22‏/07‏/2016

تبرعات ومواريث-قانون خاص









مقدمة.
    لقد وضع الشرّاح و الفقهاء موسوعات عديدة تناولت تفسير و شرح نظام العقد لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتباره ضابط رئيسي لأسس المعاملات التي تجري في مختلف الميادين، و نجد أن تسمية "العقد" في اللغة تطلق على الجمع بين أطراف الشيء و ضبطها،           و ضده"الحل" و تستعمل أيضاً بمعنى إحكام الشيء و تقويمه. أما العقد اصطلاحاً فهو توافق إرادتين   أو أكثر على إحداث أثر قانوني،سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه،و قد عرفه المشرع الجزائري في المادة54 من القانون المدني الجزائري بقوله:"العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما".
    و يقسم العقد إلى عدة تقسيمات أهمها: العقود المسماة و العقود غير المسماة،العقود الرضائية        و العقود الشكلية و العقود العينية، العقد المحدد و العقد الاحتمالي،العقد الفوري و العقد الزمني، عقد المساومة و عقد الإذعان، العقد الملزم لجانب واحد و العقد الملزم لجانبين، و عقود التبرع و عقود المعاوضة؛
و في دراستنا هذه ما يهمنا هو تقسيم العقود إلى عقود معاوضة و عقود تبرع.
1)عقد المعاوضة: و هو العقد الذي يأخذ فيه العاقد مقابلاً لما يعطيه، و قد نصت عليه المادة 58 من القانون المدني  على ما يلي :" العقد بعوض هو الذي يلزم كل واحد من الطرفين إعطاء أو فعل شيء ما"،و مثاله عقد البيع.
2)عقد التبرع: هو الذي لا يأخذ فيه العاقد مقابلاً لما أعطاه، و أغلب عقود التبرع ملزمة لجانب واحد،مثل عقد الهبة و الذي يحصل فيه الموهوب له على المال الموهوب دون أن يقدم شيئاً مقابل ذلك،و بالعكس يقدم الواهب المال الموهوب دون أن يحصل على شيء مقابل ذلك.
     و موضوع دراستنا هو عقود التبرعات أو التبرعات و التي يتضح من تسميتها أن المتعاقد يحصل على أداء من متعاقد آخر دون أن يعطي مقابل لما أخذه،و يدخل في مجال التبرعات بهذا المعنى العديد من العقود مثل: عقد القرض،الإعارة،الصدقة،الهبة،الوقف و الوصية،و ستقتصر دراستنا في مجال التبرعات على ثلاثة عقود و هي: الهبة،الوصية و الوقف.
الفصل الأول: عقد الهبة.
    الهبة تصرف شرعي أباحته الشرائع السماوية و القوانين الوضعية و نظمت أحكامه بقواعد ليسير وفق ضوابط تجعله يحقق أهدافه التي يبرم من أجلها، و قد صنف المشرع الجزائري الهبة ضمن الأحوال الشخصية و نظم أحكامها بقانون الأسرة في الفصل الثاني من الكتاب الرابع و الذي يتعلق بالتبرعات،إلا أن المشرع الجزائري لم يتوسع في الهبة و أحكامها خاصة الرجوع و الذي هو حكم من أحكامها، لذلك كان لابد من الرجوع لأحكام التشريع الإسلامي.
   و هنا نطرح الإشكال التالي: بما أن الهبة نوع من عقود التبرع بدون عوض فما هي ماهية هذا العقد؟ و ماهي أركانه و أحكامه؟
    و ستكون دراستنا من خلال ثلاثة مباحث:
-مبحث أول: ماهية عقد الهبة؛
-مبحث ثاني: أركان عقد الهبة؛
-مبحث ثالث: أحكام عقد الهبة.








    المبحث الأول: ماهية عقد الهبة.       
   سنتعرض في هذا المبحث إلى مفهوم الهبة في مطلب أول،و أنواع الهبة في مطلب ثاني.
المطلب الأول: مفهوم الهبة.
   للوصول إلى معنى الهبة يجب أن نتطرق إلى تعريفها،مقوماتها و أخيراً تمييزها عن العقود المشابهة لها.
الفرع الأول : تعريف الهبة.
أولاً: التعريف اللغوي: جاء في لسان العرب أن الهِبة هي العطِية الخالية من الأعواض و الإغراء،فإذا كثُرت سُمي صاحبها وهاباً،و هي من أبنية المبالغة و من ألفاظ القرءان الكريم،للأصفهاني يقصد بالهبة أن تجعل مِلكك لغيرك بغير عوض،يُقال وهبتُه هِبة موْهوبة و مُوهِباً،يقول تعالى:"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ"الأنعام84،و عن ابن عباس قال،قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لَقَدْ هَمَمْتُ أَلا أَتَّهِبَ هِبَةً إِلا مِنْ قُرَشِيٍّ ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ ، أَوْ ثَقَفِيٍّ".
    و الهبة مأخوذة من هبوب الريح أي مرورها،و يُراد بها التبرع و التفضل على الغير بما يُنتفع به مطلقاً،سواء كان مالاً أو غير مال،فهبة المال كهبة شخصٍ لآخر فرساً أو منزلاً أو سيارة،أما هبة غير المال كقول إنسان لآخر "ليهب الله لك ولداً" مع أن ولد ذلك الشخص حرٌ ليس بمال،و ذلك لقوله تعالى " فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا"مريم5،و قوله عز وجل" يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ "الشورى49.
ثانياً:التعريف الاصطلاحي أو الفقهي: الهبة بالمعنى الاصطلاحي لا تكون إلا في المال و قد عرفها الفقه الشافعي أنها "تمليك بلا عوض"،و عرفها الفقه الحنبلي بأنها "تمليك جائز التصرف مالاً معلوماً أو مجهولاً تعذر علمه،موجوداً مقدوراً على تسليمه غير واجب في الحياة بلا عوض بما يعد هبة عرفاً من لفظ هبة و تمليك و نحوهما"،أما الفقه الحنفي فعرفها بما يلي"الهبة تمليك بلا عوض في الحال"،أما المالكية فيرون أن "الهبة هي التبرع بالمال في حال الحياة و هي مستحبة منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها"،و عرفها أيضاً بأنها "تمليك بلا عوض و لثواب الآخرة صدقة و صحت في كل مملوك ينقل ممن له تبرع بها".
    و من التعريف الأخير إذا كان التمليك من أجل ثواب الآخرة تصبح صدقة و تخرج عن مفهوم الهبة،  و مما سبق نخلص للقول أن عقد الهبة موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض،كما يطلق لفظ الصدقة على الهبة التي يُراد بها وجه الله و هبة التودد التي يراد بها التودد        و المحبة،أي يقصد بها وجه المخلوق،و هبة الثواب على هبة العوض.
ثالثاً: التعريف القانوني: عرَّف المشرع الجزائري الهبة في المادة 202 من قانون الأسرة بقوله" الهبة تمليك بلا عوض.و يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على انجاز  الشرط."؛
     و من خلال هذا التعريف نحلل عبارات التعريف كالآتي:
1-"الهبة تمليك": تعني هذه العبارة أن الهبة وسيلة تمليك تنتقل بواسطتها ملكية المال الموهوب من الواهب إلى الموهوب له،و عملية نقل الملكية ينتج عنها عنصران آخران و هما: عنصر افتقار في جانب الواهب،و عنصر اغتناء في جانب الموهوب له.
2-"بلا عوض": معنى ذلك أن المال الموهوب كله أو جزءه ينتقل إلى الموهوب له مجاناً و دون مقابل،    و يتلازم مع وجود عنصر آخر هو نية التبرع من الواهب بغية التودد و التحبب إلى الموهوب له،      أو بغية التقرب إلى وجه الله أو للأمرين معاً.
3-"يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على انجاز الشرط":حيث يمكن للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بعمل معين و إتمام هذا العمل حتى تنتقل إليه العين الموهوبة،و هنا فإن المشرع لم يقصد الهبة بعوض بل قصد الهبة الموقوفة على شرط.
و من الملاحظات الواردة على هذا التعريف ما يلي:
1-يتضح من الوهلة الأولى أن المشرع الجزائري في نص المادة 202 من قانون الأسرة قد اعتبر الهبة من التصرفات لا من العقود،و لكن بالرجوع إلى نص المادة 206 من قانون الأسرة و نصها "تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم الحيازة و مراعاة أحكام التوثيق في العقارات و الإجراءات الخاصة في المنقولات،و إذا اختل أحد الشروط السابقة بطُلت الهبة"، نجد أن الهبة تنعقد بالإيجاب و القبول مما يجعلها كسائر العقود تنطبق عليها القواعد العامة التي تنظم العقود.
2-يستفاد من نص المادتين 202 و206 من قانون الأسرة أن الهبة عقد بين الأحياء،و ذلك أن الهبة عقد لابد أن يتوافق فيه الإيجاب و القبول،و بالتالي يشمل التمليك في الحال أو المستقبل في حياة كلٍ من الواهب و الموهوب له.
3-أن الواهب ينقل كل ماله أو جزءاً منه بلا مقابل مما يترتب عليه افتقار ذمة الواهب و اغتناء ذمة الموهوب له.
4-تنص المادة 205 من قانون الأسرة الجزائري على أنه "يجوز للواهب أن يهب كل من ممتلكاته     أو جزء منها عيناً أو منفعة أو ديناً لدى الغير"،و الملاحظ في هذه المادة أن الهبة تختلف عن باقي عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة كون الأولى تمليك عين أو منفعة أو حقوق شخصية أو عينية، و الثانية تقتصر فقط على تمليك منفعة.
5-أغفل المشرع الجزائري ذكر عبارة حال الحياة عند تعريفه للهبة إذ أن هذه العبارة تميز الهبة عن الوصية.
الفرع الثاني: مقومات عقد الهبة.
أولاً: الهبة عقد ما بين الأحياء.
     تنعقد الهبة بإيجاب و قبول كل من الواهب و الموهوب له،أي بتطابق إرادتهما دون أن يشوبهما عيب من عيوب الرضا،و هذا طبقاً لنص المادة 206 من قانون الأسرة،مما ينتج عنها انتقال ملكية العين الموهوبة في حياة كل منهما،و لا يجوز الرجوع في الهبة إلا في الحالة التي حددها المشرع و هي خاصة بحق الأبوين في الرجوع عن الهبة لولدهما ،و هذا طبقاً لنص المادة 211 من قانون الأسرة.     و بذلك تختلف الهبة عن الوصية في هذه الميزة،إذ أن الوصية تنعقد بإرادة الموصي المنفردة،كما أن للموصي الرجوع عن وصيته ما دام حياً،فالوصية لا تنتج أثرها إلا بعد وفاة الموصي،  و لا يعتبر رضا الموصى له بالوصية بعد وفاة الموصي قبولاً لإيجاب من الموصي بل يعتبر تثبت لحق الموصى له في الموصى به حتى لا يكسب حقاً بغير رضائه.
ثانياً: الهبة تصرف في مال بلا عوض.
    تعتبر الهبة من عقود التبرع إذ يتصرف الواهب في ماله بدون عوض و بنية التبرع،و هذه ميزة مشتركة بين الهبة و عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة،غير أن الهبة تختلف عن هذه العقود الأخيرة في أن الهبة قد تنقل حق ملكية الشيء الموهوب سواء كان عقاراً أو منقول،كما يمكن أن تكون الهبة حق انتفاع أو استعمال أو حق ارتفاق و غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية،أما عقود التبرع الأخرى فيلتزم فيها المتبرع بأداء عمل أو الامتناع عن عمل.
    كما تنفرد الهبة بخاصية أنها من أعمال التصرف،فالواهب يلتزم بنقل ملكية دون مقابل،و لما كانت الهبة تصرف في المال فقد خرجت الكفالة العينية أن تكون هبة،و رغم أن الهبة عقد بلا عوض إلا أن المشرع الجزائري قد أجاز في الفقرة 2 من المادة 202 من قانون الأسرة للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف عليه تمام الهبة،و يشترط في هذا الالتزام ألا يكون مخالفاً للنظام العام   و الآداب العامة،سواء اشترط ذلك لمصلحة الموهوب له أو لمصلحة الواهب أو لفائدة شخص أجنبي أو للمصلحة العامة،كما يجب ألا تكون قيمة العوض أكبر من قيمة العين الموهوبة،فإذا كانت أكثر لا يلتزم الموهوب له سوى بقيمة العين الموهوبة فقط.
ثالثاً: نية التبرع.
    يحتوي مقوم نية التبرع على عنصرين:
1)العنصر المعنوي: و هو مسألة نفسية و العبرة فيه بما يقوم في نفس المتبرع وقت تبرعه،هل قصد التضحية من جانبه دون أن يقصد منفعة؟ أو قصد من وراء تبرعه منفعة؟و ما عسى أن يقصده المتبرع من منفعة وراء تبرعه لا يدخل بطبيعة الحال في نطاق طبيعة العقد و إلا كانت المسألة تتعلق بعوض الهبة لا بنية التبرع.
2)العنصر المادي: و هو انتقال العين الموهوبة من الواهب إلى الموهوب له دون مقابل مما ينتج عن ذلك افتقار في جانب الواهب و اغتناء في جانب الموهوب له،و العنصر المادي هو أساس التنظيم القانوني للهبة،حيث أن الهبة لا تقوم إلا بانتقال الحق المالي مهما كانت طبيعته أو قيمته، و بتخلف هذا العنصر تنتهي الهبة؛
    و بالنظر إلى ما سبق فإن التصرف لا يعد هبةً في الحالات التالية:
أ-إذا كان الغرض من الهبة الوفاء بدين مدني أو طبيعي؛
ب-إذا كان القصد من التصرف الحصول على منفعة أياً كان نوعها أو صورتها،سواء كانت هذه المنفعة مادية أو أدبية.
ج-إذا كان القصد من الهبة مجازاة الموهوب له،مثل أن يعطي شخص من يقوم بخدمته مبلغاً من المال مكافأة له نظير تفانيه في خدمته و إخلاصه في العمل،فإن ذلك لا يعد هبة لانتفاء نية التبرع و غير ذلك من التصرفات التي يراد بها المجازاة مقابل خدمة ما.
رابعاً: الهبة عقد شكلي و عيني.
   وفقاً لما نصت عليه المادة 206 من قانون الأسرة لا يكفِ التراضي في عقد الهبة بل يجب أن ينصب في قالب معين،و ذلك بتحرير الهبة في عقد رسمي على يد موظف مختص و هو الموثق،و زيادة على ذلك يجب تسليم العين الموهوبة إلى الموهوب له أي انتقالها إلى حيازته،و الشكلية أو الرسمية هي ركن أساسي في عقد الهبة المنصب على عقار،أما في عقد الهبة المنصب على المنقول فهو يخضع لإجراءات خاصة إلى جانب الحيازة و الرضا،و لا يشترط فيه الشكلية إذ أن الحيازة هي الركن الأساسي في هبة المنقول.
     و يلاحظ أن الفقهاء المسلمين لا يتطّلبون لانعقاد الهبة أن تُحرر في ورقة رسمية و بناءاً على ذلك يخالفون القوانين الحديثة،و ذلك لا يعتبر مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية ما دامت مصلحة الواهبين تقتضي ذلك لأن في تصرفاتهم خطراً كبيراً على مصالحهم و مصالح ورثتهم خاصةً، و أن مقاصد الشريعة الإسلامية تقتضي متى و أين توجد المصلحة فثمّة شرع الله،بالإضافة إلى أن لولي الأمر أن ينظم الأعمال بطريقة تحفظ حقوق الناس و ترعى مصالحهم،و نظراً إلى أن تصرف الواهب خطير يتجرد به من ماله دون مقابل أو ضارٍ به في نفس الوقت و بورثته من بعده فقد فرض المشرع هذه الشكلية فيه حتى يتسع الوقت للواهب فيتدبّر هذا التصرف هل يمضي فيه أو يُثني عليه.

الفرع الثالث: التمييز بين الهبة و العقود المشابهة لها.

أولاً: تمييز الهبة عن الوصية و عن الوقف.
    إذا كانت الهبة تمليك دون عوض في حال الحياة عن طريق التبرع فإنها تختلف عن الوصية و الوقف فيما يأتي: 
1)-تمييز الهبة عن الوصية.
   قبل معرفة ما يميز الهبة عن الوصية لابد علينا من التطرق إلى تعريف الوصية، و للوصية عدة تعريفات منها:
أ-"الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت"؛
ب-"الوصية تمليك لما بعد الموت بطريق التبرع سواء أكان ذلك في الأعيان أو المنافع"؛
 و من هذه التعريفات يتبين أن الوصية تمليك لما بعد الموت بطريق التبرع و دون عوض،و رغم أن الهبة تتفق مع الوصية في كونهما من عقود التبرع إلا أنهما يتميزان عن بعضهما في جوانب أخرى كالتالي:
-الهبة تصرف حال الحياة، أما الوصية فهي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت؛
-يلزم لإنشاء عقد الهبة توافق إرادتي الواهب و الموهوب له،بينما الوصية يُكتفى فيها بإرادة الموصي فقط؛
-الأصل في الهبة امتناع الرجوع فيها إلا في الأحوال التي حددها المشرع، بينما الوصية يصح فيها للموصي أن يرجع عن وصيته متى شاء مادام على قيد الحياة،و ذلك ما نصت عليه المادة 192 من قانون الأسرة؛
-أوجب المشرع الجزائري الرسمية في هبة العقار و إجراءات خاصة في هبة المنقول تحت طائلة البطلان (المادة 206 من قانون الأسرة)،بينما الوصية لا تلزم فيها الشكلية إلا بمناسبة الإثبات و بعد وفاة الموصي و انتقال الملكية إلى الموصى له طبقاً للمادة 191 من قانون الأسرة؛
-الهبة سواء في القانون أو في الشّرع ليست مقيدة بقدرٍ معينٍ فيجوز أن ترد على مال الواهب كله إلا إذا كانت في مرض الموت فلا تنفذ إلا في حدود الثلث،بينما الوصية يلتزم أن تتقّيد بالثلث من التركة كما سنبينه لاحقاً.

2)-تمييز الهبة عن الوقف.
    يعرف الوقف بأنه "حبس عيني على ملك الواقف وتصدق بالمنفعة"؛
كما يعرف بأنه "حبس عيني عن التصرف الناقل للملكية وتصدق بالمنفعة في وجه من وجوه الخير"،     وبذلك يختلف الوقف عن الهبة في النقاط التالية:
-الهبة تمليك دون عوض،أما الوقف فهو حبس عن التملك؛
-الهبة تصرف في حال الحياة، أما الوقف فيكون في حال الحياة أو بعد الموت؛
-الهبة غير محددة القيمة ما عدا في حالة مرض الموت،أما الوقف فليس له قيمة محددة في الحياة أما بعد الوفاة فلا يتعد الثلث.



ثانياً:تمييز الهبة عن الصدقة و عن المكافأة.
أ)تمييز الهبة عن الصدقة.
    الصدقة هي "العطية التي يبتغى بها المثوبة من الله سبحانه و تعالى"،و بذلك تختلف الهبة عن الصدقة في الغرض من التبرع بها،فالهبة قد يكون القصد من ورائها التودد إلى الشخص الموهوب له كما قد يكون التقرب و الثواب من الله سبحانه و تعالى،أما الصدقة فغرضها الثواب عند الله سبحانه      و تعالى كما أن الصدقة لا يجوز الرجوع فيها على خلاف الهبة التي يجوز الرجوع فيها في الحالات التي نص عليها القانون فقط.
ب)تمييز الهبة عن المكافأة.
    المكافأة هي "الهدية المقدمة للإثابة على خدمة أو صنيع"،فمن أعطى مبلغاً مالياً لشخص مكافأةً على إخلاصه في العمل فإنه لا يعطِ هبة و إنما يفِ بالتزام طبيعي، حيث أنها تسمى بهبات المجازاة    و الأصل فيها أن تكون معاوضة و وفاء لالتزام طبيعي، في حين تكون الهبة بلا عوض.
    و يتضح من خلال هذا التعريف أن المكافأة تكون مقابل عمل أو صنيع يعني أنها بعوض،على عكس الهبة التي تكون بدون عوض،كما أنه لا يجوز الرجوع في المكافأة.

ثالثاً: التمييز بين الهبة و الإباحة و بين الهبة و العارية.
أ)التمييز بين الهبة و الإباحة.
    تعرف الإباحة على أنها "الإذن بإتيان الفعل كما شاء الفاعل"،و يقصد علماء أصول الفقه بالإباحة ما خيّر فيه الشّارع بين الفعل أو الترك فلا هو مدح الفعل و لا ذم الترك،و ليس المقصود من الإباحة هنا الإباحة من الشارع أو المشرع كما يقصد علماء الأصول، لأن الإباحة على هذا النحو حكم شرعي،و إنما المقصود من الإباحة هي الإباحة من العباد كأن يضع شخص مائدة كي يأكل منها من يأذن له في الأكل.
    و الإباحة على هذا النحو تختلف عن الهبة في النقاط التالية:
-إن الهبة تنعقد بالإيجاب و القبول بخلاف الإباحة التي تتوقف على الإذن من المالك؛
-يحق للموهوب له أن يتصرف في الشيء الموهوب بكل أنواع التصرفات بخلاف المباح له فهو يحق له في حدود ما أبيح فقط.

ب)التمييز بين الهبة و العارية.
  تعرف العارية بأنها "تمليك منفعة مؤقتة بلا عوض" ،و تشترك الهبة و العارية في كونهما عقد من عقود التبرع و أن المنتفع يثري على حساب الغير بدون مقابل،و يختلفان عن بعضهما في الأوجه التالية:
-اشتراط المشرع الجزائري الرسمية في هبة العقار و إجراءات خاصة في هبة المنقول،أما العارية فاكتفى فيها بتراضي الطرفين المتعاقدين دون رسمية؛
-في الهبة يحق للموهوب له تملك الشيء الموهوب أو الانتفاع به عكس العارية التي يحق فيها للمستعير الانتفاع بالعين المعارة دون تملكها؛
-الأصل في الهبة أن يكون القصد منها التبرع بلا عوض و ذلك بمنح الموهوب له منافع يحرم الواهب نفسه منها،بينما العارية على خلاف ذلك لا يكون قصد المعير منها في الأصل إفادة المستعير،بل يكون المراد منها تحقيق مصلحة نفسية،و حتى و إن كان المقصود منها التبرع فإنها لا تكون هبة       و ذلك لضآلة المنفعة المتبرع بها،بالإضافة إلى أن الدافع إليها في الكثير من الأحوال مراعاة حسن الجوار و المجاملة بين الناس.




المطلب الثاني: أنواع الهبة.
   تعددت  الهبة حسب المعيار المتبع في تقسيمها إلى عدة أنواع،و سنحاول في هذا المطلب توضيح أنواع الهبة في القانون و ليس كما قسمها فقهاء الشريعة الإسلامية.
   و لم يختلف أهل القانون مع أهل الفقه في تحديد أنواع الهبة من حيث المفهوم العام،غير أن أهل القانون يفرقون بين نوعين من الهبة و هي: الهبة غير المباشرة و الهبة المستترة.
أولاً: الهبة غير المباشرة.
    خلافاً للهبة المباشرة و التي هي تصرف الواهب في مال له على سبيل التبرع تصرفاً مباشراً و هو ما يرتب التزام بإعطاء شيء،فإن الهبة غير المباشرة هي أن يُكسِبَ الواهب الموهوب له حقاً عينياً أو حقاً شخصياً دون مقابلٍ و على سبيل التبرع،و لكن دون يُنْقَلَ إلى الموهوبِ له هذا الحق مباشرةً من الواهب كالتنازل على حق الانتفاع،حق السكن أو حق الاستعمال للموهوب له،أو التنازل عن حقٍ شخصي كالإبراء فيعتبر ذلك هبة غير مباشرة.
ثانياً: الهبة المستترة.
    و هي في الأصل هبةٌ مباشرة ،إذ ينقلُ الواهب للموهوب له حقاً عينياً أو يلتزم له بحقٍ شخصي،   و لكن ظاهر الهبة المستترة غير حقيقتها فهي في الواقع هبة و لكن تظهر تحت اسم عقدٍ آخر كعقود الإقرار  و المحاباة،و من أمثلتها الهبة المستترة في صورة قرض و هي أن يكتب الواهب سنداً عليه بمبلغ من النقود يذكر أنه تسلمها على سبيل القرض و في الحقيقة يكون قد التزم بها على سبيل الهبة        و التبرع،و يشترط هنا أن يكون العقد (العقد الساتر) مستوفياً لشروط الانعقاد في الظاهر.
مثال آخر: أن يبيع الشخص عقاراً لآخر بثمن بخس حاباه فيه و يقصد به التبرع فيكون في ذلك قد وهب الفرق بين الثمن المثل و هو الثمن الحقيقي و الثمن المدفوع ،و هنا يكون قد نقل الهبة من ذمته إلى ذمة المشتري غير أنها مستترة تحت عقد البيع.


المبحث الثاني : أركان عقد الهبة.
    باعتبار أن الهبة عقد كسائر العقود يلزم أن يتوافر فيها أركان العقد و هي: التراضي،المحل،السبب      و تضاف الشكلية في هبة العقار لكي يكون العقد صحيحاً منتجاً لآثاره،كما يجب أن تتوافر في كل ركن من تلك الأركان شروط معينة،و هذا ما سنوضحه فيما يأتي.
المطلب الأول : التراضي.
    بالرغم من أن عقد الهبة ملزم لطرف واحد إلا أنه لا ينعقد إلا بوجود تراضي بين الواهب          و الموهوب له و تطابق في إرادتيهما،إذا كانت الإرادة داخلية مستترة وجب إظهارها أو التعبير عنها بصيغة معينة تُظهر الرغبة في إحداث الهبة من أحد الأطراف و قبولها من الطرف الآخر،كما يجب توافر شرط صحة التراضي حتى تُحدث آثارها،و هذا ما سنتطرق إليه في هذا المطلب كالآتي.
الفرع الأول: الصيغة.
   الصيغة هي تعبير عن تراضي الطرفين في إحداث تصرف ما و التزام كل طرف بما يقتضيه العقد الذي سيباشره،و تكون الصيغة صادرة و معبرة عن إرادتي الطرفين في شكل إيجاب و قبول،و هذا ما نصت عليه المادة 206 من قانون الأسرة "تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول".
أولاً: الإيجاب.
    الإيجاب هو عرض جازم و كامل للتعاقد وفقاً لشروط معينة يوجه من شخص إلى آخر معين     أو إلى أشخاص غير معينين،و هو تعبير عن إرادة الواهب و عرض لتقديم هبة للطرف الآخر،و يكون الإيجاب بأي شكل من الأشكال القانونية، فقانون الأسرة الجزائري لم ينص على شكلٍ للإيجاب       و القبول فيما يخص الهبة و بالتالي نلجأ إلى القانون المدني،حيث تنص المادة 60 منه على أن" التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفاً،كما تكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه...".

   و من خلال  المادة السابقة نجد أن التعبير عن الإرادة يتم إما بشكل صريح أو ضمني:
1)التعبير الصريح: و يتم باللفظ الصادر عن الواهب إذ يقول "وهبتك"،"أهديت إليك"،"أعطيتك"أو"نحلتك" و نحو ذلك،و قد أيّد ذلك فقهاء الشريعة الإسلامية ،كما يمكن أن تكون بالكتابة كأن يكتب الواهب رسالة إلى الموهوب إليه يعرض فيها نيته في هبته شيئاً ما خاصةً إذا كانا متباعدين،كما يمكن أن تكون بالإشارة المعبرة و المفهومة خاصةً ممن يفقد النطق كالأخرس،    و استدل فقهاء الشريعة الإسلامية على الإشارة التي يمكن أن تعوض الكلام بقوله تعالى "قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ"آل عمران 41.
2)التعبير الضمني: كما يمكن أن يكون التعبير ضمنياً بالقيام بفعل أو اتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه،كما أشارت المادة 60 من القانون المدني.
ثانياً: القبول.
    و هو التعبير البات عن إرادة الطرف الذي وُجِّه إليه الإيجاب بارتضائه العرض الذي تقدم به الموجب، و هو نظير الإيجاب إذ يصدر ممن وجه إليه الإيجاب و هو الموهوب له،إذ يعبر  عن نيّة قاطعة لإبرام عقد الهبة،و يكون التعبير عن القبول بنفس الطرق التي يتم بها الإيجاب بشكل صريح          أو ضمني،بل إن سكوت الموهوب له بعد علمه بالإيجاب يعتبر  قبولاً إذا كانت الهبة نافعة،و هذا ما أشارت إليه المادة 68 ف2 من القانون المدني،حيث يعتبر السكوت في الرد قبولاً إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين،أو إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه.
   أما إذا سقط الإيجاب قبل صدور القبول،سقط القبول و عُدّ إيجاباً جديداً يحتاج إلى قبول جديد،كما لا تتم الهبة إذا صدر الإيجاب و توفي الموهوب له قبل صدور القبول منه،و لا يجوز لورثته المطالبة بالهبة لأنها لم تتم.
  أما إذا صدر القبول و توفي الموهوب له قبل وصول القبول إلى علم الواهب فإن الهبة  تتم لأن القبول ينتج آثاره متى وصل إلى علم الواهب،و هذا ما نستشفه من المادة 62 قانون مدني "إذا مات من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه إليه،و هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل".
   كما قد يصدر القبول من الغير أي ليس من الموهوب له و لكن من نائب عنه،و قد يكون النائب قانونياً كالولي و الوصي، أو نائباً اتفاقياً كالوكيل،فأما الولي فقد نصت المادة 88 من قانون الأسرة على أنه "على الولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص و يكون مسؤولاً طبق لمقتضيات القانون العام"،أما الوكيل فقد نصت عليه المادة 374 من القانون المدني "لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لاسيما في البيع و الرهن و التبرع..."،و بالتالي فيكون القبول نافذاً إذا كان موافقاً لما نص عليه القانون و لو كان من الغير (الولي و الوكيل).
الفرع الثاني: شروط التراضي.
   إذا كان التراضي ركنا من أركان الهبة فيجب أن يكون هذا التراضي صادراً من أشخاص يتمتعون بالأهلية،و أن يكون خالياً من أي عيب من عيوب الإرادة.
أولاً: أهلية الأطراف.
1)-أهلية الواهب.
   تعرف الأهلية بأنها صلاحية الشخص لكسب الحقوق و تحمل الالتزامات،و مباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن ترتب له هذا الأمر أو ذاك،و بالرجوع إلى المبادئ العامة في القانون المدني نجد أن المادة 78 من القانون المدني تنص على أنه "كل شخص أهل للتعاقد ما لم يطرأ على أهليته عارض يجعله ناقص الأهلية أو فاقدها بحكم القانون".
و كذلك المادة 40 ف 2 من القانون المدني تنص أن "كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية و لم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.و سن الرشد تسعة عشر(19) سنة كاملة".
وبالتالي فحتى تتوافر الأهلية يشترط بلوغ السن القانونية و التمتع بالقوة العقلية و عدم الحجر.

أ-بلوغ السن القانونية.
   لقد نصت المادة 203 من قانون الأسرة على أنه "يشترط في الواهب أن يكون سليم العقل،بالغاً تسعة عشرة (19) سنة و غير محجور عليه"،أي أن قانون الأسرة حدد السن القانونية للواهب بـ19 سنة كاملة و هي أهلية الأداء التي يمكن من خلالها للواهب أن يتحمل مسؤوليته عن كل تصرف يصدر منه،و من بينها التبرع و يكون حينئذٍ تصرفه قانونياً و منتجاً لأثره.
و يخرج في هذه الحالة فاقد التمييز و هو ما نصت عليه المادة 42 من القانون المدني "لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية،من كان فاقد التمييز لصغر في السن...".
   و فاقد التمييز هو من أشارت إليه المادة 42 ف2 من القانون المدني "...يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة (13) سنة"،و الذي لا يمكنه مباشرة أي تصرف مهما كان إلا عن طريق ولي أو وصي مؤهل قانوناً،و هذا ما نصت عليه المادة 44 من القانون المدني " يخضع فاقدو الأهلية، و ناقصوها، بحسب الأحوال لأحكام الولاية، أو الوصاية، أو القوامة، ضمن الشروط و وفقاً القواعد المقررة في القانون".
أما تصرفات فاقد الأهلية فهي باطلة بطلاناً مطلقاً، و هذا ما أكدته المادة 82 من قانون الأسرة "من لم يبلغ سن التمييز لصغر سنه طبقاً للمادة 42 من القانون المدني تعتبر جميع تصرفاته باطلة".
  أما ناقص الأهلية حسب المادة 43 من القانون المدني "كل من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد و كل من بلغ سن الرشد و كان سفيهاً أو ذا غفلة،يكون ناقص الأهلية وفقاً لما يقرره القانون"،و هذا ما أكدته المادة 83 من قانون الأسرة "من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد طبقاً للمادة 43 من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له، و باطلة إذا كانت ضارة به    و تتوقف على إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت مترددة بين النفع  و الضرر، و في حالة النزاع يرفع الأمر للقضاء".


ب)-التمتع بالقوة العقلية.
   و تؤثر على القوى العقلية كل العوارض التي من شأنها الإخلال بأهلية الراشد،و هي: الجنون و العته اللذان يعدمانها،و السفه و الغفلة اللذان ينقصانها:
1-الجنون و العته: كلا من الجنون و العته يفقد الأهلية،و بالرجوع إلى الشريعة العامة نجد أن القانون المدني في المادة 42 منه جعل تصرفات كل من المجنون و المعتوه باطلة حتى قبل صدور قرار الحجر،    و جعلت حكمهما حكم الصبي غير المميز،أما قانون الأسرة فقد ميز بين مرحلتين و ذلك في المادة 107:فقبل الحجر تكون تصرفات المحجور عليه نافذة، إلا إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة            و فاشية،أما بعد الحجر تكون باطلة بطلاناً مطلق،و بذلك يكون قانون الأسرة الجزائري قد ساير فقهاء الشريعة في التمييز حالةَ الجنونِ بين حالة جنونه و حالة صحوه.
السفه و الغفلة: أما فيما يخص السفه و الغفلة فهما آفتان لا يخلان بالعقل من الناحية الطبية،و لكن يؤثران على ملكات و قدرات نفسية تتعلق بالإرادة و حسن التقدير.
   و بالرجوع إلى القانون المدني فقد نص على أنه كل من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد و كان سفيهاً أو معتوهاً يكون ناقص الأهلية وفق لما يقرره  القانون(المادة43 قانون مدني)،أما تصرفات السفيه و ذي الغفلة فهي نافذة قبل الحكم بالحجر،إلا إذا كان هناك تواطىء و استغلال و ابتزاز بماله فيحكم ببطلانه،أما بعد صدور حكم الحجر فتأخذ حكم ناقص الأهلية.
ج)موانع الأهلية.
هناك حالات يمكن أن تمنع الشخص من ممارسة التصرفات القانونية و لو كان بالغاً سن الرشد         و متمتع بكامل أهليته،و هي:الغيبة،الحكم بعقوبة جنائية،شهر الإفلاس و اجتماع عاهتين.
1-الغيبة: و قد عُرف المفقود في المادة 109 من قانون الأسرة أنه "المفقود هو الشخص الغائب الذي لا يعرف مكانه و لا يعرف حياته أو موته و لا يعتبر مفقوداً إلا بحكم"،و كذا المادة 110 من قانون الأسرة و التي عرفت الغائب بأن"الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته    أو إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة مدة سنة و تسبب غيابه في ضرر الغير يعتبر كالمفقود.
   و الغائب لا يمكنه أن يتصرف في ماله و بالتالي  يعين القاضي مقدماً من أهله أو غيره لتسيير هذه الأموال ،و هذا ما نصت عليه المادة111 من قانون الأسرة "على القاضي عندما يحكم بالفقد أن يحصر أموال المفقود و أن يعين في حكمه مقدماً من الأقارب أو غيرهم لتسيير أموال المفقود و يتسلم ما استحقه في ميراث أو تبرع مع مراعاة أحكام المادة 99 من هذا القانون".
2-الحكم بعقوبة جنائية: قد ترفق العقوبات السالبة للحرية بعقوبات تكميلية من شأنها إنقاص أهلية المحكوم عليه كأن يحكم عليه بعقوبة الحجر القانوني كعقوبة تكميلية،حيث يقصد بالحجر القانوني حرمان المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية من مباشرة حقوقه المالية،و بالتالي لا يمكنه التبرع     أو تقديم هبة خلال فترة العقوبة.
3-شهر الإفلاس: يعتبر من الأسباب التي تمنع الشخص من ممارسة أي تصرف في أمواله و بالتالي تمنعه من القيام بأي هبة،هذا ما نصت عليه المادة 244 ف 1 من القانون التجاري "يترتب بحكم القانون على الحكم بإشهار الإفلاس،و من تاريخه، تخلي المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها،بما فيها الأموال التي يكتسبها لأي سبب كان،و ما دام في حالة الإفلاس.و يمارس وكيل التفليسة جميع حقوق و دعاوى المفلس المتعلقة بذمته طيلة مدة التفليسة...".
4-اجتماع عاهتين: طبقاً للمادة 80 من القانون المدني فإنه "إذا كان الشخص أصم  أبكم،        أو أعمى  أصم، أو أعمى أبكم، و تعذر عليه بسبب تلك العاهة التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائي يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته.و يكون قابل للإبطال كل تصرف عين من أجله مساعد قضائي إذا صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة."،و بالتالي فإن الهبة متى اجتمعت فيها عاهتان تكون قابلة للإبطال متى تغيب المساعد القضائي.



2)-أهلية الموهوب له.
   إذا كانت الهبة غير مشروطة فلا يتطلب في الموهوب له إلا هبة الوجوب لأن الهبة بالنسبة له نافعة نفعاً محضاً،أما إذا اقترنت بشرط تتطلب أهلية الأداء.
أ)الموهوب له جنين.
   جاء في المادة 209 من قانون الأسرة أنه "تصح الهبة للحمل بشرط أن يولد حياً"،أي أن المشرع أجاز الهبة للجنين و اشترط ولادته حياً،أي أن الهبة تبقى موقوفة على ميلاد الجنين و لا يكون له أي أثر إذا ولد ميتاً.
ب)الموهوب له فاقد الأهلية.
   إذا كان الموهوب له فاقد الأهلية بسبب صغر سنه،أو لوجود عارض من عوارض الأهلية كالجنون     أو العته يمكن أن ينوب عنه وليه، أو الوصي، أو القيم أو المقدم،و هذا ما نصت عليه المادة 210 من قانون الأسرة.
ج)الموهوب له ناقص الأهلية.
   إذا كان الموهوب له ناقص الأهلية بسبب السن أو السفه أو الغفلة فيمكن قبول الهبة بنفسه لأنها تعتبر تصرفاً نافعاً نفعاً محضاً،أما إذا كانت مشروطة بتصرفات تعتبر ضارة فإنها تكون موقوفة بإجازة الولي،ما أشارت إليه المادة 83 من قانون الأسرة.
ثانياً: سلامة الرضا من العيوب.
    حتى يكون عقد الهبة صحيحاً منتجاً لآثاره يجب إضافةً لأهلية الأطراف أن يكون التراضي سليماً خالياً من عيوب الإرادة ،و التي ذكرها المشرع الجزائري في القانون المدني في المواد من 81 إلى 87 ،  و هي: الغلط،التدليس،الإكراه و الغبن و الاستغلال،و هذه العيوب تمس إرادة أحد المتعاقدين       أو كليهما فتفسد التراضي،فتزيله أحياناً ليصبح العقد باطلاً (كالإكراه البدني أو المادي)،و قد تفسده دون أن تزيله فيصبح العقد قابلاً للإبطال،و سنتناول هذه العيوب كالآتي:
1)-الغلط.
    ما يهمنا هنا هو الغلط المعيب للإرادة لا المانع لها (يتعلق بجوهر العقد)،و هو ما أشار إليه المشرع الجزائري في القانون المدني المواد:81 ،82 و83 ،و هو الغلط الجوهري الذي يكون العقد فيه قابلاً للإبطال،و يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة سواء وقع في صفة الشيء، أو في ذات المتعاقد أو صفة من صفاته،و منه فإن الغلط يؤثر على الهبة باعتبارها عقداً يبرم بين طرفين و يستوجب تراضيهما كما يجب أن يكون هذا التراضي سليماً.
2)-التدليس.
    أشار المشرع الجزائري للتدليس في المادتين 86 و87 من القانون المدني باعتباره عيباً من عيوب الإرادة يجعل العقد قابلاً للإبطال،حيث تنص المادة 86 من القانون المدني أنه" يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه،من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد.و يعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة".
    و قد نصت المادة 87 من القانون المدني على أنه "إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين،فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد،ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم،أو كان من المفروض حتماً أن يعلم هذا التدليس.".
   و منه فإن التدليس يجعل عقد الهبة قابلاً للإبطال إذا كانت الصفة التي وصفها المشرع.
3)-الإكراه.
    و قد أشار إليه القانون المدني الجزائري في المواد 88 و 89 ،و بالتالي فإذا كانت الهبة مبرمة تحت إكراه فإنها تكون قابلة للإبطال.
4)-الغبن و الاستغلال.
   الغبن هو عدم تعادل بين ما يأخذه المتعاقد و ما يعطيه ،أما الاستغلال فهو أن يستغل الشخص طيشاً بيناً أو هوى جامح في آخر كي يبرم تصرفاً يؤدي إلى غبن فادح به،و منه فيمكن أن نستنتج أن ما يفسد التراضي هو الاستغلال أما الغبن فهو ناتج عن الأول (الاستغلال)،أي أن الغبن يكون في  العقد و ليس التراضي،و عادةً ما يكون هذا العيب في عقود المعاوضة،فهل يمكن أن نجده في عقود التبرع؟
    ما دام أن عقود التبرع هي التي يلتزم فيها أحد المتعاقدين بالإعطاء دون أن يأخذ مقابلاً فإن عقود التبرع هي مجال كبير لإعمال نظام الاستغلال، حيث يتمثل الاختلال في التعادل بالنسبة لهذه العقود في الفرق بين الالتزامات التي يتحملها المتبرع و الغاية التي يسعى لتحقيقها،و تكون العبرة حينها بالقيمة الشخصية للأشياء لا بالقيمة المادية.
   و قد أشار المشرع الجزائري إلى عيب الغبن في المواد 90 و 91 من القانون المدني،و بالتالي فإذا كان الطرف الواهب في عقد الهبة قد وقع في استغلال أو غبن أمكنه طلب إبطال العقد.











المطلب الثاني: المحل في عقد الهبة.
   الأصل أن الهبة عقد ملزم لجانب واحد و على هذا الأساس يكون محل الالتزام هنا هو الشيء الموهوب،و لكن بالرجوع إلى الفقرة 2 من المادة 202 من قانون الأسرة"...يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام..."تصبح عقد معاوضة ملزم لجانبين،و بالتالي يكون للهبة محل مزدوج يتمثل في الشيء الموهوب من ناحية،و العوض من ناحية أخرى.
الفرع الأول: الشيء الموهوب.
   هو ما تقع عليه الهبة من الواهب إلى الموهوب له،و لكي تكون الهبة صحيحة منتجة لآثارها لابد أن تتوافر فيها الشروط التالية:
1-أن يكون المحل موجوداً وقت الهبة فلا تصح هبة ما ليس موجود وقت إبرام العقد؛
2-أن يكون المحل معيناً أو قابلاً للتعيين؛
3-أن يكون المحل مشروعاً؛
4-أن يكون الشيء الموهوب مملوكاً للواهب،و نستنتج هذا الشرط من خلال المادة 205 من قانون الأسرة و التي تنص على أنه "يجوز للواهب أن يهب كل ممتلكاته أو جزء منها..."،فالجواز مشروط بأن يكون الواهب مالكاً لما يهب،أي أن الشيء الموهوب تسري عليه قواعد المحل بشكل عام إلا أن هناك خلافاً يثور حول مدى جواز هبة المال المستقبل،و هبة ملك الغير،و هبة المال المشاع.
1)هبة المال المستقبل.
   لا يوجد في قانون الأسرة الجزائري ما يمنع هبة المال المستقبل،كما أنه بالرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني الجزائري نجد أن المشرع يجيز التعامل في المال المستقبل طبقاً للمادة 92 ف1 و التي تنص على أنه "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً و محققاً..."،إلا أن المشرع المصري مثلاً قد وضع نصاً خاصاً عالج به هبة مال المستقبل في المادة 492 من القانون المدني المصري و التي تنص على أنه "تقع هبة المال المستقبل باطلة"،و يعتبر هذا استثناءاً من القواعد العامة التي تحددها المادة 131 من القانون المدني المصري "يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً..."،و بما أنه لا يوجد نص حول هبة الأموال المستقبلة في القانون الجزائري وجب علينا الرجوع إلى أحكام الشريعة وفقاً للمادة 222 من قانون الأسرة،و عليه فالشيء الموهوب يجب أن يكون موجود،و هذا شرط أصلي في عقود التملك في الشريعة صيانة للعقد من الإلغاء عند فوات المحل.
   و المال المستقبل هو المال غير الموجود حالاً وقت انعقاد الهبة كالمحصول الذي لم ينبت أو نتاج المواشي،و في هذا الصدد يقول الدكتور وهبة الزحيلي "فلا تنعقد هبة ما ليس بموجود وقت العقد مثل أن يهب ما يثمر نخله في هذا العام،أو ما تلد أغنامه هذه السنة لأنه تمليك لمعدوم فيكون العقد باطلاً"،و العلة في جعل هبة المال المستقبل باطلة هو ما قد ينجر عنها من أخطار،و لكون الواهب قد يندفع إلى هبة المال المستقبل أكثر من اندفاعه إلى هبة المال الحاضر و حماية له من الأخطار التي قد يتعرض لها.
   أما إذا وهب شخص مالاً حاضراً و مالاً مستقبلاً في حال واحد و كانت هبة قابلة للتجزئة صحت هبة المال الحاضر و كانت باطلة فيما يخص المال المستقبل.
   و كذلك فإن هبة تركة إنسان على قيد الحياة باطلة،لأن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطلة في جميع الأحوال و تعتبر من النظام العام طبقاً للمادة 92 ف2 من القانون المدني"...غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل و لو كان برضاه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون".
هبة ملك الغير.
   قبل التطرق إلى حكم هبة ملك الغير يجب التفرقة بين المال المستقبل و ملك الغير،فهذا الأخير هو مال معين بالذات و موجود وقت الهبة و لكنه غير مملوك للواهب،أما المال المستقبل فهو مال غير موجود وقت الهبة إلا أنه قد يكون محقق الوجود كنتاج المواشي مثلاً،و هبة ملك الغير لم يورد نص بشأنها في حين أن المشرع المصري قد عرفها بأنها "مال معين وقت الهبة و غير مملوك للواهب،فهو هبة ملك الغير"،و بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية نجد أنه من شروط المال الموهوب أن يكون مملوكاً للواهب فلا تنفذ هبة مال الغير بغير إذنه لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك و هذا الشرط نافذ عند الحنفية".
   و لا تسري هبة ملك الغير في حق المالك الحقيقي إذا رفض إجازتها،و لا تنتقل الملكية إلى الموهوب له حتى لو قبلها،و عليه فيمكن للمالك الحقيقي أن يرجع على الموهوب له بدعوى استحقاق،و على الواهب بالتعويض.
   أما إذا أقرها كان إقراره ناقلاً للملكية إلى الموهوب له.
هبة الملك المشاع.
   إذا تعدد المالكون للشيء الواحد بدون أن تحدد حصص كلٍ منهم يُقال للملك أنه شائع،و يُقال لكل واحد منهم أنه مالك على الشيوع،و لم يورد المشرع الجزائري حكماً بشأن هبة المشاع و بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية نجد أن هبة المشاع لا تصح عند الحنفية بينما يجيزها الشافعية و المالكية    و الحنابلة،و عليه فإذا وهب شخص حصته على الشيوع انتقلت الملكية للموهوب له على الشيوع أيضاً،حيث يصبح الموهوب له خلفاً خاصاً للواهب و يحل محله في الجزء الشائع،فإذا ما وهب الجزء الشائع قبل قسمته يكون قد وهب ما يملك حيث وهب الحصة التي يملكها من هذا المال الشائع      و باقي الشركاء فيه،و إذا كان الموهوب له يعلم أن الواهب لا يملك الجزء المفرز و إنما يملك فيه حصته على الشيوع فيفترض فيه الحصول على الهبة،سواء في الجزء المفرز أو ما يحل محله من نصيب الواهب عند القسمة،فإن لم يكن الجزء المفرز من نصيب الواهب يحل محله الجزء المتحصل عليه من القسمة،أما إذا كان الموهوب له يجهل أن الواهب لا يملك في الجزء المفرز إلا حصته على الشيوع فقد وقع في غلط جوهري و تكون الهبة قابلة للإبطال،و تظهر مصلحته في طلب الإبطال أكثر إذا كانت الهبة بعوض أو مقترنة بشروط و التزامات،و ليس للموهوب له طلب إبطال الهبة بعد القسمة إذا وقع الجزء المفرز في نصيب الواهب،و إذا أصبح الموهوب له مالكاً على الشيوع لحصة الواهب،فليس لأحد الشركاء أن يتعرض له و ليس له طلب الإبطال و لا رفع دعوى الاستحقاق.


الفرع الثاني: العوض.
    نصت المادة 202 ف2 من قانون الأسرة على أنه "...يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على انجاز الشرط"،و من خلال نص المادة نجد أن الهبة قد تقترن بمقابل يفرض على الموهوب له،و قد يكون هذا المقابل شروطاً و التزامات و تكون الهبة في هذه الحالة ملزمة لجانبين و يكون التزام الموهوب له: التزام بإعطاء،أو الالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل،و مهما كان التزام الموهوب له يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة الواجب توافرها في شروط الالتزام:
-أن يكون موجوداً إذا كان يتعلق بشيء معين بالذات؛
-أن يكون ممكناً إذا كان يتعلق بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل؛
-أن يكون مشروعاً و غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة.
-أن تكون قيمة المقابل المادية أقل من قيمة الشيء الموهوب،و ذلك حتى تحتفظ الهبة بصفتها الشرعية،فإن عادلت قيمة المقابل قيمة الشيء الموهوب كان عقد معاوضة لا تبرع.
   *و قد يتخذ العوض في الهبة صور مختلفة،بحيث قد يكون العوض لمصلحة الموهوب له كأن يهب شخص لآخر مالاً و يشترط عليه أن يشتري بها سيارة لنفسه مثلاً،كما قد يكون لمصلحة الواهب كأن يشترط هذا الأخير على الواهب أن يوفي له ديونه،و قد يكون لمصلحة أجنبي كأن يهب شخص مالاً لجمعية خيرية و يشترط عليها إنشاء دار للعجزة.





الفرع الثالث: السبب.
     إن الركن الثالث من أركان العقد حسب فقهاء القانون هو السبب،و يقصد به الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء رضائه التحمل بالتزام،أو هو الغاية التي يستهدف الملتزم تحقيقها نتيجة التزامه أو بمعنى آخر هو الدافع الذي حمل المتعاقد أن يتحمل جملة من الالتزامات.
   و قد أثار السبب جدالاً بين فقهاء القانون عبر التاريخ،و قد ظهر نتيجة ذلك نظريتان بارزتان في الفقه و القانون و هما:
النظرية التقليدية.
   و التي تعتبر السبب هو الغرض المباشر الذي قصده المتعاقد من وراء التزامه دون الأخذ بالقصد البعيد أو ما يسمى بالباعث؛
النظرية الحديثة.
   لا تقف النظرية الحديثة عند الغرض المباشر و لكنها تتوسع لتصل إلى الباعث و الدافع الحقيقي للالتزام؛
   فإذا كان الفقه الوضعي أعطى أهمية بالغة للسبب و ما يترتب عنه من آثار على العقد و نتائجه،فما هو موقف الشريعة الإسلامية من ذلك باعتبارها المرجع الأول الذي ترجع إليه إذا لم نجد نص في قانون الأسرة يحكم الهبة باعتبار الهبة من عقود التبرع؟ و ما هو موقف المشرع الجزائري؟
1)السبب في الفقه الإسلامي.
    اختلف السبب في الفقه الإسلامي من مذهب لآخر كلٌ حسب الدليل الذي رآه أقوى،حيث يميل الحنفية و الشافعية إلى النظرية التقليدية و ذلك مطاوعة للنزعة الموضوعية البارزة في الفقه الإسلامي و كما هو الشأن في الفقه الجرماني،بينما يميل المالكية و الحنابلة للنظرية الحديثة و ذلك تماشياً مع العوامل الأدبية و الخلقية و الدينية التي لها الغلبة في الفقه الإسلامي و كما هو الشأن في الفقه اللاتيني،و لقد أورد عدة صور مبينة لاختلاف السبب و ما ينتج عنه من تغير الحكم،و من بين هذه الصور ما يلي:
أ-لو قضى أحد عن غيره ديناً أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك ينوي بها التبرع و الهبة لم يملك حق الرجوع بالبدل،و إن لم ينوي فله الرجوع إذا كان بإذنه اتفاقاً و إن كان بغير إذنه ففيه النزاع المعروض،فصورة العقد واحدة و إنما اختلف الحكم بالنية و القصد.
ب-من أدى عن غيره واجباً ينوي به الرجوع ملك حق الرجوع و إن نوى التبرع لم يملك حق الرجوع،و نلاحظ مما سبق أن صور الأفعال و العقود و التصرفات قد تتشابه و لكن أحكامها تختلف باختلاف النية و القصد (السبب) الذي نشأت من أجله،لأن النية روح العمل و لبه و قوامه و هو تابع لها يصح بصحتها و يفسد بفسادها.
و يشترط في السبب أي الدافع للهبة أن يكون الدافع مشروعاً و إلا اعتبرت الهبة باطلة إذا اقترنت بشرط غير مشروع،كأن يهب شخص مالاً لمطلقته و يشترط عليها عدم الزواج فهذا الشرط غير مشروع،و العبرة من عدم مشروعية الشرط بوقت صدور الهبة،فإذا كان الباعث هو الدافع على التبرع هو ذلك الشرط ألغي الشرط و بطلت معه،و إن لم يكن هو الباعث الدافع للتبرع ألغي الشرط لمخالفته القانون و النظام العام.
2)السبب في القانون الجزائري.
   تنص المادة 97 من القانون المدني على أنه "إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام و الآداب العامة كان العقد باطلاً".
    و تنص المادة 98 من القانون المدني على أنه "كل التزام مفترض أن له سبب مشروع ما لم يقم الدليل على غير ذلك و يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك،فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبباً آخر مشروع أن يثبت ما يدعيه"،و بالتنسيق بين المادتين السابقتين نجد أن المشرع الجزائري قد أخذ بازدواجية السبب فجعل كل التزام يفترض له سبباً مشروعاً بالمعنى التقليدي و الآخر بالمعنى الحديث.و عموماً السبب المذكور كركن في العقد يشترط فيه أن يكون مشروعاً،و يفترض أن السبب مشروع حتى يثبت العكس،و إذا ثبت أن الباعث الدافع لأحد المتعاقدين غير مشروع فيشترط لبطلان العقد أن يكون المتعاقد الآخر على علم بهذا الباعث أما إذا لم يكن على علم به و لا كان في استطاعته أن يعلم به فلا يكون العقد باطلاً و يؤخذ بالإرادة الظاهرة  لا بالإرادة الباطنة،و في مجال عقد الهبة و طبقاً للقضاء الفرنسي و المصري يفهم السبب بمعناه الحديث أي الباعث الدافع للواهب على الهبة،و لابد من التمييز بين نية التبرع و التي تكون موجودة في كل عقد هبة،فالواهب عندما رضي بالهبة كان رضاؤه متضمناً نية التبرع و بين السبب الباعث للهبة و الذي يختلف من متعاقد لآخر.
الفرع الرابع: الشكلية في عقد الهبة.
    يستفاد من نص المادة 206 من قانون الأسرة أنه "تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم الحيازة       و مراعاة أحكام التوثيق في العقارات و الإجراءات الخاصة في المنقولات و إلا بطلت الهبة"،و معنى ذلك أن المشرع جعل من الشكلية ركناً في الهبة مع اختلاف الأمر إذا كان الشيء الموهوب عقاراً     أو منقول،هذا ما سنوضحه فيما يأتي:
أولا: الشكلية في هبة العقار.
  فيما يخص هبة العقار يشترط لكي تنعقد الهبة إضافة للإيجاب و القبول مراعاة أحكام التوثيق:
    و من أحكام التوثيق ما نصت عليه المواد 324 مكرر1، 324 مكرر2، 324 مكرر4 ،و المادة 324 مكرر 3،حيث نصت المادة 324 مكرر 1 على أنه "زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار      أو حقوق عقارية أو محلات تجارية أو صناعية أو كل عنصر من عناصرها،أو تنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها،أو عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي،و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد".
   و تنص المادة 324 مكرر 2 على أنه "توقع العقود الرسمية من قبل الأطراف و الشهود عند الاقتضاء،و يؤشر الضابط العمومي على ذلك في آخر العقد"،كما نصت المادة 324 مكرر 4 على أنه "يبين الضابط العمومي في العقود الناقلة أو المعلنة عن ملكية عقارية طبيعة و حالات و مضمون  و حدود العقارات و أسماء المالكين السابقين و عند الإمكان صفة و تاريخ التحويلات المتتالية"،و من خلال هذه المواد نستنتج أن هبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية و ذلك عن طريق مكاتب التوثيق الموجودة في دائرة اختصاص العقار الموهوب محل عقد الهبة بعد دفع الرسم المستحق،و يجب على الموثق التثبت من أهلية المتعاقدين و رضائهما،و ذلك عن طريق تقديم مستندات كشهادة الميلاد أو شهادة طبية أو مستند آخر،و لا يجوز التوثيق إلا بحضور شاهدين يوقعان عقد الهبة طبقاً للمادة 324 مكرر 3 و نصها "يتلقى الضابط العمومي تحت طائلة البطلان العقود الاحتفائية بحضور شاهدين"،و على الموثق قبل توقيع المتعاقدين على الهبة أن يتلوا سيرة العقد مع بيان الأثر القانوني المترتب عليه،و يكون من حقه رفض التوثيق إذا اتضح له عدم توافر الرضا لدى المتعاقدين أو أن الهبة ظاهرة البطلان.
    و يجب فضلاً عن ذلك أن يتضمن العقد الرسمي جميع عناصر الهبة و شروطها و جميع ما عسى أن يفرض من التزامات على الموهوب له،و أصل ملكية العقار و طبيعة و حالات و مضمون و حدود العقار،و أسماء المالكين السابقين،و عند الإمكان وصف التحولات المتتالية للملكية،و إذا تمت الهبة بواسطة وكيل فعلى الموثق أن يتأكد من مضمون الهبة حتى لا يتجاوز مضمون الوكالة في الهبة.
    و بإتمام تلك الإجراءات و استيفائها جميعاً من دون نقص يصبح عقد الهبة عقداً رسمياً و صحيحاً نافذاً في كافة التراب الوطني حتى يثبت تزويره (المادة 324 مكرر5 من القانون المدني).
     و لا بد أن تسجل هبة العقار بناءاً على نص المادة 206 من قانون الأسرة و بناءاً على القواعد العامة في القانون المدني لأن نقل ملكية العقار تستلزم التسجيل هبةً كانت أو بيعاً،و يلزم التسجيل          و الإشهار في المحافظة العقارية و في إدارة "الدومين" وفقاً لما توجبه المادتان 790 و 792 قانون مدني،و الشكلية المطلوبة في نص المادة 206 من قانون الأسرة هي شكلية الإيجاب و القبول         و ليست شكلية الإيجاب فقط.
    و إذا وقعت الهبة خارج الجزائر فما هو القانون الذي يطبق على شكل الهبة؟ و هل يخضع هذا الشكل لجنسية الواهب أو لقانون البلد الذي تمت فيه؟
    باعتبار أن الشكل مكمل للأهلية و على أساس ذكر مواد عقد الهبة ضمن قانون الأسرة فإنه يخضع لقانون جنسية الواهب،و يدخل في نطاق الأحوال الشخصية،و يجب أن يسجل العقد أمام القنصل الجزائري ما دام وقع في الخارج.


ثانياً: الشكلية في هبة المنقول.
   حسب المادة 206 من قانون الأسرة لابد أن تتم هبة المنقول بالإجراءات الخاصة للمنقول إضافة إلى الحيازة،و المقصود هو استيفاء الإجراءات القانونية الخاصة بنقل الملكية في بعض المنقولات التي يستلزم فيها القانون هذه الإجراءات كما هي الحالة في هبة السيارات و الأسهم و غيرها من المنقولات التي يتطلب فيها القانون استيفاء إجراءات لنقل ملكيتها.
   و يمكن القول أن ملكية الموهوب لا تنتقل إلا بفرزه و تسليمه و حتى تتم بالحيازة،أما إذا كان الشيء الموهوب بيد الموهوب له قبل الهبة يعتبر حيازة و إذا كان بيد الغير وجب إخباره بها ليعتبر حائزاً (المادة 207 من قانون الأسرة)،أما فيما يخص جزاء تخلف الشكلية فوفقاً للفقرة 2 من المادة 206 من قانون الأسرة و المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني فإنه إذا تخلفت الشكلية في هبة العقار        و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول تصبح الهبة باطلة.
    فجزاء اختلال الشكل في هبة العقار هو البطلان المطلق و لا تنتج أثراً،فيبقى المال الموهوب ملكاً للواهب يستطيع التصرف فيه كما يشاء و لا ينتقل إلى الموهوب له،و يجوز للواهب أو لأي ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان،و لا يصحح بطلان الهبة بالإجازة بل يجب إبرام عقد جديد مستوفي لكل شروط الهبة يسري تاريخها من وقت استيفاء الشكل.
    و إذا كان الموهوب منقولاً مما يستوجب الإجراءات الخاصة و لم تراعَ تلك الإجراءات أو روعيت بشكل مخالف للإجراءات بصفة جوهرية تؤثر على صحتها فإن الهبة باطلة و لا تلحقها الإجازة،     و يجوز للواهب أن يسترد الموهوب من الموهوب له و لو تم القبض لأن الحيازة لا تغني عن الإجراءات الخاصة.




المبحث الثاني: الرجوع في الهبة.
    سنجيب في هذا المبحث على عدة تساؤلات: عن معنى الرجوع و حكمه في التشريع الجزائري ، القانون المقارن و الفقه الإسلامي،و كذا موانعه و الآثار الناتجة عنه.
المطلب الأول: كيفية الرجوع في الهبة.
  قبل التطرق إلى كيفية الرجوع في الهبة سنوضح معنى الرجوع:
    الرجوع في اللغة يعني الانصراف،و رجع في الشيء أي عاد فيه،من هنا قيل رجع رجوعاً مرجعاً        و رجاعاً،و يقال رجع في هبته إذا أعادها إلى ملكه،و رجعه أي ردّه،و قد يستعمل الفقهاء أحياناً كلمة الرجوع و الرد بمعنى واحد،فيقال لكل من المستعير و المعير ردّ العارية متى شاء.
    و في المعنى الاصطلاحي القانوني ينصرف الرجوع في الهبة إلى زوال عقد الهبة بإرادة طرفٍ واحد بسبب من الأسباب المحددة قانوناً،و بشرط عدم وجود مانع من الموانع القانونية للرجوع،فالرجوع في الهبة هو حق للواهب يستطيع بموجبه أن يسترد هبته من الموهوب له إذا توافر له عذر مبرر و لم يكن هناك مانع من موانع الرجوع،أما فيما يخص كيفية الرجوع في الهبة فإنه يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك،فإذا لم يقبل جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول و لم يوجد مانع من موانع الرجوع،و يكون هذا الرجوع بعدة كيفيات نعرضها كالآتي:
1)-الرجوع بالتراضي.
الاتجاه الأول: ذهب الجمهور إلى أنه إذا ثبت حق الرجوع فإنه يكون بإرادة الواهب وحده،فلا يتوقف على تراضي أو تقاضي؛
الاتجاه الثاني: و هو رأي الحنفية و الذي يرى أن الرجوع يتوقف على التراضي مع الموهوب له،فإذا لم يتم التراضي مع الموهوب له فإنه يتوقف على التقاضي؛
   و لم يورد المشرع الجزائري نصاً فيما يخص الرجوع بالهبة بالتراضي،و هذا على خلاف المشرع المصري  و الذي أخذ بالمذهب الحنفي في نص المادة 500 فقرة1 من القانون المدني المصري.

2)-الرجوع بالتقاضي.
   إذا تراضى كل من الواهب و الموهوب له في الرجوع في الهبة كان لهما ذلك،و لكن في حالة عدم التراضي فلا سبيل للواهب إلا القضاء ليمارس حقه في الرجوع،لكن هذا الحق ليس مطلقاً بل هناك قيود حددها القانون في المادة 211 من قانون الأسرة،و لكي يكون للواهب الحق في الرجوع بالهبة   أو الفسخ القضائي يجب توافر شرطين:
1-عدم وجود مانع من موانع الرجوع؛
2-وجود عذر مقبول من جانب الواهب يبرر رجوعه أمام القضاء،و مثاله أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع إمكانياته الاجتماعية.









المطلب الثاني: موانع الرجوع في الهبة.

    بالرجوع إلى التشريع الجزائري نرى أن قانون الأسرة ينص على عدم جواز الرجوع في الهبة إلا استثناءاً  و في حدود ما أوردته المادة 211 من قانون الأسرة،و تؤكد مبدأ عدم الرجوع في الهبة المادة 212 قانون الأسرة،و التي نصت على أنه "الهبة بقصد المنفعة العامة لا رجوع فيها"،و مبدأ عدم الرجوع في الهبة يرد عليه استثناء جاء في المادة 211 قانون أسرة كما سبق الذكر،و هذا الاستثناء خاص بحق الأبوين في الرجوع في الهبة لولدهما،و لكن رغم إقرار حق الرجوع للأبوين في هذه الحالة إلا أنه هناك موانع أو قيود تمنع الأبوين من الرجوع عن الهبة لولدهما مهما كانت سنه،و تلك الموانع هي:
1-الهبة من أجل زواج الموهوب له: إذا وهب الأب لابنه هبة من أجل الزواج فليس له الحق في الرجوع فيما وهب؛
2-الهبة لضمان قرض أو قضاء دين: إذا وهب الأب لابنه مالاً يقصد به ضمان قرض أو قضاء دين فليس له أن يرجع فيه؛
3-تصرف الموهوب له في الهبة: و نلاحظ أن المشرع الجزائري قد حدد جملة من التصرفات التي إذا وقعت من الموهوب له على الشيء الموهوب،فإنها تسقط حق الرجوع و هي البيع أو التبرع؛
4-إذا ضاع منه الشيء الموهوب أو أدخل عليه تغييراً في طبيعته: أي إذا أدخل الموهوب له على الشيء الموهوب تغييراً ما غير طبيعته؛





المطلب الثالث:آثار الرجوع في الهبة.
   لم يرد في قانون الأسرة الجزائري نص بشأن آثار الرجوع في الهبة،و هذا على خلاف التشريع المصري الذي نص على ذلك في المادة 503 من القانون المدني المصري،و بالاستعانة بهذه المادة و القواعد العامة في القانون المدني الجزائري ،يمكن أن نقسم آثار الرجوع في الهبة إلى نوعين:
أ-آثار الرجوع في الهبة بين المتعاقدين.
   يترتب على الرجوع في الهبة اعتبارها كأن لم تكن،و على هذا الأساس يسترد الواهب الشيء الموهوب من الموهوب له،أما إذا هلك الشيء الموهوب فنفرق بين حالتين:
الحالة الأولى:إذا هلك الشيء الموهوب بعد الرجوع و كان الهلاك بفعل الموهوب له،أو بفعل أجنبي كان ضامناً لهذا الهلاك ما لم يكن الموهوب له قد أعذر الواهب بتسليمه الموهوب،فيكون الهلاك على الواهب؛
الحالة الثانية:إذا هلك الشيء الموهوب قبل الرجوع فيكون الهلاك بفعل الموهوب له فلا تجوز المطالبة بالتعويض عن هلاك الموهوب؛
   من بين الآثار كذلك أن يرجع الموهوب له على الواهب بما أنفقه من مصروفات على الشيء الموهوب،و ما هذا إلا تطبيق للقانون المدني المادة 839 فقرة1،و إذا كانت المصروفات كمالية فلا يرجع الموهوب له على الواهب و لكن يجوز له أن ينزع من الشيء الموهوب ما أحدثه من منشآت بشرط أن يرد الشيء إلى حالته الأولى،و هذا تطبيقاً للقواعد العامة التي قررتها المادة 839 فقرة2  من القانون المدني،أما إذا رفض الواهب الوفاء بهذه المصروفات فما على الموهوب له الذي فقد محل الهبة،إلا أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بحقوقه،لاسيما إذا غير من معالم الشيء الموهوب أو أضاف إليه ما زاد من قيمته؛
  أما إذا غير الموهوب له من طبيعة الشيء الموهوب كلية فلا يجوز الرجوع في هبته.


ب-آثار الرجوع في الهبة بالنسبة للغير.
    قد يحدث أن يتصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ببيع أو هبة إلى غير ذلك من التصرفات الناقلة للملكية،أو قد يرتب على الموهوب حقاً عينياً كحق رهن أو حق انتفاع أو حق ارتفاق أو غيره من الحقوق العينية،و قد يكون الموهوب له عالماً برجوع الواهب في هبته و مع ذلك يتصرف في الموهوب،إلا أنه يجب حماية الغير حسن النية،و نجد ذلك ما هو إلا تطبيق للقواعد العامة،و عليه وجب التفريق بين حالتين:
1)حالة ما إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً.
   إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ببيع أو هبة أو ما يماثله من التصرفات الناقلة للملكية أصبحت الهبة لازمة و امتنع الواهب عن الرجوع ،و هذا ما لم يبلغ الموهوب له رجوع الواهب في هبته،و بالتالي امتنع الرجوع في الهبة.
   أما إذا أُبلغ الموهوب له برجوع الواهب و كان الموهوب له سيء النية و تصرف بالشيء الموهوب لصالح شخص آخر،إلا أن هذا الأخير كان حسن النية،وجب حماية الغير حسن النية،و عليه لا يسترد الواهب الشيء الموهوب من المتصرف إليه،إنما يرجع على الموهوب له بالتعويض ،أما إذا كان المتصرف إليه سيء النية بتواطىء مع الموهوب له،فما على الواهب إلا إقامة الدليل على ذلك و يجوز له استرداد الشيء الموهوب.
2)حالة ما إذا رتب عليه حقاً عينياً فقط.
   قد يقتصر تصرف الموهوب له بترتيب حق عيني على الشيء الموهوب،و عليه إذا ترتب حق الغير على الشيء الموهوب سواء كان عقاراً أو منقول و كان الموهوب له عالماً برجوع الواهب عن هبته،     و كان الغير حسن النية ليس على الواهب إلا أن يسترد الشيء الموهوب مثقلاً بذلك الحق،أما إذا كان الغير سيء النية فإن حق الغير لا يسري في حق الواهب،و يسترد الواهب الشيء الموهوب خالياً من أي حق عيني،و ما على الغير إلا الرجوع على الموهوب له.

الفصل الثاني:الوصية.

المبحث الأول: مفهوم الوصية.
  و سنوضح في هذا المبحث تعريف الوصية ، حكمها و حكمة مشروعيتها،و ذلك من خلال المطلبين المواليين:
المطلب الأول: تعريف الوصية.
   من خلال هذا المطلب سنحاول تعريف الوصية لغة و اصطلاحاً،لكي نستطيع التمييز بينها و بين الميراث.
الفرع الأول: تعريف الوصية لغة و اصطلاحاً.
أولاً:الوصية لغة.
  هي طلب الإنسان من غيره القيام بعمل في غيبته أو بعد وفاته،و هي مأخوذة في الأصل من وصيت الشيء بالشيء أي إذا وصلته به،فكان الموصي لما أوصى بها وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف، أو وصل خير دنياه بخير آخرته.
ثانياً: الوصية اصطلاحاً.
  عرفها العلامة علاء الدين الكساني بأنها " اسم لما أوجبها الموصي في ماله بعد موته".
   أما المشرع الجزائري فقد نظم الوصية في المواد من 184 إلى 201 من قانون الأسرة،و عرفها في المادة 184 منه بأنها "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع"،و لم يرد في القانون المدني الجزائري أي تعريف للوصية بل أحال إلى قانون الأحوال الشخصية كل ما يتعلق بالوصية،و ذلك بالمادة 775 قانون مدني،و فيما يخص القوانين العربية فقد عرفتها البعض منها كما يلي:
   عرفها القانون التونسي في المادة 171 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية بأنها "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان عيناً أو منفعة"؛
   كما عرفتها المادة 278 من مدونة الأسرة المغربية أنها "عقد يوجب حقاً في ثلث مال عاقده،يلزم بموته"؛
   و عرفها القانون السوري في المادة 207 من قانون الأحوال الشخصية بأنها "تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت".
الفرع الثاني:الفرق بين الوصية و الميراث.
   تتفق الوصية مع الميراث في أن التمليك في كليهما يكون بعد الوفاة،و في أن أحكامهما تقع على تركة الشخص بعد وفاته،و مع ذلك يختلفان في عدة نواحي:
1-الميراث حق شرعي يثبت بالوفاة للورثة و يتعلق هذا الحق بالباقي من تركة الميت بعد التجهيز      و سداد الديون و تنفيذ الوصايا،في حدود ثلت (1/3) الباقي بعد التجهيز و سداد الديون،أما الوصية فهي تصرف إنشائي من الموصي نفسه حال حياته لمصلحة الغير في جزء من ماله أو فيه كله،و مرتبة إخراجها من التركة قبل مرتبة الميراث،فلا توزيع لتركة على المستحقين بالميراث إلا بعد تنفيذ الوصية في الحدود المقررة شرعاً؛
2-اختلاف الدين يمنع الميراث و لا يمنع الوصية؛
3-الشيء الموروث يدخل في ملك الورثة دون توقف على إيجاب من المورث و قبول من الورثة،أما الشيء الموصى به في الوصية فتتوقف ملكيته للموصى له على الإيجاب الصحيح ممن يملك إصداره    و على بقائه مُصِّراً عليه حتى الوفاة و على قبول الموصى له؛
4-الأشخاص الذين يوصى لهم لم يعينهم المشرع و لم يعين نصيب كل واحد، أما الأشخاص الذين يرثون عينهم المشرع و حدد نصيب كلٍ منهم.

المطلب الثاني:مشروعية الوصية و حكمها.

الفرع الأول: مشروعية الوصية.
   الوصية كما هو معلوم مشروعة بالكتاب و السنة،من الكتاب نجد قوله تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ*فَمن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ "البقرة180-182،و قوله تعالى " ...مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ  وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ "النساء12،

   و من السنة النبوية الشريفة ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حيث قال: (( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، من شكوى أشفيت منها على الموت ، فقلت : يا رسول الله ، بلغ بي ما ترى من الوجع ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : " لا " . قلت : فبشطره ؟ قال"الثلث و الثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت ، حتى ما تجعل في امرأتك")) رواه البخاري ومسلم.





الفرع الثاني:حكم الوصية.
   كانت الوصية في مبدأ الإسلام واجبة بكل المال للوالدين و الأقربين لقوله تعالى:                   " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ "البقرة 180،و حينما نزلت آيات سورة النساء في تفصيل المواريث قيدت الوصية المشروعية في الإسلام بقيدين:
القيد الأول: عدم نفاذها لوارث إلا بإجازة الورثة، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:      "إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ  أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ رَغْبَةً عَنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا " رواه الترمذي في سننه ،أما الوالدان فصار لهم نصيب مفروض من التركة و صارت الوصية مندوبة لغير الوارثين؛
القيد الثاني:تحديد مقدارها في حدود الثلث لقوله صلى الله عليه و سلم لسعد بن أبي وقاص الذي أراد الإيصاء بثلثي ماله أو بشطره،إذ لا يرثه إلا ابنة له" الثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "رواه البخاري و مسلم.
  أما الزائد عن الثلث فهو من حق الورثة.
    و بعد نسخ وجوب الوصية بآيات المواريث عند جمهور العلماء يبقى الاستحباب في حق من لا يرث بشرط ألا يزيد عن الثلث،و قد دلّ على استحبابها أحاديث كثيرة إلا أنه و في بعض الحالات تصبح الوصية مكروهة أو حراماً ،و عليه يتبين أن الوصية أربعة أنواع بحسب صفة حكمها الشرعي.
1)الوصية الواجبة: تكون واجبة كالوصية بردٍّ الودائع و ردٍّ الديون المجهولة التي لا مُستند لها،          و بالواجبات التي شغلت بها الذمة كالزكاة و الحج و الكفارات و فدية الصيام و هذا متفق عليه،و قد تكون واجبة لأبناء الأبناء (التنزيل) كما سنوضحه لاحقاً؛
2)الوصية مستحبة: كالوصية للأقارب غير الوارثين و لجهات البر و الخير و المحتاجين؛
3)الوصية مباحة: كالوصية للأغنياء من الأجانب و الأقارب فهذه الوصية جائزة؛
4)الوصية المكروهة تحريماً عند الحنفية: كالوصية لأهل الفسوق و المعصية،و قد تكون حراماً غير صحيحة اتفاقاً كالوصية بمعصية كبناء كنيسة أو ترميمها أو كتابة التوراة و الإنجيل،و كتابة كتب الضلال و الفلسفة و سائر العلوم المحرمة،و الوصية بخمر أو الإنفاق على مشروعات ضارة بالأخلاق العامة،و تحرم أيضاً بالزائد على الثلث لأجنبي، و الصحيح من المذاهب عند الحنفية أن الوصية بالزائد على الثلث مكروهة،و للوارث حرام.
   و الأفضل تعجيل الوصايا لجهات البر في الحياة و عدم تأخيرها لما بعد الوفاة،لأنه لا يأمن إذا أوصى أن يُفرَّطَ بها بعد موته،و لما روي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ:" أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ ")).









المبحث الثاني: شروط الوصية و أركانها.
المطلب الأول: أركان الوصية.
   ركن الشيء هو ما يقوم به أو كما يقول الأصوليون هو ما كان داخلاً في ماهية الشيء ،و الوصية لا توجد و لا تتحقق إلا بوجود أمور أربعة: الموصي،الموصى له،الموصى به و الصيغة المنشئة له.
    و قد ثار خلاف بين الفقهاء في كون هذه الأمور أركاناً أم أن الركن هو الصيغة التي يوجد بها التصرف في الخارج و ما عداها لوازم؟
   فغير الحنفية يقولون أن أركان الوصية هي الأربعة كلها،و الحنفية يذهبون إلى أن الركن هو الصيغة وحدها،و هذا الخلاف لا ثمرة له حيث أنه خلاف التسمية يرجع إلى أمر اصطلاحي فقط.
    و سنتكلم عن الصيغة هنا باعتبارها الركن المتفق عليه،و الحديث يتطلب بيان أمرين: أحدهما هل الصيغة هي الإيجاب وحده أم مجموع الإيجاب و القبول؟و ثانيهما بما تتحقق الصيغة؟
أما الأول فقد اختلفت كلمة الفقهاء فيه:
1-ذهب الجمهور منهم إلى أن الصيغة تتحقق بالإيجاب وحده،و هو كل لفظ دال على التمليك بعد الموت،سواء كان بلفظ الوصية صريحاً كـ"أوصيت لفلان كذا" أو "هذا وصية فلان"،أو كان بلفظٍ غير صريح يفهم منه الوصية بقرينة كـ"هذا هبة لفلان بعد موتي" أو "أعطوا فلان كذا بعد موتي"،          أو "ملكتك داري هذه بعد وفاتي"،و ما شاكَل ذلك من الألفاظ أو ما يقوم مقامها،فالوصية على هذا من التصرفات التي تنشأ بإرادة واحدة لأنها من عقود التبرعات التي توجد من جانب المتبرع وحده،فإذا وُجد الإيجاب من الموصي تعتبر الوصية موجودة شرعاً،و أما القبول عندهم فهو شرط لزومها؛
2-و ذهب البعض إلى أن الصيغة لا توجد بالإيجاب وحده بل القبول جزء منها فهو ركن كالإيجاب، فقبل وجود القبول لا وجود للوصية كسائر العقود الأخرى،و لعلّ هذا الفريق نظر إلى أن الوصية عقد يفيد الملك فيكون كسائر العقود الأخرى التي لابد فيها من إيجاب و قبول.
    و الأرجح هو القول بركنية الإيجاب فقط في الوصية و شرطية القبول لأن الوصية لا تخرج عن كونها تبرعاً من التبرعات يكفي في وجودها شرعاً ما يصدر من المتبرع وحده و هو الإيجاب،و ليس بلازم أن يكون ما يصدر من الطرف الثاني ركناً في العقد،بل يكفِ أن يكون شرطاً لثبوت الملك له و نفاذ الوصية،لأنه لا يصح أن يُدْخَلَ شيءٌ في ملك الإنسان بغير رضائه،إذ ليس لأحدٍ سلطانٌ على أن يُملِّك شخصاً شيئاً جبراً عنه.
بما تتحقق الصيغة.
1)بما يتحقق الإيجاب في الوصية.
   يتحقق الإيجاب في الوصية باللفظ أو الكتابة أو الإشارة مع اختلاف مرتبة كل منها حسب ما إذا كان الموصي قادراً على النطق أو عاجزاً عنه:
الحالة الأول: إذا كان قادراً على النطق: فتنعقد وصيته بالعبارة أو اللفظ و لا تنعقد بالإشارة أبداً،أما إذا كان عالماً بالكتابة و قادراً على النطق فذهب المذهب الحنفي إلى أن الكتابة لا تقوم مقام العبارة،أي أن الوصية هنا لا تنعقد بالكتابة،بينما ذهب رأي آخر (المالكية) إلى أنها تنعقد بالكتابة رغم قدرته على النطق،ذلك أن الكتابة لا تقل عن العبارة في بيان المراد،بل هي أقوى منها عند الحاجة إلى الإثبات؛
الحالة الثانية: إذا كان غير قادر على النطق: فيعبر عن وصيته بالإشارة المفهومة و إلا لا تتحقق الوصية منه،و ذلك سواء كان أخرس أو مُعتَّقَ اللسان.
   و هذا فيما يخص رأي الشريعة الإسلامية في طرق التعبير عن الإيجاب بالوصية، أما عن رأي المشرع الجزائري فلم يورد نصاً خاصاً في قانون الأحوال الشخصية يبيِّن كيفية التعبير عن الإيجاب في الوصية لذلك نرجع إلى الشريعة الإسلامية طبقاً للمادة 222 من قانون الأسرة،و نجد أن المشرع المصري على عكس المشرع الجزائري قد تعرض لطرق إنشاء الوصية في المادة 2 من قانون الوصية المصري بنصه "تنعقد الوصية بالعبارة أو الكتابة فإذا كان الموصي عاجزاً عنه انعقدت الوصية بالإشارة المفهومة".

2-بما يتحقق القبول في الوصية.
   نصت المادة 197 من قانون الأسرة على أنه"يكون قبول الوصية صراحةً أو ضمناً بعد وفاة الوصي "،فالقبول الصريح يكون باللفظ و الكتابة و الإشارة المتداولة عرفاً في حال العجز،و القبول الضمني يكون بقبض الوصية أو السكوت عن التعبير بالقبول،فالسكوت يُحمل على أنه قبولٌ وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني لأنه يدخل ضمن السكوت الملابس المنصوص عليه في المادة 68  فقرة 2 و نصها "...و يعتبر السكوت عن الرد قبولاً،إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين، أو إذا كان الإيجاب لمصلحة من وُجِّه إليه"،و الوصية في هذه الحالة لمصلحة الموصى له فهو سيحصل عليها ما لم تكن مقرونة بشرط أو محمَّلة بالتزامٍ معين.
   كما أن القبول يكون من الموصى له في الأصل و في حالة وفاته يجوز لورثته القبول أو الرد وفقاً للمادة 198 من قانون الأسرة.
   و لم ينص قانون الأسرة على القبول في حالة الوصية للقاصر و الجنين،و كان من المفروض أن ينص على القبول بواسطة من ينوب عنه قانوناً،و هذا ما نص عليه المشرع المصري في المادة 20 من قانون الوصية "تلزم الوصية لقبولها صراحةً أو دلالة بعد وفاة الموصي،فإذا كان الموصى له جنيناً أو قاصراً     أو محجوراً عليه يكون قبول الوصية أو ردها ممن له الولاية على ماله..."،كما لم ينص المشرع الجزائري على القبول حال تعدد الموصى لهم فيقبل البعض دون البعض الآخر فمن المفروض أن الوصية تنفذ في حق من قبل فقط.





المطلب الثاني: شروط الوصية.
   إن الوصية الاختيارية تتطلب توافر عدة شروط منها ما يرجع إلى الباعث على الوصية،و منها ما يرجع إلى الموصي،و شروط أخرى تتعلق بالموصى له و الموصى به و الصيغة.
 أولا: شرط الباعث على الوصية و شروط الموصي.
1)-شرط الباعث على الوصية.
   يشترط في الباعث على الوصية ألا يكون أمراً منافياً لمقاصد الشريعة و إلا كانت الوصية باطلة،       و بذلك تكون الوصية بالمعصية باطلة سواء كانت الوصية بمُحَرَّمٍ أو مكروهٍ كالوصية بمال يُشترى به خمرْ،أما فيما يخص وصية الضِرار فهي التي يقصد بها الموصي حرمان ورثته من التركة أو بعضها بالإيصاء بأكثر من الثلث أو الإيصاء لأحد دون إجازتهم،و هذه وصية باطلة لأنها وصية تضر بالورثة،أما الوصية بالثلث أو أقل منه لم تكن وصية ضِرار،إلا أن من الفقهاء من قال أن الوصية بالثلث أو الأقل منه إن كانت لأجنبي إذا قصد به الموصي الإضرار بالورثة تكون وصية الضرار فتكون باطلة،فالعبرة في ذلك بقصد الوارث،و من الفقهاء من لم يشترط القصد و جعل المناط تحقق الضرار بالوصية.
   أما المشرع الجزائري لم يتكلم على الباعث على الوصية إلا أنه يمكن القول طبقاً للقواعد العامة أنه يجب أن يكون الباعث على الوصية غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة،أما إذا عُلِّقت الوصية على شرطٍ و كان غير صحيحْ بطُل الشرطُ و كانت الوصية صحيحة طبقاً للمادة 199 من قانون الأسرة.




2)-شروط الموصي.
   لكي تكون الوصية صحيحة منتجة لآثارها بعد وفاة الموصي لابد من توافر بعض الشروط الخاصة بشخص الموصي،و من ضمنها شروط صحة و شروط نفاذ:
أ-شروط الصحة.
1-أهلية التصرف و التبرع: إذ أن الوصية تصنف من التصرفات الضارة بالمركز المالي للشخص،أي بالذمة المالية له،و هي إخراج رصيد من المال بلا عوض لفائدة الغير،و بالتالي فمن المنطقي أن يكون الشخص أهلاً لإبرام التصرف،و قد نصت المادة 186 من قانون الأسرة على أنه "يشترط في الموصي أن يكون سليم العقل بالغاً من العمر تسعة عشر (19) سنة على الأقل".
   و شرط الأهلية في الموصي هو شرط نصت عليه أغلب القوانين العربية حيث استلزم القانون التونسي في الموصي أن يكون بالغاً ثمانية عشر (18) سنة،و نص المشرع المصري في المادة 5 من قانون الوصية المصري لسنة 1946 الساري المفعول على أنه "يشترط في الموصي أن يكون أهلاً للتبرع قانوناً..."،و القانون المغربي في المادة 259 فقرة 1 على أنه "يشترط في الموصي أن يكون راشداً ".
   أما فيما يخص ناقص الأهلية لصغر السن أو لسفه أو غفلة و المحجور عليه فنرجع إلى المادة 83 من قانون الأسرة، و التي تنص على أنه "من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد طبقاً للمادة 43 من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له،و باطلة إذا كانت ضارة به و تتوقف على إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت مترددة بين النفع و الضرر،و في حالة النزاع يرفع الأمر إلى القضاء"،   و باعتبار أن الوصية تصرف في المال بلا عوض فهذا التصرف يصنف على أنه من التصرفات الضارة بالموصي،و بالتالي الحكم ببطلان الوصية حتى و إن كانت الوصية مضافة إلى ما بعد الموت،لأنه قد يموت الموصي قبل بلوغ سن الرشد و لا تضمن حياته لحين بلوغ سن الرشد لإجازتها أو التراجع فيها، و نفس الحكم يطبق بالنسبة للسفيه و ذي الغفلة لأن كلاً منهما ناقص الأهلية،و فيما يخص المجنون  و المعتوه فطبقاً للمادة 85 من قانون الأسرة الجزائري فإن تصرفات كلٍ منهما غير نافذة إذا صدرت في حالات الجنون أو العته،و في حالة الحجر نطبق أحكام المادة 107 من قانون الأسرة،أما تصرفات المميز المأذون له بالتصرف جزئياً أو كلياً وفقاً لأحكام المادة 84 من قانون الأسرة فإنه يجوز له أن يوصي بجزء من ماله ما دام القضاء قد رخص له بالتصرف، ذلك أن المادة 84 السابقة الذكر لم تحدد طبيعة التصرف فقد يكون من بين التصرفات الوصية.
2-أن يكون راضياً مختاراً: لأن الوصية إيجابُ ملكٍ فلابد من الرضا كإيجاب الملك بسائر الأشياء  و التصرفات من بيع و هبة و نحوهما،فلا تصح وصية الهازل و المكره و المخطئ لأن هذه العوارض تفوِّت الرضا،و الرضا لابد منه في عقود التمليكات،أما فيما يخص وصية المريض مرض الموت فهي جائزة بالرغم من أن قانون الأسرة الجزائري لم ينص عليها في أحكام الوصية،إنما نص عليها في القانون المدني من خلال المادة 776 قانون مدني كما يلي "كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض الموت بقصد  التبرع يعتبر تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت،و تسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف"،و هذا الحكم نجد تطبيقاً له في أحكام الهبة المادة 204 من قانون الأسرة.
ب-شرط النفاذ.
     ألا يكون الموصي مديناً بدينٍ مُستغرقٍ لجميعِ ماله،و هذا شرط ليس لصحة الوصية و إنما لنفاذها، لأنه إذا كان الموصي مديناً بدينٍ مُستغرقٍ لجميع ماله كانت وصيته صحيحة في ذاتها،غير أن هذا المال تعلق به حق للغير و هو الدائن،و هذا الحق مُقدم في الوفاء على الوصية بالإجماع، فتكون الوصية في هذه الحالة موقوفة على إجازة أصحاب الحق (الدائنين) فإذا أجازوها نفذت،لأن عدم النفاذ كان بسبب حقهم،فإذا أسقطوا حقهم زال المانع،و كذلك تنفذ إذا أبرأ أصحاب الديون الموصي من ديونه.





ثانياً: شروط الموصى له و الموصى به.
1)-شروط الموصى له.
  يُشترط في الموصى له شروط صحةٍ و شروط انعقاد:
أ-شروط الصحة.
1-ألا تكون الوصية لجهة معصية: ألا يكون الموصى له جهة معصية إذا كان مسلماً،فإذا كان الموصى له جهة معصية بطُلت الوصية باتفاق الفقهاء،كالوصية لأندية قمار أو الملاهي و إقامة القِباب على المقابر أو النِّيَاحَة على الموتى،أو عمارة كنيسة أو ترميمها،و كتابة التوراة و الإنجيل و قراءتهما،    و كتابة كتب السحر و الضلال و الفلسفة الممنوعة و سائر العلوم المحرَّمة،و بآلات اللهو              و الطرب،لأن الوصية شُرِّعت قرباً فلا يصح أن تكون في معصية فإذا وقعت كذلك كانت باطلة لأنها وصية بمحرم شرعاً،أما إذا كانت الوصية في ذاتها مباحة شرعاً لكن الباعث عليها محرم كالوصية لأهل الفسق ليستعينوا بها على فسقهم فهناك رأيان:
الرأي الأول: الحنفية و الشافعية يرون أن الوصية صحيحة عملاً بظاهر العقل،مالم يشتمل لفظ الوصية على محرم،و يترك أمر النيّة و القصد لله تعالى؛
الرأي الثاني: المالكية و الحنابلة و منهم ابن تيمية و ابن القيم أن مثل هذه الوصايا تكون باطلة لأن العبرة في العقود بالقصد و النية ،و الباعث حينئذٍ منافٍ لمقاصد الشريعة فتكون باطلة،و هذا ما أخذ به المشرع المصري في المادة 3 من قانون الوصية أنه "يشترط لصحة الوصية ألا تكون بمعصية و ألا يكون الباعث إليها منافياً لمقاصد الشارع"،أما المشرع الجزائري فلم يتكلم على هذا الشرط و بذلك أحالنا إلى الشريعة الإسلامية و التي تتطلب ألا يكون المتبرع له جهة معصية.
2-أن يكون الموصى له موجوداً: أي ليس معدوماً وقت الوصية و إنما لابد أن يكون موجوداً تحقيقاً   أو تقديراً،فإن لم يكن موجوداً فلا تصح الوصية،لأن الوصية للمعدوم لا تصح لأنها تمليك و التمليك لا يجوز للمعدوم،فلا تجوز الوصية عند الجمهور لميت، أما في القانون فلم ينص قانون الأسرة الجزائري صراحةً على ذلك و إنما يستفاد ضمناً من نص المادة 187 من قانون الأسرة ،و التي نصت على أنه "تصح الوصية للحمل بشرط أن يولد حياً و إذا وُلد توائم يستحقونها بالتساوي و لو اختلف الجنس".
   و النص لم يوضح ما إذا كان الجنين موجوداً وقت الوصية أو لم يشترط ذلك،و إنما اشترط فقط ولادته حياً،بينما يرى الفقه أنه تصِّح الوصية للحمل إذا ولدته أمه حياً لأقل من ستة أشهر من التكلم بالوصية و هي أقل مدة الحمل.

الحساب من وقت كتابة الوصية إلى يوم الميلاد إذا كان هو ولد حياً أو ميت؛أما المشرع المصري فقد نص صراحةً في المادة 6 من قانون الوصية أن يكون الموصى له موجوداً إذا كان معين و هذا متفق مع رأي الجمهور،كما أجاز القانون المصري الوصية للحمل في المادة 35 من قانون الوصية بشرط أن يولد حياً لسنة شمسية فأقل من ذلك في الحين.
3-أن يكون الموصى له معلوماً غير مجهول: جهالة لا يمكن رفعها و إزالتها لأن تلك الجهالة تمنع من تسليم الموصى به إلى الموصى له،و يكون الموصى له معلوماً بأن يكون معين لشخص أحمد،زيد،مصطفى،أو نوع كالمساكين و الفقراء،و لم ينص المشرع الجزائري صراحة على هذا الشرط عكس المشرع المصري الذي نص عليه صراحة في المادة 6 من قانون الوصية.
4-شرط النفاذ: و هو أن يكون الموصى له غير وارث عند موت الموصي،فإذا كان الموصى له وارثاً عند موت الموصي كانت الوصية موقوفة على إجازة بقية الورثة إن وجدوا و هذا الشرط إنما يعتبر عند وقت الموت لا وقت إنشاء الوصية،فلو كان وارثاً عند إنشاء الوصية ثم أصبح عند الموت غير وارث بسبب حجبه مثلاً كانت الوصية نافذة،و لو كان وقت إنشاء الوصية غير وارث ثم صار وارثاً عند الموت كانت موقوفة على إجازة باقي الورثة لأن العبرة في ذلك هو وقت وفاة الموصي.



شروط الموصى به.
من خلال المادة 190 من قانون الأسرة نستنتج شروط الموصى به حيث نصت "للموصي أن يوصي بالأموال التي يملكها و التي تدخل في ملكه قبل موته عين أو منفعة".
-الوصية بالأعضاء ليست المقصودة هنا؛
-الوصية لا تجوز على أموال مستقبلية؛
-وصية المنفعة تنتهي بوفاة الموصى له فترجع إلى ورثة الموصي،و تبطل إذا توفي الموصى له قبل الموصي فالأشياء القابلة للتملك هي الجائزة في الوصية.
   واضح أن هذا النص ينص على ما يدخل في ملك الموصي من أموال و حقوق قابلة للتداول            و الانتقال بالطرق القانونية.
كما أجاز القانون أن تكون الوصية مقرونة بشرط،و بالتالي لا يستحقها الموصى له إلا بانجاز أو تحقق الشرط،و إذا اقترنت الوصية بشرط صحيح بطل الشرط و صحت الوصية (المادة 199 قانون الأسرة)،إضافة لذلك لابد أن يكون الموصى به في حدود الثلث،و ما زاد عن الثلث يتوقف على إجازة الورثة (185 قانون الأسرة)،هذا في حالة كان الموصى له من غير الورثة لأن الوصية لوارث لا تجوز إلا بإجازة الورثة بعد وفاة الموصي.
*إجازة الوصية يؤخذ بها وقت افتتاح التركة؛
أما القانون المصري فنص على شروط الموصى به في المادة 10 من قانون الوصية.
و يشترط في الموصى به :
1-أن يكون مما يجري فيه الإرث أو يصح أن يكون محل تعاقد حال حياة الموصي؛
2-أن يكون متقوماً عند الموصي إن كان مالاً؛
3-أن يكون موجوداً عند الوصية في ملك الموصي إذا كان معين بالذات،أما المادة 11 من قانون الوصية المصري فتنص على صحة الوصية بالحقوق التي تنتقل بالإرث و منها حق المنفعة بالعين المستأجرة بعد وفاة المستأجر.
المبحث الثالث:بعض أحكام الوصية.
المطلب الأول: مبطلات الوصية.
1-رجوع الموصي عن الوصية (المادة 192 قانون الأسرة)؛
2-موت الموصى له قبل الموصي (المادة 201 قانون الأسرة)؛
3-رد الموصى له الوصية (المادة 201 قانون الأسرة)؛
4-هلاك الموصى به :لم ينص المشرع الجزائري على هذه الحالة عكس المشرع المصري الذي نص عليها في المادة 47 من قانون الوصية؛
5-القتل العمدي للموصي من قبل الموصى له : (المادة 188 قانون الأسرة)،يشترط هنا القتل العمدي و أن يكون فاعل أصلي أو شريك.
الوصية الواجبة(التنزيل).
الوصية الواجبة تكون لأحفاد يتوفى عنهم أبوهم و يبق جدهم حياً،فقط لأولاد الابن؛
شروطها :
-شرط ألا يكون أولاد الابن أو بنات الابن ورثوا من أبيهم؛
-ألاَّ يكون وصى لهم بوصية؛
-ألاَّ يكون الجد قد وهبهم مقدار من المال.
إثبات الوصية: (المادة 191 من قانون الأسرة).
الفصل الثالث: الوقف.

المبحث الأول: مفهوم الوقف.

المطلب الأول: تعريف الوقف و خصائصه.
الفرع الأول: تعريف الوقف.
أولاً: تعريف الوقف لغةً.
الوقف في اللغة يعني الحبس و المنع،و هو مصدر وقف ثم اشتهر المصدر أي الوقف من الموقوف،فقيل هذه الدار وقف أي موقوفة،و يقال وقف،يقفُ،وقفاً،أي حبس،يحبسُ،حبساً،و نقول وقفت الشيء أي حبسته فهو وقف،و الجمع أوقاف،و وقفت الرجل عن الشيء وقفاً أي منعته عنه.
ثانياً: الوقف اصطلاحاً.
اختلفت المذاهب الفقهية في تعريف الوقف،فقد عرّفه الإمام أبو حنيفة أنه حبس العين على حكم ملك الواقف و التصدق بالمنفعة على وجه الخير،و عند المالكية هو إعطاء منفعة شيء مدة وجوده،لازماً بقاؤه في ملك معطيه و لو تقدير،أما عند الإمام الشافعي فهو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقع التصرف في رقبته على مصرف المباح،و عند الحنابلة هو حبس ملك على الموقوف عليه بحيث يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه و ذلك بقطع التصرف في رقبته،أو هو تحبيس العين        و تسبيل المعرفة،أمَّا المشرع الجزائري فقد عرَّف الوقف في القانون 91-10 المؤرخ في 27 أفريل 1991 المتعلق بالأوقاف و ذلك في المادة 3 منه بأن "الوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد و التصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر و الخير"،كما عرفته المادة 213 من قانون الأسرة بأنه "حبس المال على التملك لأي شخص على وجه التأبيد و التصرف".

الفرع الثاني: خصائص الوقف.
1-الوقف تصرف انفرادي: يعتبر الوقف وفق المادة 4 من قانون الوقف "عقد التزام بتبرع صادر عن إرادة منفردة"،مع أن العقد بمدلوله الخاص هو توافق إرادتين مظهرهما الإيجاب و القبول،إلا أننا نكتفي في الوقف بالإيجاب دون القبول،و ذلك ما تؤكده المادتان 7 و13 من قانون الوقف،حيث نصت المادة 7 من هذا القانون على أنه "يصير الوقف الخاص وقفاً عاماً إذا لم يقبله الموقوف عليه"،و نصت المادة 13 من القانون السابق على أن "...فالشخص الطبيعي يتوقف استحقاقه للوقف على وجوده  و قبوله،أما الشخص المعنوي فيشترط فيه ألاَّ يشوبه ما يخالف الشريعة الإسلامية".
2-الوقف تصرف تبرعي: الوقف من التصرفات التبرعية التي لا يحصل فيها أحد المتعاقدين على مقابل لما يقدمه،و لا يقدم العاقد الآخر مقابل لما يحصل عليه،و لقد نصت المادة 4 السالفة على فكرة التبرع،و زوال حق ملكية الواقف لا يعني انتقاله إلى الموقوف عليه بل أن محل التبرع هو منفعة الشيء الموقوف فقط،و تحبس رقبة المال الموقوف؛
3-تمتع الوقف بشخصية معنوية: نصت المادة 5 من قانون الوقف على أنه "الوقف ليس ملكاً للأشخاص الطبيعيين و لا الاعتباريين،و يمتع بالشخصية المعنوية و تسهر الدولة على احترام إرادة الواقف و تنفيذها".
المطلب الثاني: مشروعية الوقف و أركانه.
الفرع الأول: مشروعية الوقف.
    قال بمشروعية الوقف جمهور الفقهاء و الرأي عندهم أن الوقف جائز بإطلاق و أنه مندوب عليه،     و استدلوا في ذلك بالكتاب و السنة و غيرها من مصادر الأحكام الإسلامية،فقد استدلوا على الصدقات عموماً و من بينها الوقف،بقوله تعالى " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ "آل عمران 92،و من السنة ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "،و من الأدلة ما ثبت من "وقوف" الرسول صلى الله عليه  و سلم،و ما قدمه الصحابة من أوقاف في حياته وجههم إليها أو أمرهم بها أو أقرَّهم عليها.
الفرع الثاني: أركان الوقف.
    المقصود بأركانه أسسه و قواعده التي لا قيام له إلا بها،و هذه الأركان هي:
1-الواقف: و المالك للذات أو المنفعة المصروفة للموقوف له؛
2-الموقوف عليه: أي الشخص أو الجهة الموقوف عليها؛
3-الموقوف: و هو الذات الموقوفة أو المنفعة؛
4-الصيغة: و هي الصيغة التي يتم بها عقد الوقف.










المبحث الثاني: شروط الوقف و أنواعه.
المطلب الأول: شروط الوقف.
أولاً: شروط تتعلق بالواقف.
1-الأهلية؛
2-البلوغ؛
3-ألا يكون محجوراً عليه؛
4-أن يكون مالكاً للعين المراد وقفها.
ثانياً: شروط تتعلق بالموقوف عليه.
   أن يكون موجوداً فعلاً أو جنيناً سيولد في المستقبل إذا كان شخصاً طبيعي (وقف خاص)،و يجب لكي يستحق الوقف أن يقبله،أمَّا الشخص المعنوي فيشترط فيه ألاَّ يشوبه ما يخالف الشريعة الإسلامية،و ألاَّ يكون الموقوف عليه جهة معصية؛


ثالثاً: شروط تتعلق بالموقوف.
  أن يكون مملوك للواقف و أن يكون معيناً و خالياً من أي نزاع عليه، و كذلك أن يكون معلوماً و مشروع.
رابعاً: شروط تتعلق بالصيغة.
التأبيد و التنجيز.

المطلب الثاني: أنواع الوقف.
للوقف عدة أنواع حسب جهة تقسيمه:
أولاً: التقسيم حسب المعيار الزمني.
1-وقف مؤقت: و هو غير موجود في القانون الجزائري،إذ نصت المادة 28 من قانون الوقف على أنه "يبطل الوقف إذا كان محدد بزمن"؛
2-الوقف المؤبد؛
ثانياً: التقسيم حسب جهة إدارته.
1-وقف نظامي: تشرف على إدارته و ضبطه السلطة المكلفة بالأوقاف؛
2-الوقف الملحق: لا يكون مضبوطاً لدى الجهات الرسمية.
ثالثاً: التقسيم حسب جهة صرفه.
و يقسم إلى وقف عام و وقف خاص،حيث نصت المادة 6 من قانون الوقف "أن الوقف نوعان: عام و خاص:
أ-الوقف العام: ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه للمساهمة في سبيل الخيرات و هو قسمان: قسم يحدد فيه مصرف معين لريعه،فلا يصح صرفه على غيره من وجوه الخير،إلا إذا استنفذ،  و قسم لا يعرف فيه وجه الخير الذي أراده الواقف،فيسمى وقفاً عاماً غير محدد الجهة و يصرف ريعه في نشر العلم و تشجيع البحث فيه و في سبيل الخيرات.
ب-الوقف الخاص: و هو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث أو على أشخاص معينين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم".










تمت بحمد الله وحده.









الميراث.

مقدمة.
التعريف بالميراث.
     الميراث في اللغة له معاني كثيرة منها انتقال الشيء من قومٍ إلى قوم آخرين،حقيقةً                 أو معنى،فالانتقال الحقيقي أو الحسي مثل: انتقال الأموال من شخص إلى آخر،و الانتقال المعنوي كانتقال العلم و المبادئ و المثل العليا من شخص إلى آخر، و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم "العلماء ورثة الأنبياء"،أما معنى الميراث في الاصطلاح الشرعي فله تعريفات كثيرة منها :أنه عبارة عن اسم لما يستحقه الوارث من ميراثه،أو هو عبارة عن انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة،     و علم الميراث يسمى أيضاً بعلم الفرائض لأنه يبين الفرض أو النصيب المقدر لكل وارث شرعي،كما يسمى بعلم الحساب الفقهي لأنه عبارة عن أحكام فقهية حسابية يعرف بها نصيب كل وارث في التركة.
حكم و مشروعية الميراث.
للميراث حكم تشريعية كثيرة من أهمها:
1-يعتبر الميراث نظام اقتصادي و اجتماعي حيث يجعل الميراث الإنسان حريصاً على العمل          و الكسب و استثمار المال لأن هذا المال سينفعه في حياته،فالإسلام يحترم الملكية و يجعل الإنسان حر التصرف في ماله أثناء حياته،فإذا ما توفي ذهب المال إلى من يحبهم و هم أقاربه الذين يهمه أمرهم     و الذين يحرص على مصالحهم و توصيل الخير إليهم،فالإنسان مجبول بطبعه على إيثار أهله و ذوي قرابته على غيرهم،و بذلك يقوي الميراث الصلات و الروابط و روح التعاون بين أفراد الأسرة، و في ذلك صلاح المجتمع،أما لو كان المال يذهب بعد الوفاة إلى أشخاص غير قريبين للمتوفي أدى ذلك إلى الكسل و الخمول و الاكتفاء في عمله،و كذا بما يسد حاجته و حاجة أسرته حال حياته،حتى لا يبق شيء يرثه من لا يمت إليه بصلة، و في ذلك إضرار بالناحية الاقتصادية،فضلاً على أن ذلك يؤدي إلى قطع الصلات، و الروابط، و التعاون بين أفراد الأسرة الواحدة، مما يساعد على التفكك و الوهن في المجتمع كله؛
2-جعل الإسلام الميراث لأقرب الناس للميت لأنه انتصر بهم في حياته و كثيراً ما يكون لهم دخل في تكوين ثروته،و بالتالي كان من الواجب أن ينصر الورثة بماله بعد وفاته، و في ذلك تعويض لهم عن فقدانه،فكان "الغرم بالغنم"؛
3-نظام الميراث في الإسلام نظام محكم كل شيء فيه محدد تحديد دقيق،حيث حدد الشارع لكل وارث نصيبه في التركة،الأمر الذي يحول دون الظلم الذي يترتب على قصر التركة على شخص أو على أشخاص يختارهم المتوفي، مما ينشأ عنه إثارة الحقد و الكراهية، و أنه يحول دون ظلم الأبناء و الآباء بحرمانهم من كسب أبيهم أو قريبهم،و بذلك يكون الشارع قد رفع النزاع أو الخلاف الذي يزرع الأحقاد و يؤدي إلى قطع صلة الأرحام؛
4-كما أن الميراث يضمن للمتوفي وجود ما يكفل أقاربه الصغار و الضعفاء حتى لا يشقون من بعده و حتى يغنيهم عن ذل السؤال، لقول الرسول صلى الله عليه و سلم "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
منزلة علم الميراث ،و العناية به ،و الحث على تعلمه.
    لعلم الميراث مكانة عالية بين أبواب الفقه الإسلامي حتى حضي بمنزلة لم يحض بها غيره من الأبواب الأخرى،فعلم الميراث من أرفع العلوم قدراً و أعلاها منزلة،كما أنه من أصعب العلوم،فقد روي في الحث على تعليمه، و تعلمه، و بيان مدى صعوبته أحاديث كثيرة منها: ما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال "تعلموا الفرائض (الميراث)،و علموها فإنها نصف العلم،و هو يُنسى    و هو أول شيء ينزع من أمتي"،و ما روي عن النبي عليه الصلاة و السلام قال "العلم ثلاثة و ما سوى ذلك فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو عبادة عادية"،و ما روي عن الرسول عليه الصلاة   و السلام قال "تعلموا الفرائض و علموها،فإني امرئ مقبوض و العلم مرفوع و يوشك أن يختلف اثنان في الفريضة و المسألة فلا يجدا أحد يخبرها".
و قد اعتنى الصحابة بالميراث و أعطوه جانباً كبيراً من الاهتمام،فقد روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه ذهب إلى بلاد الشام بنفسه ليعلم الناس علم الميراث،و روي عنه أيضاً أنه قال "تعلموا الفرائض فإنها من دينكم".
الفصل الأول: أحكام عامة.
    لقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول أن جميع الأموال و الحقوق التي لها صلة بالمال و لا تتعلق بشخص الوارث فإنها تنتقل إلى الورثة و هي تعتبر من التركة،و على هذا الأساس يُوَرَّث حق الارتفاق مثلاً،و كذلك المنافع،غير أن الحقوق التي لا تُورث هي تلك الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان أي بالشخص ذاته،و عليه فلا يورث في هذا الإطار حق الولاية أو الحضانة،و كذلك الديون التي على عاتق الميت.
المبحث الأول: الحقوق المتعلقة بالتركة و ترتيبها.
  تنص المادة 180 قانون الأسرة على أن هناك عدداً من الحقوق تتعلق بتركة الميت،و رتبها ترتيباً إجبارياً،حيث نصت على أنه "يؤخذ من التركة حسب الترتيب الآتي:
1-مصاريف التجهيز،و الدفن بالقدر المشروع؛
2-الديون الثابتة في ذمة المتوفي؛
3-الوصية.
فإذا لم يوجد ذوو فروض أو عصبة آلت التركة إلى ذوي الأرحام،فإن لم يوجدوا آلت إلى الخزينة العامة".
أولاً: تجهيز الميت.
    و قد قدمه قانون الأسرة على الحقوق الأخرى، و يشمل غسل الميت و تكفينه و نفقات حمله     و دفنه حسب المعروف في أمثاله من غير إسراف و لا بخل،و كذلك يدخل ضمن التركة تجهيز الشخص الذي يموت من أقاربه قبل موته، أو بعده بقليل، و ذلك بالنسبة لكل من تجب عليه نفقته كأبنائه و والديه،غير أن تجهيز الزوجة و دفنها يكون من مالها وفق الجمهور، لأن الزوجية تنقطع عندهم بمجرد الوفاة.
ثانياً: الديون الثابتة في ذمة المتوفي.
   هي تلك الديون التي كانت على عاتق الميت، و هي نوعان: ديون ممتازة،و ديون عادية:
1)الديون الممتازة.
    و هي الديون التي كانت على عاتق الميت و لكن لصاحبها حق الأولوية،و قد حددها القانون المدني في مواده 990 إلى 993 قانون مدني، و هي: المصاريف القضائية،المبالغ المستحقة للخزينة العامة كالضرائب،مصاريف الحفظ و الترميم،مصاريف العمال لاثني عشرة (12) شهراً،نفقة الأسرة لستة (6) أشهر...إلخ.
2)الديون العادية.
   تدخل في هذا المجال جميع الديون العادية الثابتة للعباد،و كذا ديون الله سبحانه و تعالى إذا كانت ثابتة بينة، أو كان الميت قد أوصى بها قبل موته أنها في ذمته،و هذه الديون هي: الزكاة، و الكفارة     و الفدية،و إن ديون العباد مقدمة في الأداء على ديون الله،فتنتقل هذه الديون إلى التركة و ما زاد عن التركة لا يلزم به الوارث،و نعني بذلك أنه إذا ما ترك الميت ما يفي بما عليه من ديون ينبغي أن تسدد بأكملها،بينما إذا لم يوفي إلا بعضها فيقدم الأقوى فالأقوى،فإذا لم يفي المال المتروك لتسديد جميع الديون، فإذا كان للميت دائن واحد فيكون كل المال الباقي له،بينما إذا كان له عدد من الدائنين قُسِم الباقي على هذه الديون قسمة تناسبية و يأخذ في هذه الحالة كل دائن بنسبة دينه.
مثال: مات عن دائن أول، و كان دينه مقدم بـألفين دينار جزائري (2000د.ج)،و دائن ثاني مقدم دينه بثلاثة آلاف دينار جزائري (3000د.ج)،و باقي التركة بعد تجهيز الميت هي أربعة آلاف دينار جزائري (4000د.ج).
حق الدائن الأول =(4000×2000)/5000=1600د.ج
حق الدائن الثاني=(4000×3000)/5000=2400د.ج
القاعدة: حق الدائن =    (التركــــــــة باقـــــي  × الــــــدين قيمـــة)/(الديـــــون مجمــــوع)
  *و ما ينبغي الإشارة إليه و نحن نتحدث بشأن الديون فإنه ينبغي التفرقة في هذه الحالة بين المورث الدائن و المورث المدين.
-في حالة ما إذا كان المورث مديناً و توفي قبل حلول الأجل،فإذا كانت لديه ديون مؤجلة فهنا يسقط الأجل بوفاته.
مثال: توفي عن تركة مقدارها خمسين ألف دينار (50.000د.ج)، و كانت له ديون قيمتها ثلاثين ألف دينار (30.000د.ج)، قدرت نفقات التجهيز بعشر آلاف دينار (10.000د.ج)،و كانت عليه ديون متمثلة في نفقة الزوجة قيمتها خمس آلاف دينار (5000د.ج)،و في شراء أجهزة كهرومنزلية قيمتها عشرين ألف دينار (20.000د.ج).
1-حصر التركة: 50.000 + 30.000 =80.000 د.ج.
2-باقي التركة بعد التجهيز: 80.000 – 10.000 = 70.000 د.ج.
3-باقي التركة بعد سداد الديون:
أ-الدين الممتاز (نفقة الزوجة): 70.000-5000 =65.000  د.ج.
ب-باقي التركة بعد سداد الدين العادي: 65.000 -20.000 = 45.000 د.ج.
ثالثاً: الوصية.
   تنفذ الوصية في الحدود المقررة شرعاً و قانوناً، و هي تأتي في الأداء بعد تجهيز الميت و الديون،     و ينبغي التفرقة بين ما إذا كانت لوارث أو لغير وارث.
إذا كانت الوصية لوارث فإنها لا تنفذ إلا بعد موافقة جميع الورثة،أما إذا أقرها البعض و رفضها البعض،فتنفذ في حق من وافق عليها، و لكن في حدود حصته من التركة.
  أما إذا كانت لغير وارث فتنفذ في حدود الثلث من باقي التركة،و ما زاد عن الثلث يبقى متوقف على إجازة الورثة،أما إذا أجازها البعض و رفضها البعض الآخر فتنفذ في حق من أجازها بحسب نصيبه من التركة.
رابعاً: أصحاب الحق في الميراث.
خامساً: الخزينة العامة.














المبحث الثاني: الأحكام العامة للميراث.
المطلب الأول: أركان الميراث.
 لا يتحقق الميراث إلا بوجود أركان ثلاثة هي:
أولاً: المورث.
   و هو الميت الذي يستحق غيره أن يرث منه سواء كان هذا الميت قد مات موتاً حقيقياً أو حكمياً؛
ثانياً:الوارث.
    و هو الشخص الذي ينتمي إلى الميت بسبب من أسباب الميراث؛
ثالثاً: الشيء الموروث.
 أي الأموال و الحقوق التي تركها الميت.
المطلب الثاني: أسباب الميراث.
  أسباب الميراث في الفقه الإسلامي ثلاثة و هي: القرابة،الزوجية و الولاء.
   أما في القانون الجزائري فتنحصر في سببين و هي : الزوجية و القرابة (المادة 126 قانون الأسرة).
أولاً: الزوجية.
    اعتبر المشرع الزوجية سبب من أسباب التوارث بين الزوجين،و لكنه قيدها بشروط حتى تكون سبب من أسباب الميراث في المواد :130، 131، 132 من قانون الأسرة.
1-أن تكون الزوجية صحيحة: (أن يكون الزواج صحيحاً)،بحيث يتأكد حق التوارث بين الزوجين بمجرد العقد الصحيح حتى و لو لم يتم الدخول (المادة 130 قانون الأسرة)،أما إذا ثبت بطلان النكاح أو الزواج فلا توارث بين الزوجين،و ذلك حتى لو حدث الموت بعد الدخول؛
2-أن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة: تنص المادة 132 قانون الأسرة أنه إذا توفي أحد الزوجين قبل صدور الحكم بالطلاق أو كانت الوفاة في عدة الطلاق،استحق الحي منهما الإرث،و من خلال هذه المادة نستنتج أن الزوجية تعتبر قائمة حتى في فترة إجراءات الطلاق و قبل صدور الحكم و إلى غاية انتهاء فترة العدة.
   إذا طلق الزوج زوجته في مرض الموت ففي هذه الحالة يقع التوارث من جانبها فقط،و نعني بذلك أن الزوج في هذه الحالة لا يرث منها حتى و لو لم تكن عدتها قد انتهت،بينما هي ترثه بل يرى الإمام مالك و أحمد أنها ترث حتى و لو تزوجت غيره،إلا أن الأحناف يرون بحقها في الميراث إذا كانت معتدة،و في هذا الإطار قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 17 مارس 1998 "أن المرض مهما كانت خطورته لا يمنع الزوج من إيقاع الطلاق ما عدا إذا كان القصد من الطلاق في مرض الموت حرمان الزوجة من الميراث"؛
ثانياً: القرابة.
   و نقصد بها رابطة النسب الحقيقية أي الصلة الناشئة عن الولادة بين الوارث و المورث و هي الأصل في الميراث، و تشمل الأنواع الثلاثة التالية:
1-أصحاب الفروض: كالأم و البنت...؛
2-العصبة: و هم الأشخاص الذين يرثون عن طريق التعصيب كالابن،الأخ الشقيق،الأخ لأب..
3-ذوي الأرحام: مثل أولاد البنت.
   و يشترط لاستحقاق الإرث بسبب القرابة أن يكون النسب ثابتاً،و منه فإن ابن الزنا لا يرث من أبيه الطبيعي بل يرث من أمه،و كذا لا يرث ابن الملاعنة (المواد 128، 138 قانون الأسرة).



المطلب الثالث: شروط الميراث.
    لاستحقاق الميراث لابد من توافر الشروط التالية:
أولا:موت المورث حقيقةً أو حكماً.
    يجب أن يتحقق موت المورث حقيقةً أو حكماً (المادة 127 قانون الأسرة)،فالموت الحقيقي يتأكد من وقته و تاريخه من سجلات الأحوال المدنية، و بطبيعة الحال بشهادة طبية تؤكد وفاة الشخص،أما الموت الحكمي فيتعلق بالمفقود الذي قضي بوفاته بحكم قضائي (المادة 113 قانون الأسرة).
    و ينبغي الإشارة في هذه الحالة أنه لا يورث المفقود و لا تقسم أمواله إلا بعد صدور الحكم بموته،  و من ثم تقسم أمواله على أقاربه قبل صدور حكم بموته فلا يستحق شيئاً من التركة.
و قد أشار الفقه الإسلامي إلى نوع ثالث من الوفاة، و هو ما يسمى بالموت التقديري، و هو موت الجنين المنفصل عن أمه بجناية، و هنا اختلف الفقه في حكم ميراث الجنين.
الحنابلة: لا يورث و لا يرث؛
الأحناف: يرث و يورث؛
المالكية و الشافعية: يُورِثُ (الغرة) و لا يُوَرث، فلا يرث من تركة مورثه الذي توفي و هو جنين، لأنه لم تتحقق حياته حتى يرث.
ثانياً:تحقق حياة الوارث عند موت مورثه.
   يشترط حياة الوارث حقيقة أو تقديراً،فالحياة الحقيقية تثبت بالمشاهدة بعد وفاة المورث و لو بفترة،أما الحياة التقديرية تتعلق بالحمل (المادة 128 قانون الأسرة)،و يقتضي أن يولد الجنين حياً،أما إذا انفصل عن بطن أمه ميتاً فلا يرث (المادة 134 قانون الأسرة)؛
    و ينبغي الإشارة إلى أنه من مات قبل الحكم بموت المفقود من ورثته، فإن المفقود يرث منه (المادة 133 قانون الأسرة)،حيث أنه طالما لم يحكم بموته يعتبر حياً،و يحتفظ بنصيبه من التركة احتياطياً.
    أما في حالة ما توفي اثنان أو أكثر، و لم يعلم أيهم هلك أولاً فلا يستحق أحدهم في تركة الآخر سواء كان موتهم في حادث واحد أم لا (المادة 129 قانون الأسرة)؛
ثالثاً: ألا يوجد مانع من موانع الميراث.
المطلب الرابع: موانع الميراث.
   إضافة للشروط السابقة لابد لاستحقاق الميراث عدم وجود مانع من موانعه،و إذا توافر في شخص مانع من موانع الميراث، لا يستحق شيئاً من الميراث، و يعتبر وجوده كعدمه (المادة 136 قانون الأسرة)،و لا يؤثر على غيره من الورثة،سواء من حيث حجب النقصان أو حجب الحرمان.
و موانع الميراث هي:
أولاً: الرق.
   اتفق جمهور الفقهاء على أن الرق يمنع من الميراث،أما المشرع فلا يأخذ بهذا المانع لعدم اعترافه بنظام الرق؛
ثانياً: القتل.
   إذا قتل شخص مورثه فإنه لا يرث من تركته بطريق الميراث لقوله صلى الله عليه و سلم "لا يرث القاتل"؛
   و يجب أن يتوافر في القتل المانع للميراث، الشروط التالية:
-أن يكون القتل عمداً،سواء كان القاتل فاعلاً أصلياً أو شريكاً  (المادة 135 فقرة 1 من قانون الأسرة)، أو كان متسبباً في قتله، كمن شهد شهادة زور على مورثه و أدت شهادته إلى الحكم بإعدامه   و نفذ الحكم (المادة 135 قانون الأسرة)؛
-أن يكون القتل عدواناً، أي أن يتم بدون حق و لا عذر،فإذا كان نتيجة لممارسة حق شرعي كحالة الدفاع عن النفس، أو العرض، أو المال،أو نتيجة لأداء واجب بمقتضى وظيفته،مثلاً نفذ حكم قضائي بإعدام شخص فلا يكون قتل عدواناً،و إنما هنا يكون قد توافر سبب من أسباب الإباحة؛
و مثالها: القتل بشأن الزوج الذي يجد زوجته متلبسة بجريمة الزنا، و يقوم بقتلها وقت ارتكاب الزنا،فهنا قد توافر للزوج عذر الاستفزاز،أما القتل الخطأ فلا يمنع مرتكبه من الميراث (المادة 137 قانون الأسرة)؛
-أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً.
ثالثاً: اختلاف الدين.
   لقد سكت المشرع الجزائري عن هذا المانع في قانون الأسرة،و لكن بالرجوع للمادة 222 التي تحيلنا إلى الشريعة الإسلامية، فإن الاختلاف في الدين هو مانع من موانع الميراث،فالمسلم لا يرث غير المسلم،و غير المسلم لا يرث المسلم،لقوله صلى الله عليه و سلم "لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم"،و بناءاً على ذلك فإن الزوجة المسيحية لا ترث زوجها المسلم و لا هو يرثها.
   أما غير المسلمين فيتوارثون فيما بينهم و لو اختلفت ديانتهم،فالزوج اليهودي يرث زوجته المسيحية.
    و مما سبق يتضح أن المشرع الجزائري أخذ بديانة الشخص لا جنسيته،و ذلك تطبيقاً للشريعة الإسلامية،أي أنه إذا كان الأب مثلاً جزائري مسلم و ابنه من جنسية فرنسية مسلم يجوز التوارث بينهما،و قد قضى المجلس الأعلى في قراره الصادر في 07 سبتمبر 1984 على أنه "متى كان من المقرر شرعاً و على ما جرى به قضاء المجلس الأعلى أن الشريعة الإسلامية لا تشترط الجنسية في باب الميراث، و لكنها تأمر التمسك بالدين الإسلامي".
   و العبرة في الدين وقت الوفاة لأنه وقت استحقاق الميراث،و هذا ما جاءت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 20 جوان 2001 "يجب الميراث لمن كان مسلماً يوم موت المورث و من أسلم بعد موته فلا حق له في الميراث".
رابعاً:الردة.
    نص المشرع على الردة كمانع من موانع الميراث في المادة 138 من قانون الأسرة،فالمسلم الذي يرتد عن الإسلام لا يرث من غيره حتى لو كان الغير كافراً أو مرتداً هو الآخر.

خامساً:اللعان.
    نصت عليه المادة 138 قانون الأسرة باعتباره مانع للميراث،لكن في حقيقة الأمر يعتبر اللعان سبب لفقدان سبب من أسباب الميراث ألا و هي القرابة،لأن ابن الملاعنة لا ينسب لأبيه و إنما لأمه، و يطبق الحكم ذاته على ابن الزنا.
   و الموانع يختصرها فقهاء الشريعة في عبارة "عِش لك رزق"،العين:عدم الاستهلال (الجنين يولد ميتاً)،الشين:الشك في السبق،اللام: اللعان،الكاف: الكفر،الراء:الرق،الزاي:الزنا،القاف: القتل.













المستحقون للتركة بطريق الإرث.
      بعد تجهيز الميت، و دفع الديون الثابتة في ذمة المتوفي، و تنفيذ الوصايا في الحد الذي تنفذ فيه،إن بقي شيء من التركة توزع على أصحاب الميراث،و هم: أصحاب الفروض،العصبة وذوي الأرحام.
المبحث الأول: أصحاب الفروض.
   الفروض هي جمع فرض، و يسمى بالسهم و النصيب،و المقصود بأصحاب الفروض جميع الورثة الذين لهم سهام مقدرة في القرءان، و السنة، و الإجماع،أو هم من حددت أسهمهم في التركة شرعاً (المادة 140 قانون الأسرة)،و الفروض المحددة شرعاً لا تخرج عن ستة (6)، و هي: النصف (1/2)،الربع(1/4)،الثمن(1/8)،الثلثان(2/3)،الثلث(1/3) و السدس(1/6) (المادة 143 قانون الأسرة)؛
و أصحاب الفروض هم إثنا عشر،أربعة من الذكور،و ثمانية من الإناث:
الوارثون من الذكور هم: الأب ، الجد لأب و إن علا (الجد الصحيح)،الزوج،الأخ لأم،و كذلك الأخ الشقيق في المسألة العمرية (المادة 141 قانون الأسرة)؛
الوارثون من الإناث هن: البنت،بنت الابن،الأم،الزوجة،الجدة من الجهتين و إن علت،الأخت الشقيقة،الأخت لأب و الأخت لأم.
   * أصحاب الفروض منهم من هو صاحب فرض فقط في جميع الأحوال و لا يرث بطريق التعصيب أبداً،و هم: الزوج و الزوجة،الأخ لأم،الأخت لأم،الأم و الجدة؛
و منهم من يرث بطريق الفرض تارة و بطريق التعصيب تارة أخرى،و هم: البنت الصلبية،بنات الابن،الأخت الشقيقة و الأخت لأب؛
و منهم من يرث بطريق الفرض و التعصيب معاً و هم: الأب و الجد الصحيح مثلاً.
و سنتناول ما يستحقه كل وارث من خلال التفصيل الآتي:

المطلب الأول: ميراث الزوجين.
   ميراث الزوجين يختلف حسب وجود الفرع الوارث و عدمه.
الفرع الأول: ميراث الزوج.
للزوج حالتان في الميراث:
الحالة الأولى: يرث من زوجته النصف (1/2) ، إن لم يوجد فرع وارث للزوجة المتوفاة سواء منه أو من غيره،و سواء كان ذكراً أو أنثى (المادة 144 فقرة 1 قانون الأسرة)؛
الحالة الثانية: يرث من زوجته الربع (1/4) إن وجد فرع وارث للزوجة سواء منه أو من غيره،و سواء كان ذكراً أو أنثى (المادة 145 فقرة1 قانون الأسرة)؛
   و لابد من الإشارة هنا أننا نقصد بالفرع الوارث الولد الذي ينسب إلى الميت ذكر أو أنثى،و الذين ينتسبون إليه من فروعه هم أولاده الصلبيون ذكوراً كانوا أو إناثاً و فروع أبنائه،أما فروع بناته فلا ينتسبون إليه،و الزوج لا يحجب أحداً من الورثة،و لا يُحجب بأحدٍ حجب حرمان، بل يحجب حجب نقصان من النصف (1/2) إلى الربع (1/4) عند وجود الفرع الوارث.
الفرع الثاني: ميراث الزوجة.
للزوجة حالتان أيضاً:
الحالة الأولى: ترث الربع (1/4)من زوجها، إن لم يوجد لزوجها المتوفي فرع وارث سواء منها أو من غيرها،و سواء كان ذكر أو أنثى (المادة 145 فقرة2 قانون الأسرة)؛
الحالة الثانية: ترث الثمن(1/8) من زوجها، إن وجد لزوجها المتوفي فرع وارث ذكراً أو أنثى، سواء كان منها أو من غيرها (المادة 146 فقرة1 قانون الأسرة)،و مقدار الربع(1/4)  أو الثمن (1/8) تشترك فيه الزوجات في حالة تعددهن.
كما نلاحظ أن قاعدة"للذكر ضعف حظ الأنثيين" مطبقة بين الزوجين.
مسائل تطبيقية عن ميراث الزوج و الزوجة.
مثال1: توفيت عن:  زوج و أب.
الزوج: النصف (1/2) فرضاً لعدم وجود الفرع الوارث.
الأب: الباقي تعصيباً.
مثال2: توفي عن:  زوجة و ابن.
الزوجة: الثمن (1/8) لوجود فرع وارث.
الابن: الباقي تعصيباً.
مثال3: توفي عن:  زوج،بنت البنت.
الزوج:النصف(1/2)لعدم وجود فرع وارث
بنت البنت: من ذوي الأرحام.








المطلب الثاني: ميراث البنات و بنات الابن.
الفرع الأول: ميراث البنت الصلبية.
البنت الصلبية هي بنت المتوفي أو المتوفاة،و لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: النصف(1/2)  حال انفرادها، و لم توجد معها بنت أخرى، و لا ابن (أخوها) يعصبها (المادة 144 فقرة2 قانون الأسرة)؛
مثال: توفيت عن: زوج و بنت و أخ شقيق.
الزوج: الربع(1/4) لوجود الفرع الوارث.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها، و عدم وجود من يعصبها.
الأخ الشقيق: الباقي تعصيباً.
الحالة الثانية: الثلثان(2/3) بطريق الفرض إذا وجدت بنتان فأكثر،بشرط عدم وجود الابن (المادة 147 فقرة 1 قانون الأسرة).
مثال: توفي عن زوجة و ثلاث بنات،و عم.
الزوجة : الثمن (1/8) لوجود الفرع الوارث.
البنات: الثلثين (2/3) لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
العم: الباقي تعصيباً.



الحالة الثالثة: ترث بالتعصيب (عصبة بالغير) مع الأبناء،أي أن البنت ترث مع أخيها للذكر مثل حظ الأنثيين (المادة 155 فقرة1 قانون الأسرة).
مثال: توفي عن:  زوجة و أب و بنتين و ثلاث أبناء.
الزوجة: الثمن(1/8) لوجود فرع وارث.
الأب: السدس(1/6) لوجود الفرع الوارث الذكر.
البنتين و ثلاث الأبناء: للذكر مثل حظ الأنثيين.
*و الملاحظ أن البنات الصلبيات كالزوجين لا يُحجبن حجب حرمان.
مسائل تطبيقية عن ميراث البنت الصلبية.
مثال1: توفيت عن:  زوج و بنت و أخ لأب.
الزوج: الربع (1/4) لوجود فرع وارث.
البنت: النصف(1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الأخ لأب: الباقي تعصيباً.
مثال2: توفي عن:  زوجة و بنتين.
الزوجة: الثمن (1/8)  لوجود فرع وارث.
البنتان: الثلثين(2/3) لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
مثال3: توفيت عن:  زوج و بنت و ابن.
الزوج: الربع(1/4)  لوجود الفرع الوارث.
البنت و الابن: للذكر مثل حظ الأنثيين.
مثال4: توفيت عن:  زوج و أم و أب و ابن و بنت.
الزوج: الربع(1/4)  لوجود الفرع الوارث.
الأم: السدس(1/6) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس(1/6) لوجود الفرع الوارث المذكر.
البنت و الابن: للذكر مثل حظ الأنثيين.
الفرع الثاني: ميراث بنات الابن.
بنت الابن ستة حالات:
الحالة الأولى: ترث النصف (1/2) حال انفرادها،و لم يكن للمتوفي ابن ابن في درجتها أو أنزل منها درجة يعصبها، و لا بنت صلبية و لا ابن صلبي.
مثال: توفي عن:  أب و أم و بنت ابن.
بنت الابن: النصف (1/2) لانفرادها، و عدم وجود من يعصبها،و عدم وجود بنت صلبية و ابن صلبي.
الأم: السدس (1/6) فرضاً،لوجود الفرع الوارث.
الأب: الباقي تعصيباً.
الحالة الثانية: ترث الثلثين (2/3) لبنتي ابن فأكثر، إذا لم يكن للمتوفي بنت صلبية أو ابن ابن في درجتهن أو أنزل منهن درجة يعصبهن،أو ابن صلبي يحجبهن.
مثال: توفي عن:  أب و بنتي ابن.
بنتي الابن:الثلثين (2/3) لتعددهن، و عدم وجود بنت صلبية، ومن يعصبهن أو ابن صلبي يحجبهن.
الأب:الباقي تعصيباً.
الحالة الثالثة: ترث بالتعصيب،إذا كان معها ابن ابن من درجتها أو أنزل منها، للذكر مثل حظ الأنثيين حتى لو كان أنزل منها درجة (المادة 155 فقرة2 قانون الأسرة).
مثال:توفي عن:  زوجة و بنت ابن و ابن ابن.
الزوجة: الثمن(1/8)  لوجود فرع وارث.
بنت الابن و ابن الابن: بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين.
الحالة الرابعة: تأخذ السدس (1/6) للواحدة فأكثر مع البنت الصلبية تكملة للثلثين،و يشتركن في السدس(1/6) إذا كن أكثر من واحدة،و يقسم عليهن بالتساوي.
و إنما أعطيت السدس (1/6) لأن الشارع جعل الثلثين حقاً للبنات،فإذا وجدت بنت صلبية واحدة لم تأخذ إلا النصف (1/2) فلا يستغرق البنات نصيبهن المخصص لهن،فاعتبرت بنت الابن كالبنت ليستغرق الثلثين.
مثال: توفي عن:  بنت و بنت ابن.
البنت : النصف (1/2)  لانفرادها، و عدم وجود من يعصبها.
بنت الابن: السدس (1/6) لوجود بنت صلبية واحدة تكملة للثلثين.
الحالة الخامسة: تُحجب بنت الابن حجب حرمان بالبنتين الصلبيتين فأكثر و لا ترث شيئاً،إلا إذا كان بجانبها ذكر في درجتها أو أنزل منها فإنه يعصبها،و ترث معه بالتفاضل إذا بقي شيء من التركة و هو ما يسمى بالابن البار لأن لولاه لما ورثت بنت الابن شيئاً،و إن لم يبق شيء لهما بعد أخذ ذوي الفروض نصيبهم سمي بالقريب المشؤوم.



مثال1: توفي عن:  أب و أم و بنتين و بنت ابن.
البنتين: الثلثين(2/3)  لتعددهن، و عدم وجود ابن يعصبهن.
بنت الابن: محجوبة بالبنتين.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
مثال2: توفيت عن:  زوج و أم و أب و بنت ابن و ابن ابن و بنتين.
الزوج: الربع (1/4) لوجود الفرع الوارث.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
البنتين: الثلثين (2/3) لتعددهن و عدم وجود أخ يعصبهن.
بنت الابن و ابن الابن : الباقي بعد الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين.
الحالة السادسة: تُحجب بنت الابن بالابن الصلبي لأنه أعلى منها درجة و بكل ابن ابن أعلى منها درجة.
مثال1: توفي عن:  ابن و بنت ابن.
كل التركة للابن و تُحجب بنت الابن.



مثال2: توفيت عن:  زوج و بنت و ابن ابن و بنت ابن ابن.
الزوج: الربع (1/4) لوجود الفرع الوارث.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
ابن الابن: الباقي تعصيباً.
بنت ابن الابن: تُحجب بابن الابن لأنه أعلى منها درجة.
ملاحظة: تجدر الإشارة هنا أنه طبقاً لأحكام التنزيل الواردة في المواد من 169 إلى 172 قانون الأسرة فإنه للحفيد المحروم أن يأخذ مثل نصيب أصله كما لو كان حياً،بالشروط القانونية المحددة في المواد 170، 171، 172 قانون الأسرة،و يكون هذا التنزيل الوصية الواجبة للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسائل تطبيقية عن ميراث بنت الابن.
مثال1: توفي عن:  بنت و بنت ابن و أخ شقيق.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها، و عدم وجود من يعصبها.
بنت الابن: السدس (1/6) لوجود بنت صلبية واحدة تكملة للثلثين.
الأخ الشقيق: الباقي تعصيباً.

مثال2: توفي عن:  بنتين و بنت ابن و ابن ابن ابن.
البنتين: الثلثين (2/3)  لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
بنت الابن و ابن ابن الابن: للذكر مثل حظ الأنثيين (الابن البار).

مثال3: توفيت عن:  زوج و أم و أب و بنت و ثلاث بنات ابن.
الزوج: الربع (1/4)  لوجود الفرع الوارث.
الأم : السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
ثلاث بنات ابن: يشتركن في السدس (1/6) لوجود بنت صلبية واحدة تكملة للثلثين.

مثال4: توفي عن:  زوجة و بنت و ابن ابن و بنت ابن ابن.
الزوجة: الثمن (1/8) لوجود الفرع الوارث.
البنت: النصف لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
ابن الابن: الباقي تعصيباً.
بنت ابن الابن: محجوبة بابن الابن لأنه أعلى منها درجة.

مثال5: توفي عن: أب و أم و بنتين و بنت ابن.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
البنتين: الثلثين (2/3) لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
بنت الابن: محجوبة بالبنتين الصلبيتين.
مثال6: توفي عن: بنتين و بنت ابن و ابن ابن.
البنتين: الثلثين (2/3) لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
بنت الابن و ابن الابن: الباقي تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين.

مثال7: توفيت عن: زوج و أم و أب و بنت و بنت ابن و ابن ابن.
الزوج: الربع (1/4)  لوجود الفرع الوارث.
الأم : السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
بنت ابن و ابن ابن: تعصيباً (و لكن هذه الحالة لا يبق شيء ابن مشؤوم).








المطلب الثالث: ميراث الآباء.
    و نقصد هنا بميراث الآباء: ميراث الأب و الأم و الجد و الجدة.
الفرع الأول: ميراث الأب.
  يختلف ميراث الأب حسب وجود الفرع الوارث للمتوفي ذكراً أو أنثى أو عدم وجوده،حيث نجده يرث بجهة الفرض فقط تارةً،و تارةً بالفرض و التعصيب،و تارةً أخرى بالتعصيب فقط.
أي أن للأب ثلاث حالات:
الحالة الأولى: يرث السدس (1/6) بطريق الفرض عند وجود الفرع الوارث المذكر،كالابن و ابن الابن  و إن نزل سواء معه غيره أو لا،و قد نصت المادة 149 فقرة 1 أن للأب السدس (1/6)  فرضاً بشرط وجود الولد أو ولد الابن ذكراً كان أو أنثى.
مثال: توفي عن زوجة و أب و ابن.
الزوجة : الثمن (1/8) لوجود الفرع الوارث.
الأب: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث المذكر.
الابن: الباقي تعصيباً.
الحالة الثانية: يرث السدس (1/6) بالفرض + الباقي من التركة بعد أصحاب الفروض الوارثين معه،       و ذلك عند وجود الفرع الوارث المؤنث.
مثال: توفي عن:  أب و بنت.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الحالة الثالثة: يرث بالتعصيب فقط حالة عدم وجود فرع وارث للمتوفي ذكراً أو أنثى، فيأخذ الباقي تعصيباً بعد أصحاب الفروض،أو يأخذ كل التركة حال انفراده،و هذا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و سلم يخاصم أباه في دين عليه،فقال صلى الله عليه و سلم "أنت و مالك لأبيك".
مثال: توفي عن:  أب و أم و عم.
الأم: الثلث (1/3) لعدم وجود فرع وارث و عدم وجود إخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
العم: محجوب بالأب .
ملاحظة: ما يلاحظ أن الأب لا يُحجب من الميراث بأي حال من الأحوال،بينما يحجب الأب أولاد الأخ و الأخت الشقيقة (المادة 162 قانون الأسرة).
أمثلة تطبيقية عن ميراث الأب.
مثال1: توفي عن:  زوجة و أب و ابن.
الزوجة: الثمن (1/8)  لوجود فرع وارث.
الأب : السدس (1/6)  لوجود فرع وارث مذكر.
الابن : الباقي تعصيباً.
مثال2: توفيت عن: زوج و بنت و أب.
الزوج : الربع (1/4)  لوجود الفرع الوارث.
البنت: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الأب: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً لوجود الفرع الوارث المؤنث.
مثال3: توفي عن:  زوجة و أب.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأب: الباقي تعصيباً لعدم وجود فرع وارث.

مثال4: توفي عن:  أب و أخت شقيقة و أخ شقيق و أخت لأم.
الأب: يأخذ كل التركة و يحجب الآخرين.
الفرع الثاني: ميراث الأم.
    الأم هي كل امرأة ترتبط بالمتوفي عن طريق ولادة مباشرة بحيث يرتفع نسبه إليها بالبنوة من دون واسطة،و يختلف ميراثها منه تبعاً لوجود الفرع الوارث و عدمه،و وجود عدد من الإخوة،و وجود أحد الزوجين مع الأبوين.
و عليه فأحوال الأم ثلاثة:
الحالة الأولى: تأخذ السدس (1/6) عند وجود الفرع الوارث مطلقاً،أو عند وجود اثنين من الإخوة     أو الأخوات من أي جهة كانت.
مثال1: توفي عن: أب و أم و ابن.
الأب: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث المذكر.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الابن: الباقي تعصيباً.


مثال2: توفي عن: أب و أم و أخوين شقيقين.
الأم: السدس (1/6) لوجود الإخوة و تعددهم.
الأب: الباقي تعصيباً.
الأخوين الشقيقين: محجوبين بالأب.

الحالة الثانية: تأخذ ثلث (1/3) المال كله عند عدم وجود الفرع الوارث و عدم وجود اثنين فأكثر من الإخوة و الأخوات.
مثال: توفي عن: زوجة و أم و أخ شقيق.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: الثلث (1/3)  لعدم وجود فرع وارث و عدم تعدد الإخوة.
الأخ الشقيق: الباقي تعصيباً.
ملاحظة: نشير هنا أن الفرع غير الوارث لا يحجبها من الثلث (1/3) إلى السدس (1/6) (حجب نقصان) كابن البنت و بنت البنت.





الحالة الثالثة: ترث الأم (1/3) الباقي من التركة بعد نصيب أحد الزوجين إذا اجتمعت الأم مع الأب و أحد الزوجين فقط، بشرط ألا يكون معها فرع وارث و لا أكثر من أخ أو أخت،و تسمى هذه المسألة بـ" الغروية" لشبهتها،و أشار إليها المشرع في المادة 177 قانون الأسرة.و هي مسألة "الغراوين" نشرحها فيما يلي:
مسألة "الغراوين: لها صورتان:
1)-أن يكون في المسألة: أب و أم و زوج : للزوج النصف (1/2)،و الأم ثلث (1/3) الباقي من التركة و هو السدس(1/6)،و الأب الباقي تعصيباً (المادة 177 فقرة 2 قانون الأسرة)؛
2)-أن يكون في المسألة: أب و أم و زوجة: للزوجة الربع (1/4) ،و الأم ثلث (1/3)  الباقي من التركة و هو الربع (1/4) ،و الأب الباقي تعصيباً (المادة 177فقرة3 قانون الأسرة).
  و هذا ما قضى به سيدنا عمر رضي الله عنه ،و وافقه جمع من الصحابة منهم: زيد بن ثابت،      و عثمان بن عفان، و عبد الله بن مسعود،و بهذا الرأي أخذ الأئمة الأربعة،و هو ما يجري به العمل في المادة 177 قانون الأسرة.
ملاحظة: الأم لا تُحجب حجب حِرمان مطلقاً، بحيث ترث إما السدس (1/6)، و إما ثلث (1/3) كل المال، و إما ثلث(1/3) الباقي في العمريتين،لكنها تُحجب حجب نقصان.
مسائل تطبيقية عن ميراث الأم.
مثال1: توفي عن: أب و أم و ابن.
الأب: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث المذكر.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث.
الابن: الباقي تعصيباً.

مثال2: توفي عن: أم و أب و جد.
الأم: الثلث (1/3) لعدم وجود فرع وارث، و عدم وجود إخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
الجد: محجوب بالأب.

مثال3: توفيت عن:  زوج و أب و أم.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: ثلث (1/3) الباقي بعد نصيب الزوج، و هو السدس(1/6) .
الأب: الباقي تعصيباً. (المسألة الغروية).

مثال4: توفي عن: زوجة و أب و أم .
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: ثلث (1/3)  الباقي بعد نصيب الزوجة، و هو الربع (1/4).
الأب: الباقي تعصيباً (المسألة الغروية).
مثال5: توفي عن: أم و أب و زوجة مسيحية.
الأم: الثلث (1/3)  لعدم وجود فرع وارث و عدم وجود إخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
الزوجة المسيحية: ممنوعة من الميراث.
مثال6: توفي عن: زوجة و أم و أب و ابن بنت.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم : الثلث (1/3)  لعدم وجود فرع وارث، و عدم وجود الإخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
ابن البنت: من ذوي الأرحام.

مثال7: توفيت عن: زوج و أم و أب و ابن.
الزوج: الربع (1/4)  لوجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6)  لوجود فرع وارث.
الأب: السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث المذكر.
الابن: الباقي تعصيباً.

مثال8: توفي عن: زوجة و أم و أب و أخوين شقيقين.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6) لتعدد الإخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
الأخوين الشقيقين: محجوبين بالأب.

الفرع الثالث: ميراث الجد و الجدة.
أولاً: ميراث الجد.
   يقصد بالجد الجد الصحيح أو الجد العصبي كما يسميه الفقهاء،و هو ما لا تدخل في نسبته إلى الميت أنثى،و هو أب الأب،و أب أب الأب و إن علا،و يختلف ميراث الجد حسب وجود الأب    و عدمه،و حسب وجود الإخوة (الأشقاء و لأب) و عدمه.
الحالة الأولى: الجد الصحيح لا ميراث له مع وجود الأب (لا يرث الجد الصحيح مع وجود الأب تماشياً مع القاعدة العامة"من أدلى إلى الميت بواسطة لا يرث مع وجود تلك الواسطة").
الحالة الثانية: في حالة عدم وجود الأب، و عدم وجود الإخوة، فإنه يقوم في الإرث مقام الأب،     و بالتالي يكون له نفس حالات الأب الثلاثة، و هي:
1)-يرث السدس (1/6) بالفرض في حالة وجود الفرع الوارث المذكر؛
2)-يرث السدس (1/6) فرضاً + الباقي تعصيباً إذا كان للمتوفي فرع وارث مؤنث؛
3)-يرث بالتعصيب فقط إذا لم يكن للميت فرع وارث مطلقاً، أو له فرع وارث محروم، أو من ذوي الأرحام.
*هذه هي الحالات التي تكون للجد عند عدم وجود الأب، و عدم وجود الإخوة و الأخوات         ( الأشقاء أو لأب)، و هي حالات متفق عليها في جميع المذاهب الفقهية.
الحالة الثالثة: عند وجود الإخوة: اتفق فقهاء الصحابة و من بعدهم التابعين،و أئمة المذاهب على أن الإخوة لأم أو الأخوات لأم لا يرثون مع الجد الصحيح،أما الإخوة و الأخوات لأبوين أو لأب فذهب جمهور الصحابة  و التابعين أنه يشاركهم في الميراث،إلا أنهم لم يأخذوا بطريقة واحدة في المشاركة بل اختلفت طرقهم فيها اختلافاً كبيراً.

   أما القانون الجزائري فقد أخذ بأحكام الفقه المالكي(المادة 158 قانون الأسرة)،حيث يكون للجد مع الإخوة و الأخوات (الأشقاء أو لأب)، صورتين:
الصورة الأولى: يكون الجد فيها مع الإخوة (الأشقاء أو لأب) و ليس معهم صاحب فرض؛
ففي هذه الحالة يكون للجد ما هو الأفضل من:
- ثلث (1/3) جميع المال ؛
-أو المقاسمة بالتعصيب مع الإخوة كأنه أخ ذكر معهم.
مثال1: توفي عن: جد و أخ شقيق .
 المقاسمة هنا أفضل للجد من ثلث (1/3) جميع المال،لأنه بالمقاسمة يأخذ النصف (1/2)  بدل الثلث (1/3).
مثال2: توفي عن: أخوين شقيقين و أخوين لأب و جد.
الأخوين لأب محجوبين بالأخوين الشقيقين،فيأخذ الجد بالمقاسمة الثلث (1/3)،و ثلث (1/3)  التركة،ففي الحالتين نصيبه الثلث (1/3).
مثال3: توفي عن: أربع إخوة أشقاء،أخت شقيقة و جد.
الثلث (1/3)  أحسن من المقاسمة.
الصورة الثانية: يكون الجد مع الإخوة و الأخوات (الأشقاء أو لأب) و معهم صاحب فرض       أو أصحاب فروض (المادة 158 فقرة2 قانون الأسرة)؛
في هذه الحالة يكون للجد الأفضل من:
-سدس (1/6)  جميع المال؛
-أو ثلث (1/3)  ما بقي بعد أصحاب الفروض؛
-أو المقاسمة مع الإخوة كأخ ذكر منهم.
مثال: توفي عن: زوجة و بنتين و أخ شقيق و جد.
الزوجة: الثمن (1/8)  لوجود فرع وارث.
البنتان: الثلثين (2/3)  لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن.
أصل المسألة = 24
للزوجة: 3 أسهم.
للبنتين: 16 سهم.
يبقى للأخ و الجد 5 أسهم
بالمقاسمة يأخذ الجد بهذا أقل من سدس (1/6) جميع المال،و لو أعطيناه ثلث (1/3)  الباقي بعد أصحاب الفروض لكان أقل من السدس (1/6)،فيكون بالتالي السدس (1/6) أفضل للجد و تحل المسألة كالآتي:
الزوجة: الثمن (1/8).
البنتان: الثلثان (2/3).
الجد: السدس (1/6).
الأخ الشقيق: الباقي تعصيباً.
أصل المسألة = 24.
الزوجة : 3 أسهم من 24؛
البنتين: 16 سهم من 24؛
الجد: 4 أسهم من 24؛
الأخ الشقيق: 1 سهم من 24.
   و من هنا يتضح أن القانون الجزائري أخذ بمذهب ابن مسعود، و زيد بن ثابت،و تجدر الإشارة إلى أن الإخوة لأب لا يعتبرون بالمقاسمة إذا كانوا محجوبين بالإخوة الأشقاء،و يحجب الجد و إن علا أولاد الأخ (المادة 162 قانون الأسرة).
مسائل تطبيقية حول ميراث الجد.
مثال1: توفي عن: جد و ابن.
الجد: السدس (1/6) لعدم وجود الأب و الإخوة الأشقاء أو لأب،ينزل منزلة الأب فيرث السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث مذكر.
الابن: الباقي تعصيباً.
مثال2: توفي عن: زوجة و بنت ابن و جد.
الزوجة :الثمن (1/8)  لوجود الفرع الوارث.
بنت الابن: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الجد: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً، لعدم وجود الأب و الإخوة الأشقاء و لأب،فينزل منزلة الأب و يرث السدس(1/6) + الباقي تعصيبا  لوجود الفرع الوارث المؤنث.
مثال3: توفي عن: زوجة و جد.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الجد: باقي التركة تعصيباً،لعدم وجود الأب، و الإخوة  الأشقاء أو لأب، ينزل منزلة الأب فيأخذ باقي التركة تعصيباً لعدم وجود فرع وارث مطلقاً.


مثال4: توفي عن: زوجة و بنت و ابن ابن و أم و جد.
الزوجة: الثمن (1/8)  لوجود فرع وارث.
البنت : النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الأم: السدس (1/6)  لوجود الفرع الوارث.
ابن الابن: الباقي تعصيباً،
الجد: السدس (1/6)  ، لعدم وجود الأب و الإخوة و الأخوات الأشقاء أو لأب ينزل منزلة الأب فيرث السدس (1/6)  لوجود الفرع الوارث المذكر.
مثال5: توفي عن: جد و أختين شقيقتين.
المقاسمة أفضل للجد من ثلث (1/3)كل المال، فيأخذ النصف (1/2).
مثال6: توفي عن: أم و جد و عشر إخوة.
سدس (1/6) كل التركة أفضل للجد من ثلث (1/3)  الباقي بعد نصيب الأم و المقاسمة مع الإخوة كأخ منهم.







ثانياً: ميراث الجدة.
 الجدة الصحيحة هي التي لا يدخل في نسبتها إلى الميت ذكر بين أنثيين، و هي: أم أحد الأبوين،و أم الجد الصحيح و إن علت،و أم الجدة الصحيحة مثل: أم الأم،و أم الأب،و أم أبي الأب،و أم أم الأم.
  أما الجدة الفاسدة (غير الصحيحة) أم أبي الأم،أم أبي أم الأم،و هي من ذوي الأرحام المؤخرين في الإرث عن أصحاب الفروض و العصبات.
و للجدة الصحيحة حالتان:
الحالة الأولى: ترث السدس (1/6) سواء كانت واحدة أو أكثر،و سواء كانت من جهة الأب أو الأم، ويقسم بينهم السدس (1/6) بالتساوي،و لا تأخذ الجدات أكثر من السدس (1/6) بأي حال من الأحوال.
مثال: توفي عن: زوجة و أم الأم و أم الأب.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
أم الأم و أم الأب: تشتركن في السدس (1/6) بالتساوي.
الحالة الثانية: تحجب الجدة بمن يأتي:
1-لا ترث الجدة مع وجود الأم (سواء كانت جدة لأم أم لهما معاً)؛
2-تُحجب الجدة لأب (أم الأب) بالأب و بالجد إذا اتصلت إلى الميت به؛
3-تحجب القريبة من الجدات من أي جهة كانت البعيدة منهن مطلقاً.



أمثلة تطبيقية عن ميراث الجدة.
مثال1: توفي عن: زوجة و جدة (أم الأم) و أب.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الجدة: السدس(1/6)  .
الأب: الباقي تعصيباً.
مثال2: توفي عن: أم و جدة (أم الأم) و أب.
الأم: الثلث (1/3)  لعدم وجود فرع وارث و عدم وجود إخوة.
الجدة: محجوبة بالأم.
الأب: الباقي تعصيباً.
مثال3: توفي عن: زوجة و أم أب و أم أم و أم أب الأم.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
أم الأب و أم الأم: تشتركن في السدس (1/6) بالتساوي.
أم أب الأم: من ذوي الأرحام.





مثال4: توفي عن: بنت و ابن قاتل عمداً و جد و أخ لأم و أم لأب و أم أب أب.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الابن القاتل عمداً: ممنوع من الميراث.
الجد: السدس (1/6) + الباقي تعصيباً، لعدم وجود الأب و الإخوة و الأخوات الأشقاء و لأب ينزل منزلة الأب و يرث السدس (1/6) + الباقي تعصيباً.
أخ لأم: محجوب بالبنت.
أم لأب: السدس (1/6).
أم أب الأب: محجوب بأم الأب.
مثال5: توفي عن: ابن و جدة (أم الأم) و أم أم أم و أم أم الأب.
الإبن: عصبة.
أم الأم: السدس (1/6).
أم أم الأم و أم أم الأب: محجوبتان بأم الأم.






المطلب الرابع: ميراث الحواشي (الإخوة).
الفرع الأول: الإخوة و الأخوات لأم (أولاد الأم).
  هم أولاد الأم أي إخوة من الأم فقط،لذلك يرثون بالفرض فقط دون التعصيب.
و لأولاد الأم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: السدس (1/6) فرضاً إذا كان واحداً سواء كان مذكراً أو مؤنث.
مثال1: توفي عن: أخ شقيق و أخ لأم
الأخ لأم: السدس (1/6).
الأخ الشقيق: عصبة.
مثال2: توفي عن: أخوين شقيقين و أخت لأم.
الأخت لأم: السدس (1/6).
الأخوين الشقيقين: الباقي تعصيباً.
الحالة الثانية: الثلث (1/3) إذا كانوا أكثر من واحد،يتقاسمونه بينهم بالتساوي لا فرق بين ذكر و أنثى.
مثال: توفي عن: أخ شقيق و أخ لأم و أخت لأم.
أخ لأم و أخت لأم: الثلث (1/3) يتقاسمونه بالتساوي بينهما.
الأخ الشقيق: الباقي تعصيباً.
الحالة الثالثة: لا يرثون و يُحجبون حجب حرمان بالفرع الوارث مطلقاً (ذكر أو أنثى)، أو بالأصل المذكر الوارث،أي لا يرثون مع الابن و ابن الابن و إن نزل،و البنت و بنت الابن و إن نزلت،أو الأب و الجد الصحيح و إن علا.
الحالة الرابعة: (المسألة المشتركة) : هناك مسألة خاصة تسمى بالمسألة المشتركة يرث فيها الإخوة لأم مع الإخوة الأشقاء،و قد نص عليها المشرع الجزائري في المادة 176 قانون الأسرة،و تكون المسألة مشتركة في حالة ما إذا وُجد مع اثنين فأكثر من أولاد الأم، أخ شقيق أو إخوة أشقاء أو أخوات شقيقات،و استغرقت الفروض كل التركة، و لم يبق شيء يرثه الأخ الشقيق أو الإخوة الأشقاء تعصيباً      و ذلك لانفراد الإخوة و الأخوات لأم بالثلث(1/3)،فهنا لابد أن يشارك الإخوة لأم الإخوة الأشقاء في الثلث (1/3)، و يقسم بينهم بالتساوي ذكوراً أو إناثاً و تسمى المسألة المشتركة.
*و صورة المسألة المشتركة: زوج + أم (أو جدة) + إخوة أشقاء + إخوة لأم.
و لكي تتحقق المسألة المشتركة لابد من توافر الشروط التالية:
1-أن يوجد صاحب النصف (1/2) (الزوج)؛
2-أن يوجد صاحب السدس (1/6) (الأم أو الجدة الصحيحة)؛
3-أن يوجد إثنان أو أكثر من الإخوة لأم، حتى يكون فرضهم الثلث (1/3)؛
4-أن يوجد أخ شقيق أو أكثر، سواء وجدت معه أخت شقيقة أو أكثر أو لا،أما إذا وجد الأخ لأب بدل الأخ الشقيق فلا تعد مسألة مشتركة،و كذلك إذا وجد مع الإخوة لأم أخت شقيقة       أو أكثر فهن يرثن بالفرض و تعول المسألة (فيها عول).
أمثلة تطبيقية عن ميراث الإخوة لأم.
مثال1: توفيت عن:  زوج و أم و أخوين لأم و أخ شقيق.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6)  لتعدد الإخوة.
الأخوين لأم و الأخ الشقيق : يشتركون في الثلث (1/3) بالتساوي.

مثال2: توفيت عن: زوج و أم و أخوين لأم و أخ لأب.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6)  لتعدد الإخوة.
الأخ لأب: الباقي تعصيباً.
الأخوين لأم: الثلث (1/3) بالتساوي بينهما.
مثال3: توفيت عن: زوج و جدة و أخ لأم و أخت لأم و أخوين شقيقين و ثلاث أخوات شقيقات.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الجدة: السدس (1/6).
الأخ لأم و الأخت لأم و الأخوين الشقيقين و الثلاث أخوات الشقيقات: الثلث  (1/3) يشتركون فيه بالتساوي.
مثال4: توفيت عن: زوج و أم و أخت شقيقة و أخوين لأم.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6)  لتعدد الإخوة.
الأخت الشقيقة: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها (الأخ الشقيق).
الأخوين لأم: الثلث (1/3)  يشتركان فيه بالتساوي.



الفرع الثاني: ميراث الأخوات الشقيقات.
للأخوات الشقيقات الحالات التالية:
الحالة الأولى: النصف (1/2)  فرضاً حال انفرادها و لم يوجد معها عاصب (أخ شقيق)،أو فرع وارث مؤنث،و لا من يحجبها.
الحالة الثانية: الثلثين (2/3) للاثنتين فأكثر، شرط عدم وجود عاصب، و لا فرع وارث مؤنث، و لا من يحجبهن.
الحالة الثالثة: ترث مع الأخ الشقيق بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين (تكون عصبة بالغير، و هو الأخ الشقيق)؛
الحالة الرابعة: تكون عصبة مع الغير أي مع البنات (الفرع الوارث المؤنث)؛
الحالة الخامسة: تشارك أولاد الأم في المسألة المشتركة، بشروط المسألة المشتركة (أخ شقيق)؛
الحالة السادسة: تحجب بالفرع الوارث المذكر كالابن و ابن الابن و إن نزل،و تحجب بالأب دون الجد (المادة 164 قانون الأسرة)؛
و قد نص المشرع على ميراث الأخوات الشقيقات في المواد: 144 فقرة4، 147 فقرة3، 156، 164، 176 قانون الأسرة.
أمثلة عن ميراث الأخوات الشقيقات.
مثال1: توفي عن: زوج و أخت شقيقة.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
أخت شقيقة: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها،و عدم وجود من يحجبها.

مثال2:توفي عن: أم و أخ لأب و أختين شقيقتين.
الأم: السدس (1/6)  لتعدد الإخوة.
أختين شقيقتين: الثلثين (2/3) لتعددهن و عدم وجود من يعصبهن،و عدم وجود من يحجبهن.
الأخ لأب: الباقي تعصيباً.
مثال3: توفيت عن: بنت و بنت ابن و زوج و أخت شقيقة.
الزوج: الربع (1/4)  لوجود الفرع الوارث.
البنت : النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
بنت الابن: السدس (1/6)  لوجود بنت صلبية تكملة للثلثين.
أخت شقيقة: عصبة مع الغير.
مثال4:توفي عن: أم و أخت لأم و ابن و أخت شقيقة و أخ شقيق.
الأم: السدس (1/6) لوجود الفرع  الوارث و تعدد الإخوة.
الأخت الشقيقة و الأخ الشقيق : محجوبين بالابن.
أخت لأم: محجوبة بالابن .
مثال5: توفي عن: زوجة و أم و أربع أخوات شقيقات.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6) لتعدد الإخوة.
أربع أخوات شقيقات: الثلثين (2/3)  لتعددهن.

مثال6: توفي عن زوجة و أخت شقيقة و أختين لأب و أخت لأم.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأخت الشقيقة: النصف (1/2).
الأخت لأب: السدس (1/6) تكملة للثلثين.
الأخت لأم: السدس (1/6).













الفرع الثالث: ميراث الأخوات لأب.
و لهن ستة حالات:
الحالة الأولى: ترث النصف (1/2) حال انفرادها و عدم وجود من يعصبها (أخ لأب)، و لا من يحجبها.
الحالة الثانية: الثلثين (2/3)  للاثنتين فأكثر عند عدم وجود عاصب (أخ لأب) و لا من يحجبها.
الحالة الثالثة: السدس (1/6) للواحدة أو أكثر إذا كان للمتوفي أخت شقيقة واحدة تكملة للثلثين،بشرط عدم وجود العاصب (الأخ لأب).
الحالة الرابعة: ترث بالتعصيب مع الأخ لأب للذكر مثل حظ الأنثيين.
الحالة الخامسة: تكون عصبة مع الغير، مع البنت أو بنت الابن (الفرع الوارث المؤنث).
الحالة السادسة: تحجب الأخت لأب بمن يأتي:
1-بالأب و الابن و ابن الابن و إن نزل؛
2-بالأخ الشقيق؛
3-بالأخت الشقيقة إذا صارت عصبة مع غيرها؛
4-بالأختين الشقيقتين فأكثر، بشرط ألا يوجد مع الأخت لأب أخ لأب يعصبها.
   و ما يلاحظ أن للأخوات لأب مع الأخوات الشقيقات نفس الوضع الذي لبنات الابن مع البنات الصلبيات،و الأخت لأب تقوم مقام الأخت الشقيقة عند عدم وجودها فلها الأحوال الخمسة المتقدمة للأخت الشقيقة،و تزيد عنها حالتين تبعاً لوجود أشقاء معها.


أمثلة تطبيقية عن ميراث الأخوات لأب.
مثال1: توفيت عن: زوج و أخت لأب.
الزوج: النصف(1/2) لعدم وجود فرع وارث.
الأخت لأب: النصف (1/2)لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
مثال2: توفي عن: زوجة و إخوة لأم و أختين لأب.
الزوجة : الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
إخوة لأم: الثلث (1/3)  يشتركون فيه بالتساوي.
أختين لأب: الثلثين (2/3)  لتعددهن.
مثال3: توفي عن: زوجة و أخت شقيقة و أخت لأب.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأخت الشقيقة: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود عاصب.
الأخت لأب: السدس (1/6).
مثال4: توفيت عن: زوج و أخت شقيقة.
الزوج: النصف (1/2)  لعدم وجود فرع وارث.
الأخت الشقيقة: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
مثال5: توفي عن: أخ لأب و أخت لأب.
الأخ لأب و الأخت لأب: عصبة للذكر مثل حظ الأنثيين.
مثال6: توفي عن: زوجة و أم و بنت و أختين لأب.
الزوجة : الثمن (1/8)  لوجود فرع وارث.
الأم : السدس (1/6)  لوجود الفرع الوارث و تعدد الإخوة.
البنت: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
أختين لأب: عصبة مع البنت.
مثال6: توفي عن: أم و بنت و أخت شقيقة و أخت لأب.
الأم: السدس (1/6)  لوجود فرع وارث و تعدد الإخوة.
البنت: النصف (1/2)  لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
الأخت الشقيقة: عصبة مع البنت.
الأخت لأب: تحجب.
مثال7: توفي عن: زوجة و أم و أب و أخت لأب.
الزوجة: الربع (1/4)  لعدم وجود فرع وارث.
الأم: الثلث (1/3)  لعدم وجود فرع وارث و عدم تعدد الإخوة.
الأب: الباقي تعصيباً.
الأخت لأب: محجوبة بالأب.



المبحث الثاني: العصبات.
أولاً: معنى العصبة.
1-العصبة في اللغة: هم القرابة الذكور الذين يدلون إلى المتوفي بالذكورة،و تسمى القرابة عصبات لأنهم يحيطون بالقريب لحمايته و الدفاع عنه عند الخطب،و العصبة جمع عاصب و هي مأخوذة من عصب القوم بفلان عصباً أي أحاطوا به و ذادوا عنه حماية له،و من ثمّ سمي قرابة الإنسان الذكور عصبة لأنهم يحيطون به و يذودون عنه،و يقال للجماعة الأقوياء عُصبة،قال تعالى "قالوا لئن أخذه    و نحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون" يوسف.
2-العصبة اصطلاحاً: تطلق العصبة في الاصطلاح الفقهي على الأقارب من جهة الأب،و هم كل من يأخذ ما بقي من التركة بعد إلحاق الفرائض بأهلها،و كذلك يستحقون التركة كلها إذا لم يوجد أصحاب الفروض،فهم في المرتبة بعد أصحاب الفروض،أما في القانون فقد نص المشرع في المادة 150 قانون الأسرة بأن "العاصب هو من يستحق التركة كلها عند انفراده،أو ما بقي منها بعد أخذ أصحاب الفروض حقوقهم،و إن استغرقت الفروض التركة فلا شيء له".
ثانياً: أقسام العصبة.
تنقسم العصبة إلى قسمين:
1-العصبة السببية: و هي عصب المعتق لمن أعتقه،فهو يرثه إن لم يكن له وارث صاحب فرض و لا عصبة نسبية،و لم يتعرض المشرع الجزائري للعصبة السببية.
2-العصبة النسبية: و هي أقارب المتوفي الذكور و من ينزلون منزلتهم أو يلحقوا بهم،و الذين لا تتوسط بينهم و بين الميت أنثى،فالعاصب النسبي هو كل وارث ليس له سهم مقدر صريح في الكتاب أو السنة أو الإجماع،و ذلك مثل: الابن و ابن الابن،الأخ الشقيق،الأخ لأب و العم.


ثالثاً: أنواع العصبات النسبية.
نصت المادة 151 قانون الأسرة على أن "العصبة ثلاثة أنواع:
1-عاصب بنفسه؛
2-عاصب بغيره؛
3-عاصب مع غيره.".
1)-العاصب بالنفس.
   نصت المادة 152 قانون الأسرة على أن "العاصب بنفسه هو كل ذكر ينتمي إلى الهالك بواسطة ذكر"،أي لا تتوسط بين العاصب بنفسه و بين الميت أنثى في قرابته كالابن ، الأب،الجد،الأخ الشقيق،العم الشقيق و العم لأب،و العاصب بنفسه يأخذ كل التركة إذا لم يوجد أصحاب فروض،أما إن وجدوا فيأخذ الباقي.
و حسب المادة 153 قانون الأسرة فإن "العصبة بالنفس أربع جهات يقدم بعضها على بعض عند الاجتماع حسب الترتيب الآتي:
1-جهة البنوة: و تشمل الابن و ابن الابن مهما نزل؛
2-جهة الأبوة: و تشمل الأب و الجد الصحيح مهما علا مع مراعاة أحوال الجد؛
3-جهة الأخوة: و تشمل الإخوة الأشقاء أو لأب و أبناءهم مهما نزلوا؛
4-جهة العمومة: و تشمل أعمام الميت،و أعمام أبيه و أعمام جده مهما علا،و أبناءهم مهما نزلوا."



*و يرث العصبة بالنفس طبق المبادئ الآتية:
1-إذا انفرد العاصب بنفسه يأخذ جميع التركة بجهة واحدة هي جهة العصوبة (المادة 150 قانون الأسرة)؛
2-إذا اجتمع عدة جهات من العصبة فإن إرثهم يكون حسب الترتيب الوارد في المادة 153 قانون الأسرة،فلا يرث الآباء بالتعصيب مع وجود الأبناء،و لا الإخوة مع الأبناء و الآباء،و لا الأعمام مع وجود إخوة؛
3-إذا اتحدت جهة القرابة و كانت العصبة من نوع واحد،كان الترجيح بينهم بالدرجة،فيقدم أقربهم درجة إلى الميت (المادة 154 قانون الأسرة)،فلا يرث الأدنى مع وجود الأقرب،أي لا يرث ابن الأخ مع وجود الأخ،و لا ابن العم مع وجود العم،و لا يرث الجد مع وجود الأب،و لا ابن الابن مع وجود الابن؛
4-عند اتحاد جهة القرابة و درجتها يكون الترجيح بقوة القرابة (المادة 154 قانون الأسرة)،فمن كان قريباً لأبوين قُدم على من كان قريباً لأب واحد،كالأخ الشقيق فإنه يقدم على الأخ لأب لقوة قرابته؛
5-حالة اتحاد الجهة و القرابة و القوة، فإنهم يرثون بالتعصيب، و يشتركون في المال بالتساوي (المادة 154 قانون الأسرة)،فإذا وُجد ثلاث أبناء أو ثلاث إخوة قُسم المال بينهم بالتساوي.
2)-العاصب بالغير.
  يقصد بها كل أنثى صاحبة فرض احتاجت عصوبتها إلى غيرها من العصبة بالنفس،و شاركن في العصوبة،فترث بالتعصيب لا بالفرض للذكر مثل حظ الأنثيين، بعد إعطاء نصيب أصحاب الفروض.
   أما إذا استغرقت الفروض التركة كلها، لا ميراث بالعصبة بالغير إلا في المسألة الأكدرية،حيث يفرض للأخت النصف (1/2)  (المادة 175 قانون الأسرة).


و العصبة بالغير طبقاً للمادة 155 قانون الأسرة لا تكون إلا ممن كان فرضهن النصف (1/2)          أو الثلثان (2/3)،فهي منحصرة في أربعة من الورثة و كلهن من الإناث، و هن:
أ-البنت الصلبية: تكون عصبة بأخيها ترث معه ،و هو الابن؛
ب-بنت الابن: عصبة بأخيها ترث معه، و هو ابن الابن و ابن عمها المساوي لها في الدرجة       أو الأنزل درجة بشرط ألا ترث بالفرض؛
ج-الأخت الشقيقة: عصبة بأخيها ترث معه، و هو الأخ الشقيق؛
د-الأخت لأب: عصبة بأخيها ترث معه،و هو الأخ لأب.
ملاحظة: نشير هنا إلى أن الإرث في هذه الحالات يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
*و لا تتحقق العصبة بالغير إلا بشروط، و هي:
1-أن تكون الأنثى صاحبة فرض:فإن لم تكن صاحبة فرض لا تصير عصبة بالغير،فمثلاً بنت الأخ الشقيق لا تصبح عصبة مع ابن الأخ الشقيق لأنها ليست صاحبة فرض؛
2-أن يكون المعصب في درجتها: فالأخ لا يعصب البنت،و العم لا يعصب الأخت و هكذا؛
3-أن يكون المعصب في قوة الأنثى صاحبة الفرض: فلا يعصب الأخ لأب الأخت الشقيقة لأنها أقوى منه؛
4-أن يكون المعصب للأنثى من العاصب بنفسه: أما إذا كان صاحب فرض فلا يعصب،فمثلاً الأخ لأم لا يعصب الأخت لأم لأنه و إن كان من جهتها و في قوتها و في درجتها إلا أنه ليس عاصب بنفسه إنما هو صاحب فرض.



3)-العصبة مع الغير.
   المقصود بها كل أنثى لها فرض مقدر شرعاً بالأصل إلا أنها تحتاج في كونها عصبة لأخرى تشاركها في تلك العصوبة،و طبقاً للمادة 156 قانون الأسرة تنحصر العصبة مع الغير في اثنين فقط هما:
أ-الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات، مع البنت أو بنت الابن (الفرع الوارث المؤنث)؛
ب-الأخت لأب أو الأخوات لأب، مع البنت أو بنت الابن (الفرع الوارث المؤنث).
فإذا لم يكن مع الواحدة منهن معصب من الذكور، و وُجدت مع البنت أو بنت الابن ترث الأخت الشقيقة أو لأب بالتعصيب،بشرط عدم وجود الأخ المساوي لها في الدرجة أو الجد.
*و نصت المادة 157 قانون الأسرة بأنه "لا تكون الأخت لأب عاصبة إلا عند عدم وجود أخت شقيقة".
و تجدر الإشارة إلى أنه إذا اجتمعت العصبة بالنفس مع العصبة بالغير أو مع الغير،فالترجيح فيهما يكون عند اتحاد الجهة بالقرب من الميت.
مثال: توفي عن: بنت و أخت شقيقة و أخ لأب
البنت : النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها .
الأخت الشقيقة: عصبة مع البنت.
الأخ لأب: الباقي تعصيباً.




أمثلة تطبيقية عن ميراث العصبة.
مثال1: توفي عن: بنت و جد و أخ شقيق.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها  .
الجد و الأخ الشقيق : المقاسمة فهي أفضل للجد من ثلث (1/3) التركة.
مثال2: توفي عن: بنت ابن و ابن ابن و أخ شقيق.
بنت الابن و ابن الابن: بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين.
الأخ الشقيق: محجوب بابن الابن.
مثال3: توفي عن: زوجة و أم و أخ لأم و عم شقيق.
الزوجة: الربع (1/4) لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6) لعدم وجود فرع وارث و عدم تعدد الإخوة.
الأخ لأم: السدس (1/6)   لانفراده.
العم الشقيق: عصبة.
مثال4: توفي عن: بنت و بنت ابن و أخت لأب و عم شقيق و ابن أخ شقيق.
البنت: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
بنت الابن: السدس (1/6) تكملة للثلثين.
أخت لأب: عصبة مع البنت.
العم الشقيق: محجوب.
ابن أخ شقيق: محجوب.
مثال5: توفيت عن: زوج و بنت ابن و بنت ابن ابن و أم و أخ لأم و أخت لأب.
الزوج: الربع (1/4) لوجود فرع وارث.
بنت الابن: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
 و بنت ابن الابن: السدس (1/6) تكملة للثلثين.
الأم: السدس (1/6) لتعدد الإخوة.
أخ لأم: محجوب بالفرع الوارث المؤنث.
أخت لأب: عصبة مع الغير.
مثال6: توفي عن: بنت ابن و أخت شقيقة و عم شقيق و ابن أخ شقيق.
بنت ابن: النصف (1/2) لانفرادها و عدم وجود من يعصبها.
أخت شقيقة: عصبة مع الغير.
عم شقيق: محجوب.
ابن أخ شقيق: محجوب.
مثال7: توفيت عن: زوج و أم و أخوين شقيقين.
الزوج: النصف (1/2) لعدم وجود فرع وارث.
الأم: السدس (1/6) لتعدد الإخوة.
الأخوين الشقيقين: عصبة.


4)-ميراث ذي الجهتين.
أمثلة.
مثال1: توفيت عن: أم لأب و أخ لأم ،و زوج و هو ابن عمها في نفس الوقت.
الأم لأب: السدس (1/6) .
الأخ لأم: السدس (1/6).
الزوج: النصف (1/2)  + الباقي تعصيباً.
مثال2: توفيت عن: أخ لأم و أخت لأم ،و زوج هو ابن خال.
الأخ لأم و الأخت لأم: الثلث (1/3)  يتقاسمونه بالتساوي.
الزوج: النصف (1/2)،و لا يرث من جهة ابن الخال لوجود إخوة لأم.
مثال3: توفي عن: بنتين و أخ شقيق و أخ لأم هو ابن عم شقيق للمتوفي في نفس الوقت.
البنتين: الثلثين(2/3)  .
الأخ الشقيق: عصبة.
الأخ لأم و هو ابن عم شقيق: محجوب بالفرع الوارث كونه أخ لأم و محجوب بالأخ الشقيق كونه ابن عم شقيق (أي يحجب من الميراث من الجهتين).




المبحث الثالث:ذوي الأرحام.
أولاً: تعريف ذوي الأرحام.
    هو القريب الذي ليس بصاحب فرض و لا عصبة،و الأرحام جمع رحم،و أصل الرحم في اللغة هو مكان تكوين الجنين،ثم أصبح يطلق على القرابة مطلقاً،سواء كان صاحب فرض أو لم يكن كذلك.قال تعالى "و اتقوا يوماً تساءلون فيه و الأرحام"،و قوله سبحانه "فهل عسيت إن توليتم أن تفسدوا في الأرض أو تقطعوا أرحامكم"،أما ذوو الأرحام في الاصطلاح الفقهي فهو كل قريب ليس بذي فرض و لا عصبة من الذكور و الإناث،الذي تتوسط بينه و بين الميت أنثى،و ذلك مثل: العمة، الخال،الخالة،و ابن البنت،ابن الأخت ...إلخ،و قد نص المشرع في المادة 180 قانون الأسرة بأنه     "إذا لم يوجد ذوو فروض أو عصبة آلت التركة إلى ذوي الأرحام"،كما أشار إلى إرث ذوي الرحم في المادة 167 فقرة 2 و المادة 168 قانون الأسرة،و قد اختلف فقهاء الشريعة في توريث ذوي الأرحام،إلا أن المشرع الجزائري قد أخذ بالرأي القائل بتوريثهم (المادة 139 قانون الأسرة).
ثانياً:ترتيب ذوي الأرحام و كيفية توريثهم. (المادة 168 قانون الأسرة).
يمكن أن نقسم ذوي الأرحام إلى أربعة أصناف كالآتي:
1-فروع الميت الذين يدلون إليه بواسطة أنثى: كأولاد البنت و أولاد بنات الابن و إن نزلوا،كبنت البنت،بنت ابن البنت،ابن بنت الابن،و بنت بنت الابن و هكذا نزولاً؛
2-أصول الميت: كالجد غير الصحيح (الفاسد) و إن علا،مثل: أب الأم و أب أم الأب،و الجدة غير الصحيحة (الفاسدة) و إن علت كأم أب الأم؛
3-فروع أبوي الميت: كبنات أخ الميت و أولاد أخت الميت و أولاد إخوته لأم؛
4-فروع أحد أجداد الميت أو جداته: ممن ليسوا أصحاب فروض و لا عصبة،كخاله، و خالته،     و عمته، و أولادهم.

و قد نص المشرع الجزائري في المادة 168 قانون الأسرة بأنه "يرث ذوو الأرحام عند الاستحقاق على الترتيب الآتي:
أولاد البنات و إن نزلوا،و أولاد بنات الابن و إن نزلوا،فأولاهم بالميراث أقربهم إلى الميت درجة،فإن استووا في الدرجة فولد صاحب الفرض أولى من ولد ذوي الرحم،و إن استووا في الدرجة و لم يكن فيهم ولد صاحب فرض أو كانوا كلهم يدلون بصاحب فرض،اشتركوا في الإرث".
و مرتبة ذوي الأرحام في الميراث تكون إذا لم يوجد أصحاب فروض أو عصبة نسبية،و في حالة الرد إذا لم يوجد مع أحد الزوجين أصحاب فروض و لا عصبة نسبية (المادة 167 فقرة 2 قانون الأسرة).
و عليه فإن ميراث ذوي الأرحام يكون كالآتي:
1-إذا كان ذو الرحم واحداً فإنه ينفرد بالميراث كله،إذا لم يترك الميت أحداً،و يأخذ الباقي بعد نصيب أحد الزوجين عند انعدام أصحاب الفروض و العصبة؛
2-إذا تعدد ذوو الأرحام فإنهم يرثون عن طريق التنزيل،و ذلك بتنزيل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة أصله الوارث،الذي يتصل به إلى الميت،فيأخذ ذو الرحم ميراث أصله الذي يتصل به للميت،فولد البنت (ذكر أو أنثى) يأخذ نصيب البنت،و ولد الأخت يأخذ نصيب الأخت،و بنت الأخ تأخذ نصيب الأخ مع مراعاة أحكام المواد من 169 إلى 172 قانون الأسرة (أحكام التنزيل)،و يكون أحقهم إلى الميراث أسبقهم إلى الوارث لا إلى الميت،فإذا كان المتوفي قد ترك ابن بنت و ابن بنت ابن،فإن المستحق ابن البنت،فإذا ترك بنت بنت ابن و ابن بنت بنت فإن الذي يستحق الميراث هو بنت بنت الابن لأنها تتصل بالميت بصاحب فرض و هو بنت الابن،و الآخر لا يتصل بصاحب فرض بل بذوي رحم (بنت البنت).
أمثلة تطبيقية عن ميراث ذوي الأرحام.
مثال1: توفي  عن بنت بنت و أب أم ( الأولوية لبنت البنت فهي الأقرب).
مثال2: توفي عن بنت بنت بنت و بنت بنت ابن.
الأولوية لبنت بنت الابن لأنها تتصل إلى الميت بصاحب فرض هو بنت الابن.
المبحث الرابع: حساب المواريث و العول و الرد.
الطلب الأول: حساب المواريث.
     لحساب المواريث لابد أن نعرف بدايةً مخارج الفروض ثم تأصيل المسائل،و أخيراً تصحيحها.
الفرع الأول: مخارج الفروض.
  لقد سبق و بيَّنا أن الفروض المقدرة قانوناً و شرعاً (المادة 143 قانون الأسرة) لا تخرج عن نوعين:
النوع الأول: 1/2،  1/4 و  1/8  و النوع الثاني: 2/3 ، 1/3  و 1/6.
و مخرج كل فرض من هذه الفروض يختلف عن الآخر،فمخرج  1/6 هو 6،و 1/4  هو 4 و هكذا،
و مجموع مخارج الفروض سبعة هي:2،3، 4، 8، 6 ،12، 24.
مثال1: زوجة  (1/4) و إخوة لأم (1/3)،     مخرج  1/4 هو 4 ، و مخرج  1/3 هو 3
بين المخرجين تباين هنا نضرب 3 x 4 = 12
مثال2: زوجة (1/8) و أم (1/6)و ابن(ع)،  مخرج  1/8 هو 8 ، و مخرج  1/6   هو 6
بين 8 و 6 توافق أو تداخل هنا نضرب نصف أحدهما في كامل الآخر (8  x3 أو 6 x 4) = 24
الفرع الثاني: أصول المسائل.
   المقصود بأصول المسائل مخارج فروضها بحيث لابد من الحصول على أقل عدد يمكن أن تؤخذ منه سهام الورثة صحيحة من غير كسر،فلا يُقبل في حل المسائل الفرضية إلا الأعداد الصحيحة.
و في توزيع التركة استخراج أصل المسألة أمر ضروري، و تنحصر مخارج الفروض كما ذكرنا في سبعة،     و هي: 2، 3، 4،6، 8، 12، 24،.

لكن للبحث عن أصل المسألة لابد أن ننظر إلى الورثة أولاً،فإما أن يكونوا كلهم عصبات أو كلهم ذوي فروض أو يكونوا مختلطين عصبات و فروض.
1)-إذا كانوا كلهم عصبات.
    فنعرف سهامهم بمعرفة عددهم، و حالهم من حيث الذكورة و الأنوثة،فللذكر مثل حظ الأنثيين.
أ-فلو مات شخص عن خمس (5) أولاد كان أصل المسألة 5 ،أي عدد رؤوسهم،و لو كانوا عشرة (10) كان أصل المسألة من 10 و هكذا؛
ب-أما إذا كان الورثة ثلاث (3) إخوة أشقاء و أربع (4) أخوات شقيقات، كانت المسألة من 10،حيث كل أخ يأخذ نصيب أختين؛
أي سهام الإخوة: 6(3x2)،و سهام الأخوات: 4  ، المجموع 4+6 =10، لكل أخت منها 1/10   ،     و لكل أخ 2/10   .
2)-إذا كانوا كلهم ذوو فروض.
   يكون أصل المسألة كالتالي:
أ-إذا كان في المسألة صاحب فرض واحد:فهنا أصل المسألة هو مقام كسر الفرد،أي إذا كان1/2    فأصل المسألة هو 2 ،و إذا كان 1/6    أصل المسألة هو 6 و هكذا؛
مثال: أم و أب،صاحب فرض واحد هو الأم (1/3   ) أصل المسألة هو 3.
ب-إذا كان في المسألة أكثر من صاحب فرض واحد: هنا أصل المسألة المضاعف المشترك بين المقامات: متماثلة أو متداخلة أو متباينة.
أمثلة:
  1/2   ،1/4    أصل المسألة هو 4  /    1/4   ، 1/8    أصل المسألة هو 8 /     1/3    ، 1/6    أصل المسألة هو 6

و لمعرفة نصيب كل وارث لابد أن نتبع الخطوات التالية:
1-نضع الورثة في خط أفقي؛
2-نضع تحت كل وارث فرضه المقدر له شرعاً؛
3-نستخرج أصل المسألة بما نعرفه من قواعد حساب المواريث؛
4-نستخرج سهام كل وارث بالنسبة لهذا الأصل بضرب الكسر الدال على نصيب الوارث في أصل المسألة؛
5-نضع كل سهم تحت كل من يستحقه من الورثة؛
6-نقسم التركة على أصل المسألة لنجد قيمة السهم الواحد،ثم نضرب خارج (نتيجة) القسمة في سهام كل وارث من الورثة،و حاصل الضرب (مجموعه) هو نصيبه من التركة.
أمثلة تطبيقية .
مثال1:     زوجة  ،   و بنت  ،  و عم  .
             1/8            1/2          ع           أصل المسألة هو 8
             1           4        3           
قيمة التركة = 8000 د.ج.
حساب قيمة السهم الواحد:
 8000/8 = 1000        قيمة السهم الواحد هي 1000 د.ج
حساب نصيب الزوجة: 1000 x 1 = 1000 د.ج
حساب نصيب البنت: 1000 x 4 = 4000 د.ج
حساب نصيب العم : 1000 x 3  = 3000 د.ج
مثال2:       أم     ،      أخوين لأم         ،    أخت شقيقة .
              1/6                  1/3                        1/2               أصل المسألة هو 6       
              1                 2 سهم لكل أخ       3             

مثال3:       أم         ،       أختين شقيقتين      ،         أخت لأم  .
              1/6                        2/3                           1/6             أصل المسألة هو 6    
              1             4 لكل واحدة سهمان              1           
قيمة التركة هي 60.000 د.ج
حساب قيمة السهم الواحد:
60000/6   = 10.000 د.ج
نصيب كل وارث:
نصيب الأم: 10.000 x 1 = 10.000 د.ج 
نصيب الأختين الشقيقتين:10.000 x 4 = 40.000 لكل واحدة 20.000 د.ج.
نصيب الأخت لأم: 10.000 x 1 = 10.000 د.ج 




الفرع الثالث: تصحيح المسألة.
  التصحيح هو أقل عدد يخرج منه نصيب كل وارث بدون كسر،فإذا كانت سهام الورثة منقسمة عليهم من غير انكسار استقامت المسألة فلا تحتاج إلى شيء،كما لو مات شخص عن:
أب  ،   أم   ،   بنتين          
1/6       1/6          2/3              أصل المسألة هو  6  
 1     1         4           
أما إذا كانت سهام الورثة كلها أو بعضها لا تقبل القسمة على مستحقيها،كما لو مات شخص عن:
زوجة    ،   بنت  ،  أختين شقيقتين    
 1/8            1/2        عصبة مع البنت    أصل المسألة هو 8
 1           4           3            
و هنا لابد من تصحيح المسألة بضرب كل المسألة في 2 فيصبح :
أصل المسألة = 16
أسهم الزوجة=2
أسهم البنت =8
أسهم الأختين الشقيقتين = 6 لكل واحدة 3



أمثلة تطبيقية.
مثال1:         أب        ،          أم        ،  عشر بنات                  أصل المسألة هو 6  
            1/6 + الباقي تعصيباً         1/6             2/3    
           1                          1             4     هنا نضرب كل المسألة في 5،      يصبح:
           5                          5           20 لكل واحدة 2.       أصل المسألة يصبح 30

مثال2:      ثمان بنات           ،            أم     ،      عم شقيق
                  2/3                            1/6            ع                    أصل المسألة هو 6
                  4                           1            1        نضرب كل المسألة في 2 يصبح:
                 8 لكلٍ واحدة سهم         2           2                أصل المسألة يصبح 12 








المطلب الثاني: العول.
    تنقسم المسائل في الميراث إلى ثلاثة أنواع:
أ-المسألة العادلة.
   هي  التي تستوي فيها سهام أصحاب الفروض بسهام المال إذا كانت مساوية لأصل المسألة.
مثال:     أختان شقيقتان    ،   أختان لأم .
                 2/3                     1/3             أصل المسألة هو 3 
                2                     1       
مجموع الأسهم هو 3 و هو مساوي لأصل المسألة.
كما تكون المسألة عادلة أيضاً إذا كانت سهام أصحاب الفروض أقل من أصل المسألة لكن وُجد معهم عاصب يستحق باقي التركة.
مثال:     زوجة      ،        أم       ،      أخ شقيق    
            1/4                 1/3                 ع                     أصل المسألة   12  
           3                 4                 5    





ب-المسألة القاصرة.
   هي التي يكون فيها سهام أصحاب الفروض أقل من أصل المسألة،و ليس بين الورثة عاصب يستحق الباقي.

مثال:     أم     ،    أختان شقيقتان 
           1/6                 2/3             أصل المسألة هو 6   
          1                  4 لكل واحدة سهمين      
مجموع الأسهم هو 5 يبقى هنا سهم واحد يرد على أصحاب الفروض كما سنوضحه لاحقاً،فالمسألة هنا فيها رد.









ج-المسألة العائلة.
   تتحق عندما تكون سهام أصحاب الفروض أكثر من أصل المسألة.
مثال:     زوج    ،   أختان شقيقتان
           1/2               2/3                    أصل المسألة هو 6    
           3              4                   مجموع الأسهم هو 7 
أي أن المسألة عالت من 6 إلى 7   
أولاً: المقصود بالعول.
1-العول في اللغة: هو الجور و الظلم و تجاوز الحد،يُقال عن الرجل إذا ظلم عال،و منه قوله تعالى "...ذلك أدنى ألاَّ تعولوا.." النساء،أي تظلموا و تجوروا،كما يأتي العول بمعنى الارتفاع.
2-العول في الاصطلاح الفقهي: هو زيادة سهام أصحاب الفروض على أصل المسألة بحيث لا تتسع التركة لكل الورثة،و ذلك على عكس الرد،و يسمى عولاً هنا لأن المسألة جارت على أهلها،أي أضرت بهم،أو لأن السهام هنا ارتفعت عن أصلها ،أي زادت.
مثال: زوج    ،   أم    ،  أختان لأم       ،        أربع  أخوات لأب  
       1/2           1/6         1/3                           2/3                       أصل المسألة هو 6   
       3          1         2 لكل واحدة سهم       4 لكل واحدة سهم     مجموع الأسهم 10

أي أن المسألة فيها عول،عالت من 6 إلى 10 ،هنا يستحيل أن يأخذ أصحاب الفروض سهامهم كاملة،لذلك يعتبر العول أو مجموع أسهمهم أصلاً جديداً للمسألة، و هو 10 بدل 6،و تقسم التركة عليه،و ذلك ليدخل النقص على كل وارث بنسبة نصيبه.
و الثابت أن أصول المسائل التي تعول هي ثلاث: 6، 12 و 24 ،أما الأربعة الباقية لا تعول          و هي:2، 3 ،4 و8 .
بحيث نجد أن:
   6    تعـــــــــــــــــــــول إلى :  7، 8، 9 و 10؛
  12   تعــــــــــــــــــــــــول إلى:  13، 15 و 17؛
  24  تعــــــــــــــــــــــــــــول إلى:  27.
ثانياً: مشروعية العول.
   لم تحصل مسألة فيها عول لا في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم،و لا في عهد أبي بكر الصديق،و إنما يعتبر أول من حكم بالعول هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه،لأنه في عهده وقعت أول قضية ضاق أصلها عن الفرائض،فتردد في الأمر و لم يقطع برأي حتى شاور الصحابة،فأشار عليه زيد بن ثابت بالعول،كما أن العباس بن عبد المطلب أشار إليه بنفس الحكم و قال: "أعيلوا الفرائض"،و وافق عليه عمر بن الخطاب و وافقه الصحابة في رأيه،أما المشرع فقد أخذ برأي الجمهور في العول المادة 166 قانون الأسرة التي نصت على أن "العول هو زيادة سهام أصحاب الفروض على أصل المسألة،فإذا زادت أنصبة الفروض عليها قسمت التركة بينهم بنسبة أنصبائهم في الإرث".
أمثلة تطبيقية عن العول.
مثال1:   زوج   ،     أم    ،     أخت شقيقة 
           1/2            1/3                 1/2          أصل المسألة هو 6     
           3           2               3   مجموع السهام 8 المسألة عالت من 6 إلى 8


مثال2:  زوج  ،     أب   ،     أم     ،    بنت   
           1/4         1/6          1/6            1/2       أصل المسألة هو 12  
          3         2          2            6    المجموع 13  المسألة عالت  من 12 إلى 13    
مثال3:  زوجة     ،    بنتا ابن        ،            أم      ،         أب  
            1/8             2/3                         1/6                 1/6       أصل المسألة  هو  24
           3            16 لكل واحدة 8       4                4  
  المسألة عالت من 24  إلى  27 و تسمى هذه المسألة بالمنبرية لأن علي كرم الله وجهه سئل عنها  و هو على منبر الكوفة،و قد نص عليها المشرع في المادة 179 قانون الأسرة.
مثال4:   زوج   ،   أختان شقيقتان  ،   أخوان لأم  
            1/2               2/3                 1/3        أصل المسألة هو 6
           3               4                 2    مجموع الأسهم هو 9، المسألة عالت من 6 إلى 9

المطلب الثالث: الرد.
أولاً: تعريف الرد.
    الرد لغة هو العود ،و الرجوع و الصرف،و منه قوله تعالى "و رد الله الذين كفروا بغيرهم لم ينالوا خيرا"،أي أعادهم مقهورين ذليلين،و قوله سبحانه تعالى "فارتدا على أثارهما قصصا" (الكهف)،أي رجعا و عادا،و يُقال في الدعاء اللهم "رُد كيدهم عني"،أي اصرف كيدهم عني،أما في الاصطلاح الشرعي فهو صرف الزائد على الفروض النسبية بقدر فروضهم حيث لا عاصب،و الرد عكس العول تماماً،فالرد ليس زيادة أسهم أصحاب الفروض على أصل المسألة مثل العول، إنما هو نقصان سهام أصحاب الفروض عن أصل المسألة مما يؤدي إلى زيادة مقادير أنصبتهم عن التركة برد الباقي عليهم بنسبة فروضهم.
أي في الرد إذا بقي شيء من التركة بعد أخذ أصحاب الفروض حقوقهم و لم يكن هناك عاصب،فيُرد الباقي على أصحاب الفروض بقدر سهامهم،و هذا رأي الجمهور،إلا أننا نستثني من أصحاب الفروض الزوجين،أما القانون الجزائري فقد نص في المادة 167 من قانون الأسرة على الرد  على أنه "إذا لم تستغرق الفروض التركة و لم يوجد عصبة من النسب،رُدَّ الباقي على غير الزوجين من أصحاب الفروض بنسبة فروضهم.و يرد باقي التركة إلى أحد الزوجين إذا لم يوجد عصبة من النسب أو أحد أصحاب الفروض النسبية،أو أحد ذوي الأرحام".
ثانياً: شروط الرد.
   لا يمكن أن يتحقق الرد في مسألة من المسائل إلا إذا تحققت أمور ثلاثة هي:
-عدم وجود صاحب فرض؛
-عدم وجود عاصب؛
-بقاء فائض من التركة.
ثالثاً: الورثة الذين يرد عليهم و الذين لا يرد عليهم.
    يرد على جميع أصحاب الفروض،ما عدا الزوجين،و الرد يشمل ثمانية من أصحاب الفروض،هم: البنت،بنت الابن،الأخت الشقيقة،الأخت لأب،الأخت لأم،الأخ لأم،الجدة الصحيحة و الأم.
أما الأب و الجد فلا يرد عليهم لأنهم عصبة بالنفس، و لا يتحقق الرد إذا وجد عاصب،
  أما الزوجان فلا يرد عليهما لأن قرابتهم ليست قرابة نسبية و إنما سببية،اكتسبت بسبب الزواج،و قد انقطعت هذه القرابة بالموت فلا يرد على أحد الزوجين،بل يأخذ فرضه فقط،إلا في حالة عدم وجود أصحاب فروض،و لا عصبة، و لا ذوي أرحام،فإنه يُرد على الزوجين.

رابعاً:كيفية الرد (أقسام الرد).
ينقسم الرد لأربع أقسام،و هي:
الحالة الأولى: أن يكون الورثة أصحاب فرض واحد،و بدون أحد الزوجين.
   في هذه الحالة يكون أصل المسألة هو عدد رؤوسهم لأن جميع المال لهم بالفرض و الرد.
مثال :   جدة       ،  أخت لأم
           1/6         ،     1/6        أصل المسألة هو: 6 
          1               1      مجموع الأسهم هو: 2 
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،فالمسألة فيها رد،و هنا طالما الورثة أصحاب فرض واحد،فإن أصل المسألة هو عدد رؤوسهم،و هنا عدد رؤوسهم هو 2 و هو أصل المسألة تقسم عليه التركة.
الحالة الثانية: أن يكون الورثة أصحاب فروض متعددة،و بدون وجود أحد الزوجين.
هنا أصل المسألة هو عدد السهام و ليس الرؤوس.
أمثلة.
مثال1:     أم   ،    أخوين لأم
            1/6           1/3      أصل المسألة هو 6
           1           2     مجموع الأسهم هو 3   
هنا مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،أي المسألة فيها رد، و هنا في هذه الحالة الورثة أصحاب فروض متعددة،و بالتالي أصل المسألة الجديد هو مجموع السهام، و هو 3 .


مثال2:   أخت شقيقة   ،   أخت لأب  
               1/2                 1/6          أصل المسألة هو 6
               3                1        مجموع الأسهم هو 4
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،إذاَ فالمسألة فيها رد، فيصبح أصل المسألة الجديد هو مجموع السهام ،و هو 4.
مثال3:    أم   ،    أخت شقيقة  ،    أخ لأم
            1/6              1/2              1/6       أصل المسألة هو 6 
           1              3             1      مجموع السها-م هو 5  
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،فالمسألة فيها رد،و يصبح أصل المسألة مجموع الأسهم و هو 5 .
مثال4:  بنت  ،    ثلاث بنات ابن 
          1/2               1/6                أصل المسألة هو 6
         3               1               مجموع الأسهم هو 4 
أصل المسألة الجديد هو 4 ، لكن المسألة فيها تصحيح (لأن للثلاث بنات سهم واحد (1) ،        و حاصل قسمة الواحد على ثلاث لن يكون عدداً صحيحاً ،فنضرب كل سهم من الأسهم + أصل المسألة في عدد حتى تقبل أسهم البنات القسمة على ثلاث)،فنضرب كل المسألة في 3            تصبح  المسألة كالتالي:
بنت  ،                 ثلاث بنات ابن 
1/2                          1/6                      
3 x  3 =9             1  x 3 = 3      المجموع و هو أصل المسألة الردي: 4  x 3  = 12 .
الحالة الثالثة: أن يكون الورثة أصحاب فرض واحد،مع وجود أحد الزوجين.
   في هذه الحالة نجعل المسألة من مخرج فرض من لا يرد عليه،و الباقي يقسم على عدد الرؤوس.
مثال:    زوج    ،     ثلاث بنات
          1/4                 2/3         أصل المسألة هو 12
          3                8         مجموع الأسهم هو 11
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،إذاً فالمسألة فيها رد،
و هنا فرض واحد مع أحد الزوجين فأصل المسألة هو مخرج فرض من لا يرد عليه و هو 4.
الحالة الرابعة:أن يكون الورثة أصحاب فروض متعددة،مع وجود أحد الزوجين.
   في هذه الحالة يعطى الزوج أو الزوجة فرضه من أصل المسألة،و الباقي من التركة بعد إخراج أسهم أحد الزوجين يقسم على أسهم الورثة الباقين بنسبة نصيبهم.
مثال:  زوجة  ،    أم   ،    أخ لأم  
         1/4         1/3           1/6        أصل المسألة هو 12
         3        4           2       مجموع الأسهم هو 9
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،فالمسألة فيها رد.
في هذه الحالة نستخرج نصيب الزوجة من التركة المقدرة بـ72.000 د.ج
نحسب قيمة السهم الواحد : 72000/12  = 6000 د.ج
نحسب نصيب الزوجة: 6000 x 3 = 18000 د.ج
نحسب الباقي من التركة: 72000 – 18000 = 54000 د.ج
نقسم الباقي على الأم و الأخ لأم بنسبة فروضهم،فيكون نصيب كل منهما هو ما يستحقه فرضاً    و رداً،
هنا أصل المسألة بين الأم و الأخ لأم هو مجموع سهامهما: 4 + 2 = 6 و هو أصل المسألة الردي.
نحسب قيمة السهم الواحد : 54000/6 = 9000 د.ج
نحسب نصيب الأم: 9000 x 4 = 36000 د.ج
نحسب نصيب الأخ: 9000 x 2 = 18000 د.ج
أمثلة.
مثال1:   زوج  ،  بنت  ،   أم 
            1/4       1/2        1/6     أصل المسألة هو 12
            3      6       2    مجموع الأسهم هو 11 
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،إذاً المسألة فيها رد،
نطبق عليها الحالة الرابعة من الحالات السابقة فلا بد من حساب نصيب الزوج أولاً من التركة المقدرة بـ4800 د.ج.
نحسب قيمة السهم الواحد: 4800/12 = 400 د.ج
نحسب نصيب الزوج: 400 x 3 = 12000 د.ج
نحسب باقي التركة بعد نصيب الزوج: 4800- 12000 = 3600 د.ج
باقي التركة (3600 د.ج) يقسم بين البنت و الأم، على اعتبار أن أصل المسألة هو مجموع أسهمهم.
مجموع أسهم البنت و الأم: 6 + 2 = 8 و هو أصل المسألة.
نحسب قيمة السهم الواحد : 3600/8 = 450 د.ج
نحسب نصيب البنت: 6 x 450 = 2700 د.ج
نحسب نصيب الأم: 2 x 450 = 900 د.ج
مثال2:  زوج  ، بنت ابن  ،   أم أم   ،   أم أب
           1/4        1/2                   1/6 بالتساوي          أصل المسألة هو 12
          3        6                   2                  مجموع الأسهم هو 11
مجموع الأسهم أقل من أصل المسألة،المسألة فيها رد ،تنطبق عليها الحالة الرابعة من الحالات السابقة
نحسب نصيب الزوج من التركة المقدرة بـ12000 د.ج
نحسب قيمة السهم الواحد : 1200/12 = 1000 د.ج
نحسب نصيب الزوج: 1000 x 3 = 3000 د.ج.
نحسب باقي التركة بعد نصيب الزوج: 12000-3000 = 9000 د.ج
نقسم باقي التركة على بنت الابن، أم الأم و أم الأب.
مجموع أسهمهم : 6+ 2= 8
نحسب قيمة كل سهم: 9000/8 = 1125 دج.
نحسب نصيب بنت الابن: 1125 x 6 = 7350 د.ج
نحسب نصيب الجدتين :  1125 x 2 = 3675 د.ج



المبحث الخامس: أحكام مختلفة.
المطلب الأول: الوصية الواجبة أو التنزيل.
   وردت أحكام التنزيل في قانون الأسرة الجزائري في المواد من 169 إلى 172 ضمن مواد الميراث،      و ذلك دون أن يرد تعريف للتنزيل في هذه المواد،و التنزيل يطلق عليه في بعض قوانين الدول الإسلامية الوصية الواجبة،و يمكننا تعريف التنزيل بأنه تنزيل أو وضع أحفاد الشخص منزلة أصلهم في تركة الجد أو الجدة،و نظام التنزيل أو الوصية الواجبة مستحدث في الفقه الإسلامي الحديث لمعالجة مشكلة الأحفاد الذين يموت أبوهم أو أمهم في حياة جدهم أو جدتهم ثم يموت الجد أو الجدة،فلا يرث الأحفاد شيئاً من تركة الجد أو الجدة لحجبهم بوجود أعمامهم أو عماتهم مع أن هؤلاء الأحفاد يعانون من الفقر مثلاً و أعمامهم و عماتهم لديهم أموال طائلة.
    و ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوصية في حدود الثلث،و لكن بعض العلماء يرى أن الوصية واجبة للوالدين و الأقربين الذين لا يرثون بوجود سبب يمنعهم من الميراث،و ذلك عملاً بقوله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقاً على المتقين".
    و ذهب ابن حزم الظاهري إلى أنه واجب قضائي فإذا لم يوصي الجد لحفدته بشيء وجب على ورثته،و على الوصي المشرف على التركة إخراج شيء غير محدد بمقدار من مال الميت و إعطائه للوالدين غير الوارثين.
   أما فيما يخص أحكام التنزيل التي أوردها المشرع الجزائري في المواد من 169 إلى 172 قانون الأسرة لمعالجة مشكلة الأحفاد الفقراء،لم ترد في مذهب من المذاهب الفقهية المعروفة أو غير المعروفة،و لكنها تستند في أكبر تفصيلاتها إلى أحكام جزئية وردت في مذاهب متفرقة قام المشرع بالاجتهاد فيها،      و ذلك لتحقيق المصلحة العامة.
   و سنوضح فيما يلي من يجب له التنزيل حسب القانون الجزائري،و كذلك شروطه و مقداره        و طريقة استخراجه.
أولاً: من يجب له التنزيل.
    تنص المادة 169 قانون الأسرة على أنه "من توفي و له أحفاد،و قد مات مورثهم قبله أو معه وجب تنزيلهم منزلة أصلهم في التركة بالشروط التالية"،و من خلال نص هذه المادة يتضح أن التنزيل مقصور على أبناء ولد المتوفي الذكر،دون أبناء بنت المتوفي،أي الأحفاد من الأبناء الذكور دون الأحفاد من البنات.
     و يمكن أن نحدد من يجب تنزيله في منزلة مورثه في تركة جده أو جدته كالآتي:
1-فرع الولد الذكر الذي مات في حياة المورث موتاً حقيقياً بأن فقد في حياة أبيه أو أمه؛
2-فرع الولد الذكر الذي مات في حياة المورث موتاً حكمياً بأن فقد في حال حياة أبيه أو أمه        و حكم القاضي بموته بعد إجراء التحريات اللازمة؛
3-فرع الولد الذكر الذي مات مع أبيه أو أمه في حادث واحد كغرق أو حريق أو حوادث متعددة   و لم يعلم من مات أولاً.
ثانياً: شروط وجوب التنزيل.
يشترط لتحقق التنزيل توافر الشروط الآتية:
1-ألا يكون فرع الولد مستحقاً في التركة بطريق الإرث لأن التنزيل تعويض عما يفوت الفرع من الميراث بسبب حجبه عنه (المادة 171 قانون الأسرة)،فإذا كان وارثاً و لو قليلاً لا يجب التنزيل،كما لو مات عن زوجة و بنت و بنت ابن (بنت الابن توفي أبوها في حياة جدها)،فإن بنت الابن تأخذ السدس (1/6) فرضاً،مع البنت تكملة للثلثين،و البنت لها النصف (1/2) ،و للزوجة الثمن(1/8) ؛
2-ألا يكون الأصل جداً كان أو جدة قد أوصى للفرع مقدار ما يستحقه بالتنزيل (المادة 171 قانون الأسرة)؛
3-ألا يكون الأصل جداً كان أو جدة،قد أعطى حال حياته للفرع بلا عوض مقدار ما يستحقه بالتنزيل عن طريق تصرف آخر غير الوصية،كالهبة و هو ما يستفاد من المادة 171 قانون الأسرة؛
4-ألا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم مالا يقل عن نصيب مورثهم من تركة الأصل جداً كان أو جدة (المادة 172 قانون الأسرة)،و يكون هذا التنزيل للذكر مثل حظ الأنثيين؛
5-يجب ألا يكون بالفرع مانع من موانع الإرث سواء تلك التي أوردتها المادة 135 قانون الأسرة،أو ما نصت عليه الشريعة الإسلامية؛
6-أن تكون أسهم الأحفاد بمقدار حصة أصلهم لو بقي حياً،على ألا يتجاوز ذلك ثلث التركة.
ثالثاً: مقدار التنزيل.
   تنص المادة 170 قانون الأسرة،بأن أسهم الأحفاد تكون بمقدار حصة أصلهم لو بقي حياً،على ألا يتجاوز ذلك ثلث التركة،أي ما يزيد عن الثلث لا يدخل في التنزيل حتى لو كان المتوفي قد أوصى به لمستحقين له،حيث أن وصيته بما زاد تكون وصية اختيارية،و لو أعطاه لهم الورثة من تلقاء نفسهم كان ذلك هبة منهم.
رابعاً:مرتبة التنزيل بين غيرها من الوصايا.
    تقدم الوصية الواجبة (التنزيل) عن غيرها من الوصايا الاختيارية عند تنفيذها،في الاستيفاء من ثلث التركة،كالآتي:
1-لو اتسع الثلث للوصيتين الواجبة و الاختيارية،فلا يقع إشكال و تنفذ كلتا الوصيتين؛
2-أما إذا اتسع الثلث فقط للوصية الواجبة،فإننا ننفذ الوصية الواجبة،و تبطل الوصية الاختيارية إلا إذا أجازها الورثة؛
3-أما إذا اتسع ثلث التركة للوصية الواجبة و بقي منه شيء بعد إخراجها،كان الباقي للوصية الاختيارية.



خامساً: طريقة استخراج الوصية الواجبة أو التنزيل.    
  لكي نستخرج الوصية الواجبة لابد أن نتتبع ثلاثة خطوات:
1-نحل المسألة بافتراض أن أصل صاحب الوصية الواجبة حي،و معرفة نصيبه؛
2-نطرح نصيب هذا الأصل من التركة في حدود الثلث (1/3) ،فإن زاد عن الثلث فإننا نعطي لصاحب الوصية الثلث (1/3)  فقط؛
3-نقسم الباقي من التركة على الورثة الموجودين بتوزيع جديد من غير نظر إلى أصل صاحب الوصية الواجبة.
أمثلة.
مثال1: توفي عن زوجة و ابن و بنت ابن،توفي أبوها في حياة جدها،و ترك 1600 دج.
   زوجة           ،         ابن        ،       بنت ابن  
    1/8                       عصبة              محجوبة بالابن  
هنا ترث بنت الابن في هذه الحالة بالتنزيل لتوافر شروطه.
نحل المسألة على افتراض أن الأصل حي.
   زوجة           ،         ابنين       
    1/8                       عصبة               أصل المسألة هو  8 
    1                       7      
هنا المسألة تحتاج إلى تصحيح،فنضرب كل المسألة في  2       
   زوجة           ،         ابنين 
  سهمين                   14 سهم         أصل المسألة الجديد هو 16
نحسب قيمة السهم الواحد :  1600/16 = 100 دج
نصيب بنت الابن:  7  x   100 = 700 دج
نحسب ثلث التركة:    1600/3    = 533.33دج
هنا نصيب بنت الابن بالتنزيل أكبر من الثلث،و بالتالي نعطيها فقط الثلث،و هو 533.33 دج
فتصبح قيمة التركة بعد تنفيذ الوصية الواجبة : 1600-533.33 = 1066.67 دج و هو ما يقسم على باقي الورثة كالآتي:
الزوجة       ،    ابن  
  1/8              عصبة              أصل المسألة هو 8
  1             7 أسهم             
نحسب قيمة السهم الواحد:  1066.67/8 = 133.33 دج
نصيب الزوجة = 133.33 دج
نصيب الابن = 7 x  133.33 =933.31 دج.
مثال2: توفي عن زوجة و بنت بنت،توفيت في حياة أبيها و أخوين لأم،التركة 72.000 دج
  زوجة    ،     بنت بنت     ،     أخوين لأم   
   1/4          ذوي الأرحام           1/3 بالتساوي        
هنا ترث بنت البنت بالتنزيل لتوافر شروطه


نحل المسألة على أساس أن الأصل حي:
  زوجة    ،    بنت      ،     أخوين لأم  
   1/8            1/2           محجوبين بالبنت             أصل المسألة 8
   1           4                     (المسألة فيها رد)
هنا نصيب البنت أكبر من الثلث لأن  الثلث هو    72000/3 =24000 دج
و بالتالي تعطي بنت البنت 24000 دج
فيصبح باقي التركة بعد تنفيذ الوصية الواجبة هو 72000-24000 = 48000 دج
و هي تقسم على باقي الورثة كالآتي:   زوجة      ،       أخوين لأم     
                                          1/4                1/3 بالتساوي ،   أصل المسألة هو 12
                                         3 أسهم          4 أسهم
 المسألة فيها رد،و هنا لدينا فرض واحد مع أحد الزوجين فيكون أصل المسألة من مخرج فرض من لا يرد عليه.إذاً أصل المسألة هو 4 ،فتصبح المسألة.
     زوجة         ،          أخوين لأم      
     1سهم               3 سهام         أصل المسألة هو4
    المسألة فيها تصحيح،فنضرب كل المسألة في 2 
         زوجة         ،          أخوين لأم      
          2                   6 أسهم لكل واحد 3 سهام     ،    أصل المسألة هو 8
نحسب قيمة السهم الواحد:    48000/8  = 6000 دج
نصيب الزوجة: 6000 x 2 = 12000 دج
نصيب الأخوين لأم هو 6000 x 3 = 18000 دج لكل واحد.
المطلب الثاني: ميراث الحمل.
  يقصد بالحمل في الاصطلاح الفقهي ما كان في بطن الأم ذكراً أو أنثى،و قد سبق و بينا أن من شروط الميراث تحقق حياة الوارث،وقت وفاة مورثه،و يتفق الفقهاء على أن الحمل لا يرث،إلا إذا اجتمعت فيه مجموعة من الشروط وفقاً لأحكام خاصة.
أولاً: شروط توريث الحمل.
   إذا كان لورثة الميت حمل في بطن أمه فإنه يحسب حسابه في تقسيم التركة بشرطين أساسيين:
1-أن يثبت وجوده حياً عند موت مورثه؛
2-أن ينفصل عن أمه حياً، و لو مات بعد دقائق.
1-أن يثبت وجوده حياً عند موت مورثه.
   أي أنه يشترط أن يكون الحمل موجوداً في بطن أمه عند وفاة مورثه،و يعرف ذلك إذا ولد حياً في مدة يُعلم منها أنه كان موجوداً في بطن أمه حين وفاة مورثه،و هذه المدة هي التي نصت عليها المشرع في المادتين 42 و 43 من قانون الأسرة،فاعتبر المشرع أقل مدة للحمل ستة (6) أشهر،و أقصاها عشر (10) أشهر،و يثبت نسب الولد لأبيه إذا وُضع الحمل خلال عشرة (10) أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة،أما في حالة ادعاء المرأة الحمل و كذّبها الورثة فلابد من عرضها على أهل المعرفة    و أهل الاختصاص؛
2-أن ينفصل عن أمه حياً، و لو مات بعد دقائق.
     ولادة الحمل حياً،يرى جمهور الفقهاء أنه يشترط لميراث الحمل أن ينفصل عن بطن أمه حياً،حتى يكون أهلاً للملك أو التملك،و هذا ما أخذ به القانون الجزائري في المادة 134 من قانون الأسرة "لا يرث الحمل إلا إذا وُلد حياً،و يعتبر حياً إذا استهل صارخاً .."أو بدت منه علامة ظاهرة بالحياة،مثل الصراخ أو العطس،و نحوهما،لقوله صلى الله عليه و سلم "إذا استهل الصبي صُلي عليه و ورث"،أما إذا لم يظهر شيء من العلامات أو حصل اختلاف بشيء منها،فعلى القاضي الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء و ممن عاينوا الحالة.
ثانياً: الحمل من الميت و من غير الميت.
    الحمل إما أن يكون من المورث،و إما أن يكون من غيره،فإذا كان الحمل ولداً للمتوفي نفسه بأن ترك زوجته حاملاً منه،أو معتدة منه،فيثبت نسب الحمل من الميت و يرثه إن وضعته أمه في مدة أقصاها عشرة (10) أشهر من تاريخ الوفاة،و إلا فلا نسب،و لا ميراث (المادة 42، 43 قانون الأسرة)،أما إذا كان الحمل من غير الميت بأن ترك زوجة أبيه،أو زوجة ابنه حاملاً أو ترك أمه حاملاً من غير أبيه،أو غير ذلك من الأمثلة،فلابد هنا لثبوت إرثه من المورث،أن يولد حياً في أقل مدة الحمل،بعد موت المورث و هي ستة (6) أشهر،و سبب التفرقة بين الحالتين،أن في الحالة الأولى نريد إثبات الحمل من الميت،ثم نورثه بعدئذٍ،فأخذنا بأقصى مدة الحمل.
أما في الحمل من غير الميت فلا نريد إثبات الحمل من أبيه،إنما نريد التأكد من وجوده عند وفاة المورث،و ذلك يتأكد خلال ستة (6) أشهر من وفاة المورث،و أما ما زاد عن ذلك مشكوك فيه       و الميراث لا يثبت بالشك.
ثالثاً: موقف الفقه من تقديم التركة عند وجود الحمل.
   انقسم الفقه إلى اتجاهين فيما يخص تقسيم التركة عند وجود حمل:
الاتجاه الأول: يمثله المالكية،ذهب إلى أن التركة لا تقسم في حالة وجود الحمل،و يعد الحمل سبباً يوقف به المال إلى الوضع،فيوقف قسمتها حتى يولد أو يحصل اليأس من الولادة،و ذلك لأن القسمة تسليط للورثة على ما يأخذونه من مال الميت،باعتباره مكسب لهم و في ذلك احتمال لإتلافه       أو استهلاكه فإذا وُلد حياً و استحق بعض ما في أيديهم من مال الميت أو كله كان استرداد حقه منهم محلاً للخطر.
الاتجاه الثاني: هو رأي جمهور الفقهاء،يرون أن التركة تقسم من غير انتظار الولادة منعاً بالإضرار بالورثة،و منع الإنسان من الانتفاع بملكه غير جائز،أما فيما يخص احتمال تصرف الورثة فيما يأخذونه من التركة،فيمكن أن يُحتاط لحق الحمل من الضياع.
أما المشرع الجزائري فقد أخذ برأي جمهور الفقهاء،حيث نص في المادة 173 قانون الأسرة الجزائري بأنه "يوقف من التركة للحمل الأكثر من حظ ابن واحد و بنت واحدة إذا كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان،فإذا كان يحجبهم حجب حرمان يوقف الكل و لا تقسم التركة إلى أن تضع الحامل حملها".
رابعاً: طريقة توريث الحمل.
   للحمل في توريثه أربع حالات:
الحالة الأولى: ألا يرث الحمل مطلقاً: لا على فرض الذكورة و لا على فرض الأنوثة.
مثال: توفي عن زوجة و أم و أختين شقيقتين و زوجة أب حامل، في هذه الحالة لا يرث الحمل لا على فرض الأنوثة و لا على فرض الأنوثة كالآتي:
1-على فرض الذكورة: الورثة هم:
  الزوجة    ،     أم     ،     أختين شقيقتين      ،       أخ لأب (الحمل) 
    1/4           1/6                 2/3                           عصبة         أصل المسألة هو 12 
    3          2                 8               المسألة فيها عول.
  لا يبق شيء للأخ لأب لأن المسألة عالت من 12 إلى 13    



2-على فرض الأنوثة: الورثة هم :
   زوجة   ،     أم   ،   أختين شقيقتين    ،      أخت لأب (الحمل)
    1/4            1/6             2/3           محجوبة بالأختين الشقيقتين،     أصل المسألة هو 12   
   3            2             8           
إذاً ففي كلتا الحالتين (بفرض الذكورة، و بفرض الأنوثة) لا يرثان.
الحالة الثانية: أن يرث قدراً معين على فرض الذكورة أو الأنوثة ( أي يرث في كلتا الحالتين).
   هنا يفرض له نصيب،ثم يعطى الباقي من الورثة نصيبهم.
مثال:  توفي عن زوجة و أم حامل
1-على فرض الذكورة: الورثة هم :
  زوجة     ،       أم       ،       أخ شقيق (الحمل)  
    1/4               1/3               عصبة           أصل المسألة   هو   12 
   3               4                5      
2-على فرض الأنوثة: الورثة هم :
  زوجة    ،      أم      ،        أخت شقيقة ( الحمل) 
   1/4              1/3                    1/2            أصل المسألة هو  12 
   3             4                    6     المسألة فيها عول،عالت من 12 إلى 13
فيكون النصيب بفرض الأنوثة (الأخت الشقيقة) 6 أسهم من 13  ،و النصيب بفرض الذكورة        ( الأخ الشقيق) 5 من 12 ،فهنا لهم تقريباً نفس النصيب في الحالتين.
الحالة الثالثة: أن يرث على أحد الفرضين و لا يرث على الفرض الآخر.
  بمعنى أن يرث على فرض الذكورة مثلاً و لا يرث على فرض الأنوثة أو العكس.
   في هذه الحالة،تحل المسألة حلين: أحدهما  على فرض الذكورة،و الآخر على فرض الأنوثة لتحديد أنصبتهم على هذا الأساس.
مثال: توفيت عن زوج و أخت شقيقة و أخوين لأم  و زوجة أب حامل  و تركت 72000 د.ج
1-على فرض الذكورة: الورثة هم:
   زوج    ،      أخت شقيقة   ،    أخوين لأم     ،      أخ لأب (الحمل)
   1/2                  1/2                  1/3  بالتساوي             عصبة       ،أصل المسألة هو 6
   3                 3                  2                 لا يبق شيء للأخ لأب
المسألة فيها عول،عالت من 6 إلى 8 
نحسب قيمة السهم الواحد :  72000/8  = 9000 د.ج
نصيب الزوج هو 27000 د.ج
نصيب الأخت الشقيقة هو 27000 د.ج
نصيب الأخوين لأم هو 18000 د.ج لكل واحد منهما 9000 د.ج                     
2-بفرض الأنوثة : الورثة هم :
  زوج  ،    أخت شقيقة ،  أخوين لأم    ،         أخت لأب (الحمل)
   1/2                 1/2          1/3 بالتساوي                  1/6   تكملة للثلثين  ،أصل المسألة هو 6
   3                3         2 سهم لكل واحد           1      المسألة فيها عول
عالت المسألة من 6 إلى 9
نحسب قيمة السهم الواحد: 72000/9 = 8000 د.ج
نصيب الزوج هو 24000 د.ج
نصيب الأخت الشقيقة هو 24000 د.ج
نصيب الأخوين لأم هو    16000 دج لكل واحد 8000 د.ج
   هنا يحفظ مبلغ 8000 د.ج عند شخص أمين،و يعطى لكل وارث نصيبه على أساس الحل الثاني،فإذا جاء الحمل أنثى (أخت لأب)،أعطي له نصيبه،و ظل عند الورثة أنصبتهم كما هي،و إذا كان ذكراً وُزع القدر المحفوظ للحمل على بقية الورثة،بحيث يأخذ كل وارث ما يكمل نصيبه على أساس الحل الأول، و على القاضي أن يأخذ كفيل من الورثة احتياطاً له حتى لا يضيع عليه بعض نصيبه.
الحالة الرابعة: إذا كان الحمل وارثاً على كلا التقديرين أو الفرضين.لكن نصيبه يختلف بالذكورة و الأنوثة.
    هنا يحتفظ له بالنصيب الأكبر و تصير المسألة حلين على فرض الذكورة و على فرض الأنوثة.
مثال: توفي عن زوجة  و أب  و أم  و  بنت  و  زوجة أبن حامل
 1-على فرض الذكورة: الورثة هم:
   زوجة  ،     أب    ،   أم     ،   بنت   ،ابن ابن (الحمل) 
    1/8          1/6           1/6          1/2           عصبة      أصل المسألة  24 
   3          4          4          12          1              


2-على فرض الأنوثة: الورثة هم:
  زوجة   ،    أب ،    أم    ،    بنت    ،بنت ابن (الحمل) 
   1/8          1/6         1/6          1/2           1/6 تكملة للثلثين          أصل المسألة هو 24
   3         4        4           12        4   المسألة عالت من 24 إلى 27  (المنبرية ) 
نلاحظ هنا أن نصيب الحمل  على فرض الذكورة هو 1 من 24 ،و بفرض الأنوثة هو 4 من 27  ،و هنا يفرض الحمل على أنه أنثى لأنه الأكبر.
فإن وُلدت أنثى أخذت نصيبها؛
   فإن وُلد ذكراً أخذ نصيب الذكر،و يوزع الباقي من نصيب الأنثى المتروك على الورثة بما فيهم المولود كلٌ بقدر نصيبه.







والحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلي اللهم و بارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه و سلم تسليما.

تم بعون الله بتلمسان الخميس 23 أفريل 2015
اللوحة 1
اللوحة 2
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي