22‏/07‏/2016

مقياس القانون الاجتماعي-قانون خاص



        



تعريف القانون الاجتماعي.
   يعرف القانون الاجتماعي عادة بأنه مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات بين الأشخاص الذين يعيشون في المجتمع،و تضاف إلى لفظة "قانون" صفة تبين نوع العلاقات التي تحكمها مجموعة معينة من تلك القواعد،فحين القول مثلاً : "القانون التجاري" فإننا نعني مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات التجارية بين الأشخاص،و حين القول "القانون الإداري" نعني بهذه العبارة مجموعة القواعد التي تحكم تنظيم الإدارة العمومية و تسييرها في دولة ما.
فما هو نوع العلاقات التي يحكمها القانون الاجتماعي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من ملاحظة أن المفهوم اللغوي للفظة "اجتماعي" لا يمكن أن يعطينا الجواب،لأننا حين القول القانون التجاري نفهم فوراً موضوع هذا الفرع من القانون لأن صفة تجاري تشير إلى التجارة،و الأمر يختلف حينما نقول قانون اجتماعي لأن صفة اجتماعي تشير إلى الاجتماع و المجتمع، لاسيما أن هذه العبارة تفيد بالفرنسية (droit social) و نجد لفظة (social) مشتقة من(societé) أي المجتمع،      و عليه فإن المفهوم اللغوي سيؤدي بنا إلى القول بأن القانون الاجتماعي هو مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات بين الأفراد الذين يعيشون مجتمعين أو في المجتمع و هو التعريف الذي عرفنا به القانون على الإطلاق،و عليه فإن المفهوم اللغوي للعبارة لا يمكنه أن يدلنا على مضمونها القانوني.
   نستنتج مما تقدم أن تسمية قانون اجتماعي هي مجرد اصطلاح لأنها لا تكفِ لغةً للدلالة على نوع العلاقات التي يحكمها هذا الفرع من فروع القانون.
    و عليه فإن القانون الاجتماعي يمكن تعريفه بأنه" مجموع القواعد القانونية المطبقة على العلاقات الفردية و الجماعية الناشئة بين العمال و من يشتغلون تحت سلطتهم (أي أصحاب العمل)،فضلاً عن القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي".



موضوع القانون الاجتماعي.
    قبل ظهور الصناعة الحديثة كانت علاقات العمل خاضعة لقواعد القانون المدني بوصفها عقداً يحكمه مبدأ "سلطان الإرادة" ،و كان الأمر على هذه الكيفية سواء في البلدان الغربية أو في البلدان التي تحكمها الشريعة الإسلامية.
لكن الثورة الصناعية التي أدت إلى تكتل جماهير غفيرة من العمال في المدن  قد أدَّت إلى تغييرات عميقة في علاقات العمل المأجور ،إذ أن الطبقة العمالية بعد أن صارت بقوتها العددية أخذت تنظم نفسها في تجمعات (النقابات) لتصبح قوة ضغط مهمة،مما أدى بالدولة للتدخل بفرضها نظاماً للشغل في الصناعة و من ثَمَّ عُرف آنذاك هذا الفرع من فروع القانون باسم "التشريع الصناعي"،لكن التنظيم لم يقف عند هذا الحد أي العمل الصناعي بل امتد تدريجياً إلى نشاطات أخرى، و بذلك لم تعد تسمية "التشريع الصناعي" تتسع كدلالة على هذا الفرع من القانون،و حلت محلها تسمية "قانون العمل" للدلالة على أن موضوع هذا الفرع من القانون هو مجموع القواعد المنظمة للعلاقات التي تنشأ عن كل عمل مأجور أياً كان نوعه،و من ثَمَّ كانت تسمية "قانون العمل" مناسبة و كافية ،لكن حدثاً جديداً ظهر بعد الحرب العالمية الثانية جعل هذه التسمية تضيق عن استيعابها،و هذا الحدث هو ظهور و انتشار الضمان الاجتماعي الذي ما لبث أن تجاوز الحدود الناشئة عن العمل المأجور،و إذ ذاك ظهرت عبارة "القانون الاجتماعي"تسمية لهذا الفرع من فروع القانون و الذي يشمل قانون العمل     و الضمان الاجتماعي معاً.






مميزات القانون الاجتماعي.
  يظهر القانون الاجتماعي في الوقت الحاضر كمادة قانونية مستقلة تتميز ببعض المميزات الخاصة بها،و منها:
-الحداثة؛
-التحرك؛
-الميل إلى التدويل؛
-الاتصاف بصفة القانون الآمر؛
-التحلي ببعض الصفات؛
أولاً: حداثة القانون الاجتماعي: القانون الاجتماعي قانون فني، و قد استقل عن القانون المدني     و يتميز بمميزات منها الحداثة؛
ثانياً:تحرك القانون الاجتماعي: إن المبادئ الكبرى التي يقوم عليها القانون المدني ظهرت بظهور المجتمعات البشرية لكي تحكم العلاقات العادية بين بني البشر،أي تلك العلاقات التي نجدها في كل زمان و مكان كالبيع،الشراء،الكراء،القرض ، الوكالة و غيرها،فهذه العلاقات تتصف بشيء من الاستقرار يجعل القواعد المقرِّرة لها منذ قرون عديدة تبقى صالحة إلى يومنا هذا،و على العكس من ذلك فإن القانون الاجتماعي الذي وُلد في ظل الثورة الاجتماعية و واكب ظهور مذاهب سياسية          و اقتصادية جديدة يبقى رهيناً بالتطور السريع الذي تفرضه التقنية على تلك الثورة في مسيرتها الدائمة،فالقانون الاجتماعي يساير هذا التطور المستمر كي يُقدم حلولاً قانونية مناسبة في حينها،     و من هنا يبرز تحرك القانون الاجتماعي الذي يؤلف إحدى مميزاته الرئيسية؛
ثالثاً: ميل القانون الاجتماعي إلى التدويل: يشاهد منذ أواخر القرن التاسع عشر ميلٌ نحو توحيد القواعد القانونية بين الدول في مختلف الميادين،ففي ميدان القانون التجاري مثلاً نجد تشريع "جنيف" الموحَّد بشأن الأوراق التجارية،كما نجد عدة اتفاقيات بشأن الملكية الصناعية و الملكية الأدبية،و هناك عدة جمعيات و منظمات دولية أو إقليمية تعقد اجتماعات دورية لمناقشة وسائل هذا التوحيد،و قد برزت هذه الظاهرة بكيفية أقوى في ميدان القانون الاجتماعي إذ ساعدت مجموعة من العوامل على تدويل هذا الفرع من القانون، و منها:
1-دور المنظمات الدولية: كثير من المؤسسات الدولية تؤكد في يومنا هذا على وجوب تعاون الشعوب في ميدان التنظيم الاجتماعي،كالجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنت في11 ديسمبر عام 1948 "التصريح أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، شخصت فيه حقوقاً اجتماعية قد نراها تهم الإنسانية كلها،كتلك المتعلقة بـ: حرية العمل و حق اختياره، الحرية النقابية و حق التأمين الاجتماعي،و ناد التصريح كذلك  بأهداف مختلفة جديرة بتطبيقها في جميع البلدان،كتحديد مدة    و شروط العمل بحدٍ معقول،  و منح إجازات دورية مأجورة، و مساواة الأجور بين الإناث و الذكور،  و هدفت بعض المنظمات الأوربية إلى توحيد شروط العمل التي تطبق على عمال الدول الـمُنْضَمَّةِ إليها،كما أن نشوء منظمة العمل الدولية في سنة 1919 كان تتويجاً للمجهودات المبذولة في هذا السبيل و المحرك الأقوى لتحقيق الأهداف التي يرمي إليها،و ينطبق القول نفسه و لو في نطاق أضيق على منظمة العمل العربية المنشأة داخل الجامعة العربية؛
2-العامل الاقتصادي: ساعد هذا العامل على التقارب في دول دخلت المدنية فيها مرحلة التصنيع،إذ اتخذت وسائل حماية متماثلة للأجراء،فاتجهت بحكم الضرورة الخطوط العريضة لبعض نظم العمل في تلك البلدان نحو نقاط التقاء مشتركة،يمكن اقتباسها من القانون المقارن لإعداد قانون اجتماعي دولي.
رابعاً: التحلي ببعض الخاصيات (ذاتية مصادر و أحكام القانون الاجتماعي).
لقد حدث في مجال تكوين قانون العمل الذي يعتبر فرعاً للقانون الاجتماعي تغيير مزدوج ،تراجع العقد أمام القانون بالمعنى الواسع و تراجع القانون أمام القواعد التي نشأت عن المصادر المهنية (منظمات العمال و أصحاب العمال).
ففي المرحلة الأولى أكد القانون سيادته على ذاتية الإرادة و قيد الصلاحية التعاقدية في خلق القانون،أي قيَّد مبدأ العقد شريعة المتعاقدين،و حمت العمال من الإكراه و عدم المساواة التعاقدية بنصوص من النظام العام،ثم وسَّع المجال في المرحلة الثانية بطريقة مغايرة في تكوين القانون لا على أساس الإرادة الفردية و إنَّما على أساس الإرادة الجماعية،فالنقابات و غيرها من الأعضاء المهنية تملي نصوصاً قانونية قابلة التطبيق على فئة كاملة من الأشخاص عن طريق تطبيق عقود العمل الجماعية التي تزيد منافعها للعمال عن منافع القانون.
و غالباً ما يعبر عن ذاتية قانون العمل بتفسير خاص لنصوصه في حالة وجودها أو شك في معانيها   أو مجال تطبيقها تفسيراً يتفق مع الأهداف التي شرعت من أجلها حمايةً للعمال و تحقيق مصلحتهم، و تظهر أصالة هذا القانون أكثر من ذلك في وضعه قواعد خاصة بأهلية التعاقد و تسوية المنازعات   و التنظيم الجماعي لعلاقات العمل و خروجه على القواعد العامة التي تحكم الالتزامات،كخرقه لمبدأ نسبية العقود و انتقال الدين لأصحاب الحقوق الخاصة.
1-مخالفة مبدأ نسبية العقود: فمبدأ نسبية العقود يقضي بأن أثر العقد يقتصر على طرفيه،بمعنى أن الالتزامات الناشئة عنه لا تنصرف إلاَّ إلى العاقدين و أن الحقوق المتولدة عنه لا تنصرف كذلك إلاَّ على العاقدين،غير أننا سنرى عند دراسة الاتفاقيات الجماعية التي هي عقود أن هذه الاتفاقيات يمكنها أن تنطبق على أشخاص كانوا معتبَرين من الغير وقت إبرامها.
2-مخالفة مبدأ عدم انتقال الالتزامات إلى الخلف الخاص: بمقتضى القواعد العامة للقانون المدني يعتبر الخلف الخاص من الغير بالنسبة للتصرفات القانونية الصادرة عمَّن نُقِل الحق إليه،و لذلك لا يتحمل الالتزامات التي كانت واقعة على عاتق ناقل الحق إليه،فهكذا مثلاً لا يكون الشخص الذي يشتري مصنعاً أو متجراً مسؤولاً مبدئياً عن ديون البائع و التزاماته،و كان تطبيق هذا المبدأ يؤدي إلى القول بأن المشتري لا يتحمل التزامات البائع نحو أجرائه و بالتالي يمكنه أن يصرفهم عن العمل بدون تعويض،لكن في قانون العمل إذا طرأ تعديل على الوضع القانوني لصاحب العمل و لاسيما بواسطة الإرث، أو البيع، أو التنازل، أو التحويل، أو إنشاء شركة فإن جميع علاقات العمل الجارية و الحقوق المكتسبة ليوم التعديل تبقى قائمة بين صاحب العمل الجديد و العمال،و ذلك يعني انتقال جميع حقوق العمال المترتبة لهم في ذمة صاحب العمل القديم إلى ذمة صاحب العمل الجديد بالرغم من عدم إبرام عقود بينهم و بين صاحب العمل الأخير.

3-نشأة مفهوم جديد للمسؤولية: كانت المسؤولية في نظام القانون المدني الفرنسي مبنية أساساً على فكرة الخطأ،و بهذا المفهوم فسّر القضاء الفرنسي النصوص القانونية في الموضوع طيلة القرن الـ16،و في 1896 أخذت محكمة النقض الفرنسية بتفسير جديد للفصل 1384 من القانون المدني الفرنسي إذ قالت"بمبدأ المسؤولية القائمة على حراسة الشيء بصرف النظر عن فكرة الخطأ"،و قد استعمل هذا التفسير بنوع خاص لمساعدة العمال الذين كانوا يصابون بحوادث في الشغل و لم يكن بوسعهم إثبات وجود خطأ من صاحب العمل،فالتفسير الجديد كان يقضي باعتبار الأخير ملزماً بالتعويض بوصفه حارساً لأدوات الشغل التي وقعت بها الحادثة،ثم صدر في 1898 قانون بشأن التعويض عن حوادث العمل فأكد مبدأ هذه المسؤولية خارجاً عن وجود أي خطأ،و قد ظهرت عدة نظريات لتشرح الأساس الذي تستند عليه هذه المسؤولية الموضوعية أشهرها نظرية المخاطر.
تطور قانون العمل.
1)في العصور القديمة.
   عرف الإنسان في المجتمع الزراعي القديم نظام التعاون،و كانت الأرض مشاعة للجميع و موضوعاً للاستغلال المتناوب بين أفراد القبائل،أما الصناعة فكانت بدائية اقتصرت على صنع أدوات الصيد    و الزراعة و الطبخ و بعض الأسلحة البسيطة،فلم تكن هناك علاقات صناعية معقدة و لا طبقات مستغلة بل كان التنظيم الاجتماعي البدائي يقترب من نظام الرق،و بمقتضى نظام الرق جُرد العبد من الشخصية القانونية،و اعتبر سلعة كسائر السلع يتصرف فيها السيد المالك تصرفه بممتلكاته الخاصة في سوق العمل يستخدمه مباشرة أو يؤجر خدماته،أما القانون الروماني فقد خصص جزءاً من تقنيناته لإجارة الأشياء ليقابلها بإجارة الأشخاص و اعتبر إجارة الرق نوعاً من إجارة الأشياء.
2)في القرون الوسطى.
   لقد انحصر نظام الرّق ليخلي المكان إلى رِق آخر أخف وطأة،و ذلك في نظام "الأقنان" في العهد الإقطاعي الذي لم يكن يسمح بنشأة علاقات العمل بالمعنى القانوني الصحيح في مجال الزراعة،فالعامل كان تابعاً تبعية لا تسمح له بأن يتمتع بحرية العمل و حرية تركه،و إنما كان للسيد الإقطاعي سلطان مطلق على عماله،و قد كان للفكر القانوني السائد آنذاك مؤيد لهذا النظام و مبرر له بنظريات خاصة كنظرية "الحق الإلهي للملوك" و "أسياد الإقطاع".
   أما نظام الطوائف فيعني أن كل جماعة في صناعة أو حرفة معينة تكون فيما بينها طائفة خاصة تندرج فيها الطبقات،فهناك على قمة الطائفة يوجد شيخ الطائفة أو المعلِّم،ثم العامل ثم الصبي تحت التمرين، و كانت كل طائفة تضع قواعد خاصة بالعمل فيها من حيث شروط العمل ،و أجوره ،      و أوقات العمل ،و الراحة ،و الإجازات و قواعد الترقية من درجة إلى أخرى.
3)ظهور مبدأ حرية العمل.
    إن ظهور نظام الإقطاع في الزراعة و نظام الطوائف في الصناعة قد ارتبط بظروف اقتصادية        و سياسية معينة،و عندما تغيرت هذه الظروف اختفت هذه الأنظمة ليحلَّ محلها نظام آخر هو النظام الحر (الرأسمالي)،و يرجع الفضل في ذلك إلى تعاليم الثورة الفرنسية القائمة على فلسفة حرة و قوامها "مبدأ سلطان الإرادة" و حرية التعاقد،و يعتبر مبدأ حرية العمل الذي اتخذته بمثابة قرار إعدام صدر بحق نظام الطوائف،و أصبح بموجبه يحق لكل شخص أن يشتغل بحرية لحسابه أو لحساب غيره،و قد كان هذا المبدأ نتيجة منطقية لمفاهيم نظريات الحق الطبيعي التي بلغت أوّجها خلال القرن الـ19،تلك النظريات التي أكدت حق الفرد الذي لا يجوز التنازل عنه بإبرام عقده بحرية تامة دون إكراه،لقد تأكد هذا الحق بمبدأ "دعه يعمل دعه يمر" ذلك المبدأ الذي قيّد القانون بمنعه من التدخل في تنظيم العلاقات القانونية للأفراد إلى أبعد الحدود،و بحلول الصناعات الكبيرة و انتشار استعمال الآلات الميكانيكية بدلاً من الأدوات اليدوية قامت الثورة الصناعية فعمّت البطالة الجماعية،و تفاقم عدم التوازن الاقتصادي ما بين الأجراء و الصناعيين سواء على حساب الأولين الذين خضعوا لمبدأ تطبيق الحرية التعاقدية إلى شروط عمل تعسفية أملاها عليهم الآخرون الذين توارثوا السلطة و وسائل الإنتاج،      و احتكروا استعمالها لتحقيق أغراضهم و مضاعفة أموالهم،و أثّرت هجرة الفلاحين و ترك المزارعين لأراضيهم للالتحاق بالمؤسسات الصناعية سعياً لزيادة الأجور فانخفضت أجور العمال و ساءت أوضاعهم المعاشية و الاجتماعية،و بعد انتشار التعليم و نمو وعي العمال بسوء مركزهم و ما يتعرضون له من ظلم و استغلال، كان طبيعياً أن تجتمع جماهيرهم في نقابات بسرية و علنية للمطالبة بتحسين أحوالهم،و للسعي لانتزاع حقوقهم بمختلف الوسائل كالإضراب و العنف و التخريب أحياناً،تلك الوسائل التي قابلها أرباب الأعمال باللجوء إلى سلاح إغلاق المصانع، و بذلك ظهر جلياً قصور مذهب الحرية و مبدأ سلطان الإرادة عن حكم علاقة العمل حكماً عادلاً يحقق الأمن الاجتماعي،الأمر الذي دعا علماء الاقتصاد و السياسة و الاجتماع إلى وضع نظريات اقتصادية      و سياسية تستهدف تعديل النظم القائمة و استبدالها.
4-ظهور مبدأ التدخل.
    إن إطلاق مبدأ الحرية التعاقدية في عقد العمل أدى إلى إلحاق الضرر بالطبقة العاملة خاصة بعد أن تطورت الظروف الاقتصادية التي نشأ في ظلها المبدأ الحر،فقد ازدادت الأزمات الاقتصادية التي أدت لشيوع البطالة بين العمال،كما أخذ الاحتكار ينتشر في كثير من الأنشطة الاقتصادية فحل محل المنافسة الحرة الذي أدى إلى ضعف بالغ في مركز العمال،كما أن انتشار الآلات أدى إلى زيادة تعرض العمال للمخاطر و الحوادث و لذلك كان لابد لتدخل الدولة في علاقات العمل لرفع تلك المساوئ  أو الحد منها،و بجانب هذه الرغبة من الدولة في علاقات العمل حفاظاً على الأمن الاجتماعي فإن ازدياد وعي العمال و مطالبتهم المستمرة بتحسين أحوالهم عن طريق التجمعات دفعت الدولة أكثر فأكثر إلى ضرورة التدخل لتنظيم علاقات العمل،كما يساعد على ذلك المذاهب الاقتصادية التي سادت هذه الفترة و التي كانت تستهدف عدم ترك علاقات العمل حرة تخضع لسلطان أرباب العمل،و قد بدأ تدخل الدولة في علاقات العمل في أوربا في منتصف القرن الـ19،و قد ظهر هذا التدخل في بادئ الأمر في التشريعات التي صدرت لحماية الأحداث و البناء،و تلك التي وضعت حد أقصى لساعات العمل ثم صدرت التشريعات المنظمة لكيفية التعويض عن إصابات العمل و الأمراض المهنية،و بازدياد الوعي و ظهور التجمعات العمالية ظهر التنظيم التشريعي لعقد العمل المشترك       و الذي يتم فيه الاتفاق بين أرباب العمال و ممثلي العمال على القواعد التي يجب مراعاتها في عقود العمل الفردية،و بمرور الوقت ازدادت الحماية التشريعية للعمال و أصبح لهم دور إيجابي في مجتمعاتهم،  و أصبحت تشريعات العمل تنحو إلى غايات اجتماعية و إنسانية تحقق الأمن و الطمأنينة لتلك الطبقة،و بذلك اتسع نطاق القانون الاجتماعي فبعد  أن كان قاصراً على بعض القواعد الخاصة بالعمل أصبح شاملاً لتنظيم عام جامع بكل ما يتصل بعلاقات العمل الفردية و الجماعية و الضمان الاجتماعي.
مصادر القانون الاجتماعي.
   تنقسم إلى مصادر داخلية و مصادر دولية:
أولاً : المصادر الداخلية.
و تنقسم بدورها إلى مصادر رسمية و مصادر غير رسمية أو حرفية:
1)-المصادر الرسمية.
    و تتمثل في الدستور و التشريع العادي،و كذا التعليمات و الأنظمة و البيانات التي تصدرها السلطة التنفيذية تسهيلاً لتطبيق القوانين ،و أحكام القضاء القطعية التي تصدرها السلطة القضائية في قضايا لم يرد لتنظيمها نص قانوني معين.
أ)التشريع.
   يستمد القانون الاجتماعي غالبية قواعده من التشريع فهو المصدر الأساسي الذي يرجع إليه لمعرفة القواعد التي تحكم علاقات العمل،و يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من التشريع: الدستور،التشريع العادي و العرفي.
-الدستور: نظراً لأهمية بعض القواعد المنظمة للعمل و للضمان الاجتماعي اهتم الدستور بالنص عليها باعتبارها مبادئ أساسية يقوم عليها المجتمع،فهي ليست صالحة التطبيق في ذاتها فتطبيقها يتوقف على إصدار تشريعات، فإذا لم تصدر تشريعات كانت الحكومة بسلطتيها التنفيذية و التشريعية مسؤولة سياسياً قِبَل الشعب؛
-القوانين العادية: تحتل النصوص التشريعية المحل الأول بين مصادر القانون الاجتماعي، و ذلك بسبب نشاط المشرع الحديث في أغلب الدول بتشريعها رغم النفوذ المتزايد للقانون المهني،و مثالها في الجزائر:
- القانون 78-12 المتعلق بالقانون الأساسي العام للعامل؛
-القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل؛
-القانون 90-02 المتعلق بمنازعات العمل الجماعية و حق الإضراب؛
-القانون 90-04 المتعلق بمنازعات العمل الفردية؛
-القانون 90-14 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي.
-الأنظمة و التعليمات: لا يسع السلطة التشريعية تقرير جميع التفاصيل التنظيمية بنصوص قانونية خاصة ما تعلق منها ببيان الحقوق و الالتزامات التي تترتب على علاقات العمل،ذلك لأن تشريع القوانين الخاصة بالعمل يثير الكثير من المسائل الفنية بسبب اختلاف ظروف العمل باختلاف المناطق، و اختلاف ظروف الأشخاص من حيث السِّن و الجنس،و من حيث القدرة المالية لصاحب العمل،   و لأن قضايا العمل قد تتضمن مسائل ذات طابع فنِّي فقد تعالج مسائل طبية أو صناعية أو حسابية يصعب تنظيمها بقانون،لذلك تشرك الحكومة أمرها إلى السلطة التنفيذية لتتولى إصدار الأنظمة اللازمة لتنظيمها بعد الاستئناس بآراء  الخبراء الفنيين من ذوي العلاقة،غير أن أهمية الأنظمة باعتبارها مصدراً من مصادر قانون العمل تتوقف على مدى ما تتمتع به السلطتان التنفيذية و التشريعية من صلاحيات تشريعية بموجب الدستور،فإذا قيّد الدستور الأمور التي يجب تنظيمها بقانون ارتفعت أهمية الأنظمة    و قلّت أهمية القانون،و العكس بالعكس.
ب)أحكام القضاء.
   تكون المحاكم إلى جانب القانون و الأنظمة مصدر آخر للقانون،فهي تفسر النصوص بمعناها الدقيق  و تكمل نواقصها و تخلق أحياناً بعض القواعد الجديدة،و بالرغم من جواز التردد في تصنيف القضاء بين المصادر الرسمية للقانون باعتبار أن مبدأ فصل السلطات لا يخوِّل المحاكم الصلاحية التشريعية،يمكن مع ذلك وصف البعض من أحكامها بمصدر رسمي للقانون عند مقارنتها بالمصادر العرفية،و يلزمها القانون بإصدار أحكاماً حتى في حالة سكوته و عدم تنظيمه للعلاقة موضوع النزاع   و إلا عُدت ناكرة للعدالة.


2)-المصادر غير الرسمية (الحرفية).
أ-عقود العمل المشتركة (عقد العمل الجماعي): يرى بعض الشرّاح أن عقود العمل المشتركة      و اللوائح الداخلية للمنشآت مصدر من مصادر قانون العمل،على أساس أنها تتضمن قواعد عامة تنطبق على طوائف من العمال غير معينين بذواتهم،و لا يحتاج تطبيقها إلى رضا هؤلاء العمال،       أو كونهم قائمين بالعمل فعلاً وقت صدورها،و تسمى هذه المصادر بالمصادر الخاصة بقانون العمل   أو المصادر الحرفية أو المهنية.
ب-العرف: إذا كان التشريع هو المصدر الأول و الأساسي لقواعد العمل،فإن ذلك لا يعني أنه المصدر الوحيد،فلازال للعرف دور أيضاً في تكوين القواعد التي تحكم علاقات العمل،و يتميز العرف في مجال قانون العمل بأنه غالباً عرف محلي خاص بإقليم أو بمنطقة عمل معينة،كما أنه يلعب دوراً في خلق قواعد قانون العمل،إذ غالباً ما يتولد عن الممارسات العملية في عالم العمل (قانون حر)،فيتحول بعد حين إلى قانون رسمي، و مثال ذلك أنه لم تكن النقابة و العقود المشتركة و تعليمات العمل في المشاريع ببعض الدول سوى وسائل واقعية مارسها العمال و أصحاب العمل قبل الاعتراف بها رسمياً.
و للعرف صفتان:
-لا تملك المحاكم سلطة تقرير سلطان العرف أو تضييق نطاق تطبيقه و تقتصر صلاحيتها على ملاحظة قيامه في الواقع؛
-يستطيع العرف أن يفرض نفسه بقوة تعادل قوة القانون الآمر بدلاً من أن يكون مجرد إعراب ضمني عن إرادة المعنيين و بوسعهم الخروج متى شاءوا.
لكنه يؤخذ على الأعراف أنها تتطلب وقتاً لإثباتها لكونها قواعد غير مكتوبة،فقد تقوم صعوبات للكشف عنها و ضبط معانيها، فضلاً عن تضاؤل دور العرف لصالح القواعد المكتوبة في قواعد عقود العمل المشتركة.


ثانياً: المصادر الدولية.
أ-الاتفاقيات الجماعية الدولية: هي معاهدات جماعية مفتوحة تعدّها و تقرّها منظمة العمل الدولية (O.I.T) في مؤتمر للعمل دولي،و توصي الدول الأعضاء بتصديقها خلال سنة من تاريخ إقرارها.
   منظمة العمل الدولية تقوم سنوياً بوضع مشاريع اتفاقيات و توصيات في مجال الاجتماع السياسي (حماية العمال) تبرم بأغلبية ثلثي أعضاء منظمة العمل الدولية، بعرض مشاريع الاتفاقيات و التوصيات التي وافق عليها المؤتمر خلال سنة من تاريخ الموافقة على السلطات الحكومية المختصة للدول التي يمثلونها،و يتوجب أيضاً على ممثلي الدول الذين صوتوا ضد مشروع الاتفاقية أو امتنعوا عن التصويت عرض المشروع على السلطات الرسمية المختصة في دولهم،و لهذه السلطات حرية إقرارها بتصديقها     أو الامتناع عن تصديقها.
ب-المعاهدات الثنائية: و هي تلك المعاهدات التي يكون الغرض منها وضع قانون عمل واجب التطبيق على العمال الأجانب المتمتعين بجنسية إحدى الدولتين المتعاقدتين و يقيمون في إقليم الدولة الأخرى،و تعتبر هذه المعاهدات الخطوة الأولى في طريق تدويل قانون العمل،ذلك لأنها تحثّ الحكومات على إلغاء التمييز التشريعي،و تميل الدول ذات القوانين المتأخرة إلى اتخاذ إجراءات أكثر تقدمية بعد إبرامها و ذلك لتجنب تلقي عمالها معاملة سيئة خارج البلاد،و مع ذلك تعتبر آثار هذا النوع من المعاهدات ضيقة المدى ما دامت لا تلزم سوى الدولتين المتعاقدتين.






عــلاقــــــة الــــعمــــــل.
عقد العمل الفردي.
تعريف عقد العمل: عقد العمل هو الاتفاق الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب عمل و تحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر؛
الطبيعة القانونية لعقد العمل: إن عقد العمل يختلف اختلافاً بيناً بطبيعته و أهدافه عن أي من العقود التقليدية،إن العقد التقليدي من وحي فكرٍ انفرادي من صنع المتعاقدين دون غيرهم،بينما يصدر عقد العمل عن مجموعة من القوى المركبة يكاد يكون تحديدها مستحيلاً،و تبدو خاصةً و كأنها ظاهرة اجتماعية و جماعية.
   اقترح بعض الفقهاء إدخال عقد العمل في فئة خاصة من العقود دعوها بعقود الإذعان،يجمعون فيها جميع العقود التي تقابل عقود التراضي و يضعون فيها العقود التي يذعن فيها أحد الطرفين بشروط يفرضها الطرف الثاني كعقد النقل و عقد التأمين.
إن العامل و هو مضطر إلى عرض عمله ليعيش لا يسعه أن يناقش الشروط المفروضة عليه من قبل صاحب العمل بأنه يقبل العمل بقوة الاشتراط أكثر مما يقبله بإرادة حرة الاختيار،أما حالياً فإن فكرة عقد الإذعان قد تغيرت تغييراً كلياً إذ بينما بدا الإذعان سابقاً بموافقة العامل اضطراراً على الشروط التي يقررها صاحب العمل يفرض الإذعان اليوم على الجانبين،و ذلك لأن عقود العمل المشترك التي شاركت في وضعها منظمات أصحاب العمال و المنظمات العمالية، و العقود النموذجية التي تقررها السلطات العامة و الأنظمة القانونية تختصر النقاش الذي يسبق إبرام العقد،و لا تسمح بأي حال لصاحب العمل أن يتعسف في فرض شروط العمل.
و لكي يوصف عقد ما بأنه عقد عمل يجب أن تتحد فيه العناصر التالية:



عناصر عقد العمل.
1)عنصر العمل.
   يتكون العمل كقاعدة عامة من نشاط ايجابي و لكنه قد يوجد عمل أو خدمة ليس للنشاط فيها أهمية كبيرة،كحراسة الأشياء و الإشراف عليها ليلاً أو نهاراً،و رقابة الحوادث أو الوقوف لعرض الأزياء.     و يشترط لوجود عقد العمل أن يتصف التزام العامل بالعناصر التالية:
أ)صفة شخصية.
    يجب على العامل أن يجهز قوة عمله الخاصة و ينفذ التزاماته بنفسه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك،إذ يمكن للعامل حينها بإمكانية عامل المقطوعية للوفاء بالتزاماته أن يستخدم عمالاً بصفة مؤقتة طبقاً لأحكام التشريع؛فإن لم يقدم الملتزم لمنفعة العمل عمله الشخصي و قدم عمل شخصٍ آخر كان للعقد طبيعة أخرى،فنكون أمام (التزام العمل و هو عقد يتعهد بمقتضاه متعهد فرعي أو ملتزم يتوسط بين المقاول الرئيسي و الأجراء بأن يقدم للأول عمل العمال الآخرين مقابل مبلغ قطعي،و هو عقد محظور في أغلب التشريعات).
  الواقع أنه غالباً ما يتم التعهد بعد اختبار الشخص و عليه فإنه لا يمكن تنفيذ العمل بوساطة الغير في الحالة التي يفترض فيها أن اختيار العامل قد تم بعد تقدير مواهبه و خبرته و مؤهلاته الشخصية،في مثل هذه الظروف يكون العنصر الشخصي صفة جوهرية للعقد،فلا يمكن إجبار صاحب العمل على قبول التنفيذ عن طريق الغير،كذلك تتجلى الصفة الشخصية في عنصر العمل باعتبار عقد العمل تحت التجربة قانوناً عقداً معلقاً على شرط فاسخ و هو اعتبار نتيجة التجربة غير موفقة و لا مرضية، فأعطي لرب العمل حق إنهاء عقد العمل عند عدم ثبوت المهارة الفنية و الكفاءة و حسن التعامل و حسن الخلق و مدى طواعية العامل لنظام العمل و الاستجابة لمتطلباته،و يرجع تقدير هذه الأمور إلى رب العمل مطلقاً ما دام حسن النية في تقديرها،فهو وحده الذي يزن الفائدة من علاقته بالعامل وزناً سليماً قبل أن يصبح عقد العمل نهائي،إذ هذا الطابع الشخصي الذي يرافق في الأصل التزام العامل بأداء عمل بنفسه وراء اعتبار المشرع موت العامل سبباً لإنهاء عقد العمل،فلا يحل ورثة العامل محله في تأدية العمل الذي كان ملزماً به،و لا يحق لصاحب العمل إلزامهم بتأديته بدلاً عن العامل.
و على عكس ما سبق فليست شخصية صاحب العمل محل اعتبار إلا في عقد التمهين،ذلك لأن الغرض من هذا العقد هو تعليم العمال و المتدربين مهارة و خبرة و تقنية صاحب عمل ذو صفات   و مزايا أخلاقية لا يخشى منها خطر على أخلاق المتدربين و المتدربات لديه،لذا يفسخ هذا العقد بوفاة صاحب العمل ،أو عند إدانته بجريمة مخلَّة بالشرف أو إذا أخلّ بالتزاماته بتقديم التعليم المهني المنشود لعماله المتدربين.
ب)عنصر الرضاء.
   و هي تعني الاتفاق بحرية على التزام العمل الذي يتعهد العامل بتنفيذه،و يترتب على هذا الشرط منطقياً أن حقوق و التزامات الفرد الذي تفرض عليه السلطة العامة التزاماً بالقيام ببعض الأعمال لا تنجم عن عقد العمل،إلا أن الأخذ بفكرة علاقة العمل في بعض البلدان قد أفاد بعض الأشخاص الذين يؤدون أعمالاً لم يختاروها بأنفسهم من بعض النصوص المنظمة لعقد العمل،و مثال ذلك أن القانون الفرنسي الخاص بحوادث العمل لسنة 1946 ينص على ضمان المحتجزين الملزمين بتنفيذ أعمال عقابية، مع أنه لا يتطلب أن يكون ضحية حادث مرتبط مع رب العمل بعقد عمل بل بكتفي بواقع أن العمل قد أنجز لحساب الغير و تجب إدارته،فمن الطبيعي ألا يكون غياب عقد العمل سبباً لحرمان المحتجزين من قوانين الحماية العمالية،و رغم أن المسخرين و المكلفين بتأدية بعض الأعمال العامة لا يرتبطون مع السلطة العامة بعقود خاصة إلا أنه يحق لهم المطالبة بالحماية الاجتماعية طبقاً لأحكام قانون 11 جويلية 1958 ،كما أن قانون 11 أكتوبر 1940 يلزم العاطلين إذا شاءوا الإفادة من مخصصات البطالة تنفيذ ما يعهد إليهم من أعمال،في مثل هذه الحالات يبدو أن التزام العمل ينفذ قسراً و بالتالي ينبغي ألا يستفيد العامل إذا ما أصيب بحادث من النصوص المتعلقة بحماية العامل المرتبطة بعقد العمل،غير أن محكمة النقض اعترفت في قضية لها تسمى (GAZ-PAL) في 1916 بوجود عقد العمل ببيانها بأن العامل قد أظهر موافقته على تنفيذ العمل المفروض مقابل الإعانة الممنوحة لديه،و لكن الملاحظ أن تلك الموافقة لا تصدر دون ريب عن العامل بحرية تامة،     و الحكم في القانون الجزائري لا يختلف من حيث المبدأ عنه في القانون الفرنسي ذلك لأن عقد العمل من العقود الرضائية أصلاً،يخضع فيه الرضا إلى القواعد العامة بشأن تعريفه و عيوبه.
و عليه لا يمكن اعتبار عمل المسجونين ،و المحتجزين ،و المسخرين ،و المكلفين بإنجاز بعض أعمال السلطة العامة رغم إدارتهم عملاً خاضعاً للقانون العام،و بالتالي لا يستحقون أجوراً عن الأعمال التي ينجزونها أو تعويضات لما يتعرضون له من حوادث أو أمراض ما لم تقضِ بعض النصوص الخاصة بغير ذلك،و قد نصت الفقرة 5 من المادة8 من الأمر 66-183 القاضي بانتفاع المعتقلين القائمين بعمل جنائي من التأمينات الاجتماعية بالنسبة للحوادث الطارئة خلال هذا العمل أو خلال فترتهم.
ج)أداء العمل خارج نطاق الوظيفة العامة.
هذا هو الشرط الثالث الذي يجب توافره في عنصر العمل المشترط تنفيذه ليصبح عنصراً مميزاً لعقد العمل.
   يختلف المركز القانوني للعمال في فرنسا اختلافاً بيناً من حيث المبدأ عن المركز القانوني للموظفين الذين ينجزون أعمالاً في المشاريع الصناعية و التجارية،إن هؤلاء يخضعون إلى قوانين و مراسيم        و أنظمة و قرارات خاصة أو إلى تعليمات السلطة التنفيذية ،و لا يخضعون لقانون العمل حتى و إن كانت وظائفهم شبيهة بوظائف العمال،أما في الجزائر فقد بلغ التقارب درجة قصوى حتى كادت تتوحد أحكام العمل مع أحكام الوظيفة العامة و ذلك بعد صدور القانون الأساسي العام للعامل 78-12 الذي أوجب أن تستمد قطاعات النشاط المختلفة أحكامها منه،و قد وضع هذا القانون أحكاماً مماثلة أو مقاربة لأحكام الوظيفة العامة بخصوص شروط توظيف العمال و تكوينهم المهني،   و تثبيت العامل في منصبه ،ترقيته ، واجباته ، حقوقه ، عقوباته ، تظلمه ، إحالته على الاستيداع ،طرق إنهاء خدمته و إحالته على التعاقد،كما استفاد الموظفون العموميون من حق التنظيم النقابي الذي كان محظوراً على هذا القطاع،إلا أن التحولات الأخيرة أظهرت توجها جديداً خاصة بعد صدور دستور 1989 الذي بموجبه ظهر توجه للفصل بين الوظيفة العامة و قانون العمل،و تم ذلك بموجب القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل،و الذي ألغى القانون الأساسي العام للعامل في هذا القطاع، ثم تلاه بعد حقبة من الزمن الأمر رقم 06-03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.


2)عنصر الأجر.
   لقد طرأت على مفهوم الأجر تغيرات هامة ،فقديماً لم يكن الأجر سوى ثمن العمل باعتباره بضاعة    و بالتالي كان يخضع تحديده إلى قانون العرض و الطلب،بينما ينظر اليوم إلى الأجر و إن توقف دائماً على مقدار العمل و نوعية الخدمات من زاوية أهدافه، حيث ينبغي أن يضمن لدائنه اللوازم الملائمة لمواجهة حاجاته و حاجات عائلته يكفل له مستوى عيش إنساني لائق،و يضمن حاجاته الأساسية من لباس و مأكل و مسكن،و يتألف الأجر على العموم من مبلغ من النقود و لكنه قد يتألف من منافع عينية كالإطعام ، الإسكان ،التدفئة و الإنارة.
و يتكون أجر المنصب من الأجر الأساسي مضاف إليه متممات الآجر من تعويضات و مكافآت.
   إن طريقة التعويض لا تعتبر صفة جوهرية في عقد العمل كما أن مقدار التعويض لا يؤثر بدوره على تكييف العقد،فمدير الشركة الذي يتقاضى أجراً مرتفعاً جداً يرتبط بعقد عمل شأنه في ذلك شأن العامل البسيط،و لكنه إن لم تكن لطبيعة التعويض أو طريقته أو مقداره أثر على الطبيعة القانونية لعقد العمل فبالعكس لا يوجد عقد العمل عند انعدام الأجر،أي في حالة أداء عمل مجاناً بموجب اتفاق   أو قانون، فالأجر يعتبر مدروساً من الزاوية القانونية و عنصراً أساسياً لا وجود لعقد العمل بدونه.
  و للأجر صلة وثيقة بالعمل سببه القانوني،صلة تترتب عليها نتائج متعددة تتعلق بتكوين العقد        و تنفيذه،فدفع مبلغ من النقود بعد إنجاز عمل معين لا يتضمن بالضرورة إبرام عقد عمل إذا كان العمل قد نفذ تلقائياً من قبل المنتفع من التعويض ،دون أن يكون الدافع ملزماً بالدفع،إن أمثال هذه الدفعات لا يمكن أن توصف بالمقابل القانوني للعمل هكذا لا يعتبر الحلوان الذي يدفعه المستأجر إلى بواب العمارة أو المسافر إلى بواب الفندق متصلاً بعقود العمل المبرمة بين هؤلاء الأشخاص.
   إن تخلف هذا العنصر يغير الطبيعة القانونية لهذا العقد إذ لا يمكن القول بوجود مثل هذه الرابطة عندما لا يكون تبادل الالتزامين المحل الرئيسي للعقد.










ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.تتمة السداسي الأول،بداية السداسي الثاني.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ









عنصر الزمن.
     المقصود به المدة التي يضع فيها العامل شخصه خلالها في خدمة صاحب العمل أو إدارته،و هي تحدد بحرية باتفاق المتعاقدين بعد مراعاة النصوص القانونية الآمرة،فإن لم ينص العقد على مدة العمل يُشار إلى العرف و العادات السائدة في المهنة المعنية، أو يعتبر لمدة غير محدودة بحكم القانون.
   و يعتبر الكاتب السويسري "ريتشارد" معيار الزمن أثقل المعايير وزناً لتفريق عقد العمل أو أنه المعيار الوحيد،يقول إن جميع المعايير الأخرى ثانوية أو مشتقة منه لاسيما خضوع العامل،و لإسناد رأيه يحاول أن يثبت أن أغلب تنظيمات العمل قائمة على فكرة مدة العلاقات أو استمرارية الروابط التعاقدية،برأيه أن هذه الفكرة هي التي تسمح بالتقادم الخاص بدفعات الأجر و أيام الراحة،و يتساءل كيف يمكن أن ندرج مادة كتلك التي تضمن للعمال الذين يتقاضون أجورهم حسب القِطع دون الرجوع إلى فكرة استمرارية الروابط ؟و كذلك الأمر بالنسبة للنص الذي يمنح العمال الممنوعين من الاشتغال دون خطأ حقاً في الأجر خلال وقت معين؟إن القانون ليفرض على صاحب العمل دفع الأجور إلى العامل إلا لأنه وعد بتقديم عمله بشكل مستمر يحرمه من أية وسيلة أخرى للحصول على رزقه،و هذا التعويض لا يخص أيام العمل الفعلية وحدها بل و الأيام التي مُنع العامل خلالها من أداء العمل،و أخيراً يعتقد أن هذا السبب هو الذي يجعل العامل في المنزل مرتبط بعقد العمل كلما تعهد لوقت معين و لم يكلف بعمل عرضي.
     و مع التقدير بأن الالتزام بالزمن يسمح من حيث المبدأ بتفريق عقد العمل عن بقية العقود،نرى أن تلك الأهمية لا تظهر في عقود العمل قصيرة الأجل أو عندما لا يتعهد العامل إلا بالاشتغال بضع ساعات في اليوم أو في الأسبوع،كتعهد جوقة موسيقية بالاشتغال في مطعم لمدة أسبوعين،و نعتقد أن عنصر التبعية القانونية المقترن بالتبعية الاقتصادية يؤلف معيار عقد العمل الأقوى حسماً.



عنصر التبعية.
    إن المعيار الحاسم لتفريق عقد العمل هو حالة تبعية العامل لصاحب العمل في أدائه لعمله،و ذلك بسبب وجوب اشتغاله خلال الزمن الموعود طبقاً لأوامر و توجيه هذا الأخير،بتعبير آخر إن الأجير لا يزاول نشاطه بحرية ذاتية و إنما هو في موقف اتكال.
و للتبعية صورتان:
 تبعية قانونية: و تقضي باستخلاص التكييف من بنود عقد العمل،لا يوجد الاتكال إلا بسبب وضع شخص لنشاطه تحت سلطة شخص آخر بموجب اتفاق خاص مع أنه قد يكون مستقلاً اقتصادياً،   و بالتالي ينبغي للحكم بوجود عقد العمل التحري عما إذا كان صاحب العمل يتصرف بصلاحية الآمر،و عما إذا كان العامل يؤدي مهمته طبقاً لأوامر الأول بموجب اشتراط محدد.
    إن هذا المفهوم لا يكترث بالوضع الاقتصادي الخاص للأجير،قد يكون هذا مالكاً لثروة طائلة    أو لا يوجد تحت تصرفه سوى أجره.
تبعية اقتصادية: فبموجبها كتب "كوش" هناك إشكال اقتصادي عندما يستمد مجهز العمل مورد عيشه الوحيد من عمله أو على الأقل أهم موارده ،و عندما يستخدم من جانب آخر الشخص الذي يدفع الأجر كل نشاط من يقدم العمل بصورة منتظمة، و يؤكد "سافاتي" من جانبه بأنه قليلاً ما تهم درجة الاستغلال القانوني التي يحتفظ بها هؤلاء العمال يكفي اتكالهم الاقتصادي ليجعل منهم مأمورين لمن ينتفع من عملهم،تتضمن التبعية بهذا المفهوم أن أجر العمل يضمن وحده أو إلى حدٍ كبير معيشة العامل،و أن العامل يكرس كل نشاطه خلال الوقت المتفق عليه لصالح معطي العمل.
   إنه و إن كانت التبعية القانونية أدق من التبعية الاقتصادية يتعين أن تؤخذ الأخيرة بعين الاعتبار عندما يقتضي الأمر تكييف العلاقات القانونية لتحديد نطاق قوانين العمل.
و لكنه بقي علينا أن نفرق بين التبعية القانونية و التبعية الفنية:


التبعية الفنية و التبعية القانونية.
   قد يتوهم البعض أن المقصود بالتبعية القانونية هو ما يدعى بالتبعية الفنية،التي تخضع العامل لإشراف أو توجيه كامل لصاحب العمل،فيما يتعلق بتنفيذ العمل بدقائقه و بجزئياته،كلا...إن المقصود بها التبعية الإدارية أو التنظيمية التي تترك للعامل مزاولة معرفته و فنه في مباشرة العمل و تنفيذه بحيث ينحصر خضوع العامل لصاحب العمل في الظروف الخارجية التي يتم بظلها هذا التنفيذ،كتحديد أوقات العمل و مكانه مثلاً،ذلك لأن استلزام قيام التبعية الفنية لقيام التبعية القانونية و بالتالي قيام عقد العمل رأي غير علمي دائماً ،إذ أن المطالب بالتبعية الفنية لتوافر التبعية القانونية يفترض إلمام صاحب العمل بجوهر العمل و تفاصيله لكي يشرف الإشراف الكامل أو شبه الكامل عليه،و هو أمر لا يتيسر في غالب الأحوال، فضلاً عن أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى تضييق عقود العمل إلى حدٍ كبير،و من جهة أخرى لا يمكن اعتبار عمل العامل الذي يخضع لصاحب العمل و إن اقتصر هذا الخضوع على الظروف الخارجية لتنفيذ العمل دون جوهره عمل مستقر تماماً ما دام يظل تابعاً لصاحب العمل من هذه النواحي في أداء عمله،و إن كان خضوعه في هذه النواحي أهون من خضوعه الفني،إلا أنه يرتبط مع ذلك بنوع من التبعية قِبل صاحب العمل،و هو ما يكفي للقول بتحقق التبعية القانونية  و بالتالي اعتبار العقد الذي يربطه بصاحب العمل عقد عمل،يمثل هذا الرأي الاتجاه الحديث للفقه و القضاء، بينما تمثل التبعية الفنية الاتجاه القديم لتحليل التبعية القانونية.







عقد العمل و العقود المشابهة له.
    هناك فوائد هامة في تفريق عقد العمل عن غيره من العقود المشابهة له،نبرز أولاً الصور الأكثر عموماً لهذا التفريق:
أ-بالنسبة لقانون الأساس (الموضوع).
    لا يمكن تبويب عقد العمل في أية فئة من فئات العقود القانونية لنذكر أن أصالته تجعل منه عقداً ذاتياً،عقداً ثنائياً،عقداً من عقود المعاوضات،ينفذ بالتتابع،يعقد باعتبار شخصية المتعاقد  و يصدر في زمن واحد عن القانون الخاص و القانون العام و القانون الجماعي،يتوقف على تكييفه إلى حد معين و تطبيق العديد من النصوص القانونية.
    إن أهمية البحث بشأن القانون الأساس لا تكمن في تطبيق بعض القوانين الخاصة فحسب،و إنما هناك فائدة واضحة لتمييز عقد العمل عن سلسلة من العقود الأخرى لغرض تحديد النصوص الواجبة التطبيق مع العلاقات القانونية حسب تكييفها،غالباً ما يُسأل كيف تكيف العلاقة بين محامي         و زبونه؟و بين المحامي نفسه و مؤسسة خاصة يعمل فيها مستشاراً قانونياً؟ ما طبيعة الرباط بين الطبيب و مريضه؟و بين الطبيب نفسه و مؤسسة عامة؟و تبرز أهمية تفريق العقود إذا علمنا أن عقد العمل غالباً ما يختلف عن العقود الخاضعة للقانون العام من حيث شروط نفاذها و تنفيذها أو إنهائها.
ب-بالنسبة لقانون الإجراءات.
    تجد المنازعات المتولدة عن عقد العمل حلولاً سريعة و مرضية لدى قضاء خاص: محاكم العمل    أو غيرها من المحاكم المدنية المختصة بالمسائل الاجتماعية،و هذه المحاكم سهلة المراجعة و مؤلفة من قضاة و من ممثلين عن العمال و عن أصحاب العمل أحياناً،آلفين للظروف و العادات النافذة في مهن الأطراف المختصة،و تطبق بدل من الإجراء المدني الاعتيادي إجراء أكثر بساطة و أقل كلفة أو مجاناً.
    إن تكييف العقد لا يهم المتعاقدين وحدهم و إنما يهم كذلك محكمة الدعوى، ذلك لأن على محاكم العمل أن تتحرى من تلقاء نفسها عما إذا كان لها شأن بعقد العمل أو على العكس بغيره من العلاقات التعاقدية التي تخرج عن نطاق اختصاصها.
عقد العمل و الوكالة.
    تنص المادة 571 من القانون المدني الجزائري  على أن "الوكالة أو الإنابة هو عقد بمقتضاه يفوض شخصٌ شخصاً آخر للقيام بعمل شيء لحساب موكله و باسمه..." ؛
   و تقضي الفقرة 1 من المادة 575 قانون مدني بأن "الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز الحدود المرسومة"؛
   و الفقرة 1 من المادة 581 قانون مدني بأن "الوكالة تبرعية ما لم يتفق على غير ذلك صراحة     أو يستخلص ضمنياً من حالة الوكيل"؛
    يتبين من مقارنة هذه النصوص بتعريف عقد العمل أن بين هذين العقدين صفتان مشتركتان تجعلان التفريق بينهما صعباً أحياناً و هما:
1-يستطيع الموكل أن يوجه التعليمات إلى الوكيل مثلما يعطي صاحب العمل الأوامر إلى العامل؛
2-أن على الموكل أن يعوض الوكيل مثلما يعوض صاحب العمل الأجير.
معايير التفريق .
أ-معيار محل العقد.
    المعيار التقليدي هو طبيعة محل العقد و ما إذا كان عملاً مادياً أم عملاً قانونياً،و يستند أنصار هذا المعيار إلى أن الوكالة لا تكون إلا في الأعمال القانونية،هناك عقد وكالة عندما ينشىء شخص وثيقة نيابية عمن يمثله قِبل الأغيار باسمه و بتكليف منه،بينما العامل يؤجر خدماته و يعمل لصاحب العمل، إلا أنه لا يمثله و لا يعمل باسمه.
النقد: ليس لهذا المعيار أهمية في القانون الجزائري و ذلك لشمول تعريف الوكالة "التفويض للقيام بعمل شيء..."(جميع التصرفات الجائزة المعلومة سواء كانت قانونية أم مادية)،و عكس القانون الجزائري فإن لهذا المعيار أهمية في القانون المصري لتعريفه الوكالة في المادة699 من القانون المدني المصري بأنها "عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل".
ب-معيار الزمن.
   لقد اعتبر البعض عنصر الزمن المعيار المفرق لعقد الوكالة عن عقد العمل،فرأوا أن هناك عقد عمل إذا وجب تنفيذ العقد خلال زمن معين،و بالعكس توجد وكالة إن لم تلعب فكرة الزمن أي دور في العقد،و يعاب على هذا الرأي أن الأخذ به يؤدي إلى القول بأن الوكيل لا يستطيع أبداً أن يتلقى صلاحية تفويض عام لزمن محدد،و هذا ما لا يصح عملاً؛
ج-معيار التبعية.
   إن قسماً من الفقه قال بتطبيق معيار التبعية،و طبقاً لهذا الأخير بينما يجب على الأجير أن يخضع إلى أوامر صاحب العمل يؤدي الوكيل مهمته بحرية،بشرط العمل ضمن حدود الصلاحيات التي عهدت إليه.
    إن هذه الفرضية لا تُعطِ اصطلاح التبعية سوى مفهوم ضيق جداً،فهي لا تعتبر التزام الوكيل بتقديم الحساب عن إدارته إلى الموكل و الإشراف الذي يزاوله الأخير بشأن تنفيذ العمل كقرائن تشير إلى وجود حالة التبعية،و هذا ما لا يتفق و اتجاه القضاء الحديث،الذي يفسر التبعية في عقد العمل بمعنى واسع،و بالتالي يصعب إقامة معيار على هذا الأساس وحده،مع ذلك و نظراً لوجود تبعية الوكيل للموكل و إن كانت في الحقيقة أقل من تبعية الأجير لصاحب العمل،فإننا نرى أن هناك وكالة كلما مثل المعني صاحب العمل و تمتع بنوع من الحرية في إنجاز مهمته،و هناك عقد عمل إن أوعزه التمثيل و وجدت التبعية و إن كانت بمعناها الواسع.
فوائد التفرقة.
1-يستطيع الموكل عزل الوكيل أو إنهاء الوكالة بعدوله عنها،كما أن للوكيل أن يتنازل في أي وقت عن الوكالة و يعزل نفسه منها و لو وجد اتفاق بغير ذلك،إلا إذا تعلق حق الغير بالوكالة حيث يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يمهل الغير الأجنبي عن عقد الوكالة وقت كافي ليتخذ ما يلزم لصيانة مصالحه قبل أن يتخلى عن وكالته (المادة 588 قانون مدني)،في حين لا يقبل الفسخ الانفرادي لعقد العمل إلا من جانب العامل وحده إن كان العقد غير محدد المدة،و بشرط أن يخطر الإدارة أو صاحب العمل،فإن كان العقد محدد المدة لا يستطيع الطرفان المتعاقدان التحرر من التزاماتهم التعاقدية قبل نهاية العقد خلافاً للحكم في عقد الوكالة؛
2-تحتفظ المحاكم بحق تخفيض مقدار الأجر الموعود إلى الوكيل إذا رأت أنه يتجاوز الخدمات التي أداها إلا إذا دفع الموكل أجر الوكيل طوعاً بعد تنفيذ الوكالة (المادة 581 قانون مدني)،بينما لا تستطيع المحاكم تخفيض تعويض العامل بالحجة نفسها و لا زيادته بحجة عدم كفايته،و بكلمة أخرى إن تعويض العامل صفة الأجر المقطوع الذي لا يتوقف مقداره إلا على العقد و ليس للمحاكم سوى ملاحظته؛
3-إن النصوص بخصوص حماية الأجور كالتي تنظم طريقة الصرف ، الحجز ، التنازل ، التقادم        و ضمانات الدفع،و نصوص تنفيذ العمل كالتي تنظم المدة اليومية ، الأسبوعية ، الإجازات المأجورة   و التعويض في حالة الحوادث أو المرض لا تنطبق كقاعدة عامة إلا على أصحاب عقود العمل؛
4-إن موت العامل دون أن يكون ورثته مضطرين للحلول محله بينما لا يوجد فسخ في حالة موت صاحب العمل إلا إذا كان العقد قد أبرم أساساً باعتبار شخصيته،و بالعكس إن موت الموكل يضع حداً لعقد الوكالة (المادة 586 قانون مدني)،و لكنه في حالة انتهاء الوكالة بموت الوكيل يجب على ورثته إذا توفرت فيهم الأهلية و كانوا على علم بالوكالة أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مورثهم و أن يتخذوا من التدابير ما تقتضيه الحال لصالح الموكل (المادة 589 فقرة 2 قانون مدني).






عقد العمل و عقد المقاولة.
   الواقع أن بين العقدين تشابه كبير سواء في القانون الجزائري أم في القانون المقارن، ففي أحدهما أو في الآخر يلتزم طرف قِبل الآخر بتجهيزه بمنفعة العمل مقابل عوض،إن المتعهد كالأجير يعد صاحب العمل بتنفيذ عمل مأجور.
   يتبين ذلك بوضوح من مقارنة تعريفي فكرة علاقة العمل بعقد المقاولة،فبموجب المادة 549 قانون مدني "المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يضع شيئاً أو أن يؤدي عملاً مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر".
فائدة التفريق.
   في الواقع لم يكن للتفريق في الماضي أهمية بالغة لسبب خضوع كلا العقدين إلى مبدأ استقلال الإرادة،و لكن أهميته قد ازدادت بقدر ازدياد وضع التشاريع لصالح العمال الأجراء حتى غدت تمثل اليوم أهمية كبيرة فيما يلي:
1-هناك تضاد واضح بين عقد المقاولة و عقد العمل من ناحية الأضرار التي تلحق بالعامل نتيجة تنفيذ العقدين،ففي العقد الأول لا يُسأل طالب العمل بحكم القانون عن كل حادثة تقع للمتعهد،فإن تعرض لحادثة خلال العمل المتفق عليه تطبق أحكام الفصل الثالث (العمل المستحق للتعويض) من الباب الأول من الكتاب الثاني من القانون المدني، وهي: المسؤولية عن الأعمال الشخصية،و المسؤولية عن عمل الغير،و المسؤولية الناشئة عن الأشياء،بينما تتحقق مسؤولية صاحب العمل أو مؤسسة الضمان الاجتماعي للعمال بسبب حوادث عمل أو أمراض مثبتة قانوناً،إلا إذا ثبت أن العامل تعمد إصابة نفسه أو إذا حدثت الإصابة بسبب سوء سلوك فاحش و مقصود من قبل المصاب،و يعتبر في حكم ذلك الإصابة التي تحل بالعامل و هو تحت التأثير الشديد للخمر أو المخدرات،أو الإصابة التي تحدث بسبب مخالفته بشكل صريح متعمد لأنظمة و تعليمات الوقاية المعلنة في مقر العمل أو بسبب خطأ فادح منه،أو بسبب اعتدائه على الغير،فإذا ثبت أن العامل قد ارتكب أحد الأفعال المكونة للخطأ الجسيم فهو لا يفقد حقه بالتعويض فحسب و إنما قد يتعرض لإنهاء عقده من قِبل صاحب العمل؛
2-لا يُسأل العامل عن خسارة محل الالتزام و يؤجر عن عمله و ذلك لالتزامه بوسيلة،أي بأداء عمله وفقاً لشروط التعاقد فحسب بل إنه يستحق أجره أحياناً و إن لم يعمل،و ذلك في الحالات المنصوص عليها صراحة في القانون و التنظيم؛
   أما في عقد المقاولة إذا هلك الشيء بسبب حادث مفاجئ قبل تسليمه لرب العمل فليس للمقاول أن يطالب لا بثمن عمله و لا برد نفقته،و يكون هلاك المادة على من قام بتوريدها من الطرفين (المادة 568 فقرة 1 قانون مدني)؛
3-تتمتع الديون المستحقة للعمال كالأجور و تسبيقات الأجور بأعلى درجات الامتياز على جميع أموال صاحب العمل المدين المنقولة و غير المنقولة،و تستوفى بكاملها،و قبل غيرها من الديون الممتازة (الضرائب و مستحقات الخزينة)،بما في ذلك المبالغ المستحقة لخزينة الدولة و الضمان الاجتماعي مهما كانت طبيعة العمل و مدتها "تمنح الأفضلية لدفع الأجور و تسبيقاتها على جميع الديون الأخرى بما فيها ديون الخزينة و الضمان الاجتماعي مهما كانت طبيعة علاقة العمل"( المادة 89 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل)،بينما ليس للمقاول على العموم ضمانات مماثلة؛
4-إن القواعد الضامنة لأجر العامل لا تتعلق كقاعدة عامة إلا بتعويض الأجير و لا تخص ربح المقاول فقد وردت بالمادة 90 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل "لا يمكن الاعتراض على الأجور المترتبة على المستخدم كما لا يمكن حجزها أو اقتطاعها مهما كان السبب حتى لا يتضرر العمال الذين يستحقونها"؛
5-اختلاف القواعد المتعلقة بإنهاء كلا العقدين،إذ لا يستطيع صاحب العمل في عقد العمل إنهاء علاقته بالعامل إلا لأسباب قانونية محددة،بينما يجوز لرب العمل في عقد المقاولة إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم بعمل على وجه معيب أو منافٍ للعقد أن ينذره بأن يعدل عن طريقة التنفيذ خلال أجل معقول يعينه له،فإذا انقضى الأجل دون أن يرجع المقاول إلى الطريقة الصحيحة،جاز لرب العمل أن يطلب إما فسخ العقد و إما أن يعهد إلى مقاول آخر بإنجاز العمل على نفقة المقاول الأول (المادة 553 قانون مدني).

معايير التمييز بين عقد العمل و عقد المقاولة.
   يبدو للوهلة الأولى من مقارنة تعريف عقد العمل بتعريف عقد المقاولة أن محل عقد العمل مماثل لمحل عقد المقاولة (عمل مقابل أجر)،و هنا تكمن صعوبة التفريق،و للتغلب على هذه الصعوبة اقترحت عدة معايير غير أن أياً منها لا يكفِ لإزالة الإشكال،فلنستعرضها و نختبر الحجج المؤيدة و الحجج المعارضة لتطبيقها:
أ-معيار طريقة التعويض.
   رأى جزء هام من الفقه الفرنسي في القرن الـتاسع عشر أن التفريق ينبغي أن يجري على أساس تعويض العمل وفقاً للزمن المكرس للعمل أو وفقاً لأهمية العمل،هناك عقد عمل حينما يحتسب التعويض على أسس الزمن الذي كرس للعمل( بالساعة،أو اليوم،أو بالأسبوع أو بالشهر)،و عقد مقاولة حينما يحتسب تبعاً لأهمية العمل،لقد قدّر هؤلاء الكُتَّاب جواز إضفاء صفة المقاولة لا بالنسبة لرئيس المشروع الذي يستخدم العمال فحسب و إنما بالنسبة لغيره من العمال المستقلين أيضاً،أياً كان وضعهم الاقتصادي و الاجتماعي طالما يعوضون وفقاً لكمية أو نوعية العمل الذي يُؤَدونه.
النقد: لقد نبذ الفقه الحديث هذا المعيار لأنه غير مؤكد أن المقاول عندما يشتغل بنفسه لا يكون سوى عامل قطعة وضعه الاجتماعي يقترب كثيراً من وضع العامل البسيط،إن طريقة احتساب الأجر بموجب القطعة تأخذ بعين الاعتبار دائماً قدرة إنتاج العامل خلال وحدة زمنية،و هي لا تختلف عن الأجر بمعدل الزمن إلا لكونها تدفع العامل إلى تعجيل العمل و الأجر مع ذلك يبقى أجراً لا علاقة بينه و بين ربح المقاول،فضلاً عن ذلك قد تتوافق هاتان الطريقتان حين يضاف إلى الأجر الأساسي المحتسب بنسبة الزمن تعويضات عن الإنتاج،و يلاحظ أيضاً أن بعض الأعمال التي تنجز في نفس المصنع تنفذ تبعاً لطبيعتها حسب الزمن أو حسب القطع،و بالتالي يتساءل البعض لماذا يُحمى العامل الذي يشتغل حسب الزمن بقوانين اجتماعية و يحرم من هذه الحماية رفيقه الذي يعمل حسب القطعة.


ب-معيار محل العقد.
   إن ما يَعِد به المقاول بإبرامه عقد المقاولة بموجب هذه الفكرة التقليدية هو تقديم حاصل أو نتيجة معينة،بينما لا يلتزم الأجير إلا بتقديم نشاطه أو قوة عمله،و بالتالي لا يلزم الأجير إلا بتقديم نشاطه  أو قوة عمله،و بالتالي لا يلزم طالب العمل للدفع إلى المقاول ما دام لم يتم الوصول إلى النتيجة المشتركة،بينما يستحق العامل في عقد العمل أجره و إن لم تدرك النتيجة المرتقبة (تلك هي حالة العامل المستخدم لإجراء بحوث أو اختراع)، لا ريب في ارتقاء أصل هذا المعيار إلى القانون الروماني حيث قوبلت إجارة العمل (عقد المقاولة) بإجارة الخدمات (عقد العمل)،أما في الاصطلاحات الحديثة فتقابل هذه التفرقة بين الالتزام بوسيلة (ببذل عناية) و الالتزام بنتيجة.
نقد: يعاب على هذا المعيار أنه غير دقيق، ذلك أن البعض ممن ينفذون أعمالهم مستقلين يقتصرون على الوعد بتقديم عنايتهم دون الذهاب إلى درجة الوعد بتقديم نتيجة،و بالعكس يتعهد بعض الأجراء بتنفيذ عمل معين خلال الوقت الضروري لإنجازه،فهم يضعون إذا قوة عملهم في خدمة صاحب العمل و لكن لغرض تحقيق نتيجة منشودة،و تلك حالة العمل بالمقطوع، كما أن الوقائع تكذب هذا المعيار،إن الأجير لا يتعهد مطلقاً بالقيام بأي عمل مهما كانت طبيعته بناءاً على طلب صاحب العمل،صحيح أن محل خدماته ليس محدداً بوضوح دائماً كما هو الحال في عقد المقاولة،إلا أنه لا يقل تحديداً و لا يحق لصاحب العمل أن يفرض على أجير مهمة لا تدخل في الإطار الاعتيادي لنشاطه،هذا و إذا كان لصاحب العمل حقاً الإقدام على إعادة تنظيم مشروعه فإنه لا يستطيع القيام بذلك اعتباطاً،أو اتخاذ هذا التنظيم ذريعة لإنزال عقوبات مستترة ببعض العمال بنقلهم إلى وظائف تقل فيها الأجور و التعويضات عنها في وظائفهم الأصلية أو تختلف في طبيعة العمل.
معيار التبعية القانونية.
    إن الانتقادات التي نهضت بوجه فكرة التبعية الاقتصادية الاجتماعية غير الدقيقة حذت بغالبية الفقه  و القضاء الحديثين إلى الاعتراف بالتفريق ما بين العقدين على أساس وجود رباط التبعية القانونية بين العامل و صاحب العمل،يتضمن عقد العمل تبعاً لهذا المفهوم السلطة لصاحب العمل على شخص العامل تسمح له بتوجيه التعليمات أو إصدار الأوامر سواء تعلقت بطريقة العمل،       أو بنوعية أو كمية الأشياء المطلوب إنتاجها، عكس ذلك ينفذ المقاول عمله وفقاً لمزاجه باستثناء بعض التوجيهات العامة التي يحددها له رب العمل، و لا يلتزم إلا بتقديم عمل معين؛
بقي أن نشرح محتوى التبعية و كيفية تقديرها:
     تختلف التبعية عن الالتزامات التي تترتب على المقاول،و لكن كيف تتميز رقابة صاحب العمل لأجرائه عن الفعل الذي يزاوله طالب العمل على المقاول؟ تتصل أوامر السيد في عقد المقاولة بتوجيه العامل للعمل،إن السيد يعرب عن رأيه بشأن العمل الذي يروم الحصول عليه و بشأن الهدف الذي ينوي بلوغه،بينما يحتفظ المقاول باستقلاله التام فيما يختص بوسائل التنفيذ،أما في عقد العمل فالوضع مختلف،إن الأوامر تنصب مباشرة على تنفيذ العمل دون أن يترك أمره إلى مبادرة العامل،إن وسائل    و طرق التنفيذ تفرض على الأجير.
    و يجب أن تتقرر التبعية بالسلوك الفعلي لمجهز الخدمات، فلا يجوز لتكييف العقد التحري عما إذا كانت للفرد خبرة أو دراية كافية للعمل بحرية،إن ما يهم هو بالعكس التحقق من الظروف التي أنجز فيها العمل.









عقد العمل و الشركة.
    تعرف الشركة بأنها" عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل،على أن يقتسموا ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة"،   و من مقارنة هذا التعريف بتعريف عقد العمل يظهر أن هناك احتمال للخلط بين هاذين العقدين لسبب:
أ-أن كلاً من العقدين يتطلب مساهمة الأطراف،صحيح أن سهم الشريك يقوم على العموم بمساهمة نقدية أو عينية و لكن يجوز أن يقوم بصناعته أيضاً،فيكون مثل سهم الأجير الذي يتألف من تقديم قوته البدنية أو قابليته الفكرية تماماً؛
ب-يتعاون الطرفان ظاهرياً في كل من العقدين في عملية الإنتاج،و يتوقف ازدهار المشروع على جهودهما؛
ج-يتضمن عقد الشركة مساهمة الشركاء في أرباح الشركة،و للأجراء أيضاً بعض الأحيان نسبة من أرباح المشروع.
فوائد التفريق.
تبدو فوائد التفريق واضحة  إذا علمنا أن :
أ-الشريك يتحمل من حيث المبدأ خسائر الشركة، و الأجير معفى منها؛
ب-الشريك يشارك اعتيادياً في الإدارة،و الأجير يُدار من قبل صاحب العمل؛
ج-الشريك لا ينتفع من نصوص تضمن حصته في أرباح الشركة،و للأجير امتياز عام بالنسبة لحصته في الأرباح،و بالنسبة للأجرة، أو الأجر، و مخصصاته و تعويضاته على أصحاب العمل؛
د-لا يمكن فصل الشريك من قِبل شريكه بينما يستطيع صاحب العمل فصل العامل إذا تحققت إحدى الأسباب القانونية للفصل،
ه-إن النصوص التي تنظم إنهاء الشركة تختلف عن النصوص التي تنظم إنهاء علاقة العمل.
معايير التفريق بين عقد العمل و الشركة.
   إن جميع هذه الاختلافات تجعل المعايير التي اقترحت لتفريق الشركة عن عقد العمل أمراً هاماً،و تلك المعايير هي:
أ-معيار التبعية: يقف جميع الشركاء في الشركة على قدم المساواة بما فيهم الشريك الذي يتكون سهمه من صناعة،إذ لا يخضع الأخير إلى سلطة الشركاء و لا يتلقى منهم الأوامر،و يشترك في إدارة المشروع اشتراك من قدموا رؤوس الأموال،يقابل ذلك أن مشاركة الأجير الاتفاقية في الأرباح لا تغير شيئاً في حالة تبعيته،و لا تمنحه أي حق بالاشتراك في الإدارة،إن تبعية الأجير تتعارض مع مبدأ تساوي الشركاء؛
ب-معيار التعويض: إن أهمية معيار التعويض تظهر خاصة عندما  يقارن الشريك الذي يساهم بعمله في الشركة بالعامل في عقد العمل في حالة خسارة المشروع،إن الربح في الشركة احتمالي،قد يحقق الشريك أرباحاً و قد يحقق الخسارة،و عكس ذلك يتسلم العامل في عقد العمل تعويضاً ثابتاً أيا كانت نتيجة المشروع،و لكن ما الحكم لو أن عقد الشركة قد نص على إعفاء أحد الشركاء من المساهمة في الخسائر؟يجب إبطال الشرط في القانون الفرنسي المادة 1358 قانون مدني فرنسي،و إبطال عقد الشركة في القانون الجزائري،على أنه يجوز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم سوى عمله من كل مساهمة في الخسائر على شرط ألا يكون قد قررت له أجرة ثمن عمله (المادة 426 قانون مدني)،  و لكن هذا الحكم غير مقنع لتحريفه إرادة المتعاقدين إذ قد يكون هذا الشرط جوهرياً بين شروط عقد الشركة و ليست فيه مخالفة للنظام العام،و لكنه مع أن هذا النص يتضمن جواز إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسائر إذا لم يكن  الأجر عن هذا العمل ليس هذا الاستثناء،كما يلاحظ ذلك بحق "مصطفى كمال طه" إلا ظاهرياً أكثر منه حقيقياً،لأن الشريك بالعمل الذي لا يتقاضى أجراً عنه قد تحمل في الخسارة ضياع وقته و جهده بلا مقابل؛
ج-معيار هدف الشركاء: ينبغي بموجب هذا المعيار القول بوجود شركة حينما يكون لكل شريك مصلحة في بلوغ هدف الشركة و هو الربح غالباً،و عندما يشارك بأية كيفية في تحقيق هذا الهدف،    و يدعم التنظيم المشترك بوعي و يحتفظ لنفسه بصوت في المداولات في إدارة الشركة.
     إن عقد العمل مع المشاركة بأرباح المشروع يتميز عن عقد الشركة بالفرق الواضح من الغرض المستهدف،قد يعتقد البعض بسبب هذه المشاركة،بوجود عقد شركة، كلٌ يقدم حصة:صاحب العمل يجلب الزبائن و رأس المال و العامل يقدم صناعته،لكن ذلك مع ذلك ليس بعقد شركة بل عقد عمل ينص على أجرٍ متغير ذي صفة احتمالية،كما أن إرادة الطرفين لم توضع موضع إرادة الشركاء بعضهم قِبل البعض الآخر،إن الهدف من اشتراك العامل في الأرباح هو تنشيط الإنتاج و إن له دائماً أجراً مقابل أدائه لالتزاماته بصرف النظر عن واقع تحقيق المشروع أو عدم تحقيقه غرض شركائه أو بعض الأرباح.
   و لنلاحظ أخيراً أن مركز الشريك لا يستبعد مقدماً إمكانية إبرامه عقد عمل مع شركة،و هناك في تلك الحالة تعايش بين العقدين.
   * يمكن الاستنتاج من مختلف هذه المعايير بأنه لا يوجد على العموم عقد شركة إذا لم يوجد هدف مشترك و لا مشاركة في الخسائر،و إن تحققت تبعية أحد الطرفين بالنسبة للطرف الآخر، هكذا قضي في فرنسا بأنه:
أ-لا يمكن تشبيه رؤساء العمل الذين يأخذون على عاتقهم مسؤوليات هامة يتوقف عليها تطوير الإنتاج بالشركاء لأنهم لا يتقاضون نسبة من أرباح الصفقات،إن طريقة التعويض هذه لا تتفق مطلقاً مع الشركة؛
ب-لا يؤلف عقد شركة و إنما عقد عمل الاتفاق الذي يمنح بموجبه صاحب عمل إلى مستخدم في متجره أو إذا كانت جزءاً من أرباح بيته التجاري أو مكتب دراسته،خاصة إذا لم يلتزم الأخير بالمساهمة في الخسائر ما لم يفهم من أحكام الاتفاق أو من بعض الظروف أن الطرفين أرادا الارتباط بعقد شركة حقيقي،تلك مسألة وقائع متروكة لتقدير المحاكم.غير أنه يجب الاعتراف كقاعدة عامة بوجود عقد شركة حقيقي بين صاحب العمل و مستخدم المتجر المعني (إذا قدم هذا الأخير فضلاً عن صناعته حصة نقدية عرضة إلى مخاطر المشروع، و تمتع بشيء من الرقابة و الإشراف،و إذا لم يكن بالإمكان فصله بإرادة منفردة مثلما يفصل المستخدم أو الأجير).
ج-يجب اعتبار أجير المشروع الذي يصبح في نفس الوقت مساهم في هذا المشروع مرتبطاً بالعقدين كل على انفصال،و قضي هكذا بالنسبة لشريك في تعاونية أصبح مستخدماً في تلك الشركة،و اعتُرِّف بوجود العقدين جنباً إلى جنب بالنسبة للأجير الذي يحقق اختراعاً في مجال علمي،دون أن يكون مخولاً سلفاً بإجراء البحوث،لقد حللت الروابط القانونية بخصوص استثمار الاختراع بعقد شركة واقعية بين العامل و صاحب العمل،أو بعقد اشتراك في الملكية يعلو.














انعقاد علاقة العمل.
    نصت المادة 8 فقرة 1 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل على أنه "تنشأ علاقة العمل بعقد كتابي أو غير كتابي و تقوم هذه العلاقة على أية حال بمجرد العمل لحساب مستخدم ما"،      و كانت تنص المادة 51 فقرة 1 من القانون الأساسي العام للعامل 78-12 (الملغى) على أنه "تنشأ علاقة العمل بتعاقد مكتوب أو غير مكتوب و تقوم هذه العلاقة في جميع الحالات بمجرد العمل لحساب مؤسسة مستخدمة"،يستفاد من هذين النصين أن روابط العمل تقوم بين طرفي علاقة العمل في حالتين:
الحالة الأولى بإبرام عقد عمل مكتوب أو شفوي،أما الثانية فبمجرد قيام العامل بأداء خدماته لحساب صاحب عمل في القطاع الخاص أو لحساب مؤسسة مستخدمة.
    ينتسب عقد العمل إلى العقود الرضائية أساسه مبدأ حرية العمل و التعاقد،و يتم بالتقاء إرادة الطرفين المتعاقدين،و يخضع في ذلك إلى قواعد القانون العام،و لكنه يتميز مع ذلك بشروط انعقاد خاصة،و بقيود ترد على حرية العمل رعاية للصالح العام.
   إن الرضا في هذا العقد لا ينصب على جميع المسائل التي يتضمنها التعاقد بل يقتصر في الغالب على المنصب أو المهام التي يعهد بها إلى العامل،أي على بيان طبيعة العمل المطلوب تنفيذه،و مقدار الأجر الأساسي ، ملحقاته، مكان الاستخدام، فترة التجربة و مدة العقد المحدد المدة،و تترك بقية الأمور التفصيلية إلى أنظمة العمل الداخلية و عقود العمل الجماعية.
   و لنلاحظ أن تحرير عقد العمل لا يجعل منه عقداً شكلياً كعقد الرهن الرسمي مثلاً،و إنما يُراد به تسهيل إثبات الحقوق و الالتزامات المتبادلة بين أطرافه في حالة وقوع خصومات بشأنها.
    و بالنسبة لأهلية التعاقد لا يتضمن القانون أحكام خاصة بأهلية صاحب العمل فتطبق بشأنها القواعد العامة في الأهلية،لاسيما المادة 78 و ما يليها من القانون المدني المتعلقة بأهلية القصر        و المحجور عليهم و فاقدي الأهلية.
   أما أهلية العامل القاصر فقد خرج المشرع بخصوصها عن القواعد العامة،إذ يحدد السن الأدنى لتشغيل العمال لا يقل عن ستة عشر (16) سنة،مع تحديد الشروط التي بموجبها يتم تشغيل القاصر وفقاً للتشريع المعمول به.
     و لما كان تشريع العمل الجزائري لا ينطوي على أحكام خاصة بعيوب الرضا التي قد تشوب إرادة الطرفين المتعاقدين في عقد العمل تطبق بشأنها أحكام عيوب الإرادة في القانون المدني،و عليه يجوز إبطال عقد العمل إذا أُكره أحد المتعاقدين على إبرامه تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق (المادة 88 فقرة 1 من القانون المدني)،إن وقوع الإكراه في عقود العمل نادر الحدوث،و إن حدث فإنه من الصعب إثباته،و مثاله تهديد ممثل يقوم بدور أساسي بالامتناع عن أداء دوره ما لم تضاعف أجوره قُبيْل العرض.
    أما الغلط فبموجبه يكون العقد قابلاً للبطلان إذا وقع أحد طرفيه في غلط جوهري لولاه لما أقدم على التعاقد،و يتحقق الغلط في شخص العامل أو في صفة جوهرية من صفاته،فقد يتوهم صاحب العمل عند التعاقد توافر مؤهل معين لدى العامل (كالطبيب، الصحفي أو المحاسب...إلخ)،و قد يقتضي القيام بالعمل توافر صفة أساسية كحسن السمعة (كالمدرس أو المربية...إلخ)، أو الانتماء إلى ديانة معينة.
    أما الاستغلال فيتمثل في طيش بيِّن أو الهوى الجامح لدى المتعاقد الآخر،فقد يستغل صاحب فرقة فنية الهوى الجامح لدى فنان ناشئ  فيتعاقد معه لقاء أجر لا يتناسب البتة مع مؤهلاته و مواهبه.
    و أخيراً يلزم لانعقاد عقد العمل أن يكون محل الالتزام ممكناً،فإذا كان مستحيلاً في ذاته كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً (المادة 99 قانون مدني).
    و يبطل كذلك إذا كان محله ممنوعاً قانوناً أو مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة،كإدارة محل للقمار أو ارتكاب جريمة (المادة 93 قانون مدني).


آثار عقد العمل.
   تترتب على عقد العمل التزامات متقابلة على عاتق طرفيه،منها التزام العامل بأداء العمل المشترط وفقاً لمبادئ حسن النية لمصلحة صاحب العمل و تحت إشرافه،و التزام صاحب العمل بدفع الأجر المتفق عليه أو أجر المثل في حالة تخلف الاتفاق.
كما أن الطرفين يتمتعان بحقوق و يلتزمان بواجبات مصدرها بقية مصادر قانون العمل الرسمية         و الحرفية و الدولية،و هذه الالتزامات كما يلي:
أولاً: التزامات العامل.
1-أداء العمل المتفق عليه.
     نصت المادة 27 من القانون الأساسي للعامل (الملغى)،أنه "ينبغي للعامل مهما كانت رتبته في التنظيم السلمي أن يقوم بجميع المهام المرتبطة بمنصب عمله بوعي و بفعاليه،مع مراعاة القانون         و الأحكام التنظيمية و الانضباط و التعليمات السلمية،و أن يبذل ما في وسعه من قدرة مهنية منتجة و مبدعة يدفعه إلى ذلك الاهتمام المستمر بتحسين نوعية عمله،و زيادة الإنتاج و الإنتاجية"، و جاء في المادة 7 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل أنه يخضع العمال في إطار علاقات العمل للواجبات الأساسية التالية:
- أن يؤدوا بأقصى ما لديهم من قدرات الواجبات المرتبطة بمنصب عملهم و يعملوا بعناية و مواظبة في إطار تنظيم العمل الذي يضعه المستخدِم؛
-أن يراعوا الالتزامات الناجمة عن عقد العمل،يتضمن التزام العامل في تنفيذ العمل المتفق عليه في عقد العمل أو المحدد ببيان منصب العمل،أن ليس باستطاعة صاحب العمل أو إدارة العمل أن تكلف العامل بعمل يختلف عن العمل المتفق عليه،إلا في حالتين:
الحالة الأولى: إذا دعت الضرورة إلى منع وقوع حادث أو إصلاح ما نجم عنه من ضرر،مثال ذلك وجوب امتثال العامل لأوامر صاحب العمل إذا طلب منه ترك عمله الأصلي و الإسراع في التصدي إلى خطر محدق بأمواله بسبب احتمال حرق مصنعه،أو غرق باخرته أو انهيار منجمه؛
الحالة الثانية: القوة القاهرة كأن تقع حرب تمنع وصول المواد الأولية التي يحتاج إليها صاحب العمل لتشغيل جزء من عماله،فيضطر إلى تشغيلهم بغير أعمالهم؛
   فإذا توافرت حالة الضرورة أو القوة القاهرة لا يجوز للعامل أن يرفض أداء ما يكلف به من أعمال اقتضتها هذه الظروف و لكن هذا يكون بصفة مؤقتة،فهو رهن بقاء الظروف التي دعت إليه،بحيث يلزم إعادة العامل إلى عمله الأصلي بمجرد زوال حالة الضرورة أو القوة القاهرة التي دعت إلى تغيير العمل،فإذا لم يقدم رب العمل الدليل على قيام حالة الضرورة أو القوة القاهرة التي اقتضت تشغيل العامل في عمل يختلف اختلافاً جوهرياً عن عمله الأول،و امتنع العامل عن العمل المكلف به،فاضطر صاحب العمل إلى فصله يعد هذا الفصل تعسفياً،و على العامل أن يبذل في أدائه لعمله عناية الشخص المعتاد،و ذلك بالطبع في الحالات التي لا تحدد فيها درجة العناية المطلوبة من العمال،إذ يجوز الاتفاق على بذل عناية أكبر أو الاكتفاء بعناية الأقل،و الاتفاق على ذلك قد يكون صراحة و قد يكون ضمناً يستنتج من ظروف التعاقد،مثال ذلك أن يستخدم صاحب العمل عاملاً على درجة عالية من الكفاءة و يدفع له أجراً أكبر من الأجر العادي،فيستنتج من ذلك أنه يريد منه أن يبذل عناية أكبر من عناية الشخص المعتاد،و على العكس قد يستنتج رضاء صاحب العمل بعناية أقل من استخدامه عاملاً يعمل بضعف كفاءته.
2-الامتثال لأوامر صاحب العمل.
    يستخلص هذا المبدأ من جميع نصوص تشريعات العمل التي تسطر التزامات العامل،لاسيما نص المادة 36 من القانون الأساسي للعامل(الملغى) القاضية بأنه " ينفذ العامل بكل ما لديه من إمكانيات مهنية جميع التعليمات المتعلقة بالعمل الذي يتسلمه من الأشخاص المؤهلين سُلَّمياً و لا يمكن للعامل أثناء القيام بعمله أن ينفذ تعليمات أو يسعى لاستصدار تعليمات من قِبل أشخاص طبيعيين         أو معنويين من غير الأشخاص المعينين و النظام السلمي للمهنة"،ورد في المادة 7 فقرة 4 من قانون علاقات العمل "أن ينفذوا التعليمات التي تصدرها السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء ممارسته العادية لسلطاته في الإدارة".
إن على العامل إذاً أن يتقبل الخضوع الملازم لعلاقة العمل،فيأتمر بأوامر صاحب العمل أو إدارته      أو ممثليها،إن لم تكن تلك الأوامر مخالفة للعقد أو للقانون أو الآداب العامة،و بشرط ألا يتعرض العامل إلى خطر.
و يتوجب على العامل أيضاً الخضوع إلى الانضباط العام في المنشأة باحترام نظامها الداخلي          أو تعليمات العمل إن وجدت،و إلا حُقَّ للإدارة فرض العقوبات عليه بموجب النظام المقرر في قانونها الأساسي أو بموجب السلطة التأديبية التي تملكها الإدارة بما لها من حق الإشراف عليه،كما يجب عليه أن يمتنع عن وضع تعليمات لتسيير العمل أو تنظيمه إن لم يكن مخولاً لوضعها،أو أن يستصدرها من جهات ليست مخوّلة بموجب النظام العام المتدرج للمؤسسة التي يعمل فيها،و له أن يرفض تعليمات    و توجيهات هذه الجهات مهما كانت مكانة من أصدرها و إلا تعرض لعقوبات مدنية و جزائية.
3-الاحتفاظ بأسرار العمل.
    تلزم بذلك صراحة المادة 37 من القانون الأساسي للعامل (الملغى) بنصها على أن العامل ملزم بالسر المهني،كما نصت المادة 7 فقرة 9 من قانون علاقات العمل على "ألا يفشو المعلومات المهنية المتعلقة بالتقنيات التكنولوجية، و أساليب الصنع، وطرق التنظيم،و بصفة عامة ألا يكشفوا مضمون الوثائق الداخلية الخاصة بالهيئة المستخدمة،إلا إذا فرضها القانون أو طلبتها سلطتهم السلمية".
يعد هذا الالتزام نتيجة منطقية لمبدأ حسن النية الذي يجب أن يسود علاقات العمل المتقابلة،و بموجبه يقتضي أن يحفظ العامل أسرار المهنة لاسيما المهن التجارية أو الصناعية التي قد يسبب إفشاؤها ضرراً مادياً أو معنوياً للإدارة أو لصاحب العمل،و لا يقتصر التزامه بعدم إفشاء أسرار المهنة خلال مدة عقد العمل فحسب،بل يبق سارياً حتى بعد انقضاء العقد،و إلا باستطاعة العامل بيع أسرار صاحب العمل المهنية إلى منافسيه بعد تركه العمل مباشرة و يبقى العامل ملتزم إلى أن تفقد الأسرار أهميتها،و تلك مسألة وقائع يعود تقديرها إلى قاضي النزاع،في حالة غياب اتفاق يحدد مدة الامتناع عن المنافسة      و الراجع أن التزام العامل قاصر على عدم كشف الأسرار إلى الغير،و بإمكانه استعمالها لصالحه،و لما كان مثل هذا الاستعمال يتضمن منافسة خطيرة لصاحب العمل تشترط عقود العمل الفردية         و الجماعية غالباً شروطاً تمنع العامل من المنافسة بعد انتهاء  العقد.
التزامات صاحب العمل أو الإدارة.
أولاً:الأجر.
   يقصد بالأجر أساساً كل ما يدخل ذمة العامل مقابل العمل الذي يؤديه لتنفيذ عقد العمل،      أو بموجب علاقة العمل و ذلك أياً كان الاسم الذي يطلق عليه، و أياً كانت الطريقة التي يحتسب بمقتضاها،و أياً كانت الصور و الأشكال التي يتخذها،الأجر إذاً هو المقابل القانوني للعمل،و يعني ذلك أن بين العمل و الأجر ارتباط وثيق يقوم على فكرة السبب التقليدي في العقود الملزمة لجانبين،حيث يعتبر سبب التزام كل من المتعاقدين هو التزام المتعاقد الآخر،فسبب التزام صاحب العمل في دفع الأجر هو التزام العامل بأداء العمل،و سبب التزام العامل بأداء العامل هو التزام صاحب العمل بدفع الأجر.
و الأجر غالباً ما يتضمن عنصراً أساسياً ثابتاً و عنصراً متغير،يحتسب العنصر الثابت ليضمن للعامل الحد الأدنى لمعيشته أو لما يستحقه من تعويض يتناسب مع جهده المبذول و نوعيته،يضاف إليه العنصر المتغير لتحريك همة العامل لجعله ينتفع من الربح الذي يكسبه صاحب العمل،أو المؤسسة المستخدمة من عمله،و يمكن تحقيق ذلك بصور متعددة نذكر منها منح العامل تعويضات عن خبرته  و جهده الإضافي أو حصصاً في الإنتاج.
كيفية حساب الأجر.
أ-حساب الأجر بالزمن: و يتحدد أجر العامل وفقاً لهذا الأسلوب على أساس الحيز الزمني الذي يستغرقه القيام بالعمل على أساس قدر الإنتاج،و من قبيل ذلك أن يتم حساب الأجر بالساعة،     أو باليوم ،أو بالأسبوع، أو بالشهر.
و تحقق هذه الطريقة ميزة رئيسية للعامل هي أن يحصل على أجره بمجرد قيامه بالعمل خلال الحيز الزمني المتفق عليه،و بغض النظر عن كمية الإنتاج التي أنتجها.و قد تحقق هذه الطريقة للسبب السابق بعض الأضرار بالنسبة لصاحب العمل،حيث أنه يلتزم بالأجر بالقدر المتفق عليه رغم ضآلة ما يقدمه العامل من إنتاج خلال مدة زمنية معينة.
ب-حساب الأجر بالقطعة: إن هذه الطريقة تعد أفضل لصاحب العمل من الطريقة السابقة،فهو لا يدفع من الأجر إلا بقدر ما يحصل عليه من إنتاج،كما أنه يزيد من دخل العامل النشيط بزيادة ما يبذله من جهد في الإنتاج.و رغم ذلك فإن لها مساوئها:فبالنسبة لصاحب العمل قد يضر النظام المذكور بالكيف لصالح الكم،أما بالنسبة للعامل فإن الأجر بالقطعة قد يحرمه من ميزة استقرار الدخل إذ قد يتعرض لنقصان الدخل بسبب ظروفه الصحية،أو أن الحماس الزائد في الإنتاج يدفع بالعامل إلى إهمال صحته و عدم مراعاة الحدود المعقولة فيما يبذله من جهد.
ج-الطريقة المزدوجة: إذا كان لكل من الطريقتين السابقتين مزايا و عيوب،فإن هذه الطريقة تحاول الاستفادة من مزايا الطريقتين،حيث تعمد التشريعات العمالية الحديثة على الأخذ بالطريقتين معاً،حيث تحدد الأجر الأساسي و بعض ملحقاته الدائمة و الثابتة وفق الطريقة الأولى (حسب الزمن)،أي على أساس وحدة حساب زمنية محدد ة هي في الغالب شهر،أما العلاوات و المكافآت و الحوافز التشجيعية فيتحدد أحياناً أو على الأقل البعض منها على أساس الطريقة الثانية (معيار المردودية)،سواء المردودية الفردية أو الجماعية،و تضمن هذه الطريقة للعامل قدراً من الأجر الثابت و بالتالي قدراً من الاستقرار في دخله، مع إعطائه الفرصة لزيادة أجره عن طريق الحوافز و المكافآت.
ثانياً:الالتزام بمراعاة الحد الأعلى لساعات العمل اليومية و منح إجازات العمل.
1-مراعاة الحد الأعلى لساعات العمل اليومية.
         إحتدم النقاش قديماً بين اللبراليين و أنصار التدخل حول هذه المسألة،ادعى الأولون أن تقليص وقت العمل يؤدي حتماً إلى خفض الإنتاج و أكدوا أن التدخل التشريعي في هذا المجال،ينعكس ضد مصالح العمال لأنه يؤدي إلى تخفيض أجورهم،أما أنصار التدخل فقد رفضوا هذين الاعتراضين بحجة أن:
1-تحديد حدود العمل بحدود معقولة لا يؤثر على الإنتاج،إذ يجب الاعتداد بالعمل المنتج وحده،أما العمل الطويل فإنه يضاعف الوقت الضائع؛
2-يمكن تجنب انخفاض الأجور بنصوص تشريعية،تحرم خفض التعويض إثر تقليل ساعات العمل.
    أما اليوم فقد انتهت هذه الخلافات،و فرض تدخل الدولة نفسه لسببين هما: التخوف من تردي صحة الأجراء الجسمانية و المعنوية،و ضرورة توجيه و إدارة اقتصاد البلاد.
   تراوحت أوقات العمل في البداية بين إثني عشر (12) و ستة عشر( 16) ساعة يومياً،أي بين اثنين و سبعين (72) و ستة و تسعين (96) ساعة أسبوعياً،و انتهت اليوم لتصبح من حيث المبدأ أربعين (40) ساعة أسبوعياً،و قد قضى بذلك المشرع الجزائري في المادة 2 من الأمر 97-03 المحدد للمدة القانونية للعمل،و نص على ما يلي: "تحدد المدة القانونية الأسبوعية بأربعين ساعة في ظروف العمل العادية،و توزع على خمسة (5) أيام على الأقل"،يعتبر النص الذي يحدد الحد الأقصى لساعات العمل في الأسبوع من قواعد النظام العام،له صفة آمرة،و لكن ينبغي أن ندقق في هذه الصفة:
1-لا تؤخذ هذه الصفة بعين الاعتبار إلا فيما يخص منع تجاوز الحد الأعلى لساعات العمل،        أو ساعات العمل الإضافية،و يبطل كل اتفاق فردي أو جماعي لرفع هذا الحد القانوني،و عكس ذلك يجوز طبقاً للقاعدة العامة في قانون العمل،تميل إلى حماية الأجراء وضع حد أوطأ من الحد القانوني بحكم العادات أو إذا نصت به عقود العمل الجماعية أو العقود الفردية.
2-لم تعني الصفة الآمرة في بداية الأمر سوى صاحب العمل تبعاً للروحية الأولى لقانون العمل (حماية العامل من صاحب العمل)،و بقي العامل عكس ذلك حراً بعد إتمامه الحد الأعلى لساعات العمل في إنجاز الأعمال التي يختارها صاحب عمل آخر أو في منزله،و لكنه ظهر أن ترك الصلاحية للعامل بهذا الشكل تضر بمتطلبات الاقتصاد الوطني (الكفاح ضد البطالة)،لذلك حظرت الدول العمل الأسود.
تحديد ساعات العمل اليومية.
   كان المشرع سابقاً يكتفي ببيان عدد الساعات القصوى للعمل الأسبوعي،و يسكت عن بيان الحد الأعلى لساعات العمل اليومية،فاستغل بعض أصحاب العمل ذلك بتوزيع ساعات العمل الأسبوعية المفروضة قانوناً على أقل عدد ممكن من أيام الأسبوع:ثلاث، أربع أيام مثلاً،و منح العمال بقية أيام الأسبوع عطل مأجورة ليتسنى لهم تشغيل عمال آخرين في أيام تعطيلهم،و استُغِل العمال من جانبهم لدى أرباب عمل آخرين،و بذلك كان يُفرَغ قانون الحد الأعلى لساعات العمل من محتواه،لذا تلجأ بعض الدول إلى إصدار نصوص خاصة لتقييد كيفية توزيع ساعات العمل الأسبوعية على أيام الأسبوع،مع فرض حد أعلى لساعات العمل اليومية،لا يجوز أن تتعدى بأي صفة كانت مدة العمل إثنا عشرة (12) في اليوم (المادة 26 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل) ،و قد حددها الأمر    97-03 المتعلق بتحديد المدة القانونية للعمل الأسبوعي بعشر (10) ساعات كل يوم (المادة 6 منه)،استثناءاً أجازت المادة 23 من قانون علاقات العمل أن تكون مدة العمل الأسبوعي أقل أو أكثر،فتخفض للأشخاص الذين يقومون بأشغال خاصة و خطيرة،و تترتب عنها متاعب بدنية    أو عصبية،و أن ترفع لبعض مناصب العمل المتضمنة فترات التوقف عن النشاط،أو تحدد الاتفاقيات   أو الاتفاقات الجماعية قائمة المناصب المعنية،و توضح كل منصب مقدار رفع المدة أو خفضها،هناك تعديل لقاعدة الحد الأعلى لساعات العمل الأسبوعي قانوني و إجباري لتقليص مدة العمل بالنسبة لعمال المناجم بسبب جهدهم المضني بشكل خاص،و هناك خروج قانوني باتجاه زيادة الحد الأعلى لحد العمل بشرط ألا تزيد فترة العمل اليومي عن إثنا عشر (12) ساعة يومياً،إذا حصل مثلاً انقطاع للعمل الجماعي نتيجة انخفاض الإنتاج للتقلبات الجوية،أو كساد المنتج...،يجوز استرجاع الساعات الضائعة إلا أن المادة المشار لها فتحت المجال للاتفاقيات الجماعية لتحديد قائمة المناصب المعنية،      و تحدد لكل منصب مقدار خفض العمل أو رفعه،أما في الشأن الفلاحي فقد حددت المادة 24 من القانون المدة القانونية للعمل المرجعي في المستثمرات الفلاحية بألفين (2000) ساعة في السنة توزع على فترات و حسب ضروريات المنطقة أو النشاط.
العطلة الأسبوعية.
   كُرس مبدأ الراحة الأسبوعية لأول مرة على الصعيد الدولي من قِبل منظمة العمل الدولية (O.I.T)،بموجب الاتفاقية رقم 14 لسنة 1921 التي نصت على منحها في المشاريع الصناعية،    و أوصت بوجوب مطابقة الراحة كلما أمكن الأمر للأيام المخصصة للراحة بموجب تقاليد و عادات البلدان و دينها،غير أن هذه الاتفاقية لم تكن تستهدف المؤسسات التجارية،أما المشرع الجزائري فقد أطلق بنص الفقرة 1 من المادة 70 من القانون الأساسي حق منح الراحة الأسبوعية على النحو التالي: "يستحق العامل يوم كامل للراحة في الأسبوع"،و قد ورد في نص المادة 33 قانون علاقات العمل أكثر إيضاحاً فنص على أن حق العامل في الراحة يوم كامل في الأسبوع،و تكون الراحة الأسبوعية العادية،في ظروف العمل العادية يوم الجمعة.
لكن القانون يُجيز تأجيل الراحة الأسبوعية إذا اقتضت ذلك متطلبات المصلحة العمومية،أو تنظيم الإنتاج و العمل.
و إذا كانت القاعدة العامة الاستفادة من الراحة الأسبوعية يتم في اليوم الأسبوعي لهذه الراحة،فإنه يمكن و بصفة استثنائية و وفقاً لما تطلبه المصلحة العامة أو طبيعة العمل أن يكون يوم العطلة في يوم آخر من الأسبوع،و هو النظام المعمول به في بعض البلدان بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية و المصالح التي لها علاقة مع الجمهور "يمكن تسجيل الراحة الأسبوعية أو التمتع بها في يوم آخر إذا استدعت لذلك الضرورات الاقتصادية أو ضرورات تنظيم الإنتاج. و يحق للهيئات و المؤسسات الأخرى أن تجعل الراحة الأسبوعية تناوبية،إذا كان التوقف فيها يتعارض مع طبيعة نشاط الهيئة أو المؤسسة أو العموم"(المادة 37 من قانون علاقات العمل).
كما يمكن تنظيم أيام الراحة الأسبوعية بقرار من الجهات المختصة الإدارية منها و الاقتصادية بالنسبة لبعض المؤسسات التي يمثل توقفها الكامل خطر أو مساس بأمن أو تمويل المواطنين،أو التأثير على مصالجهم المادية و المعنوية،كما تسمح بذلك مختلف القوانين و التنظيمات،و قد ورد في المادة 38 من قانون علاقات العمل ما يلي "يحدد الوالي بقرار يوم الراحة الأسبوعية لجميع العمال أو لبعضهم في الهياكل أو مؤسسات التجارة و التجزئة و يأخذ بعين الاعتبار ضرورات تمويل المستهلكين و حاجات كل مهنة،و يضمن تناوب هياكل كل فئة و مؤسساتها".
كما أنه يحق لصاحب العمل تشغيل العمال في أيام العطل مقابل إعطائهم أيام راحة تعويضية،تلك هي حالة الأعمال المستعجلة،فقد ورد في المادة 36 من قانون علاقات العمل أنه "يحق للعامل الذي يشتغل في يوم الراحة القانونية التمتع براحة تعويضية مماثلة لها،و ينتفع بالحق في زيادة ساعات إضافية طبقاً لأحكام هذا القانون.




العطلة السنوية.
   ليست العطلة السنوية إلا تتمة للعطلة الأسبوعية،و ذلك لأن العطلة الأخيرة ليست كافية في الواقع لإزالة التعب في مجرى عام من العمل.و الذي يستوجب عطلة أول أمدا،كما أن العطلة الأسبوعية لا تسمح للأجراء بالانفصال عن همومهم المعتادة لذا نص التصريح العالمي لحقوق الإنسان بحق (في قائمة الحقوق الاجتماعية) منح العمال عطلة دورية مأجورة،إن مسألة العطل المأجورة تطورت تطوراً هاماً في العالم و لغاية سنة 1952 كرستها 54 دولة،و لكن إن كان هذا المبدأ قد لقي ترحاباً كبيراً لدى الدول انطوت مع ذلك تشريعاتها على اختلافات كبيرة بشأن تنظيمه،و ذلك رغم وجود اتجاهات مشتركة بينها.
1-تمديد المدة.
   نصت إحدى اتفاقيات منظمة العمل الدولية رقم 52 لسنة 1936 على منح حد أدنى قدره ستة (6) أيام عطلة للأجير الاعتيادي،و اثنا عشر (12) يوم إلى الأجراء أو المتدربين دون ستة عشر (16) سنة،و بعد أن اعتبرت جلسة مؤتمر العمل الدولي رقم 37 في عام 1954 التطور الذي بدا باتجاه زيادة مدة العطلة أقرت توصية تنص على منح الأجراء البالغين عطلة أمدها الأدنى أسبوعين في نهاية كل سنة من الخدمة دون أن تحتسب منها الإجازات المرضية،و على أن ينتفع القاصرون دون ثمانية عشر (18) سنة من عطلة أطول،و قد كرس المشرع الجزائري هذا الحق و عمل على استقراره كحق مكتسب لا يمكن التنازل عنه في جميع قوانين العمل المتلاحقة،إذ كرست المادة 214 من الأمر المتعلق بالشروط العامة لعلاقات العمل للقطاع الخاص أنه لكل عامل و عامل متدرب الحق في عطلة سنوية يتحملها صاحب العمل،و يعد باطلاً و عديم الأثر كل تنازل من العامل أو العامل المتدرب في تمام عطلته أو في جزء منها،و هو نفس المبدأ الذي كرسته قوانين لاحقة لاسيما المواد في قانون 1889 الخاص بالعطل السنوية،و المادة 39 من قانون علاقات العمل القاضية بما يلي "لكل عامل الحق بعطلة سنوية مدفوعة الأجر يمنحها إليه المستخدم و كل تنازل من العامل عن كل عطلته أو بعضها يعد باطلاً و عديم الأثر"،و هو ما يعكس الأهمية الكبيرة لهذه العطلة بالنسبة للعامل بصفة خاصة الأمر الذي يبرر الحماية القانونية التي أحيطت بها من قبل المشرع،و التي تتلخص في اعتبار التنازل عن كل أو جزء من العطلة يعد عملاً باطلاً و عديم الأثر.
و تتفق أغلب التشريعات العمالية المقارنة على تحديد مدة العطلة السنوية بثلاثين (30) يوماً متتالية،  و هي المدة التي يمكن أن تمدد إلى أكثر من هذا بالنسبة لبعض العمال الذين يمارسون أعمالاً شاقة    أو مرهقة أو الذين يعملون في بعض المناطق التي تتميز بمناخ خاص مثل الصحراء،كما تنص على ذلك المواد من 42 إلى 45 من قانون علاقات العمل،على أن تحدد هذه المدة بمعدل يومين و نصف اليوم عطلة لكل شهر عمل،و قد ورد في المادة 41 من القانون نفسه ما يلي "تحسب العطلة مدفوعة الأجر على أساس يومين أو نصف يوم في كل شهر عمل دون أن تتعدى المدة الإجمالية ثلاثين (30) يوماً تقويمياً عن سنة العمل الواحدة"،كما نصت المادة 42 من القانون ذاته على أن تمنح عطلة إضافية لا يمكن أن تقل عن عشرة (10) أيام في سنة العمل الواحدة في المناطق الجنوبية،و قضت المادة 45 "يجوز تمديد العطلة الرئيسية لفائدة العمال الذين يؤدون خصوصاً أشغال خطيرة و شاقة أو أشغال تتسبب في متاعب بدنية أو عصبية".
و إذا كان المبدأ العام هو أن يستفيد العامل من عطلته في وقتها المحدد و المناسب،و دفعة واحدة بعد كل سنة عمل،فإن ظروف العمل و متطلبات المصلحة العامة،أو مصلحة المؤسسات المستخدمة كثيراً ما تفرض على العامل إما تأجيل عطلته السنوية و تجزئتها أو قطعها إذا كان قد شرع فيها على أن يعوضها في وقت تسمح له ظروف العمل التمتع بها "يمكن أن يستدعى العامل الموجود في عطلة لضرورة ملحة تقتضيها الخدمة "(المادة 42 من قانون علاقات العمل).
كما أن الحالة الصحية للعامل هي الأخرى قد تمنعه من التمتع بعطلته إلى نهايتها،حيث يمكن له أن يقطع العطلة السنوية في حالة ما إذا أصيب بمرض أو حادث ما ليستفيد من العطلة المرضية و تأجيل العطلة السنوية،و قضت المادة 50 من قانون علاقات العمل بما يلي "يرخص للعامل بتوقيف العطلة السنوية إثر وقوع مرض يستفيد من العطلة المرضية و الحقوق المرتبطة بها"،كما ورد في المادة 52 من قانون علاقات العمل "يحدد المستخدم برنامج العطل السنوية و تجزئتها بعد استشارة لجنة المشاركة المنتخبة بمقتضى هذا القانون من موجبات".


استحقاق الأجر عن مدة الإجازة.
تكون الإجازة السنوية بأجر كامل،و يتفق هذا الحكم مع الحكمة من نظام الإجازة،و هي تحقيق قدر من الراحة بغير الإضرار بالعامل مادياً،بل إن الأجر الكامل يصبح الدافع الرئيسي لتمسك العامل بحقه في الراحة،فبغيره يفضل أغلب العمال العمل المستمر سعياً وراء لقمة العيش.
   و يثور في الفقه نقاش حول الطبيعة القانونية لما يحصل عليه العامل من أجر أثناء إجازته،و قد ذهب رأي إلى أن ما يعطى للعامل في هذه الحالة ليس أجراً بالمعنى الصحيح لأن الأجر مقابل العمل،و العامل في فرضنا المعروض كان في أيام إجازته،و يفضل هذا الرأي اعتبار المبلغ تعويضاً يدفعه رب العمل للعامل،يتساوى في قيمته مع الأجر المستحق عن مدة الإجازة.و يخضع لنفس الأحكام     و القواعد الخاصة بالأجور،و هذا الرأي مردود عليه لأنه إذا كان صحيحاً أن الأجر مقابل العمل فإن التعويض يدفع جبراً لضرر ما،و بالتالي فإن إدخال فكرة التعويض لا تسمح بتفسير كثير من الأحكام الخاصة بالإجازة السنوية،و نعتقد مع بعض الفقهاء أن التكييف الصحيح هو أن ما يحصل عليه العامل هو أجر بالمعنى الكامل،أما الذي يؤدي هذا الأجر عنه فهو جهد العامل أثناء أيام التنفيذ الفعلي،و بالتالي فإننا ننظر إلى نظام الإجازة السنوية على ضوء التنظيم العام لوقت العمل السنوي،فالمشرع يضع الحد الأقصى لساعات العمل اليومية و الأسبوعية و السنوية في ضوء تخطيط عام لما يقدمه العامل من جهد،و ما يحصل عليه من مزايا،و من المزايا الأساسية حصول العامل على إجازة ممتدة لأجر كامل،تنص المادة 52 من القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل "يساوي تعويض العطلة السنوية في الجزء الإثني عشري(1/12) من الأجر الكامل الذي يتقاضاه العامل خلال السنة المرجعية للعطلة و في ضوء السنة السابقة".
انتهاء علاقة العمل الفردية.
   تنص المادة 66 من قانون علاقات العمل "تنتهي علاقة العمل في الحالات التاية:
-البطلان أو الإلغاء القانوني؛
-إنقضاء أجل عقد العمل ذي المدة المحدودة؛
-الإستقالة؛
-العزل؛
-العجز الكامل عن العمل كما ورد تحديده في التشريع؛
-التسريح للتقليص من عدد العمال؛
-إنهاء النشاط القانوني للهيئة المستخدمة؛
-التقاعد؛
-الوفاة.".
1)الوفاة.
   إن لعقد العمل صفة شخصية خاصة من جانب العامل لذا فإن وفاتة تؤدي إلى انتهاء العقد بحكم القانون،و لما كان العامل وحده يلتزم قِبل المشروع أو المنشأة فلا يمكن أن ندرك انتقال التزامه بعد موته إلى ورثته،أو أن يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين إلى الحلول محل مورثهم و الحكم خلاف ذلك،عند تعلق الأمر بوفاة صاحب العمل إلا إذا كانت شخصيته قد روعيت وقت إبرام العقد،و لعقد التمهين صفة شخصية بالنسبة للطرفين.
2)انتهاء المدة أو العمل في عقود العمل المحدودة المدة.
   إن هذه العلاقة تنتهي بصفة قانونية عادية إما بانتهاء المدة المقررة أو العمل المتفق عليه،دون أن يترتب على ذلك أي التزام على عاتق أحد الطرفين،إلا فيما يخص ضرورة إعلام أحدهما الآخر نيته في عدم تجديد العقد،لأن انتهاء المدة أو العمل لا يترتب عليه بالضرورة وجوب انتهاء هذه العلاقة إذ يمكن أن تتجدد أو تمدد بمبادرة أحد الطرفين أو بعدم مبادرة كل منهما بإنهائها،أي التجديد          أو التمديد الضمني للعقد الذي يترجم من خلال استمرار كل طرف بالقيام بالتزاماته العادية،و في هذه الحالة تتحول هذه العلاقة إلى علاقة غير محددة المدة،أما إذا حدث الإنهاء قبل انتهاء المدة أو العمل المتفق عليه فإنه يفرض على صاحب مبادرة بالإنهاء،الالتزام ببعض الإجراءات التي أقرتها القوانين      و النظم المعمول بها حماية لحقوق و مصالح الطرف الآخر.
الاستقالة.
  تعتبر الاستقالة من الحقوق المعترف بها للعامل في مختلف القوانين و الأحكام القضائية،و الآراء الفقهية المعاصرة،انطلاقاً من مبدأ حرية العمل التي تقوم عليها هذه العلاقة،و قد اعتمد المشرع الجزائري هذا المبدأ في مختلف قوانين العمل المتعاقبة و لاسيما قانون علاقات العمل 90-11 الذي لم يكتف بجعل الاستقالة حالة من الحالات القانونية لإنهاء عقد علاقة العمل (المادة 66 فقرة 3 منه)،بل أقر في المادة 66 من ذات القانون على أن الاستقالة حق معترف به للعامل و نصها كما يلي"الاستقالة حق معترف به للعامل.على العامل الذي يبدي رغبته في إنهاء علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة أن يقدم استقالة كتابية.و يغادر منصب عمله بعد فترة إشعار مسبقة وفقاً للشروط التي تحددها الاتفاقيات    أو الاتفاقات الجماعية".
و الاستقالة و إن كانت حق للعامل فإن ممارستها ليست مطلقة بل مقيدة بعدة قيود تنظيمية،الأمر الذي يجعل منه حق نسبي لا يجوز التعسف في استعماله،و من أهم القيود الواردة على ممارسة حق الاستقالة وجوب منح صاحب العمل مهلة فاصلة بين تاريخ إعلان الرغبة في الاستقالة،و تاريخ بداية سريانها،أو ما يعرف بمهلة الإشعار أو الإخطار المسبق،و ذلك من أجل تمكين طرف آخر من اتخاذ التدابير التي تمكنه من تعويض العامل المستقيل،و عدم تعريض مصالحه للضياع نتيجة مغادرة العامل لمنصب عمله.
و تختلف مهلة الإخطار من قطاع نشاط إلى قطاع آخر،و من مؤسسة إلى مؤسسة أخرى،و هي بصفة عامة تكون طويلة نسبياً كلما كان مستوى العامل و منصب العمل مرتفعاً،بين السلم المهني    و تكون أقصر كلما كان المنصب أو مستوى العامل منخفض في السلم المهني،و للدلالة على هذا الاختلاف يمكن الاستعانة بمثالين،لكل من مؤسسة سونلغاز و شركة البناءات الجاهزة و الخفيفة للألمنيوم،حيث تتراوح هذه المدة في المؤسسة الأولى (سونلغاز) ما بين شهر واحد و ثلاثة أشهر بمعدل شهر لعمال التنفيذ غير المؤهلين،و شهرين للعمال المؤهلين و ثلاث أشهر للإطارات،في حين تتراوح هذه المدة ما بين شهر و ستة أشهر في المؤسسة الثانية (البناءات)،معدل شهر لعمال التنفيذ غير المؤهلين و شهرين للعمال المؤهلين و ثلاث أشهر للإطارات المتوسطة و ستة أشهر للإطارات العليا.
أما من الناحية الشكلية و الموضوعية لصحة الاستقالة وفق ما ينص عليه القانون و الاتفاقيات الجماعية فإنها تتمثل في وجوب الاستقالة الكتابية،أي أن يوجه العامل الراغب في قطع علاقة العمل رسالة مكتوبة تتضمن الأسباب و الدوافع التي دفعته إلى الرغبة في وضع حد لعلاقة العمل،على أن يجيب صاحب العمل على تلك الرسالة في المدة و بالطريقة المحددة في الاتفاقية الجماعية أو النظام الداخلي للعمل أو في عقد العمل الفردي،و هنا يثور إشكال حول مدى مثاب الاستقالة إذا جاء رد صاحب العمل بالرفض،هل يمكن للعامل مغادرة منصب عمله بعد انتهاء مهلة الإخطار رغم رفض صاحب العمل للاستقالة؟أم لا يمكنه ذلك؟و في حالة ما إذا غادر العامل منصب العمل في هذه الحالة،هل يعتبر إنهاؤه لعلاقة العمل إنهاءاً تعسفياً أم لا؟لأنه في حالة قبول الاستقالة لا يطرح إشكال ما دام العامل قد التزم بمهلة إخطار كما ينص عليه القانون و النظام المعمول بهما في المؤسسة        أو القطاع المستخدم.
إن الإجابة على هذه الإشكاليات ليست محددة و واضحة لا في القانون،و لا في الاتفاقيات الجماعية،إلا أنه يمكن القول استناداً إلى بعض الآراء الفقهية أن الأسباب التي يبني العامل استقالته عليها ليست قابلة للتقييم و الفحص أو المراقبة من قبل صاحب العمل أو القضاء،و البحث في مدى جديتها أو موضوعيتها أو تأسيسها على مبررات و حجج صحيحة ما دام العامل يتمتع بكامل قواه العقلية أو الأهلية الكاملة التي تمكنه من تقدير مصلحته و المحافظة عليها،و بالتالي فإن صاحب العمل و القاضي ليس لهما حق موازنة الأسباب التي دفعت العامل للاستقالة،ما دامت هذه الأخيرة واضحة و صريحة إلا فيما يتعلق بمراقبة الإجراءات التي تمت بمقتضاها و مدى مطابقتها لما هو منصوص عليه من إجراءات بهذا الشأن و مما سبق يمكن أن نستنتج أنه إذا ثبت احترام العامل للإجراءات المعمول بها في الاستقالة،و بالرغم من رفض صاحب العمل لها فإنه يمكنه أن يغادر منصب عمله بمجرد انتهاء مهلة الإخطار التي يقررها النظام المعمول به،دون أن يطالب بأي تعويض أو أن يتابع بأي سبب لأن العبرة بالإجراءات،و ليس بالأسباب في هذه الحالات.و هو ما يجعل رفض صاحب العمل مهما كان أساسه رفضاً تعسفياً في هذه الحالة.
استحالة التنفيذ.
   تقضي المادة 176 من القانون المدني بأنه "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا يد له فيه..."،مثال ذلك من جانب صاحب العمل تحقق قوة قاهرة مستوفية المتطلبات التقليدية لاعتبارها سبباً لاستحالة تنفيذ الالتزام،و هي عدم توقعها و استحالة مقاومتها كنشوب حريق أو حدوث غرق أو زلزال أو احتلال أو تدمير محل العمل خلال حرب،أما الأزمة التي تسبب غلق المشروع أو تقليص عدد العمال،فلا تتضمن اعتيادياً وجود قوة قاهرة.
و يكون المرض من جانب العامل قوة قاهرة إن كان لا يرجى شفاؤه أو سب للعامل عجزاً أقعده عن العمل بشهادة طبية،لذا كانت تقضي الفقرة 3 من المادة 31 من أمر الشروط العامة المتعلقة بالقطاع الخاص (الملغى) انتهاء علاقة العمل بصفة قانونية حينما يعجز المعني عن العمل نتيجة حادث عمل   أو مرض مهني يترتب عنه حقه في تقاضي راتب العجز التقاعدي.لمن يفقد 66 % من قدرته عن العمل فأكثر أو أي نسبة أخرى قد ينص عليها تنظيم خاص آخر،كما تنص بذلك المادة 32 فقرة 5 من القانون الأساسي العام للعامل (الملغى)،أما إذا كانت درجة العجز أقل من66 % فلا يحق لصاحب العمل إنهاء عقد العامل أو فصله،و إنما يجب عليه أن ينتظر شفاءه أو استقرار إصابته و من ثم إعادته لعمله السابق،بحكم القانون،و يعد العقد خلال فترة تعطله للعمل موقوفاً.(المادة 21 و 22 من قانون الشروط العامة الملغى)،أما القانون 83-13 المتعلق بالتأمينات في المادة 32 منه يقضي بأن "يكون للمؤمن له الحق في معاش العجز عندما يكون مصاباً بعجز ذهب بنصف قدرته على العمل أو الكسب على الأقل".




   اليوم و قد أنهيت محاضرات الطور الأول،عساني تركت الأثر الطيب،و الأثر للخلف من بعدي،    عساني كنت عند حسن ظن من أحسنه بي،و أنّي وصلت بمن تمسك بطوقي بر الأمان،خالص شكري لكل الذين دعموني،وكانوا الدافع لي أساتذةً و طلاباً و أهليهم،و الذين لم أعلمهم منهم و ذكروني بظهر الغيب،و الساعة ساعة فراق الشكر موصول لأهل تلمسان الطيبين،حسُن الصاحب و طاب المقام،فجازاكم الله عنا كل الخير و جزاكم.


"قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنيِ وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَاوِيلِ مَا لَم تَسْتَطع عَّلَيْهِ صَبْرًا"الكهف 77

والحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلي اللهم و بارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه و سلم تسليما.

تم بعون الله بتلمسان الثلاثاء 05 ماي 2015
اللوحة 1
اللوحة 2
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي