع العقار بالمزاد العلني،بل أعطاه الحق في الاختيار بين ثلاثة مواقف: قضاء الديون،أو تطهير العقار،أو التخلي عنه،فإذا لم يلجأ الحائز إلى موقف من هذه المواقف فمعنى ذلك أنه اتخذ موقفاً سلبياً هو الاستسلام لبيع العقار بالمزاد العلني.
1)قضاء الديون.
   يعني قضاء الديون قيام الحائز بوفاء الدائنين المرتهنين حقوقهم قِبل المدين،فقد يقضيها جميعاً و قد يقضي بعضها فقط،و يترتب على قضاء الديون حق الحائز في الرجوع بما وفّاه،و قد لا ينشأ له هذا الحق إذا كان هو نفسه ملزم بدفع مبالغ بسبب تملكه للعقار الرهون فقام بدفعها للدائنين المرتهنين للعقار،فالصورة العادية لقضاء الديون أن يكون الحائز قد اكتسب ملكية العقار بطريق الشراء و لم يقم بعد بوفاء الثمن للبائع و هو المدين الراهن،فيقوم حينئذٍ بوفاء حقوق الدائنين من هذا الثمن و يترتب على هذا براءة ذمته في مواجهة البائع و يخلص له العقار خالياً من كل رهن،و في هذا تحقيق لمصلحة الدائن المرتهن ، مصلحة البائع و مصلحة الحائز،و مع ذلك فهذه ليست الصورة الوحيدة فقد يحدث أن يكون ما تبقى في ذمة الحائز لا يكفي لوفاء الدائنين العاديين جميعاً،يستطيع في هذه الحالة الحائز إذا وفى للدائنين المتقدمين في المرتبة أن يحلّ محلّهم،و هذا ما نصت عليه المادة 912 من القانون المدني،إذ يجوز للحائز أن يحلّ محلّ الدائن الذي استوفى الدين،و لا يترتب على قضاء الدين هنا تطهير العقار من الرهون المقررة عليه بل تبقَ الرهون الأخرى التالية له في المرتبة مقررة على العقار،لذلك موقف الحائز لا يخلو من الخطر في هذه الحالة لأنه قد يهمل تجديد قيد الرهن المتقدِّم الذي حلَّ فيه محلَّ الدائن الذي وفاه حقه،مما يترتب عليه فقده مرتبته المتقدمة و تقدم الدائنين التالين له في المرتبة،و لهذا نص المشرع في المادة 913 قانون مدني على أنه يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حلّ فيه محل الدائن و أن يحدده عند الاقتضاء.
و حتى إذا لم يهمل الحائز تجديد قيد الرهن المتقدم الذي حلّ فيه محل الدائن الذي وفّاه حقه فموقفه لازال مهدداً بالخطر أيضاً من جراء وجود رهون أخرى مقيدة على العقار حتى و لو كانت متأخرة،   و لذلك نقول أن قيام الحائز بقضاء الديون قضاءاً جزئياً لا يخلو من الخطر على الحائز طالما أن قيامه بهذا لا يؤدي إلى تطهير العقار تماماً من الرهون المقيّدة عليه.

























ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.تتمة السداسي الأول،بداية السداسي الثاني.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







وقت قضاء الديون.
   لا يحق للحائز أن يقضي الديون قبل حلول أجلها فإذا حلَّ الأجل كان للحائز أن يقضي الديون دون أن ينتظر إنذار الدائن له بالوفاء،و يبقى حقه قائماً مدة طويلة تمتد إلى يوم رسو المزاد،و مع ذلك فللحائز مصلحة في التعجيل بقضاء الديون بمجرد إنذاره لأنه يلتزم بدفع المصروفات التي أنفقت في الإجراءات من وقت إنذاره،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 912 قانون مدني،و يظهر من هذا النص أن الحائز يلتزم بقضاء الديون و ملحقاتها و المقصود بالملحقات هنا: مصروفات عقد الرهن،قيد الرهن و تجديده.
رجوع الحائز بما يوفيه من دين.
   إذا كان الحائز مديناً بدين الثمن (ثمن شراء العقار) و قام بالوفاء للدائنين المرتهنين في حدود ما يلتزم هو به بسبب اكتسابه للعقار المرهون،فهو لا يرجع بعد ذلك بشيء على الراهن لأنه في نفس الوقت الذي وفى فيه دين الراهن قام بوفاء دينه أيضاً،أما إذا كان الحائز غير مدين بسبب امتلاكه العقار المرهون بأن كان قد دفع الثمن فهو يرجع بما دفعه زيادة على ما يلتزم هو به أصلاً،و هو يرجع إما بالدعوى الشخصية أو دعوى الحلول محل الدائنين.
أ-الدعوى الشخصية.
    قد يكون المدين الراهن هو نفسه المالك السابق للعقار المرهون و هذه هي الصورة الغالبة،و مع ذلك قد ينقل الرهن ملكية العقار المرهون إلى شخص و هذا بدوره ينقلها إلى شخص آخر هو الحائز،و في هذه الحالة يوجد أكثر من شخص يستطيع الحائز الرجوع عليه،فهناك المدين الراهن       و هنالك المالك السابق،و هو يرجع على الراهن بدعوى الإثراء بلا سبب و يرجع على المالك السابق بدعوى الضمان (ضمان التعرض)،و قد نص المشرع على حق الحائز في الرجوع في نص المادة 912 قانون مدني،بدعوى الإثراء بلا سبب المقررة في القواعد العامة،فإثراء الراهن يتحقق في أن دينه قد انقضى من غير ماله و افتقار الحائز يتحقق في أنه وفى بماله دين غيره،و الحائز يرجع بأقل القيمتين (الإثراء و الافتقار)،و الحائز يرجع على المالك السابق بدعوى الضمان المقررة في المادة 374 قانون مدني إذا كان قد اكتسب ملكية العقار بطريق الشراء.
ب-دعوى الحلول.
    للحائز أن يرجع بدعوى الحلول محل الدائنين و هو ما نص عليه المشرع في المادة 261 قانون مدني "إذا قام بالوفاء شخص غير المدين حلَّ الموفي محل الدائن"،الأصل أن من حلَّ محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص و ما يلحقه من توابع و ما يكفله من تأمينات،لكن استثناءاً على هذا الحكم فإن حلول الحائز يكون ناقصاً في حالتين: عندما يرجع على كفيل عيني     أو شخصي،      و عندما يرجع على حائز آخر:
عدم رجوع الحائز على الكفيل: الفرض هنا أن الدين المضمون بالرهن مضمون أيضاً بكفالة شخصية أو عينية،فإذا قام الراهن بنقل ملكية العقار المرهون لشخص آخر هو الحائز و قام الحائز بدوره بوفاء الدين للدائنين و حلّ محلهم، فإن مقتضى الحلول أن يستفيد الحائز من التأمينات الأخرى الضامنة للدين كالكفالة و يكون له في هذه الحالة أن يرجع على الكفيل شخصياً كان أو عيني،و مع ذلك فالمشرع لم يأخذ بهذا الأثر المنطقي المترتب على الحلول،و قرر في المادة 912 "...إلا ما كان منها متعلقاً بتأمينات قدمها شخص آخر غير المدين"،فتبرير الفقه له أن من ناحية لا ينبغي أن يُضار الكفيل لمجرد أن الراهن تصرف في العقار المرهون إلى شخص آخر فلو كان الراهن قد احتفظ بملكية العقار المرهون و قام هو بالوفاء (وفاء الدين) ما كان له أن يرجع على الكفيل بعد هذا لأنه هو المدين الأصلي بالدين،فلا يجوز أن يسوء مركز الكفيل من تصرفات يقوم بها الراهن،و يلاحظ أن امتناع رجوع الحائز على الكفيل يقابله حق الكفيل في الرجوع على الحائز في الفرض العكسي،و هو يتحقق إذا قام الكفيل بوفاء الدين للدائن المرتهن و حلَّ محله فيه و استفاد من الرهن الضامن له فيكون له أن ينفذ على العقار المرهون في مواجهة الحائز له،و يستطيع هذا الأخير أن يدفع إجراءات التتبع التي يباشرها الكفيل؛
رجوع الحائز على حائز آخر: الفرض هنا أنه يوجد أكثر من حائز للعقار المرهون و يتحقق هذا إذا تصرف الراهن في العقار أو العقارات المرهونة في دين واحد إلى أكثر من شخص،فيصبح كل منهم حائزاً لعقار مرهون في نفس الدين و طبقاً لمبدأ "عدم تجزئة الرهن" فإن كل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامنة كل الدين،و طبقاً لفكرة الحلول فإنه إذا قام حائز واحد بوفاء كل الدين و حلّ محل الدائن فيه كان له أن ينفذ على أي جزء من العقار أو العقارات المرهونة في مواجهة أي من الحائزين لاستيفاء كل ما وفاه،إلا أن المشرع أخذ بحكم آخر قرر فيه تجزئة رجوع الحائز على غيره من الحائزين  و هو ما نصت عليه المادة 266 قانون مدني،و الحكمة من التجزئة هي وضع حد لرجوع الحائزين بعضهم على بعض إلى ما لا نهاية.
قضاء الديون جبراً.
   إذا كان قضاء الديون موقف اختياري يتخذه الحائز و يحميه القانون بضمان رجوع الحائز بما وفاه زيادة على ما يلتزم به هو بسبب امتلاكه العقار المرهون،إلا أنه توجد مواقف أخرى يجبر فيها الحائز على قضاء الديون،و يتحقق هذا في ثلاث حالات نص المشرع على حالتين منها، و تستفاد الحالة الثالثة من القواعد العامة:
الحالة الأولى: نص المشرع عليها في المادة 914 فقرة 1 من القانون المدني،فينبغي لانطباق هذا النص أن يكون ما بذمة الحائز من دين بسبب امتلاكه العقار المرهون كثمن بيع العقار،و ينبغي أن يكون هذا الدين مستحق الأداء لأنه إذا لم يكن كذلك فلا يستطيع أي دائن أن يجبره على الوفاء بدينه قبل حلول أجله،و ينبغي أن يكفي دين الحائز لوفاء حقوق الدائنين جميعاً (الدائنين المقيّدة حقوقهم) على العقار قبل تسجيل سند الحائز لأنه إذا كان دين الحائز يكفي فقط لوفاء بعض الديون دون البعض الآخر فإنه يترتب على إعطاء أحد الدائنين سلطة إجبار الحائز على الوفاء حرمان دائنين آخرين في استيفاء حقوقهم.
الحالة الثانية: و نصت عليها المادة 914 فقرة 2 قانون مدني،و في هذه الحالة يجبر الحائز على الوفاء للدائنين و لكن هذا الجبر ليس فيه إجحاف لأنه سيوفي لهم بنفس الشروط التي التزم بها في مواجهة دائنه،بل و على العكس ستتحقق مصلحته بتطهير العقار من كل رهن رغم أن الدائنين لم يستوفوا كل حقوقهم ،و حتى يتطهر العقار من كل رهن ينبغي أن يجمع الدائنون على طلب وفاء ديونهم في حدود ما التزم به الحائز،و إجماع الدائنين يعني اتفاقهم على ما يؤول لكل منهم من هذا الوفاء،و الحائز لا يعنيه شيء من شروط هذا الاتفاق فهو يلتزم إزاءهم كمجموع بالوفاء بما في ذمته في نفس الأجل     و بنفس الشروط التي كان سيوفي بها في مواجهة دائنه الذي هو في نفس الوقت الراهن للعقار،و في الحالة الأولى كما في الحالة الثانية يصبح الحائز مسؤولاً شخصياً عن الدين في مواجهة الدائنين و لا يجوز له أن يتخلى عن العقار لأن من شروط التخلية ألا يكون الحائز مسؤولاً عن الدين،
و قضاء الديون جبراً في الحالتين يؤدي إلى تطهير العقار من كل رهن و يحق للحائز أن يطلب محو القيود على العقار،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 914 فقرة 3 قانون مدني،و يلاحظ أنه في الحالتين لا يكون للحائز أن يرجع بشيء على الراهن أو المالك السابق لأنه لم يفتقر شيئاً و ما وفاه كان ملزماً بوفائه بسبب اكتسابه ملكية العقار المرهون.
الحالة الثالثة: لم ينص عليها المشرع و تستخلص من القواعد العامة و تتحقق إذا اشترط المالك السابق على الحائز أن يقوم بوفاء ديون الدائنين المرتهنين للعقار.
    و إذا لم يقم الحائز بقضاء الديون اختياراً و لم يجبره الدائنون على قضائها عند تحقق شروط القضاء الجبري،كان للحائز أن يقوم بتطهير العقار و هو الموقف الثاني الذي يستطيع أن يتخذه.
تطهير العقار المرهون.
     تطهير العقار المرهون موقف لا يتعرض له الحائز لكن هو الذي يعرضه فلا ينتظر حتى يحل أجل الديون فيعرض وفاءها أو يطلب من الدائنين استيفاءها،و لكن يستطيع بمجرد اكتسابه صفة الحائز   و قبل أن يحلّ أجل الديون أن يعرض تطهير العقار من كل حقٍ مقيد عليه،فالتطهير سلطة تتميز بعنصر (المبادءة) من جانب الحائز،فهو وحده الذي يحدد وقت التطهير و يحدد شروطه التي يدعو الدائنين إلى قبولها،و التطهير معناه أن يعرض الحائز على الدائنين المرتهنين أن يدفع لهم مبلغ مساوي للقيمة الحقيقية للعقار المرهون،و طالما أن الدائنين لن يحصلوا من العقار على أكثر من قيمته الحقيقية بعد بيعه بالمزاد العلني فمن مصلحتهم قبول عرض الحائز و توفير الإجراءات و النفقات،فالحائز الذي يكتسب ملكية عقار مرهون لا يوفِ ثمن الشراء إلى البائع بل يحتفظ به ليعرضه وفاءاً لديون الدائنين مقابل تطهير العقار من كل رهن،فالعرض الذي يقوم به الحائز ليس هو وفاء ديون الدائنين و لكنه القيمة الحقيقية للعقار و لو لم تكن كافية لوفاء جميع الديون،فالحائز ينبغي أن يكون معقولاً في عرضه إذا أراد الاستفادة فعلاً من رخصة التطهير لأنه لا يستطيع فرض شروطه بغير اعتراض من الدائنين،فلأي واحد من هؤلاء أن يرفض عرض الحائز و يطلب بيع العقار بالمزاد العلني إذا رأى أن عرض الحائز لا يطابق القيمة الحقيقية للعقار،مع ذلك و إذا كان الدائن المرتهن يستطيع رفض عرض الحائز لتطهير العقار  و طلب بيعه بالمزاد العلني فإنه لا يملك هذا دون خطر عليه، لأن الدائن الذي يرفض التطهير و يطلب بيع العقار عليه أن يقدم مبلغاً يكفي لتغطية مصروفات البيع بالمزاد العلني،فإذا لم ينتج عن البيع ثمن يزيد على الثمن الذي عرضه الحائز تحمل هذا الدائن المصروفات التي أنفقت،   و لهذا فعلى الدائن المرتهن أن يبدي شيئاً من التدبر و الحذر عند رفضه لعرض الحائز،و على هذا فهناك مصلحة للحائز و للدائن في أن يتدبر كل منهما موقفه،فلا يعرض الأول قيمة غير حقيقية للعقار المرهون و لا يرفض الثاني قيمة على ظهر الحائز إذا كانت قريبة من القيمة الحقيقية للعقار المرهون.
مزايا التطهير و عيوبه.
    أهم مزايا التطهير العمل على تسهيل تداول العقارات المرهونة لأن أي شخص يمتنع في الواقع عن شراء عقار مرهون طالما أن الرهن يثقل ملكيته و يهدده بالزوال في أي وقت،فإذا كان للمشتري أن يتخلص من قيد الرهن بتطهير العقار منه فهو لا يتردد في الشراء إذ يكفيه أن يحجز ثمن الشراء فلا يدفعه للبائع و هو الراهن،و يقوم بعرض هذا الثمن على الدائنين المرتهنين مقابل تطهير العقار،              و تسهيل تداول العقارات و لو كانت مرهونة مطلب ينبغي الحرص على تحقيقه من الناحية الاقتصادية،فالتطهير مقرر أصلاً حماية للحائز المشتري للعقار المرهون،و لكنه في نفس الوقت يحقق مصلحة الدائنين المرتهنين في أنهم يحصلون على المقابل الحقيقي للعقار دون اللجوء إلى إجراءات البيع بالمزاد العلني،و بما يقترن بها من جهدٍ و من نفقة.
    و مع ذلك للتطهير عيوب لا يمكن التقليل من شأنها مصدرها أن التطهير رخصة للحائز يستطيع مباشرتها في أي وقت،فالحائز يتميز بالقدرة على الحركة و المبادرة و تحديد وقت العملية،و لهذا فهو يختار الوقت المناسب له بطبيعة الحال و قد يكون في هذا إضرار بالدائنين المرتهنين،فهو يستطيع أن يجبر الدائنين المرتهنين على تطهير العقار قبل حلول أجل ديونهم،و الدائنون المرتهنون ليس من مصلحتهم هذا خاصة إذا كانوا قد أقرضوا مالهم مقابل فائدة و ضمنوا حقهم برهن على العقار،فمن مصلحتهم أن يظل الدين المضمون قائماً منتجاً لفوائده،و لكن نرى أن المشرع غلَّب مصلحة الحائز على مصلحة الدائن المرتهن،و من ناحية أخرى فإن قدرة الحائز على تحديد وقت التطهير تمكنه من الالتجاء إلى هذه الوسيلة في وقت تكون فيه أثمان العقارات منخفضة ،و هو ما يحدث نتيجة للتقلبات الاقتصادية،و بهذا يضع الدائن المرتهن أمام أمر واقع فإما أن يقبل عرض الحائز أو يقوم ببيع العقار بالمزاد العلني و هو إجراء لن يؤدِ إلى أكثر مما عرضه الحائز.
رغم أن نظام التطهير لا يخلو من العيوب إلا أن مزاياه غلبت على عيوبه مما أدى المشرع إلى إقراره.
صاحب الحق في التطهير.
     هو الحائز كما قررت المادة 915 قانون مدني "يجوز للحائز إذا سجل سند ملكيته أن يطهر العقار من كل رهن تم قيده قبل تسجيل هذا السند"،و الحائز هو من اكتسب حقاً عينياً قابلاً للبيع بالمزاد العلني لأي سبب من الأسباب بعد قيد الرهن و قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية،و قد يكون الحائز مشترياً أو موهوباً له أو موصى له،و المشرع اشترط في نص المادة 915 قانون مدني أن يكون الحائز قد سجل سند ملكيته.
وقت التطهير.
     تحديد وقت التطهير يخضع للإرادة الحائز و هذه هي الخاصية الهامة في نظام التطهير و التي تتجلى فيها قدرة الحائز على المبادرة و (المبادءة)،فالحائز يستطيع عرض التطهير بمجرد اكتسابه صفة الحائز دون أن ينتظر حلول أجل الدين أو قيام الدائن بالتنبيه على المدين أو إنذار الحائز، و هو يحتفظ بالقدرة على عرض التطهير حتى بعد شروع الدائن بالتنفيذ و تقدمه في إجراءاته إلى وقت إيداع قائمة شروط البيع،و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 915 فقرة 2 قانون مدني "...و يبقى هذا الحق قائماً إلى يوم إيداع قائمة شروط البيع"،فإذا تأخر الحائز إلى وقت إيداع قائمة شروط البيع فلا يكون له بعد هذا إلا أن يتقدم للمزاد و هو حقٌ له.
إجراءات التطهير.
   تبدأ إجراءات التطهير بعرض يتقدم به الحائز إلى الدائنين المرتهنين و يتم بطريق الإعلان،و يتناول هذا الإعلان عدة بيانات تتعلق بالحائز نفسه و بالدائنين المرتهنين،و قيمة ديونهم و مرتبة كل منهم،   و العقار المرهون و كيفية انتقاله إلى الحائز و الثمن الذي يتقدم به الحائز للدائن مقابل تطهير العقار،  و هذه البيانات نصت عليها المادة 916 قانون مدني.
1-فهذا الإعلان ينبغي أن يوجهه الحائز إلى جميع الدائنين المرتهنين المقيدة حقوقهم و لا أهمية لمرتبة الرهن،و يترتب على إغفال إعلان أحد الدائنين عدم نفاذ التطهير في مواجهته،و بالتالي يجوز له أن يطلب بيع العقار بالمزاد العلني،حتى لو كان متأخر في المرتبة؛
2-أول ما يقوم به الحائز هو أن يُعرِّف للدائنين المرتهنين بنفسه في هذا الإعلان،و لهذا فالحائز يذكر للدائنين أنه قد اكتسب ملكية العقار المقررة حقوقهم عليه،أو اكتسب حقاً عينياً قابلاً للرهن فيحدد لهم نوع التصرف و تاريخه و المالك السابق الذي نُقل له هذا الحق،و على الحائز أن يذكر للدائنين تاريخ تسجيل التصرف الذي اكتسب به حقه و رقم التسجيل،حتى يستطيع كل دائن أن يطَّلِع على التسجيل للتأكد من البيانات التي ذكرها الحائز؛
3-يجب أن يتضمن الإعلان بياناً بالثمن الذي اكتسب به الحائز ملكية العقار؛
4-البيان الأساسي للعرض هو القيمة التي يعرضها الحائز كمقابل للعقار المرهون،و هو مقيد في الواقع بأن يراعي الاعتدال في عرضه،و هو مقيد بقيدين ورد النص عليهما في المادة 916 فقرة 4 قانون مدني،و هما :
القيد الأول: ألا يقل هذا المبلغ عن السعر الذي يتخذ أساساً لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية؛
القيد الثاني: على الحائز في تقديره لقيمة العقار ألا تقل هذه القيمة عن الباقي في ذمته بسبب امتلاكه العقار المرهون.
5- البيان الأخير الذي يتضمنه الإعلان يتعلق بالدائنين المرتهنين للعقار،فعلى الحائز أن يخبر كل دائن مرتهن بغيره من الدائنين المرتهنين المقيدة حقوقهم قبل تسجيل سند الحائز مع بيان قيمة دين كل منهم و مرتبة رهنه،و على أساس هذا الإعلان يستطيع كل منهم أن يحدد مدى فرصته في الاستفادة من عرض الحائز مما يسمح له باتخاذ موقف من هذا العرض.
    باستكمال هذه البيانات يكون الحائز قد عرَّف نفسه للدائنين و عرَّف بعضهم بالبعض الآخر،   و حدَّد العقار المرهون و الثمن الذي يقدره له،بهذا يستطيع كل دائن مرتهن أن يتخذ موقفاً،و العرض الذي يقوم به الحائز هو مجرد الإعلان و لا يتخطى هذا إلى قيام الحائز بالدفع فعلاً،فالحائز يبدي استعداد بالدفع إذا قبل الدائنون عرضه،و هذا ما نصت عليه المادة 917 قانون مدني.
فإجراءات التطهير الأولى تتلخص إذاً في مجرد الإعلان،و مصير العرض هو القبول أو الرفض.
قبول العرض.
    المقصود به موافقة الدائنين المرتهنين عليه فهو موجه إليهم،و الموافقة لا تصدر إلا منهم،و مع ذلك المشرع لم يشترط الموافقة الصريحة بل اعتبر سكوتهم عن الرفض مدة معينة بمثابة قبول منهم،و المدة هي على الأكثر ستون (60) يوماً من تاريخ آخر إعلان رسمي،فالمدة أصلاً هي ثلاثون (30) يوماً من تاريخ آخر إعلان تضاف إليها مدة المسافة ما بين الموطن الأصلي و الموطن المختار،على ألا تزيد عن ثلاثين (30) يوماً،و هو ما نصت عليه المادة 918 قانون مدني.
رفض العرض.
   معناه عدم موافقة الدائنين المرتهنين أو أحدهم على عرض الحائز،و الرفض لا يقتصر فقط على عدم الموافقة النظرية على العرض،بل هو في ذاته إجراء عملي،مقتضاه طلب بيع العقار بالمزاد العلني،و الحق في الرفض لم يقصره المشرع على الدائنين المرتهنين بل أعطاه أيضاً لكل كفيل لحق مضمون برهن،لأنه من مصلحة الكفيل أن يباع العقار بأعلى ثمن ممكن حتى يستوفي الدائن المرتهن حقه و لا يرجع عليه الكفيل (المادة 918 قانون مدني)،و المشرع لم يستعمل لفظ "رفض العرض" و لكنه عبر عن هذا بطلب البيع تأكيداً لما في الرفض من صفة الإجراء الإيجابي،و قد نصت المادة 919 قانون مدني أن رفض العرض يتم بإعلان أيضاً يقوم به الدائن المرتهن أو الكفيل لدين مضمون برهن،و يوجهه إلى الحائز و كذلك إلى المالك السابق للعقار،و سبب توجيهه للحائز واضح بطبيعة الحال لأن الرفض رد للعرض الذي تقدم به الحائز،أما توجيهه إلى المالك السابق فتبريره أن هذا الأخير قد يكون مسؤولاً بدعوى الضمان أمام الحائز و قد يتفادى مسؤوليته بنزع ملكية العقار لسداد ديون الدائنين،و لا يكفِ مجرد الإعلان حتى يعتبر العرض مرفوضاً بل يجب أن يقترن هذا بإيداع مبلغ في الخزينة العامة كافي لتغطية مصاريف البيع بالمزاد العلني،و هذا المطلب يضمن جدية الدافع إلى رفض العرض لأن من يطلب بيع العقار و يودع مصروفات البيع لن يسترد هذه المصروفات إذا لم تسفر إجراءات البيع بالمزاد عن ثمن يزيد عن الثمن الذي عرضه الحائز،إذا لم يتم إعلان الرفض في الميعاد أو لم يقترن بمصروفات البيع بالمزاد كان الطلب باطلاً،معنى ذلك تترتب جميع النتائج التي تترتب على قبول العرض،و إذا كان يترتب على رفض التطهير ضرورة بيع العقار بالمزاد العلني،فإحكاماً لبلوغ هذه النتيجة قرر المشرع أن الدائن المرتهن أو الكفيل الذي يطلب بيع العقار بالمزاد العلني لا يستطيع أن يرجع في طلبه إلا بموافقة جميع الدائنين المقيدة حقوقهم و الكفلاء (المادة 919 فقرة 3 قانون مدني)،الحكمة من هذا أنه قد يرغب أكثر من دائن أو كفيل في طلب بيع العقار بالمزاد لكنهم لا يتقدمون بهذا الطلب اكتفاءاً بالطلب الذي تقدم به واحد منهم،فلا يجوز لهذا أن ينفرد بالنزول عن طلبه.
    رفض التطهير يعني بيع العقار بالمزاد العلني،و هذا البيع يتم طبقاً للإجراءات المقررة الجبرية،و هذا ما نصت عليه المادة 920 قانون مدني،و يلاحظ أن المبلغ الذي يتخذ أساساً للبيع بالمزاد العلني في هذه الحالة قد يكون أقل من المبلغ الذي قُوِّم به العقار،و المشرع قد اشترط أن يذكر المبلغ الذي قُوِّم به العقار في إعلانات البيع،و للحائز أن يتقدم للمزايدة و في هذه الحالة لا يلتزم بعرض ثمن مساوي على الأقل للثمن الذي عرضه هو لتطهير العقار،و لهذا فقد يرسو عليه المزاد بثمن أقل من الثمن الذي سبق له عرضه،و إذا رسا المزاد على شخص آخر غير الحائز فهو يلتزم زيادة على ثمن رسو المزاد أن يعوض الحائز عن مصروفات العقد الذي اكتسب به حقه و تسجيل هذا العقد و ما قام به من إعلانات خاصة بالتطهير (المادة 920 فقرة 2 قانون مدني).
كيف يتم تطهير العقار فعلا؟
   إذا لم يطلب أحد الدائنين أو الكفلاء بيع العقار بالمزاد خلال مدة ستين (60) يوماً،اعتبر هذا قبولاً منهم لعرض الحائز في التطهير،و لكن العقار لا يتطهر بمجرد العرض و القبول بل ينبغي أن يعقب هذا قيام الحائز بالدفع فعلاً،بمعنى دفع المبلغ الذي عرضه للدائنين الذين تسمح مرتبتهم باستيفاء حقهم مقدماً على غيرهم،و يستطيع الحائز حتى يتجنب أي نزاع بشأن الدائن المتقدم في المرتبة أن يودع المبلغ الذي عرضه الخزينة العامة (المادة 921 قانون مدني)،و يستطيع الحائز بمجرد دفع المبلغ الذي عرضه أن يطلب محو القيود على العقار الذي يملكه و يصبح هذا خالياً من كل رهن.
    الخلاصة أن التطهير حق للحائز يمكنه من تخليص العقار من كل رهن مقيد في الوقت المناسب له دون اعتداد بوقت حلول أجل الديون المضمونة بهذا العقار،و إذا لم يلجأ الحائز إلى تطهير العقار فله موقف ثالث يستطيع أن يتخذه و هو التخلية.
تخلية العقار المرهون.
    المقصود بتخلية العقار المرهون أن يتجنب الحائز اتخاذ الإجراءات في مواجهته،حتى لا يظهر اسمه في إجراءات البيع على أنه شخص تنزع ملكيته لسداد دين من الديون مع أنه أجنبي على هذا الدين مما يُسيء إلى سمعته،و كذلك فإن الحائز بمجرد إنذاره عند اتخاذ إجراءات في مواجهته يصبح ملزماً برد ثمن العقار من وقت الإنذار،و في هذا مسؤولية عليه قد يرغب في تجنبها،و قد ورد النص على التخلية في المادة 922 قانون مدني،و تخلية العقار تمثل عقبة مؤقتة أعطى القانون للحائز أن يضعها في طريق الإجراءات،و يترتب على هذه العقبة لا وقف الإجراءات و لكن تحويل مجراها،فبعد أن كانت تتخذ في مواجهة الحائز أصبحت تتخذ في مواجهة شخص آخر هو الحارس.
صاحب الحق في التخلية.
    الأصل أنها مقررة للحائز و هو غير مسؤول عن الدين،و بالتالي يحق له أن يتفادى اتخاذ إجراءات البيع في مواجهته،إلا أن الحائز قد يصبح لسبب لاحق مسؤولاً عن الدين،كأن يتحقق شرط قضاء الديون جبراً في حالة من الحالتين المذكورتين في المادة 914 قانون مدني "...و في كلتا الحالتين لا يجوز للحائز أن يتخلص من التزامه بالوفاء للدائنين بتخليه عن العقار..."،و كذلك إذا عرض الحائز تطهير العقار و قبل الدائنون العرض فهو يصبح ملزم بدفع المبلغ الذي قُوِّم به العقار،و لا يجوز له أن يلجأ إلى التخلية.
    أما إذا رفض الدائنون عرض التطهير و شرعوا في إجراءات البيع فإن الحائز لا يظل ملتزماً بعرضه،  و من ثم يجوز له تخلية العقار،و يجب أن تكون للحائز أهلية التصرف لأن في التخلية معنى الاعتراف بحقوق الدائنين المرتهنين و تنازل عن كل دفع يستطيع أن يدفع به في مواجهتهم.

وقت التخلية و إجراءاتها.
   لم يحدد المشرع وقت التخلية و لكن من المفروض أنها متعلقة بالإجراءات،فلا يلجأ إليها الحائز  قبل اتخاذ الإجراءات في مواجهته عن طريق إنذاره،و بمجرد إنذاره يجوز له أن يقوم بتخلية العقار،و يبقى هذا الحق قائم إلى تاريخ رسو المزاد،و التخلية تتم بتقرير يقدمه الحائز إلى قلم كتابة المحكمة المختصة، و هي التي يقع في دائرتها العقار المرهون،و يجب عليه أن يطلب التأشير بذلك في هامش تسجيل التنبيه بنزع الملكية،و أن يعلم الدائن المباشر بإجراءات هذه التخلية في خلال خمسة (5) أيام من وقت التقرير بها (المادة 922 قانون مدني)،و إذا لم يراعِ إجراءاً من هذه الإجراءات كانت التخلية باطلة    و للدائن المباشر للإجراءات أن يستمر فيها في مواجهة الحائز.
آثار التخلية.
     تتلخص في أن الحائز لا يتخلى عن ملكيته للعقار و لا عن حيازته القانونية و لكن عن حيازته العرضية فقط،فيظل الحائز مالكاً و لذلك يجوز له أن يتصرف في العقار إلى وقت تسجيل تنبيه نزع الملكية،و بذلك تستمر مدة التقادم التي بدأت لمصلحته في اكتساب حق من الحقوق،و هو يستطيع أن يتراجع عن قراره و يعود إلى العقار طالما أنه لم يعين حارس فعلاً يحل محله في مباشرة الإجراءات،  و إذا بيع العقار بثمن يزيد عن ديون الدائنين كانت الزيادة للحائز،و بمجرد التخلية تتوقف الإجراءات في مواجهة الحائز،و لصاحب المصلحة في استمرارها أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس تتخذ في مواجهته إجراءات البيع بالمزاد العلني،و قد يطلب الحائز تعيينه هو كحارس على أساس أن سمعته لن تضار لأن اسمه سيظهر في إعلانات البيع بالمزاد باعتباره حارساً و ليس مالكاً تنتزع ملكيته،و إجراءات نزع الملكية لا تختلف في جوهرها سواء اتخذت في مواجهة الحائز نفسه أو في مواجهة الحارس،و يرى البعض أن نظام التخلية ليست له فائدة كبيرة فهو لا يحقق للدائن المرتهن سوى اعتراف الحائز بحقه و تنازله عن كل دفع يستطيع توجيهه إلى الدائن.



البيع بالمزاد العلني.
    البيع بالمزاد العلني هو الموقف الأخير الذي يتعرض له الحائز إذا لم يقضِ الديون أو يطهر العقار      أو يتخلى عنه،و قد يتم بيع العقار بالمزاد العلني رغم محاولة الحائز تطهير العقار إذا رفض أحد الدائنين العرض،و طلب بيع العقار بالمزاد،و قد يتم البيع في المزاد في غير مواجهة الحائز إذا تخلى هو عن العقار و عُيِّن حارس تتخذ الإجراءات في مواجهته،و الإجراءات التي تتبع في جميع الأحوال هي إجراءات البيوع الجبرية للعقارات المقررة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
و القانون قد جعل أثر واحد للمزاد دون النظر إلى الوضع الذي تم فيه المزاد (هل كان بعد التطهير   أو التخلية)،و تترتب آثار البيع بالمزاد العلني على أساس فكرة رئيسية واحدة هي أن الحائز يبقى مالكاً للعقار المرهون إلى تاريخ رسو المزاد،و حكم المزاد ناقل للملكية من الحائز إلى من رسا عليه المزاد،فإذا لم يختر الحائز أن يقضي الديون أو يطهر العقار أو يتخلى عنه،فلا يجوز للدائن المرتهن أن يتخذ في مواجهته نزع الملكية وفقاً لأحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إلا بعد إنذاره بدفع الدين المستحق أو تخلية العقار،و يكون الإنذار بعد التنبيه على المدين بنزع الملكية أو مع هذا التنبيه في وقت واحد،و هو ما نصت عليه المادة 923 قانون مدني.
فإجراءات البيع في مواجهة الحائز تبدأ بإنذار يوجه إليه،و هذا الإنذار يسبقه أو يعاصره التنبيه على المدين بنزع الملكية،فرغم أن المدين لم يعد مالكاً للعقار المرهون إلا أنه هو المسؤول الأصلي عن الدين و التنفيذ في مواجهة الحائز سيعود بالمسؤولية عليه،لأن الحائز سيرجع عليه نتيجة بيع العقار.
من يحق له أن يدخل في المزاد؟
   يطرح العقار للمزاد العلني،و مقتضى هذا الحق أنه يحق لكل شخص التقدم للمزايدة،و مع ذلك فالمدين نفسه ليس له التقدم في المزاد لأن الأولى به أن يوفي دينه للدائن بالطريق العادي،دون أن يلجأ إلى التنفيذ على العقار المرهون و تحمل عبئ الإجراءات،و عدم قيام المدين بالوفاء اعتراف منه بالعجز عن الوفاء،فلا يحق له بعد ذلك أن يدعي القدرة على دفع الثمن الذي يرسو عليه المزاد،أما الحائز هو غير المدين فيحق له أن يدخل المزاد لأن من حقه أن يحتفظ بملكية العقار بكل وسيلة ممكنة،فله أن يلجأ إلى التطهير فإذا لم يقبل عرضه كان له دخول المزاد (المادة 925 قانون مدني)،لكن شرط ألا يعرض فيه ثمناً أقل من الباقي في ذمته من ثمن العقار الجاري بيعه،فإذا كان قد اشترى العقار و بقي في ذمته جزء من الثمن فلا يجوز له أن يعرض ثمناً للعقار أقل من هذا الجزء.
مركز من يرسو عليه المزاد.
أ-إذا تقدم الحائز للمزايدة و رسا عليه المزاد تأكدت ملكيته للعقار و يظل مالكاً له على أساس سند ملكيته الأصلي،فرسو المزاد لا ينقلها له و لكنه يؤكدها،و هذا ما نصت عليه المادة 926 قانون مدني،و يترتب على هذا أنه لا يجب تسجيل حكم مرسى المزاد،و بالتالي لا يجب دفع رسوم تسجيل جديدة إلا أنه يجب التأشير بحكم مرسى المزاد على هامش تسجيل سند الحيازة؛
ب-إذا رسا المزاد على شخص آخر فإنه يكتسب ملكيته بمقتضى حكم مرسى المزاد و الملكية تنتقل إليه من الحائز (المادة 927 قانون مدني)،و في حالة زيادة الثمن الذي رسا به المزاد على ما هو مستحق للدائنين المقيدة حقوقهم كانت الزيادة للحائز.
مركز العقار بعد رسو المزاد.
   طبقاً لنص المادة 926 قانون مدني يتطهر العقار من كل حق مقيد إذا دفع الحائز الثمن الذي رسا به المزاد أو أودعه و يمتد هذا الحكم بطبيعة الحال إلى الفرض الآخر الذي يرسو فيه المزاد على شخص آخر غير الحائز،و فيما يخص مركز العقار فإنه إذا رسا العقار على الحائز تطهر العقار من الرهن الذي ينشأ من المدين أو المالك السابق،دون الرهن الذي نشأ من الحائز.
و إذا رسا المزاد على غير الحائز تطهر العقار من كل رهن نشأ من المدين أو المالك السابق أو الحائز نفسه،و على هذا فالأصل أن يتطهر العقار من كل حق مقيد عند رسو المزاد.
و الاستثناء أنه تبقى بعض الحقوق في مواجهة الحائز أو لمصلحته.



مسؤولية الحائز و حقه في الضمان.
   الحائز مالك للعقار المرهون و مع ذلك فهو مسؤول على المحافظة عليه في مواجهة الدائنين،و قد نصت المادة 932 قانون مدني على أن "الحائز مسؤول شخصياً قِبل الدائنين عما يصيب العقار من تلف بخطئه"،ففكرة الخطأ تتحدد على ضوء حقوق الدائنين على العقار المرهون،فالدائن المرتهن من حقه أن يجد الرهن سليماً عند التنفيذ عليه،و لذلك فيجب المحافظة عليه.
كذلك الأصل أن الحائز يحصل على ثمار العقار المرهون باعتباره مملوكاً له،إلا أن حقه في الثمار ينتهي عندما يشرع الدائن المرتهن في التنفيذ فتلحق الثمار بالعقار،و هو ما نص عليه المشرع في المادة 930 قانون مدني،إلا أن مسؤولية الحائز يقابلها حقه في الضمان فإذا نزعت ملكية الحائز أو اضطر في سبيل المحافظة على ملكيته أن يقضي الديون أو يطهر العقار أو يشتريه بالمزاد العلني عند التنفيذ،كان له الحق في الرجوع على المالك السابق الذي تلقى منه الملكية بدعوى الضمان (المادة 931 قانون مدني)     أو أن يرجع بدعوى الإثراء بلا سبب أو بدعوى الحلول.
إنقضاء الرهن الرسمي.
   ينقضي الرهن بصفة تبيعة لانقضاء الدين المضمون،كما ينقضي بصفة أصلية استقلالاً عن الدين.
أولاً:انقضاء الرهن بصفة تبعية.
     تنص المادة 933 قانون مدني ينقضي حق الرهن الرسمي بانقضاء الدين المضمون و يعود إذا زال السبب الذي انقضى به الدين دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد اكتسبها في الفترة ما بين انقضاء الحق و عودته،فهذا النص تطبيق للفكرة العامة في التبعية و مقتضاها أنه يتبع الرهن الدين المضمون في نشأته و في انقضائه،ما نص عليه المشرع في المادة 893 قانون مدني،و على هذا لا يتصور أن يبقى الرهن قائماً بعد انقضاء الدين المضمون لأي سبب من الأسباب إلا أنه ينبغي حتى ينقضي الرهن انقضاء الدين المضمون كلية،أما إذا انقضى الدين المضمون انقضاءاً جزئياً بقي الرهن قائماً تطبيقاً لمبدأ عدم تجزئة الرهن،فكل جزء من الدين يضمنه العقار (المادة 892 قانون مدني)؛ و أسباب انقضاء الدين متعددة يرجع في شأنها إلى القواعد العامة.
انقضاء الرهن بصفة أصلية.
    ينقضي الرهن بصفة أصلية حتى مع بقاء الدين المضمون بتطهير العقار أو ببيعه بالمزاد العلني،      و التطهير و البيع بالمزاد العلني كلاهما يعطي ثمناً مقابلاً للعقار،لكن هذا الثمن قد لا يكفي لوفاء الديون جميعاً،فقد تبقى بعض الديون دون وفاء بها،و مع ذلك ينقضي كل رهن على عقار و هذا ما نصت عليه المواد: 921، 934 قانون مدني،كذلك تنازل الدائن المرتهن بالرجوع إلى القواعد العامة يجوز للشخص التنازل عن حقوقه و لكن يلزم لمحو القيود أن يتم التنازل في ورقة رسمية أو في حكم من القضاء،و يعتبر النزول عن الرهن تبرعاً و لهذا يجب أن تتوفر في الدائن أهلية التبرع.
اتحاد الذمة: إذا انتقلت ملكية العقار المرهون إلى المرتهن أو انتقل حق الرهن إلى المالك للعقار المرهون فإن الرهن ينقضي بسبب اتحاد الذمة لأنه لا فائدة لأن يكون للشخص رهن على ما يملكه.
هلاك العقار المرهون: إذا هلك العقار المرهون انقضى الرهن لاستحالة محله،و قد رأينا أنه حسب المادة 899 قانون مدني يترتب على هلاك العقار المرهون سقوط أجل الدين،أو تقديم تأمين جديد للدائن،و يكون الخيار بين الأمرين إما للدائن إذا كان الهلاك بخطأ المدين،أو للمدين إذا كان الهلاك بسبب أجنبي،و رأينا أنه بمقتضى المادة 900 قانون مدني إذا هلك العقار المرهون و حلّ محله شيء آخر،كمبلغ التعويض أو التأمين أو نزع الملكية انتقل حق الدائن إلى ما حلّ محله.







حق التخصيص.
التعريف بحق التخصيص.
   التأمينات العينية تتفق في أساس فكرتها و هي منح صاحب الحق العيني التبعي الأولوية على مال مملوك لمدنيه أو لغيره و إن اختلفت في الصياغة القانونية التي تحقق هذا الهدف،و حق التخصيص لا يختلف عن الرهن الرسمي إلا في مصدر الحق فإذا كان الرهن الرسمي مصدره العقد فإن حق التخصيص مصدره القضاء،و قد عالج المشرع الجزائري أحكام التخصيص في الباب الثاني من الكتاب الرابع من التقنين المدني،فخصصت له المواد من 937 إلى 947 قانون مدني.
   لم يعرف المشرع حق التخصيص لكن يمكن تعريفه بأنه حق عيني تبعي يتقرر بأمر من رئيس المحكمة لصالح الدائن على عقار أو أكثر من عقارات مدينه، بناءاً على حكم واجب التنفيذ صادر له بالتزام مدينه بالدين و يخول له ميزتي التقدم و التتبع بالنسبة لتلك العقارات،فحق التخصيص كالرهن الرسمي لأنه حق عيني تبعي، و هو حق عقاري لا يتقرر إلا على عقار،و له نفس الأثر فيرتب لصاحبه ميزتي التقدم و التتبع،و حق التخصيص يعتبر نوعاً من الإجراءات التحفظية يلجأ إليها الدائن ليضمن تنفيذ الحكم الصادر له ضد مدينه فيتجنب خطر تصرف المدين في عقاراته،إذ يستطيع تتبعها في أي يد تنتقل إليها تلك العقارات رغم تصرف مدينه فيها مما يغنيه عن استعمال الدعوى البوليصية.و يعفيه من إثبات غِش المدين إذ قد يكون في كثير من الأحيان متعذراً إثباته.
    حق التخصيص يجعل أحد الدائنين العاديين مفضل على بقيتهم بسبب مبادرة هذا الدائن إلى الحصول على حكم من القضاء بدينه،فهذا هو سند أفضليته بخلاف الرهن الرسمي الذي يبرم بإرادة الطرفين.
و قسم التقنين المدني الباب المخصص لحق التخصيص إلى فصلين: الأول تناول إنشاء حق التخصيص، أما الفصل الثاني فخصصه لآثار حق التخصيص و إنقاصه و انقضائه.


الفصل الأول: إنشاء حق التخصيص.
   يتقرر حق التخصيص للدائن الذي بيده حكم ضد مدينه على عقار مملوك لهذا الأخير بأمر من القاضي،و يجب شهر هذا الحق بالقيد حتى ينفذ في مواجهة الغير،و لتقرير هذا الحق لابد للدائن من القيام بإجراءات معينة،و يتضح من ذلك أنه لابد من توافر شروط موضوعية معينة و إتباع إجراءات خاصة لإنشاء حق التخصيص.
المبحث الأول: الشروط الموضوعية للحصول على حق التخصيص.
   تنص المادة 937 قانون مدني على أنه "يجوز لكل دائن بيده حكم واجب التنفيذ صادر في أصل الدعوى يلزم المدين بشيء معين،أن يحصل على حق تخصيص بعقارات مدينه ضماناً لأصل الدين    و المصاريف،و لا يجوز للدائن بعد موت المدين أخذ تخصيص على عقار في تركته"؛
    كما تنص المادة 940 من القانون المدني على أنه "لا يجوز أخذ التخصيص إلا على عقار       أو عقارات معينة مملوكة للمدين وقت قيد هذا الحق و جائز بيعها بالمزاد العلني"؛
     يتضح من هذين النصين أنه يجب توافر أربعة شروط،و هي:
أولاً: الدائن الذي يحصل على حق التخصيص.
    يستطيع أي دائن الحصول على حق تخصيص على عقارات مدينه بصرف النظر عن مصدر دينه،   و أياً كان مصدر هذا الدين فيستوي أن يكون المصدر عملاً قانونياً أو فعلاً ضاراً أو نافعاً أو نص قانوني،كما قد يكون محل حق الدائن مبلغ من النقود أو عمل أو امتناع عن عمل،على أنه يشترط أن يكون حق الدائن ثابت بمقتضى حكم قضائي فلا يكفِ أن يكون الحق ثابتاً بعقد رسمي،و لم يشترط المشرع في الدائن طالب حق التخصيص أن يكون حسن النية خلافاً للمشرع المصري،و على ذلك فلو باع المدين عقاراً ثم حصل الدائن على حق التخصيص على هذا العقار و هو عالم ببيعه أي سيء النية ثم قام بقيد حق التخصيص قبل تسجيل البيع فإن حق التخصيص ينفذ في حق المشتري.

ثانياً: الحكم الذي يحصل بمقتضاه على حق التخصيص.
   طبقاً لنص المادة 937 قانون مدني يلزم توافر في الحكم الذي يجوز بمقتضاه الحصول على حق التخصيص الشروط الآتية:
1-أن يكون حكماً قضائياً: فالدائن لا يستطيع الحصول على حق التخصيص إلا بمقتضى حكم قضائي يقرر حقه الثابت،و الحكم القضائي هو القرار الصادر من جهة ذات ولاية قضائية،فإذا كان حق الدائن مقرر بعقد رسمي فإنه لا يصلح للحصول بمقتضاه على حق التخصيص،و لا يعتبر حكماً في هذا الشأن الحكم بصحة التوقيع أو الحكم الصادر في دعوى مضاهاة الخطوط،و قد قرر المشرع في المادة 939 قانون مدني  أنه يجوز الحصول على حق تخصيص بناءاً على حكم يثبت صلحاً أو اتفاقاً تم بين الطرفين،و طبقاً لهذا النص فإن الأحكام الصادرة بالتصديق على محضر الصلح يجوز أخذ حق التخصيص بمقتضاها،كما يمكن الحصول على حق تخصيص بناءاً على حكم يصدر بناءاً على اتفاق الخصوم أمام القضاء،كالحكم المثبت لاتفاق على قسمة تمت بين الشركاء أمام المحكمة،و قد أجاز المشرع بمقتضى المادة 938 قانون مدني جواز الحصول على حق تخصيص بناءاً على حكم صادر من محكمة أجنبية أو على قرار صادر من محكمين بشرط أن يكون الحكم أو القرار واجب التنفيذ.
2-يجب أن يكون الحكم واجب التنفيذ: الحكم الواجب التنفيذ هو الذي يكون حائزاً لقوة الشيء المقضي فيه، أي استنفذ الطعن فيه بطرق الطعن العادية،و هي: الاستئناف أو المعارضة،       و يكون قابلاً للطعن فيه لكنه مشمول بالنفاذ المعجل الذي يقرره القانون أو بحكم المحكمة.فإذا لم يكن مشمولاً بالنفاذ المعجل و حائزاً لقوة الشيء المقضي فيه فلابد من انتظار فوات مدة الطعن بالمعارضة و الاستئناف.
3-الحكم الصادر في موضوع الدعوى،و يلزم المدين بشيء معين: نصت عليه المادة 937 قانون مدني،فيلزم أن يتوافر في الحكم الذي يحصل بمقتضاه الدائن على حق تخصيص شرطان: أن يكون صادراً في موضوع الدعوى،و أن يكون ملزماً للمدين بشيء معين.
أ-الأصل أن الحكم الذي يؤخذ بمقتضاه حق تخصيص يجب أن يكون صادراً في موضوع الدعوى،    و على ذلك تستبعد الأحكام الخاصة بسير الدعوى أو بإجراءات الإثبات،كالأحكام التحضيرية الصادرة بتعيين حارس قضائي،أو الحكم بإحالة على التحقيق في موضوع الدعوى،و الأحكام الوقتية،   و الحكم بندب خبير أو توجيه اليمين،إذ أن هذه الأحكام خارجة عن موضوع الدعوى.
ب-يجب أن يكون الحكم ملزم للمدين بأداء شيء معين سواء كان هذا الأداء بدفع مبلغ من النقود  و هو الغالب،أو يكون بعمل أو امتناع عن عمل،و في الحالتين الأخيرتين فإن حق التخصيص يضمن التعويض عن الإخلال بالالتزام،و يتولى رئيس المحكمة الذي يصدر أمر تقرير التخصيص تحديد المبلغ الذي يؤخذ به التخصيص في هاتين الحالتين (المادة 941 فقرة 2 قانون مدني).
ثالثاً: الأموال التي يتقرر عليها حق التخصيص.
  سبق القول أن حق التخصيص كالرهن الرسمي لا يتقرر إلا على عقار،و بناءاً على ذلك نصت المادة 940 قانون مدني على أنه:
1-يجب في المال الذي يؤخذ به حق التخصيص أن يكون عقاراً معيناً أو عقارات معينة؛
2-أن يكون العقار مملوكاً للمدين وقت تقرير حق التخصيص و وقت قيد هذا الحق،و على ذلك فإن ملكية المدين للعقار وقت القيد تغني عن استلزام هذا الشرط عند الحصول على حق التخصيص،لأن التسجيل يتم قبل قيد التخصيص؛
3-يشترط في العقارات المأخوذ عليها حق تخصيص أن يكون جائز بيعها بالمزاد العلني،و بعبارة أخرى تكون من العقارات الجائز رهنها رهن رسمي؛
رابعاً:الوقت الذي يجوز فيه أخذ حق التخصيص.
   متى توافرت الشروط السابق بيانها فإن الدائن يستطيع الحصول على حق تخصيص على عقارات المدين المحكوم عليه في أي وقت،غير أن المشرع نص على عدم جواز أخذ حق تخصيص على عقار بعد موت المدين (المادة 937 فقرة أخيرة من القانون المدني).


المبحث الثاني: إجراءات الحصول على حق التخصيص.

حق التخصيص يتقرر بأمر القاضي.
    لا يتقرر حق التخصيص بقوة القانون بل يستلزم أن يستصدر الدائن الأمر به من رئيس المحكمة،  و هي المحكمة التي يقع بدائرة اختصاصها العقار المطلوب تقرير التخصيص عليه،و إذا كانت العقارات المطلوب تقرير التخصيص عليها واقعة في دوائر عدة محاكم وجب التقدم  بطلب تخصيص إلى كل رئيس محكمة من هذه المحاكم (المادة 941 فقرة1 قانون مدني).
كيفية الحصول على الأمر بالتخصيص.
  تبدأ الإجراءات بأن يقدم الدائن عريضة إلى رئيس المحكمة الكائن بدائرتها العقار،و يجب إرفاق صورة رسمية من الحكم الذي بمقتضاه يأخذ حق تخصيص أو بشهادة من قلم كتاب المحكمة مدون فيها منطوق الحكم طبقاً لنص المادة 941 قانون مدني.
و تتمثل البيانات فيما يلي:
-اسم الدائن ، لقبه ، مهنته و موطنه الأصلي، و الموطن المختار الذي يعينه في البلدة التي يقع فيها مقر المحكمة؛
-اسم المدين ، لقبه ، مهنته و موطنه...؛
-تاريخ الحكم و بيان المحكمة التي أصدرته؛
-مقدار الدين،فإن كان الدين المذكور في الحكم غير محدد المقدار،تولى رئيس المحكمة تقديره مؤقتاً     و عين المبلغ الذي يؤخذ به حق التخصيص؛
-تعيين العقارات تعييناً دقيقاً، و بيان موقعها مع تقديم الأوراق الدالة على قيمتها.
و يلاحظ أنه فضلاً عن هذه البيانات يجب أن تقدم مع العريضة الأوراق الدالة على قيمة العقارات المطلوب أخذ تخصيص بشأنها حتى يستطيع القاضي أن يقرر مدى تناسب هذه العقارات مع الدين المراد ضمانه،فلا يثقل التخصيص عقارات المدين أكثر من القدر اللازم لهذا الضمان،و ليس من اللازم أن تكون هذه الأوراق قاطعة ببيان قيمة هذه العقارات على وجه الدقة،بل يكفِ أن تكون هذه القيمة بوجه تقريبي.
سلطة رئيس المحكمة.
   ينظر رئيس المحكمة في طلب التخصيص بمقتضى سلطته الولائية دون حاجة إلى إحضار المدين،و له أن يأمر بالتخصيص أو برفضه وفق ما يرى من توافر جميع الشروط التي سبق بيانها أو من عدم توافرها،و لرئيس المحكمة إذا ما رأى أن شروط تقرير التخصيص متوافرة سلطة تقديرية بالنسبة لتحديد العقارات التي يوقع عليها التخصيص و بالنسبة لتحديد مقدار الدين إن لم يكن محدداً في الحكم،و قد نصت على تلك الأحكام المادة 942 قانون مدني.
و قد راعت الإرادة التشريعية أن تكون العقارات التي يوقع عليها التخصيص متناسبة مع دين الدائن حتى لا يعطل التخصيص قدرة المدين المالية و الائتمانية،فإذا وافق رئيس المحكمة على تقرير التخصيص دُوِّن أمره في ذيل العريضة (المادة 942 قانون مدني)،و عليه أن يبيِّن في الأمر العقارات التي أذِن بالتخصيص بها،و المبلغ الذي يكون التخصيص ضامناً للوفاء به.
إعلان الأمر بالتخصيص.
   نصت المادة 943 قانون مدني على أنه" يجب على قلم الكُتَّاب إعلان المدين بالأمر الصادر بالتخصيص في نفس اليوم الذي يصدر فيه هذا الأمر".
فطبقاً لهذا النص،يجب على قلم كتابة المحكمة أن يقوموا بإخطار المدين بالأمر بالتخصيص،إذ أنه يصدر في غيابه،و قد اشترط القانون أن يتم ذلك في نفس اليوم الذي صدر فيه الأمر بالتخصيص حتى يستطيع المدين أن يتظلم من الأمر إذا كان له وجه في ذلك.
وقد أوجب القانون في المادة 943 قانون مدني أيضاً على قلم الكتاب أن يؤشر بهذا الأمر على صورة الحكم أو على الشهادة المرفقة بالطلب المقدم لأخذ التخصيص،و أن يخطر قلم كتاب المحكمة الصادر منها الحكم للتأشير بذلك على كل صورة أو شهادة أخرى يسلمها للدائن،وذلك حتى يتعذر على الدائن أن يحصل على تخصيصات متعددة من محاكم مختلفة على عقارات تقع في دوائر هذه المحاكم دون أن تعلم كل محكمة بما أعطته المحاكم الأخرى.
التظلم من قرار رئيس المحكمة.
قرار رئيس المحكمة بتقرير حق التخصيص أو برفضه ليس نهائياً لذا يجوز لكل من المدين و الدائن التظلم منه.
1)تظلم المدين.
    أسباب تظلم المدين عديدة منها أن يكون الدين المحكوم به قد انقضى بالوفاء مثلاً بعد صدور الحكم به،و أن يكون الحكم قد طعن فيه بالنقض أو أن تكون العقارات التي وقع عليها التخصيص تزيد قيمتها بكثير عن قيمة الدين و في هذه الأخيرة يكون التظلم لإنقاص التخصيص فقط و ليس لإلغائه،و حق المدين في التظلم نصت عليه المادة 944 قانون مدني،و طبقاً للفقرة الثانية منها فإنه إذا كان التخصيص قد تم قيده فعلاً وجب أن يؤشر على هامش القيد بكل أمر أو حكم قضى بإلغاء الأمر الصادر بالتخصيص،و العلة أن الإرادة التشريعية قد أجازت للمدين أن يتظلم من الأمر الصادر بالتخصيص إلى القاضي الذي أصدره و لم يجز هذا للدائن عند تظلمه في الأمر برفض طلبه،بل جعل الاختصاص في هذا للمحكمة وحدها،لأن الأمر بالتخصيص يصدر في غير مواجهة المدين و دون سماع أقواله فهناك احتمال لأن يتراجع القاضي نفسه عن أمره إذا سمع أقوال المدين،أما في حالة الرفض فاحتمال عدول القاضي عن رفضه ضعيف .
2)تظلم الدائن.
   إذا رفض رئيس المحكمة طلب التخصيص رغم توافر شروطه أو إذا ألغى تخصيصاً سبق توقيعه بناءاً على تظلم المدين،فإن التظلم أمام رئيس المحكمة يكون عديم الجدوى لأنه قد سبق النظر في الموضوع مرة أو مرتين و لذلك جعل القانون تظلم الدائن مباشرة أمام المجلس القضائي،و تقرر هذا الحكم المادة 945 قانون مدني "إذا رفض رئيس المحكمة طلب التخصيص جاز للدائن أن يتظلم من أمر الرفض إلى المجلس القضائي"،و يكون التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام المجلس القضائي،فإذا صدر قرار المجلس القضائي بتوقيع التخصيص فإنه يقيد إذا لم يكن قد سبق قيده،أما إذا كان سبق قيده ثم مُحِي القيد لإلغاء التخصيص نتيجة تظلم المدين ثم تقرر التخصيص مرة أخرى بقرار المجلس القضائي فإن محو التخصيص يُشطب (يلغى) و تعود للتخصيص مرتبته القديمة، على ألا يضر ذلك بحقوق الدائنين التي اكتسبت في الفترة ما بين محو التخصيص و إلغاء هذا المحو.
















الفصل الثاني: آثار حق التخصيص و انقضاؤه.

أولاً: آثار حق التخصيص (إحالة على آثار الرهن الرسمي).
     فآثار حق التخصيص الذي تم قيده هي آثار الرهن الرسمي،و نصت على ذلك المادة 947 قانون مدني "تكون للدائن الذي حصل على حق التخصيص نفس الحقوق التي للدائن الذي حصل على رهن رسمي و يسري على التخصيص ما يسري على الرهن الرسمي من أحكام و خاصة ما يتعلق بالقيد و تجديده و شطبه و عدم تجزئة الحق و أثره و انقضائه،و ذلك كله مع عدم الإخلال بما ورد من أحكام خاصة"، من هذا النص يتضح أن حق التخصيص كالرهن الرسمي يجب قيده حتى يسري في مواجهة الغير،و بذلك يستطيع صاحب حق التخصيص مباشرة حق التقدم و حق التتبع،فالتخصيص يمنح للدائن حقاً عينياً تبعياً كالرهن الرسمي.
     و تسري على حق التخصيص أحكام القيد و تجديده و شطبه وفق ما سبق بيانه عند دراسة الرهن الرسمي،أما مرتبة التخصيص فتتحدد بالنسبة لسائر الحقوق المسجلة على العقار وفقاً لترتيب قيده،كما يسري على حق التخصيص ما يسري على الرهن الرسمي من حيث آثاره في علاقة المدين              و الدائن،فمالك العقار المثقل بحق تخصيص يكون له نفس حقوق مالك العقار المرهون رهناً رسمياً،و في حالة انتقال العقار المقرر عليه حق تخصيص إلى الحائز فإن لهذا الحائز نفس حقوق حائز العقار المرهون رهناً رسمياً.
ثانياً :إنقاص حق التخصيص.
     تنص المادة 946 قانون مدني على أنه "يجوز لكل ذي مصلحة أن يطالب إنقاص التخصيص إلى الحد المناسب إذا كانت الأعيان التي رتب عليها هذا الحق تزيد قيمتها على ما يكفي لضمان الدين،   و يكون إنقاص التخصيص إما بقصره على جزء من العقار أو العقارات التي رتب عليها،أو بنقله إلى عقار آخر تكون قيمته كافية لضمان الدين،و أما المصاريف اللازمة لإجراء الإنقاص تكون على  من طلب الإنقاص و لو تم بموافقة الدائن".
    يتضح من هذا النص أن الإرادة التشريعية قد حرصت على تحقيق التناسب بين الدين المضمون        و العقار المثقل بالتخصيص، و حق طلب الإنقاص مقرر لكل ذي مصلحة فهو غير مقصور على المدين فيحق للدائن صاحب التأمين العيني المتأخر في المرتبة أو الدائن العادي أو الحائز للعقار المثقل بالتخصيص،و موضوع التناسب بين الدين و العقار متروك لتقدير القاضي، و يكون الإنقاص إما بقصره على جزء من العقار أو العقارات التي رتب عليها من قبل أو بنقله إلى عقار آخر مملوك للمدين و تكفي قيمته لضمان الدين،و يجب التأشير على هامش القيد الأصلي و ذلك إذا تم الإنقاص عن طريق قصره على بعض العقارات أو على جزء منها،أما إذا نقل التخصيص إلى عقار غير العقار المقرر عليه في الأصل فيجب إجراء قيد جديد على هذا العقار.
انقضاء حق التخصيص.
  حق التخصيص ينقضي بنفس الأسباب التي ينقضي بها الرهن الرسمي سواء كان بطريقة أصلية      أو بطريقة تبعية،أضف إلى ذلك فإنه ينقضي:
1- إذا صدر أمر التخصيص بناءاً على حكم نهائي ثم طُعن في هذا الحكم بطريق من طرق الطعن غير العادية و تم إلغاء هذا الحكم فإن حق التخصيص يسقط و للمدين طلب محوه،و كذلك إذا تقرر بناءاً على حكم مشمول بالنفاذ المعجل ثم ألغي بالمعارضة أو الاستئناف؛
2-إذا تقرر حق تخصيص بأمر من رئيس المحكمة و تظلم المدين إلى القاضي الذي أصدره و تم قبول هذا التظلم، فإنه يقضي بإلغاء الأمر الصادر بالتخصيص (المادة 944 فقرة 2 قانون مدني).





الرهن الحيازي (المواد من 948 إلى 981 قانون مدني).
      عرفت المادة 948 قانون مدني الرهن الحيازي بأنه "عقد يلتزم به شخصٌ ضماناً لدين عليه     أو على غيره،أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان،شيئاً يرتب عليه للدائن حقاً عينياً يخوِّله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين،و أن يتقدم الدائنين العاديين و الدائنين التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون".
     ما يلاحظ على المادة أنها تضمنت تعريف الرهن الحيازي باعتباره مصدراً لحق الرهن،فعبارة الرهن الحيازي تطلق إما على العقد باعتباره مصدراً للحق و إما على الحق العيني ذاته الذي أنشأه هذا العقد،و قد تضمن النص في ذات الوقت تعريفاً لحق الرهن الحيازي عن طريق بيان مضمونه بنصه "يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين و أن يتقدم الدائنين العاديين و الدائنين التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون"،أهم ما يتميز به الرهن الحيازي هو انتقال الحيازة من الراهن إلى المرتهن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان،و المرتهن يصبح حائزاً للشيء المرهون        و صاحب حق في حبسه حتى يستوفي دينه؛
      يشترك حق الرهن الحيازي مع حق الرهن الرسمي في أنه حق عيني تبعي لا يتجزأ و في أن مصدره لا يكون إلا العقد،فهو حق عيني لأنه يخوِّل الدائن المرتهن سلطة مباشرة على مال معين،و هو حق تبعي لأنه لا يوجد لذاته بل لضمان حقٍ آخر،و الرهن الحيازي عقد رضائي لا يشترط لانعقاده أي شكل خاص،فيتم بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين؛
     و لقد أحال المشرع في المادة 950 قانون مدني إلى بعض أحكام الرهن الرسمي المواد:
-المادة 891 قانون مدني: المتعلقة بجواز ضمان الدين المعلق على شرط،أو الدين المستقبلي،أو دين احتمالي؛
-المادة 893 قانون مدني: التي تقرر تبعية الرهن للدين المضمون في صحته و انقضائه؛
-المادة 904 قانون مدني: المتعلقة بضرورة القيد حتى ينفذ في حق الغير.

أهلية الراهن و المرتهن.
    الراهن قد يكون هو المدين و قد يكون شخص آخر غير المدين (كفيل عيني)،و الرهن الحيازي بالنسبة للراهن المدين هو عمل من أعمال التصرف الدائرة بين النفع و الضرر لذا تلزم في الراهن توافر أهلية التصرف في الشيء المرهون،أما إذا كان الراهن شخص آخر غير المدين فيطلب فيه الأهلية الكاملة (أهلية التبرع)،أما الدائن المرتهن رهن حيازي فهو بموجب العقد يتلقى حق الرهن و حيازته للشيء المرهون ترتب عليه التزامات بصيانة الشيء المرهون و استغلاله و رده عند انقضاء الرهن مما يجعل عقد الرهن بالنسبة إليه تصرفاً يدور بين النفع و الضرر و ليس نافعاً نفعاً محضاَ كالرهن الرسمي، لذا لا يكفِ أن يكون مميزاً بل يجب أن يكون كامل الأهلية.
    و يخضع إثبات الرهن الحيازي للقواعد العامة،و المعمول في تطبيق القواعد العامة قيمة المال المرهون لا قيمة الدين المضمون،فلا يجوز إثبات الرهن بشهادة الشهود متى كانت قيمة المال المرهون تجاوز 100.000د.ج،و لو كانت قيمة الدين لا تتجاوز ذلك (المادة 333 قانون مدني).
محل الرهن الحيازي.
     لقد نصت المادة 949 قانون مدني على أن "محل الرهن الحيازي يكون منقولاً أو عقاراً يمكن بيعه استقلالاً بالمزاد العلني"،فجميع الأشياء كلها من عقار و منقول يمكن رهنها حيازياً و ذلك على خلاف الرهن الرسمي الذي لا يرد إلا على عقار، و جميع المنقولات يجوز رهنها رهن حيازة ما دامت قابلة للحيازة و قابلة للبيع بالمزاد العلني، سواء أكانت منقولات مادية أو معنوية.
ملحقات المال المرهون.
    لم يرد في باب الرهن الحيازي نص يقابل نص المادة 887 قانون مدني و الذي يمد الرهن الرسمي إلى ملحقات المال المرهون،و مع ذلك فمن المسلم به أن الرهن الحيازي يمتد هو الآخر إلى ملحقات المال المرهون و ذلك بالقياس على الرهن الرسمي،و بالاستناد إلى المادة 951 فقرة 2 قانون مدني        "...و يسري على الالتزام بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع"،و من المعروف أن القواعد العامة في البيع أن التسليم يشمل ملحقات الشيء المبيع و كل ما أعد له،و بناءاً على ذلك إذا كان المال المرهون عقار اشتمل الرهن ملحقاته التي تعتبر عقارات بالتخصيص،التحسينات،الإنشاءات و حقوق الارتفاق،و يدخل في رهن المنقول ما يعتبر من ملحقاته حسب طبيعة المنقول،فرهن السيارة أو الآلة الميكانيكية يمتد لما يلزم لاستعمالها أو استغلالها.
رهن الشيء الواحد لأكثر من دين.
    يجوز رهن الشيء الواحد لأكثر من دين،و نصت على ذلك المادة 961 فقرة 2 قانون مدني      "...و يجوز أن يكون الشيء المرهون ضامناً لعدة ديون".
شروط الشيء المرهون.
    الشيء المرهون سواء كان عقاراً أو منقول يجب أن تتوافر فيه شروط معينة حتى يمكن رهنه حيازياً:
1-أن يكون الشيء المرهون معيناً (المادة 94 قانون مدني)؛
2- أن يكون الشيء المرهون مما يصح التعامل فيه و بيعه بالمزاد العلني؛
3-وجود الشيء المرهون وقت الرهن،فيجب أن يكون الشيء المرهون موجود وقت الرهن،فرهن الأشياء المستقبلية رهناً حيازياً باطل بطلان مطلق؛
4-ملكية الراهن للمال المرهون،يمكن للدائن المرتهن أن يكتسب حق الرهن الحيازي لمنقول متى حازه بحسن نية،و يجوز له أن يتمسك بهذا الحق ضد المالك الحقيقي،و أن يحبس عنه المنقول المرهون إلى أن يستوفي كامل حقه المضمون بالرهن،و أن يكون للمالك الحقيقي الرجوع على الراهن بتعويض ما أصابه من ضرر بسبب الرهن.
رهن المال المشاع رهن حيازي.
    رهن الشريك حصته الشائعة،طبقاً لنص المادة 714 قانون مدني،فالشريك يملك حصته ملكاً تاماً فيمكنه التصرف فيها و من ثمَّ يكون رهن حصته رهناً صحيحاً،لكن هل يمكن تحقيق الحيازة بالنسبة للحصة الشائعة حتى يسري هذا الرهن في مواجهة الغير؟ يمكن تحقيق الحيازة بالنسبة للحصة الشائعة بوسائل متعددة منها أن يتفق الراهن و المرتهن و سائر الشركاء على تسليم المال إلى أحد الشركاء يقبل حيازة الحصة المرهونة نيابة عن المرتهن،لأن المادتين 948 و 961 تجيز أن يكون الشيء المرهون في يد أجنبي يرتضيه الطرفان،و يجوز أيضاً اتفاق الجميع على تسليم الشيء المرهون (الحصة الشائعة إلى الدائن المرتهن)،و رغم أن القانون المدني لم يتضمن حكماً يماثل الحكم الخاص بالرهن الرسمي إلا أنه يمكن تطبيق نصوص الرهن الرسمي على الرهن الحيازي.
آثــــــــــــار الــــــرهن الحيــــــــازي.
     حق الرهن ينشأ لمصلحة الدائن المرتهن بمجرد إبرام عقد الرهن الحيازي دون حاجة إلى تأخير ذلك إلى وقت تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الأجنبي الذي يعينه المتعاقدان،و إلى اتخاذ الإجراءات الأخرى اللازمة لنفاذ الرهن في مواجهة الغير.
أولاً:آثار الرهن الحيازي فيما بين المتعاقدين.
     عقد الرهن الحيازي من العقود الملزمة لجانبين يترتب على نشوئه التزامات على عاتق كل من الراهن    و المرتهن،و هذه الالتزامات مؤسسة على انتقال الحيازة من الراهن إلى المرتهن،و تسليم الشيء المرهون مع ضمانه لسلامة الرهن و نفاذه،و المرتهن يقع على عاتقه الالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون،     و إدارته و استثماره.ثم يلتزم برده عند انقضاء الرهن.
I) التزامات الراهن و حقوقه.
1)التزامات الراهن.
    يلتزم الراهن بترتيب حق الرهن كما يلتزم أيضاً بتسليم المال المرهون للمرتهن،و بضمان سلامة الرهن   و نفاذه، و بضمان هلاك المرهون أو تلفه:
أ-الالتزام بترتيب حق الرهن.
     ينشىء عقد الرهن الحيازي التزاماً بإنشاء حق الرهن على عاتق الراهن،على أن هذا الالتزام ينفذ بمجرد إتمام العقد بقوة القانون إذا كان الشيء المرهون معين بالذات،أما إذا لم يكن الشيء المرهون معيناً بذاته فإن الراهن يلتزم بترتيب حق الرهن.فإذا كان المرهون من الأشياء المثلية المعينة بالنوع التزم الراهن بالإفراز.
ب-الالتزام بتسليم المرهون.
    نصت عليه المادة 951 قانون مدني،و التسليم في تنظيم الرهن الحيازي له أهمية كبيرة فتنفيذه شرط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير،أي شرط للاحتجاج بحق الرهن في مواجهة الدائنين الآخرين،و تسري على التزام الراهن بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع (المادة 951 فقرة 2 قانون مدني).
ج-الالتزام بضمان سلامة الرهن و نفاذه.
    نصت عليه المادة 953 قانون مدني "يضمن سلامة الرهن و نفاذه..."،فبالنسبة لضمان سلامة الرهن فيلتزم الراهن بعدم القيام بأي عمل مادي أو قانوني من شأنه أن يؤثر على حق المرتهن، فيضمن كل عمل من أعمال التعرض التي تصدر منه،و عليه المحافظة عليه إلى أن يتم تسليمه إلى المرتهن،أما بالنسبة لضمان نفاذ الرهن فيلتزم الراهن بأن يقوم بما يلزم لنفاذ الرهن في حق الغير كأن يقدم المستندات اللازمة لإجراء قيد الرهن و التصديق على توقيعه على العقد...إلخ.
د-التزام الراهن بضمان هلاك المرهون و تلفه.
    نصت المادة 954 على أنه " يضمن الراهن هلاك الشيء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعاً لخطئه أو ناشئاً عن قوة قاهرة،و يسري على الرهن الحيازي أحكام المادتين 899 و 900 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهناً رسمياً أو تلفه،و بانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حلَّ محله من حقوقه،و يتضح من نص المادة 899 و 900 قانون مدني ما يلي:
الحالة الأولى: إذا تسبب الراهن بخطئه في هلاك الشيء المرهون أو تلفه كان للدائن المرتهن الخيار بين أن يطلب تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً لسقوط الأجل؛
 الحالة الثانية: إذا كان الهلاك راجع لسبب أجنبي و لم يقبل الدائن بقاء الدين بدون تأمين كان المدين مخيراً بين أن يقدم تأميناً كافياً أو أن يوفي الدين فوراً قبل حلول الأجل؛
   *و في جميع الأحوال إذا ترتب على هلاك الشيء المرهون أو تلفه حق ما كالتعويض،أو مبلغ التأمين أو مقابل نزع الملكية للمنفعة العامة،فإن الرهن ينتقل بمرتبته إلى هذا الحق (المادة 900 قانون مدني).
*أما نفقات الرهن فتقع على الراهن و يمكن الاتفاق على خلافه.
2)حقوق الراهن.
أ-ملكية الراهن للمال المرهون.
    تظل ملكية المال المرهون للراهن فيحق له أن يتصرف تصرفاً قانونياً في المال المرهون،فيجوز أن ينقل ملكية المال المرهون كما يجوز له ترتيب حق عيني عليه،ما دام التصرف لا يضر بحق الدائن المرتهن،فيستطيع أن يرهن الشيء المرهون رهناً رسمياً أو حيازياً آخر،و من تطبيقات حق الراهن في التصرف ما نصت عليه المادة 972 قانون مدني "يجوز للراهن إذا عرضت فرصة لبيع الشيء المرهون   و كان البيع صفقة رابحة،أن يطلب من القاضي الترخيص في بيع هذا الشيء،و لو كان ذلك قبل حلول أجل الدين،و يحدد القاضي عند الترخيص شروط البيع و يفصل في أمر إيداع الثمن"؛
   أما التصرفات المادية فلا يستطيع الراهن القيام بها إذا كان من شأنها الإضرار بحق الرهن،فإذا لم تكن كذلك فيحق له القيام بها.
ب-حيازة المال المرهون.
    حيازة المال المرهون تنتقل إلى الدائن المرتهن، و حيازته تكون على سبيل الرهن أي حيازة لحق الرهن،أما حيازة حق الملكية فتظل للراهن،فالدائن المرتهن يكون حائزاً قانونياً فيما يتعلق بحق الرهن     و حائزاً عرضياً فيما يتعلق بحق الملكية،و يترتب على كون المرتهن حائزاً لحق الرهن أنه يستطيع أن يكتسب حق الرهن على أساس الحيازة إذا كان من قرر الرهن غير مالك،فإذا كان المرهون منقولاً      و حازه بحسن نية اكتسب عليه حق الرهن بمجرد حيازته استناداً إلى قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية (المادة 970 قانون المدني).
    و إذا كان المال المرهون عقاراً رهنه غير مالك كان له أن يكسب حق الرهن عليه بالتقادم الطويل (المادة 827 قانون مدني)،أو القصير إذا كان حسن النية (المادة 828 قانون مدني).


II) التزامات الدائن المرتهن.
     يلتزم الدائن المرتهن بحفظ الشيء المرهون و صيانته،كما يلتزم بإدارة الشيء المرهون،و يلتزم أيضاً باستغلال هذا الشيء حتى لا يفوت عليه نفعه،و أخيراً يلتزم المرتهن برد الشيء المرهون للراهن عند انقضاء حقه:
1)الالتزام بحفظ الشيء المرهون و حيازته.
    نصت عليه المادة 955 قانون مدني "إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه و صيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد و هو مسؤول عن هلاك الشيء أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب لا يد له فيه"،فالتزام المرتهن بالمحافظة على الشيء المرهون ينشأ من وقت انتقال حيازة الشيء إليه،و إذا كان الشيء سُلِم لأجنبي فإن هذا الالتزام يقع على عاتق هذا الأخير،  و التزام المرتهن هو التزام بعمل و المطلوب منه بذل عناية الرجل المعتاد في المحافظة على الشيء،و إذا اقتضت صيانة المال المرهون بعض الأعمال وجب على المرتهن القيام بها،و عليه أن ينفق ما يلزم ذلك من نفقات على أن يخصمها من الغلّة،و الالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون و صيانته تقتضي أن يبادر المرتهن بإخطار الراهن بكل ما يستدعي تدخله كما لو كان الشيء مهدد بالهلاك أو التلف،فإذا أخلّ الدائن المرتهن بالتزامه بحفظ الشيء و صيانته كان مسؤولاً بتعويض الراهن عن الضرر الناشئ عن هذا الإخلال.
2)الالتزام بإدارة الشيء المرهون.
    و نصت عليه المادة 958 "يتولى الدائن المرتهن إدارة الشيء المرهون و عليه أن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله الرجل المعتاد،و ليس له أن يغير من طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضاء الراهن،  و يجب عليه أن يبادر بإخطار الراهن عن كل أمر يقتضي تدخله.فإذا أساء الدائن استعمال هذا الحق أو أدار الشيء إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالاً جسيماً،كان للراهن الحق في أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة أو أن يسترده مقابل دفع ما عليه"،و يتضح من نص المادة أن الدائن المرتهن يلتزم بإدارة الشيء المرهون و أن يبذل في ذلك عناية الرجل المعتاد،فإذا كان الشيء المرهون منزلاً يحق للمرتهن أن يسكنه بنفسه أو أن يؤجره للغير،و كذلك إذا كان الشيء المرهون أرض زراعية،و في حالة ما إذا أساء الدائن استعمال هذا الحق أو أدار الشيء إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالاً جسيماً كان للراهن الحق في أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة أو أن يسترده مقابل دفع ما عليه.
3)التزام المرتهن باستثمار الشيء المرهون.
     نصت عليه المادة 956 قانون مدني،و يتضح من المادة ما يلي:
1-يلتزم الدائن المرتهن باستثمار الشيء المرهون و أن يبذل في إدارته عناية الرجل العادي،و لا يغير من الطريقة المألوفة لاستغلاله إلا برضاء الراهن،و يبادر إلى إخطار الراهن بكل ما يقتضيه أن يتدخل،فإذا أخلّ الدائن المرتهن بهذا الواجب كان للراهن أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة،كما يجوز له أن يرد الدين و يسترد الشيء المرهون (المادة 958 قانون مدني).
    ما ينتج من غلَّة يخصم من الدين و لو لم يكن قد حلَّ أجله،على أن يحتسب الخصم من قيمة ما أنفقه الدائن المرتهن في المحافظة على الشيء،ثم المصروفات،ثم من أصل الدين (الفقرة 2 من المادة 956 قانون مدني).
     الدائن المرتهن يستثمر الشيء المرهون لحساب المدين الراهن،و لكنه يحتفظ بالثمار خصماً من الدين،و هو في استثماره للشيء المرهون يكون نائباً عن الراهن لأن هذا الأخير هو مالك الشيء      و إليه تعود ثماره.
    في حالة عدم تعيين ميعاد حلول الدين المضمون و طبقاً لنص المادة 957 قانون مدني فإنه في حالة عدم الاتفاق على تحديد أجل لحلول الدين المضمون بالرهن،فإن الدائن لا يجوز له أن يستوفي حقه إلا من ثمار الشيء المرهون،بمعنى آخر ما بقي من الريع بعد مصروفات الصيانة و الاستغلال     و الإدارة يخصم منه أصل الدين.



4)الالتزام بالرد.
    حيازة المرتهن للشيء المرهون هي حيازة عرضية في مواجهة المالك،و لذا يلتزم برد الشيء عند انقضاء حقه في الرهن،ما نصت عليه المادة 959 قانون مدني.
     و قد يجبر المرتهن على الرد قبل حلول أجل الدين إذا أساء إدارة الشيء المرهون أو ارتكب في ذلك إهمالاً جسيماً،و يترتب على الرد إما وضع الشيء المرهون تحت الحراسة و في هذه الحالة لا ينقضِ الرهن،و إما أن يسترد الراهن الشيء المرهون مقابل دفع ما عليه،و عندئذٍ ينقضي الرهن و الدين معاً (المادة 958 قانون مدني).
    و حق الراهن في استرداد الشيء المرهون هو حق شخصي ينشأ من عقد و تحميه دعوى شخصية تسمى دعوى الرهن،و له بصفته مالكاً أن يطلب استرداد العين المرهونة بدعوى الاستحقاق العينية.
*و قد نصت المادة 960 من القانون المدني على بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء        و شرط البيع دون إجراءات،و أحالت إلى المادتين 901 و 903 من نفس القانون.
ثانياً: آثار الرهن الحيازي بالنسبة إلى الغير.
    لا ينفذ الحق العيني في الرهن الحيازي في مواجهة الغير إلا بانتقال حيازة الشيء المرهون من الراهن     إلى الدائن المرتهن أو إلى الشخص الأجنبي الذي يعينه المتعاقدان،و انتقال الحيازة ليس شرطاً لإبرام عقد الرهن الحيازي و لكنه شرط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير،و يتحقق انتقال الحيازة بتنفيذ الراهن التزامه بالتسليم،و هذا الالتزام من آثار عقد الرهن في العلاقة بين الراهن و المرتهن و انتقال الحيازة إلى المرتهن يخوِّله الحق في حبس الشيء المرهون،و لما كان للمرتهن حق الرهن فيصبح صاحب حقين (الرهن       و الحبس) يسمحان له بمباشرة ميزتي الأفضلية و التتبع على الشيء المرهون ليقتضي حقه.
و بجانب انتقال الحيازة للدائن المرتهن فإن هناك شروط أخرى يجب توافرها حتى ينفذ الرهن في مواجهة الغير، وهي: القيد بالنسبة للعقارات،و إثبات التاريخ بالنسبة للمنقول.


1)الحيازة.
    نصت عليها المادة 961 قانون مدني،و يتضح من نص المادة أنه يشترط لنفاذ الرهن الحيازي في مواجهة الغير أن تنتقل الحيازة من الراهن إلى الدائن المرتهن أو إلى شخصٍ ثالث يتفق عليه المتعاقدان،  و قد خوّلت المادة 962 قانون مدني للدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على الناس كافة،   و في استرداد حيازته من الغير إذا خرج الشيء المرهون من يده بدون إرادته أو دون علمه،و استثناءاً من شرط انتقال الحيازة لنفاذ الرهن في مواجهة الغير أجازت الإرادة التشريعية للدائن المرتهن تأجير العقار إلى الراهن نفسه مستبدلة الحيازة بشرط شهر الإيجار في هذه الحالة،ما نصت عليه المادة 967 قانون مدني،الحكمة من انتقال حيازة الشيء المرهون إلى الدائن المرتهن هي تحقيق علنية حق المرتهن    و إشعار الغير بما يثقل ملك الراهن من تأمينات.
2)حبس الشيء المرهون.
     للدائن المرتهن الحق في أن يحبس المال المرهون ضماناً لوفاء حقه إلى حين استيفاء هذا الحق كاملاً،     و هذا ما نصت عليه المادة 962 فقرة 1 من القانون المدني،فالدائن المرتهن يستطيع حبس المال المرهون بانتقال الحيازة إليه أو إلى الأجنبي الذي يعينه المتعاقدان و الذي يقوم بالحبس لمصلحة الدائن المرتهن،و يكون مسؤولاً أمام هذا الأخير إذا ما أخلَّ بذلك،و الحق في الحبس يثبت للدائن المرتهن سواء كان الشيء المرهون عقاراً أو منقولاً مادياً أو معنوياً،و هذا الحق يبقى طالما لم يستوفِ دينه كاملاً،لأن حق الرهن لا يتجزأ.
     و حق الحبس مستقل،غير ناشئ عن الحق في الرهن بل هو مستقل عنه،إذ لو كان ناشئاً عن حق  الرهن لأصبح مقيداً بحدود سلطة الدائن في الأفضلية أو التتبع مما يجعله عديم الفائدة،إذ أن الحق في الحبس تبدو أهميته و فائدته في الحالات التي لا عمل فيها لحق الدائن في الأفضلية و التتبع،و لذا فإنه نوع من الحبس المقرر في القواعد العامة،و رغم ذلك يعمل على تدعيم حق الرهن،و للدائن حق الحبس في مواجهة الراهن و يستطيع أن يستعمل حقه في الحبس ضد المالك الحقيقي و ضد كل من تثبت له حقوق على الشيء المرهون في تاريخ لاحق لنفاذ الرهن في مواجهتهم،و من أمثلتهم المشتري لعقار مرهون سجل البيع بعد قيد الرهن،و المشتري لمنقول مرهون إذا كان تاريخ الرهن الثابت أسبق من تاريخ البيع،أما هؤلاء الذين ثبتت لهم حقوق على الشيء المرهون قبل نفاذ حق الرهن في مواجهتهم فلا يستطيع الدائن المرتهن الاحتجاج بحقه في الحبس في مواجهتهم،ما قررته المادة 962 قانون مدني.
    و الحق في الحبس يظل قائماً و لو خرج الشيء المرهون من حيازة الدائن،و يثبت الحبس للدائن المرتهن من وقت انتقال المرهون (أي من وقت حيازته)،و يستمر حتى يستوفي دينه كاملاً،أما التنفيذ فلا يثبت للدائن المرتهن إلا عند حلول أجل الدين.
الحق في الحبس و الراسي عليه المزاد.
   هل يحق للمرتهن حبس المرهون عن الراسي عليه المزاد إذا بيع الشيء المرهون جبراً ؟
للإجابة يجب أن نفرق بين فرضيتين:
الفرضية الأولى: إذا كان طالب التنفيذ هو الدائن المرتهن نفسه فلا يحق له حبس الشيء المرهون عن الراسي عليه المزاد،و له فقط حق الأفضلية على الثمن؛
الفرضية الثانية: إذا كان التنفيذ جرى بناءاً على طلب دائن آخر فإن حكم مرسى المزاد يطهر العقار من الحقوق المقيدة عليه و منها الرهن الحيازي إذا كان وارد على عقار،و هذا الحكم يفهم من المواد 915 إلى 921 قانون مدني؛
    أما إذا كان الشيء المرهون منقولاً فإن بيعه جبرياً لا يؤدي إلى حرمان الدائن المرتهن من حقه في الحبس،و على ذلك فإن الدائن المرتهن يستطيع أن يحبس الشيء المرهون عن الراسي عليه المزاد حتى يستوفي حقه كاملاً،و ذلك بشرط أن يكون الدائن طالب التنفيذ دائناً عادياً أو متأخراً في المرتبة عن الدائن المرتهن.




3)حق الدائن المرتهن في التقدم (الأفضلية).
    طبقاً لنص المادة 948 من القانون المدني فالرهن الحيازي يضمن للدائن المرتهن التقدم في اقتضاء حقه من ثمن الشيء المرهون أو من المال الذي يحل محله،و يفضل في ذلك على الدائنين العاديين      و الدائنين التالين له في المرتبة،و الرهن يضمن الوفاء بأصل الدين و بمبالغ أخرى نصت عليها المادة 963 من القانون المدني،و هي:
-المصاريف الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء؛
-التعويضات عن الأضرار الناشئة عن عيوب الشيء؛
-مصاريف العقد الذي أنشأ الدين،و مصاريف عقد الرهن الحيازي و قيده عند الاقتضاء؛
-المصاريف التي اقتضاها تنفيذ الرهن الحيازي.
     و فيما يخص ترتيب المرتهنين عند التزاحم تتحدد مرتبة الدائن المرتهن حيازةً،إذا كان الرهن وارد على عقار بالقيد مع انتقال الحيازة (المادة 966 قانون مدني)،أما إذا كان الرهن وارد على منقول فإن مرتبة الدائن المرتهن حيازة تتحدد بإثبات الرهن في ورقة مكتوبة ثابتة التاريخ مع انتقال الحيازة دائماً (المادة 966 قانون مدني).
4)حق التتبع.
    و قد أشارت إليه المادة 948 قانون مدني "...في أي يد يكون"،فحق التتبع هو تمهيد لمباشرة المرتهن حقه في استيفاء دينه بالتقدم في حالة انتقال ملكية الشيء المرهون إلى الغير،و يلاحظ أن الدائن المرتهن يباشر الحق في التتبع مع أن الشيء في حيازته،لأن المقصود بالتتبع هنا ليس التتبع المادي و إنما التتبع القانوني،و يشترط ليستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع العقار أن يكون حقه نافذاً في مواجهة الغير، و هذا النفاذ لا يكون إلا بحيازة الشيء المرهون،فإذا فقد المرتهن حيازة المنقول المرهون و انتقلت الحيازة إلى شخص حسن النيّة فإنه لا يستطيع( الدائن المرتهن) أن يحتج بحقه في التتبع لأنه لم يعد حقه نافذاً في مواجهة الغير لفقده الحيازة،هذا من جهة،من جهة أخرى فإن للحائز الجديد أن يتمسك بقاعدة "الحيازة في المنقول سند الملكية" (المادة 970 قانون مدني)؛
و إذا كان المرهون عقاراً و فقد المرتهن حيازته فإن حقه في الرهن لا ينفذ في مواجهة الغير،   و يصبح حيال هؤلاء الغير مجرد دائن عادي حتى لو كان حقه قد قيد.
    يستطيع الدائن المرتهن التنفيذ على الشيء المرهون إذا كان حقه نافذاً في مواجهة الغير،فإذا كان الشيء المرهون عقاراً فعلى الدائن المرتهن اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار طبقاً لما قرره قانون الإجراءات المدنية و الإدارية،و القواعد المقررة في الرهن الرسمي.
    أما بالنسبة للمنقول فإن إجراءات التنفيذ هي كقاعدة عامة إجراءات الحجز على المنقول،            و يلاحظ أن من انتقلت إليه ملكية المال المرهون حيازة لا يسمى حائزاً كما في الرهن الرسمي،و لا تسري عليه الأحكام الخاصة التي وردت في باب الرهن الرسمي،فالمالك الجديد للعقار المرهون حيازة لا يتمتع بالوسائل القانونية التي يتمتع بها الحائز للعقار المرهون رهناً رسمياً،فلا يحق له اتخاذ إجراءات التطهير و لا أن يختار التخلية،و إنما يجب عليه أن يتحمل إجراءات نزع الملكية،و إذا أراد أن يتفاداها فعليه أن يوفي الدائن حقه و يحل محله قِبل المدين.










انقضاء الرهن الحيازي.
   الرهن الحيازي حق عيني تبعي فهو يستند إلى الالتزام الأصلي الذي وُجد لضمانه،و يترتب على هذا أن الرهن الحيازي كالرهن الرسمي ينقضي تبعاً لانقضاء الالتزام الأصلي،و يجوز أن ينقضي بصفة أصلية.
1-انقضاء الرهن الحيازي بصفة تبعية: تنص المادة 964 قانون مدني أنه "ينقضي حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون و يعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين،دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها قانوناً في الفترة ما بين انقضاء الحق و عودته"؛
2-انقضاء الرهن الحيازي بصفة أصلية: و نصت عليها المادة 965 قانون مدني،و تكمن الأسباب في ما يلي:
-إذا تنازل الدائن المرتهن عن هذا الحق،على أنه يجوز أن يحصل التنازل ضمنياً بتخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون،أو من موافقته على التصرف فيه دون تحفظ،غير أنه إذا كان الشيء مثقل بحق تقرر لمصلحة الغير،فإن تنازل الدائن لا ينفذ في حق هذا الغير إلا برضائه؛
-إذا اجتمع حق الرهن الحيازي مع حق الملكية في يد شخص واحد؛
-إذا هلك الشيء أو انقضى الحق المرهون.







حقوق الامتياز.
    عالجت الإرادة التشريعية الجزائرية أحكام حقوق الامتياز في الباب الرابع من الكتاب الرابع المخصص للحقوق العينية أو التأمينات العينية، و ذلك في المواد من 982 إلى المادة 1001 من القانون المدني،و قد قُسم هذا الباب إلى فصلين: خصص أولهما للأحكام العامة لحقوق الامتياز،     و الثاني لأنواع حقوق الامتياز.
أولاً: الأحكام العامة لحقوق الامتياز.
تعريف حق الامتياز و خصائصه.
   عرّفت المادة 982 قانون مدني حق الامتياز كالتالي "الامتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لصفته،و لا يكون للدين امتياز إلا بمقتضى نص قانوني"،و يتضح من هذا التعريف أن الإرادة التشريعية جعلت من الأولوية أي تقدم الصيغة الجوهرية لحق الامتياز و عنصره الأساسي،و على ذلك فإن صاحب حق الامتياز يتقدم جميع الدائنين العاديين،و يتزاحم مع الدائنين المتمتعين بضمان عيني عند بيع المال المحمَّل بحق الامتياز،و يستوفي حقه طبقاً لمرتبته بالنسبة لهؤلاء الدائنين،و لم تربط الإرادة التشريعية هذه الأولوية بالشخص صاحب الحق بل ربطتها بالحق المضمون،إذ أن أساس الأولوية يكون في صفة الحق،و بمعنى آخر في سبب نشأته،و هذا الضمان تمنحه الإرادة التشريعية للحقوق التي تكون أسباب نشأتها تبرر تفضيلها على غيرها،و الامتيازات العامة لا تتضمن تخصيصاً لمال معين لضمان الوفاء بدين معين،بل هي تقع على كل أموال المدين الموجودة في ذمته عند التنفيذ،و لا تعطِ لصاحبها إلا حق الأفضلية عندما يتزاحم مع باقي الدائنين على ثمن أموال المدين عند بيعها،فحق صاحب الامتياز العام يشبه الضمان العام الذي يتمتع به الدائن العادي،غير أن الخلاف بينهما أن الإرادة التشريعية منحت صاحب حق الامتياز الأولوية في اقتضاء حقه من ثمن بيع أموال المدين،أما حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على منقول أو على العقار فهي حقوق عينية تبعية تعطي للدائن ميزتي التقدم و التتبع.


خصائص حق الامتياز.
1-حق الامتياز حق عيني تبعي شأنه في ذلك شأن الرهن الرسمي،الرهن الحيازي و التخصيص،فهدفه الوفاء بالدين لذا فهو يتبع الدين المضمون في وجوده و صحته و انقضائه؛
2-حق الامتياز يرد على جميع الأموال سواء أكانت منقولات أو عقارات و كذلك على الأموال المادية و المعنوية؛
3-حق الامتياز لا يقبل التجزئة،فالمال المحمّل بحق الامتياز يضمن الدين كله و كل جزء من الدين مضمون بكل المال الخاضع لهذا الضمان؛
4-الامتياز لا يتقرر إلا بنص خاص للقانون،فالنصوص القانونية هي المصدر المباشر لحق الامتياز،    و بهذا يختلف عن الرهن بنوعيه،إذ أن مصدره هو الاتفاق،و يختلف عن حق التخصيص الذي مصدره القضاء،و على ذلك فإن حق الامتياز يستحيل ترتيبه بالاتفاق،و لا يستطيع القاضي أن يقرر امتياز دين مهما كانت صفة هذا الدين؛
5-الامتياز يعطي لصاحبه حق التقدم و يعطيه أحياناً حق التتبع،فلصاحب حق الامتياز حق التقدم إذ له أفضلية مطلقة على جميع الدائنين العاديين،و قامت الإرادة التشريعية بترتيب حقوق الامتياز فيما بينها،و الامتياز يعطي لصاحبه حق التتبع أحياناً،و يجب التفرقة هنا بين الامتيازات العامة             و الامتيازات الخاصة،فالامتيازات العامة لا تعطِ لصاحبها حق التتبع إذ أنها لا تقع على مال معين     و مخصص لضمان الدين،بل تقع على كافة أموال المدين الموجودة في ذمته عند التنفيذ (المادة 984 فقرة 2 قانون مدني)،أما حق التتبع فلا يكون إلا في حالة تحديد مال سلفاً لملاحقته،أما الامتيازات الخاصة الواقعة على عقار أو منقول فتعطي صاحبها حق التتبع؛
6-حقوق الامتياز استثناء من القواعد العامة التي تقضي بضرورة المساواة بين الدائنين.



أقسام حقوق الامتياز.
   نصت المادة 984 قانون مدني على أنه "ترد حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين من منقول أو عقار،أما حقوق الامتياز الخاصة فتكون مقصورة على منقول أو عقار معين"،و بذلك نجد أن هناك ثلاث أنواع من حقوق الامتياز،و هي حقوق امتياز عامة،حقوق امتياز خاصة منقولة،حقوق امتياز خاصة عقارية.
1)-حقوق الامتياز العامة.
   و هي لا تتضمن تخصيص لمال معين مملوك للمدين،بل الضمان يقع على جميع أموال المدين المنقولة و العقارية الموجودة في ذمته وقت التنفيذ،و هذه الحقوق تعطي لصاحبها أفضلية مطلقة على جميع الدائنين،و إذا كانت هذه الامتيازات تعطي أولوية شاملة على جميع أموال المدين،غير أنه يعيبها عدم تخويل صاحبها حق التتبع،و هذا العيب نفسه موجود في الضمان العام،إذ يستطيع المدين أن يتصرف في عناصر ذمته المالية كلها أو بعضها قبل موعد التنفيذ على أمواله؛
2)-حقوق الامتياز الخاصة الواردة على منقول.
    و هي التي تقع على منقول أو على منقولات معينة،كامتياز مؤجر العقار على المنقولات الموجودة في العين المؤجرة،و على المحصولات الزراعية التي تنتجها الأرض ،و امتياز مصروفات صيانة المنقول    و حفظه و كامتياز بائع المنقول.
    و إذا كانت هذه الحقوق تعطي لصاحبها حق التقدم و التتبع إلا أن هذا الامتياز يتأثر بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية،فإذا كان لشخص حق الامتياز لمنقول ثم حازه آخر بموجب سند صحيح و بحسن نيّة فإن ذلك يطهره مما يثقله من امتياز،و نصت على هذا الحكم المادة 985 قانون مدني "لا يحتج بجق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نيّة"،و لما كان حق الامتياز الخاص على منقول عرضة للضياع فقد حمى القانون صاحب هذا الحق فأجاز له أن يطلب من القضاء وضع المنقول تحت الحراسة إذا خشي تبديد المنقول أو التصرف فيه،و هذا ما قضت به المادة 985 فقرة 3 قانون مدني.

3)-حقوق الامتياز الواردة على عقار.
   و هي التي ترد على عقار أو عقارات معينة،و هي امتياز بائع العقار،امتياز المقاول و المهندس المعماري على البناء،و امتياز المتقاسم في العقار،و تشبه حقوق الامتياز العقارية الرهن الرسمي في أحكامه و إن كانت تختلف عنه من حيث المصدر إذ أن مصدرها القانون،إلا أن أحكامهما هي نفس أحكام الرهن الرسمي،و هذا ما نصت عليه المادة 986 قانون مدني.
آثار حقوق الامتياز و انقضاؤها.
   ينشأ حق الامتياز بمقتضى القانون،فالقانون هو الذي يقرر الامتياز طبقاً لصفة الدين،فيثبت الامتياز بمجرد وجود الدين الذي يقرر القانون امتيازه دون اللجوء إلى أي إجراء آخر،و يثبت للدائن امتيازه في مواجهة المدين و الغير بمجرد قيام الدليل على وجوده من غير اتخاذ أي إجراء على أنه يستثنى من ذلك الامتيازات الخاصة العقارية،فلابد من شهرها بالقيد حتى يحتج بها في مواجهة الغير،كما هو الحال في الرهن الرسمي العقاري.
آثار حق الامتياز.
   حق الامتياز حق عيني هدفه ضمان الوفاء بالدين،و على ذلك فإنه يمنح صاحبه حق التقدم،فصاحب حق الامتياز له أفضلية مطلقة على جميع الدائنين سواء كانت حقوق الامتياز عامة  أو خاصة واردة على عقار أو منقول،و يرد حق التقدم ليس فقط على ثمن المال محل الامتياز بل على كل ما يحل محل هذا المال (المادة 989 قانون مدني).
   أما حقوق الامتياز العامة فإنها ترد على جميع أموال المدين،أي على كل ما يدخل في ذمة المدين من أموال،سواء ما وُجد منها عند نشوء الحق الممتاز أو بعده،و حق الامتياز يخوِّل لصاحبه التقدم على جميع الدائنين العادين،و إذا تعدد الدائنون الممتازون أو تزاحم دائن مع دائن ذو تأمين عيني آخر حدد القانون من يتقدم منهم،أما حق التتبع فهو يثبت لصاحب حق الامتياز الخاص الوارد على عقار     أو على منقول،فله أن يتبع الشيء الضامن لوفاء الدين في أي يد ينتقل إليها.

الأولوية بين حقوق الامتياز و غيرها من الحقوق.
حقوق الامتياز المعفاة من الشهر و هي الامتيازات العامة و حقوق الامتياز الضامنة للمبالغ المستحقة للمصاريف القضائية و للخزينة العامة،فهذه تتقدم على الرهن بنوعيه و على حق التخصيص،مهما كان تاريخ نشوء الامتياز،أو قيد الرهن أو نشوء حق التخصيص طبقاً للمادة 986 قانون مدني،أما حقوق الامتياز الخاضعة للشهر و هي الامتيازات الخاصة العقارية حكمها هو حكم الرهن الرسمي،فتكون الأسبقية بينها و بين الرهن بنوعيه طبقاً لأسبقية القيد،أما الأولوية بين حقوق الامتياز فيما بينها يحدد القانون مرتبة الامتياز،فإذا لم ينص على مرتبة امتياز معين كان هذا الحق متأخراً عن جميع الحقوق الممتازة،و إذا تزاحمت عدة حقوق ممتازة و كانت في مرتبة واحدة فإنها تستوفى عن طريق التسابق ما لم يوجد نص قانوني يقضي بغير ذلك (المادة 983 فقرة 2 قانون مدني)،فالقانون هو الذي يحدد مرتبة الامتياز طبقاً لمراعاة صفة الدين.
انقضاء حق الامتياز.
ينقضي حق الامتياز بنفس الطرق التي ينقضي بها حق الرهن الرسمي و حق الرهن الحيازي،وفقاً لأحكام انقضاء هذين الحقين،ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك.
أولاً:حقوق الامتياز العامة و الخاصة الواقعة على منقول.
1)-امتياز المصاريف القضائية.
  نصت عليها المادة 990 قانون مدني "المصاريف القضائية التي أنفقت لمصلحة جميع الدائنين في حفظ أموال المدين و بيعها لها امتياز على ثمن هذه الأموال"،و يتضح من هذا النص أنه يجب أن يتوفر شرطان لقيام هذا الامتياز:
أ-أن تكون هذه المصروفات قضائية،و أنفقت في التحفظ على أموال المدين أو بيعها أو توزيع ثمنها وفقاً للقانون،و المقصود بالمصروفات القضائية أن تكون قد أنفقت في إجراءات يتطلبها القانون لحفظ أموال المدين و بيعها،و في توزيع الثمن الناتج عنها على الدائنين،و على ذلك فإن المصروفات القضائية يدخل فيها مصروفات وضع الأختام على أموال المدين و جردها،الحجز التحفظي و التنفيذي،        و مصروفات البيع بالمزاد.
ب-أن تكون المصروفات قد أنفقت لمصلحة جميع الدائنين،و الغرض من منح هذا الامتياز أن يكون في إنفاق المصروفات ما يعود بالنفع على جميع الدائنين،فلو لم يقم الدائن بإنفاقها لاضطر باقي الدائنين للقيام به،لذا كان من العدل أن يتحمل جميع الدائنين عبئ جميع هذه المصروفات فتُحصل أولاً قبل أي دين آخر.
محل الامتياز: يقع امتياز المصروفات القضائية على ثمن الأموال من أجل حفظها أو بيعها أو تقسيم ثمنها،فالامتياز يقع على ثمن هذه الأموال و ليس على الأموال نفسها.
مرتبة الامتياز: طبقاً لنص المادة 990 فقرة 2 فإن هذا الامتياز يسبق سائر الامتيازات في المرتبة،فلا يقوم امتياز آخر على هذا و لا يعادله،و تستوفى هذه المصروفات قبل أي حق آخر و لو كان ممتازاً    أو مضموناً برهن رسمي أو حيازي أو حق اختصاص،و الحكمة من تقدم امتياز المصروفات القضائية على جميع الحقوق الأخرى،هي أنه لولا هذه المصروفات ما وُجد الثمن الذي منه تستوفى هذه الحقوق (المادة 990 فقرة 2 قانون مدني).
2)-المبالغ المستحقة للخزينة العامة.
    و نصت عليها المادة 991 فقرة 1 قانون مدني،و الحكمة من تقرير هذا الامتياز هو تمكين الدولة باعتبارها صاحبة الولاية العامة و ممثلة الصالح العام،بتحصيل ما تستحقه من ضرائب و نحوها،للنهوض بعبء النفقات العامة،و يضمن الامتياز جميع المبالغ المستحقة للخزينة العامة سواء في ذلك استحقت هذه المبالغ للخزينة عن ضرائب أو عن رسوم أو عن حقوق أخرى من أي نوع كان،و هذه المبالغ لا تكون ممتازة إلا إذا نصت القوانين و الأوامر الخاصة بها على امتيازها.
محل الامتياز: يتحدد وفقاً لما تقضي به النصوص التي تقرره،فقد يكون هذا الامتياز خاصاً يقع على أموال معينة من أموال المدين،كما هو الحال بالنسبة إلى امتياز الضريبة على الأراضي الزراعية و الضريبة على العقارات المبنية،و قد يقع على جميع أموال المدين المنقولة منها و العقارية على السواء،و إذا وقع على عقار فإن القانون لا يستوجب الشهر و يكون حجة على الكافة دون اتخاذ إجراء القيد،        و للخزينة العامة حق التقدم على جميع أصحاب الحقوق المضمونة سواء كانت ممتازة أو مضمونة برهن أو تخصيص،باستثناء امتياز المصروفات القضائية،كما يكون للخزينة العامة حق تتبع المال الخاضع لهذا الامتياز في أي يد يكون،و نصت على ذلك المادة 991 فقرة 2 قانون مدني.
مرتبة الامتياز: امتياز المبالغ المستحقة للخزينة العامة بما فيها من ضرائب و رسوم يأتي في المرتبة الثانية بعد امتياز المصروفات القضائية التي يحتل امتيازها المرتبة الأولى.
3)-امتياز مصروفات حفظ و ترميم المنقول.
   نصت عليه المادة 992 قانون مدني،و هذا الامتياز مقرر لضمان الوفاء بقيمة المبالغ التي أنفقها الدائن في حفظ المنقول و صيانته،إذ لولا هذه المصروفات لهلك المنقول أو تلف أو زال من ذمة المدين أو على الأقل هبطت قيمته هبوطاً كبيراً،و من أمثلة ذلك إصلاح آلة أو سيارة،نفقات علاج حيوان مصاب بمرض من شأنه أن يؤدي لنقصان الانتفاع به،و بذلك لا يدخل في مضمون هذه المصروفات،المصروفات النافعة أو الكمالية،و يثبت الامتياز لمن أنفق هذه المصروفات بنفسه أو لمن قدمها لينفقها غيره في هذا الغرض.
محل الامتياز: يقع على المنقول أو المنقولات التي أنفقت المصروفات لحفظها أو ترميمها،و هذا الامتياز يقع على المنقول كله.
مرتبة الامتياز: هذا الامتياز يعطي لصاحبه حق التقدم على جميع الحقوق المضمونة بعد امتياز المصاريف القضائية و امتياز المبالغ المستحقة للخزينة العامة،و التي تتعلق بهذا المنقول فهو يأتي في المرتبة الثالثة،و إذا تعددت المصروفات التي أنفقت لحفظ المنقول و صيانته و تزاحم الدائنون،بهذا كانت الأفضلية لصاحب الحق الأحدث،أي بحسب الترتيب العكسي لتواريخ الصرف (المادة 992 فقرة 1 قانون مدني)،فيتم الوفاء أولاً لآخر دائن قام بالحفظ أو الترميم،فيتم أولاً الوفاء لآخر دائن قام بالترميم و هكذا،و الحكمة من ذلك هو أن آخر دائن هو الذي يرجع إليه الفضل في بقاء المنقول،و هذا الامتياز يمنح صاحبه حق التقدم في استيفاء دينه من ثمن المنقول المحمل بالامتياز في أي يد يكون.

ثانياً:حقوق الامتياز العامة.
ونصت عليها المادة 993 قانون مدني،و يتضح من هذا النص أن هذا الامتياز يقع على كل أموال المدين،و يضم ثلاث طوائف من الحقوق:
1)-امتياز المبالغ المستحقة للأجراء.
و نصت عليها المادة 993 قانون مدني،و الأجراء هم الذين يقدمون جهدهم و عملهم،لقاء أجر محدد و تربطهم برب العمل علاقة تبعية،و يرجع هذا الامتياز إلى اعتبارات إنسانية لأن أغلب هؤلاء يعيشون من أجورهم،و بهذا يتمتعون بامتياز عام لضمان أجورهم عن الإثني عشرة (12) شهراً الأخيرة،و السابقة على التنفيذ على أموال المدين،و إذا كانت هناك أجور مستحقة عن مدة سابقة عن الفترة المذكورة فإن الأجور تكون ديون عادية.
2)-امتياز المبالغ المستحقة عن توريد المأكل و الملبس.
و نصت عليها المادة 993 فقرة 2 قانون مدني،فالمبالغ المستحقة في مقابل توريد المأكل و الملبس اللازم لاستعمال المدين شخصياً،و كذلك استعمال من يعوله،فالدائن الذي قدم هذه الحاجيات له أن يتقدم في استيفاء ما يحق له،في مقابل هذه الحاجيات، و هذا الامتياز يقتصر على ما تم توريده للاستعمال الشخصي، أما إذا قدمت هذه الحاجيات للاتجار فيها،فإن الامتياز لا يثبت،كما يقتصر هذا الامتياز على قيمة ما تم توريده خلال الستة (6) أشهر الأخيرة السابقة على التنفيذ على أموال المدين.
3)-امتياز النفقة.
و نصت عليها المادة 993 فقرة 3 قانون مدني،فالنفقة التي تجب على المدين قانوناً نحو زوجته        و أولاده و أبويه و سائر أقربائه المكلف بالنفقة عليهم ممتازة،مبنى هذا الامتياز هو الاعتبارات الإنسانية التي توجب ضمان الوفاء بهذه المبالغ التي يحتاج إليه الدائن و يعول عليها في معاشه،و الامتياز لا يضمن إلا النفقة عن الستة (6) أشهر الأخيرة.

محل الامتياز: تقع هذه الامتيازات على كل أموال المدين العقارية،و المنقولة.
أثر الامتياز: هذه الامتيازات لا تعطِ صاحبها إلا حق التقدم و الأولوية في استيفاء المبلغ المضمون،فلا يستطيع الدائن تتبع المال.
مرتبة الامتيازات العامة.
   هي المرتبة الرابعة،و هي تتمتع بمرتبة واحدة،و داخل هذه الامتيازات فلا أفضلية لامتياز على آخر،و تستوفى بنسبة كل منها.
خامساً: امتياز مصروفات الزراعة و المبالغ المستحقة في مقابل الآلات الزراعية.
و نصت عليها المادة 994 قانون مدني،و يضمن هذا الامتياز حقين:
الحق الأول: هو متعلق بكل ما تم إنفاقه في أعمال الزراعة و الحصاد؛
الحق الثاني: المبالغ المستحقة في مقابل الآلات الزراعية.
1)امتياز مصروفات الزراعة و الحصاد.
و يدخل في هذه المصروفات ما تم إنفاقه في إعداد الأرض للزراعة،مصروفات الحرث،البذور،السماد،المبيدات الحشرية،أجور العمال و أجرة المواشي المستعملة في الزراعة،و يجب على من يتمسك بهذا الامتياز إقامة الدليل على أن المبالغ التي تخوله الامتياز قد صرفها فعلاً في إعداد المحصول و إنتاجه.
محل الامتياز: يقع الامتياز على المحصول الذي أنفقت المصروفات في إنتاجه.
مرتبة الامتياز: يتمتع هذا الامتياز بالمرتبة الخامسة بعد الامتيازات السابقة الذكر.



2)-امتياز المبالغ المستحقة في مقابل الآلات الزراعية.
  يضمن هذا الامتياز كل المبالغ التي تصرف على الآلة الزراعية كأجرة نقلها،مصروفات إصلاحها و مصروفات تحسينها.
محل الامتياز: يتمتع بالمرتبة الخامسة مع المصروفات،و لا يتصور التزاحم بينهما،فكل منها يقع على وعاء مستقل تماماً.
سادساً: امتياز مؤجر العقار.
 و نصت عليه المادة 995 قانون مدني،و الغرض من تقرير امتياز المؤجر هو رغبة الإرادة التشريعية في تسهيل إبرام الأفراد لعقد الإيجار لأهميته الاقتصادية،فالمؤجر يجد ضماناً لما يستحقه خاصةً الأجرة.
شروط ثبوت الامتياز.
   يشترط لثبوت الامتياز وجود عقد إيجار صحيح بالمعنى القانوني،و يجب أن يتعلق الإيجار بمبنى      أو أرض زراعية،و يجب أن يكون الإيجار منصباً على العين التي توجد فيها المنقولات أو التي تنتج المحصولات.
الحقوق التي يضمنها هذا الامتياز.
   طبقاً للمادة 995 قانون مدني،فإن امتياز المؤجر يضمن الأجرة،و كل الحقوق الأخرى التي تثبت للمؤجر بمقتضى عقد الإيجار.
أ-الأجرة: يشمل ضمان الأجرة المستحقة لمدة سنتين،أو لمدة الإيجار إن قلّ عن ذلك،و إذا زادت المدة عن سنتين اعتبر الزائد ديناً عادياً؛
ب-المبالغ الأخرى: و هي التي تستحق للمؤجر،بمقتضى عقد الإيجار،مثل التعويضات الناشئة عن إتلاف العين المؤجرة.


محل الامتياز.
    يقع هذا الامتياز على المنقولات الموجودة في العين المؤجرة،و يشترط أن تكون هذه المنقولات مما يمكن الحجز عليها،و بيعها بالمزاد العلني،و لذا نجد أن هناك نوعين من المنقولات:
أ-المنقولات الموجودة في العين المؤجرة؛
ب-المحصولات الناتجة من العين المؤجرة،إذا كانت أرض زراعية.
   و يشترط في ثبوت امتياز المؤجر لهذه المنقولات شرطان هما:
-وجودها في العين المؤجرة؛
-ملكيتها للمستأجر،أو على الأقل اعتقاد المؤجر بحسن نية أنها مملوكة للمستأجر،أو أن مالكها قد وضعها في العين المؤجرة.
مرتبة الامتياز.
نصت الفقرة 4 من المادة 995 على مرتبة الامتياز،و تأتي في المرتبة السادسة بعد الحقوق المتقدمة الذكر.
سابعاً: امتياز صاحب الفندق.
   نصت المادة 996 قانون مدني،فصاحب الفندق يستفيد من هذا الامتياز الذي يقع على الأمتعة التي يحضرها النزيل لفندقه،و ذلك مقابل المأوى،و الطعام، والخدمات التي يقدمها للنزيل.
أما أصحاب المطاعم و المقاهي أو غيرهم،الذين يقدمون الطعام و الشراب دون المأوى،فلا يكون لهم هذا الحق.
محل الامتياز.
   يقع الامتياز على ما يحضره النزيل من أمتعه أو يحضره الأشخاص التابعون له للفندق أو في ملحقاته،كمكان حفظ السيارات،و تتضمن الأمتعة: الملابس،النقود، والمجوهرات،و لصاحب الامتياز حق التقدم و التتبع،فله استيفاء كل المبالغ التي يضمنها الامتياز بالتقدم طبقاً للمرتبة المقررة من ثمن الأمتعة،كما لصاحب الفندق أن يتتبع المنقولات المثقلة بالامتياز في أي يد تكون،و ينقضي الامتياز إذا نقلت الأمتعة من الفندق برضاء صاحبه أو بعلمه دون معارضة منه.
مرتبة الامتياز.
   طبقاً لنص المادة 996 فقرة 3 قانون مدني،يتمتع امتياز صاحب الفندق بنفس المرتبة المقررة لامتياز المؤجر،و هي المرتبة السادسة.
و إذا تزاحم صاحب مع المؤجر،فإن صاحب الامتياز السابق في تاريخ نشوئه يتقدم،و إذا أخرج المستأجر بعض أمتعته من العين المؤجر و أدخلها في الفندق رغم معارضة المؤجر،يتقدم على امتياز صاحب الفندق لسبق تاريخ نشوء حقه.
ثامناً: امتياز بائع المنقول.
    نصت عليه المادة 997 قانون مدني،فبائع المنقول يستفيد من هذا الامتياز،و تبرير امتيازه على الشيء المبيع أنه نقل حق الملكية إلى المشتري دون أن يقتضي الثمن،فإذا لم يتقرر له امتياز على الشيء المبيع،فإن المشتري يثرى إثراءاً بلا سبب على حساب البائع.
    الحق الممتاز هو ثمن المنقول المبيع،و على ذلك فلابد أن يكون هناك عقد بيع صحيح لمال منقول أو عقد مقايضة،ضماناً لما يُدفع من ثمن.
محل الامتياز.
   يقع على الشيء المبيع ذاته،بشرط أن يحتفظ الشيء بذاتيته.
مرتبة الامتياز.
طبقاً للمادة 997 فقرة 2 قانون مدني،فإن مرتبة امتياز المنقول تكون هي المرتبة السابقة و الاخيرة،و تسبقها جميع حقوق الامتياز السابقة.

تاسعاً: امتياز المتقاسم في المنقول،و نصت عليه المادة 998 قانون مدني،ينتج عن قسمة المال الشائع حقوق شخصية هي معدل القسمة،و هو الفرق الذي يدفعه أحد الشركاء على جزء أكبر من حصته،ثمن التصفية.
و يكون ذلك إذا بيع المنقول لتعذر القسمة،و رسا البيع على أحد الشركاء،فإن الثمن يعتبر حقاً ناشئاً عن القسمة،و يصبح من رسا عليه المزاد مديناً لشركائه الآخرين بالثمن الذي رسا عليه المزاد بعد خصم قيمة نصيبه،و يصبح كل من الشركاء الآخرين دائناً لمن رسا عليه المزاد بقدر نصيبه في المنقول المبيع،   و يكون له امتياز المتقاسم على ذلك المنقول.
محل الامتياز.
   هو المنقول الذي آل بالقسمة إلى الشريك المدين.
مرتبة الامتياز.
تأتي في مرتبة امتياز البائع ذاته،و هي المرتبة السابقة،فإذا تزاحما،قدم الأسبق في التاريخ.
حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار.
حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار تشمل ثلاث امتيازات:
1-امتياز بائع العقار (المادة 999 قانون مدني)؛
2-امتياز المقاولين و المهندسين المعماريين (المادة 1000 قانون مدني)؛
3-امتياز المتقاسم للعقار (المادة 1001 قانون مدني).
هذا الترتيب الذي أورده المشرع لا أهمية له،في تحديد الأفضلية بين هذه الحقوق،إذ أن مرتبة كل منها تتحدد طبقاً لأسبقية القيد،و يراعى كذلك أن حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار كالرهون الرسمية تخول صاحبها ميزة التتبع.

أولاً: امتياز بائع العقار.
   نصت على هذا الامتياز المادة 999 قانون مدني،فيستفيد بائع العقار من هذا الامتياز،و امتيازه يقوم على نفس الاعتبار الذي يقوم عليه امتياز بائع المنقول،الحق الممتاز هو ثمن العقار المبيع          و ملحقات هذا الثمن من مصروفات،و كذلك التعويض عن ضرر التأخير أو عن أي ضرر آخر.
محل الحق الممتاز: هو العقار المبيع،فإذا اتلف العقار أو هلك فإن الامتياز يرد على ما حلَّ محل العقار من مال،طبق المادة 987 قانون مدني،التي تنص على أنه "يسري على الامتياز ما يسري على الرهن الرسمي من أحكام متعلقة بهلاك الشيء أو تلفه".
قيد الامتياز و مرتبته: يجب قيد امتياز بائع العقار كما هو الحال في الرهن الرسمي(المادة 999 قانون مدني)،و قد نص القانون على أنه لا يكف تسجيل عقد البيع بل يجب القيد،إذ أن نفاذ الامتياز في مواجهة الغير،لا يكون إلا بالقيد و تحديد مرتبة الامتياز هي من تاريخ البيع،و هو تاريخ ثابت على أن يتم القيد بعد تسجيل عقد البيع خلال شهرين من تاريخ البيع،و في حالة عدم قيد الامتياز خلال الشهرين،من تاريخ البيع فإن الامتياز يصبح رهناً رسمياً.
ثانياً: امتياز المبالغ المستحقة للمقاولين و المهندسين المعماريين.
  نصت على هذا الامتياز،المادة 1000 قانون مدني،و يستفيد من هذا الامتياز المقاول أو المهندس المعماري نتيجة قيامه بما كلف به من تشييد بناء أو إعادة تشييده،أو ترميم،أو إصلاح...إلخ،يشمل الحق الممتاز مصروفات البناء و إعادة البناء،و مصروفات الترميم و الصيانة،فيرد هذا الامتياز على الأبنية و الطرق و الآبار،و القناطر،و غير ذلك من أعمال التشييد.
محل الامتياز: و يرد فقط على ما زاد في قيمة العقار بسبب ما قام به من أعمال،و بقي قائماً إلى وقت البيع،و للقاضي سلطة تقدير ما زاد في قيمة العقار،و ما يرد عليه الامتياز.



ثالثاً: امتياز المتقاسم في العقار.
  نصت عليه المادة 1001 قانون مدني،و هذا الحق يقابل امتياز المتقاسم في المنقول،فيستفيد منه كل شريك متقاسم اتجاه الباقين،بسبب القسمة،و يستوي في ذلك أن تكون القسمة كلية أو جزئية.
و يشمل ذلك:
1-معدل القسمة؛
2-ثمن التصفية، (أي الثمن الذي رسا به المزاد على أحد الشركاء،لعدم إمكان القسمة عينياً؛
3-التعويض الذي يستحق لأحد الشركاء المتقاسمين قِبل المتقاسمين الآخرين بموجب ضمان الاستحقاق.
   و يجب قيد هذا الامتياز و تكون مرتبته مماثلة لشروط امتياز بائع العقار (من تاريخ تسجيل القسمة).
 "وَلَولا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا"
النساء113

والحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلي اللهم و بارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه و سلم تسليما.

تم بعون الله بتلمسان الخميس 23 أفريل 2015
اللوحة 1
اللوحة 2
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي